أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه الجزء ٤

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه0%

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 341

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه

مؤلف: أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي
تصنيف:

الصفحات: 341
المشاهدات: 3009
تحميل: 283


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3009 / تحميل: 283
الحجم الحجم الحجم
أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه الجزء 4

مؤلف:
العربية

فانطلقا ، حتى دخلا الغار ، وأصبح المشركون من قريش يطلبونه ، فجاءوا بالقافة يقفون الأثر ، فانقطع الأثر حين انتهوا إلى الغار ، وفيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : «الّلهم عمّ عنّا أبصارهم»وأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ شديد الحزن ، فقال صلّى الله عليه وسلم : «لا تحزن إنّ الله معنا»قال فضربوا يمينا وشمالا حول الغار ، وعمى الله تعالى أبصارهم أن يدخلوه ،( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى ) الآية.

٢٤١٣ ـ حدّثنا الحسن بن علي الحلواني ، وعلي بن سهل ، وعبد الله بن مهران ، قالوا : ثنا عفّان ، قال : ثنا همّام / عن ثابت ، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : إنّ أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ حدّثه قال : قلت : يا رسول الله ـ ونحن في الغار ـ لو ينظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه!! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟»يعني : أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ معهما ، يعينهما ، ويبصرهما.

٢٤١٤ ـ حدّثنا عبد الله بن أبي سلمة ، قال : حدّثنا محمد بن الحسن ، عن

__________________

٢٤١٣ ـ إسناده صحيح.

همّام ، هو : ابن يحيى.

رواه ابن سعد ٣ / ١٧٣ ـ ١٧٤ ، وأحمد ١ / ٤ ، والبخاري ٧ / ٨ ـ ٩ ، ومسلم ١٥ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ، والترمذي ١١ / ٢٣٩ والبيهقي في الدلائل ٢ / ٤٨٠ ـ ٤٨١ كلّهم من طريق : عفّان ، به.

٢٤١٤ ـ إسناده متروك.

محمد بن الحسن ، هو : ابن زبالة المدني ، كذّبوه. التقريب ٢ / ١٥٤.

والجلد بن أيوب : قال : عنه أحمد : ضعيف ليس يسوى حديثه شيئا. وقال الدارقطني : متروك. اللسان ٢ / ١٣٣.

ذكره السيوطي في الدرّ المنثور ٣ / ١١٩ ، وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.

٨١

معاوية بن عبد الله ، قال : حدّثني الجلد بن أيوب ، عن معاوية بن قرّة ، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال :( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ) قال : «لم يتجلّ منه إلّا قدر الخنصر ، فطارت ستة أجبل ، فوقع ثلاثة بالمدينة ، وثلاثة بمكة ، فالذي وقع بالمدينة : أحد وورقان ورضوى ، والذي وقع بمكة : ثور ، وثبير ، وحراء».

٢٤١٥ ـ حدّثني أبو سعيد الربعيّ ، قال : ثنا محمد بن يحيى بن عبد الحميد الكناني ، قال : حدّثني عبد العزيز بن عمران ، عن الجلد بن أيوب ، عن معاوية بن قرّة ، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلّى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه.

٢٤١٦ ـ حدّثني أبو عبد الله ـ محمد بن أبي مقاتل ـ قال : ثنا بشر بن معاذ البصري ، قال : ثنا عون بن عمرو القيسي ، قال : ثنا أبو مصعب المكي ، قال : أدركت زيد بن أرقم ، والمغيرة بن شعبة ، وأنس بن مالك ـ رضي الله عنهم ـ يتحدّثون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بات في الغار ، فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ شجرة فنبتت في وجه النبي صلّى الله عليه وسلم فسترت وجه النبي صلّى الله عليه وسلم وأمر الله

__________________

٢٤١٥ ـ إسناده ضعيف جدا.

شيخ المصنّف ، هو : عبد الله بن شبيب ، واه. وعبد العزيز بن عمران ، هو : المعروف ب (ابن أبي ثابت) متروك.

٢٤١٦ ـ إسناده ضعيف.

أبو مصعب : مجهول.

رواه ابن سعد ١ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ، والعقيلي في الضعفاء ٣ / ٤٢٢ ، والبيهقي في الدلائل ٢ / ٤٨١ ـ ٤٨٢ ثلاثتهم من طريق : عون بن عمرو به. وذكره الهيثمي في المجمع ٦ / ٥٢ ـ ٥٣ وعزاه للبزّار ، والطبراني ، وقال : وفيه جماعة لم أعرفهم. وذكره الصالحي في سبل الهدى والرشاد ٣ / ٣٣٩ ، وعزاه لابن سعد وأبي نعيم ، والبيهقي وابن عساكر.

٨٢

ـ عزّ وجلّ ـ العنكبوت فنسجت على وجه النبي صلّى الله عليه وسلم بمثل الخامة. قال : قلت : ما الخامة يا أبا مصعب؟ قال : ثوب العروس الذي يلي جسدها ، وأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ حمامتين وحشيتين فوقعا بفم الغار ، وأقبل المشركون من كل بطن من قريش ، حتى إذا كانوا من النبي صلّى الله عليه وسلم على قدر أربعين ذارعا ، معهم قسيّهم ، وعصيّهم ، وهراواتهم ، قلت : ما الهراوة؟ قال : الذي على رأسها الفصل. قال : فنظر أولهم ، فرأى الحمامتين ، فرجع : فقال له أصحابه : هلّا نظرت في الغار؟ قال : رأيت حمامتين على فم الغار ، فعرفت أن ليس فيه أحد. قال : فسمع النبي صلّى الله عليه وسلم ، قوله فعرف النبي صلّى الله عليه وسلم أن الله ـ تعالى ـ دارأ بهما عنه ، فسمت عليهما ، وفرض [جزاءهنّ](١) ، وانحدرن في حرم الله ـ تعالى ـ وفرّخن كلّ شيء في الحرم.

قال ابن [أبي](٢) مقاتل : يعني : جزاءهنّ : جعل لهنّ رزقا.

٢٤١٧ ـ حدّثنا عبد الملك بن محمد ، عن زياد بن عبد الله ، عن ابن اسحق ، قال : حدّثني رجل من أهل مكة ، قال : لم يدخل النبي صلّى الله عليه وسلم الغار حتى دخله أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ قبله فلمسه بيده ، فقال : إن كانت فيه دابّة تلدغني أحبّ إلي من أن تلدغ النبي صلّى الله عليه وسلم فلم يجد شيئا ، فدخل النبي صلّى الله عليه وسلم فدعا شجرة يقال لها : راة ، فأقبلت ، حتى قامت على باب الغار ، وأقبل رجل منهم رافعا ثوبه ، فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ للنبي صلّى الله عليه وسلم : ما تراه يرانا؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : «لو رآنا ما استقبلنا بفرجه»قال الرجل : ليس ها هنا ، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ) الآية.

__________________

٢٤١٧ ـ إسناده ضعيف.

وانظر سبل الهدى والرشاد ٣ / ٣٣٩.

(١) في الأصل (قراها) والتصويب من المراجع ، ومما ذكر من قول : ابن أبي مقاتل الآتي.

(٢) سقطت من الأصل.

٨٣

قال أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ / في الغار وظلمته ، وما لقي سراقة إذ عرض لهما في الطريق إذ ساخت به فرسه في الأرض :

قال النّبيّ ولم أجزع يوقّرني

ونحن في شدة من ظلمة الغار

لا تخش شيئا فإنّ الله ثالثنا

وقد توكّل لي منه بإظهار

حتى إذا الليل وارانا جوانبه

وصار من دون من يخشى بأستار

سار الأريقط يهدينا وأينقنا

ينعبن بالقوم نعبا تحت أكوار(١)

حتى إذا قلت : قد أنجدن عارضنا

من مدلج فارس في منصب واري

فقال : كرّوا فقلنا : إنّ كرّتنا

من دونها إن لم يعثر الضّاري

أن تخسف الأرض بالأحوى وصاحبه

فانظر إلى أربع في الأرض غوّار(٢)

يقول لمّا رأى أرساغ مهرته

قد سخن في الأرض لم تحفر بمحفار

يا قوم هل لكم أن تطلقوا فرسي

وتأخذوا موثقي في نصح أسراري

فقال قولا رسول الله مجتهدا

يا ربّ إن كان هذا غير إخفاري

فنجّه سالما من شرّ دعوتنا

ومهره طلقا من خوف آثار

فأظهر الله إذ يدعو حوافره

وفاز فارسه من هول أخطار(٣)

٢٤١٨ ـ وحدّثنا عبد الملك بن محمد ، عن زياد بن عبد الله ، عن ابن

__________________

٢٤١٨ ـ شيخ المصنّف لم أقف عليه.

رواه البيهقي في الدلائل ٢ / ٤٨٩ بإسناده إلى ابن إسحاق.

(١) الأينق : جمع قلّة لناقة. النهاية ٥ / ١٢٩ وقوله (ينعبن) أي : يسرعن. نعب البعير : إذا أسرع في سيره. اللسان ١ / ٧٦٥.

وقوله (أكوار) ، أي : الجماعة من الإبل. النهاية ٤ / ٢٠٨.

(٢) الأحوى : الحصان الكميت الذي يعلوه سواد. النهاية ١ / ٤٦٥.

(٣) أنظر الأبيات في الروض الأنف ٤ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ، وسبل الهدى ٣ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، وعزاها الأخير لابن عساكر.

٨٤

إسحق ، قال : قال سراقة شعرا يذكر فيه خروجه في طلب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وما أصاب فرسه ، يصف لأبي جهل بن هشام ما رأى يومئذ من الهول ، ويأمره بالكفّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال :

أبا حكم والله لو كنت شاهدا

لأمر جوادي اذ تسيخ قوائمه

عجبت ولم تشكك بأن محمّدا

رسول وبرهان فمن ذا يكاتمه

عليك بردّ القوم عنه فانّني

أرى أمره يوما ستبدو معالمه

بأمر يود النصر عنها بإلبها

وأنّ جميع الناس طرّا تسالمه

ذكر

حراء وفضله

٢٤١٩ ـ حدّثني أبو سعيد عبد الله بن شبيب الربعي ، قال : حدّثني أبو بكر ابن [شيبة الحزامي](١) قال : حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي ، عن زكريا بن عيس الشعبي ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، قال : لقيت زيد بن عمرو بن نفيل ، وهو خارج من مكة يريد حراء ، وأنا

__________________

٢٤١٩ ـ إسناده ضعيف جدا.

زكريا بن عيسى الشعبي ، قال عنه أبو حاتم : منكر الحديث. الجرح ٣ / ٥٩٧ ـ ٥٩٨. وعمر بن أبي بكر الموصلي : ضعّفه أبو زرعة وقال أبو حاتم : ذاهب الحديث ، متروك الحديث. اللسان ٤ / ٢٨٧ ، والجرح ٦ / ١٠٠. وعبد الله بن شبيب : واه.

والحديث : ذكره ابن حجر في الإصابة ١ / ٥٥٢ وفي الفتح ٧ / ١٤٣ نقلا عن الفاكهي.

ورواه الطبري في التاريخ ٢ / ٢٠٤ من طريق : الواقدي وذكره ابن عساكر (تهذيبه ٦ / ٣٣).

(١) في الأصل (أبي شيبة الخزاعي) وهو خطأ ، فهو : عبد الرحمن بن عبد الله بن شيبة الحزامي.

٨٥

داخل مكة ، فإذا هو قد كان بينه وبين قومه شيء في صدر النهار ، لما أظهر من خلافهم واعتزل آلهتهم ، وما كان يعبد آباؤهم ، فقال : يا عامر بن ربيعة ، انّي قد فارقت قومي ، واتّبعت ملة ابراهيم ، وما كان يعبد اسماعيل من بعده ، كان يصلي إلى هذه البنيّة ، وانا انتظر نبيّا من ولد اسماعيل ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثمّ من بني / عبد المطلب ، وما أراني أدركه ، وأنا أؤمن به ، وأصدّق به ، وأشهد أنّه نبي ، فإن طال بك يا عامر مدة ، فآمن به وأقرئه منّي السلام ، وسأخبرك ما نعته حتّى(١) لا يخفى عليك ، قلت : هلمّ. قال : هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل ، ولا بكثير الشعر ، ولا بقليله ، وليس يفارق عينيه حمرة ، خاتم النبوة بين كتفيه ، واسمه أحمد صلّى الله عليه وسلم ، وهذا البلد مولده ومبعثه ، ثمّ يخرجه قومه ، ويكرهون ما جاء به ، حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره ، فإياك أن تخدعنّ ، فإني طفت البلاد ، أطلب دين ابراهيم ، فكلّ من سألت من اليهود والنصارى يقولون : هو الذي وراءك ، وينعتونه لي مثل ما نعتّه لك ، ويقولون : لم يبق نبيّ غيره. قال عامر ابن ربيعة ـ رضي الله عنه ـ ، فوقع الإسلام في قلبي ، فلما تنبّأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكنت رجلا حليفا ، فلم أقدر على اتباعه ظاهرا ، فأسلمت سرّا ، وكنت أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقول زيد بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ وأقرئه منه السلام ، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يردّ عليه ، ويترحّم عليه ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «رأيته في الجنة يسحب ذيولا».

٢٤٢٠ ـ وحدّثني عبد الملك بن محمد ، عن زياد بن عبد الله ، عن محمد

__________________

٢٤٢٠ ـ إسناده مرسل ، ورجاله موثّقون.

رواه ابن إسحاق في السيرة (تهذيب ابن هشام ١ / ٢٥١ ـ ٢٥٤ ، ورواه الطبري في

(١) مزجت عبارة (مانعته حتى) في الأصل ، حتى تكاد تقرأ (ما يقتضي) وفي تهذيب ابن عساكر وسأخبرك بنعته حتى لا يخفى عليك.

٨٦

ابن اسحق ، قال : حدّثني وهب بن كيسان ، أنه سمع عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يسأل عبيد بن عمير الجندعي(١) عن بدوّ أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال عبيد : كان صلّى الله عليه وسلم يجاور بحراء من كل سنة شهرا ويطعم من جاءه من المشركين فإذا قضى جواره ، لم يصل إلى بيته حتى يطوف بالكعبة ، فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، بحراء وكان يقول : «لم يكن من الخلق شيء أبغض إليّ من شاعر أو مجنون كنت لا أطيق النظر إليهما ، فلما ابتدأني الله ـ عزّ وجلّ ـ بكرامته ، أتاني رجل في كفه نمط(٢) من ديباج فيه كتاب ، وأنا نائم ، فقال :( اقْرَأْ ) فقلت : وما أقرأ؟ فغطّني ، حتى ظننت أنه الموت ، ثم كشط عني ، فقال :( اقْرَأْ ) فقلت : وما أقرأ؟ فعاد لي مثل ذلك ، فقال :( اقْرَأْ ) فقلت : وما أقرأ؟ فعادوني بمثل ذلك. فقلت : أنا أمّيّ ، ولا أقولها إلا تنحيا من أن يعود لي بمثل الذي فعل بي ، فقال :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ) إلى قوله :( عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) ثم انتهى كما كان يصنع بي. قال : ففزعت ، فكأنما صوّر في قلبي كتابا ، فقلت : إنّ الأبعد لشاعر أو مجنون. فقلت : لا تحدّث عني قريش بهذا ، لأعمدنّ إلى حالق من الجبل فلأطرحنّ نفسي منه فلأقتلها ، فخرجت ، وما أريد غير ذلك ، فبينا أنا عامد لذلك اذ سمعت مناديا ينادي من السماء : يا محمد ، أنت رسول الله ، وأنا جبريل ، فذهبت أرفع رأسي ، فإذا رجل صافّ قدميه في أفق السماء ، فوقفت لا أقدر على أن أتقدّم ولا أتأخّر ، وما أصرف وجهي في ناحية من السماء إلا قد رأيته ، حتى بعثت خديجة ـ رضي

__________________

التاريخ ٢ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧ من طريق ابن إسحاق ونقل بعضه الصالحي في سبل الهدى ٢ / ٣١١ ـ ٣١٦.

(١) هو : الليثي ، وجندع : بطن من ليث. الأنساب ٣ / ٣٤٦.

(٢) النمط : وعاء كالسفط.

٨٧

الله عنها ـ إليّ رسلها في طلبي ، ورجعوا إليها ، فلم أزل كذلك حتى كاد النهار يتحوّل ، ثم انصرفت فجئت خديجة ـ رضي الله عنها ـ / فجلست إلى فخذيها مضيفا(١) ، فقالت : يا أبا القاسم ، أنّى كنت؟ والله لقد بعثت في طلبك رسلي! قال صلّى الله عليه وسلم : قلت : إنّ الأبعد لشاعر أو مجنون. فقالت ـ رضي الله عنها ـ : معاذ الله يا ابن عمّ ، ما كان الله ليفعل بك إلّا خيرا ، لعلّك رأيت شيئا أو سمعت؟ فأخبرها الخبر ، فقالت : يا ابن عمّ ، والذي يحلف به ، إني لأرجو أن تكون نبيّ هذه الأمة ، ثم جمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل ، وكان يقرأ الكتب ، فأخبرته الخبر ، وقصّت عليه ما قصّ عليها النبي صلّى الله عليه وسلم فقال ورقة : والذي نفسي بيده ، لأن كنت صدقتني انه لنبيّ هذه الأمة ، إنه ليأتيه الناموس(٢) الأكبر الذي يأتي موسى ، فقولي له : فليثبت. قال : فرجعت ـ رضي الله عنها ـ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر ، فاستكمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم جواره بحراء ، ثم نزل فبدأ بالبيت ، فطاف به فلقيه ورقة بن نوفل ، فقال : يا ابن أخي أخبرني بالذي رأيت ، فقصّ عليه خبره ، فقال : والذي نفسي بيده انه ليأتيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، وإنك لنبيّ هذه الأمة ، ولتؤذينّ ، ولتخرجنّ ، ولتقاتلنّ ولتنصرنّ ، ولئن أدركت ذلك لأنصرنّك نصرا يعلمه الله مني حقا ، ثم دنا ، فقبّل شواته ـ يعني : وسط رأسه ـ ثم انصرف. فقال ورقة بن نوفل في ذلك(٣) :

__________________

(١) أي ملتصقا.

(٢) أي : صاحب السر ، وهو جبريل (عليه السلام).

(٣) أنظر سيرة ابن هشام ١ / ٢٠٣.

٨٨

ذكرت وكنت في الذكرى لجوجا

لهمّ طال ما بعث النشيجا

ووصف من خديجة بعد وصف

فقد طال انتظاري يا خديجا

وقال ورقة بن نوفل أيضا في ذلك(١) :

يا للرجال لصرف الدهر والقدر

وما عسى [قد] قضاه الله من غير

جاءت خديجة تنبيني لأخبرها

وما لنا بخميس الغيب من خبر

فكان ما سألت عنه لأخبرها

أمرا أراه سيأتي الناس في أخر

بأنّ أحمد يأتيه فيخبره

جبريل أنك مبعوث إلى البشر

فقلت : كان الذي ترجين ينجزه

لك الإله فرجّي الخير وانتظري

فأرسليه إلينا كي نسائله

عن أمره ، ما يرى في النوم والسهر

فقال : حين أتاني منطقا عجبا

يقفّ منه أعالي الجلد والشعر

إنّي رأيت أمين الله واجهني

في صورة أكملت في أحسن الصور

ثمّ استمرّ فكاد الخوف يذعرني

مما يسلّم ما حولي من [الشجر[ (٢)

وللمليك عليّ أنّ دعوتهم

قبل الجهاد بلا منّ ولا كدر

ليت المليك إله الناس أخّرني

حتى تعالى من يدعو من البدر

٢٤٢١ ـ / حدّثنا محمد بن ميمون ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا

__________________

٢٤٢١ ـ إسناده صحيح.

رواه أحمد ١ / ٤١٢ ، والبخاري ٨ / ٦١٠ ، ومسلم ٣ / ٣ ، والترمذي ١٢ / ١٦٨ ، والبيهقي في الدلائل ٢ / ٣٧٢ كلّهم من طريق : زرّ بن حبيش ، وكلّهم لم يذكر لفظة (حراء).

(١) الأبيات في سيرة ابن إسحاق ص : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، وفي المستدرك ٢ / ٦٠٩ ـ ٦١٠ ، وفي دلائل البيهقي ٢ / ١٥٠ ـ ١٥١ ، وفي البداية والنهاية ٣ / ١٠ ـ ١١ ، وفي السيرة الشامية ٢ / ٣١٦ ـ ٣١٧.

وعقب عليها ابن كثير بقوله : وعندي في صحتها عن ورقة نظر.

(٢) في الأصل (السور) والتصويب من المراجع.

٨٩

أبو [إسحاق](١) السبيعي ، عن زرّ بن حبيش ، قال : قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ( لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) (٢) قال : رأى جبريل ـ عليه السلام ـ بحراء له ستمائة جناح ، قد سدّ الأفق.

٢٤٢٢ ـ حدّثنا عبد الله بن شبيب الربعي ، قال : حدّثني أيوب بن سليمان ابن بلال ، قال : حدّثني أبو بكر بن أبي أويس ، قال : حدّثني سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قلت يا رسول الله [......](٣) صلّى الله عليه وسلم : «لما استعلن لي جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالرسالة جعلت لا أمرّ بحجر ولا شجر إلّا قال : السلام عليك يا رسول الله».

٢٤٢٣ ـ حدّثنا محمد بن أبان البلخي ، قال : ثنا عبد الله بن إدريس [الأودي](٤) قال : أخبرني حصين بن عبد الرحمن السلمي ، عن هلال بن يساف ، عن عبد الله بن ظالم المازني ، قال : لما قدم معاوية ـ رضي الله عنه ـ

__________________

٢٤٢٢ ـ إسناده ضعيف.

شيخ المصنّف : واه. وأبو بكر بن أبي أويس ، هو : عبد الحميد بن عبد الله بن أبي أويس.

٢٤٢٣ ـ إسناده صحيح.

رواه أحمد ١ / ١٨٧ ، وأبو داود ٤ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، والترمذي ٣ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، وابن ماجه ١ / ٤٨ ، والحاكم ٣ / ٤٥٠ ـ ٤٥١ ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ٩٦ كلّهم من طريق : حصين ، به. وقال الترمذي : حسن صحيح.

(١) في الأصل (سفيان) وهو : تصحيف.

(٢) سورة النجم (١٨).

(٣) في الأصل سقط ، ولعلّ الساقط (كيف كان الوحي ، قال).

(٤) في الأصل (الأزدي) وهو خطأ.

٩٠

الكوفة ، أقام المغيرة بن شعبة خطباء يتناولون عليّا ـ رضي الله عنه ـ ، وفي الدار سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ـ رضي الله عنه ـ ، فأخذ بيدي ثم قال : ألا ترى إلى هذا الظالم الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة ، وأشهد على التسعة أنهم في الجنة ، ولو شهدت على العاشر لم آثم. قال : قلت : وما التسعة؟ قال : قال النبي صلّى الله عليه وسلم وهو على حراء : «أثبت حراء ، فإنه ليس عليك إلّا نبي أو صدّيق أو شهيد». قال : قلت : ما التسعة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ، قال : قلت : من العاشر؟ فتلكّأ هنيّة ، وقال : أنا ـ رضي الله عنهم ـ.

٢٤٢٤ ـ حدّثنا عبد الله بن شبيب الربعي ، قال : حدّثني ابراهيم بن المنذر ، قال : حدّثني عباس بن أبي [شملة](١) ، قال : حدّثني موسى بن يعقوب ، عن عباد بن إسحق ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن [الخيار](٢) ، قال : سمعت عثمان ـ رضي الله عنه ـ يوم قتل يقول : بينا أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم على صخرة بحراء ، إذ تحرّكت الصخرة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إنّما عليك نبي ، أو صدّيق ، أو شهيد»كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وأنا وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ، ـ رضي الله عنهم ـ.

__________________

٢٤٢٤ ـ إسناده ضعيف جدا.

شيخ المصنّف : واه. وعباس بن أبي شملة سكت عنه ابن أبي حاتم ٦ / ٢١٧. وعباد ابن إسحاق ، هو : ابن عبد الله بن الحارث العامري.

رواه أحمد ١ / ٥٩ ، والنسائي ٦ / ٢٣٦ ، كلاهما من طريق : أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : فذكره.

(١) في الأصل (سلمة) وهو تصحيف.

(٢) في الأصل (الأحب) وهو تحريف.

٩١

٢٤٢٥ ـ حدّثنا محمود بن غيلان ، قال : ثنا علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم على حراء ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : «أثبت فإنّه ليس عليك إلّا نبي ، أو صدّيق أو شهيد»قال : وعليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ، ـ رضي الله عنهم ـ.

٢٤٢٦ ـ وحدّثنا يعقوب بن حميد ، ومحمد بن أبي عمر ، قالا : ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ، قال : إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم ، كان على صخرة بحراء ، هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ـ رضي الله عنهم ـ فتحركت الصخرة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : إهد ، فما عليك إلّا نبي ، أو صدّيق ، أو شهيد».

قال يعقوب في حديثه : وحدّثني ابن أبي أويس ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد / عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلّى الله عليه وسلم نحوه. وزاد فيه : وسعد بن أبي وقاص ، ـ رضي الله عنه ـ(١) .

__________________

٢٤٢٥ ـ إسناده حسن.

رواه أحمد ٥ / ٣٤٦ من طريق : علي بن الحسين ، به. وذكره الهيثمي ٩ / ٥٥ وعزاه لأحمد ، وقال : رجاله رجال الصحيح. وقال ابن حجر في الفتح ٧ / ٣٨ : إسناده صحيح. وذكره السيوطي في الجامع الكبير ١ / ١٩ ونسبه لأحمد وابن أبي عاصم.

٢٤٢٦ ـ إسناده صحيح.

رواه أحمد ٢ / ٤١٩ ، ومسلم ١٥ / ١٩٠ ، والترمذي ١٣ / ٥١ ، والبيهقي في الدلائل ٦ / ٣٥٢ كلّهم من طريق : الدراوردي ، به.

(١) رواه مسلم ١٥ / ١٩٠ من طريق : إسماعيل بن أبي أويس ، به.

وإسناده صحيح.

٩٢

٢٤٢٧ ـ وحدّثني اسماعيل بن عبد الله ، قال : حدّثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ ، عن النبي صلّى الله عليه وسلم بنحوه.

٢٤٢٨ ـ حدّثنا ابن أبي عمر ، وسلمة ، وغيرهم ، قالوا : ثنا عبد الرزاق ، قال : أنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وهو يحدّث عن فترة الوحي فقال في حديثه : «بينا أنا أمشي ، إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسيّ بين السماء والأرض ، فاجتثيت منه رعبا. قال : فرجعت ، فقلت : زمّلوني زمّلوني ، فدثّروني ، فأنزل الله( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (١) وهي : الأوثان.

٢٤٢٩ ـ حدّثني أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن أبي بزّة ـ أبو الحسن ـ قال : ثنا أحمد بن هلال النميري ـ بصريّ ـ قال : ثنا طلحة

__________________

٢٤٢٧ ـ إسناده حسن.

رواه الطيالسي ٢ / ١٣٩ ، والبخاري ٧ / ٥٣ ، وأبو داود ٤ / ٢٩٥ ، والترمذي ١٣ / ١٥٢ ، والبيهقي في الدلائل ٦ / ٣٥٠ كلّهم من طريق : قتادة ، به.

وذكره السيوطي في الكبير ١ / ١٩ ونسبه للطيالسي ، وأحمد ، وابن حبّان.

٢٤٢٨ ـ إسناده صحيح.

رواه أحمد ٣ / ٣٧٧ ، ومسلم ٢ / ٢٠٤ ، والترمذي ١٢ / ٢٢٤ ، والبيهقي في الدلائل ٢ / ١٤٠ ـ ١٤١ كلّهم من طريق : الزهري به.

٢٤٢٩ ـ إسناده ضعيف جدا.

طلحة بن عمرو الحضرمي المكي : متروك. التقريب ١ / ٣٧٩.

(١) سورة المدثر (١ ـ ٥).

٩٣

ابن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ. قال أبو الحسن : وحدّثنا العلاء بن عبد الجبار ، قال : ثنا نافع بن عمر الجمحي ، قال : سمعت القاسم بن أبي بزة(١) ، يقول : بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في جبل حراء ، ومعه جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، إذ قال له : يا محمد ، هذه خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ ، معها حلاب(٢) فيه حيس ، وشكوة ماء ، فأقرئها السلام من الرحمن الرحيم ، ثم أقرئها السلام منّي.

قال : فأشرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإذا هو بخديجة ـ رضي الله عنها ـ ، فقال صلّى الله عليه وسلم : «خديجة»فقالت : لبّيك يا رسول الله. قال صلّى الله عليه وسلم : «أمعك حلاب فيه حيس؟»قالت : نعم ، ومن أنبأكه؟ فو الذي اصطفاك على البشر ، ما اطّلع عليه إلّا ربّ العالمين. قال صلّى الله عليه وسلم «جبريل ـ عليه السلام ـ وهو يقرئك السلام من الرحمن الرحيم ، ثم يقرئك السلام»فقالت ـ رضي الله عنها ـ إنّ الله هو السلام ، وعلى جبريل السلام.

٢٤٣٠ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ انها قالت : أوّل ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان صلّى الله عليه وسلم لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح ، وحبّب إليه الخلاء ، فكان صلّى الله عليه وسلم يأتي حراء فيتحنّث فيه ـ وهو : التعبّد ـ الليالي ذوات العدد يتزوّد لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة ـ رضي الله عنها ـ فتزوّده مثل ذلك ، حتى فجأه الحقّ وهو بغار حراء ، فجاء

__________________

٢٤٣٠ ـ إسناده صحيح.

رواه أحمد ٦ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، والبخاري ١٢ / ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، ومسلم ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ كلّهم من طريق : عبد الرزاق ، به.

(١) إسناده مرسل.

(٢) الحلاب : إناء. والحيس : تمر وأقط يدقّان ، ويعجنان بسمن.

٩٤

الملك فيه ، فقال :( اقْرَأْ ) فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطّني ، ثم بلغ منّي الجهد ، ثم أرسلني ، فقال :( اقْرَأْ ) فقلت : ما أنا بقارئ ، فغطّني الثانية ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال :( اقْرَأْ ) فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) حتى بلغ( عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) فرجع بها ترجف بوادره ، حتى دخل صلّى الله عليه وسلم على خديجة ـ رضي الله عنها ـ / فقال : زمّلوني ، زمّلوني ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال صلّى الله عليه وسلم : «يا خديجة ، ما لي؟ فأخبرها الخبر ، وقال : قد خشيت على نفسي ، فقالت له صلّى الله عليه وسلم : كلّا أبشر ، فو الله لا يخزيك الله أبدا ، إنّك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت خديجة ـ رضي الله عنها ـ حتى أتت ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزي بن قصي ، وهو ابن عمّ خديجة ـ رضي الله عنها ـ أخي أبيها ، وكان امرأ قد تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، فكتب بالعربية من الانجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا ، قد عمي فقالت له خديجة ـ رضي الله عنها ـ : يا ابن عمّ ، اسمع من ابن أخيك محمّد صلّى الله عليه وسلم ، فقال ورقة بن نوفل : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ـ عليه السلام ـ يا ليتني فيها جذعا أكون حيّا حين يخرجك قومك ، فقال صلّى الله عليه وسلم : أو مخرجيّ هم؟ قال ؛ نعم ، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي ، وأوذي ، وإن يدركني يومك انصرك نصرا مؤزّرا ، ثم لم يلبث ورقة أن توفي ، وفتر الوحي فترة ، حتى حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

٢٤٣١ ـ حدّثني حميد بن مسعدة ، قال : ثنا حصين بن نمير ، عن

__________________

٢٤٣١ ـ إسناده حسن.

رواه الترمذي ١٢ / ١٧٦ ، والطبري ٢٧ / ٨٦ ، والبيهقي في الدلائل ٢ / ٢٦٨ ثلاثتهم من

٩٥

حصين ، [عن](١) محمد [بن](٢) جبير بن مطعم ، عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ ، قال : إنشقّ القمر ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة حتّى رأيت حراء بين شقّتيه.

٢٤٣٢ ـ حدثنا حسين بن حسن ، قال : أنا الثقفي ، قال : ثنا أيّوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال : إنّ عائشة ـ رضي الله عنها ـ جاورت بين حراء وثبير شهرين ، فكنا نأتيها ويأتيها ناس من قريش يتحدّثون إليها ، فإذا لم يكن ثمّ عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ـ رضي الله عنهم ـ صلّى بها غلامها ذكوان ، أبو عمرو(٣) .

ذكر

الآبار التي كانت بمكة تشرب مع زمزم

ويقال ـ والله أعلم ـ : إنّ أوّل بئر حفرت بمكة حين أهبط الله آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، إلى مكة ، حفرها آدم وسمّاها : كرّ آدم في شعب(٤) حواء من المفجر.

__________________

طريق : حصين ، به. وذكره السيوطي في الدرّ ٦ / ١٣٣ وعزاه لأحمد وعبد بن حميد ، والترمذي وابن جرير ، والحاكم ، وأبي نعيم والبيهقي في دلائلهما.

٢٤٣٢ ـ إسناده صحيح.

رواه عبد الرزاق ٤ / ٣٥٠ عن معمر ، عن أيوب به بنحوه. وقد تقدّم نحوه بعد الأثر (١٣٣٥) عن ابن جريج ، عن عطاء.

(١) في الأصل (بن) وهو خطأ.

(٢) في الأصل (عن) وهو خطأ أيضا.

(٣) في الأصل بعده (رضي الله عنه).

(٤) شعب حواء سيذكره الفاكهي في المباحث الجغرافية ، وكذلك المفجر ، ويسمّى اليوم العزيزيّة. وانظر الأزرقي ٢ / ٢١٤.

٩٦

وزعموا أنّ مرّة بن كعب حفر بئرا يقال لها : رمّ. ويقال : بل هي من حفائر كلاب بن مرة. وبلغني أن موضعها عند طرف الموقف بعرفة ، قريبا من عرنة(١) .

وحفر كلاب بن مرّة بئرا يقال لها : خمّ كانت مشرب الناس في الجاهلية ، ويقال : إنّها كانت لبني مخزوم(٢) .

٢٤٣٣ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : قال أبو الحسن الأثرم ، قال أبو عبيدة : أخبرنا خالد بن أبي عثمان ، قال : وكان أول من احتفر بأبطح مكة سقاية يشربها الحاجّ والناس غير زمزم ، فحفر قصيّ ركيّة ، موضعها في دار أمّ هانئ بنت أبي طالب ـ رضي الله عنها ـ وسمّاها : العجول. وكانت العرب إذا استقوا منها ارتجزوا ، فقال رجل من [وارديها]:

نروي على العجول ثمّ ننطلق

إن قصيّا قد وفى وقد صدق

بالشبع للحاجّ وريّ المغتبق.

وهي البئر التي دفع فيها هاشم بن عبد المطلب أخا بني ظويلم بن عمرو النصري فيها ، فمات.

٢٤٣٤ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : حدّثني أبو الحسن الاثرم ، عن

__________________

٢٤٣٣ ـ أبو الحسن الأثرم ، هو علي بن المغيرة. وأبو عبيدة ، هو : معمر بن المثنى.

وانظر البلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٥١ ، وفتوح البلدان ص : ٦٤ ، والأزرقي ١ / ١١٢ ـ ١١٣ ، ٢ / ٢١٥ ، والسهيلي في الروض الأنف ٢ / ١٢٤ ، والصالحي في سبل الهدى والرشاد ١ / ٣٢٥.

والعجول : دخلت في توسّعات الحرم الشريف.

٢٤٣٤ ـ ذكره الأزرقي ١ / ١١٣ ، ٢ / ٢١٦ ، والفاسي في شفاء الغرام ٢ / ٨٩.

(١) الأزرقي ٢ / ٢١٤ ، والبلاذري ١ / ٥١.

(٢) الأزرقي ٢ / ٢١٤.

٩٧

أبي عبيدة ، قال / حدّثني خالد بن أبي عثمان ، قال : إنّ عبد شمس احتفر بعد العجول : خمّا ، وهي البئر التي عند الردم(١) ، عند دار عمرو بن عثمان ، وهذه خلف دار آل جحش بن رئاب الأسدي ، التي يقال لها : دار أبان بن عثمان.

يقال : إنّ قصيا حفرها ، فدثرت ، وإنّ جبير بن مطعم ـ رضي الله عنه ـ نثلها ، وأحياها ، وعندها مسجد بناه عبد الله بن عبيد الله بن العباس ابن محمد ، يقال : إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم صلّى فيه ، وكان يقال لها : البئر العليا.

وقال ابن إسحق : وحفر هاشم بن عبد مناف : بذّر ، وقال حين حفرها : لأجعلنّها بلاغا للناس. وهي البئر التي في حق المقوّم بن عبد المطلب في ظهر دار طلوب مولاة زبيدة في أصل المستنذر(٢) .

__________________

وهذه البئر كانت معروفة إلى عهد قريب ، وسمّاها الأستاذ ملحس في تعليقه على الأزرقي (بئر الدشيشة) بالكمالية.

قلت : وقد وهم الأستاذ ملحس في تحديد موضع هذه البئر ، حيث ظنّ أنّ مسجد الراية هو المسجد الأعلى ـ مسجد الكمالية ـ المقابل للبريد المركزي الحالي ، ومسجد الراية إنّما هو مسجد الجودرية ـ كما سبق تحرير موضعه ـ وهذه البئر تقع في قبلة مسجد الجودرية في زقاق ضيّق كان بين قبلة المسجد والدار التي أمامه ، وهذا الزقاق نافذ إلى شارع الغزة ، وكانت هذه البئر لاصقة بأصل جدار الدار التي في قبلة المسجد ـ وقد دثرت هذه البئر اليوم.

(١) هو ردم عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ وقد تقدّم تحديد موضعه.

(٢) المستنذر جبل بين شعب علي ، وشعب عامر ، وسوف يأتي ذكره.

وبئر (بذّر) رجا الأستاذ ملحس أنّها (بئر الحمام) لكونها واقعة تحت خطم الخندمة. حيث نقل عن أبي عبيدة أنّها البئر التي عند خطم الخندمة.

قلت : وقد وهم الأستاذ ملحس في تحديده موضع هذه البئر لأنّ المكان الذي ذكره يقع في وسط شعب ابن عامر عند المسجد الذي يلقاك على يمينك عند أول صعودك جبل الخندمة إلى الملاوي.

وهذا ليس من ربع بني هاشم ، والذي أراه أنّها البئر التي كانت واقعة في ملتقى شارع الصفا مع شارع سوق الليل في أول ميدان الغزّة ، مقابل موقف النقل الجماعي سابقا الذي كان فيه قصر الاسمنت في السابق. وهذه قد دفنت اليوم وأدخلت ضمن ميدان الغزة ، وموقعها على التحديد على يمين الخارج من أسفل موقف سيّارات الغزة ، بميدان الغزّة.

٩٨

ويقال : إنّ قصيّا حفرها ، فنثلها أبو لهب ، وهي التي يقول فيها بنات عبد المطلب :

نحن حفرنا بذّر

بجانب المستنذر(١)

وهي في زقاق يعرف : بأبي ذرّ.

وذكروا أنّ هاشما حفر : سجلة ، وهي البئر التي يقال لها : بئر المطعم بن عدي بن نوفل ، كانت دخلت في دار القوارير ، أدخلها حمّاد البربري حين بنى الدار لأمير المؤمنين هارون ، فكانت البئر شارعة في المسعى. ويقال : إنّ جبيرا ابتاعها من هاشم(٢) .

وقال بعض المكيّين : إنّ عديّ بن نوفل كان اشتراها من أسد بن هاشم(٣) . ويقال : بل وهبها له أسد حين ظهرت زمزم(٤) . ويقال : لا بل كانت هذه البئر لعديّ بن نوفل أنبطها بين المشعرين ، وكان يسقي عليها الحاج.

وقد قال مطرود بن كعب الخزاعي يذكر ذلك ، فقال :

فما النيل يأتي بالسفين يكبّه

بأجود سيبا من عديّ بن نوفل

وأنبطتّ بين المشعرين سقاية

لحجّاج بيت الله أفضل منهل(٥)

ويقال : بل وهبها عبد المطلب حين حفر زمزم واستغنى عنها للمطعم بن

__________________

(١) ذكره الأزرقي ١ / ١١٣ ، ٢ / ٢١٦ ، وابن هشام في السيرة ١ / ١٥٦ ، والفاسي في شفائه ٢ / ٨٩ ـ ٩٠ ، والبلاذري في فتوح البلدان ص : ٦٥.

(٢) الأزرقي ١ / ١١٣ ، ٢ / ٢١٧.

(٣) سيرة ابن هشام ١ / ١٥٧ ، وفتوح البلدان للبلاذري ص : ٦٥.

(٤) الأزرقي ١ / ١١٣ ، ٢ / ٢١٧ ، وابن هشام ١ / ١٥٧ ، والبلاذري ص : ٦٥ ، ومعجم البلدان ٣ / ١٩٣ ، وشفاء الغرام ٢ / ٩٠.

(٥) تقدّم ذكر البيتين والتعريف بقائلهما في الأثر (٢١٢٧).

٩٩

عديّ فأذن له أن يضع حوضا عند زمزم من أدم يستقي منها ، ويسقي الحاجّ ، وهو أثبت الأقاويل عندهم(١) .

٢٤٣٥ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، عن الكلبي ، قال : إنّ عبد المطلب بن هاشم ، أعطى المطعم بن عديّ حوضا من وراء زمزم ، فكان يسقي فيه الحاجّ.

٢٤٣٦ ـ وحدّثني أبو الحسين ابراهيم بن محمد بن جبير النوفلي ، قال : بلغني أنّ جبير بن مطعم ، خرج هو ، وعمر بن الخطاب ، وأبو سفيان بن حرب ، وعمر ـ رضي الله عنه ـ بينهما فلما كان برأس الردم ، التفت إلى أبي سفيان ، فقال : أين حقّك مما ها هنا؟ قال له : يا أمير المؤمنين ، ما تحت قدميك حتى تجنا. قال : إنّ ظلمك يا أبا سفيان لقديم ، ليس لأحد ها هنا ملك ، ولا ينقل ، هذه مذاهب الحاجّ ومنافذهم ، فسرّ بذلك جبير بن مطعم.

وله دار على بئره فهدمها ، وأباح بئره.

وحفر عبد شمس بن هاشم بن عبد مناف بئرا يقال لها : الطويّ ، وموضعها دار ابن يوسف(٢) .

__________________

٢٤٣٥ ـ إسناده متروك.

ذكره الأزرقي ٢ / ٢١٧ ، والبلاذري في فتوح البلدان ص : ٦٥ ، والفاسي في الشفاء ٢ / ٩٠.

٢٤٣٦ ـ إسناده معضل.

رواه بنحوه الأزرقي ٢ / ٢٣٧ ، وتقدّم بنحوه برقم (٢٠٧٧). وبئر (سجلة) هذه قد دخلت في المسجد الحرام ، لأنّ دار القوارير دخلت في توسعات المسجد الحرام.

(١) الأزرقي ١ / ١١٣ ، ٢ / ٢١٧ ، وشفاء الغرام ٢ / ٩٠.

(٢) الأزرقي ٢ / ٢١٧ ـ ٢١٨. ودار ابن يوسف ، وهي : دار المولد النبوي ، التي هي الآن مكتبة مكة المكرمة ، التابعة لوزارة المعارف ، وبقرب هذه الدار ، على يسار الداخل إلى شعب علي بئر قديمة

١٠٠