رجال في التّارِيخ الجزء ٢

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 669

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 669
المشاهدات: 12587
تحميل: 1387


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 669 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12587 / تحميل: 1387
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 2

مؤلف:
العربية

الخبازين بالمال، والطلبة يستلمون الخبز من الخبازين، واستنكرها بعض الأساتذة من الطلبة لما فيها من إذلال واستعباد.

ولا يفوتني هنا ان أنوّه ان السيد كاظم اليزدي لم يكن محظوظاً في سلوكه السياسي، وجلب له ذلك الويلات، ففي السنين الأخيرة من حياته انحلّت الخلافة الإسلامية على عهد أتاتورك وخلع السطان عبد الحميد، واحتل الأنگليز العراق، وحدثت فتن سياسية في حوزة النجف الأشرف وانقسم فيها المراجع إلى جبهتين، فكان السيد كاظم اليزدي على رأس من يؤيد المستبد (أي الملكية) والملا كاظم الآخوند الخراساني كان

__________________

= وقطره لا يتجاوز السنتمتر الواحد يحمله كل طالب حوزة معه إلى الخباز وعلى قدر حصته من الخبز فإن الخباز يثلم من قشرته ثلمة تدل على مقدار الخبز المعطى للطالب، وعند استكمال ثلم قشرة القضيب هذا يستلم الخباز من المرجع حقه من المال، وهذا ما يقابل اليوم (الكارت الذكي) الألكتروني. المؤلف.

٤٦١

يؤيد المشروطة (أي الجمهورية)، لكن الملاحظ بدقة ان الأنگليز والبهلوي الأول شاه إيران كانا يدعمان بقوة هذا الفريق المؤيد للملكية، مما نجم عنه علاقات وتمويل و... و... الخ. وللأسف صارت كل جماعة تستهين بالطرف الآخر. أما الأكثرية في النجف من الطلبة والأفاضل كانوا مع المشروطة (الجمهورية)، فبلغ الأمر ان المصلين الذين كانوا يأتمون بالسيد اليزدي يتضاءل عددهم بأقل من أصابع اليد بعدما كان الصحن يمتلئ بهم. وتطاول بعض الشعراء آنذاك فنظم قصيدة في هجائه يقول فيها:

أيزديها أشقى الورى أم يزيدها

يقول ويفتي بما قد كفر

وهناك محنة أخرى عاناها السيد كاظم اليزدي وهي مسألة الاحتلال الأنگليزي للعراق في عام ١٩١٩م. وهذا الموضوع أثَّر عليه كثيراً، وهو موضوع يدور حوله سجال وجدل وقد كتب عنه أكثر من كاتب ومحلل سياسي.

ويمكن القول ان مقولة أو فتنة ان

٤٦٢

السياسة حرام وان لا سياسة في الدين منشأها يبدأ من هنا، وطرب وغنّى لها الأنگليز من جانب، والنظام الشاهنشاهي من جانب، فالأول استعان بها لقمع المقاومة للاحتلال في العراق، والثاني استفاد منها لإسكات أي صوت يستنكر على البهلوي مشاريعه المنحرفة. وللأسف الشديد ان السيد كاظم اليزدي أفلتت منه تصريحات بأن تدخل العلماء في السياسة غير مشروع.

وبسبب إعراضه هذا واقتصار عمله على الأحكام الشرعية فقط أتاح للأنگليز البطش في العراق، وأخيراً اقتيد عشرة من كبار وجوه رجالات النجف من شيوخ عشائر ومناضلين وأعدمهم الانگليز رمياً بالرصاص، ولم يستنكر السيد بكلمة واحدة... وقيل ان الناس في النجف في ذلك الوقت لا يعرفون الهاتف ولم يروه لكن الانگليز نصبوا هاتفاً واحداً في النجف كلها وهو في بيت السيد كاظم اليزدي، وهذا مثار استفهام!!

وقد حدثت حادثة وهو ان قبض الأنگليز يوماً على شاب من شباب المقاومة

٤٦٣

وأشبعوه ضرباً وكان ينكر انه من المقاومة، فجاءوا به إلى منزل السيد كاظم اليزدي بإلحاح منه ظناً منه ان السيد ينقذه وقد وعده الأنگليز إذا كان بيت السيد يزكيه فإنهم سيطلقوه، وما ان وصلوا إلى بيت السيد إلا والخادم يغلق الباب وكان الشاب يستغيث ويصرخ ويطرق الباب ويهتف بأبناء السيد، فلم يجبه أحد وهنا أخرج الضابط الأنگليزي مسدسه ورشه بالرصاص وأرداه قتيلاً عند باب بيت السيد مما سجل حادثاً نكداً للسيد. ومن يريد المزيد من التفاصيل فليراجع كتب على الوردي وجعفر الخليلي خصوصاً في موسوعة العتبات المقدسة قسم النجف وكذلك ماضي النجف وحاضرها، وكتاب الشيعة والدولة القومية، وكتاب شيعة العراق وغير ذلك.

وأوكد ان السيد نفسه ذاتاً طاهر وطيب، إنما المشكلة كل المشكلة في الأبناء والحاشية والكل يعرف علاقات الغزل والمجاملات بين الأنگليز وحاشية السيد وأبناؤه بحيث كانت تقدم له

٤٦٤

معلومات مغلوطة تماماً عن واقع الأحداث. فمثلاً قصف مسجد الكوفة خطأ بقذيفة مقاتلة بريطانية... وتوجه المندوب السامي البريطاني إلى النجف للاعتذار من السيد وإذا بالسيد يردّ بأن أمراً من هذا لم يحدث واستغرب المندوب السامي!!!

عُزل السيد بسبب هذه الأحداث عن الأمة تماماً بحيث يمر بالأسواق فلا يسلّم عليه أحد وأصيب مؤخراً بمرض السل الرئوي وبقي ملازماً للفراش حتى توفي في النجف في ٢٨ رجب ١٣٣٧ هجري، ودفن في الصحن الحيدري عن يمين الداخل من باب الطوسي، وشيعه عامة الناس والكسبة فقط(١) .

الكركي (المحقق)

مروّج المذهب والملة، ورأس المحققين الجلة، شيخ الطائفة في زمانه وعلامة

__________________

١ - مع الصادقين: ج٢، ص٣٤٦ - ٣٥١، مع اختصار من جانب المؤلف.

٤٦٥

عصره وأوانه، الشيخ الأجل نور الدين علي بن عبد العالي الكركي العاملي، الملقب تارة بالشيخ العلائى، وأخرى بالمحقق الثاني.

قال الشيخ الحر في أمل الآمل: أمره في الثقة والعلم والفضل وجلالة القدر، وعظم الشأن وكثرة التحقيق اشهر من يذكر.

ومصنفاته كثيرة، منها: شرح القواعد ست مجلدات إلى بحث التفويض من النكاح، والجعفرية ورسالة الرضاع، ورسالة الخراج، ورسالة أقسام الأرضين، ورسالة صيغ العقود والإيقاعات، ورسالة سماها نفحات اللاهوت، وشرح الشرائع، ورسالة الجمعة، وشرح الألفية وحاشية الإرشاد وحاشية المختلف.

وروى عنه فضلاء عصره، منهم السيد مصطفى التفريشي في كتاب الرجال فقال فيه: ((شيخ الطائفة وعلامة وقته صاحب التحقيق والتدقيق، كثير العلم، نقي الكلام، جيد التصانيف من أجلاء هذه الطائفة)).

له كتب منها شرح قواعد الحلي)).

٤٦٦

وكانت وفاته سنة ٩٣٧ وقد تجاوز السبعين.

قال صاحب الرياض وقال حسن بيك روملو المعاصر للشيخ علي في تاريخه بالفارسية ما معناه:

ان بعد الخواجة نصير الدين في الحقيقة لم يسمع أحد سعى أكثر مما سعى الشيخ علي الكركي هذا في إعلاء أعلام المذهب الحق الجعفري، ودين الأئمة الاثنى عشر، وكان له في منع الفجرة والفسقة وزجرهم، وقلع قوانين المبتدعة وقمعها، وفي إزالة الفجور والمنكرات، وإراقة الخمور والمسكرات، وإجراء الحدود والتعزيرات، وإقامة الفرائض والواجبات والمحافظة على أوقات الجمعة والجماعات، وبيان أحكام الصيام والصلوات والفحص عن أحوال الأئمة والمؤذنين، ودفع شرور المفسدين... الخ(١) .

__________________

١ - الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج ٣، ص ١٦١ - ١٦٢.

٤٦٧

الكليني

الشيخ الأجل قدوة الأنام، وملاذ المحدّثين العظام، ومروّج المذهب في غيبة الإمام عليه السلام، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي الملقب ثقة الإسلام.

ألف الكافي الذي هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية والذي لم يعمل للإمامية مثله.

قال المولى محمد أمين الاسترابادي في محكي فوائده: سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا انه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه.

وكان خاله علان الكليني الرازي.

قال (النجاشي في رجاله) في حقه: ((شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم))(١) .

__________________

١ - رجال النجاشي: ص٣٧٧، نقد الرجال للتفرشي: ج٤، ص٣٥٢، الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم: ج٣، ص٣٢٨، معجم رجال الحديث للخوئي: ج١٩، ص٥٤.

٤٦٨

مؤلفاته

صنف الكتاب الكبير المعروف بالكافي في عشرين سنة، إلى ان قال: وله غير كتاب الكافي كتاب الرد على القرامطة، كتاب رسائل الأئمةعليهم‌السلام ، كتاب تعبير الرؤيا، وكتاب الرجال، كتاب ما قيل في الأئمةعليه‌السلام من الشعر.

كنت أتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي، وهو مسجد نفطويه النحوي، اقرأ القرآن على صاحب المسجد وجماعة من أصحابنا يقرؤن كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب، إلى ان قال:

ومات أبو جعفر الكلينيرحمه‌الله تعالى ببغداد سنة ٣٢٩ سنة تناثر النجوم، وصلى عليه محمد بن جعفر الحسنى أبو قيراط، ودفن بباب الكوفة، وقال لنا أحمد بن عبدون: كنت أعرف قبره، وقد درسرحمه‌الله ))(١) .

وعن جامع الاصول لابن الأثير قال:

__________________

١ - الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج ٣، ص ١٢٠ - ١٢١ نقلاً عن النجاشي.

٤٦٩

((أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي الإمام على مذهب أهل البيت، عالم في مذهبهم، كبير فاضل، عندهم مشهور، وعد من مجددي مذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة هجرية)).

وشرح ذلك ما ذكره هو في الباب الرابع من كتاب النبوة من جامع الأصول حيث خرج حديثاً من صحيح أبي داود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الله يبعث لهذه الأمة عند رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها(١) .

ثم قال في شرح غريب هذا الباب: والأجدر ان يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعة من الأكابر المشهورين على رأس كل مائة يجددون للناس دينهم، ويحفظون مذاهبهم التي قلدوا فيها مجتهديهم وأئمتهم ونحن نذكر المذاهب المشهورة

__________________

١ - روضات الجنات: ص٥٥١، سنن أبي داود السجستاني: ج٢، ص٣١١، المستدرك للنيسابوري: ج٤، ص٥٢٢، فتح الباري لابن حجر: ج١٣، ص٢٥١، المعجم الأوسط للطبراني: ج٦، ص٣٢٤، الجامع الصغير للسيوطي: ج١، ص٢٨٢، كنز العمال: ج١٢، ص١٩٣.

٤٧٠

في الإسلام التي عليها مدار المسلمين في أقطار الأرض هي: مذهب الشافعي، وأبى حنيفة، مالك، وأحمد، ومذهب الإمامية، ومن كان المشار إليه من هؤلاء كان رأس كل مائة سنة.

وكذلك من كان المشار إليه في باقي الطبقات، وأما من كان قبل تلك المذاهب المذكورة فلم يكن الناس مجتمعين على مذهب إمام بعينه ولم يكن قبل إلا المائة الأولى.

ثم انه عد ممن كان مجدداً لمذهب الإمامية على رأس المائة الأولى محمد بن على الباقرعليه‌السلام

وعلى رأس المائة الثانية على بن موسى الرضاعليه‌السلام

وعلى رأس المائة الثالثة أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي.

وعلى رأس المائة الرابعة المرتضى الموسوي أخو الرضي.

والكليني بتخفيف اللام مصغراً نسبة إلى كلين، كزبير قرية من قرى فشارية التي هي إحدى كور الرح، وفيه قبر أبيه يعقوب (ره) لا مكبراً كأمير الذي

٤٧١

هو قرية من ورامين، كما زعمه الفيروزآبادي(١) .

الكندي

أبو يوسف يعقوب الكندي المشهور بفيلسوف العرب (حدود ١٧٥ - ٢٦٠هـ).

ظهر يعقوب بن إسحاق الكندي في وقت كان الصخب والضجيج يعم الساحة الفكرية والعقائدية الإسلامية في زمان المأمون العباسي حيث غزت أفكار أجنبية كثيرة الفكر الإسلامي ودخلت الساحة فلسفات مختلفة غريبة على العالم الإسلامي.

عاش يعقوب في فترة تحوّل كبيرة في الجو الفكري والعقائدي الإسلامي.

ظهر الكندي في وقت اعتمد الفكر العربي على أفكار أجنبية متعددة من اليوناني إلى الفارسي إلى الهندي واتسعت أعمال ترجمة الثقافات الأخرى

__________________

١ - الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج ٣، ص ١٢٠ - ١٢١

٤٧٢

وقد اهتم الخلفاء من بني العباس في أمر الترجمة كثيراً وأنفقوا الأموال الطائلة في هذا الطريق، وكان اهتمام الخلفاء في ذلك يرافقه إصرار ومواصلة ترجمة أفكار جيدة ومفيدة في الفترة ٧٥٠ - ٩٠٠ ميلادي، ففي هذه الفترة ترجمت كتب يونانية وفارسية وسريانية وسانسكريتية كثيرة، وكان على رأس المترجمين في دار الحكمة حنين بن إسحاق.

لقد أعطى المأمون العباسي حنين بن إسحاق مقابل وزن كل كتاب ترجمه ذهباً حتى قيل ان بيت المال خلا من الذهب.

لقد ذهبت رغبة وشوق المسلمين إلى الترجمة إلى الحد الذي أسس المأمون في بغداد مجمعاً علمياً ودار رصد فلكي، ومكتبة عمومية في عام ٨٣٠ هجرية وصرفت على هذه المكتبة مائتي ألف دينار (ما يعادل ٩٥٠٠٠٠ دولار) ووظف في هذا المجمع مجموعة من العلماء لهم رواتب شهرية من بيت المال، ولم يأت العام ٨٥٠ م إلا وقد ترجمت أكثر كتب اليونان القديم في علوم الرياضيات

٤٧٣

والفلك والطب إلى اللغة العربية(١) .

عاش الكندي في هذه الفترة الزمنية، ومن الطبيعي انه يتأثر بهذه الأجواء ويتحرك باتجاهها ويتناغم مع ثقافتها فليس من العجيب إذا رأينا في أفكاره ألواناً من الفلسفة اليونانية وخاصة فلسفة أفلاطون وأرسطو تطغى على أفكاره، وليس من العجيب ان فلسفة وأفكار الكندي احتوت على تشبّث بالفلسفة والعلوم والأفكار اليونانية مما أدى بشهرته في الترجمة والعلوم والفلسفة حيث وصلت إلى قصر المأمون والمعتصم. وقد نبغ في كثير من العلوم حاله حال بقية العلماء في ترجمة العلوم والفلسفة ومن كل العلوم والألوان حيث ألف ٢٦٥ رسالة في الحساب والهندسة النظرية وغيرها التي حسب نظرية أفلاطون لا يمكن بدونها ان يكون فيلسوفاً، والفيلسوف يجب ان يكون عالماً رياضياً أولاً وله معلومات كافية

__________________

١ - فلاسفة الشيعة : ج ١ ، ص ٤٥ ، فارسي

٤٧٤

في علم الطب والصحة والموسيقى المعتمدة على أسس رياضية.

ان أحد المواضع التي كتب فيها الكندي مسألة المد والجزر، وبحث في قوانين سرعة سقوط الأجسام وكذلك بحث في ظاهرة الضوء وقوانينها وكانت لآرائه في هذا البحث الأثر البالغ على (روجر بيكن).

انه وصديقه ترجما كتاب الإلهيات باسم اثولوجيا لأرسطو.

ومن مظاهر تأثره بالفلسفة اليونانية انه كتب خمسة رسائل حول أفكار سقراط.

وكذلك كتب عدة رسائل عن أفكار أرسطو ونظرياته.

أبو يوسف الكندي كان من أقدم فلاسفة الإسلام، أطلق عليه اسم الفيلسوف وهو أول عربي استحق لقب الفيلسوف.

أكد القاضي صاعد بن أحمد انه ليس في العرب فيلسوفاً غير الكندي والهمداني وكتب يقول: ((إنني لم أعرف عربياً أصيلاً عرف بالفلسفة غير الكندي والهمداني)).

٤٧٥

((الكندي كان أول شخص من المفكرين والفلاسفة ظهر اسمه في مرحلة تكوين الفلسفة الإسلامية، أي مرحلة النقاش الخالص حتى مرحلة التحدث مع فلسفة اليونان والهند وأماكن أخرى، ونتيجة جهوده المضنية في التأليف في كافة الفروع العلمية مما لم يكن متوقعاً من عالم وفيلسوف عربي في زمانه، وانه ظهر في مرحلة تكوين الأفكار العقلية والشرعية في الوسط الثقافي العربي.

لقد شملت جهوده المتميزة كافة جهات المعرفة البشرية ولم يترك أية ناحية من نواحي البحث الفلسفي في ذلك الزمان إلا وولجه. وكانت له في كافة الاختصاصات كتباً ورسائل قيمة.

لقد عدّ ابن النديم رسائل ومؤلفات الكندي بحدود ٢٣٨ رسالة وكتاب وكتب غير النديم انه ألف ٢٦٥ رسالة وكتاب وفي كافة العلوم مثل الحساب والهندسة النظرية، وعلوم الهيئة، والظواهر الجوية، وتقويم البلدان، والطبيعة، والسياسة، الطب، الفلسفة، الأخلاق، الكلام وغير ذلك.

٤٧٦

لقد أغنى الكندي (كأبرز فلاسفة الإسلام) العلوم الرياضية والفلكية وقد قاد التمدن والفكر الإسلامي في التطور والتقدم إلى الأمام ولمساحات بعيدة.

انه من العلماء الأوائل الذين كانت لهم اهتمامات خاصة بترجمة العلوم الأجنبية وكان لهذا شغوفاً بالترجمة والنقل والتفسير لهذه العلوم.

كان الكندي طبيباً حاذقاً وفيلسوفاً كبيراً ومنجماً ماهراً كما انه كان رياضياً كبيراً واهتم بكافة أطراف المعرفة وترك آثاراً كثيرة ومهمة حتى قال عنه بيكن المشهور: ((كان الكندي والحسن بن الهيثم في الصف الأول مرادفين لبطليموس)).

وكتب صالح زكي في كتاب (الآثار الباقية) يقول: ((ان الكندي كان أول شخص لقب بفيلسوف الإسلام)).

حياة الكندي

كتب القاضي صاعد عن الكندي ما يلي:

أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن صباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، أبوه إسحاق بن

٤٧٧

صباح نصب أميراً على الكوفة من قبل المهدي وهارون الرشيد وكان جده حاكماً من طرف بني هاشم.

أصله من أهل البصرة حيث سكن بغداد وقرأ الطب والفلسفة وعلم الحساب والمنطق والموسيقى والهندسة وعلم الطبيعة وعلم النجوم. وكان فيلسوفاً إسلامياً يتبع في أفكاره أرسطاطاليس ولم يكن سواه في العرب كذلك.

وصفه القفطي قائلاً: ((كان متبحراً في فنون الحكمة، ومتبحراً في الحكمة اليونانية والهندية وكان أستاذاً فيهما وكان متخصصاً في أحكام النجوم وسائر العلوم)).

كانت له مكانة ممتازة عند المأمون والمعتصم وكان مقرباً من القصر وقد كتب عدة رسائل باسم المعتصم. وكان مسؤولاً عن ترجمة كتب اليونان إلى العربية بالإضافة إلى مسؤوليته في تصحيح تراجم الآخرين.

وكان أيضاً مسؤولاً في القصر عن الطبابة والتنجيم وعمل أيضاً في ديوان الخراج. ولكنه وفي آخر مراحل حياته

٤٧٨

ابتعد عن القصر لأن محمد وأحمد ابنا موسى بن شاكر شغبا عليه عند المتوكل وتآمرا عليه وبالنتيجة فإن المتوكل أبعده وصادر كتبه، فشكل المكتبة الخاصة به باسم الكندية.

كان للكندي تلامذة كثيرون بعضهم لمع كأقطاب الفكر الإسلامي هؤلاء درسوا عند الكندي وتخرجوا على يديه وأسماء بعضهم كما يلي:

١. محمد بن يزيد عمل في الكيمياء.

٢. زرنب كتب رسالته باسم زرنب وموضوعها بيان أسرار النجوم.

٣. أحمد بن طيب السرخسي الفيلسوف المعروف.

٤. أبو زيد أحمد بن سهل البلخي.

٥. أبو معشر جعفر بن محمد البلخي.

وهناك آخرون مثل: حسنويه، نفطويه، سلمويه، رحمويه.

للكندي قصة مع أبي تمام الطائي الشاعر المعروف حينما مدح أحمد بن المعتصم وقال:

إِقدامَ عَمرٍو في سَماحَةِ حاتِمٍ

في حِلمِ أَحنَفَ في ذَكاءِ إِياسِ

٤٧٩

قال له الكندي: إنك مدحت الأمير لكنك شبهته بأجلاف العرب ولم تكن به كلام جديد.

فتأمل أبو تمام قليلاً وقال:

لا تُنكِروا ضَربي لَهُ مِن دونِهِ

مَثَلاً شَروداً في النَدى وَالباسِ

فَاللهُ قَد ضَرَبَ الأَقَلَّ لِنورِهِ

مَثَلاً مِنَ المِشكــاةِ وَالنِبراسِ(١)

قال الكندي لأحمد بن المعتصم: هذا الرجل لا يعمر طويلاً.

تشيّع الكندي

ذكر السيد ابن طاووس في الجزء الخامس من كتابه ((فرج المهموم)) ان الكندي من العلماء الشيعة حيث قال: ((من الناس المشهورين بعلم النجوم وقيل عنهم انهم من علماء الشيعة الشيخ الفاضل الكندي...)).

وقال بحقه: ((إن ما وصل إلينا من كتبه وفي علم النجوم رسالة في هذا

__________________

١ - سير أعلام النبلاء للذهبي: ج١١، ص٦٨، البداية والنهاية لابن كثير: ج١٠، ص٣٣٠.

٤٨٠