رجال في التّارِيخ الجزء ١

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 750

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 750
المشاهدات: 20686
تحميل: 1897


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 750 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20686 / تحميل: 1897
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 1

مؤلف:
العربية

يد جابر وعدد آخر من الصحابة، سعياً منه إلى تحقيرهم وإذلالهم، ومنع الناس من التجمع حولهم، وهذا ابن الأثير الجزري يقول:

وختم في يد جابر بن عبد الله، يريد إذلالهم بذلك وان يجتنبهم الناس ولا يسمعوا منه(١) .

وعلى هذا يمكننا القول ان الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري أصر ورغم الطاغوت على تدوين الحديث ونشره، وأكّد على ذلك أيضاً(٢).

وجاء في موسوعة العتبات المقدسة:

جابر بن عبد الله بن عمرو بن كعب بن غنم بن سلمة الأنصاري، الصحابي الجليل، والعالم الفقيه، شهد مع أبيه بيعة العقبة، واشترك مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بدر، وأحد، ومشاهده الأخرى، كان من التابعين لأهل البيت والموالين لعلي.

استغفر له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خمسة عشر مرة، وكان مع علي في حروبه كلها، شهد وقعة

__________________

١ - أسد الغابة: ج٢، ص٣٦٦.

٢ - معجم أحاديث البحار: ج١، ص٣٢.

٤٢١

الجمل، وصفين، والنهروان، وعاش إلى عهد عبد الملك بن مروان، وكان له في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة حلقة تأخذ عنه العلم.

أدرك من أئمة أهل البيت علياً والحسن والحسين، وعلي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر، ومات في المدينة.

وهو أول من زار الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء بعد أربعين يوماً من وفاته وزيارته هذه من الزيارات المشهورة عند شيعة أهل البيتعليهم‌السلام

وكان جابر أحد الذين يقدمون علياًعليه‌السلام على الشيخين(١) .

جمال الدين أبو منصور الحسن الحلي (العلامة الحلي)

٦٤٨ ـ ٧٢٦هـ ق

جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي نشأ وترعرع بالحلة ومات فيها ودفن في النجف

__________________

١ - موسوعة العتبات المقدسة : ج ١ ، ص٣٦١

٤٢٢

الأشرف بجوار قبر أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وقبره هناك معروف ويزار.

الحلي ولد في عائلة علمية عربية الأصل وتربّى في محيط ديني عائلي. خاله نجم الدين المحقق الحلي كان في زمانه زعيم الحوزة العلمية العراقية ومركزها الحلة، وأخذ على عاتقه تربية وتثقيف (العلامة) وبذل جهداً كبيراً في هذا المجال.

عاش العلامة الحلي في أواسط القرن السابع والعقد الأول من القرن الثامن في زمان هجمت فيه على العالم الإسلامي أعاصير جيوش المغول والتي دمرت عواصم العالم الإسلامي فكان القتل الجماعي وهدم المدن على أيدي المغول.

عاش الحلي وسط تلك الحوادث وفي بداية التحولات الفكرية وبداية تاريخ جديد للمنطقة.

تلك الحوادث التي غيّرت العالم الإسلامي وفرضت أساليباً وأفكاراً جديدة، وفي الوقت الذي أدى إلى تراجع العلوم والثقافة المحلية والإسلامية لكن الله تعالى بعدله ورحمته قيّض للأمة الإسلامية

٤٢٣

في درء هذه الظلمات والمآسي رجلاً أنار الظلمات ووقف أمام المزيد من الدمار والمظالم في العالم الإسلامي.

اقتضت حكمة الله ان يقيض لهذه الأمة بطلاً كبيراً يرفع بيده علم العلم وعظمة الفكر الإسلامي ويحمل على عاتقه الوقوف أمام أمواج الدمار والقتل كسد منيع وثابت ليبدل كل تلك الظلمات وينير المنطقة ويبدل الصحراء القاحلة والجافة إلى الحياة والخضرة والنضارة بعدما انهدم صرح وبنيان العالم الإسلامي.

ان الله جل جلاله جعل إعادة بناء الأمة على يد نفس الجلاد الذي دمر البلاد حين قذف شعاعاً من نور الإسلام في قلوب قادة المغول حتى أسلموا لله وأعلنوا إسلامهم ورغبتهم العارمة للعلم والمعرفة فقربوا علماء الإسلام منهم.

استفاد عالم التشيع من هذه الفرصة التي تجرد فيها رجال المغول من عصبياتهم العرقية، حيث استطاع التشيع ان ينشر أفكاره وآرائه بكل حرية ونشط علماؤهم للتغلغل داخل صفوف المغول

٤٢٤

يعرضون على قادتهم عقائد الشيعة وأفكارها، واستطاعوا جلب أولئك القادة لعقيدة التشيع ثم انتشر تأثير العلماء إلى مجالات أوسع ومناطق أخرى وأثروا تأثيراً بالغاً إلى الدرجة التي أعلن فيها سلطان المغول وحفيد هولاكو خان السلطان محمد خدا بنده الجاثيو تشيعه وتشيع قادة وأمراء عسكره في عام ٧٠٧ هجري.

حدث ذلك في مناظرة علمية مذهبية بين قاضي القضاة نظام الدين عبد الله المراغي والسيد ركن الدين الموصلي وجماعة من العلماء من جهة وبين العلامة الحلي من جهة أخرى وفي حضور السلطان المذكور، حيث انتصر العلامة الحلي في هذه المحاججات وانهزم الطرف الآخر - في قضية معروفة - أعلن على أثرها هولاكو خان قبوله مذهب التشيع.

كان العلامة الحلي من نوابغ الشخصيات العلمية وكبارهم بل أبرز شخصية علمية في أصول الفقه والحكمة والكلام والمنطق والعلوم الطبيعية وعلوم الشريعة وآداب العرب وبشكل

٤٢٥

ممتاز.

كان أبرز علماء الشيعة في المعارف الإسلامية متسلطاً على جميع العلوم ولم نجد لحد الآن عالماً بتلك الدرجة من التوسع في العلوم إماماً للشيعة في عصره في علوم المعقول والمنقول.

مدرسته العلمية أصبحت مرجعاً للعلماء في زمانه وبعد ذلك ولا زالت أفكاره وعلومه تؤثر في علماء زماننا هذا، وتعتبر مرجعاً مهماً للدراسات العلمية في جامعات التشيع وخاصة في العلوم الشرعية والفقه والفلسفة الإسلامية.

تجاوزت مؤلفات العلامة الحلي على التسعين وبالغ بعضهم إلى ان أوصلها إلى ألف تصنيف حتى ان بعض شراح التجريد ادعى انه شاهد خمسمائة مجلد من تأليفات الحلي بخط يده الشريفة.

كان للعلامة الحلي تلاميذ كثيرين خاصة بعد ان جلس على كرسي التدريس في الحلة وبعد وفاة خاله، المحقق الحلي، فقد تصدى للتدريس، ومن بعض تلاميذه يمكن ذكر:

٤٢٦

محمد المعروف بفخر المحققين صاحب كتاب الإيضاح في الفقه وهو ابن العلامة الحلي.

زين الدين أبو الحسن بن طراد المطار آبادي.

رضي الدين علي بن أحمد بن يحيى الحلي، المعروف بالمزيدي.

السيد أبو عبد الله محمد بن إبراهيم محمد زهرة الحلي.

محمد بن إسماعيل بن حسن بن أبو الحسن الهرقلي.

قطب الدين محمد الرازي البويهي، مؤلف شرح الشمسية، والمحاكمات، وشرح المطالع.

آثار العلامة الحلي:

للعلامة الحلي آثار كثيرة جداً وبمختلف فروع العلوم والفنون منها:

- منتهى المطلب في تحقيق المذهب في سبع مجلدات.

- تلخيص المرام في معرفة الأحكام.

- تحرير الأحكام الشرعية في الفقه.

- الإرشاد في الفقه.

- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة.

٤٢٧

- تذكرة الفقهاء(١) .

وجاء في كتاب مع الصادقين(٢) :

وهو من عيون الصادقين الحبر المقدس سديد الدين الحسن بن المطهر أعلى الله درجاته، وهو من مواليد الحلة الفيحاءعام ٦٤٨هـ ، وهو من أسرة علمية تضم عديداً من فطاحل العلماء الكبار، ويومها كانت الحلة حاضرة العالم الإسلامي - وتعرف بالمزيدية - وأحد أعلام هذه الأسرة هو المحقق الحلي صاحب كتاب (شرائع الإسلام) وهو خال العلامة الحلي وقد أشرف على تعليمه وتقويمه، حتى ظهر رقماً يشار إليه في فطنته وذكائه واستعداده، ويقال انه بلغ الاجتهاد العالي وهو في بواكير شبابه.

ومن أساتذته السيد علي بن طاووس والخواجه نصير الدين الطوسي. ومن مؤلفاته المهمة (التذكرة) و(تهذيب الأصول) و(مصابيح الأنوار) وكتابه

__________________

١ - فلاسفة الشيعة (فارسي): ص٣٧٨ - ٣٨٧.

٢ - من كتاب الخطيب، السيد حسن الكشميري.

٤٢٨

الخالد (الألفين) وهو يتضمن ألف دليل عقلي وألف دليل نقلي على إثبات إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام حتى روي ان ولده شاهده بالمنام بعد وفاته وسأله عن شأنه فأجابه: يا بني لولا كتاب الألفين وزيارة الحسين لقصمت الفتوى ظهر أبيك نصفين.

وطبعاً فإن العلامة الحلي هو الذي أسس التعطيل في الحوزة - في الحلة - ليوم الخميس واستمر حتى هذا اليوم، وطبعاً كان له أهداف في تلك وأولها ان الزيارة لها أثر وضعي في تهذيب الطالب وبناء روح التضحية والشجاعة والولاء لأهل البيتعليهم‌السلام

ثم ان زيارة الحسينعليه‌السلام شعار يجب ان يقوم، ولمّا كان العلماء هم على استمرار عليه فإن الناس سيقتدون بهم إضافة إلى حالة التغربة والتنوع لدى الطالب نفسياً. ولهذا كانت هذه الحالة من سنن العلامة الحلي التي هي مستمرة إلى اليوم.

وللعلامة الحلي قصة مشهودة ومشهورة وهي: سفرته إلى إيران والتي أحدثت

٤٢٩

تغييراً كبيراً في المنطقة كلها. ومجمل القصة ان السلطان المغولي (اولجياتو محمد خدا بنده) وهو حفيد الدكتاتور (هولاكو) كان حنبلي المذهب وفي عام ٧٠٨ حدثت مشادة كلامية بينه وبين زوجته الشابة الجميلة (هُديبا) فغضب وقال لها: أنت طالق، طالق، طالق. وما ان هدأ غضبه استشعر انه وقع في ورطة وأحضر علماء المذاهب فأفتوا كلهم بأنها محرمة عليه حتى تتجحش بمعنى ان تتزوج غيره ويدخل بها ثم يطلقها ثم تعتد عدة الطلاق ثم يتزوجها بعقد جديد، لأن هذه المذاهب آنذاك كانت تعتبر ترديد كلمة طالق ثلاثاً في مجلس واحد هو طلاق بائن وتتحقق به البينونة، في حين يرى فقه أهل البيت ان هذا الطلاق محكوم عليه بالبطلان بدليلين:

١ - أي إيقاع أو عقد يتم في حالة الغضب لا يؤخذ به فطلاق الغضبان باطل أساساً.

٢ - يرى فقه أهل البيت بأن تكرار كلمة طالق ولو ألف مرة في مجلس واحد

٤٣٠

حكمها حكم الطلاق الرجعي، ويجب ان يتكرر الطلاق ثلاث مرات، وتكون بين هذه المرات فواصل زمنية، وعندها يكون الطلاق الثالث بائناً.

وهنا نعود للسلطان المذكور فقد وقع في ورطة أفقدته سعادته وحياته والتمس الحيل من علماء المذاهب فلم يقروا على حل. إلا ان أحدهم قال له: بأن هناك مذهباً شاذاً وعلماؤه مجانين سفهاء يسمى بمذهب الشيعة (أو الرافضة) يعتبرون هذا الطلاق ملغياً، فتيقّظ هذا السلطان وراسل وعلم ان في الحلة يتمركز علماء الإمامية فطلب عبر واليه هناك ان يشخص إليه أحد علمائها، وفعلاً اختار العلماء في الحلة العلامة الحلي. فسافر إلى إيران ووصل مجلس السلطان المغولي وكان المجلس يعج بعلماء المذاهب، وجرت العادة انه عندما يدخل شخص يسلم أولاً على السلطان ثم يستأذنه بالجلوس ويجلس بالتالي حيث يشير إليه السلطان. ولكن الذي حدث على العكس فلما دخل العلامة الحلي عمهم بالسلام

٤٣١

جميعاً ومسك حذاءه بيده اليسرى ثم جلس إلى جنب السلطان مباشرة مما دفع ببعض علماء المذاهب على استغلال الموقف وتشويش ذهنية السلطان قائلين: بأننا يا صاحب الجلالة أخبرناك بأن هؤلاء مجانين وسفهاء والآن رأيت ما فعل.

لكن السلطان تريث وقال لنسأله ونرى جوابه. فسأله: لماذا لم تسلم على السلطان أولاً؟ فأجاب الشيخ: بأنك أفضل أم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال السلطان: استغفر الله، النبي أفضل، فقال الشيخ: لم يرو ان أحداً دخل مجلس النبي فسلم عليه دون غيره. فسكت السلطان متعجباً. ثم قال له: لمَ لم تستأذن؟ فقال الشيخ: أنا ضيف والضيف يختار هو مكانه. فأفحم السلطان ثم قال: ولم أمسكت حذاءك بيدك؟ فضحك العلامة: خشيت ان يسرقه بعض أصحابك، لأني سمعت ان رجلاً دخل على النبي فسرق حذاءه أبو حينفة، فصرخ العلماء بالشيخ قائلين: وأين أبو حنيفة عن عهد النبي وهو لم يولد؟ فقال العلامة: إذن مالك بن أنس، فضجوا بأنه كذلك لم يكن في عهده، فقال إذن

٤٣٢

كمال الدين الشافعي، فاستنكروا بأن عهده أبعد بكثير من السابقين، فقال: إذن أحمد بن حنبل. فصاحوا بالشيخ وهو كذلك لم يدرك عهد النبي.

فتنفس العلامة الصعداء، وقال: إذن علي بن أبي طالب. فصاحوا نعم هذا ممكن لأنه على فترة عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتوجه العلامة بالسؤال إلى السلطان قائلاً:

إذاً سمعت إقرار هؤلاء بأن رؤساء المذاهب الأربعة لم يكونوا على عهد النبي أبداً.

قال السلطان: نعم.

قال: وأقروا بأن علي بن أبي طالب كان موجوداً معاصراً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذن نحن مذهب الإمامية نأخذ فقهنا وعلومنا من علي بن أبي طالب، وهو أخذه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في حين هؤلاء يأخذون فقههم عن أناس بعيدين في المكان والزمان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحب البيت أدرى بما في البيت، فاستبصر السلطان وقال: صدقت والله. وخزي هؤلاء الحضار وهنا صاح أحدهم بأي دليل تجيزون الصلاة على أئمتكم؟ فأجابه

٤٣٣

العلامة والسلطان يستمع: بدليل النص القرآني:( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١) ) ، فالقرآن يصلي عليهم.

فقال ذلك العالم وأي مصيبة مرت بهم حتى يستحقوا تطبيق هذا النص عليهم؟

فأجابه العلامة: إحدى هذه المصائب: هو أنك تدعي انك علوي وتتنكر لمصائبهم، فلبس ثوب الخزي والعار ونهض أحد الحضار مبتهجاً وهو يقول:

إذا العلوي تابـــع ناصبيــــاً

بمبدئه فما هو من أبيه

وإن الكلب أشرف منه طبعاً

لأن الكلب طبع أبيه فيه

وهكذا استمر العلامة الحلي بسرد الأدلة على بطلان طلاق زوجته وانها محللة له دون أي مانع ففرح السلطان وأعلن تشيعه كما أعلن المذهب الإمامي

__________________

١ - ( البقرة : ١٥٦ - ١٥٧ )

٤٣٤

مذهباً رسمياً للدولة وأمر الولاة والقضاة وأئمة الجماعات والمؤذنين بذكر الشهادة الثالثة ونص حي على خير العمل وطلب من العلامة وضع دستور فقهي للبلاد على ضوء الفقه الجعفري، فألف العلامة كتابه الشهير المعروف بـ (قواعد العلامة) وهذا الكتاب شرح عدة شروح ولكن أهمها موسوعة السيد جواد العاملي واسماه (مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة).

هذا وللعلامة الحلي أكثر من ستمائة تلميذ وكان يكتب في كل يوم كراساً، وذكروا بأن مؤلفاته وتصانيفه بلغت ألفاً، أُتلف الكثير منها.

توفي العلامة الحلي في ٢١ محرم الحرام عام ٧٢٦ في الحلة الفيحاء، ونقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن في مقبرة في الايوان الذهبي عن يمين باب الدخول إلى الحرم الشريف وقد أرخ وفاته أحد علماء النجف الأشرف وكتب الأبيات على قبر العلامة الحلي وهي:

ولدى عتبة باب المرتضى

طاب مثواه آية الله الحسن

شيخنا العلامة الحلي من

نوّر الله به وجه الزمن

٤٣٥

معجزة يكفيه فخراً انه

ميت أحيا به الله السنن

قام في باب عليّ حارساً

وإذا لم يحرس الباب فمن

تغمده الله بواسع رحمته(١) .

جمال الدين الأفغاني

محمد بن السيد صفتر الحسيني من بيت عظيم من بلاد أفغانستان رأيت ترجمته في بعض المواضع هكذا:

نشأ بكابل وتلقى علوماً جمة، برع فيها واستكمل الغاية من دروسه في الثامنة عشر من عمره ثم سافر إلى الهند ومنها إلى الأقطار الحجازية ورجع إلى بلاده فدخل في بطانة الأمير دوست محمد خان وصحبه في غزوة هراة ثم جاء مصر فأقام بها أياماً يخالط أهل العلم، وارتحل إلى الأستانة ثم عاد إلى القاهرة وانتشر صيته في الديار المصرية وكان ذلك في سنة ١٢٨٨ فتولى

__________________

١ - مع الصادقين : ج ٢ ، ص ٣٧٠ - ٣٧٤

٤٣٦

تعليم المنطق والفلسفة في الأزهر، فانخرط في سلك تلامذته الشيخ محمد بن عبده بن حسن المصري مفتي الديار المصرية مع جماعة من نوابغ المصريين؛ فكأن الأفغاني نفخ فيهم من روحه فنشطوا للعمل في الكتابة وإنشاء الفصول الأدبية والحكمة وكان الشيخ محمد عبده أقربهم إلى طبعه وأقدرهم على مباراته.

وفي سنة ١٢٩٦ أبعد من مصر فرحل إلى الهند ومنها إلى لندن وباريس وأنشأ جريدة العروة الوثقى وكان يحررها مع صديقه الشيخ محمد عبده نشر منها ثمانية عشر عدداً ثم استدعاه السلطان عبد الحميد فقدم الأستانة سنة ١٣١٠، وبقي فيها إلى ان مات.

له رسالة إبطال مذهب الدهريين، وتاريخ الأفغان وغير ذلك(١) .

__________________

١ - الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي: ج٢، ص١٥٥ - ١٥٦. نقول: وينقل عنه: انه كان متمكناً من ناصية الكلام وجزالة القول فكان خطيباً مصقعاً لم يقم في الشرق أخطب =

٤٣٧

__________________

= منه، شاهده شبلي شميل في أحد الأيام يخطب بالأسكندرية وكان قريب العهد في مصر، فوقف ساعتين يتكلم بلسانٍ عربي فصيح، وإلقاء حسن الكلام، مفيد حتى أدهش الناس، وروى محمد رشيد رضا عن حفني ناصف قائلاً: حدّثني حفني بك ناصف - وهو من الرعيل الأول من تلامذة الشيخ محمد عبده - قال: كنا إذا قيل لنا ان السيد الأفغاني سيخطب الليلة، نفضل سماع خطبته على سُماع أطرب المغنين، فنؤثرها عليها، حتى كان المدعو منا إلى وليمة عرس يترك الإجابة إليها، وكنا نجد من أنفسنا من سماع خطبته... ان الواحد منا جدير بإصلاح مديرية أو إصلاح مملكة. طبعاً بهذا الأسلوب أيقظ الأفغاني عزيمة الجماهير وبعث بها روح الهمة والتطلع إلى واقعها المزري، مع ما في بيانه من شجاعة وثقة وكثير من الغيرة على الدين وتعاليمه المنتهكة. ويصفه الكتّاب بأن له من الغيرة والحميّة على الدين تساوي روح الفداء والتضحية في سبيل الله. فكان شجاعاً مقداماً لا يهاب الموت كأنه لا يعرفه!!

وأما عبادته فقد أكد معظم معاصريه في كتاباتهم ان له مثابرة شديدة على أداء الفرائض وتجذر النزعة الصوفية في نمط =

٤٣٨

__________________

= حياته، وهذا ما ظهر جلياً في طعامه المتواضع مع ما عُرف من سخائه وكرمه مع الضيوف. واللطيف ما ينقل عن زهده وتواضعه حين استقبله مبعوث السلطان عبد الحميد عندما قصد الاستانة عام ١٨٩٢م بدعوى من السلطان، فسأله المبعوث أين صناديقك أيها السيد؟ فقال: ليس معي غير صناديق الثياب وصناديق الكتب، فقال المبعوث: حسناً! أين هي؟ فقال السيد: صناديق الكتب هنا (وأشار إلى صدره) وصناديق الثياب هنا (وأشار إلى جبته).

كان السيد الأفغاني يحمل مشروعه الإحيائي في محاربته الاستبداد السياسي في كل دولة ينفى لها وما أكثر الدول التي نفي إليها وكان في كل دولة يحط رحاله يؤسس لمشروع النهضة وإيقاض الجماهير لنبذ الاستبداد السياسي والتشجيع على اندلاع حركة المقاومة، وقلما لا يوجد له بصماته الفكرية في كل أدبيات الحركات الإسلامية؛ لأن معالم مشروعه الإحيائي النهضوي تجلت معالمه بعد الحرب العالمية الثانية، في كل البلدان التي نُفي إليها، ولذا فليس من المبالغة القول ان كل مقالة من المقالات الأساسية في الفكر الإسلامي الحديث ترتد في بعض من مفاهيمها إلى أفكار =

٤٣٩

توفى صديقه الشيخ محمد عبده صاحب المؤلفات والمنشآت في سنة ١٣٢٣.

الجنيد بن محمد بن الجنيد

جاء في البداية والنهاية(١) :

أبو القاسم الخزاز، ويقال له القواريري، أصله من نهاوند، ولد ببغداد ونشأ بها. وسمع الحديث من الحسين بن عرفة. وتفقه بأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وكان يفتي بحضرته وعمره عشرون سنة، وقد ذكرناه في طبقات الشافعية، واشتهر بصحبة الحارث المحاسبي، وخاله سري السقطي، ولازم التعبد، ففتح الله عليه بسبب ذلك

__________________

= السيد الأفغاني، لأن حركته انبثق منها فهماً جديد للدين وكيفية توظيفه في حياة الإنسان، وبالتالي خلق حالة الوعي وتناميه في أوساط الجماهير، بعد ان كانت تتلقى فهمه سُلطانياً أفيونياً.

عن مجلة التوحيد العدد ٨٩ ، ص١٩.

١ - البداية والنهاية لابن كثير: ج١١، ص١١٣ ــ ١١٥.

٤٤٠