رجال في التّارِيخ الجزء ٢

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 669

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 669
المشاهدات: 12546
تحميل: 1387


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 669 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12546 / تحميل: 1387
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 2

مؤلف:
العربية

ترسيخها في ضمائر الناس بقوة واقتدار فأعاد لها الحرارة والحياة حينما راح المظاهرون يرفعون شعارات (نعم، نعم، للحوزة)، (نعم، نعم، للإسلام) مقابل شعار السلطة البائر (نعم، نعم، للقائد صدام حسين). كما أطلقوا أيضاً (نعم، نعم، للمذهب) قبال شعار السلطة (لا شيعة بعد اليوم) والذي كُتب على دبابات النظام في انتفاضة عام ١٩٩١م.

٧ - قام بتأسيس المحاكم الشرعية مقابل محاكم الدولة فأراد بذلك ان يلفت نظر الأمة إلى هويتها الدينية المضيّعة، ويضعها أمام حقيقة الفارق بين أحكام السلطة البعثية وأحكام الدين الحنيف.

٨ - اقتحم آية الله العظمى السيد محمد صادق الصدر عالم العشيرة العراقية المغلق والتحرش بموروثهم ((السنيّة العشائرية)) عندما قنن أحكاماً تحت عنوان فقه العشائر، فهو أراد بذلك كشف المسافة بين الموروث العشائري والحكم الإسلامي، فهو أول مرجع ديني يدخل عالم العشيرة بحرص

٨١

وشعور عال ومسؤولية.

٩ - مارس (رض) أسلوب التنديد بالسلطة والرفض لكل طلباتها، بعد ان أيقن ان أسلوب المواجهة هو الأسلوب الوحيد الذي يفهمه النظام الدكتاتوري؛ ولذا مارس التصعيد في خطاب الجمعة ورفض الدعاء لصدام وأيضاً التعرض بإجراءات السلطة في منع الزيارة، والتنديد بصراحة ووضوح بتعسف السلطة في اعتقال مجاميع من العلماء والمجاهدين، وإطلاقه شعار تحريرهم على الملأ العام. وكل ذلك تم ضمن شعارات لم تكن مألوفة جماهيرياً، وفي مثل تلك الحشود المليونية الثائرة وذلك الجو المرعب وتحت حراب السلطة وبنادق أزلامها(١) .

١٠ - انه المرجع الأول بعد ابن عمه السيد محمد باقر الصدر أدرك ان الشهادة استعداد لا مفر منه في مواجهة

__________________

١ - إشارة إلى ما أطلقه (رض) في خطبة الجمعة الأخيرة تحت عنوان (نريد نريد نريد... فوراً فوراً فوراً)

٨٢

هكذا نظام دكتاتوري شرس كنظام بغداد؛ فاستعد لها وتوشح بالكفن وقد تنبأ قبل أيام من استشهاده، قائلاً بالحرف الواحد: ((لقد استشهد الشيخ الغروي والشيخ البروجردي، وقد أكون ثالثهما)) وأضاف:

((وإذا ذهبت فسأذهب كما ذهب المعصومون، وكما ذهب ميثم التمار وحجر بن عدي وسعيد بن جبير وشهداء الطف وكثيرون ممن عملوا في سبيل الله وقُتلوا في سبيل الله، وإذا ذهبت فسيكون ذهابي في طريق الله سبحانه وهو غاية المطلوب))(١) .

١١ - أصدر سماحته مجلة (الهدى) وجعلها الوسيلة الثقافية الهادفة التي يمكن ان تعرض كل ألوان الثقافة الإسلامية الأصيلة المسموح بنشرها ضمن أجواء التسلط والإرهاب الفكري المعروف، بعد ان حظرت السلطة على الكتاب الإسلامي وإتلافه وملاحقة أصحابه

__________________

١ - من نص حواراته المسجلة بصوته الشريف.

٨٣

أو الحائزين عليه.

١٢ - دعوته لموظفي الدولة إلى التوبة والعودة إلى الله سبحانه وتعالى وعدم مواجهة الدين وعقائد الناس. فكانت هذه الدعوات هدفاً إصلاحياً كبيراً اقترن مع دعوات سماحته إلى السدنة وبراءته من بعض ممارساتهم غير الشرعية، وكذلك مناشداته إلى شيوخ العشائر وأبناء الطائفة المسيحية وحتى الغجر والتماسهم العودة إلى القيم الفاضلة التي دعا إليها الإسلام والسيد المسيحعليه‌السلام

١٣ - استطاع ان يبعد الناس عن مناسبات السلطة من قبيل مولد الحزب ومولد الطاغية وذكريات أم المهالك(١) وغيرها، بعد ان كرر دعواته للجماهير وتحريضهم على إحياء الشعائر الإسلامية والتفاعل الحقيقي معها، والدعوة إلى التعطيل في مناسبات الولادات والوفيات للأئمة، وارتداء السواد أيام محرم

__________________

١ - كناية عن أم المعارك، الاصطلاح الذي أطلقه النظام على حربه مع إيران.

٨٤

ورفع الأعلام السود وإحياء الذكرى السنوية لإقامة صلاة الجمعة ودعوة الرسامين والفنانين لتصويرها وغير ذلك.

١٤ - فوّت فرصة مشروع السلطة في دق أسفين الخلاف بين الطائفتين والذي عملت عليه السلطة منذ مجيئها عام ١٩٦٨م، فمارس السيد محمد الصدر خطاباً دينياً وحدوياً جعله محط أنظار المحبين من أبناء السنة، ثم دعا سماحته إلى الصلاة جماعة في مساجدهم، وتعتبر هذه الخطوة من الخطوات الكبيرة في المنهج الإصلاحي لسماحته.

١٥ - ضمن الأبعاد المتعددة لمشروعه الإصلاحي، مواجهة التيارات والخطوط الدينية المنحرفة كالسلوكية وما شابهها من دوائر التحجر والتصخر والاستقطاب المتخلف لفهم الدين عقيدة وشريعة فسجل (رض) حرصه على استيعاب الحالة الدينية على أساسيات وركائز وثوابت الدين الإسلامي وقراءاته الواعية الهادفة، ولن يسمح بتمرير الخرافة والبدع والصور القشرية التي

٨٥

تحاول تسطيح الدين والعقل.

١٦ - في محاولة خطرة وغير مألوفة من مرجع دين حاول السيد محمد الصدر استقطاب بعض رجال الأمن والمخابرات ومدّ الجسور بينه وبينهم بغية احتواء الخيرين منهم وتوظيفهم في مشروعه الإصلاحي، كما فعل ابن عمه الشهيد محمد باقر الصدر قبله حينما مدّ جسور التعاون والتنسيق مع وزير تخطيط النظام عدنان حسين الحمداني في محاولة انقلابية واضحة الأهداف والنتائج، فكانت محاولات لا تخلو من مجازفة(١) .

١٧ - كان حريصاً على احتضان كافة العاملين المخلصين للدين والوطن دون الالتفات إلى توجهاتهم الفكرية والسياسية والحزبية، واستيعابهم ضمن مشروعه النهضوي الكبير، ولم يقتصر على مساحات النخبة والطليعة والحزب بل اعتمد الغوص والإبحار في بحر الأمة

__________________

١ - مرجعية الميدان، عادل رؤوف، والأسدي في الشاهد والشهيد.

٨٦

العميق.

في نقده الموروث المستصحب

لم يقتصر مشروعه الإصلاحي في إعادة الفكر الديني إلى طبيعته بعد ان غيّبه النظام عن واقع المجتمع، ولم يقتصر أيضاً على إعادة ترسيخ عقائد الناس الدينية وتهذيبها، ولا على دقة استيعابه في التحرك على رجال السلطة الأمنية وكسب الخيرين منهم ولا على دعواته المتكررة لمنع السفور وارتداء الحجاب ولا على احتواء الغجر وهدايتهم وغيرها الكثير من فقرات منهجه الإصلاحي ولكن السيد محمد الصدر وضع ضمن إطار منهجه إصلاح الموروث المستصحب ونقده على أساس درجته في الإسلام، ومن ذلك نرى:

١ - دعا سماحته إلى تركه الإصرار على عادة الجلوس في صدر المجلس والتأدب بما أكده الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آداب المجالس والتأكيد على ان الداخل يجب ان يجلس حيث ينتهي به المجلس ونبذ الشعار (يَسع يَسع) والذي قد يمنح الداخل امتيازاً لا يستحقه، وقد يأتي

٨٧

ذلك على حساب آخرين ربما يكونوا أكثر منزلة عند الله سبحانه وتعالى لورعهم وتقواهم(١) .

٢ - ترك السيد محمد الصدر أثراً مهماً في سلوكه وهو عدم التكلف والتصنع في العلاقة مع الناس، وحرص على ان تكون العلاقة خالية من التعالي والتكبر والتعجرف والوقار المفتعل، بل مارس مع الناس حالة الاسترسال والعفوية والتلقائية، فكان مفتوح القلب لكل الناس من صغير وكبير ومن غني وفقير وتاجر وكاسب، حتى اُتهم بالبساطة والسذاجة، حينما لم يجدوا فيه ما يعيبه كجده عليعليه‌السلام فقالوا فيه ((دعابة)).

٣ - أكد في كل خطاباته وسلوكه على (الحب) أولاً ثم (الاحترام)؛ ولذا فقد أكثر في خطاباته استخدام كلمة (حبيبي) الحبيبة بدل كلمتي (أخي)

__________________

١ - انظر الشاهد والشهيد محمد محمد صادق الصدر للأستاذ الأسدي

٨٨

و(رفيقي) الجافتين الرسميتين(١) .

٤ - تأكيده المستمر على عدم تكرار الصلاة على النبي وآله أثناء دخول وخروج بعض من وإلى المحافل والمجالس، لأن ذلك كما يعتقد السيد المرجع الأكبر الشهيد آية الله العظمى السيد محمد صادق الصدر مدخل لباب الرياء والعجب والغرور في نفوس بعض الناس، وربما يتحول ذلك إلى شعار سياسي يطلقه بعض المتملقين تزلفاً لأهداف ذاتية ومصلحية فتخرج عن كونها - الصلاة - ذكراً محموداً مستحباً.

٥ - دأبت العادة ان لا يصلي مرجع وراء مرجع، بل لم يذكر لنا التاريخ المرجعي صورة واحدة لذلك، ورغم أقاويل البعض على صلاة الجمعة ووصفها بالفتنة وعرقلة مشروعه بشتى الوسائل، لم يهتم أو ينشغل السيد محمد الصدر من السير بمشروعه، بل لم تأخذ هذه المعرقلات من تفكيره وحلمه وإخلاصه

__________________

١ - نفس المصدر.

٨٩

وتفانيه شيئاً بسيطاً، بل جسّد أعلى مراحل نكران الذات عندما أعلن استعداده للصلاة وراء أي واحد منهم إذا حضر الجمعة، بل تمنى ان يؤدي الخطبة أمام الناس إذا رغب، وأكثر من ذلك قام بزيارتهم جميعاً.

٩٠

صاحب الزنج

ظهر صاحب الزنج(١) في فرات البصرة في سنة خمس وخمسين ومائتين رجل زعم أنه على بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد

__________________

١ - ذكره صاحب الأعلام فقال: على بن محمد الورزنينى العلوى، الملقب بصاحب الزنج، من كبار أصحاب الفتن في العهد العباسي، وفتنته معروفة بفتنة الزنج، لان أكثر أنصاره منهم. ولد ونشأ في ورزنين، إحدى قرى الرى، وظهر في أيام المهتدى بالله العباسي، سنة ٢٥٥ ه‍ ، وكان يرى رأي الازارقة، والتف حوله سودان أهل البصرة ورعاعها، فامتلكها واستولى على الأبلة، وتتابعت لقتاله الجيوش، فكان يظهر عليها ويشتتها، ونزل البطائح، وامتلك الأهواز، وأغار على واسط، وبلغ عدد جيشه ثمانمائة ألف مقاتل، وجعل مقامه في قصر اتخذه بالمختارة، وعجز عن قتاله الخلفاء، حتى ظفر به الموفق بالله، فقتله، وبعث برأسه إلى بغداد. قال المرزباني: تروى له أشعار كثيرة في البسالة والفتك كان يقولها وينحلها غيره، وفي نسبه العلوي طعن وخلاف.

٩١

بن على بن الحسين بن على بن أبى طالبعليه‌السلام فتبعه الزنج الذين كانوا يكسحون(١) السباخ في البصرة.

وأكثر الناس يقدحون في نسبه وخصوصاً الطالبيين، وجمهور النسابين اتفقوا على أنه من عبد القيس، وأنه على بن محمد بن عبد الرحيم، وأمه سدية من أسد بن خزيمة، جدها محمد بن حكيم الأسدي، من أهل الكوفة، أحد الخارجين مع زيد بن على بن الحسينعليه‌السلام على هشام بن عبد الملك، فلما قتل زيد، هرب فلحق بالري وجاء إلى القرية التي يقال لها ورزنين، فأقام بها مدة، وبهذه القرية ولد على بن محمد صاحب الزنج، وبها منشؤه، وكان أبو أبيه المسمى عبد الرحيم رجلاً من عبد القيس، كان مولده بالطالقان، فقدم العراق، واشترى جارية سندية، فأولدها محمداً أباه.

وكان على هذا متصلاً بجماعة من حاشية

__________________

١ - كسح البيت: كنسه، ثم استعير لتنقية البئر والنهر وغيره

٩٢

السلطان وخول بنى العباس، منهم غانم الشطرنجى، وسعيد الصغير، وبشير، خادم المنتصر، وكان منهم معاشه ومن قوم من كتاب الدولة يمدحهم ويستمنحهم بشعره، ويعلم الصبيان الخط والنحو والنجوم، وكان حسن الشعر، مطبوعاً عليه، فصيح اللهجة بعيد الهمة، تسمو نفسه إلى معالي الأمور، ولا يجد إليها سبيلاً، ومن شعره القصيدة المشهورة التي أولها:

رأيت المقام على الاقتصاد

قنوعاً به ذلة في العباد

ومن جملتها:

إذا النار ضاق بها زندها

ففسحتها في فراق الزنـــــــاد

إذا صارم قرّ في غمده

حوى غيره السبق يوم الجلاد

ومن الشعر المنسوب إليه:

وإنا لتصبح أسيافنـــا

إذا ما انتضين ليوم سفوك

منابرهن بطون الأكف

وأغمادهن رؤوس الملوك

وقد ذكر المسعودي في كتابه المسمى ((مروج الذهب))، أن أفعال على بن محمد

٩٣

صاحب الزنج، تدل على أنه لم يكن طالبياً، وتصدق ما رمى به من دعوته في النسب، لأن ظاهر حاله كان ذهابه إلى مذهب الازارقة، في قتل النساء والأطفال والشيخ الفاني والمريض، وقد روى أنه خطب مرة، فقال في أول خطبته : ((لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر لا حكم إلا لله))، وكان يرى الذنوب كلها شركاً.

ومن الناس من يطعن في دينه ويرميه بالزندقة والإلحاد، وهذا هو الظاهر من أمره، لأنه كان متشاغلاً في بدايته بالتنجيم والسحر والاصطرلابات(١) .

ومن كلام لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة:

(( يَا أَحْنَفُ، كَأَنِّي بِهِ وَقَدْ سَارَ بِالْجَيْشِ الَّذِي لاَ يَكُونُ لَهُ غُبَارٌ وَلاَ لَجَبٌ، وَلاَ قَعْقَعَةُ لُجُم، وَلاَ حَمْحَمَةُ خَيْل، يُثِيرُونَ الأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّهَا أَقْدَامُ النَّعَامِ)).

قال الشريف الرضي أبو الحسن رحمه

__________________

١ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: ج٨ ، ص١٢٧ - ١٢٩.

٩٤

الله تعالى: يومئ بذلكعليه‌السلام إلى صاحب الزّنْج.

ثمّ قالعليه‌السلام :

وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ الْعَامِرَةِ، وَدُورِكُمُ الْمُزَخْرَفَةِ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنَحَةِ النُّسُورِ، وَخَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الْفِيَلَةِ، مِنْ أُولئِكَ الَّذِينَ لاَ يُنْدَبُ قَتِيلُهُمْ، وَلاَ يُفْقَدُ غَائِبُهُمْ(١) .

الشرح:

اللجب: الصوت. والدور المزخرفة: المزينة المموهة بالزخرف، وهو الذهب. وأجنحة الدور التي شبهها بأجنحة النسور: راوشنها. والخراطيم: ميازيبها.

وقوله: ((لا يندب قتيلهم)): ليس يريد به من يقتلونه، بل القتيل منهم، وذلك لأن أكثر الزنج الذين أشار إليهم كانوا عبيداً لدهاقين البصرة وبناتها، ولم يكونوا ذوي زوجات وأولاد، بل كانوا على هيئة الشطّار عزّاباً فلا

__________________

١ - نفس المصدر.: ج ٨ ، ص ١٢٥ ، الخطبة ١٢٨

٩٥

نادبة لهم.

وقوله: ((ولا يفقد غائبهم)) يريد به كثرتهم وانه كلما قتل منهم قتيل سدّ مسدّه غيره، فلا يظهر أثر فقده(١) .

وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، أن على بن محمد شخص من سامراء وكان يعلم الصبيان بها، ويمدح الكتاب، ويستميح الناس، في سنة تسع وأربعين ومائتين إلى البحرين، فادعى بها أنه على بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن على ابن أبى طالبعليه‌السلام ، ودعا الناس بهجر إلى طاعته، فاتبعه جماعة كثيرة من أهلها، واتبعه جماعة أخرى، فكانت بسببه بين الذين اتبعوه والذين أبوه عصبية، قتل فيها بينهم جماعة، فانتقل عنهم لما حدث ذلك إلى الإحساء، وضوى(٢) إلى حي من بنى تميم، ثم من بنى سعد يقال لهم بنو الشماس، فكان بينهم مقامه، وقد كان أهل البحرين أحلوه من أنفسهم محل

__________________

١ - نفس المصدر.: ج ٨ ، ص ١٢٦ ، الهامش

٢ - ضوى : التجأ و انضم

٩٦

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فيما ذكر – حتى جبى له الخراج هنالك ونفذ حكمه فيهم، وقاتلوا أسباب السلطان لأجله، ووتر منهم جماعة كثيرة فتنكروا له، فتحول عنهم إلى البادية، ولما انتقل إلى البادية صحبه جماعة من أهل البحرين، منهم رجل كيال من أهل الإحساء، يقال له يحيى بن محمد الأزرق، مولى بنى دارم، ويحيى بن أبى ثعلب، وكان تاجراً من أهل هجر وبعض موالى بنى حنظلة، أسود يقال له سليمان بن جامع، وكان قائد جيشه حيث كان بالبحرين.

ثم تنقل في البادية من حي إلى حي، فذكر عنه أنه كان يقول: أوتيت في تلك الأيام آيات من آيات إما متى.

وقد زحف بجيشه إلى موضع من البحرين، يقال له الردم، فكانت بينه وبين أهله وقعة عظيمة كانت، الدبرة فيها عليه وعلى أصحابه، قتلوا فيها قتلاً ذريعاً فتفرقت عنه العرب وكرهته، وتجنبت صحبته.

فلما تفرقت العرب عنه ونبت به البادية، شخص عنها إلى البصرة، فنزل

٩٧

بها في بنى ضبيعة فاتبعه بها جماعة، منهم على بن أبان المعروف بالمهلبى من ولد المهلب بن أبى صفرة، وأخواه محمد والخليل وغيرهم، وكان قدومه البصرة في سنة أربع وخمسين ومائتين وعامل السلطان بها يومئذ محمد بن رجاء... ثم ثارت عليه البصرة وخرج منها هارباً، وطلبه ابن رجاء فلم يقدر عليه فحبس جماعة؛ زوجته وابنه الأكبر، وجارية له كانت حاملاً... ثم انتقل إلى بغداد بعد حبسه بواسط وتخلصه من الحبس، فزعم في بغداد أنه ظهرت له آيات، وعرف ما في ضمائر أصحابه وما يفعله كل واحد منهم، وأنه سأل ربه أن يعلمه حقيقة أمور كانت في نفسه، فرأى كتاباً يكتب له على حائط، ولا يرى شخص كاتبه.

واستمال ببغداد جماعة منهم جعفر بن محمد الصوحانى، فلما انقضى عامه ذلك ببغداد، عزل محمد بن رجاء عن البصرة، فوثبت رؤساء الفتنة بها من البلالية والسعدية، ففتحوا المحابس، وأطلقوا من كان فيها فتخلص أهله وولده فيمن

٩٨

تخلص، فلما بلغه ذلك شخص عن بغداد، فكان رجوعه إلى البصرة في شهر رمضان من سنة خمس وخمسين ومائتين ومعه على بن أبان المهلبى، وأربعة آخرون من خواصه، وهم يحيى بن محمد، ومحمد بن سلم وسليمان بن جامع وأبو يعقوب المعروف بجربان، فساروا جميعاً حتى نزلوا بالموضع المعروف ببرنخل من أرض البصرة، وأظهر أنه وكيل لولد الواثق في بيع ما يملكونه هناك من السباخ.

وابتاع حريرة ليتخذها لواءاً، فكتب فيها بالحمرة( إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله (١) ) ، وكتب اسمه واسم أبيه عليها وعلقها في رأس مردي، ونشط في جمع الغلمان حوله بكل وسيلة - بالترغيب لهم والترهيب لوكلائهم - فاجتمع حوله جمع كثير منهم، ثم قام فيهم خطيباً، فمناهم ووعدهم ان يقودهم ويرئسهم ويملكهم الأموال والضياع.

__________________

١ - ( التوبة : من الآية ١١١)

٩٩

وقامت بينه وبين عمال السلطات في تلك النواحي عدة وقعات كانت فيها الحرب سجالاً بينهم.

ثم كانت له مع أهل البصرة وقعة بعد ذلك سار يريدها في ستة آلاف زنجى، فاتبعه أهل الناحية المعروفة بالجعفرية ليحاربوه، فعسكر عليهم فقتل منهم مقتلة عظيمة، أكثر من خمسمائة رجل، فلما فرغ منهم صمد نحو البصرة واجتمع أهلها ومن بها من الجند، وحاربوه حربا شديدا، فكانت الدائرة عليه، وانهزم أصحابه.

وحارب جيش الخليفة بقيادة جعلان التركي وانتصر عليه، ورجع جعلان بجنده إلى البصرة واعتصم بجدرانها.

ثم دخل الزنج عبادان بعد ان استسلم أهلها لما رأوه من انتصاراتهم على جيوش الخليفة وما هالهم من كثرة القتل والنهب والحرق.

ثم دخل الزنج بعد عبادان إلى الأهواز ولم يثبت لهم أهلها فأحرقوا ما فيها وقتلوا ونهبوا وخربوا، واشتد خوف أهل البصرة وانتقل كثير من أهلها

١٠٠