رجال في التّارِيخ الجزء ١

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 750

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 750
المشاهدات: 20937
تحميل: 1898


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 750 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20937 / تحميل: 1898
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 1

مؤلف:
العربية

فقال: نعم في الدنيا والآخرة(١) .

وحدثنا أحمد بن محمد، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن مروك بن عبيد، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول:

نعم الشفيع أنا و أبي لحمران بن أعين يوم القيامة، نأخذ بيده ولا نزايله حتى ندخل الجنة معاً(٢) .

الحموي

ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي المولد، البغدادي الدار صاحب معجم البلدان ومعجم الأدباء ومعجم الشعراء.

ذكروا انه كان متعصباً على أمير المؤمنينعليه‌السلام وكان قد طالع شيئاً من كتب الخوارج فاشتبك في ذهنه منه طرف قوي،

__________________

١ - رواه الكشي في رجاله: ص١١٧ ونقله المجلسي في البحار: ج١١، ص٩٧ من الاختصاص.

٢ - رواه الكشي في رجاله: ص١٢٠، كتاب الاختصاص للشيخ المفيد: ص١٩٦ إصدار جامعة المدرسين في قم.

٥٠١

وناظر في دمشق بعض من يتعصب لأمير المؤمنينعليه‌السلام وجرى بينهما كلام أدى إلى ذكره أمير المؤمنينعليه‌السلام بما لا يسوغ، فثار الناس عليه ثورة كادوا يقتلونه فخرج من دمشق منهزماً إلى حلب، ثم انتقل إلى اربل وسلك منها إلى خراسان وصادفه وهو بخوارزم خروج التتر وذلك في سنة ٦١٦ فانهزم إلى الموصل بكمال التعب والشدة وأقام بالموصل مدة، ثم انتقل إلى حلب إلى ان انتقل إلى ما أعد له في الآخرة سنة ٦٢٦.

ومع انه كان منحرفاً عن أمير المؤمنينعليه‌السلام فإنه ينقل بعض فضائله:

قال في معجم البلدان في الأحقاف انها رمال بأرض اليمن كانت عاد تنزلها ويشهد بصحة ذلك ما رواه أبو المنذر هشام بن محمد عن أبي يحيى السجستاني عن مرة بن عمر الاملي عن الأصبغ بن نباتة قال:

إنا لجلوس عند علي بن أبي طالبعليه‌السلام ذات يوم في خلافة أبي بكر الصديق إذ أقبل رجل من حضرموت لم أرَ قط رجلاً أنكر منه فاستشرفه الناس وراعهم

٥٠٢

منظره وأقبل مسرعاً جواداً حتى وقف علينا وسلم وجثا وكلم أدنى القوم منه مجلساً وقال: من عميدكم؟ فأشاروا إلى عليعليه‌السلام وقالوا: هذا ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعالم الناس والمأخوذ عنه، فقام وقال:

اسمع كلامي هداك الله من هاد

وافرج بعلمك عن ذى غلة صاد

جاب التنائف في وادي سكاك إلى

ذات الأماحل في بطحاء أجياد

تلفه الدمنة البوغاء معتمداً

إلى السداد وتعليم بإرشاد

سمعت بالدين دين الحق جاء به

محمد وهو قرم الحاضر الباد

فجئت منتقلاً من دين باغية

ومن عبادة أوثان وأنداد

ومن ذبايح أعياد مضللة

نسيكها غائب ذو لوثة عاد

فادلل علىالقصدواجل الريب عن خلدي

بسرعة ذات إيضاح وإرشاد

والمم بفضل هداك الله عن شعثي

وأهدني انك المشهود في الناد

ان الهداية للإسلام نائية

عن العمى والتقى من خير أزواد

وليس يفرج ريب الكفر عن خلد

أفظه الجهل إلا حية الوادي(١)

قال: فأعجب علياًعليه‌السلام والجلساء شعره، وقال عليعليه‌السلام لله درك من رجل ما أرصن شعرك، ممن أنت؟ قال: من حضرموت، فسرَّ به عليعليه‌السلام وشرح له الإسلام، فأسلم على

__________________

١ - معجم البلدان للحموي : ج ١ ، ص ١١٦

٥٠٣

يديه...(١) .

السيد الحميري

إسماعيل بن محمد الحميري سيد الشعراء حاله في الجلالة ظاهر ومجده باهر.

روي ان الصادقعليه‌السلام لقاه فقال سمتك أمك سيداً ووفقت في ذلك أنت سيد الشعراء(٢) .

قال العلامة في حقه: ثقة جليل القدر

__________________

١ - الكنى والألقاب: ج٢، ص١٩٤ - ١٩٥.

٢ - رجال الكشي: ص١٨٦، ثم أنشد السيد الحميري في ذلك:

ولقد عَجِبُت لقائلٍ لي مَرّةً

علامةٍ فَهْمٍ من الفقهــــــــــاء

سمَّاك قومُك سيّداً صدقوا بهِ

أنت الموفقُ سيدُ الشعراءِ

ما أنت حينَ تخصُّ آلَ محمدٍ

بالمدحِ منكَ وشاعرٌ بِسواء

فابشِرْ فإِنّك فائزٌ في حُبِّهمْ

لو قد غدوتَ عليهِـــم بجزاءِ

ما تعدِلُ الدنيا جميعاً كُلُّها

من حوضِ أحمدَ شربةً من ماءِ

٥٠٤

عظيم الشأن والمنزلةرحمه‌الله تعالى.

(أقول): كان همهرحمه‌الله نظم فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ونشره حتى حكى صاحب الأغاني عن المدائني: ان السيد الحميري وقف بالكناس وقال: من جاء بفضيلة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام لم أقل فيها شعراً فله فرسي هذا وما علي فجعلوا يحدثونه وينشدهم فيه حتى روى رجل عن أبي الرعل المرادي انه قدم أمير المؤمنينعليه‌السلام فتطهر للصلاة فنزع خفه فانسابت فيه أفعى فلما دعي ليلبسه انقضت غراب فحلقت ثم ألقاها فخرجت الأفعى منه قال فأعطاه السيد ما وعده وأنشأ يقول:

ألا يا قوم للعجب العجاب

لخف أبي الحسين وللحباب(١)

عدو من عدات الجن عبد

بعيد في المرادة من صواب

كريه اللون أسود ذو بصيص

حديد الناب أزرق ذو لعاب

__________________

١ - الحباب : الحية

٥٠٥

أتى خفا له فانساب فيه

لينهش رجله منها بناب

فقض من السماء له عقاب

من العقبان أو شبه العقاب

فطار به فحلق ثم أهوى

به للأرض من دون السحاب

فصك بخفه فانساب منه

وولى هارباً حذر الحصاب

ودافع عن أبي حسن علي

نقيع(١) سمامه بعد انسياب

وحكى انه رؤى في بغداد حمال مثقل فسأله عن حمله فقال ميميّات السيد.

وقال بشار الشاعر: لولا ان هذا الرجل شغل عنا بمدح بني هاشم لأتعبنا.

قيل: لمَ لا تقول شعراً فيه غريب؟ فقال أقول ما يفهمه الصغير والكبير ولا يحتاج إلى التفسير ثم أنشأ:

أيا رب اني لم أرد بالذي به

مدحت علياً غير وجهك فارحم

وروي عن بعضهم قال: كنا جلوساً عند

__________________

١ - سم ناقع : أي بالغ قاتل

٥٠٦

أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا السيد فجاء وجلس وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعة فنهض فقلنا: يا أبا هاشم ممَّ القيام؟ فقال:

إني لأكره ان أطيل بمجلس

لا ذكر فيــه لآل بيت محمــد

لا ذكر فيه لأحمد ووصيه

وبنيه ذلك مجلس قصف ردي

ان الذي ينساهم في مجلس

حتى يفارقـــــــه لغيــرُ مســـــــدد

ومن شعره:

وإذا الرجال توسلوا بوسيلة

فوسيلتي حبي لآل محمد

ومن أشعاره القصيدة العينية:

لأُمَّ عمرو باللوى مربع

طامسة أعلامها بلقع

وهي التي أنشدت عند الصادقعليه‌السلام بعد ما قتل زيد بن عليعليه‌السلام

وفي البحار روي عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام انه رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه مع علي وفاطمة والحسن والحسينعليه‌السلام وان السيد الحميري بين يديه يقرأ هذه القصيدة

٥٠٧

فلما فرغ منها قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرضاعليه‌السلام احفظ هذه القصيدة ومر شيعتنا بحفظها وأعلمهم ان من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له الجنة على الله تعالى.

ومن أشعاره القصيدة المذهبة التي شرحها علم الهدى الشريف المرتضى رضى الله تعالى عنه حكي انه سمعها مروان بن أبي حفصة فقال لكل بيت سبحان الله ما أعجب هذا الكلام ويعجبني ان أذكر من القصيدة الأبيات التي تضمن معجزة أمير المؤمنينعليه‌السلام في الماء الذي أظهره في مسيره إلى صفين وسقى أصحابه لما لحقهم العطش الشديد ولم يجدوا الماء وهذه من معجزاته المشهورة وقد ذكرها العلماء في كتبهم حتى الخطيب ذكرها في: ج١٢ من تاريخ بغداد: ص٣٠٥ وكفى في اعتبارها نظم السيد الحميري إياها في القصيدة المذّهبة المعروفة في أيام المحدّثين وكثرتهم وقربهم بزمان صدور المعجزة وعدم إنكارهم عليها.

قال: الثوري فيما يحكى عنه لو قرأت القصيدة التي فيها: (ان يوم التطهير يوم عظيم) على المنبر ما كان بذلك

٥٠٨

بأس أي انها تدخل في باب نقل الحديث في بيان الفضل ويزيدها اعتباراً شرح السيد الشريف المرتضى عليها فلا ينبغي لأحد الشك فيها قال (ره):

ولقد سرى فيما يسير بليلة

بعد العشاء بكربلا في موكب(١)

حتى أتى متبتلاً في قائم

ألقى قواعده بقاع مجدب

تأتيه ليس بحيث يلقي عامر

غير الوحوش وغير أصلع أشيب

فدنا فصاح به فأشرف ماثلاً

كالنسر فوق شطية من مرقب

هل قرب قائمك الذي بوأته

ماء يصاب فقال ما من مشرب

إلا بغاية فرسخين ومن لنا

بالماء بين نقا وقي سبسب

فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى

ملساء يلمع كاللجين المذهب

قال اقلبوها انكم ان تقلبوا

ترووا ولا تروون إن لم تقلب

__________________

١ - ذكر البيت الأول السيد الشريف المرتضى في رسائله: ج٤، ص٨٤

٥٠٩

فاعصوصبوا في قلعها فتمنعت

منهم تمنع صعبة لم تركب

حتى إذا أعيتهم أهوى لها

كفا متى ترد المغالب تغلب

فكأنها كرة بكف حزور

عبل الذراع دحا بها في ملعب

فسقاهم من تحتها متسلسلاً

عزباً يزيد على الألذ الأعذب

حتى إذا شربوا جميعاً ردها

ومضى فخلت مكانها لم يقرب

أعني ابن فاطمة الوصي ومن يقل

من فضله وفعاله لم يكذب(١)

يطلق على جماعة منهم أبو العباس عبد الله بن جعفر بن الحسين (الحسن) ابن مالك بن جامع الحميري القمي شيخ القميين ووجههم، ثقة من أصحاب أبي محمد العسكريعليه‌السلام

قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين

__________________

١ - خصائص الأئمة للشريف الرضي: ص٥١، مناقب ابن شهرآشوب: ج٢، ص١٢٣، المستجاد من الإرشاد (المجموعة) للعلامة الحلي: ص١٣٤، والغدير للأميني: ج٢، ص٢٣٧.

٥١٠

وسمع أهلها منه فأكثروا وصنف كتباً كثيرة، منها كتاب قرب الإسناد.

والسيد الحميري نسبة إلى حمير كدرهم أبو قبيلة باليمن كانت منهم الملوك، وفي القاموس حمير كدرهم موضع غربي صنعاء اليمن وابن سبا بن يشجب أبو قبيلة(١) .

عن معاذ بن سعيد الحميري قال: شهد السيد إسماعيل بن محمد الحميريرحمه‌الله عند سوار القاضي بشهادة، فقال له: ألست إسماعيل بن محمد الذي يعرف بالسيد؟ فقال: نعم. فقال له: كيف أقدمت على الشهادة عندي وأنا أعرف عداوتك للسلف؟ فقال السيد: قد أعاذني

__________________

١ - روى ترجمته أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني: ج٧، ص٢٣٠ بإسناده عن سليمان بن أبي شيخ. ونور الأبصار للشبلنجي، وطبقات الشعراء لابن المعتز: ص٧, ولسان الميزان: ج١، ص٤٣٧، وكان الكثير من الحفاظ حفظوا شعر السيد الحميري، انظر تاريخ البغدادي: ج٢، ص٣٥، وابن خلكان: ج١، ص٣٥٩، وتذكرة الحفاظ: ج٣، ص٢٠٠، الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي: ج٢، ص١٩٨.

٥١١

الله من عداوة أولياء الله وإنما هو شيء لزمني. ثم نهض فقال له: قم يا رافضي؟ فوالله ما شهدت بحق. فخرج السيدرحمه‌الله وهو يقول:

أبوك ابن سارق عنز النبي

وأنت ابن بنت أبي جحدر

ونحن على رغمك الرافضون

لأهل الضلالة والمنكــر

ثم عمل شعراً وكتبه في رقعة وأمر من ألقاها في الرقاع بين يدي سوار. قال: فأخذ الرقعة سوار فلما وقف عليها وخرج إلى أبي جعفر المنصور وكان قد نزل الجسر الأكبر ليستعدي على السيد فسبقه السيد إلى المنصور فأنشأ قصيدته التي يقول فيها:

يا أمين الله يا من‍

صور يا خير الولاة

إن سوار بن عبد الله

من شر القضاة

نعثلي(١) جملي

لكم غير مواتي

__________________

١ - نعثل: في الأصل اسم رجل يهودي من أهل المدينة،وقيل: نعثل: رجل لحياني (طويل =

٥١٢

جده سارق عنز

فجرة من فجرات

لرسول الله

والقاذفة بالمنكرات

والذي كان ينادي

من وراء الحجرات(١)

يا هناة اخرج إلينا

إننا أهل هنات

فاكفنيه لا كفاه الله

شر الطارقات

سن فينا سنناً كانت

مواريث الطغاة

فهجوناه ومن يهجو

يصب بالفاقرات(٢)

قال: فضحك أبو جعفر المنصور وقال: نصبتك قاضياً فامدحه كما هجوته فأنشد

__________________

= اللحية) من أهل سعد كان يشبهه عثمان إذا قيل منه.

١ - إشارة إلى نزول آية الحجرات في بني العنبر أجداد القاضي سوار.

٢ - الفاقرة: الداهية الشديدة.

٥١٣

رحمه‌الله يقول:

إني امرؤ من حمير أسرتي

بحيث تحوي سروها حمير

آليت لا أمدح ذا نائل

له سناء وله مفخر

إلا من الغر بني هاشم

إن لهم عندي يداً تشكر

إن لهم عندي يداً شكرها

حق وإن أنكرها منكر

يا أحمد الخير الذي إنما

كان علينا رحمة تنشر

حمزة والطيار في جنة

فحيث ما شاء دعا جعفر

منهم وهادينا الذي نحن من

بعد عمانا فيه نستبصر

لما دجا الدين ورق الهدى

وجار أهل الأرض واستكبروا

ذاك علي بن أبي طالب

ذاك الذي دانت له خيبر

دانت وما دانت له عنوة

حتى تدهدا عرشه الأكبر

ويوم سلع إذ أتى عاتباً

عمرو بن عبد مصلتاً يخطر

٥١٤

يخطر بالسيف مدلاً كما

يخطر فحل الصرمة الدوسر

إذ جلل السيف على رأسه

أبيض عضباً حده مبتر

فخر كالجذع وأوداجه

ينصب منها حلب أحمر(١)

قصة السيد الحميري

وهنا يأتي الكلام عن العاقبة للإنسان خيراً أم شراً فمن كان قد وفق للهداية وعمل الخير واتباع طريق الحق فإن عاقبته على خير، وان جرفه إلى الاعمار،( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٢) ) ، وكان جرفه إلى الهدم،( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (٣) ) ، وانما هما نجدان؛ نجد خير ونجد شر( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (٤) ) ، والعبد مخيّر بينهما ولا يشعر الإنسان

__________________

١ - الغدير، العلامة الأميني: ج٢، ص٢٩٩.

٢ - (الإسراء:٧٢).

٣ - (آل عمران:١٨٢).

٤ - (البلد:١٠).

٥١٥

الضال بمرور الأيام والسنين وإذا به على حافة الموت حينئذ يبدي الندم على ما قدم المجرمون ويفرح بعاقبتهم المؤمنون.

جاء في الحديث: ان الإنسان لا يترك الدنيا إلا ويرى أعماله وعاقبته تنتصب أمامه في آخر لحظات حياته، ويقال يأتيه الملكان المقربان الموكلان من الله تعالى عليه، فإن كان سوءاً فيقولان له سوّد الله وجهك لم تُرنا إلا مشهد سوء، ولم تُسمعنا إلا كلام سوء ولم تحضرنا إلا محضر سوء، ابشر بالنار. وان كان مؤمناً فيقولان له: بيّض الله وجهك لم تُحضرنا إلا محضر خير ولا تُشهدنا إلا مشهد خير، ولم تُسمعنا إلا كلام خير فابشر بالجنة، وعندها يبتسم المؤمن الذي بُشر بالخير، ويعبس المجرم الذي بشر بالنار، وقد شوهد ذلك على بعض المحتضرين وما قصة السيد الحميريرحمه‌الله إلا مصداقاً لذلك.

والقصة باختصار هي: ان السيد الحميري الشاعر الجليل كان ينتصر لأهل البيتعليهم‌السلام في شعره. وكان الشعر في حينه

٥١٦

بمثابة وزارة إعلام ووكالة أنباء يخشاها السلاطين الظلمة وكان ينتصر لأهل البيت في زمان قلّ فيه الناصر وله قصائد طويلة في مدحهم وذم أعدائهم ولكن كما قيل انه كان يشرب الخمر حتى ان المعصوم دعا له يوماً في محضر شيعته فقال له أحد الشيعة يا سيدي تدعو له وهو يشرب الخمر؟! فأجابه بالمعنى: ان محبتنا أهل البيت لا تضر معها معصية. وانه إلى خير(١) .

والخلاصة فإنه في يوم احتضاره في بيته وقد اجتمع كثير من العلويين والأمويين في داره، وساعة احتضاره ظهرت نقطة سوداء في جبينه ما لبثت ان اتسعت وغطّت كل وجهه، فاستبشر الأمويون وتألم الشيعة الحاضرون، وما هي إلا لحظات إلا وقد بانت نقطة بيضاء في جبينه ما لبثت ان اتسعت وانتشرت وغطت وجهه وابتسم الرجل وفتح عينيه وقال

__________________

١ - في الرواية ان الشيعي لا يموت حتى يوفقه الله للتوبة من ذنوبه ببركة حبه لأهل البيت ويموت مؤمناً مغفوراً له.

٥١٧

هذه الأبيات:

كذب الزاعمون أن علياً

لن ينجي محبه من هنات

قد وربي دخلت جنة عدن

وعفى لي الإله عن سيئاتي

فابشروا اليوم أولياء علي

وتولوا علي حتى الممات

ثم من بعده تولوا بنيه

واحداً بعد واحد بالصفات

ثم أتبع قوله هذا: أشهد أن لا إله إلا الله حقاً حقاً، وأشهد أن محمداً رسول الله حقاً حقاً، وأشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً حقاً. أشهد أن لا إله إلا الله. ثم غمض عينيه لنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة طفأت أو حصاة سقطت(١) .

جاء في أدب الطف للسيد جواد شبر(٢) نبذة من حياة الشاعر الحميري ننقل أدناه نتف منها:

أُمررْ على جدثِ الحسينِ

وقل لأعظُمِه الزكيّهْ

__________________

١ - الغدير للأميني: ج٢، ص٢٧٥.

٢ - أدب الطف أو شعراء الحسين للخطيب السيد جواد شبر: ج١٠، ص١٩٨.

٥١٨

يا أعظُماً لا زلتِ من

وَطفاءَ ساكبةٍ رويّهْ

ما لَذَّ عيشٌ بعد رضِّـ

ـكِ بالجياد الأعْوَجِيّهْ

قبرٌ تضمّنَ طيّباً

آباؤه خيرُ البريّهْ

آباؤه أهلُ الريا

سةِ والخِلافةِ والوصيّهْ

والخيرِ والشّيمِ المهذّ

بةِ المطيَّبةِ الرضيّهْ

فإذا مررتَ بقبرهِ

فأطلْ به وقفَ المطيّهْ

وابكِ المطهَّرِ للمطهَّر

والمطهّرةِ الزكيّهْ

كبكاءِ مُعْوِلَة غَدت

يوماً بواحدِها المنيِّهْ

والعنْ صَدى عمرِ بن سعـ

ـدٍ والملمّعِ بالنقيّهْ

شمرِ بن جوشنٍ الذي

طاحتْ به نفسٌ شقيّهْ

جعلوا ابن بنتِ نبيّهم

غَرَضاً كما ترمى الدريِّهْ

٥١٩

لم يَدعهُمْ لقتالهِ

إلاّ الجُعالةُ والعطيّهْ

لما دَعوه لكي تُحكـَّ

ـم فيه أولادُ البَغيّهْ

أولادُ أخبثِ من مشى

مَرحاً وأخبثِهم سجيّهْ

فعصاهمُ وأبت له

نفسٌ معزّزةٌ أبيَّهْ

فغدوا له بالسّابغا

تِ عليهمِ والمـَشرفيّهْ

والبِيْضِ واليَلب اليما

ني والطوالِ السمهريّهْ

وهم ألوفٌ وهو في

سبعينَ نفساً هاشِميّهْ

فَلقوه في خلفٍ لأحـ

ـمدَ مقبلين من الثنِيّهْ

مستيقنينَ بأنّهم

سِيقوا لأسبابِ المنّيهْ

يا عين فابكِ ما حييـ

ـتِ على ذوي الذممِ الوفيّهْ

لا عذرَ في تركِ البكا

ءِ دماً وأنتِ به حَريّهْ

الشاعر هو إسماعيل بن محمد، كنيته

٥٢٠