رجال في التّارِيخ الجزء ١

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 750

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 750
المشاهدات: 20696
تحميل: 1897


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 750 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20696 / تحميل: 1897
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 1

مؤلف:
العربية

والله يا أمير المؤمنين، ما أثق به ولا آمنه على خلافك، إن وجد من يساعده على ذلك فقال علىعليه‌السلام والله ما كان عندي بمؤتمن ولا ناصح، ولقد أردت عزله فأتاني الأشتر فسألني أن أقره، وذكر أن أهل الكوفة به راضون فاقررته(١) .

وروى أبو مخنف، قال: وبعث علىعليه‌السلام من الربذة بعد وصول المحل بن خليفة، (أخي طئ)، عبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر إلى أبي موسى، وكتب معهما:

من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس، أما بعد يا بن الحائك، يا عاض أير أبيه، فو الله انى كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلاً، ولا جعل لك فيه نصيباً، سيمنعك من رد أمري والانتزاء(٢) علي. وقد بعثت إليك ابن عباس وابن أبى بكر فخلهما والمصر وأهله، واعتزل عملنا مذءوماً مدحوراً. فإن فعلت وإلا فانى قد

__________________

١ - شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١٤ ، ص ١٠.

٢ - الانتزاء : الوثوب

٣٠١

أمرتهما أن ينابذاك على سواء، إن الله لا يهدى كيد الخائنين فإذا ظهرا عليك قطعاك إرباً إرباً، والسلام على من شكر النعمة، ووفى بالبيعة، وعمل برجاء العاقبة(١) .

قال القمي:

عبد الله بن قيس، كان والياً على البصرة في أيام عمر وعثمان، وكان عامل أمير المؤمنينعليه‌السلام على الكوفة، وكان يخذّل أهل الكوفة عن حرب الجمل في نصرة أمير المؤمنين علي ويأمرهم بوضع السلاح والكف عن القتال ويقول: انما هي فتنة فنمى ذلك إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فولى على الكوفة قرظة بن كعب الأنصاري وكتب إلى أبي موسى: اعتزل عملنا يا ابن الحائد مذموماً مدحوراً فما هذا أول يومنا منك وإن لك فيها لهنات وهنات.

قال المسعودي: وقصته في أمر التحكيم واجتماعه مع عمرو بن العاص

__________________

١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٨ ، ص ٨ - ١٠.

٣٠٢

بدومة الجندل وحيلة عمرو فيه معروف، فحكي ان عمرواً أعطاه أولاً صدر المجلس وكان لا يتكلم قبله وأعطاه التقدم في الصلاة وفي الطعام لا يأكل حتى يأكل وإذا خاطبه فانما يخاطبه بأجل الأسماء ويقول له: يا صاحب رسول الله حتى اطمأن إليه وظن ان لا يغشه.

قال له عمرو: اخبرني ما رأيك يا أبا موسى قال: أرى ان أخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى بين المسلمين يختارون من يشاؤون، وكان أبو موسى يحب إحياء سنة عمر، فقال عمرو: الرأي والله ما رأيت، ثم قال: تقدم يا أبا موسى فتكلم، فقام ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال: ويحك والله انى لأظنه خدعك ان كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلك ليتكلم به ثم تكلم أنت بعده فانه رجل غدار، وكان أبو موسى رجلاً مغفلاً، فقال: إيهاً عنك إنا قد اتفقنا، فتقدم أبو موسى فخطب ثم قال بعد كلام له: وانى قد خلعت علياً ومعاوية فولوا من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً، فقام عمرو فحمد الله وأثنى عليه ثم

٣٠٣

قال: ان هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية في الخلافة فانه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه، فقال له أبو موسى: مالك لا وفقك الله قد غدرت وفجرت انما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.

فقال له عمرو: انما مثلك كمثل الحمار، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد الحكومة إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يلعن معاوية وابن العاص وأبا موسى وجماعة أخرى.

قال الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب: (أقول): الذي يظهر من تاريخ أحوال أبي موسى انه كان لغير رشده، ويشهد لذلك تعبير معاوية عنه: بدعي الأشعريين وفي الخبر الوارد في ورود عقيل على معاوية وسؤاله عن الجماعة الذين كانوا حوله، قال لمعاوية: من ذا عن يمينك؟ قال: عمرو بن العاص فتضاحك، ثم قال: لقد علمت قريش انه لم يكن أحصى لتيوسها من أبيه، ثم

٣٠٤

قال: من هذا؟

قال: أبو موسى فتضاحك ثم قال: لقد علمت قريش بالمدينة انها لم يكن بها امرأة أطيب ريحاً من قب أمه.

وفي خبر آخر أو مجلس آخر لما سأل عقيل معاوية من هذا الذي عن يمينك؟ فأجاب بأنه عمرو بن العاص، قال عقيل: هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزارها، فمن الآخر؟ قال: أبو موسى الاشعري، قال: هذا ابن المراقة.

قال: (قلت) الظاهر ان المراد من المراقة كثرة النتن، فإن المرق كما في القاموس: الاهاب المنتن ولعلها تدفع النتن فتستعمل الطيب وتحمله معها.

ومما يشهد بعدم طهارة ونسب أبي موسى بغضه وعداوته لأمير المؤمنينعليه‌السلام ففي روايات كثيرة ان بغض أمير المؤمنين علامة خبث الولادة.

قال أنس بن مالك: ما كنا نعرف الرجل لغير أبيه إلا ببغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وورث البغضة عنه ابنه أبو برده الذي قبَّل

٣٠٥

يد قاتل عمار وقال لا تمسّك النار أبداً، وسعى في قتل حجر بن عدي الكندي(١) .

أبو نؤاس الحسن بن هاني

١ - اسمه مولده نسبه:

هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح، وكنيته أبو نؤاس، وقيل هو أبو علي الحسن مولى الجراح بن عبد الله الحكمي والي خراسان، والحسن بن هانئ مولى الحكم بن سعد العشيرة من اليمن. أبوه دمشقي النشأة كان من جند الخليفة مروان الثاني وقد التحق بالأهواز وتزوج بامرأة فارسية اسمها الجلّبان، فأنجبت له بضعة أولاد منهم أبو نؤاس.

٢ - نشأته:

لما مات والد الشاعر انتقلت به أمه إلى البصرة حيث دفعت به إلى عطّار

__________________

١ - الكنى و الألقاب : ج ١ ، ص ١٦١ - ١٦٣

٣٠٦

يبري له عود البخور، لكن نفس الشاعر الميالة إلى الأدب والظرف لم تكن لترضى بهذا العمل فعاد إلى أمه المنشغلة عنه بتجارتها الرابحة... فيسرت له دخول كتّاب في البصرة ليتعلم القراءة والكتابة والقرآن. فكان يطمئن إلى مخالطة أهل المسجد ولا سيما الأدباء... وكان لشعراء البصرة موضعان يجتمعون فيها هي؛ المسجد والمربد، وقد أمضى الشاعر جل وقته يتردد بين هذين الموضعين يستمع حيناً ويشارك حيناً آخر ويكسب منهم أدباً وعلماً في كل حين.

كان الشاعر لا يأوي إلى بيته إلا عندما تشتد به الحاجة إلى النوم، وكان لا يأوي إلى دكان العطار إلا ليكسب بعض الدنانير التي يسد بها رمقه. وكان لا يجد متعة إلا في رحاب المسجد الجامع حيث يجتمع الشعراء والأدباء ويتناقلون الأشعار والقصص، وكان نهمه الشعرية للمعرفة يفوق كل تصور، فلم يتخلف عن حضور حلقة ولم يترك راوية أو فقيهاً إلا استمع إليه

٣٠٧

وشارك في مناقشته وأدلى بدلوه بين الدلاء.

وسرعان ما تنبه الشعراء إلى موهبته وأعجبهم ظرفه وذكاؤه وسرعة خاطره، فقربوه منهم، فأسرهم ميله إلى الفكاهة وجنوحه إلى العبث والدعابة فقادوه معهم... حتى أتيح له ان يتصل بوالبة بن الحباب الأسدي الشاعر الكوفي الخليع.

وروى ابن خلكان في كتابه ((وفيات الأعيان)) ان والبة بن الحباب رأى الحسن بن هانئ فأعجب به وقاله له: إني أرى فيك مخايل الموهبة فاصحبني أخرجك إلى البادية. فقال له أبو نؤاس: من أنت؟ فقال: والبة بن الحباب. فقال: أنا والله في طلبك، ولقد أردت الخروج إلى الكوفة لآخذ عنك وأسمع شعرك! وخرج به إلى الكوفة يخالط العرب الخلّص ويأخذ عنهم الغريب ويقوّم لسانه على الفصيح من كلامهم. وظل الشاعر حولاً كاملاً يشارك الأعراب في خيامهم وفي مآكلهم ومشاربهم ويشاهد الأطلال التي تغنى بها شعراؤهم، وقد

٣٠٨

أكسبته حياة البادية فصاحة بالغة لكنها أنارت في نفسه نفوراً وكرهاً لأصحابها...

لدى عودته من البادية استقر أبو نؤاس في الكوفة إلى حين وفاة استاذه والبة ثم عاد أدراجه إلى البصرة حيث انضم إلى حلقات العلماء والأدباء وجاور خلف الأحمر الذي أخذ عنه النحو ومعاني الشعر، واتصل بأبي عبيدة فأخذ عنه أخبار العرب وأيامهم في الجاهلية، كما اتصل بأبي زيد الأنصاري فتعلم منه الغريب من ألفاظ اللغة، ثم انكب على دراسة النحو على يد سيبويه، ولم يهدأ له بال حتى انصرف إلى طلب الحديث على كبار أئمة عصره وفقهائه أمثال عبد الرحمن بن زياد العبدي ويحيى القطّان، وأزهر السمّان، ولم يتخلف عن أحد من هؤلاء حتى استكمل ما عنده من علم وفقه، وكان يجيد الفارسية بدليل وفرة ألفاظها في شعره وتعلقه بحضارة فارس كما كان له إلمام بتاريخ الهند واليونان.

وقد اكتملت عدة الشاعر وبات حديث

٣٠٩

الناس في كل المجالس والأندية فضاقت به مدينة البصرة على رحبها وطمحت أنظاره إلى بغداد حيث دار الخلافة وحيث يتنافس الشعراء لينالوا الحظوة لدى خلفاء بني العباس. وكانت مقاليد الخلافة بيد هارون الرشيد (٧٨٦ - ٨٠٩ م) وكان الشاعر على عتبة الثلاثين من عمره فدخل دار الخلافة من بابها الواسع ونال الحظوة التي يحلم بها كل شاعر، ثم اتصل بابن الخليفة الأمين (٨٠٩ - ٨١٣ م) وكان نديمه وشاعره، ثم شهد الفتنة بينه وبين أخيه المأمون، ولما توفي الأمين توارى الشاعر عن الأنظار وتنكر له الدهر وساءت حالته الصحية... وتوفي سنة ١٩٩هـ (٨١٤ م) ودفن في مقابر الشونيزي.

٣ - عقيدته الدينية:

على غرار الكثير من الشعراء والأدباء أتهم أبو نؤاس بالزندقة، وهي التهمة التي كانت توجه إلى من يشتبه بانتمائهم الباطني إلى المانوية وهي مذهب فارسي يقول بمبدأ الخير والشر،

٣١٠

أي النور والظلام. على ان الشاعر في تهتكه ومجاهرته بالفجور وشكه في بعض أحكام الدين كان يعرّض نفسه للتهمة، فكم من مرة سيق مقيداً إلى الخليفة وإلى الحكام والولاة واستطاع بظرفه وحسن تخلصه ان يرد التهمة عنه كما حصل معه ذات مرة وهو يشرب الخمرة مع بعض الندمان الذين أتوا على ذكر الجنة وما فيها من طيب ونعيم وظل هو صامتاً لا يعلّق على ما يقولون، وحين استفسر أحدهم عن سبب وجومه بادره قائلاً:

يا ناظراً في الدين ما الأمر

لا قدر صحّ ولا خَبر

ما صحّ عندي من جميع الذي

يذكر إلا الموت والقبر

فتضايق القوم ولاموه أشد اللوم فقال لهم: إني أعلم ما تقولون ولكن الشك يغلب أحياناً، وأرجو ان أتوب فيغفر الله لي ثم ذكّرهم بقوله:

من اتقى الله فذاك الذي

سيق إليه المتجر الرابح

شمّر فما الدين أغلوطة

ورح لما أنت له رائح

٣١١

إن البينات على دعوة الشاعر للفساد والعصيان والجحود والاستهتار في أمور الدين كثيرة تقع عليها في كل مكان من ديوانه، ولكن الشاعر في كل مراحل حياته يعلن تمسكه بدين الإسلام، وكان شديد الإيمان بعفو الله وواسع رحمته، وكانت له فلسفة خاصة في الغفران تكونت لديه من كثرة المعاصي التي ارتكبها ويمكن الجزم ان الشاعر لم يقترف إثماً ولم يأت محرماً إلا وكان خوفه من الله يعكّر عليه صفو لذته، فاسمعه يخاطب نفسه:

يا كبير الذنب عفو اللـ

ـه من ذنبك أكبر

ليس للإنســـــــان إلا

ما قضى الله وقدّر

أعظم الأشياء في أصـ

ـغر عفو الله يصغر

أو يتساءل راجياً:

خُلِقَ الغفران إلا

لامرئ في الناس خاطئ

أو يقول معترفاً بذنبه راجياً ربه

٣١٢

مسلماً وجهه إليه:

يا رب ان عظمت ذنوبي كثرة

فلقد علمت بأن عفوك أعظم

ان كان لا يرجوك إلا محسن

فبمن يلوذ ويستجير المجرم

أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً

فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

مالي إليك وسيلة إلا الرجــــا

وجميل عفوك ثم إني مسلم(١)

إن إيمان الشاعر العميق بغفران ربه دفعه إلى الرد بعنف على إبراهيم النظّام شيخ المعتزلة قائلاً:

فقل للمدعي في العلم فلسفـــــــــــــة

حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء

لا تحظر العفو إن كنت امرئ حرجاً

فإن حظركه في الدين ازراء

ولنا في شعر أبي نؤاس دلائل قاطعة على انه كانت تمر به ساعات من اليقين تجتاح مشاعره فتخرج على لسانه أحر

__________________

١ - انظر المزيد في تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : ج ١٣ ، ص ٤٦٢

٣١٣

الابتهالات تطيح بكل الارتكابات التي تجرأ على أتيانها.

فلو كان زنديقاً مانوياً كما اتهم لما مرّت به هذه الحالات النفسية ولما جرت على لسانه هذه الأشعار التي تشبه الترانيم والصلوات.

فلنستمع إلى أبيات قالها يوم حج إلى البيت الحرام وقد جنّه الليل فخشع أمام رهبة السكون واستعرض شريط حياته الحافل بالمعصيات ففاض لسانه بهذه الأبيات:

إِلَهَنا ما أَعدَلَك

مَليكَ كُلِّ مَن مَلَك

لَبَّيكَ قَد لَبَّيتُ لَك

لَبَّيكَ إِنَّ الحَمدَ لَك

وَالـمُلكَ لا شَريكَ لَك

ما خابَ عَبدٌ سَأَلَك

أَنتَ لَهُ حَيثُ سَلَك

لَولاكَ يا رَبُّ هَلَك

لَبَّيكَ إِنَّ الحَمدَ لَك

وَالـمُلكَ لا شَريكَ لَك

كُلُّ نَبِيٍّ وَمَلَك

وَكُلُّ مَن أَهَلَّ لَك

٣١٤

وَكُلُّ عَبدٍ سَأَلَك

سَبَّحَ أَو لَبّى فَلَك

لَبَّيكَ إِنَّ الحَمدَ لَك

وَالـمُلكَ لا شَريكَ لَك

وَاللَيلَ لَمّا أَن حَلِك

وَالسابِحاتِ في الفَلَك

عَلى مَجاري الـمُنسَلَك

لَبَّيكَ إِنَّ الحَمدَ لَك

وَالـمُلكَ لا شَريكَ لَك

اِعمَل وَبادِر أَجَلَك

وَاِختم بِخَيرٍ عَمَلَك

لَبَّيكَ إِنَّ الحَمدَ لَك

وَالـمُلكَ لا شَريكَ لَك

خلاصة القول في عقيدة الشاعر انه أمضى حياته متأرجحاً بين الشك واليقين، حائراً بين الكفر والإيمان، تتنازعه حاجات الجسد والروح، فلا تطغى حاجة على أختها إلا لتعود الأخيرة فتتغلب عليها من جديد إلى ان تقدمت به السن فرجحت كفة الإيمان لديه على كفة الكفر، فإذا بقصائده في باب

٣١٥

الزهد تمحو ما أساء به إلى ربه في قصائد الخمر والمجون(١) .

قال القمي:

الحسن بن هاني الشاعر المشهور ولد بالبصرة ونشأ بها ثم خرج إلى الكوفة، سئل عن نسبه قال: أغناني أدبي عن نسبي.

وكان من أجود الناس بديهة وأرقهم حاشية، وله أشعار كثيرة في مدح مولانا الرضاعليه‌السلام فمنها قوله:

مطهرون نقيات جيوبهم

تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

والله لما برى خلقاً فاتقنه

صفاكم وأصطفاكم أيها البشر

فانتم الملأ الأعلى وعندكم

علم الكتاب وما جاءت به السور

روي انه لما أنشدها قال الرضاعليه‌السلام :

__________________

١ - شرح ديوان أبي نؤاس، شرح وتعليق: مجيد طراد، دار الفكر العربي، بيروت، الطبعة الأولى ٢٠٠٣م.

٣١٦

قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها، يا غلام هل معك من نفقتنا شئ؟ فقال: ثلاثمائة دينار فقال أعطها إياه ثم قال: يا غلام سق إليه البغلة(١) .

عن علي بن محمد النوفلي قال: ان المأمون لما جعل علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ولي عهده، وان الشعراء قصدوا المأمون ووصلهم بأموال جمة حين مدحوا الرضا وصوبوا رأي المأمون في الأشعار دون أبي نؤاس فانه لم يقصده ولم يمدحه، ودخل على المأمون فقال له يا أبا نؤاس قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني وما أكرمته به فلماذا أخرت مدحه وأنت شاعر زمانك وقريع دهرك؟

فانشأ يقول:

قيل لي أنت أوحد الناس طراً

في فنون من الكلام النبيه

__________________

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام للصدوق: ج١، ص١٥٥، الفصول المختارة: ص٧٨، طبعة النجف، روضة الواعظين للنيسابوري: ص١٦٦، مناقب ابن شهرآشوب: ج٣، ص٤٧٤، بحار الأنوار: ج٤٩، ص١٤٨.

٣١٧

لك من جوهر الكلام بديع

يثمر الدر في يدي مجتنيه

فعلى ما تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا اهتدي لمدح إمام

كان جبريل خادما لأبيه

فقال له المأمون: أحسنت ووصله من المال بمثل الذي وصل به كافة الشعراء وفضله عليهم.

قال القمي: (وقلت) هذا كما يحكى عن المتنبي انه قال في جواب من اعترض عليه في عدم مدحه أمير المؤمنينعليه‌السلام على كثرة أشعاره فقال:

وتركت مدحي للوصي تعمداً

إذ كان نوراً مستطيــــلاً شامـــــــــــلاً

وإذا استطال الشيء قام بنفسه

وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا

وحكي ان أبا نؤاس خرج من بغداد قاصداً مصر ليمدح أبا نصر الخصيب بن عبد الحميد صاحب ديوان الخراج بها فانشأ قصيدته الرائية منها قوله:

٣١٨

إذا لم تزر أرض الخصيب ركابنا

فأي فتى بعد الخصيب تزور

فما جازه جود ولا حل دونـــه

ولكن يصير الجود حيث يصير

فتى يشتري حسن الثناء بمالـــه

ويعلم ان الدائرات تــــــدور

يقال انه لما صار إلى بغداد مدح الخليفة، فقيل له وأي شيء تقول فينا بعد ان قلت في بعض نوابنا؟ إذا لم تزر أرض الخصيب ( البيت ) فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وانشد يقول:

إذا نحن أثنينا عليك بصالح

فأنت كما نثني وفوق الذي نثني

وإن جرت الألفاظ منا بمدحة

لغيرك إنساناً فأنت الذي نعنى(١)

وكتب عنه السيد الكشميري(٢) :

هو الشاعر الشهير بأبي نؤاس، واسمه الحسن بن هاني وكنيته أبو علي والذي عدّه ابن شهرآشوب في المعالم بأنه من

__________________

١ - الكنى والألقاب للقمي: ج١، ص١٦٨ - ١٧٠.

٢ - هو السيد حسن الكشميري الخطيب الحسيني المعروف مؤلف كتاب مع الصادقين.

٣١٩

شعراء أهل البيت وإن كان مقتصداً.

وقال عنه صاحب لسان العرب ان أبا نؤاس يميل سرّاً لآل البيت، وقال عنه المرزباني ان أبا نؤاس كان إمامياً حسن العقيدة.

وكان يقول ويردد: والله ما تركت مدح الإمام إلا إعظاماً له وليس قدر مثلي ان يقول في مثله.

وأبو نؤاس من مواليد الأهواز، وقيل البصرة عام ١٤٥، ولم يعمر إلا خمسين سنة.

وكان أبو نؤاس مثار جدل ودار عنه الكثير من الكلام وله العديد من القصائد والمقاطع في المناسبات كلها.

ولما كان يسأل عن نسبه فيقول أغناني أدبي عن نسبي.

ومما يكشف عن دفائنه في التوجه لآل الرسول، دخوله يوماً على الإمام الرضاعليه‌السلام وهو يخاطب الإمام وأجداده:

مطهرون نقيات جيوبهم

تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

٣٢٠