رجال في التّارِيخ الجزء ١

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 750

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 750
المشاهدات: 20784
تحميل: 1898


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 750 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20784 / تحميل: 1898
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 1

مؤلف:
العربية

المغيرة، وكذلك صنعوا، لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلاً فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزاً، قال وكنت رجلاً ضعيفاً وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم فو الله اني لجالس فيها أنحت القداح وعندي أم الفضل جالسة وقد سرَّنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة وكان ظهره إلى ظهري فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وقد قدم فقال أبو لهب: هلم إلي يا ابن أخي فعندك الخبر فجلس إليه والناس قيام عليه فقال: يا بن أخي اخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال لا شيء والله إن كان إلا ان لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئاً ولا يقوم لها شيء.

قال أبو رافع فرفعت طرف الحجرة

٢٨١

بيدي ثم قلت تلك الملائكة قال فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة فثاورته فاحتملني وضرب بي الأرض ثم برك عليَّ يضربني وكنت رجلاً ضعيفاً فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته ضربة فلقت رأسه شجة منكرة وقالت تستضعفه ان غاب عنه سيده فقام مولياً ذليلاً فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتله، ولقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثة ما يدفنانه حتى انتن في بيته.

وكانت قريش تتقي العدسة(١) كما يتقي الناس الطاعون حتى قال لهما رجل من قريش: ألا تستحيان ان أباكما قد انتن في بيته لا تغيبانه؟ فقالا: إنا نخشى هذه القرحة قال فانطلقا فأنا معكما، فما غسلوه إلا قذفاً بالماء عليه من بعيد ما يسمونه ثم احتملوه فدفنوه

__________________

١ - مناقب ابن شهرآشوب: ج١، ص٦٧، بحار الأنوار: ج١٨، ص٦٤، و: ج١٩، ص٢٢٨، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج١٤، ص١٨٢، تفسير مجمع البيان للطبري: ج٤، ص٤٤٣.

٢٨٢

بأعلى مكة إلى جدار وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه(١) . ولعل في تعيير أمير المؤمنينعليه‌السلام أبا لهب بهذا البيت بعد الأبيات السابقة:

فأصبح ذاك الأمر عاراً يهيله

عليك حجيج البيت في موسم العرب

إشارة إلى رمي الحاج إليه بالأحجار عند مرورهم عليه(٢) .

أبو مخنف

لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي

شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم، توفي سنة ١٥٧، يروي عن الصادقعليه‌السلام ، ويروي عنه هشام الكلبي. وجده مخنف بن سليم صحابي شهد الجمل في أصحاب عليعليه‌السلام حاملاً راية الأزد فاستشهد في تلك الوقعة

__________________

١ - تفسير جامع البيان: ج٤، ص٤٤٣، الطبقات الكبرى لابن سعد: ج٤، ص٧٤، والبداية والنهاية لابن كثير: ج٣، ص٣٧٦.

٢ - الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج١، ص١٤٩ - ١٥٠.

٢٨٣

سنة ٣٦، وكان أبو مخنف من أعاظم مؤرخي الشيعة، ومع اشتهار تشيعه اعتمد عليه علماء السنة في النقل عنه كالطبري وابن الأثير وغيرهما، وليعلم ان لأبي مخنف كتباً كثيرة في التاريخ والسير منها كتاب مقتل الحسينعليه‌السلام الذي نقل منه أعاظم العلماء المتقدمين واعتمدوا عليه، ولكن للأسف انه فقد ولا يوجد منه نسخة، واما المقتل الذي بأيدينا وينسب إليه فليس له بل ولا لأحد من المؤرخين المعتمدين، ومن أراد تصديق ذلك فليقابل ما في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه حتى يعلم ذلك، وقد بينت ذلك في نفس المهموم في طرماح بن عدي والله العالم(١) .

__________________

١ – القمي ، م س : ج ١ ، ص ١٥٥

٢٨٤

أبو مسلم الخراساني

عبد الرحمن بن مسلم القائم بالدعوة العباسية.

قيل كان قصيراً أسمر حلواً أحور العين خافض الصوت فصيحاً حلو المنطق عالماً بالأمور، لم يُر ضاحكاً ولا مازحاً إلا في وقت تأتيه الفتوحات العظام فلا يظهر عليه أثر السرور وتنزل به الحوادث الفادحة فلا يرى مكتئباً وإذا غضب لم يستفزه الغضب، ولا يأتي امرأته في السنة إلا مرة واحدة، ويقول الجماع جنون ويكفي الإنسان ان يجن في السنة مرة، وكان من أشد الناس غيرة لا يدخل قصره غيره، قيل لما زفت إليه امرأته أمر بالبرذون الذي ركبته فذبح وأحرق سرجه لئلا يركبه ذكر بعدها، قتل في دولته ستمائة ألف صبراً.

قتله المنصور في شعبان سنة ١٣٧ برومية المدائن بالقرب من الأنبار. ونقل عن ربيع الأبرار للزمخشري قال: كان أبو مسلم يقول بعرفات: اللهم اني تائب إليك مما لا أظنك تغفر لي، فقيل

٢٨٥

له: أفيعظم على الله تعالى غفران، فقال: اني نسجت ثوب ظلم ما دامت الدولة لبني العباس فكم من صارخة تلعنني عند تفاقم الظلم! فكيف يغفر لمن هذا الخلق خصماؤه؟.

قال ابن قتيبة في المعارف: أبو مسلم صاحب الدعوة ذكروا ان مولده سنة مائة، واختلفوا في نسبه اختلافاً كثيراً فقال بعضهم هو من اصبهان وقال بعضهم من خراسان وقيل من العرب، وادعى هو انه من سليط بن علي بن عبد الله ابن عباس ونسبه أبو دلامة إلى الأكراد(١) فقال:

أبا مجرم ما غير الله نعمة

على عبده حتى يغيره العبد

أفي دولة المهدي حاولت غدره

ألا ان أهل الغدر آباؤك الكرد

أبا مجرم خوفتني القتل فانتحى

عليك بما خوفتني الأسد الورد

وكان منشأه عند ادريس بن عيسى جد

__________________

١ - المعارف : ص ١٨٥

٢٨٦

أبي دلف النازل في حد اصبهان، وقتله أبو جعفر برومية المدائن(١) سنة ١٣٧. قال ابن النديم: ومن الاعتقادات التي حدثت بخراسان بعد الإسلام ((المسلمية)) أصحاب أبي مسلم يعتقدون إمامته ويقولون انه حي يرزق(٢) .

أبو موسى الأشعري

قال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة أبي موسى الأشعري، عبد الله بن قيس بن سليم انه:

ولاه عمر البصرة، لما عزل المغيرة عنها، فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان فعزله عثمان عنها، وولاها عبد الله بن عامر بن كريز، فنزل أبو موسى

__________________

١ - جاء ترجمته في هامش ١ من تحقيق كتاب البداية والنهاية لابن كثير: ج٩، ص٣٧٢، وفي وفيات الأعيان: ج٣، ص١٤٥، ومروج الذهب: ج٣، ص٢٨٩، وفي تاريخ الطبري: ج٨ ، ص٢٨٣.

٢ - الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج١، ١٥٧ - ١٥٨.

٢٨٧

الكوفة حينئذ، وسكنها، فلما كره أهل الكوفة سعيد بن العاص ودفعوه عنها، ولّوا أبا موسى، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه، فأقره على الكوفة، فلما قتل عثمان عزله عليعليه‌السلام عنها، فلم يزل واجداً لذلك على عليعليه‌السلام ، حتى جاء منه ما قال حذيفة فيه، فقد روى حذيفة فيه كلاماً كرهت ذكره والله يغفر له، ثم كان من أمره يوم الحكمين ما كان

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة:

قلت: الكلام الذي أشار إليه أبو عمر بن عبد البر ولم يذكره قوله فيه، وقد ذكر عنده بالدين، اما انتم فتقولون ذلك، واما انا فاشهد انه عدو لله ولرسوله، وحرب لهما في الحياة الدنيا( وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ

__________________

١ - الاستيعاب، في ذيل الإصابة: ج٢، ص٣٧٢، والصحابة للشيخ محمد السند: ص٢٢٧

٢٨٨

سُوءُ الدَّارِ (١) )

وكان حذيفة عارفاً بالمنافقين، أسر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرهم، وأعلمه أسماءهم.

وروى أن عماراً سئل عن أبي موسى، فقال لقد سمعت فيه من حذيفة قولاً عظيماً، سمعته يقول صاحب البرنس الأسود، ثم كلح كلوحاً علمت منه انه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط.

وروى عن سويد بن غفلة قال: كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات في خلافة عثمان، فروى لي خبراً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: سمعته يقول: إن بنى إسرائيل اختلفوا، فلم يزل الاختلاف بينهم، حتى بعثوا حكمين ضالين ضلا وأضلا من اتبعهما، ولا ينفك أمر أمتي حتى يبعثوا حكمين يَضِلاّن ويُضِلان من تبعهما، فقلت له أحذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما قال فخلع قميصه، وقال أبرأ إلى الله من ذلك، كما أبرأ من قميصي

__________________

١ - ( غافر : من الآية ٥١ - ٥٢ )

٢٨٩

هذا.

ثم ذكر ما قاله أبو محمد بن مثنويه في كتاب الكفاية: أما أبو موسى فانه عظم جرمه بما فعله، وأدى ذلك إلى الضرر الذي لم يخف حاله، وكان عليعليه‌السلام يقنت عليه وعلى غيره، فيقول: اللهم العن معاوية أولاً وعمراً ثانياً، وأبا الأعور السلمي ثالثاً، وأبا موسى الاشعري رابعاً.

وروى عنهعليه‌السلام انه كان يقول في أبي موسى: صبغ بالعلم صبغاً وسلخ منه سلخاً.

وفي كتاب الصحابة للشيخ السند:

وقال المزي في تهذيب المقال:

وعمل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على زبيد، وعدن، وساحل اليمن - وهذا قبل تبوك كما لا يخفى، واستعمله عمر بن الخطاب على الكوفة والبصرة. وشهد وفاة أبي عبيدة بن الجراح بالأردن. وشهد خطبة عمر بالجابية. وقدم دمشق على معاوية. إلى ان قال: وقال مجالد عن الشعبي: كتب

٢٩٠

عمر في وصيته: ان لا يقر لي عامل أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين(١) .

وفي تاريخ دمشق عن أبي حكيم:

كنت جالساً مع عمار فجاء أبو موسى فقال: ما لي ولك؟ قال: ألست أخاك؟ قال: ما ادري إلا أني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعنك ليلة الجمل. قال: انه قد استغفر لي، قال عمار: قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار(٢) .

وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء، عن شقيق:

كنا مع حذيفة جلوساً فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد فقال - أي حذيفة ــ: أحدهما منافق ثم قال إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله(٣) .

وروى الشيخ المفيد في أماليه عن

__________________

١ - تهذيب الكمال: ج٤، ص٢٤٤.

٢ - تاريخ دمشق: ص٣٢/ ٩٣، كنز العمال: ج١٣، ص٦٠٨، ح٣٧٥٥٤.

٣ - سير أعلام النبلاء: ج٢، ص٣٩٣ رقم ٨٢ ، تاريخ دمشق : ج٣٢، ص٩٣.

٢٩١

عليعليه‌السلام بشأن أبي موسى:

والله ما كان عندي مؤتمناً ولا ناصحاً، ولقد كان الذين تقدموني استولوا على مودته، وولوه وسلطوه بالإمرة على الناس، ولقد أردت عزله فسألني الأشتر فيه أن أقره فأقررته على كره مني له، وتحملت على صرفه من بعد(١) .

وذكر المسعودي في مروج الذهب:

ان أبا موسى ثبّط الناس عن عليعليه‌السلام في حرب الجمل، فعزله عن الكوفة وكتب إليه: ((اعتزل عملنا يا ابن الحائك مذموماً مدحوراً، فما هذا أول يومنا منك، وإن لك فينا لهنات وهنات))(٢) .

وذكر ابن سعد في الطبقات عن أبي برده - وهو ابن أبي موسى الأشعري:

إذ دخل يزيد بن معاوية فقال له معاوية: إن وليت من أمر الناس شيئاً

__________________

١ - الأمالي للمفيد: ص٢٩٥، رقم ٦، وذكره عنه الشيخ السند في كتابه الصحابة: ص٢٢٩.

٢ - مروج الذهب: ج٢، ص٣٦٧، تاريخ الطبري: ج٤، ص٤٩٩ - ٥٠٠.

٢٩٢

فاستوص بهذا، فإن أباه كان أخاً لي أو خليلاً أو نحو هذا من القول غير أني قد رأيت في القتال ما لم يرَ(١) .

من كتاب الصحابة للشيخ السند:

قدم أبو موسى على معاوية فدخل عليه في برنس أسود فقال: السلام عليك يا أمين الله، قال: وعليك السلام فلما خرج قال معاوية: قدم الشيخ لأُولَّيه ولا والله لا أُولَّيه(٢) .

وروى الثقفي في الغارات عن محمد بن عبد الله بن قارب:

اني عند معاوية لجالس إذ جاء أبو موسى فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين قال: وعليك السلام، فلما تولى قال: والله لا يلي هذا على اثنين حتى يموت(٣) .

__________________

١ - الطبقات الكبرى: ج٤، ص١١٢، تاريخ الطبري: ص٣٣٢.

٢ - تاريخ الطبري: ج٥، ص٣٢٢، الكامل في التاريخ: ج٢، ص٥٦٧، أنساب الأشراف: ج٥، ص٥٠.

٣ - الغارات: ج٢، ص٦٥٦.

٢٩٣

رسالة الإمام علي لأهل العراق من شيعته يبين وجهة نظره في الأحداث في موضوع التحكيم(١) :

وكان صلحاً بينكم وبينهم على رجلين حكمين، يحييان ما أحيا القرآن، ويميتان ما أمات القرآن، فاختلف رأيهما، وتفرق حكمهما، ونبذا حكم القرآن، وخالفا ما في الكتاب، واتبعا هواهما بغير هدى من الله، فجنبهما الله السداد وأهوى بهما في غمرة الضلال، وكانا أهل ذلك، فانخذلت عنا فرقة منهم، فتركناهم ما تركونا، حتى إذا عاثوا في الأرض مفسدين، وقتلوا المؤمنين، أتيناهم فقلنا لهم: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا، فقالوا: كلنا قتلهم، وكلنا استحللنا دماءهم ودماءكم، وشدت علينا خيلهم ورجالهم، فصرعهم الله مصارع القوم الظالمين. ثم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم، فإنه أفزع لقلوبهم، وأنهك

__________________

١ - الإمامة و السياسة للدينوري : ج ١ ، ص ١٧٥

٢٩٤

لمكرهم، وأهتك لكيدهم، فقلتم: كلت أذرعنا وسيوفنا، ونفدت نبالنا، ونصلت أسنة رماحنا، فاذن لنا، فلنرجع حتى نستعد بأحسن عدتنا، وإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا، ومن قد فارقنا، فإن ذلك قوة منا على عدونا، فأقبلتم حتى إذا أطللتم على الكوفة، أمرتكم أن تلزموا معسكركم وتضموا قواصيكم، وتتوطنوا على الجهاد، ولا تكثروا زيارة أولادكم ونسائكم فإن ذلك يرق قلوبكم ويلويكم، وإن أصحاب الحرب لا يتوجدون، ولا يتوجعون، ولا يسأمون من سهر ليلهم، ولا من ظمأ نهارهم، ولا من خمص بطونهم، حتى يدركوا بثأرهم، وينالوا بغيتهم ومطلبهم، فنزلت طائفة منكم معي معذرة، ودخلت طائفة منكم المصر عاصية فلا من نزل معي صبر فثبت، ولا من دخل المصر عاد إلي، ولقد نظرت إلى عسكري وما فيه معي منكم إلا خمسون رجلاً، فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم، فما قدرتم أن تخرجوا معي إلى يومكم هذا، لله آباؤكم! فما تنتظرون؟ أما ترون إلى أطرافكم قد انتقصت، وإلى

٢٩٥

مصركم قد افتتح؟ فما بالكم تؤفكون! ألا إن القوم قد اجتمعوا وجدوا وتناصحوا، وإنكم تفرقتم واختلفتم وتغاششتم، فأنتم إن اجتمعتم تسعدوا، فأيقظوا رحمكم الله نائمكم، وتحرزوا لحرب عدوكم، إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء ممن أسلم كرهاً، وكان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرباً، أعداء السنة والقرآن، وأهل الأحزاب والبدع والإحداث، ومن كانت بوائقه تتقى، وكان عن الدين منحرفاً، وأكلة الرشا، وعبيد الدنيا، لقد نمى إلي أن ابن الباغية(١) لم يبايع معاوية حتى شرط عليه أن يؤتيه أتاوة هي أعظم ما في يديه من سلطانه، فصفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا! وتربت يد هذا المشتري نصرة غادر فاسق بأموال الناس! وإن منهم لمن شرب فيكم الحرام، وجلد حداً في الإسلام، فهؤلاء قادة القوم، ومن تركت ذكر مساويه منهم شر وأضر، وهؤلاء

__________________

١ - هو أبوموسى الأشعري و عمرو بن العاص

٢٩٦

الذين لو ولوا عليكم لأظهروا فيكم الغضب والفخر، والتسلط بالجبروت، والتطاول بالغضب، والفساد في الأرض، ولأتبعوا الهوى، وحكموا بالرشا.

خصوصيات جيش عليعليه‌السلام

وأنتم على ما فيكم من تخاذل وتواكل خير منهم وأهدى سبيلا، فيكم الحكماء، والعلماء والفقهاء، وحملة القرآن، والمتهجدون بالأسحار، والعباد، والزهاد في الدنيا، وعمار المساجد، وأهل تلاوة القرآن، أفلا تسخطون وتنقمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم، والأراذل والأشرار منكم! اسمعوا قولي إذا قلت، وأطيعوا أمري إذا أمرت، واعرفوا نصيحتي إذا نصحت، واعتقدوا جزمي إذا جزمت، والتزموا عزمي إذا عزمت، وانهضوا لنهوضي، وقارعوا من قارعت، ولئن عصيتموني لا ترشدوا ولا تجتمعوا...

وروى محمد بن إسحاق عن عمه عبد الرحمن بن يسار القرشي، قال: لما نزل عليعليه‌السلام الربذة متوجهاً إلى البصرة بعث إلى الكوفة محمد بن جعفر بن أبى طالب

٢٩٧

ومحمد بن أبي بكر الصديق، وكتب إليهم هذا الكتاب، وزاد في آخره:

فحسبي بكم إخواناً، وللدين أنصاراً، فـ( انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١) )

وروى أبو مخنف، قال: حدثنى الصقَّب، قال: سمعت عبد الله بن جنادة يحدث أن علياًعليه‌السلام لما نزل الربذة بعث هاشم بن عتبة بن أبى وقاص إلى أبي موسى الأشعري، وهو الأمير يومئذ على الكوفة، لينفر إليه الناس، وكتب إليه:

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. أما بعد، فانى قد بعثت إليك هاشم بن عتبة لتُشخص إليَّ من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي، وقتلوا شيعتي، وأحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم، فاشخص بالناس إلي معه حين يقدم عليك، فإني لم أولك المصر الذي أنت فيه، ولم

__________________

١ - ( التوبة : ٤١ )

٢٩٨

أقرك عليه إلا لتكون من أعواني على الحق، وأنصاري على هذا الأمر، والسلام.

قال محمد بن إسحاق فإنه قال: لما قدم محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر الكوفة، استنفرا الناس، فدخل قوم منهم على أبي موسى ليلاً، فقالوا له: أشر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى علىعليه‌السلام ، فقال: أما سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم، وأما سبيل الدنيا فاشخصوا معهما فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج وبلغ ذلك المحمدين، فاغلظا لأبي موسى، فقال أبو موسى: والله إن بيعة عثمان لفي عنق على وعنقي وأعناقكما، ولو أردنا قتالاً ما كنا لنبدأ بأحد قبل قتلة عثمان فخرجا من عنده، فلحقا بعليعليه‌السلام فاخبراه الخبر.

وأما رواية أبي مخنف، فانه قال: أن هاشم بن عتبة لما قدم الكوفة، دعا أبي موسى السائب بن مالك الأشعري، فاستشاره، فقال: اتبع ما كتب به إليك فأبى ذلك، وحبس الكتاب، وبعث إلى هاشم يتوعده ويخوفه.

قال السائب: فأتيت هاشماً فأخبرته

٢٩٩

برأي أبى موسى، فكتب إلى علىعليه‌السلام : لعبد الله على أمير المؤمنين من هاشم بن عتبة، أما بعد يا أمير المؤمنين، فانى قدمت بكتابك على امرئ مشاق بعيد الود، ظاهر الغل والشنآن، فتهددني بالسجن، وخوفني بالقتل، وقد كتبت إليك هذا الكتاب مع المحل بن خليفة، أخي طئ، وهو من شيعتك وأنصارك، وعنده علم ما قبلنا، فاسأله عما بدا لك، واكتب إليَّ برأيك والسلام.

قال: فلما قدم المحل بكتاب هاشم على عليعليه‌السلام سلم عليه، ثم قال: الحمد لله الذي أدى الحق إلى أهله، ووضعه موضعه، فكره ذلك قوم قد والله كرهوا نبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم بارزوه وجاهدوه، فرد الله عليهم كيدهم في نحورهم، وجعل دائرة السوء عليهم. والله يا أمير المؤمنين لنجاهدنهم معك في كل موطن، حفظاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أهل بيته، إذ صاروا أعداء لهم بعده.

فرحب به علىعليه‌السلام ، وقال له خيراً، ثم أجلسه إلى جانبه، وقرأ كتاب هاشم، وسأله عن الناس وعن أبي موسى، فقال:

٣٠٠