رجال في التّارِيخ الجزء ٢

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 669

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 669
المشاهدات: 12508
تحميل: 1387


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 669 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12508 / تحميل: 1387
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 2

مؤلف:
العربية

عنها وتفرقوا في بلاد شتى.

ثم استنفر أصحابه وجميع من قدر عليه وتوجه إلى البصرة بخلق كثير يقودهم سليمان بن موسى الشعراني، فأمره بتطرق البصرة والإيقاع بأهلها وكان بغراج التركي فيها - وان أول من واقع أهل البصرة علي بن أبان المهلبي - فوضع المهلبي السيف في الناس.

ثم انتشر الزنج في سكك البصرة وشوارعها، يقتلون من وجدوا، ودخل علي بن أبان المسجد فأحرقه، وبلغ إلى الكلأ فأحرقه إلى الجسر، وأخذت النار كل ما مرت به من إنسان وبهيمة وأثاث ومتاع.

ذكر علي بن الحسن المسعودي في ((مروج الذهب)) ان هذه الواقعة بالبصرة هلك فيها من أهلها ثلاثمائة ألف إنسان، وان علي بن إبان المهلبي بعد فراغه من الواقعة نصب منبراً في الموضع المعروف ببني يشكر، صلى فيه يوم الجمعة، وخطب لعلي بن محمد صاحب الزنج وترحم على أبي بكر وعمر، ولم

١٠١

يذكر عثمان ولا علياًعليه‌السلام في خطبته ولعن أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان.

واتصلت الأخبار بسامراء وبغداد وبالقواد والموالي وأهل الحضرة بما جرى على أهل البصرة، فقامت عليهم القيادة، وعلم المعتمد انه لا يرتق هذا الفتق إلا بأخيه أبي أحمد طلحة بن المتوكل، وهو الذي أخذ بغداد للمعتز، وكسر جيوش المستعين وخلعه من الخلافة. فعقد له المعتمد على ديار مضر وقنسرين والعواصم وجلس له مستهل شهر ربيع الآخرة من سنة سبع وخمسين، وشخص نحو البصرة لحرب علي بن محمد.

وكانت بين صاحب الزنج وأبي أحمد قائد جيوش الخليفة حروب سجال دامت طويلاً، حتى دخلت سنة سبعين ومائتين حتى تتابعت الإمدادات إلى أبي أحمد من سائر الجهات واستطاع ان يقضي على فتنة الزنج وقتل قائدهم، ويرسل برأس الناجم بيد ابنه أبي العباس عضده

١٠٢

الأيمن في المعارك إلى بغداد(١) .

صالح

( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ * قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٢) )

إن الله تبارك وتعالى بعث صالحاً إلى ثمود وهو ابن ست عشرة سنة لا يجيبوه إلى خير، وكان لهم سبعون صنماً يعبدونها من دون الله فلما رأى ذلك منهم قال لهم يا قوم بعثت إليكم وأنا ابن ست عشرة سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة وأنا أعرض عليكم أمرين إن شئتم

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: ج٨ ، ص١٢٥ - ٢١٠، بتصرف واختصار شديد.

٢ - (هود:٦١ - ٦٢).

١٠٣

فاسألوني مهما أردتم حتى أسأل إلهي فيجيبكم، وان شئتم سألت آلهتكم فإن أجابتني خرجت عنكم، فقالوا أنصفت فأمهلنا، فأقبلوا يتعبدون ثلاثة أيام ويتمسحون بالأصنام ويذبحون لها وأخرجوها إلى سفح الجبل وأقبلوا يتضرعون إليها. فلما كان اليوم الثالث قال لهم صالحعليه‌السلام : قد طال هذا الأمر، فقالوا له: سل من شئت؛ فدنا إلى أكبر صنم لهم، فقال: ما اسمك؟ فلم يجبه، فقال لهم: ماله لا يجيبني؟ قالوا له: تنح عنه، فتنحى عنه وأقبلوا إليه ووضعوا على رؤوسهم التراب وضجوا وقالوا فضحتنا ونكست رؤوسنا، وقال صالح قد ذهب النهار، فقالوا: سله، فدنا له فكلمه فلم يجبه فبكوا وتضرعوا فعلوا ذلك ثلاث مرات فلم يجبهم بشيء. فقالوا ان هذا لا يجيبك ولكننا نسأل إلهك، فقال لهم: سلوا ما شئتم، فقالوا: سله ان يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء شقراء عشراء أي: حاملة تضرب بمنكبيها طرفي الجبل وتلقى فصيلها من ساعتها وتدر

١٠٤

لبناً.

فقال صالح ان الذي سألتموني عندي عظيم وعند الله هين، فقام وصلي ركعتين ثم سجد وتضرع إلى الله فما رفع رأسه حتى تصدع الجبل وسمعوا له دوياً شديداً ففزعوا منه وكادوا ان يموتوا منه فطلع رأس الناقة وهى تجتر فلما خرجت ألقت فصيلها ودرت لبنها فبهتوا وقالوا قد علمنا يا صالح ان ربك أعز وأقدر من آلهتنا التي نعبدها.

وكان لقريتهم ماء وهى الحجر التي ذكرها الله تعالى في كتابه وهو قوله:( وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (١) ) فقال لهم صالح لهذه الناقة شرب أي تشرب ماءكم يوماً وتدر لبنها عليكم يوماً وهو قوله عز وجل:( قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢) ) فكانت تشرب ماءهم يوماً وإذا كان من الغد وقفت وسط قريتهم فلا يبقى في

__________________

١ - ( الحجر: ٨٠).

٢ - ( الشعراء :١٥٥ - ١٥٦).

١٠٥

القرية أحد إلا حلب منها حاجته وكان فيهم تسعة من رؤسائهم كما ذكر الله في سورة النمل:( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١) ) فعقروا الناقة ورموها حتى قتلوها وقتلوا الفصيل، فلما عقروا الناقة قالوا لصالح:( ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢) ) ، قال صالح:( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٣) ) ، ثم قال لهم وعلامة هلاككم انه تبيض وجوهكم غداً وتحمر بعد غد وتسود في اليوم الثالث فلما كان من الغد نظروا إلى وجوههم وقد ابيضت مثل القطن فلما كان اليوم الثاني احمرت مثل الدم فلما كان اليوم الثالث اسودت وجوههم فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا وهو قوله:( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٤) ) ،

__________________

١ - ( النمل: ٤٨).

٢ - ( الأعراف : من الآية ٧٧ ).

٣ - ( هود : من الآية ٦٥ ).

٤ - ( الأعراف: ٧٨ ).

١٠٦

فما تخلص منهم غير صالح وقوم مستضعفين مؤمنين وهو قوله:( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ ) ( هود: ٦٦ - ٦٨)(١) .

السيد صالح الحلي

خطيب العلماء، وعالم الخطباء المرحوم السيد صالح الحسيني الحلي من مواليد الحلة الفيحاء في العراق عام ١٢٨٩هـ، وهو من نوادر الدهر وأعجوبة من فلتات الزمن في ذكائه الوقّاد، وسلاطة لسانه، ومن الذين أعجب بهم تاريخ العلماء والخطباء والمجاهدين في سبيل رفع راية الإسلام.

استطاع ان يحفظ القرآن في بواكير

__________________

١ - تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٥٩ - ٣٦٠

١٠٧

عمره، ثم حفظ نهج البلاغة، وصارت لديه الملكة التامة على التحدث للجماهير. ثم انتقل إلى النجف الأشرف مكباً على طلب العلم وهو لم يكمل العقد الثاني من عمره.

حضر دروس كبار علماء النجف كالمرحوم الآغا رضا الهمداني، والآخوند الخراساني صاحب الكفاية، وكان متفوقاً بين أقرانه وكان الجميع يتوقع له مستقبلاً زاهراً في مستوى المرجعية إلا انه آثر التوجه إلى الخطابة الحسينية، ويقال ان نقطة انتقاله إلى جو المنبر هو انه كان ضمن جماعة من زملائه العلماء متجهين إلى كربلاء لزيارة الحسينعليه‌السلام مشياً على الأقدام وكان الطريق يمر بقرى ومزارع، وبينما هم يجدّون بالمسير إذ استوقفتهم امرأة وسألتهم على فطرتها: أما فيكم من يقرأ على الحسينعليه‌السلام ؟ فتباطأوا بالجواب لأنهم علماء لكن السيد صالح انبرى إليها قائلاً: نعم. فقالت: أنا عندي مجلس وليس لدينا من يتحدث فيه، فودّع رفاقه وجاء إلى القرية وبقي عندهم

١٠٨

أربعة أيام يقرأ، ولاقى إعزازاً وإكراماً، ولدى متابعته السفر قدمت له الامرأة خمسة روبيات، وهي العملة السائدة آنذاك وكان مبلغاً كبيراً في وقته بقدرتها الشرائية.

وجاء السيد صالح والتقى بأصحابه في كربلاء وحدثهم مستبشراً وقال لهم على سبيل المداعبة: لقد خدمت عند الله ثلاثين سنة لم تدخلني روبية واحدة، ولكني خدمت عند الحسينعليه‌السلام أربعة أيام فأعطاني خمس روبيات، وسوف أنقل خدماتي إلى الحسينعليه‌السلام وانه وجد في الواقع ان لديه استعداداً ونجاحاً في خدمة المنبر الحسيني، وتطور بسرعة حتى صار الخطيب الأول في سمعته وشهرته، وكان يجمع بين العلم والفقه والخطابة، لذلك كان يمتاز منبره بين العلم والخطابة والفقه فكان ان تميز منبره بالحديث والمسائل الفقهية والأصولية وغيرها. لذلك اشتهر في زمانه بأنه عالم الخطباء، وخطيب العلماء، ولم يكن له قرين في المنبر إلا المرحوم الشيخ كاظم سبتيرحمه‌الله .

١٠٩

وكان من خصائصه انه قوي الحافظة فلم يكد يسمع بيتاً أو قصيدة ولو مرة واحدة إلا وحفظها(١) .

أما صفحات حياته الجهادية؛ فانه حينما انقدحت الشرارة الأولى للحرب العالمية الأولى واحتل الإنجليز البصرة، وحاول الإنجليز خداع الشيعة بأنهم جاءوا محررين لهم من القمع العثماني، فقد رفض علماء الشيعة هذه

__________________

١ - وفي كتاب أمير المنابر الدكتور أحمد الوائلي - للمحقق - ذكر عنه: ((كان مفوّهاً وله قابلية كبيرة في إقناع الجمهور بمسألة ما، وكان بحق خطيباً لا يبارى في وقته، ولكن ما كان يؤخذ عليه فيما لو قُرون مع الشيخ الوائلي (رحمه‌الله ) أنه لم يمتلك من العمق العلمي في التفسير القرآني والحديث وعلم الدراية، والعلوم العصرية الحديثة، والفلسفة ونظرياتها فضلاً عن وحدة الموضوع وإشباعه بكل ما يتعلق به)) ثم يقول: ((وعلى أي حال فهو الخطيب الذي لم يبارهِ أحد في عصره، وملك عقول عوام الناس)): ص١٥٩، الطبعة الأولى، بيروت، ١٤٢٤هـ / ٢٠٠٤م

١١٠

المخادعة ووقفوا مع خصومهم ضد الكافر والمحتل، فكان الخطيب السيد صالح الحلي يصول ويجول بمنابره ومحاضراته ويدعو المسلمين إلى التلاحم سنة وشيعة ضد الغزاة المحتلين، وضاق الغزاة الإنجليز ذرعاً به، فقبض عليه عملاء الكفار وأسلموه للإنجليز ثم نفوه إلى مدينة المحمرة آنذاك، وكان حاكمها آنذاك الشيخ خزعل.

وحينما أنزلوا هذا العالم الجليل متعباً مهاناً في قصر العباسية رفع صوته منادياً: واخزعلاه، فأغاثه عندها وآواه، وبقي منفياً هناك ثمانية أشهر وبعدها أطلق سراحه وعاد ليتخذ من مدينته الكوفة موطناً له.

ولدى تنصيب الحكومة من قبل الإنجليز تصدى هذا العالم الجليل هاتفاً بمقاطعتها، فقبض عليه مرة أخرى، ونفي إلى البصرة، ومدينة الفاو عدة أشهر. ثم عاد ليسكن النجف الأشرف خطيباً وكاتباً وشاعراً. وكانت تنشر له المقالات والبحوث، كما ان قصائده كانت تلقى في المحافل والمجالس وجمعت في

١١١

كتاب خاص سمي (الباقيات الصالحات).

ومن أرقى قصائده، قصيدته المفجعة في الزهراءعليها‌السلام ومطلعها:

لمصائب الزهراء هجرت المضجعا

وأذبت قلبي من جفوني أدمعا

كما قرئت له قصيدة في رثاء الحسينعليه‌السلام وهي مليئة بالمواعظ والحكم قال في مطلعها:

سرّح بطرفك أيها الإنسان

في الذاهبين كأنهم ما كانوا

ومن أشهر قصائده التي يتوارث الخطباء والوعاظ قراءتها هي قصيدته في استنهاض الإمام المهديعليه‌السلام ومطلعها:

يا مدرك الثار البدار البدار

شنَّ على حرب عداك المغار

ثم يستنهض الإمامعليه‌السلام لمصيبة الزهراءعليها‌السلام فيقول:

تنسى على الدار هجوم العدى

مذ أضرموا الدار بجزل ونار

فما سقوط الحمل ما ضلعها

ما عصرها ورضها بالجدار

ثم يعرج بعدها على مصاب الحوراء زينبعليها‌السلام فيقول:

١١٢

قد ورثت زينب من أمها

كل الذي جرى عليها وصار

وزادت البنت على أمها

من دارها تهدى إلى شر دار

توفي الخطيب الفذ عام ١٣٥٩هـ في مدينة الكوفة بعد عمر استمر سبعين عاماً وبعد مرض عضال ألزمه الفراش طويلاً ولمدة عام كامل، وقد حمل جثمانه على الأكف من الكوفة إلى النجف، ودفن بمقبرته الخاصة في وادي السلام والتي عينها قبل وفاته، ونعاه العلماء والمجتهدون والشعراء وفي طليعتهم الشيخ عبد المهدي مطر بقصيدة رائعة قال فيها:

نعتــك الخطابـــة والمنبــر

وناح لك الطرس والمزبر

وفيك انطوت صفحة للبيان

بغيــر لسانك لا تنشــــر

فكنت كمدرسة في الوجود

تغذي النفوس بما يبهر

ورثاه الخطيب الشيخ جواد قسام بقوله:

باتت لفقدك تندب الأعواد

وأصيب فيك الوعظ والإرشاد

١١٣

تغمده الله برحمته(١) .

الشيخ الصدوق

قال الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب:

أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة رئيس المحدثين والصدوق فيما يرويه عن الأئمة الطاهرينعليه‌السلام

ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر ونال بذلك عظيم الفضل والفخر فعمت بركته الأنام وبقيت آثاره ومصنفاته مدى الأيام، له نحو من ثلاثمائة مصنف.

قال ابن ادريس في حقه: انه كان ثقة جليل القدر بصيراً بالأخبار ناقداً للآثار عالماً بالرجال وهو أستاذ المفيد محمد بن محمد بن النعمان.

وقال العلامة في ترجمته:

__________________

١ - مع الصادقين : ج ١ ، ص ٢٩٨ - ٣٠١

١١٤

شيخنا وفقيهنا، ووجه الطائفة بخراسان ورد بغداد سنة ٣٥٥ وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن كان جليلاً حافظاً للأحاديث بصيراً بالرجال ناقداً للأخبار لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه له نحو من ثلاثمائة مصنف ذكرنا أكثرها في كتابنا الكبير، مات بالري سنة ٣٨١ إحدى وثمانين وثلاثمائة.

وقال الأستاذ الأكبر في التعليقة:

نقل المشايخ معنعناً عن شخينا البهائي وقد سئل عنه فعد له ووثقه وأثنى عليه، وقال: سئلت قديماً عن زكريا بن آدم والصدوق محمد بن علي بن بابويه أيهما أفضل وأجل مرتبة؟ فقلت:

زكريا بن آدم لتوافر الأخبار بمدحه فرأيت شيخنا الصدوق قدس سره عاتباً علي وقال: من أين ظهر لك فضل زكريا بن آدم علي؟ وأعرض عنى كذا في حاشية المحقق البحراني على بلغته.

وقبرهرحمه‌الله في بلدة الري قرب عبد العظيم الحسنى مزار معروف في بقعة عالية في روضة مونقة وله خبر مستفيض

١١٥

مشهور، ذكره (ضا)(١) وعده من كراماته وأطراف قبره قبور كثيرة من أهل الفضل والإيمان(٢) .

صفوان الجمّال

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان نزيل بغداد شيخ الطائفة، ثقة، فقيه، فاضل، جليل، وكانت له منزلة من السلطان وهو الذي ناظر قاضي الموصل في الإمامة بين يدي ابن حمدان وباهله وجعل كفه في كفه، فلما قام القاضى من موضع المباهلة حم وانتفخ كفه الذي مده للمباهلة وقد اسودت ثم مات من الغد فانتشر لأبي عبد الله بهذا ذكر عند الملوك وحظي منهم وكانت له منزلة وله كتب. قال ابن النديم: انه كان أمياً لقيته في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وكان رجلاً طوالاً

__________________

١ - روضات الجنات للخنساري.

٢ - الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي: ج١، ص٢١٢.

١١٦

معرقاً حسن الملبوس وكان يزعم انه لا يقرأ ولا يكتب(١) .

وقال الشيخ الطوسى (ره): انه كان حفظة، كثير العلم جيد اللسان، وقيل: انه كان أمياً وله كتب أملاها عن ظهر قلبه(٢) .

يروي عن علي بن إبراهيم وعنه أحمد بن علي بن نوح والتلعكبري والمفيد وغير هؤلاء.

ومن كتبه كتاب الإمامة وكتاب يوم وليلة وكتاب تحليل المتعة وغير ذلك.

وانما يقال له الصفواني لانتهاء نسبه إلى أبي محمد صفوان بن مهران الجمال الكوفي وكان ثقة، روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وكان له كتاباً يرويه جماعة وعرض على الصادقعليه‌السلام إيمانه واعتقاده بالأئمةعليهم‌السلام وهو الذي قال له أبو الحسن موسىعليه‌السلام في قصة له كل شيء منك حسن

__________________

١ - فهرست ابن النديم البغدادي: ص٢٤٧.

٢ - الطوسي في تهذيب الأحكام: ج١٠، ص٨٧ ، وذكره النجاشي في رجاله: ص٢٧٩، ((شيخ الطائفة ثقة فقيه فاضل)).

١١٧

جميل ماخلا شيئاً واحداً والقصة هذه:

الكشي: عن صفوان الجمال قال: دخلت على أبي الحسن الأولعليه‌السلام فقال لي: يا صفوان كل شي منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً! قلت: جعلت فداك أي شيء؟ قال: اكراؤك جمالك من هذا الرجل - يعني هارون - قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو ولكن أكريته لهذا الطريق - يعني طريق مكة - ولا أتولاه بنفسي ولكني أبعث معه غلماني، فقال لي: يا صفوان أيقع كراك عليهم؟ قلت نعم جعلت فداك، قال: فقال لي أتحب بقاهم حتى يخرج كراك؟ قلت: نعم، قال: فمن أحب بقاءهم فهو منهم ومن كان منهم فهو كان ورد النار.

قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني انك بعت جمالك؟ قلت: نعم، قال: ولم؟ فقلت: أنا شيخ وان الغلمان لا يفون بالأعمال، فقال: هيهات هيهات اني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر، قلت: مالي ولموسى بن جعفر فقال

١١٨

دع هذا عنك فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك.

وكان صفوان الجمال ممن حمل الصادقعليه‌السلام من المدينة إلى العراق مراراً ولهذا أخذ بقدر استعداده منهعليه‌السلام العلم وبعض الزيارات والأدعية الشريفة، وتشرف بزيارة قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام وعلمه الصادق الزيارة المعروفة التي رواها المشايخ في كتبهم المزارية وتعلم منهعليه‌السلام الدعاء المعروف بدعاء علقمة، وعلمهعليه‌السلام أيضاً كيفية زيارة الحسينعليه‌السلام في الأربعين كما رواها الشيخ في التهذيب، ولما اطلع ببركة الصادقعليه‌السلام على موضع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام مكث عشرين سنة يصلي عند قبرهعليه‌السلام والله يعلم ما له من الأجر في ذلك لان الصلاة عند عليعليه‌السلام بمائتي ألف.

(وروى) الشيخ في مصباح المتهجد عن جماعة عن الصفواني عن أبيه عن جده عن صفوان المذكور قال: استأذنت الصادقعليه‌السلام لزيارة مولانا الحسينعليه‌السلام فسألته ان يعرفني ما أعمل عليه فقال: يا صفوان صم ثلاثة أيام قبل خروجك واغتسل في

١١٩

اليوم الثالث (الخ)(١) فعلمهعليه‌السلام الزيارة المعروفة بزيارة وارث(٢) .

__________________

١ - المزار للشهيد الأول: ص١١٧، بحار الأنوار للمجلسي: ج٩٨، ص١٩٧، مستدرك الوسائل: ج١٠، ص٣٤٩.

٢ - الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي: ج٢، ص٤١٩ - ٤٢١.

١٢٠