ديوان السيد رضا الموسوي الهندي

ديوان السيد رضا الموسوي الهندي0%

ديوان السيد رضا الموسوي الهندي مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 161

ديوان السيد رضا الموسوي الهندي

مؤلف: السيد موسى الموسوي
تصنيف:

الصفحات: 161
المشاهدات: 103655
تحميل: 9556

توضيحات:

ديوان السيد رضا الموسوي الهندي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 161 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 103655 / تحميل: 9556
الحجم الحجم الحجم
ديوان السيد رضا الموسوي الهندي

ديوان السيد رضا الموسوي الهندي

مؤلف:
العربية

يا جذوة للهدى (1)

حاولتُ نظم الرثا فاستعصت الكلمُ

وهل لاهل الهدى بعد الحسين فمُ

وقطع الحزن أحشائي عليك فذي

أفلاذ قلبي، لا الالفاظ، تنتظم

ما كنت أحسب يجري بالرثا قلمي

ما حيلتي قد جرى في ذلك القلم

أبا التقيِّ وذي العليا محمد والـ

ـمهدي، بل يا أبا للناس كلهمُ

قد كنتَ غيثا وليثا للعفاة وللـ

ـعداة فاليوم غابَ البأسُ والكرم

قد كنتَ مرتبعا للوافدين، حمىً

للخائفين فأنت الحِلُّ والحرم

أبكي بك العيش قد زالت غضارته

والدهر ألوى فلا بؤس ولا نعم

أبكى محاريب في الظلمأِ قمت بها

للّه حتى أنجلت في نورك الظلم

أبكي منابر قد أوسعتها حكَما

واليوم فارقها الاحكامُ والحِكم

تكاد أعوادها تخضر مثمرة

إذا علاها سحابٌ منكَ مرتكم

أبكي بك الدين والدنيا وأنت هما

أبكي النبي وسبطيه وأنت هم

أبكي بك العروة الوثقى التي انفصمت

ولم أخلها مدى الايام تنفصم

أبكي بك الركن ركن الحق منهدما

ولم أخل أن ركن الحق ينهدم

أبكي بك النور تحت الارض منكتما

وما توهمت نور اللّه ينكتم

أبكي بك العالمين السابقين مضوا

ولو سلمت لشرع المصطفى سلموا

____________________

1 - قالها راثيا العلامة ميرزا حسين ابن الميرزا خليل.

١٠١

للّه كل الورى ماذا ألمَّ بهم

لقد أصيبوا بفقد العلم لو علموا

اليوم قد آمن الاسلام ثلمته

لو كان بعدك إسلام فينثلم

ما زلت مجتهدا في اللّه تعبده

فلا يصيبك من طول المدى سأم

تزداد ضعفا فتقوى في عبادته

يصح عزمك مهما شفَّهُ السقم

ولم تثقِّلك في الدنيا الهموم بها

إلاّ وطارت إلى الاخرى بك الهمم

حتى أتتك ببيت اللّه دعوته

ولم تزل فرص اللذات تغتنم

واستقبل الحور والولدان نفسك فلـ

ـتقرَّ عينا بك الازواج والخدم

للّه يومك أهل الارض فيه شقوا

إذ غبت عنهم كما أهل السما نعموا

للّه نعشك من سارٍ وما وطأت

له على غير هامات الورى قدم

ولم تزل تخفق الاعلام منه على

نعش به قد توارى للهدى علم

يا جذوة للهدى لم تخب شعلتها

إلاّ وفي كل قلب بعدها ضرم

يا كوكبا كان يهدي العالمين وكم

به شياطين أهل البغي قد رجموا

يا ظلّ عدل تولَّى الظلم حين مضى

وشمسُ رشدٍ توالت بعدها الظلم

يا أولا فيه أهل الفضل قد بدأوا

وآخرا فيه أهل العلم قد ختموا

لم يخل منك محل كنت تملاه

«هذا التقى النقي الطاهر العلم» (1)

لما رأوا قبسا للرشد لاح به

مثل الفراش أحاطوا فيه وازدحموا

وذا محمد السامي إلى رتب

دانت له عرب الاسلام والعجم

ذا عصمة من ضروب النائبات وذا

للحق حبل به أهل الهدى اعتصموا

وذا بدرِّ العلى والمجد مرتضع

وذا من الذم والفحشاء منفطم

شبلان يرسو بأعراق الثرى لهما

خِيمٌ وتبنى على هام السها خيم

____________________

1 - إشارة إلى ابن الفقيد الشيخ تقي الخليلي، وقد ضمن الشاعر عجز بيت للفرزدق في الامام زين العابدين (ع) من قصيدته المشهورة.

١٠٢

لا يشمت الناس يا غيظ الذي لهما

غيظُ العدى بهما باق وإن زعموا (1)

وليغن عن ديمة مثواك تمطره

فمن أكفك فيه قد ثوت ديم

____________________

1 - وجدنا هذه القصيدة في ترجمة السيد التي وردت في كتاب «شعراء الغري» 4 / 108، ويبدو في صدر البيت اضطراب واضح، لعل توجيهه هو:

لا يشمت الناس يا غيظ العدى بهما

غيظ العدى بهما باق وإن زعموا

١٠٣

ساهر العزمة (1)

لا تنه عين المجد عن شأنها

فإنما تبكي لانسانها

ولا تلم مُهجة هذي العلى

إن تدمها أظفار أحزانها

عجبت للحتف أرتقى للسما

وعاد مغتالا لكيوانها

لشائد العليا وعمارها

ومحكم التقوى وسلمانها

فيا معدّا للورى أصبحت

تندبه أسرة عدنانها

من للعويصات إذا أظلمت

جلا بها واضحَ برهانها

أقمت أركان المعالي فمن

بعدك من ممسك أركانها

بعدك من ذا لعفاة الورى

تطفى به غلة ظمآنها

قد كنتَ أقصى قصدها منتهى

رجائها كعبة إحسانها

كانت تنام الليل مكلوءة

بساهر العزمة يقظانها

فأصبحت بعدك مذعورة

قد باعدت ما بين أجفانها

لا تعرف القطع لاحزانها

كلا ولا الوصل لسلوانها

لهفي لعدل قد طوته الثرى

كان الندى غامر أردانها

ومنطق يوحي لسمع الورى

إعجازه آيات قرآنها

وبشرة بالضيف تسلو بها

عن أهلها القربى وأوطانها

____________________

1 - قالها في رثاء صديقه العلاّمة الشيخ علي الشيخ عباس الجعفري.

١٠٤

ونجدة تحمي الورى كلها

كأنّها من بعض جيرانها

وفكرة يثقب وقادها

كنه المعاني قبل إمعانها

ورغبة في اللّه قد أنكرت

لذة دنياها لعرفانها

١٠٥

بدر المعالي (1)

من لم يُقَطِّع من الدنيا علائقها

متى يهون عليه أن يفارقها

تبدو ليعشقها من ليس يعرفها

وليتها محضت بالود عاشقها

عجبت من سحرها تبدي تلوَّنها

لعينه وهو يستحلي خلائقها

إن عانقته لترديه توهَّمها

لانت، فمال إليها كي يعانقها

طوبى لمن رافق التقوى لسفرته

إلى المعاد ولم يبرح مرافقها

صفيةً لم تخن يوما لصاحبها

عهدا ولا نقضت منه مواثقها

كلا ولا اختلفت يوما طرائقها

على أخي رَشَدٍ يقفو طرائقها

يا لاهيا سالكا أوعار معصية

يعدو عليها ولا يخش مزالقها

قد شاق نفسك مُلْكٌ لا دوام له

ألا يكون نعيم الخلد شائقها

فالعقل متَّبعٌ والنفس آبقة

عنه فردَّ إليه اليوم آبقها

واجعله للرشد والايمان قائدها

أما ترى الاجل المحتوم سائقها

فليس ينفك هذا الدهر من حسدٍ

للامجدين بسهم الحقد راشقها

يرمي فتخطي تلاع الارض رميته

لكن تصيب من الاقدار شاهقها

بالامس قد طرقتنا بالخليل له

نوائب أنزلت بالمجد طارقها

واليوم وارى باسماعيل شمس هدى

أمست مغاربها تبكي مشارقها

____________________

1 - قالها في رثاء الشيخ اسماعيل الشيخ ملا علي الخليلي رحمهما اللّه.

١٠٦

قد جبَّ فيه من العليا غواربها

وجذَّ فيه من التقوى مرافقها

لهفي على مصعب قَرَّت شقاشقه

والاسد كانت له تخفى شقاشقها

ومنطقٍ منه تحت الارض كلَّ وكم

أكلَّ من خطباء العصر ناطقها

وحسن خلق إذا من طيبه انتشقت

ريح الصبا عبقت بالنشر ناشقها

يا ذائقا كأس حتفٍ كل ذي نفس

يكون عند حضور الوقت ذائقها

قد كنت لا تسأل المخلوق مسألة

ولا تؤمل إلاّ اللّه خالقها

فاذهب إلى دار رضوانٍ على سرر

فيها لك الحور قد صفت نمارقها

واشرب كؤوس رحيق راق مطعمها

ولم تمازج يد الاكدار رائقها

واترك لنا عبرة في الخد إن دفقت

لم يستطع أن يردَّ الصبر دافقها

ما مثل يومك في الايام يوم شجى

أشاب من لمم العليا مفارقها

قد أوشكت تزهق الارواح فيه وبالـ

مولى الحسين أعاد اللّه زاهقها

مولى إذا وافقت شيئا إرادته

فليس للدهر بدُّ أن يوافقها

من حطَّ عن آمليه وزر فاقتهم

نعم، وثقَّلَ بالنعمى عواتقها

فكفه ديمة ينهلُّ وابلها

طورا وآونة ترمي صواعقها

قد حلَّ للعلم والايمان أخبيةً

عليه كف التقى مدت سرادقها

حزنا به ثمرات العلم حين غدت

منه شرايعها تسقي حدائقها

فكلما غسقت ظلمأُ مشكلةٍ

جلا بنور الهدى والعلم غاسقها

يا سالكا من مجازاتِ التُقى سبلا

بها الخفايا له أبدت حقائقها

إن حلَّ في الدينِ كسرٌ كنتَ جابره

أو بالمكارم فتقٌ كنت راتقها

فقتَ النجوم ولو أيقنت منزلة

فوق التي نلت كنت اليوم فائقها

أنتَ الجواد الذي لم تبق سابقةً

في حلبةِ المجد إلاّ كنتَ سابقها

حتى لحقت من العليا بمرتبةٍ

عدمت حتى من الاوهام لاحقها

أنت العزأُ لنا والحرز إن نزلت

بنا الخطوب ولم نأمن بوائقها

١٠٧

إن غاب بدر المعالي عن مشارقها

فإن أولاده زانوا مشارقها

أو شيم بارقه تحت الصفيح فمن

إخوانه سلَّت العليا بوارقها

أهلة في سماء المجد قد طلعت

فلا غدا الدهر بعد التم ماحقها

ولا تزل سحب الرضوان ساكبةً

على ثرى حَلَّها تسقي حدائقها

١٠٨

أحين نضاك الدين (1)

نهضت لحفظ الدين فاعتاقك الردى

أحين ترجيناك تستأصل العدى

فديت نفوس المسلمين بمهجةٍ

نفوس جميع المسلمين لها الفدا

وقمت بأمر اللّه لا متهيبا

من الحرب عقباها ولا مترددا

فلو أن ماء البحر سال كتائبا

أو أنهار رمل الارض جندا مجنّدا

وأفردك الجمع الذي كان حاشدا

عليك للاقيت الكتائب مفردا

ولم أنس إذ تستنفر الناس للوغى

وتؤذن أن النفر موعده غدا

فقلت متى يطوي الظلام وينجلي

فتنجز للدين الحنيفي موعدا

ولو كنت أدري ما أرى في صباحه

تمنيت أن الليل أطبق سرمدا

فيا حافظا دين النبيّ محمد

فقدنا بمثواك النبيّ محمدا

مضيت حثيث السير لم تشك علَّةً

ولا بتَّ في فرشِ السقام مسهدا

ولا احتجت في وصف الدواء ممرضا

ولا اختلف الاحباب نحوك عوَّدا

لانك لا تنفك تطلب راحة الـ

ـبرايا ولم تبرح لنفسك مجهدا

خلائق قد عوِّدتهنَّ وإنما

(لكل امرئٍ من دهره ما تعوّدا) (2)

____________________

1 - قالها في رثاء الزعيم الراحل حجة الاسلام الملا كاظم الخراساني.

2 - تضمين لصدر مطلع القصيدة التي مدح بها المتنبي سيف الدولة، وهو:

لكل امرئ من دهره ما تعودا

وعادة سيف الدولة الطعن في العدى

١٠٩

.....................................

................................... (1)

***

فهدَّ من الاسلام حصنا ممنعا

وهدَّم للايمان قصرا مشيَّدا

وقمت ثقيل الخطو حتى كأنني

أُجَرُّ بأغلال القيود مصفَّدا

إذا انطلقت رجلي كبوت لوجهتي

لانّي في نعماك أمسِ مقيدا

ولم يدمِ قلبي يوم فقدك إنّنا

فقدنا أعزَّ الناس مجدا وسؤددا

وأحسن أهل الارض خلقا ومنطقا

وأصدق من فيها وعيدا وموعدا

وأعلاهمُ كعبا وأدناهمُ ندىً

وأقربهم خطوا وأبعدهم مدى

وأثبتهم رجلا إذا وقفوّاعلى

مزلٍّ وأقواهم إذا بسطوا يدا

وشخصا بأبراد الفضائل كاسيا

وسيفا على أهل الضلال مجردا

وكعبة نسك حولها باب حِطّة

إليها ملوك الارض تدخل سُجَّدا

ولكن شجاني أن شملا جمعته

مَعاذا له قد كاد أن يتبدّدا

وأن عيون الشرك قرَّت بفادح

به ناظر التوحيد أمسى مسهّدا

أحين نضاك الدين سيفا مجردا

تعود بأطباق الصفايح مغمدا

وفي حين أعلام الضلال خوافق

تنكسك الاقدار يا علم الهدى

مضيت فكم أبكيت للعلم منبرا

وأوحشت من فقدِ العبادة مسجدا

وكم صارخٍ لم يلف بعدك مصرخا

ومستنجد لم يلف بعدك منجدا

وكم حازمٍ يبكي الفضائل والنهى

وذي عيلة يبكي السماحة والندى

أقام عليك المسلمون مآتما

بيومٍ أقام المسلمين وأقعدا

ولم يندب الاسلام إلاّ لانه

يُخاف بأن تمسي فقيدا فيُفقدا

فيا علماء الدين هبوا لنصره

فإن قناهُ كاد أن يتقصدا

ألا نهضة ملِّيةٌ تنسف الربى

وتقذفُ موجَ البحرِ بالدم مزبدا

____________________

1 - فراغ في الاصل لم نعثر على ما يسده في كل المظان المتوافرة.

١١٠

تحيل صباح الكفر بالنقع قاتما

وتلبسه قطعا من الليل أسودا

وتغشى الصليبيين فيها كتائب

ينادون في نقع العجاج محمدا

إذا أبرقت أسيافهم سالت الدما

ولم يرهبوا صوت المدافع مرعدا

متى تتغنَّ البندقياتُ يسرعوا

لشرب كؤوس الحتف مثنى وموحدا

١١١

مضيت قويم النهج (1)

أجدَّك هل قبل القيامة ملتقى

فقد هام في فقدانك العلم والتقى

وأرَّقت جفن الدين حزنا لكافل

له كان يولي الليل جفنا مؤرقا

وأذويت أعواد المنابر بعدما

بعلمك منها اليابس اخضرَّ مورقا

وكاد من الاشواق يحمرُّ دمعه

لفقدك محراب له كنت شيِّقا

وخوف لقاء اللّه كم قمت باكيا

حزينا فهذا اليوم بشراك باللقا

وأنفقت غالي العمر في اللّه فارتبح

بأضعاف ما قد كنت في اللّه منفقا

سكنت ببطن الارض أوسع منزل

فعاد الفضاء الرحب بعدك ضيّقا

وجددت بالاكفان أثواب سندس

ولكن ثوب الصبر بعدك أخلقا

وأبدلت أزواجا من الحور كنَّسا

بدنيا لها من قبل كنت مطلقا

وصبحُ الهدى قد عاد بعدك مظلما

وبطنُ الثرى من نور وجهك مشرقا

عذرت الردى حيث انتقاك وما ارتضى

سواك فأنت الدرُّ والدرُّ يُنتقى

لعمرك ما أدري وأنت فقيدنا

بمن أتسلى أو أقول لك البقا

خُلقت من التقوى فهل عنك سلوٍة

لنا بالذي يبدي التُقى متخلقا

سأبكيك ما أبقى لي الحزنُ ناظرا

وأرثيك لو أبقى لي الخطب منطقا

____________________

1 - قالها راثيا حجة الاسلام محمد طه نجف ومعزيا العلامة الحجة السيد محمد بحر العلوم.

١١٢

وأبكي جبينا بالسجود معفَّرا

ولكنه أبهى من البدر رونقا

وأبكي لسانا بالصواب مقيدا

ولكنه أجرى من السيل مطلقا

وأبكي لفكر في المشاكل نافذٍ

فتحت به منهنَّ ما كان مغلقا

مضيت سليم القلب ما فيك مغمز

سوى كثرة الاسراف في العلم والتقى

مضيت عديم المثل قد حزت غاية

يطأطى‌ء عن إدراكها الوهم مطرقا

مضيت قويم النهج ما هزَّك الهوى

ولا خفت من حب الرئاسة مزلقا

مضيت كريم النفس فردا مجمعا

من المجد ما في الناس كان مفرَّقا

مضيت مقيم الذكر والمسك طبعه

إذا ما مضى أبقى النسيم معبقا

مضيت عظيم القدر في الناس طبقت

مصيبتك الاكوان غربا ومشرقا

ونار الاسى لولا الاُسى بمحمد

لاضرم ذاكيها القلوب وأحرقا

كريم إلى طه انتمى وهو جده

فشابهه خَلقا وخُلقا ومنطقا

فتى كأبيه لا يزال وجده

إلى الخير مهديا وفيه موفقا

إلى أن نرى إرشاده لشرايع

بها يغتدي علاّمةً ومحققا

فإنّا نرى بالجد والسعي يُرتقى

إلى موضع الفرزان ما كان بيدقا

ألست ترى، فرع النبيّ، محمدا

إلى ذروة الاباء في جدّه ارتقى

سحاب أغاث المعتفين بوبله

فدام علينا برقه متألقا

طمى بحره بالعلم يمتد مزبدا

كما غيثه بالجود ينهلُّ مغدقا

له قدم أرست على ذروة العلا

وداست من العلياء هاما ومفرقا

له راحة فيها لنا أي راحة

غدا كل جيد في نداها مطوقا

فدام لنا حصنا وكهفا وجُنّةً

له يُلتَجَا من كل خطب ويُتقى

وأحدق ريحان الجنان وروحها

بمثوى به الايمان والعلم أحدقا

١١٣

بحر الجود (1)

لئن يغدُ شرق الارض والغرب مأتما

فرزُ حسين جلَّ في الارض والسما

دهانا بشهر العيد رزؤك طارقا

فأصبح شهر العيد فينا محرما

فلست ترى إلاّ مصابا بوالدٍ

رماه به صرف الزمان فأيتما

فأجرت مآقينا النوائبُ أدمعا

وفجرت الاحزانُ أحشاءنا دما

ألم تك للاسلام ركنا مشيدا

أعيذ بناه أن يقال تهدما

ألست الحمى للناس من كل طارق

ينوب فيا ذلاه من طرق الحمى

ألست لافق الرشد بدرا فما له

أجيلُ به طرفي فألفيه مظلما

مضيت حميد المأثرات ولا أرى

خلافك هذا العيش إلاّ مذمما

وكم منبرٍ أبكيته كان قبل ذا

يكاد إذا ترقاه أن يتبسما

فلا بعدك تلك الليالي التي بها

سهرت وباتت أعين الناس نوَّما

تقوم إلى المحرابِ ترعدُ خِيفةً

كأنّك قد أبصرتَ فيه جهنّما

يُشوقك أن ترقى إلى اللّه عارجا

فتنصب للُّقيا صلاتك سُلَّما

أصابك صرف الدهر للدينِ حافظا

وللمالِ متلافا وللعلمِ عيلما

أصاب قلوب المسلمين وإنهم

ليرضون أن يفنوا جميعا وتسلما

ولما رماك الدهر أيقن أنه

أصاب وكلاّ لو أصاب لما رمى

١١٤

برغمي يا غيظ الحواسد أن نرى

عدوَّك قد أمسى قريرا ونرغما

برغمي أن لا تستجيب لمن أتى

يبثك شكوى خصمه متظلما

برغمي ياسرا يضيق بكتمه

رحيب الفضا في اللحد تمسي مكتما

برغمي يا بدر الهدى أن تميل للـ

ـغروب وإن شعت مزاياك أنجما

برغمي أن يجري القضاء محتما

عليك وقد كنت القضأَ المحتما

نعمت وأشقيت البرايا ولم أخل

تطيب بأن تشقى البرايا وتنعما

وأجريت من أبناء فهرٍ مدامعا

لغير حسين دمعها قط ما همى

فإن لم تكن منهم قديما فإنهم

يرونك في الفضل الامام المقدما

ولو لم تكن للهاشميين سيدا

لما عقدت ساداتهم لك مأتما

وحنُّوا حنين اليعملات بمحفلٍ

به لا ترى إلاّ هزبرا وضيغما

إذا أرخص الهادي وموسى لفادح

دموعا فعين ليس تبكي لها العمى

همامان قد حلا من المجد موضعا

تمنته لو تجدي المنى أنجم السما

إذا قيل من أزكى الورى وأعزَّهم

مقاما وأوفاهم ذماما فقل: هما

خليليَّ بالصبر الجميل تدرَّعا

وإن جلَّ خطبا ما به قد أُصبتما

فهذا التقي ابن الحسين وصنوه

محمد في برج المعالي تسنما

لنا منهما كهلا حجىً إن تأخرا

زمانا فقد فاتا علا وتقدما

قد احتذيا في كل فضلٍ أباهما

وهل أرقمٌ إلاّ ويعقب أرقما

ودوما مَناخا للركائب وأبقيا

حمىً من تصاريف النوائب واسلما

ولست بمستسقٍ سحابا لحفرةٍ

بها حلَّ بحر الجود والعلم مفعما

١١٥

في رثاء والديه وأخيه

أبـتـاهُ حـسبكَ رقـدةَ الـوسنان

فـالليلُ مـنهُ قـد انـقضى ثلثانِ

قــمْ لـلقراءةِ والـتهجدِ والـبكا

والـذكـرِ والـدعـواتِ والـقرآنِ

قـمْ لـلصلاةِ فـقد أتـتكَ محافظا

أن لا تـضـيعَ وديـعةِ الـرحمنِ

أولـم تـكن مـهما دنـت أوقاتها

مـتـحفّزاً تـصغي لـصوتِ أذانِ

لازمـتها حـتى الـممات فلم تكن

لـكَ فـي سـواها أطـبقت شفتانِ

لو لم يكن لكَ غيرها رجحت على الـ

أعـمالِ يـوم تـحطُّ فـي الميزانِ

أنّـى وقـد مـلا الـزمانُ فضائلا

لـكَ ليسَ يُفني ذكرها الملوانِ (1)

وعـلـيكِ يـا أُمّـاهُ ألـف تـحية

مـشـفوعةً بـالعفو والـرضوانِ

وقـف على الزفراتِ فيكَ جوانحي

ونـواظري وقـف عـلى الهملانِ

مـا كنتُ منفرداً برزئكِ في الورى

لـو كـانَ تـعرفكِ الورى عرفاني

أولـم تـعانِ في رضاءِ محمّد (2)

مـا لا تـكادُ لـهُ الـرجالُ تـعاني

هـيهات لا أقضي حقوقكِ إن يُذبْ

قـلبي الـجوى ويـذِلْه من أجفاني

____________________

1 - الملوان: الليل والنهار.

2 - لعلّه أراد بقوله: في رضاء محمّد، تورية؛ فالمعنى القريب: رضاء زوجها السيد محمّد، والبعيد رضا ابن السيد محمّد وهو الشاعر نفسه، ويساعد هذا المعنى وقربه البيت الذي بعده.

١١٦

أَنّــى وقــد ربّـيتني وكـفلتني

وغـذوتـني بـالـبرِّ والإحـسانِ

وحـملتِ ثـقلي نحو عشرةِ أشهرٍ

وبـمصّ ثـديكِ تـمَّ لـي حولانِ

فـعليَّ يـا أُمّـاهُ شـكركِ واجـب

مـن بـعدِ شـكرِ الـواحدِ الـديّانِ

***

وإلـيكَ مـنّي يـا بنَ أمِّ شكاية

لـو كنتَ تسمعُ منطقي وتراني

ما بالكَ استأثرتَ في وردِ الردى

دونـي الـغداةَ وإنّـنا أَخـوانِ

وسكنتَ في غرفِ الجنانِ منعّما

وطـويتَ أضلاعي على النيرانِ

أقـصاكَ عن قربي الحمامُ وليته

مـن قـربِ داركَ عاجلاً أدناني

فلئن أمتْ فهو المُنى ولئن أعش

فـلأقضينَّ الـعمرَ بـالأشجانِ

ولأجـرينَّ الـدمعَ طوفاناً على

تـرابٍ أهـالوهُ عـلى طوفانِ

حـتى يـعدَّ الـدمعُ في قطراته

مـا كـنتَ توليني من الإحسانِ

وأحيلُ رمسكَ روضةً تحكي بها

حـمرُ الـدموعِ شقائقَ النعمانِ

ولـسوفَ أغذو في رثاكَ متمّما

عـمري لأنّـكَ مـالكٌ لـعناني

وتهيجُ في صدري بلابلَ للجوى

فـأنوحُ نـوحَ حمائمِ الأغصانِ

يـا رايـةَ الـتوحيدِ لا تنفكّ لي

كـبدٌ عـليكِ شـديدةُ الـخفقانِ

يـا مخذمَ الإسلام ليسَ يزال في

قـلبي لـفقدكَ مـثلُ وخزِ سنانِ

يـا جُـنَّةَ الإيمان بعدكَ مهجتي

أضـحت رمـيةَ أسهمِ الحدثانِ

سـرعانَ ما قد عادَ ربعي بلقعا

وهـتفنَ فـيهِ نـواعبُ الغربانِ

سرعانَ ما اختلستكَ أنيابُ الردى

مـنّي وأضـلاعي عليكَ حوانِ

أبـقت فـؤادي وانتقتكَ وكنتما

مـتـعادلينِ كـكـفتيْ مـيزانِ

١١٧

يا راية التوحيد (1)

مـا كـانَ ضـرَّ فـوادحُ الـحدثان

لـو كـانَ قـبلكَ سـهمهنَّ رمـاني

مـا ضـرَّ لـحداً قـد ذكا بكَ نشرُه

لــو أنّــهُ لـمّا طـواكَ طـواني

يـا لـيتَ أخـطأكَ الـردى أولـيته

لـمّا أصـابكَ لـم يـكن أخـطاني

يـا زيـنةَ الـنادي ونـاقعَ غـلّة الـ

صــادي ونـجمَ هـدايةِ الـحيرانِ

يــا واحـداً فـيهِ اتّـفقنَ مـناقبٌ

لــم يـختلف فـي عـدّهنَّ اثـنانِ

يـا أوّلاً فـي الـمكرماتِ فـما لـه

فـيـها وعـنها فـي الـبريةِ ثـاني

يـا لـهجةَ الـمدّاحِ بـل يا بهجةَ الـ

أرواحِ بــل يـا مـهجةَ الإيـمانِ

إن غبتَ عن بصري فشخصكَ حاضرٌ

أو تـنـأَ عـنهُ فـأنتَ مـنهُ دانـي

مـا إن أصـرِّفُ أعـيني في وجهةٍ

إلاّ رأيــتـكَ مــاثـلاً لـعـياني

لـم يـخلُ مـنكَ سـوى مكانٌ واحد

ومـلأتَ فـي عـينيَّ كـلَّ مـكانِ

نـفسي فـداؤكَ مـن قـريبٍ نازحِ

أوحشتني إذ صرتَ من جيراني (2)

فـلسوفَ أغـدو فـي رثـاكَ متمّما

عـمري لانّـكَ (مـالكٌ) لعناني (3)

____________________

1 - قالها في رثاء أخيه المرحوم العلاّمة السيد باقر المتوفى سنة 1329 هـ. ويبدو أنّ الشاعر لم يستوفِ التعبير عن حزنه على فقد أخيه في القصيدة التي سبقت؛ فواصل الرثاء في هذه وضمّنها العديد من أبيات تلك.

2 - يشير إلى أنّه دُفنَ في مقبرة الأسرة ضمن الدار التي يسكنها السيد رضا.

3 - يشير إلى متمّم بن نويرة الذي رثى أخاه مالكاً بالقصيدة المعروفة بأُمّ المراثي، وأوّلها:

لعمري وما دهري بتأبينِ مالك

ولا جزعاً ممّا أَلمَّ فأرجعا

١١٨

أسـهرتَ أجـفاني وكـم قد بتُّ في

أرقٍ لـتـملأ بـالـكرى أجـفـاني

فـلأرثـينَّك بـالـلواعجِ والأسـى

إن كَـلَّ عـن نـظمِ الـرثاءِ لساني

ولأجـريـنَّ الـدمعَ طـوفاناً عـلى

تُــرْبٍ أهـالـوهُ عـلى طـوفانِ

حـتى يـعدّ الـدمعَ فـي قـطراتهِ

مـا كـنتَ تـوليني مـن الإحـسانِ

وأحـيلُ رمـسكَ روضـةً تحكي بها

حـمـرُ الـدموعِ شـقائقَ الـنعمانِ

وتـهيجَ فـي صـدري بلابلَ للجوى

فـأنـوحُ نـوحَ حـمائمِ الأغـصانِ

يـا رايـةَ الـتوحيدِ لا تـنفكَ لـي

كـبـدٌ عـلـيكَ تـلـجُّ بـالخفقانِ

يـا مـخذمَ الإسـلامِ لـيسَ يزال في

قـلبي لـفقدكَ مـثلُ وخـزِ سـنانِ

يـا جُـنَّةَ الإيـمانِ بـعدكَ مـهجتي

أضـحـت رمـيَّةَ أسـهمِ الـحدثانِ

سـرعانَ مـا قـد عـادَ ربعي بلقعا

وهـتـفنَ فـيهِ نـواعبُ الـغربانِ

سـرعانَ مـا اختلستكَ أنيابُ الردى

مـنّـي وأضـلاعي عـليكَ حـوانِ

أبـقـت فـؤادي وانـتقتكَ وكـنتما

مـتـعـادلين كـكـفـتيْ مـيـزانِ

يـا مَـنْ بـهِ افتخرتْ لويُّ ومَنْ له

ألـقـت زعـامـتها بـنو عـدنانِ

طـالت بـهِ العربُ الملوكَ وأصبحت

تـزهـو عـمائمها عـلى الـتيجانِ

الـديـنُ بـعـدكَ مـستباحٌ رحـله

فـابـعث إلـيهِ بـنصرةِ الـغيرانِ

قـد نـامَ عـنهُ حماتهُ ومضى الذي

يـحـمي حـمـاهُ بـناظرٍ يـقظانِ

بـمَ يـشمتُ الأعـداءُ بعدكَ لا غفوا

إلاّ عـلـى حـسكٍ مـن الـسعدانِ

بـبقاءِ ذكـرك فـي الـزمانِ مخلّدا

أم بـالـفناءِ وكــلّ حــيٍّ فـانِ

أم بـانـتقالكَ مـن مـجاورةِ الـعنا

والـهـمِّ نـحو الـروحِ والـريحانِ

فـلـيشمتوا فـمـصابُ آلِ مـحمّد

مـمّـا يُـسَـرُّ بـهِ بـنو مـروانِ

إن يـشمتوا فـلقد رغـمتَ أنـوفهم

بـمـفاخرٍ شـهـدت بـها الـثقلانِ

قـد عـادَ حـزنكَ مـلَ كلّ حشاشة

وجـمـيلُ ذكـرك وردَ كـلّ لـسانِ

فـارقتنا فـي شـهرِ عـاشوراء فـا

تـصلتْ بـهِ الأحـزانُ بـالأحزانِ

١١٩

نـبـكي الـمغسَّلَ بـالقراحِ وتـارة

نـبـكي الـمغسَّلَ بـالنجيعِ الـقاني

ونـنـوحُ لـلـمطويِّ فـي أكـفانه

أمْ لـلـطريحِ لـقـىً بـلا أكـفانِ

أمْ لـلـمقلّبِ بـالأكـفّ أمْ الــذي

قــد قـلَّـبتهُ الـخـيلُ بـالجَوَلانِ

أمْ لـلـمشيَّعِ بـالـسريرِ أو الـذي

فـي رأسـهِ طـافوا بـرأسِ سـنانِ

أمْ لـلموارى فـي الـترابِ أمْ الذي

أمـسى بـلا دفـنٍ عـلى الـكثبانِ

١٢٠