رجال في التّارِيخ الجزء ٢

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 669

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 669
المشاهدات: 12650
تحميل: 1387


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 669 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12650 / تحميل: 1387
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 2

مؤلف:
العربية

عنهم فيقطع العادة عني.

ووفد عبد الله على معاوية، بدمشق، فعلم به عمرو بن العاص قبل دخوله دمشق، أخبره بذلك مولى له كان قد سار مع ابن جعفر من الحجاز، فتقدمه بمرحلتين إلى دمشق، فدخل عمرو على معاوية وعنده جماعة من قريش من بني هاشم وغيرهم: منهم عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب، فقال عمرو: قد أتاكم رجل كثير الخلوات بالتمني، والطرقات بالتغني، أخذ للسلف، فتعاد بالسرف، فغضب عبد الله بن الحارث وقال لعمرو: كذبت وأهل ذلك أنت ليس عبد الله كما ذكرت، ولكنه لله ذكور، ولبلائه شكور، وعن الخنا نفور، ماجد، مهذب، كريم، سيد حليم، ان ابتدأ أصاب، وإن سئل أجاب، غير حصور ولا هياب، ولا فحاش ولا سباب، كالهزبر الضرغام الجريء المقدام، والسيف الصمصام، والحسب القمقام، وليس كمن اختصم فيه من قريش شرارها، فغلب عليه جزّارها، فأصبح ألأمها حسباً، وأدناها منصباً، يلوذ منها بذليل، ويأوي إلى قليل، وليت

١٨١

شعري بأي حسب تتناول؟ أو بأي قدم تتعرض؟ غير انك تعلو بغير أركانك، وتتكلم بغير لسانك، ولقد كان أبر في الحكم، وأبين في الفضل، ان يكفك ابن أبي سفيان عن ولوغك بأعراض قريش، وأن يكعمك كعام الضبع في وجارها ولست بأعراضها بوفي، ولا لأحسابها بكفي، وقد أقبح لك ضيغم شرس، للأقران مختلس، والله رواح مفترس، فهمَّ عمرو ان يتكلم فمنعه معاوية من ذلك وقال عبد الله بن الحارث: لا يُبق المرء إلا على نفسه، والله ان لساني لحديد، وإن جوابي لعتيد، وإن قولي لسديد، وإن أنصاري لشهود، فقام معاوية وتفرق القوم.

ولعبد الله بن جعفر بن أبي طالب أخبار حسان في الجود والكرم وغير ذلك من المناقب(١) .

جاء في ربيع الأبرار:

هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ولد بأرض

__________________

١ - مروج الذهب للمسعودي : ج ٣ ، ص ١٦٧.

١٨٢

الحبشة لما هاجر أبوه إليها، وهو أول من ولد بها من المسلمين، كان كريماً يسمى بحر الجود، وكان في جيش عليعليه‌السلام في صفين ثم انصرف عن السياسة بعد ان استقر الأمر لبني أمية، توفي في المدينة سنة ٨٠ للهجرة(١) .

قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل القثاء بالرطب(٢) .

عبد الله بن الحسن المحض

هو عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في عمدة الطالب وانما سمى المحض لأن أباه الحسن بن الحسنعليه‌السلام وأمه فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام وكان يشبه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وكان شيخ بنى هاشم في زمانه، وقيل له: بِمَ صرتم أفضل الناس، قال: لأن

__________________

١ - ربيع الأبرار: ج١، ص٢٩٥، الهامش.

٢ - مسند أحمد بن حنبل: ج١، ص٢٠٣، سنن الدارمي: ج٢، ص١٠٣، صحيح مسلم: ج٦، ص١٢٢، سنن ابن ماجه: ج٢، ص١١٠٤، سنن أبي داود: ج٢، ص٢١٤، سنن الترمذي: ج٣، ص١٨٣.

١٨٣

الناس كلهم يتمنون ان يكونوا منا ولا نتمنى ان نكون من أحد.

وقال أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين عند ذكر من قتل أيام أبي جعفر المنصور وكان أبو جعفر المنصور قد طلب محمداً وإبراهيم إبني عبد الله فلم يقدر عليهما فحبس عبد الله بن الحسن وإخوته وجماعة من أهل بيته بالمدينة ثم أحضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس إلى ان قال وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، يكنى أبا محمد...

إلى ان قال: وقتل عبد الله بن الحسن في محبسه بالهاشمية، وهو ابن خمس وسبعين، سنة خمس وأربعين ومائة.

وفى معجم البلدان: والهاشمية أيضاً مدينة بناها السفاح بالكوفة إلى ان قال وبالهاشمية هذه حبس المنصور عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن أبي طالب

١٨٤

رضى الله عنه ومن كان معه من أهل بيته(١) .

عبد الله بن الزبير

في اليوم الثالث من حرب الجمل برز أول الناس عبد الله بن الزبير، ودعا إلى المبارزة، فبرز إليه الاشتر، فقالت عائشة: من برز إلى عبد الله؟ قالوا: الاشتر، فقالت: واثكل أسماء! فضرب كل منهما صاحبه فجرحه، ثم اعتنقا، فصرع الاشتر عبد الله، وقعد على صدره، واختلط الفريقان: هؤلاء لينقذوا عبد الله، وهؤلاء ليعينوا الاشتر. وكان الاشتر طاوياً ثلاثة أيام لم يطعم - وهذه عادته في الحرب - وكان أيضاً شيخاً عالي السن - فجعل عبد الله ينادى:

اقتلوني ومالكاً(٢)

فلو قال: ((اقتلوني والاشتر)) لقتلوهما، إلا أن أكثر من كان يمر بهما لا يعرفهما، لكثرة من وقع في

__________________

١ - الاحتجاج: ج١، ص١٣١، الهامش.

٢ - واقتلوا مالكاً معي.

١٨٥

المعركة صرعى بعضهم فوق بعض، وأفلت ابن الزبير من تحته أو لم يكد، فذلك قول الاشتر:

أعائش لو لا أنني كنت طاوياً

ثلاثاً لألفيت ابن أختك هالكا

غداة ينادي والرجال تحوزه

بأضعف صوت: اقتلوني ومالكا!

فلم يعرفوه إذ دعاهم وغمه

خدبّ عليه في العجاجة باركا

فنجاه منى أكله وشبابه

وأنى شيخ لم أكن متماسكا(١)

وروى أبو مخنف عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل عمار بن ياسر ومالك بن الحارث الاشتر على عائشة بعد انقضاء أمر الجمل فقالت عائشة: يا عمار، من معك؟ قال الاشتر: فقالت: يا مالك، أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت؟ قال: نعم، ولو لا أنى كنت طاوياً ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه، فقالت: أ ما علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ((لا يحل دم مسلم إلا

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: ج١، ص٢٦٢.

١٨٦

بأحد أمور ثلاثة: كفر بعد الإيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق))! قال الاشتر: على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم المؤمنين، وأيم الله ما خانني سيفي قبلها، ولقد أقسمت ألا يصحبني بعدها.

قال أبو مخنف: ففي ذلك يقول الاشتر من جملة هذا الشعر الذي ذكرناه:

وقالت على أي الخصال صرعته

بقتل أتى، أم ردة لا أباً لكا!

أم المحصن الزاني الذى حل قتله

فقلت لها لا بد من بعض ذلكا

جاء في مروج الذهب: بايع أهل العراق عبد الله بن الزبير واستعمل على الكوفة عبد الله بن مطيع العدوي(١) .

ويضيف المسعودي: أظهر بن الزبير الزهد في الدنيا، والعبادة مع الحرص على الخلافة، وقال: انما بطني شبر، فما عسى ان يسع ذلك من الدنيا، وأنا العائذ بالبيت، والمستجير بالرب،

__________________

١ - مروج الذهب للمسعودي: ج٤، ص٧٣.

١٨٧

وكثرت أذيته لبني هاشم مع شحّه بالدنيا على سائر الناس، ففي ذلك يقول أبو حرّة مولى الزبير:

ان الموالي أمست وهي عائبة

على الخليفة تشكو الجوع والحربا

ماذا علينا وماذا كان يرزؤنا

أي الملوك على ما حولنا غلبا؟

وفيه يقول بعد مفارقته إياه:

لَو كانَ بَطنُكَ شِبراً قَد شَبِعتَ وَقَد

أَبقيتَ خُبزاً كَثيراً لِلمساكينِ

فَإِن تُصِبكَ مِن الأَيّامِ جائِحَةٌ

لَم نَبكِ مِنكَ عَلى دُنيا وَلا دينِ

مازِلتَ في سورَة الأَعرافِ تَدرُسُها

حَتّى فُؤادُك مِثلُ الخَزِّ في اللّينِ

إِنَّ اِمرءاً كُنتُ مَولاهُ فَضَيَّعَني

يَرجو الفَلاحَ لعندي حقُّ مَغبونِ

وفيه يقول أيضاً:

فيا راكباً إما عرضت فبلغن

كبير بني العوام ان قيل: من تعني

تخبر من لاقيت انك عائذ

وتكثر قتلاً بين زمزم والركن(١)

وفيه يقول الضحاك بن فيروز الديلمي:

تخبرنا ان سوف تكفيك قبضة

وبطنك شبراً أو أقل من الشبر

__________________

١ - مروج الذهب للمسعودي: ج٤، ص ٧٥.

١٨٨

وأنت إذا ما نلت شيئاً قضمته

كما قضمت نار الغضى حطب السدر

فلو كنت تجزي إذ تبيت بنعمة

قريباً لردتك العطوف على عمروِ(١)

ثم أيام خلافته المشؤومة حبس الحسن بن محمد بن الحنفية في الحبس المعروف بجيش عارم، وهو حبس موحش مظلم، وأراد قتله، فعمل الحيلة حتى تخلص من السجن، وتعسف الطريق على الجبال حتى أتى وبها أبوه محمد بن الحنفية ففي ذلك يقول كثير:

تُخَبِّرُ مَن لاقَيتَ أَنَّكَ عائِذٌ

بِلَ العائِذُ المَظلومُ في سِجنِ عارِمِ

وَمَن يَرَ هَذا الشَيخَ بِالخَيفِ مِن مِنىً

مِنَ الناسِ يَعلَم أَنَّهُ غَيرُ ظالِمِ

سَمِيُّ النَبِيِّ الطُّهْر وَاِبنُ وَصيِّـــهِ

وَفَكّاكُ أَغلالٍ وَقاضي مَغارِمِ(٢)

__________________

١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج٢٠، ص١٤٥.

٢ - مناقب ابن شهراشوب: ج٢، ص٢٤٩، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد * المعتزلي: ج٢٠، ص١٤٦، معجم البلدان: ج٤، ص٦٦، لسان العرب لابن منظور: ج١٥، ص٣٩٤، تاج العروس =

١٨٩

وقد كان ابن الزبير عمد إلى من بمكة من بني هاشم فحصرهم في الشعب، وجمع لهم حطباً عظيماً لو وقعت فيه شرارة من نار لم يسلم من الموت أحد، وفي القوم محمد بن الحنفية.

وحدّث النوفلي بن حرملة:... عن الديال بن حرملة، قال: كنت فيمن استنفره أبو عبد الله الجدلي من أهل الكوفة من قبل المختار، فنفرنا معه في أربعة آلاف فارس، فقال أبو عبد الله: هذه خيل عظيمة، وأخاف ان يبلغ ابن الزبير الخبر فيعجل على بني هاشم، فيأتي عليهم، فانتدبوا معي، فانتدبنا معه في ثمانمائة فارس جريدة خيل، فما شعر ابن الزبير إلا والرايات تخفق على رأسه، قال: فجئنا إلى بني هاشم، فإذا هم في الشعب، فاستخرجناهم، فقال لنا ابن الحنفية: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم، فلما رأى ابن الزبير تنمّرنا له وإقدامنا عليه لاذ بأستار الكعبة،

__________________

= للزبيدي : ج ١ ، ص ٣٩٢

١٩٠

وقال: أنا عائذ بالله(١) .

قال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : (( ما زال الزبير منا أهل البيت حتى ظهر ابنه عبد الله)).

يكنى عبد الله بن الزبير أبا بكر، وقال بعضهم: أبا بكير، وله كنية أخرى أبو خبيب بابنه خبيب، وكان أسن ولده، وخبيب هو صاحب عمر بن عبد العزيز الذي مات من ضربة إذ كان والياً على المدينة للوليد، وكان الوليد أمره بضربه فمات من أذيه ذلك فوداه عمر بعد.

وسماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم جده، وكناه بكنية جده عبد الله أبي بكر، وهاجرت أمه أسماء من مكة إلى المدينة وهى حامل به، فولدته في سنة اثنتين من الهجرة لعشرين شهراً من التاريخ، وقيل: ولد في السنة الأولى، وهو أول مولود ولد في الإسلام من المهاجرين بعد الهجرة(٢) .

__________________

١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج٢٠، ص١٤٦.

٢ - تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج٢٨، =

١٩١

وشهد عبد الله حرب الجمل مع أبيه الزبير وخالته عائشة... وكان بخيلاً ضيق العطن سيئ الخلق حسوداً، كثير الخلاف، أخرج محمد بن الحنفية من مكة والمدينة، ونفى عبد الله بن عباس إلى الطائف.

وقال عليعليه‌السلام في أمره: ما زال الزبير يعد منا أهل البيت حتى نشا ابنه عبد الله. قال أبو عمر: وبويع له بالخلافة سنة أربع وستين(١) .

وكانت بيعته بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية، على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان، وحج بالناس ثمان حجج، وقتل في أيام عبد الملك بن مروان يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقين من جمادى الأولى، وقيل: من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وصلب بمكة بعد

__________________

= ص١٥٥، وشرح ابن أبي الحديد: ج٢٠، ص١٠٣.

١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، مصدر سابق: ج٢٠، ص١٠٤، والصوارم المهرقة للتستري: ص٩٧.

١٩٢

قتله. وكان الحجاج قد بدأ بحصاره من أول ليلة من ذي الحجة سنة اثنين وسبعين، وحج الحجاج بالناس ذلك العام، ووقف بعرفة وعليه درع ومغفر ولم يطوفوا بالبيت في تلك السنة، فحاصره ستة أشهر وسبعة عشر يوماً إلى ان قتله.

روى هشام بن عروة عن أبيه قال: لما كان قبل قتل عبد الله بعشرة أيام دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر وهى شاكية: فقال: كيف تجدينك يا أمه؟ قالت: ما أجدني إلا شاكية، فقال لها: إن في الموت لراحة، فقالت لعلك تمنيته لي، وما أحب أن أموت حتى يأتي على إحدى حالتيك، أما قتلت فاحتسبك، وأما ظفرت بعدوك فقرت عيني(١) .

قال عروة: فالتفت عبد الله إلي وضحك، فلما كان اليوم الذي قتل فيه دخل عليها في المسجد، فقالت يا بني لا تقبل منهم خطة تخاف فيها على نفسك

__________________

١ - تاريخ اليعقوبي : ج ٣ ، ص ٢٦٧

١٩٣

الذل [مخافة القتل]، فوالله لضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في مذلة، قال: فخرج عبد الله وقد نصب له مصراع عند الكعبة، فكان يكون تحته، فأتاه رجل من قريش فقال له: ألا نفتح لك باب الكعبة فتدخلها؟ فقال: والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم عن آخركم، وهل حرمة البيت إلا كحرمة الحرم! ثم أنشد:

ولست بمبتاع الحياة بسبّة

ولا مرتق من خشية الموت سلّما

ثم شد عليه أصحاب الحجاج، فسأل عنهم، فقيل هؤلاء أهل مصر، فقال لأصحابه: اكسروا أغماد سيوفكم، واحملوا معي...

فأقبل عليه حجر من ناحية الصفا فأصابه بين عينيه، فنكس رأسه وهو يقول:

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أقدامنا تقطر الدما

ثم اجتمعوا عليه، فلم يزالوا يضربونه ويضربهم حتى قتلوه... فلما قتل كبر أهل الشام، فقال عبد الله بن

١٩٤

عمر: المكبرون يوم ولد خير من المكبرين يوم قتل(١) .

قال أبو عمر: وقال يعلى بن حرملة: دخلت مكة بعد ما قتل عبد الله بن الزبير بثلاثة أيام، فإذا هو مصلوب، فجاءت أمه أسماء، وكانت امرأة عجوزاً طويلة مكفوفة البصر تقاد، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ فقال لها: المنافق؟ قالت: والله ما كان منافقاً، ولكنه كان صواماً قواماً براً، قال: انصرفي فإنك عجوز قد خرفت. قالت: لا والله ما خرفت، وإنى سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ((يخرج من ثقيف كذاب ومبير))، أما الكذاب فقد رأيناه... وأما المبير فأنت.

قال على بن مجاهد: قتل مع ابن الزبير مائتان وأربعون رجلاً، إن منهم لمن سال دمه في جوف الكعبة.

__________________

١ - شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٢ ، ص ١٠٦

١٩٥

عائشة وحرب الجمل:

عن ابن أبي عتيق، قال: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه، فلما مر قالوا: هذا ابن عمر فقالت: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري، قال: رأيت رجلاً قد غلب عليك، ورأيتك لا تخالفينه - يعنى عبد الله بن الزبير - فقالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت(١) .

قال الزبير بن بكار (وهو أحد أولاد عبد الله بن الزبير) في كتاب (أنساب قريش): أمه أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، فكان أهل الشام وهم يقاتلون عبد الله بمكة يصيحون: يا بن ذات النطاقين(٢) - يظنونه عيباً -

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: ج٢٠، ص١٠٧.

٢ - ذات النطاقين: هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، وإنما سميت ذات النطاقين لأن رسول الله (ص) لما تجهز مهاجراً إلى المدينة ومعه أبو بكر لم يكن لسفرتهما شناق (الحبل) فشقت أسماء نطاقها فشنقتها به، فقال رسول الله (ص): قد أيدك الله تعالى =

١٩٦

فيقول ابنها: والإله، ثم يقول من شعر أبي ذريب:

وعيرني الواشون اني أحبها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

فإن اعتذر عنها فإني مكذّب

وإن تعتذر يُردد عليك اعتذارها

عن عروة بن الزبير، قال: لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد أبي بكر من عبد الله بن الزبير. وقال مصعب بن عثمان: أوصت عائشة إلى عبد الله بن الزبير(١) .

قال الزبير بن بكار: وابن الزبير أحد الرهط الخمسة الذين وقع اتفاق أبي موسى الاشعري وعمرو بن العاص على إحضارهم، والاستشارة بهم في يوم التحكيم وهم عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وأبو الجهم بن حذيفة، وجبير بن مطعم، وعبد الرحمن بن الحارث بن

__________________

= بنطاقك هذا نطاقين في الجنة فسميت ذات النطاقين. انظر شرح ابن أبي الحديد: ج٢٠، ص١٠٧.

١ - نفس المصدر: ج٢٠، ص١١٠.

١٩٧

هشام(١) .

قال الزبير: وأعطت عائشة من بشرها بان عبد الله لم يقتل يوم الجمل عشرة آلاف درهم(٢) .

وكان به بضع وأربعون طعنة وضربة(٣) .

عن المنذر بن الجهم الأسلمي: رأيت ابن الزبير، وقد خذله من معه خذلانا شديدا، وجعلوا يخرجون إلى الحجاج، خرج إليه منهم نحو عشرة آلاف، وذكر إنه كان ممن فارقه، وخرج إلى الحجاج ابناه: خبيب وحمزة، فأخذا من الحجاج لأنفسهما أماناً... فجاء إلى أمه وقال: خذلني الناس حتى ولداي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير... فقالت له: وكم خلودك في الدنيا! القتل أحسن، فدنا وقبّل رأسها وقال: هذا الرأي...(٤) .

وبعث الحجاج برأس ابن الزبير ورأس

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: ج٢، ص١١٣ - ١١٤.

٢ - نفس المصدر: ج٢٠، ص١١٤.

٣ - نفس المصدر: ج٢٠، ص١١١.

٤ - نفس المصدر: ج٢٠، ص١١٩.

١٩٨

عبد بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة، فنصبت الثلاثة بها، ثم حملت إلى عبد الملك.

أكلتم تمري وعصيتم أمري

كان عبد الله بن الزبير شديد البخل، كان يطعم جنده تمراً، ويأمرهم بالحرب، فإذا فروا من وقع السيوف لامهم وقال لهم:

أكلتم تمري، وعصيتم أمري فقال بعضهم:

ألم تر عبد الله - والله غالب

على أمره - يبغى الخلافة بالتمر

وكسر بعض جنده خمسة أرماح في صدور أصحاب الحجاج، وكلما كسر رمحا أعطاه رمحا، فشق عليه ذلك، وقال: خمسة أرماح! لا يحتمل بيت مال المسلمين هذا(١) .

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: ج ٢٠ ، ص ١٢٣.

١٩٩

عبد الله بن الزبير وآل هاشم

جمع عبد الله بن الزبير محمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس في سبعة عشر رجلاً من بني هاشم، منهم الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وحصرهم في شعب بمكة يعرف بشعب عارم، وقال: لا تمضي الجمعة حتى تبايعوا لي أو أضرب أعناقكم، أو أحرقكم بالنار، ثم نهض إليهم قبل الجمعة يريد إحراقهم بالنار، فالتزمه ابن مسور بن مخرمة الزهري، وناشده الله أن يؤخرهم إلى يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة دعا محمد بن الحنفية بغسول وثياب بيض، فاغتسل وتلبس وتحنط، لا يشك في القتل، وقد بعث المختار بن أبي عبيد من الكوفة أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف، فلما نزلوا ذات عرق، تعجل منهم سبعون على رواحلهم حتى وافوا مكة صبيحة الجمعة ينادون: يا محمد، يا محمد! وقد شهروا السلاح حتى وافوا شعب عارم، فاستخلصوا محمد بن الحنفية ومن كان معه، وبعث محمد بن الحنفية الحسن بن الحسن ينادي: من كان يرى إن الله

٢٠٠