رجال في التّارِيخ الجزء ١

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 750

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 750
المشاهدات: 20735
تحميل: 1897


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 750 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20735 / تحميل: 1897
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 1

مؤلف:
العربية

الأفاعي، وهو رجل ثاقب الرأي، ماضي العزيمة، جوال الفكر، مصيب إذا رمى، وقد خفت منه الآن ما كنت آمنه إذ كان صاحبه حياً، وأخشى ممالاته حسناً، فكيف السبيل إليه وما الحيلة في إصلاح رأيه؟ قال المغيرة: أنا له إن لم أمت، إن زياداً رجل يحب الشرف والذكر وصعود المنابر، فلو لاطفته المسألة، وألنت له الكتاب، لكان لك أميل وبك أوثق فأكتب إليه وأنا الرسول(١) .

فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى زياد كتاباً يستلطفه ويعتذر إليه من مطارح العطب والهوى ويمدحه ويؤكد على رحمه منه ويذكّره بدم عثمان ثم يمنيه المنايا ويطلب منه الأنضمام إليه فهو منه وكلاهما من عبد شمس أعداء هاشم.

فجاء الكتاب بيد المغيرة ودخل عليه حتى قرأه وضحك ووضعه تحت قدميه ثم وبعد ثلاثة أيام صعد المنبر فخطب خطاباً بليغاً وجه به الناس لما يضمره

__________________

١ - نفس المصدر : ج ١٦ ، ص ١٨٤

٦٢١

من تغير سياسته وميله إلى معاوية.

وبدأ التقارب ثم التبعية حتى استلحقه معاوية به وأعلن أخوَّته من أبيه أبي سفيان وأمه سمية وحديث نسبه رواه الكثير منهم المدائني قال: لما أراد معاوية استلحاق زياد وقد قدم عليه الشام جمع الناس وصعد المنبر، وأصعد زياداً معه فأجلسه بين يديه على المرقاة التي تحت مرقاته، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، اني قد عرفت نسبنا أهل البيت في زياد، فمن كان عنده شهادة فليقم بها. فقام ناس فشهدوا أنه ابن أبي سفيان، وأنهم سمعوا ما أقرَّ به قبل موته، فقام أبو مريم السلولي - وكان خماراً في الجاهلية - فقال: أشهد يا أمير المؤمنين أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف، فأتاني فاشتريت له لحماً وخمراً وطعاماً، فلما أكل قال: يا أبا مريم، أصِب لي بغيّاً، فخرجت فأتيت بسمية، فقلت لها: أن أبا سفيان ممن قد عرفت شرفه وجوده، وقد أمرني أن أصيب له بغياً، فهل لك؟ فقالت: نعم،

٦٢٢

يجيء الآن عبيد بغنمه - وكان راعياً - فإذا تعشى، ووضع رأسه أتيته. فرجعت إلى أبي سفيان فأعلمته، فلم نلبث أن جاءت تجر ذيلها، فدخلت معه، فلم تزل عنده حتى أصبحت، فقلت له لما انصرفت: كيف رأيت صاحبتك؟ قال: خير صاحبة، لولا ذفر في إبطيها. فقال زياد من فوق المنبر: يا أبا مريم، لا تشتم أمهات الرجال، فتُشتم أمُّك.

ودخل بنو أمية وفيهم عبد الرحمن بن الحكم على معاوية أيام ما استلحق زياداً فقال له عبد الرحمن: يا معاوية؛ لو لم تجد إلا الزنج لاستكثرت بهم علينا قلة وذلة - يعني على بني أبي العاص - وكان قد قال شعراً:

ألا أبلغ معاوية بن حرب

لقد ضاقت بما يأتي اليدان

أتغضب أن يقال أبوك عف

وترضى أن يقال أبوك زان!(١)

فأشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان

__________________

١ - الإيضاح للفضل بن شاذان الأزدي : ص ٥٤٨

٦٢٣

وأشهد أنها حملت زياداً

وصخر من سمية غير دان(١)

وأما يزيد بن مفرغ الحميري وهجاؤه عبيد الله وعباداً، ابني زياد فكثير ومشهور ومنها:

أعباد ما للؤم عنك تحول

ولا لك أم من قريش ولا أب

وقل لعبيد الله ما لك والد

بحق ولا يدرى امرؤ كيف تنسب

ونحو قوله:

شهدت بأن أمك لم تباشر

أبا سفيان واضعة القناع

ونحو قوله:

إن زياداً ونافعاً وأبا بكرة

عندي من أعجب العجب

هم رجال ثلاثة خلقوا

في رحم أنثى وكلهم لأب

ذا قرشي كما تقول وذا

مولى وهذا بزعمه عربي

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج١٦، ص١٩٠، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج٣٤، ص٣١٤.

٦٢٤

وقال الحسن البصري: ثلاث كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة منهن لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها، واستلحاقه زياداً مراغمة لقول رسول الله: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر)، وقتله حجر بن عدي، فيا ويله من حجر وأصحاب حجر!(١) .

روى الشرقي بن القطامي، قال: كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام : فلما قدم زياد الكوفة طلبه وأخافه، فأتى الحسن بن عليعليه‌السلام مستجيراً به، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم وأخذ ماله، ونقض داره. فكتب الحسن بن عليعليه‌السلام إلى زياد:

أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، فهدمت داره، وأخذت ماله، وحبست أهله

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي : ج١٦، ص١٩٠ - ١٩٣

٦٢٥

وعياله، فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره، وأردد عليه عياله وماله، وشفعني فيه، فقد أجرته والسلام.

فكتب إليه زياد: من زياد بن أبى سفيان إلى الحسن بن فاطمة: أما بعد: فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة وأنا سلطان وأنت سوقة، وتأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته. كتبت إلي في فاسق آويته. إقامة منك على سوء الرأي ورضا منك بذلك، وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك، ولحمك وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرع عليك فإن، أحب لحم علي أن آكله للحم الذي أنت منه، فسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك، فإن عفوتُ عنه لم أكن شفعتك فيه، وإن قتلتُه لم أقتله إلا لحبه أباك الفاسق. والسلام.

وكتب الحسنعليه‌السلام إلى معاوية كتاباً ثلاث كلمات أرفقه كتاب زياد فكتب معاوية إلى زياد يؤنبه ويذكّره مقام الحسنعليه‌السلام ويأمره بما أمره الحسنعليه‌السلام

زياد بن أبيه والي الكوفة يستعمل

٦٢٦

الشاعر الخمار حارثة بن بدر على سرّق (من أعمال الأهواز) وهو خمار مصرُّ على الخمرة.

عاتب الأحنف بن قيس حارثة بن بدر على معاقرة الشراب، وقال له: قد فضحت نفسك وأسقطت قدرك، وأوجعه عتاباً، فقال له: إني سأعتبك(١) فانصرف الأحنف طامعاً في صلاحه، فلما أمسى راح إليه فقال له:

اسمع يا أبا بحر(٢) ما قلت لك، فقال هات، فأنشده:

يذم أبو بحر أموراً يريدها

ويكرهها للأريحي المسرّد

فإن كنت عياباً فقل ما تريده

ودع عنك شربي السقا فيه بأوحد

سأشربها صهباء كالمسك ريحها

وأشربها في كل ناد ومشهد

فنفسك فانصح يا بن قيس وخلني

ورأيي فما رأي برأي مفند

وقائلة يا حار هل أنت ممسك

عليك من التبذير قلت لها اقصدي

__________________

١ - سأعتبك: سأرضى بعتبك.

٢ - أبو بحر: كنية الأحنف بن قيس.

٦٢٧

ولا تأمريني بالسداد فإنني

رأيت كثير المال غير مخلد

إلى ان يقول:

كذا العيش لا عيش ابن قيس وصحبه

من الشرب للماء القراح المصرّد

قال بعض أهل العلم: ان زياداً استعمل حارثة على سرّق فمات زياد وهو بها(١) .

من كلام له: تأخير جزاء المحسن لؤم، وتعجيل عقوبة المسئ طيش.

ومن كلامه: أحسنوا إلى أهل الخراج، فإنكم لا تزالون سمانا ماسمنوا.

وقال ليس العاقل من يحتال للامر إذا وقع فيه، لكن العاقل من يحتال للامر ألا يقع فيه.

كان مكتوباً في الحيطان الأربعة في قصر زياد كتابة بالجص، أربعة أسطر، أولها:

الشدة في غير عنف، واللين في غير

__________________

١ - الأغانى : ج ٨ ، ص ٤٠٦ - ٤٠٧

٦٢٨

ضعف. والثانى: المحسن مجازى بإحسانه، والمسيء يكافأ بإساءته. والثالث: العطيات والأرزاق في إبانها وأوقاتها. والرابع: لا احتجاب عن صاحب ثغر، ولا عن طارق ليل.

وقال: ما قرأت كتاب رجل قط إلا عرفت عقله.

وقيل لزياد: ما الحظ؟ قال: أن يطول عمرك، وترى في عدوك ما يسرك. قيل: كان زياد يقول: هما طريقان للعامة الطاعة والسيف(١) .

كتبت عائشة إلى زياد كتاباً، فلم تدر ما تكتب عنوانه! إن كتبت زياد بن عبيد أو ابن أبيه أغضبته، وأن كتبت زياد بن أبى سفيان أثمت فكتبت: من أم المؤمنين إلى ابنها زياد. فلما قرأه ضحك. وقال: لقد لقيت أم المؤمنين من هذا العنوان نصباً!

روى الشعبى أيضاً، قال: لما خطب زياد خطبته البتراء بالبصرة ونزل سمع

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: ج١٦، ص١٩٧ - ١٩٩.

٦٢٩

تلك الليلة أصوات الناس يتحارسون، فقال: ما هذا؟ قالوا: إن البلد مفتونة، وإن المرأة من أهل المصر لتأخذها الفتيان الفساق فيقال لها: نادي ثلاث أصوات، فأن أجابك أحد وإلا فلا لوم علينا فيما نصنع. فغضب فقال: ففيم أنا، وفيم قدمت! فلما أصبح أمر فنودي في الناس، فاجتمعوا فقال: أيها الناس، إني قد نبئت بما أنتم فيه وسمعت ذرواً منه، وقد أنذرتكم وأجَّلتكم شهراً مسير الرجل إلى الشام، ومسيره إلى خراسان، ومسيره إلى الحجاز، فمن وجدناه بعد شهر خارجاً من منزله بعد العشاء الآخرة فدمه هدر. فانصرف الناس يقولون: هذا القول كقول من تقدمه من الأمراء، فلما كمل الشهر دعا صاحب شرطته عبد الله بن حصين اليريوعى - وكانت رجال الشرطة معه أربعة آلاف - فقال له: هيئ خيلك ورجلك، فإذا صليت العشاء الآخرة، وقرأ القارئ مقدار سبع من القرآن، ورفع الطن القصب من القصر، فسر ولا تلقين أحداً، عبيد الله بن زياد فمن دونه، إلا جئتني برأسه، وإن

٦٣٠

راجعتني في أحد ضربت عنقك. قال: فصبح على باب القصر تلك الليلة سبعمائة رأس، ثم خرج الليلة الثانية فجاء بخمسين رأساً، ثم خرج الليلة الثالثة فجاء برأس واحد، ثم لم يجئ بعدها بشيء(١) .

زيد بن أرقم

هو زيد بن أرقم الخزرجي الأنصاري، صحابي غزا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعة عشر غزوة وشهد صفين مع عليعليه‌السلام ، ومات بالكوفة سنة ٦٨هـ، له في كتب الحديث ٧٠ حديثاً.

ترجمته في كتب الصحابة، وتهذيب التهذيب: ج٣، ص٣٩٤، وخزانة البغدادي(٢) : ج١، ص٣٦٣.

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: ج١٦، ص ٢٠٤

٢ - ربيع الأبرار : ج ١ ، ص ٢٤٨

٦٣١

زيد بن ثابت وابنه عمرو بن زيد

كان زيد بن ثابت عثمانياً شديداً في ذلك، وكان عمرو بن ثابت عثمانياً، من أعداء عليعليه‌السلام ومبغضيه، وعمرو بن زيد بن ثابت هو الذي روى عن أبي أيوب الأنصاري حديث: (ستة أيام من شوال).

روى عن عمرو أنه كان يركب ويدور القرى بالشام ويجمع أهلها، ويقول: أيها الناس، إن علياً كان رجلاً منافقاً، أراد أن ينخس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة العقبة، فالعنوه، فيلعنه أهل تلك القرية، ثم يسير إلى القرية الأخرى، فيأمرهم بمثل ذلك، وكان في أيام معاوية(١) .

زيد بن حارثة مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

زيد الحب بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: ج ٤، ص ١٠٢ - ١٠٣

٦٣٢

رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة واسمه عمرو وإنما سمي قضاعة لانه انقضع عن قومه، بن مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

ذكر ان أم زيد وهي سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت بن سلسلة من بني معن من طئ زارت قومها وزيد معها فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية فمروا على أبيات بني معن رهط أم زيد فاحتملوا زيداً إذ هو يومئذ غلام يفعة قد أوصف فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه منهم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي لعمته خديجة بنت خويلد بأربع مائة درهم فلما تزوجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهبته له فقبضه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كان أبوه حارثة بن شراحيل حين فقده قال:

بكيت على زيد ولم‌أدر ما فعل

أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل

فو الله ما أدري وإن كنت سائلاً

أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل

فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة

فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل

تذكرنيه الشمس عند طلوعها

وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل

٦٣٣

وإن هبت الأرواح هيجن ذكره

فيا طول ما حزني عليه ويا وجل

سأعمل نص العيس في الأرض جاهداً

ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل

حياتي أو تأتي علي منيتي

وكل امرئ فانٍ وإن غرَّه الأمل

وأوصى به قيساً وعمرا كليهما

وأوصى يزيداً ثم من بعدهم جبل(١)

قال يريد جبلة بن حارثة أخا زيد وكان أكبر من زيد ويعني يزيد أخا زيد لأمه وهو يزيد بن كعب بن شراحيل.

وحج ناس من كلب فرأوا زيداً فعرفهم وعرفوه فقال: بلغوا أهلي هذه الأبيات فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي وقال:

ألِكن إلى قومي وإن كنت نائيا

بأني قطين البيت عند المشاعر

فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم

ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر

__________________

١ - الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد: ج٣، ص٤١، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج١٠، ص١٣٨، و: ج١٩، ص٣٤٧، أسد الغابة: ج٢، ص٢٢٤، الإصابة لابن حجر: ج٢، ص٤٩٥، المنتخب من ذيل المذيل للطبري: ص٣، سيرة بن هشام: ج١، ص١٦٤، تفسير القرطبي: ج١٤، ص١١٨، الدرجات الرفيعة لابن معصوم: ص٤٣٧، المستدرك للحاكم النيسابوري: ج٣، ص٢١٤.

٦٣٤

فإني بحمد الله في خير أسرة

كرام معد كابراً بعد كابر

قال فانطلق الكلبيون وأعلموا أباه فقال ابني ورب الكعبة ووصفوا له موضعه وعند من هو فخرج حارث وكعب ابنا شراحيل بفدائه وقدما مكة فسألا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقيل: هو في المسجد فدخلا عليه فقالا: يا بن عبد الله يا بن عبد المطلب يا بن هاشم يا بن سيد قومه أنتم أهل الحرم وجيرانه وعند بيته تفكون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه فإنا سنرفع لك في الفداء، قال: من هو؟ قالوا: زيد بن حارثة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فهل أنتم لغير ذلك قالوا: ما هو قال دعوه فخيَّروه فإن اختاركم فهو لكما بغير فداء وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت قال: فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، قال: من هما؟ قال: هذا أبي وهذا عمي قال: فإنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو

٦٣٥

اخترهما، فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحداً أنت مني بمكان الأب والأم، فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم إني قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً فلما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: يا من حضر اشهدوا أن زيداً ابني أرثه ويرثني فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا فدعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام.

عن بن عباس فزوجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية وأمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم فطلقها زيد بعد ذلك فتزوجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتكلم المنافقون في ذلك وطعنوا فيه وقالوا: محمد يحرم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه زيد(١) فأنزل الله جل جلاله:( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ

__________________

١ - بحار الأنوار للمجلسي: ج٢٢، ص٢١٦، المبسوط للسرخسي: ج٣٠، ص٢٩٣.

٦٣٦

وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (١) ) ، وقال:( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ (٢) ) ، فدعي يومئذ زيد بن حارثة ودعي الأدعياء إلى آبائهم فدعي المقداد إلى عمرو وكان يقال له قبل ذلك المقداد بن الأسود وكان الأسود بن عبد يغوث الزهري قد تبناه.

وقتل زيد في جمادي الأولى من هذه السنة (السنة ٨ للهجرة) وهو ابن خمس وخمسين سنة وكان يكنى أبا أسامة فيما قيل.

فقال محمد بن عمر حدثنا حسن بن الحسن بن أسامة بن زيد عن أبيه قال: كان بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين زيد عشر سنين، رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكبر منه وكان زيد رجلاً قصيراً آدم شديد الأدمة في أنفه فطس(٣) ،

__________________

١ - (الأحزاب:٤٠).

٢ - (الأحزاب: من الآية٥).

٣ - الأدمة: سمرة الجلد يريد انه شديد السمرة، والفطس: عرض قصبة الأنف وقيل انخفاض قصبة الأنف وتطامنها وانتشارها - وهي كالعاهة - لسان العرب.

٦٣٧

وكان يكنى أبا أسامة وشهد زيد بدراً وأحداً واستخلفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المدينة حين خرج إلى المريسع، وشهد الخندق والحديبية وخيبر وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله(١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وجاء في أسرار الإمامة:

اشتراه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمال خديجة من سوق عكاظ ووهبته خديجة محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتقته. وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (( زيد ابني)) واشتهر زيد بـ ((ابن محمد)).

فأراد الله للحسن والحسينعليهم‌السلام بنوة الرسول وخلافته، فنزل الوحي:( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ (٢) ) ، لم يترك الناس هذا الإعتزاء(٣) - يعني زيد بن محمد - ثم نزل ثانياً قوله:( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ

__________________

١ - ذيل المذيل ملحق كتاب تاريخ الطبري: ج٨ ، ص٣ - ٤.

٢ - (الأحزاب: من الآية٥).

٣ - لم نجد له معنى في لسان العرب. المؤلف.

٦٣٨

عَلِيماً (١) ) ، فلم يترك الناس ذلك الانتساب، فنزل الوحي ثالثاً بتطليق زيد امرأته، وأمر الله تعالى فزوجها بعد العدة ليعلم الناس انه ليس بابن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانما ابنه الحسن والحسينعليهم‌السلام ليصح خلافتهما ووراثتهما بعده منه(٢) .

زيد الشهيد

هو أحد أباة الضيم، ومن متقدمي علماء أهل البيت، قد اكتنفته الفضائل من شتى جوانبه، علمٌ متدفق، وورع موصوف، وبسالة معلومة، وشدة في البأس، وشمم يخضع له كل جامع، وإباء يكسح عنه أي ضيم، كل ذلك موصول بشرف نبوي، ومجد علوي، وسؤدد فاطمي، وروح حسيني.

والشيعة عن بكرة أبيها لا تقول فيه إلا بالقداسة، وترى من واجبها تبرير كل عمل له من جهاد ناجع، ونهضة

__________________

١ - (الأحزاب: ٤٠).

٢ - أسرار الإمامة للطبرسي : ص ٣٧٠

٦٣٩

كريمة، ودعوة إلى الرضا من آل محمد، تشهد بذلك كله أحاديث أسندوها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونصوص علمائهم، ومدائح شعرائهم، وتأبينهم له، وإفراد مؤلفيهم أخباره بالتدوين.

أما الأحاديث فمنه قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسين السبط: ((يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يدخلون الجنة بغير حساب))(١)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه: ((إنه يخرج ويُقتل بالكوفة ويصلب بالكناسة، يخرج من قبره نبشاً، وتفتح لروحه أبواب السماء، وتبتهج به أهل السماوات والأرض))(٢)

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام وقد وقف على موضع صلبه بالكوفة فبكى وبكى أصحابه، فقالوا له: ما الذي أبكاك؟ قال: ((ان رجلاً من ولدي يصلب في هذا الموضع، من رضي ان ينظر إلى عورته أكبه الله على

__________________

١ - عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق: ج٢، ص٢٢٦.

٢ - نفس المصدر: ج١، ص٢٥٠، والأمالي للصدوق: ص٩٤.

٦٤٠