ديوان السيد رضا الموسوي الهندي

ديوان السيد رضا الموسوي الهندي0%

ديوان السيد رضا الموسوي الهندي مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 161

ديوان السيد رضا الموسوي الهندي

مؤلف: السيد موسى الموسوي
تصنيف:

الصفحات: 161
المشاهدات: 103562
تحميل: 9550

توضيحات:

ديوان السيد رضا الموسوي الهندي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 161 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 103562 / تحميل: 9550
الحجم الحجم الحجم
ديوان السيد رضا الموسوي الهندي

ديوان السيد رضا الموسوي الهندي

مؤلف:
العربية

ديوان

السيَّد رضا الموسويّ الهنديّ

١

٢

ديوان

السيَّد رضا الموسويّ الهنديّ

1290 - 1362 هـ

جمعه

السيد موسى الموسوي

راجعه وعلّق عليه

الدكتور السيد عبد الصاحب الموسوي

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

تقديم

هذا ديوان لم يجمعه صاحبه، ولا عُني به أبناؤه في حياته، ولا بعد وفاته، وأقوى الظنّ أنّ القصائد التي فيه لا تمثّل إلاّ أقلَّ القليل من مجموع ما قال من الشعر؛ ذلك لانّ سيّدنا الرضا (رحمه اللّه) كان مبكّر النبوغ في جملة جوانب، أحدها الشعر، فهو قد بلغ مرتبة الاجتهاد في الفقه والأصول ولمّا يتخطّ العقد الثالث من عمره، واشتُهر في العلوم المصاحبة لعلوم الدين قبل أن يتعدّى ريعان الشباب، وفي مؤلّفاته المتعدّدة الجوانب دليل على ذلك.

ولم يكن سيّدنا الرضا مُقلاً في نظم الشعر، فقد كان الشعر متنفّسا له ولأمثاله من ذوي المواهب التي هذّبتها المتابعة، وأصَّلتها المراجعة، وما إحاطته بأشعار العرب على اختلاف عصورهم، ومعرفته بأسرار البلاغة وفنونها إلاّ القوادم والخوافي التي كست أجنحة موهبته، فمكّنتها من التحليق عالياً في آفاق الشعر، حين ينظمه وحين ينقده وينظر فيه؛ لذلك فإنّ موافقتنا على أنّ القصائد التي ضمّها هذا الديوان هي كلّ شعره مجانبة للحق، ومخالفة لمنطق الأشياء، فأين كلّ شعره؟!

من المعروف، ليس في النجف وحدها، بل في حواضر المسلمين كلّها، أنّ العلماء الروحانيين يعدّون الشعر مهما كان عالياً، أدنى فضائلهم وأيسر كمالاتهم، وقد قالوا قديماً: الشعر أدنى مروءة

٥

السري، وأسرى مروءة الدني. فهم يروِّحون به عن أنفسهم، ويعبّرون من خلاله عمّا يجيش في صدورهم من أفراح، أو أحزان، أو هموم، ولا يضعونه في صفّ الرسالة الدينية التي كرَّسوا لها أعمارهم. والشاعر منهم يقول الشعر ولا يريد أن يُعْرَفَ به، كما لا يأنف إن نُسب إليه، ومن هذه النظرة إلى الشعر جاء إهمالهم لجمع ما ينظمون، تاركين المهمّة للحُفَّاظ والمهتمّين من الأدباء والخطباء وغيرهم.

وقصائد سيّدنا الرضا يمكن أن تقتسمها أغراض حددت الجهات المسؤولة عن حفظها، فمديح النبيّ (عليه الصلاة والسّلام)، ومديح ومراثي آل بيته الطاهرين غرض - أو جانب من غرضي المديح والرثاء - يقع في دائرة اهتمام خطباء المنابر الحسينية؛ إذ درج هؤلاء على افتتاح كلّ مجلس خطابي بإنشاد قصيدة مديح، أو رثاء قيلت في النبيّ (عليه الصلاة والسّلام)، أو في واحد من أهل بيته، فالخطباء حفّاظ للجيّد من تلك القصائد، يتلقّفونها ويتناقلونها ويضيفونها إلى محفوظهم؛ إعلاءً لمكانتهم الأدبية، وتحقيقاً للتنوّع فيما يمتّعون به جماهير مجالسهم.

وقصائد سيّدنا الرضا في هذا الباب كثيرة وشهيرة ومحفوظة في صدور كبار الخطباء، أخذوها عنه ونقلوها إلى غيرهم من المبتدئين في فنّ الخطابة، وكان من الممكن جدّاً أن تُجمع هذه القصائد من حفاظها قبل أن تخترم الأجال أوثقهم رواية وأوعاهم حفظاً.

ولكنّ أحداً من أبناء سيّدنا الرضا، أو ذويه، أو المهتمّين بأشعاره لم يفعل ذلك؛ لانشغال الجميع في شؤون الحياة وشجونها، ولظنّهم أنّ الخلود قد حالف هذه القصائد، فهي تنشد في كلّ مجلس من مجالس الخطابة، وفي كلّ بلد يُقيم أهله تلك المجالس، ولم يتنبّهوا إلى بطلان ظنّهم إلاّ متأخّرين، حين اختار اللّه سبحانه إلى جواره أُولئك الخطباء والثقاة

٦

الواحد بعد الآخر، فلم يبقَ بعدهم إلاّ جيل من الخطباء توجَّهَ إلى الجديد في محفوظه، وإذا كان يحفظ من أشعار سيّدنا الرضا وأضرابه من أهل زمانه، فلا يحفظ منها إلاّ القليل، وهكذا انطوت في صدور الراحلين قصائد لا يعلم عددها إلاّ اللّه سبحانه، وأكثر أُولئك الراحلين (رحمهم اللّه) لم يتركوا مجاميع مكتوبة بمحفوظاتهم، أو أنّ ذويهم لم يحتفظوا بتلك المجاميع.

ولسيّدنا الرضا (رحمه الله) قصائد نظمها لإخوانه وأصدقائه يمدحهم، أو يهنّئهم، أو يعزّيهم، أو يرثيهم، وتلك القصائد - في العادة - تُلقى على جمع المحتفلين ثمّ يأخذ المعنيُّ بالمناسبة أصلها؛ ليضمّه إلى مفاخر أسرته وتراثها الذي تعتزّ به، وكثير من قصائد السيد الرضا موجود لدى الأُسر العلمية في النجف وغيرها، ولكنّ الحصول عليه أمر في غاية الصعوبة لاعتبارات عديدة، منها عدم استجابة مَنْ نتوجّه إليه بالطلب.

وهذه الحقائق مجتمعة تؤكّد ما ذهبنا إليه من أنّ الشعر المجموع في هذا الديوان ليس كلّ ما نظمه سيّدنا الرضا (رحمه اللّه)، وأنّ الكثير منه قد ضاع؛ ممّا حدا بابن عمّنا المرحوم الأستاذ السيد موسى الموسوي إلى جمع ما وقعت عليه يده، وكان أكثر ما اعتمد عليه في ذلك المجاميع والأوراق المتناثرة في خزانة كتب العلاّمة المرحوم خالنا السيّد أحمد أكبر أبناء سيّدنا الرضا، والذي كان هو الآخر يحاول جمع أشعار والده لولا مسؤوليات مركزه الديني وأعباء حياته اليومية.

لقد أمضى المرحوم السيد موسى الموسوي أعواماً يتّصل فيها جهده وينقطع حتى ظّن أنّ ما صار بيديه هو ديوان السيّد الرضا، وكان ينسخ كلّ قصيدة أو قطعة في مجموع له لم يراعِ فيه الأغراض

٧

الشعرية، وقد تجد في المجموع القصيدة الواحدة مكرّرة مرّتين، وقد يختلف النصّ في إحداها عنه في الثانية، وقبل وفاته بأعوام أرسل إليَّ المجموع راغباً في مراجعته وطبعه؛ لنشترك كلانا في مأثرة عظيمة، هي حفظ تراث أُسرتنا، وقد أوشك على الضياع.

وبدأت منذ وصلتني المجموعة أعمل على مراجعتها، وتبويبها على الأغراض، والنظر في النصوص المكرّرة وما حصل فيها من اختلاف، فأقابلها على المنشور في مجلّة الاعتدال النجفية، أو في كتاب (شعراء الغري) للمرحوم علي الخاقاني وغيرهما، وقد لا يسعفني مرجع فأحتكم إلى نَفَس السيد الرضا ومعتاد أسلوبه، حتى إذا بلغت في ذلك غاية الطاقة ولم أبلغ غاية الطموح كان اللّه سبحانه قد اختار إلى جواره ابن العمّ السيّد موسى الموسوي قبل أن أعرض عليه حصيلة جهدي.

فإذا فاتنا - أنا وابن عمّي - أن ندرك النجح كلّه، فلم يفتنا أن ندرك جلّه، وفي ذلك بعض ما كنّا نتمنّاه ويتمنّاه عارفو مكانة السيد الرضا، ومتتبّعوا آثاره العلمية والأدبية.

وصاحب هذا الديوان هو السيد رضا نجل السيد محمد نجل السيد هاشم المعروف بالهندي؛ لهجرة أحد آبائه إلى الهند في عصر من عصور الاضطهاد، ويتصل نسبه الشريف بعاشر الأئمّة الأطهار بعد تعداد بضع وثلاثين أباً، ويُنسَب إلى الإمام علي النقي، فيُقال: (نقوي)، أو إلى الإمام الرضا، فيُقال: (رضوي)، أو إلى الإمام موسى بن جعفر، فيُقال: (موسوي)، وهذا اللقب الأخير هو الذي عُرفت به أُسرة السيّد الرضا (قدّس اللّه سرّه).

ولد سيّدنا الرضا في النجف الأشرف، ليلة الإثنين، ثامنة ليالي ذي

٨

القعدة سنة تسعين ومئتين وألف (1)، وهاجر إلى سامراء بهجرة أبيه سنة 1298 هجرية حين اجتاح النجف وباء الطاعون، وكان سيّدنا الرضا خامس إخوته الستّة، وقد اشتهر منذ يفاعه بالصلاح والتقوى، وعُرف عنه أنّه حفظ أوّل حديث عن الإمام الشيرازي الكبير، وهو قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء»، وذلك حين تعلّم (رحمه اللّه) القرآن الكريم بمدّة أيسر من المألوف، فأُعجب به الإمام الشيرازي (قدّس اللّه سرّه) أشدّ الإعجاب، وقال في جملة ما قال: العلم نور....

وكانت سامراء يومئذٍ آهلة بالعلم والأدب، حافلة بنوادي البحث والتدريس، وكان للأدب العربي فيها شأن مرموق، فنهل السيّد الرضا من موارده العذبة فيها، ومكث في سامراء مكبّاً على طلب العلم حتى عودة أبيه إلى النجف سنة 1311 للهجرة، وكان طوال تلك المدّة موضع حبّ ورعاية الإمام الشيرازي؛ إذ كان سيّدنا الرضا غاية في الذكاء والفطنة، وسرعة البديهة وسعة الاطلاع.

وفي النجف الأشرف واصل دراسته العلمية على أساطين العلم فيها، فقد تلمذ في الفقه والأصول وجملة من العلوم على والده الحجّة السيّد محمد الهندي، وعلى الحجّة السيد محمد الطباطبائي، والشيخ محمد طه نجف، والشيخ حسن ابن الشيخ صاحب الجواهر، والملاّ محمد الشربياني، والشيخ الملاّ محمد كاظم الخراساني.

وكان يروي إجازة عن أبيه، وعن الشيخ أسد اللّه الزنجاني، والسيد حسن الصدر، والسيد أبي الحسن الأصفهاني، والشيخ آغا بزرك

____________________

1 - كما ثبته والده الحجّة السيد محمد الهندي في كشكوله.

٩

الطهراني، حتى شهد له الشيخ محمد طه نجف بالاجتهاد المطلق سنة 1322 للهجرة.

وكان (رحمه اللّه) زاهداً بالزعامة الدينية على الرغم من مؤهّلاته للإمامة، شديد التواضع مع سموّ مكانته العلمية، رفيع الخلق، جمّ المناقب، غزير العلم، واسع المعرفة.

وقد اكتنفت حياته مصاعب ومتاعب حالت بينه وبين التفرّغ للتأليف، وإذا كان قد أغنى مجالس العلم والأدب والشعر بما جعل اسمه قبل الأسماء، فإنّه قد ترك من المؤلّفات المخطوطة والمطبوعة ما كنّا نتمنّى المزيد عليه، فمن مؤلّفاته (1) :

1 - الميزان العادل بين الحقّ والباطل: وهي رسالة في الردّ على الكتابيين، ألّفها استجابة لرغبة الشيخ حسن علي بن بدر القطيفي المهاجر حينئذٍ إلى الهند؛ ليحمل الهنود على مقاطعة الانجليز، وقد طبعها المذكور على نفقته في بغداد سنة 1331 هجرية، وتقرر فيما بعد تدريسها في مدارس الدولة، ولكنّ سلطات الاحتلال البريطاني منعت نشرها.

2 - بلغة الراحل: كتاب في المعتقدات والأخلاق، لم يُطبع.

3 - الوافي في شرح الكافي في العروض والقوافي، لم يُطبع.

4 - شرح على باب الظهار: من كتاب والده في الفقه المسمّى (اللآليء الناظمة للأحكام اللازمة)، لم يُطبع.

5 - سبيكة العسجد في التاريخ بأبجد: كتاب حافل بفلسفة

____________________

1 - آل الهندي في النجف، القسم الأوّل 93 مخطوط للمرحوم الاستاذ موسى الموسوي.

١٠

التاريخ بأبجد، ويعدُّ نحواً من التأليف لم يُسبق إليه. ما زال مخطوطاً.

6 - الرحلة الحجازية: رسالة وصف فيها رحلته إلى الحجّ سنة 1347 للهجرة. مخطوطة.

7 - درر البحور في العروض، مخطوط.

8 - تقريرات أستاذه السيد محمد بحر العلوم، مخطوط.

9 - شرح رسالة غاية الإيجاز لوالده، مخطوط.

وقد ترجم لسيّدنا الرضا عدد من العلماء الأعلام والكتّاب والأدباء الكبار، أمثال: العلاّمة المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء في كتابه (الحصون المنيعة)، والعلاّمة المرحوم السيد محسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة)، والعلاّمة المرحوم الشيخ محمد السماوي في كتابه (الطليعة)، والعلاّمة المرحوم الشيخ جعفر النقدي في كتابه (الروض النضير)، والأستاذ المرحوم علي الخاقاني في كتابه (شعراء الغري)، والأديب الكبير المرحوم جعفر الخليلي في كتابه (هكذا عرفتهم)، كما ترجم لسيّدنا الرضا ولده العلاّمة المرحوم السيد أحمد في مقدّمة القصيدة الشهيرة (الكوثرية) وغير هؤلاء كثيرون.

إلاّ أنّني لا أجد بدّاً من ذكر شي‌ء ممّا كتبه المرحوم الأستاذ الخليلي الذي تعرّض إلى جانب من جوانب عبقرية السيّد الرضا؛ ممّا يفسح أمام القارئ الكريم سبلا كثيرة لاستجلاء الجوانب الأخرى من إبداع صاحب الديوان.

يقول الأستاذ الخليلي:

(... زاول الأدب زمناً طويلاً فأبدع فيه إبداعاً كان المجلي فيه بين جمع كبير من الأدباء والعباقرة في زمانه، ولقد ولع بالبديع ولعاً سما به إلى منزلة قلَّ مَنْ ارتفع إليها من قبل. وإنّ لديَّ الكثير من الشواهد

١١

من نظمه ونثره، ومنها مقامات إذا شئتها شعراً كانت شعراً ببحور مختلفة وقواف مختلفة، وإن شئتها نثراً كانت نثراً مسجّعاً أو مرسلاً، ولم يكن هذا غريباً بمقدار غرابة خلوّ هذه المقامات من التكلُّف، فقد كان إمام البديع، وشيخ الأدباء فضلاً عن كونه عالماً، ومن علماء الفقه المعروفين.

ومن أبرع بدائعه في وضع التواريخ الأبجدية التي سمعتها منه هو تاريخه لشهادة الإمام أبي عبد اللّه الحسين الذي وقع سنة 61 هجرية، وهو عدد صغير جدّاً يستحيل على الشاعر أن يستخدمه لوضع تاريخ شعري متين وبدون تكلّف، ولكنّ براعة السيّد رضا قد تغلّبت على هذه الصعوبة، فوضع التاريخ التالي وهو شاهد على منتهى ما يبلغ المتفنّن ممّا يتصوّر المتصوِّرون لملكات الصياغة اللفظية، والفنون الأدبية في ذلك العصر، فجاء التاريخ على هذا النحو:

صرخَ النادبونَ باسمِ ابنِ طه

وعليهِ لم تحبس الماءَ عين (1)

لم يصيبوا الحسينَ إلاّ فقيدا

حينما أرّخوه - أين الحسين

وحساب هذا التاريخ يجري بأن تتبّع الإشارة في صدر البيت التي تقضي تنزيل اسم الحسين باعتباره فقيداً من قوله: أين الحسين، فيكون التاريخ مجموع حروف (أين) وذلك سنة 61 للهجرة وهو المطلوب).

إنّ سيرة سيّدنا الرضا امتداد لسير الصالحين من علماء الأمّة، فقد كان مثالاً يُحتذى في الورع والتقى والنشاط فيما يرضي اللّه سبحانه، ولم تكن حياته إلاّ سجلاً حافلاً بكريم الخصال وعظيم الأعمال، وحسبه فخراً وشرفاً أنّ الدنيا أقبلت عليه في شرخ شبابه فأدبر عنها إدبار شيوخ

____________________

1 - ورد هذا البيت في الديوان على هذا النحو:

هتفَ النادبونَ باسمِ حسين

وعليهِ لم تحبس الدمعَ عين

١٢

الحكماء المؤمنين بالعمل للآخرة.

توفّي سيّدنا الرضا (رحمه اللّه) سنة 1362 للهجرة، فكان لوفاته صدى مروِّع في أوساط العلماء والصالحين، وفي كافة أرجاء المجتمع العراقي، وقد شُيّع جثمانه الطاهر من ناحية المشخاب حتى مركز قضاء أبي صخير محمولاً على أكتاف المشيّعين، ومن هناك أتّجه بالجثمان إلى النجف موكب من مئات السيّارات حيث كانت جماهير المدينة المقدّسة بانتظار الموكب المهيب على مسافة من الطريق، وحُمل الجثمان على الأعناق ثانية إلى الصحن العلوي الشريف، وقد صلّى عليه كبار العلماء المراجع ومن ورائهم مئات الوجوه من طلبة العلم وسائر الناس، وكان يوماً مشهوداً في النجف التي أغلقت أسواقها، ونشرت أعلامها السوداء في كلّ مكان، وقد دُفن في مقبرة أبيه وأخيه في داره الكائنة في محلّة الحويش من النجف الأشرف (قدّس اللّه سرّه).

القاهرة - مصر الجديدة - الدكتور عبد الصاحب الموسوي

غرّة رمضان 1406 هجرية

١٣

١٤

في النبيِّ وَآلِه (صَلَوات اللّه عَليهم)

١٥

١٦

في ذكرى

مولد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) (1)

أرى الـكونَ أضـحى نـورهُ يتوقَّد

لأَمـرٍ بـه نـيرانُ فـارسَ تخمُدُ

وإِيـوان كـسرى انشقَّ أعلاه مؤذنا

بــأنّ بـناءَ الـدينِ عـاد يُـشَيَّدُ

أرى أنَّ أُمَّ الـشِّرك أَضحت عقيمة

فـهل حـانَ من خيرِ النبيينَ مولدُ؟

نعم، كادَ يستولي الضلالُ على الورى

فـأقـبل يـهدي الـعالمينَ مـحمّدُ

***

نـبـيُّ بــراهُ اللهُ نــوراً بـعرشه

ومـا كـان شـيٌ فـي الـخليقةِ يوجدُ

وأودعـهُ مـن بـعدُ فـي صُـلبِ آدم

لـيـسترشدَ الـضُّلالُ فـيهِ ويـهتدوا

ولـو لـم يـكن في صُلبِ آدمَ مُودَعا

لـما قـال قِـدْماً لـلملائكةِ: اسـجدوا

لـهُ الـصدرُ بـينَ الأنـبياءِ وقـبلهم

عـلـى رأسـهِ تـاجُ الـنبوّةِ يُـعقدُ

لـئـن سـبـقوهُ بـالـمجيء فـإنَّما

أتــوا لـيـبثُّوا أمــرهُ ويُـمـهّدوا

رسـولٌ لـهُ قـد سـخَّرَ الـكونَ ربُّه

وأيَّــدَهُ فـهـو الـرسـولُ الـمؤيّدُ

ووحَّــدَهُ بـالـعزِّ بـيـنَ عـبـاده

لـيـجروا عـلى مـنهاجهِ ويُـوحِّدوا

وقـارنَ مـا بـينَ اسـمه واسمَ أحمد

فـجـاحدهُ، لا شـكَّ، لـلهِ يـجحدُ

____________________

1 - ألقاها نيابة عنه الاديب السيد خضر القزويني في احتفال جمعية الرابطة الادبية في النجف ليلة السابع عشر من ربيع الاول سنة 1353 هـ.

١٧

ومَــنْ كـانَ بـالتوحيدِ لـلهِ شـاهدا

فــذاكَ لـطـه بـالـرسالةِ يـشهدُ

ولــولاهُ مـا قـلنا ولا قـالَ قـائل

لـمـالكِ يـومِ الـدينِ: إيّـاكَ نـعبدُ

ولا أصـبحت أوثـانهم وهـيَ الـتي

لـها سـجدوا تـهوي خشوعاً وتسجدُ

* * *

لآمـنةَ الـبشرى مـدى الدهرِ إذْ غَدتْ

وفـي حـجرها خـيرُ الـنبيينَ يـولدُ

بـهِ بـشَّرَ الإنـجيلُ والـصُّحْفُ قبلَه

وإن حــاولَ الإخـفاء لـلحقّ مـلحدُ

(بسينا) دعا موسى و(ساعيرَ) مبعث

لـعيسى ومـن (فـاران) جاءَ محمّدُ

فـسلْ سِـفْرَ شـعيا مـا هتافهمُ الذي

بــهِ أُمــروا أن يـهتفوا ويُـمجّدوا

ومـن وَعَـدَ الـرحمنُ مـوسى ببعثه

وهـيـهات لـلرحمنِ يُـخْلَفُ مـوعدُ

وسـلْ مـن عنى عيسى المسيحَ بقوله

سـأُنزلهُ نـحو الـورى حـينَ أصعدُ

لـعـمركَ إنّ الـحقَ أبـيضُ نـاصح

ولـكـنّما حــظُّ الـمـعاندِ أســودُ

أيـخلدُ نـحو الأرض مـتّبعُ الـهوى

وعـمَّـا قـلـيلٌ فـي جـهنّم يـخلدُ

ولـولا الـهوى المغوي لما مالَ عاقل

عـن الحقّ يوماً، كيف والعقلُ مرشدُ؟

ولا كـانَ أصـنافُ النصارى تنصّروا

حـديـثاً ولا كـانَ الـيهودُ تـهوّدوا

أبـا الـقاسم أصـدع بـالرسالةِ منذرا

فـسيفكَ عـن هـامِ الـعدى ليسَ يُغمدُ

ولا تـخشَ مـن كـيدِ الأعادي وبأسهم

فـــإنّ عـلـيّاً بـالـحسامِ مُـقـلَّدُ

وهـل يـختشي كـيدَ المضلّينَ مَنْ له

أبــو طـالبٍ حـامٍ وحـيدرَ مـسعدُ

عـليُّ يـدُ الـهادي يـصولُ بها وكم

لـوالـدهِ الـزاكي عـلى أحـمدَ يـدُ

وهـاجرْ أبـا الزهراء عن أرضِ مكّة

وخــلِّ عـليّاً فـي فـراشكَ يـرقدُ

عـليكَ سـلامُ اللهِ يـا خـيرَ مـرسل

إلـيهِ حـديثُ الـعزِّ والـمجدِ يُـسندُ

حـباكَ إلـهُ الـعرشِ مـنهُ بـمعجز

تـبـيدُ الـلـيالي وهـو بـاقٍ مـؤبّدُ

دعــوتَ قـريشاً أن يـجيئوا بـمثله

فـما نـطقوا والـصمتُ بـالعيِّ يشهدُ

وكــم قـد وعـاهُ مـنهمُ ذو بـلاغة

فـأصـبحَ مـبـهوتاً يـقـومُ ويـقعدُ

١٨

وجـئتَ إلـى أهـلِ الـحجى بشريعة

صـفا لـهمُ مـن مـائها العذبُ موردُ

شـريـعةُ حــقٍ إن تـقادمَ عـهدها

فـمـا زالَ فـيـنا حُـسْـنُها يـتجدّدُ

عـلـيكَ سـلامُ اللهِ مـا قـامَ عـابد

بـجنحِ الـدّجى يـدعو ومـا دامَ معبدُ

١٩

الكوثرية (1)

أَمُـفَـلَّجُ ثـغرك أم جـوهرْ

ورحـيقُ رضـابكَ أم سُـكَّرْ

قـد قـالَ لـثغرك صـانعه:

(إنَّـا أعـطيناكَ الـكوثرْ)

والـخـالُ بـخدِّكَ أم مـسكٌ

نَـقَّطتَ بـهِ الـوردُ الأحمرْ

أم ذاك الـخالُ بـذاك الـخدِّ

فـتيتُ الـندِّ عـلى مـجمرْ

عـجباً مـن جـمرتهِ تـذكو

وبـهـا لا يـحترقُ الـعنبرْ

يـا مَـنْ تـبدو لـيَ وفرتُه

فـي صـبحِ مـحياهُ الأزهرْ

فـأُجَـنُّ بـهِ بـ (الـليلِ إذا

يغشى) (والصبحِ إذا أَسفرْ)

ارحـمْ أَرِقـاً لـو لم يمرض

بـنعاسِ جـفونكَ لـم يسهرْ

تَـبْـيَضُّ لـهـجركَ عـيناه

حـزنـاً ومـدامـعهُ تـحمرْ

يــا لـلـعشاقِ لـمـفتونٍ

بـهوى رشـأ أحـوى أحورْ

إن يـبدُ لـذي طـربٍ غنَّى

أو لاحَ لــذي نُـسُكٍ كَـبَّرْ

آمـنـتُ هــوىً بـنـبوته

وبـعـينيهِ سـحـرٌ يـؤثـرْ

أصـفيتُ الـودَّ لـذي مـللٍ

عـيـشي بـقـطيعتهِ كـدَّرْ

يـا مَـنْ قـد آثـرَ هـجراني

وعـلـيَّ بـلـقياهُ اسـتـأثرْ

أقـسمتُ عـليكَ بـما أولـتـ

كَ الـنضرة من حسنِ المنظرْ

وبـوجـهكَ إذ يـحمرُّ حـيا

وبـوجـهِ مـحبّكَ إذ يَـصْفَرْ

____________________

1 - نظمها سنة 1335 هـ، وطبعت عشرات المرات.

٢٠