أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 283793
تحميل: 9285


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 283793 / تحميل: 9285
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تركتني في الدّار ذا غربة(١)

قد ذلّ من ليس له ناصر

فقال: (ذا غربة) ولم يقل ذات غربة، لأنه أراد شخصا ذا غربة؛ وقال زياد الأعجم:

إنّ الشّجاعة والسّماحة ضمّنا

قبرا بمرو على الطّريق الواضح(٢)

فقال: (ضمنّا) ولم يقل ضمّنتا؛ قال الفرّاء: لأنه ذهب إلى أنّ السماحة والشجاعة مصدران، والعرب تقول: قصارة الثوب يعجبني؛ لأن تأنيث المصادر يرجع إلى الفعل، وهو مذكر.

وقال الفرزدق:

تجوب بنا الفلاة إلى سعيد

إذا ما الشّاة في الأرطاة قالا(٣)

فذكّر الوصف، لأنه أراد التيس؛ فأما الأرطاة فهي واحدة الأرطى، وهي(٤) شجر ينبت في الرمل تستظل بظلاله الظباء من الحرّ، وتأوي إليه، قال الشماخ:

إذا الأرطى توسّد أبرديه

خدود جوازىءٍ بالرّمل عين(٥)

____________________

(١) في العقد: (لي وحشة).

(٢) اللآلي ٩٢١؛ وبعده:

فإذا مررت بقبره فاعقر به

كوم الجلاد وكلّ طرف سابح

وفي ت، ونسخة بحاشيتي الأصل، ف: (إن السماحة والشجاعة).

(٣) ديوانه ٢: ٦١٧، وروايته: (فروحت القلوص إلى سعيد).

(٤) في نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (وهو).

(٥) ديوانه ٩٤، وفي حاشية ت (من نسخة): (توسط أبرديه)، وفي حواشي الأصل، ت، ف: (قبله:

إليك بعثت راحلتي تشكّى

هزالا بعد مقحدها السّمين

إذ بركت على شرف وألقت

عسيب جرانها كعصا الهجين

إذا الأرطى ...

المقحد: أصل السنام، والشرف: النجد من الأرض، وعسيب جرانها: صفحة العنق، والهجين:

الراعي، والجوازئ: التي اكتفت بالرطب عن الماء، وأبردا الأرطى: الغداة والعشي؛ وقال خالد بن كلثوم: أبرداه: ظلاه؛ الظل بالغداة والفيء بالعشي؛ وقال ابن دريد: معناه أن البقرة تتوسد بالغداة الأرطى الّذي يلي المغرب، فإذا دارت الشمس دارت معها إلى ناحية المشرق تتوسد الغصون التي مالت عنها الشمس). والعين: جمع عيناء؛ وهي الواسعة العين.

١٠١

وقوله: (قالا) من القيلولة لا من القول، على أن قوله تعالى:( إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) كما يدلّ على الرحمة يدلّ أيضا على (أن يرحم)، فإذا جعلنا الكناية بلفظة (ذلك) عن أن يرحم كان التذكير في موضعه؛ لأن الفعل مذكر، ويجوز أيضا أن يكون قوله تعالى( وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) كناية عن اجتماعهم على الإيمان، وكونهم فيه أمة واحدة؛ ولا محالة أنّه لهذا خلقهم؛ ويطابق هذه الآية قوله تعالى:( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالآنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) ؛ [الذاريات: ٥٦].

وقد قال قوم في قوله تعالى:( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) معناه أنه لو شاء أن يدخلهم أجمعين الجنة، فيكونوا في وصول جميعهم إلى النعيم أمة واحدة، وأجرى هذه الآية مجرى قوله تعالى:( وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ) ؛ [السجدة: ١٣].

في أنه أراد: هداها إلى طريق الجنة، فعلى هذا التأويل أيضا يمكن أن ترجع لفظة (ذلك) إلى إدخالهم أجمعين إلى الجنة، لأنه إنما خلقهم للمصير إليها والوصول إلى نعيمها.

فأما قوله تعالى:( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) فمعناه الاختلاف في الدين والذهاب عن الحق فيه بالهوى والشبهات.

وذكر أبو مسلم ابن بحر في قوله:( مُخْتَلِفِينَ ) وجها غريبا وهو أن يكون معناه أن خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر، لأنه سواء قولك: خلف بعضهم بعضا، وقولك: اختلفوا(١) ، وسواء قولك: قتل بعضهم بعضا، واقتتلوا؛ ومنه قولهم: لا أفعل كذا ما اختلف العصران والجديدان، أي جاء كلّ واحد منهما بعد الآخر.

فأمّا الرحمة فليست رقة القلب كما ظنه السائل، لكنها فعل النّعم والإحسان، يدلّ على ذلك أنّ من أحسن إلى غيره، وأنعم عليه يوصف بأنه رحيم به، وإن لم يعلم منه رقة قلب عليه، بل وصفهم بالرحمة من لا يعهدون منه رقّة القلب أقوى من وصفهم الرقيق القلب بذلك؛ لأنّ مشقة النعمة والفضل والإحسان على من لا رقّة عنده أكبر منها على الرقيق القلب، وقد علمنا أنّ من رقّ قلبه لو امتنع من الإفضال والإحسان لم يوصف بالرحمة، وإذا أنعم

____________________

(١) حاشية الأصل: (سمي الاختلاف اختلافا لأن الكلام يخلف بعضه بعضا).

١٠٢

وصف بذلك، فوجب أن يكون معناها ما ذكرناه؛ على أنه لا يمتنع أن يكون معنى الرحمة في الأصل ما ذكرتم(١) ، ثم انتقل بالتعارف إلى ما ذكرناه كنظائره. وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه هدى ورحمة من حيث كان نعمة، ولا يتأتّى في القرآن ما ظنوه(٢) ؛ وإنما وصفت رقة القلب بأنها رحمة؛ لأنّها ممّا تجاوره الرحمة التي هي النعمة في الأكثر، وتوجد عنده، فحلّ محلّ وصف الشهوة بأنّها محبة لما كانت توجد عندها المحبة في الأكثر؛ وليست الرحمة مختصة بالعفو؛ بل تستعمل في ضروب النّعم، وصنوف الإحسان؛ ألا ترى أنّا نصف المنعم على غيره، المحسن إليه بالرحمة، وإن لم يسقط عنه ضررا، ولا تجاوز له عن زلّة؛ وإنما سمي العفو عن الضرر وما جرى مجراه رحمة من حيث كان نعمة؛ لأنّ النعمة بإسقاط الضرر تجري مجرى النعمة بإيصال النفع، فقد بان بهذه الجملة معنى الآية، وبطلان ما ضمنه السائل سؤاله.

فإن قيل: إذا كانت الرحمة هي النعمة، وعندكم أن نعم الله تعالى شاملة للخلق أجمعين، فأي معنى لاستثناء( مَنْ رَحِمَ ) من جملة المختلفين إن كانت الرحمة هي النعمة؟ وكيف يصحّ اختصاصها بقوم دون قوم وهي عندكم شاملة عامّة؟

قلنا: لا شبهة في أنّ نعم الله شاملة للخلق أجمعين؛ غير أنّ في نعمه أيضا ما يختصّ بها بعض العباد(٣) ، إما لاستحقاق، أو لسبب يقتضي الاختصاص فإذا حملنا قوله تعالى:( إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) على النعمة بالثواب، فالاختصاص ظاهر، لأن النعمة به لا تكون إلا مستحقّة، فمن استحقّ الثواب بأعماله وصل إلى هذه النعمة، ومن لم يستحقّه لم يصل إليها.

وإن حملنا الرحمة في الآية على النعمة بالتوفيق للايمان واللطف الّذي وقع بعده فعل الإيمان كانت هذه النعمة أيضا مختصّة، لأنّه تعالى إنما لم ينعم على سائر المكلّفين بها؛ من حيث

____________________

(١) ت، حاشية الأصل (من نسخة): ما ذكر.

(٢) س: (قالوه).

(٣) ت: (الخلق).

١٠٣

لم يكن في معلومه تعالى أنّ لهم توفيقا، وأنّ في الأفعال ما يختارون عنده الإيمان؛ فاختصاص هذه النعم ببعض العباد لا يمنع من شمول نعم أخر لهم؛ كما أن شمول تلك النعم لا يمنع من اختصاص هذه.

تأويل خبر [ (ممّا أدرك الناس من كلام النبوّة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت).]

روى أبو مسعود البدري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (ممّا أدرك الناس من كلام النبوّة الأولى إذا لم تستحي فاصنع(١) ما شئت).

وفي هذا الخبر وجوه من التأويل ثلاثة:

أحدها أن يكون معناه: إذا عملت العمل للّه جلّ وعزّ وأنت لا تستحيي من الناظرين إليك، ولا تتخوّفهم(٢) أن ينسبوك فيه إلى الرياء صنعت ما شئت، لأن فكرك فيهم، ومراقبتك لهم يقطعانك عن استيفاء شروط عملك، ويمنعانك من القيام بحدوده وحقوقه؛ وإذا اطّرحت الفكر توفّرت على استيفاء عملك.

والوجه الثاني أنّ من لم يستحي من المعاير والمخازي والفضائح صنع ما شاء، والظاهر(٣) ظاهر أمر، والمعنى معنى تغليظ وإنكار؛ مثل قوله تعالى:( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ) ؛ [فصلت: ٤٠]، وقوله عز وجل:( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) ؛ [الكهف: ٢٩]؛ وهذا نهاية التغليظ والزجر والإخبار عن كبر(٤) الذنب في اطّراح الحياء؛ ويجري مجرى قولهم: بعد أن فعل فلان كذا فليفعل ما يشاء، وبعد أن أقدم على كذا فليقدم على ما شاء؛ والمعنى المبالغة في عظم ما ارتكبه، وقبح(٥) ما اقترفه.

والوجه الثالث أن يكون معنى الخبر إذا لم تفعل ما تستحيي منه فافعل ما شئت؛

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (فافعل).

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (خاف وتخوف بمعنى).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (فالظاهر).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (عظم الذنب).

(٥) ت، د، ف، حاشية الأصل (من نسخة): (وقبيح).

١٠٤

فكأنّ معنى(١) الخبر إذا لم تفعل قبيحا فافعل ما شئت، لأنه لا قبيح(٢) من ضروب القبائح إلا والحياء يصاحبه، ومن شأن فاعله إذا قرّع به أن يستحيي منه، فمتى جانب الإنسان ما يستحي منه من أفعاله فقد جانب سائر القبائح، وما عدا القبيح من الأفعال فهو حسن.

ويجري هذا مجرى خبر يروى فيما أظن عن نبيناعليه‌السلام أنّ رجلا جاءه(٣) فاسترشده إلى خصلة يكون فيها جماع الخير، فقال لهعليه‌السلام : (أشترط عليك ألاّ تكذبني، ولن أسألك(٤) ما وراء ذلك)، فهان على الرجل ترك الكذب خاصّة، والمعاهدة على اجتنابه دون سائر القبائح، وشرط على نفسه ذلك، فلمّا انصرف جعل كلّما همّ بقبيح يفكّر(٥) ويقول: أرأيت لو سألني عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كنت قائلا له، لأنني إن صدقته افتضحت، وإن كذبته نقضت العهد بيني وبينه؛ فكان ذلك سببا لاجتنابه لسائر القبائح(٦) ، وهكذا معنى الخبر الّذي تأوّلناه؛ لأن في اجتناب ما يستحي منه اجتنابا لسائر القبائح.

____________________

(١) م: (المعنى).

(٢) م: (لا ضرب).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (أتاه).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (عما).

(٥) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (يفكر)؛ بإسكان الفاء وكسر الكاف.

(٦) حاشية ف: (قال السيد الإمام ضياء الدين: وفي رواية أخرى أن رحلا أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأسلم ثم قال: أنا أؤاخذ من الذنوب بما ظهر، وأنا أستسر بخلال أربع: الزنا والسرقة وشرب الخمر والكذب؛ فأيتهن أحببت تركت، قال: دع الكذب؛ فلما تولى من عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هم بالزنا؛ فقال: يسألني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن جحدت تقضت ما جعلت، وإن أقررت حددت، ثم هم بالسرقة ثم يشرب الخمر؛ فتفكر في مثل ذلك، فرجع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يارسول الله، تركتهن أجمع. قال السيد: إنما كتبت هذه الرواية هاهنا؛ لأن هذه مفصلة، وتلك مجملة، ولأني رأيت السيد غير محقق فيما أورده).

١٠٥

تأويل خبر آخر [خبر علي بن أبي طالب ومارية القبطية، وتفسير ما ورد فيه من غريب]

روى محمد بن الحنفيّة رحمة الله عليه عن أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: كان قد كثّر على مارية القبطيّة أم إبراهيم في ابن عم لها قبطي كان يزورها، ويختلف إليها، فقال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (خذ هذا السيف وانطلق، فإن وجدته عندها فاقتله). قلت:

يارسول الله، أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسّكّة(١) المحمّاة، أمضي لما أمرتني، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب). فأقبلت متوشّحا(٢) بالسيف، فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما أقبلت نحوه عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقى إليها، ثم رمى بنفسه على قفاه، وشغر برجليه، فإذا إنه أجبّ أمسح، ماله ممّا للرجال قليل ولا كثير، قال: فغمدت السيف ورجعت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته، فقال: (الحمد للّه الّذي يصرف(٣) عنّا أهل البيت).

قال سيدنا الشريف المرتضى أدام الله علوّه: فى هذا الخبر أحكام وغريب، ونحن نبدأ بأحكامه، ثم نتلوها بغريبه.

فأول ما فيه أن لقائل أن يقول: كيف يجوز أن يأمر الرسولعليه‌السلام بقتل رجل على التّهمة(٤) بغير بينة ولا ما يجري مجراها؟ والجواب عن ذلك أن القبطي جائز أن يكون من أهل العهد الذين أخذ عليهم أن تجري فيهم(٥) أحكام المسلمين، وأن يكون الرسولعليه‌السلام تقدم إليه بالانتهاء عن الدخول إلى مارية، فخالف وأقام على ذلك، وهذا نقض للعهد، وناقض

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (السكة: الحديدة التي تكون على طرف آلة الفدان، والفدان آلة الأكرة).

(٢) توشحت بالسيف؛ إذا تقلدته.

(٣) حاشية ت من نسخة: (صرف)، ود: (صرف عنا الرجس أهل البيت)، وط، م: (يصرف عنا الرجس أهل البيت).

(٤) في حواشي الأصل، ت، ف: (التهمة؛ بالتحريك هو الصحيح).

(٥) حاشية ت (من نسخة): (عليهم).

١٠٦

العهد من أهل الكفر مؤذن بالمحاربة؛ والمؤذن بها مستحقّ للقتل.

فأما قوله: (بل(١) الشاهد يرى ما لا يرى الغائب(١) ) فإنما عني به رؤية العلم لا رؤية البصر لأنه لا معنى في هذا الموضع لرؤية البصر، فكأنه عليه وآله السلام قال: بل الشاهد يعلم؛ ويصحّ له من وجه الرأي والتدبير ما لا يصحّ للغائب؛ ولو لم يقل ذلك لوجب قتل الرجل على كل حال، وإنما جاز منه عليه الصلاة والسلام أن يخيّر بين قتله والكفّ عنه، ويفوض الأمر في ذلك إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام من حيث لم يكن قتله من الحدود والحقوق، التي لا يجوز العفو عنها، ولا يسع إلا إقامتها، لأن ناقض العهد ممّن إلى الإمام القائم بأمر(٢) المسلمين إذا قدر عليه قبل التوبة أن يقتله، أو أن يمنّ عليه.

ومما فيه أيضا من الأحكام اقتضاؤه أن مجرد أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقتضي الوجوب، لأنه لو اقتضى ذلك لما حسنت مراجعته ولا استفهامه؛ وفي حسنها ووقوعها موقعها دلالة(٣) على أنها لا تقتضي ذلك.

ومما فيه أيضا من الأحكام دلالته على أنه لا بأس بالنظر إلى عورة الرجل عند الأمر ينزل فلا يوجد من النظر إليها بدّ إمّا لحدّ يقام، أو لعقوبة تسقط، لأن العلم بأنه أمسح أجبّ لم يكن إلا عن تأمّل ونظر، وإنما جاز التأمل والنظر لتبيين: هل هو ممّن يكون منه ما قرف به أولا، والواجب على الإمام فيمن شهد عليه بالزنا، وادّعى أنه مجبوب أن يأمر بالنظر إليه، وتبيين أمره، وبمثله أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قتل مقاتلة بني قريظة، لأنه أمر أن ينظروا إلى مؤتزر، وكلّ من أشكل عليهم أمره، فمن وجدوه قد أنبت قتلوه، ولولا جواز النظر إلى العورة عند الضرورة لما قامت شهادة الزنا؛ لأن من رأى رجلا مع امرأة واقعا عليها متى لم يتأمل أمرهما حقّ التأمل لم تصحّ شهادته، ولهذا قال النبي

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (بل لا يرى الشاهد ما يرى الغائب).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (بأمور).

(٣) ط: (وفي حسنها ووقعها دلالة.. )، م: (وفي حسنها ووقعها موقعها).

١٠٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله لسعد بن عبادة، وقد سأله عمّن وجد مع امرأته رجلا، أيقتله؟  فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا، حتى يأتي بأربعة شهداء، ولو لم يكن للشهداء إذا حضروا تعمّد النظر إلى عورتيهما لإقامة الشهادة كان حضورهم كغيبتهم، ولم تقم شهادة الزّنا؛ لأن من شرطها مشاهدة العضو في العضو كالميل في المكحلة.

فإن قيل: كيف جاز لأمير المؤمنين الكفّ عن القتل، ومن أي جهة آثره لما وجده أجبّ، وأي تأثير لكونه أجبّ فيما استحقّ به القتل وهو نقض العهد؟ قلنا: إنهعليه‌السلام لما فوّض إليه الأمر في القتل والكفّ كان له أن يقتله على كلّ حال، وإن وجده أجبّ؛ لأنّ كونه بهذه الصفة لا يخرجه من نقض العهد، وإنما آثر الكفّ الّذي كان إليه، ومفوّضا إلى رأيه، لإزالة التهمة والشك الواقعين في أمر مارية، ولأنه أشفق من أن يقتله، فيتحقّق الظنّ ويلحق بذلك العار، فرأىعليه‌السلام أن الكفّ أولى لما ذكرناه.

فأمّا غريب الحديث(١) فقوله: (شغر(٢) برجليه) يريد رفعهما(٢) ، وأصله في وصف الكلب إذا رفع رجله للبول، فأما نكاح الشّغار(٣) - وقد قيل الشّغار بالفتح - فهو أن يزوّج الرجل من هو ولي لها من بنت أو أخت غيره، على أن يزوجه بنته أو أخته بغير مهر. وكان أحد العرب في الجاهلية يقول للآخر: شاغرني؛ أي زوّجني حتى أزوّجك؛ وأظنه مأخوذا من الشّغر الّذي هو رفع الرجل، لأن النكاح فيه معنى الشّغر، فسمّى هذا العقد شغارا ومشاغرة، لإفضائه في كل واحد من المزوّجين(٤) إلى معنى الشّغر، وصار اسما لهذا النكاح كما قيل في الزنا سفاح، لأن الزانيين يتسافحان الماء، أي يسكبانه، والماء هو النّطفة، ويمكن أن يكون أيضا الماء الّذي يغتسلان به، فكنّى بذلك عن الزناء(٥) ثم صار اسما له وعلما عليه.

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (الخبر).

(٢ - ٢) حاشية ت (من نسخة): (برجليه يريد رفعهما).

(٣) ت، ف: (الشغار، بالكسر).

(٤) ت، ف: (المتزوجين).

(٥) حاشية ف: (الزنا والزناء كلاهما صحيح).

١٠٨

ومن الشّغر الّذي هو رفع الرجل قول زياد لابنة معاوية، وكانت عند ابنه، فافتخرت يوما عليه، وتطاولت، فشكاها إلى أبيه زياد، فدخل عليها بالدّرّة يضربها، ويقول لها أشغرا وفخرا! وأما قول الفرزدق:

شغّارة تقذ الفصيل برجلها

فطّارة لقوادم الأبكار(١)

 فإنه من غريب شعره، وفسره قال: معنى (شغارة) أنها ترفع رجلها للبول، وقوله: (تقذ الفصيل برجلها)، أي تركله وتدفعه عن الدنوّ إلى الرّضاع، ليتوفّر اللبن على الحلّب، وأراد (بتقذه)(٢) ، أي تبالغ في إيلامه وضربه، ومنه الموقوذة(٣) ؛ فأما قوله: (فطّارة لقوادم الأبكار)، فالفطر هو الحلب بثلاث أصابع، والقوادم هي الأخلاف، وإنما خصّ الأبكار بذلك؛ لأنّ صغر أخلافها يمنع من حلبها ضبّا(٤) ، والضبّ هو الحلب بالأصابع الأربع(٥) ؛ فكأنه لا يمكن فيها لقصر أخلافها إلا الفطر؛ ومعنى البيت تعييره نساء جرير بأنهنّ راعيات، وذلك مما تعيّر به العرب النساء؛ ألا ترى إلى قوله قبل هذا البيت:

كم عمّة لك ياجرير وخالة

فدعاء قد حلبت عليّ عشاري(٦)

كنا نحاذر أن تضيع لقاحنا

ولها إذا سمعت دعاء يسار(٧)

ثم تلا ذلك بقوله: شغارة ...

قال سيدنا المرتضى أدام الله علوه: وعندي أن قوله (شغّارة) كناية عن رفع رجلها للزنا، وهو أشبه بأن يكون مراده في هذا الموضع، ألا ترى أنه قد وصفها بالوله، وترك

____________________

(١) ديوانه ٢: ٤٥٢.

(٢) ف حاشية ت (من نسخة): (تقذ).

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (الموقوذة: الشاة التي يرميها الراغي بالعصا فتموت).

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (ضفا؛ والضعف هو الحلب).

(٥) م: (الأربع كلها).

(٦) في حاشيتي الأصل، ف. (الفدع: اعوجاج في الزند، وعلى تتعلق بمحذوف، كأنه قال:

متخففة عليّ، أو قائمة عليّ)، والعشار: جمع عشراء؛ وهي الناقة التي أتى عليها من وضعها عشرة أشهر).

(٧) في حاشيتي الأصل، ف: (اللقاح: جمع لقحة؛ وهي الناقة الحديثة العهد بالنتاج).

١٠٩

حفظ اللّقاح عند سماعها دعاء يسار؛ ويسار اسم لراع؛ فكأنه قد وصفها بالوله إلى الزّنا والإسراع إليه، وترك حفظ ما استحفظته من اللّقاح؛ فالأشبه أن يكون قوله: (شغّارة) - مع كونه عقيب البيت الّذي ذكرناه - محمولا على ما أشرنا إليه.

فأما قولهم: ذهبوا شغر بغر فليس من هذا في شيء وإنما يراد به أنهم ذهبوا متفرّقين متشتتين، ومثله ذهبوا عباديد وعبابيد، وشعاليل وشعارير وأيادي(١) سبا؛ كلّ ذلك بمعنى واحد.

وأما قوله: (فإذا أنه أجبّ)، فيعني به المقطوع الذكر؛ لأن الجبّ هو القطع؛ ومنه بعير أجبّ إذا كان مقطوع السّنام: وقد ظن بعض من تأول هذا الخبر أن الأمسح هاهنا هو القليل لحم الألية، كالأرصع والأرسح والأزلّ(٢) ، وهذا غلط، لأن الوصف بذلك لا معنى له في الخبر، وإنما أراد تأكيد الوصف له بأنه أجبّ، والمبالغة فيه، لأن قوله: (أمسح) يفيد أنه مصطلم(٣) الذّكر، ويزيد على معنى أجبّ زيادة ظاهرة.

***

[ما قالته العرب في أحوال القمر، وتفسير ما ورد في ذلك من الغريب]

أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدثني القاسم بن الحسين الورّاق قال حدثنا سليمان ابن داود الطّوسي قال حدّثنا سوّار بن عبد الله القاضي عن الأصمعي قال: دخلت على

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (أيادي، يجوز أن تكون نصبا على الحال، وعلى المصدر أيضا؛ فإذا كان حالا كان التقدير: تفرقوا أمثال أيادي سبا، وإذا كان مصدرا فالتقدير: تفرقوا تفرق أولاد سبا). وفي حواشي الأصل، ت، ف أيضا: (يقال تفرقوا أيادي سبا، وفي معناه قولان: أحدهما أنه سبأ بن يشجب، والأيادي: الأولاد، وفيه إنه من السبي، ووزنه فعل؛ وحينئذ ينصرف، وإنما صار الأولاد أيادي؛ لأنه يستعان بهم كما يستعان بالأيادي، والأيادي جمع الجمع، يد وأيد وأياد).

(٢) حاشية ف: (الأرصع والأرسح والأزل: قليل لحم الورك).

(٣) حاشية ف. (مصطلم: مقطوع الذكر).

١١٠

الرشيد(١) في الليل، فتذاكرنا أحوال القمر، فقلت: العرب تقول للقمر إذا كان ابن ليلة: ما أنت ابن ليلة(٢) ؟ قال: رضاع سخيلة، حلّ أهلها برميلة. قيل له: ما أنت(٣) ابن ليلتين؟

قال: حديث أمتين، بكذب ومين. قيل له: ما أنت ابن ثلاث؟ قال: قليل اللّباث - وقيل أيضا: حديث فتيات، غير جدّ مؤتلفات - قيل له: فما أنت ابن أربع؟ قال: عتمة أمّ ربع - وقيل: عتمة أم الرّبع(٤) - غير جائع ولا مرضع. قيل له: فما أنت(٥) ابن خمس؟

قال: عشاء خلفات قعس - ويقال: حديث وأنس، ويقال: سر ومسّ(٦) - قيل له:

ما أنت(٧) ابن ست؟ قال سر وبت - وقيل: تحدّث(٨) وبت - قيل له: ما أنت(٩) ابن

____________________

(١) حاشية ف: (حدث عبيد الله بن محمد التيمي قال: أراد الرشيد سفرا؛ وأمر الناس أن يتأهبوا لذلك، وأعلمهم أنه خارج بعد الأسبوع؛ فمضى الأسوع ولم يخرج، فاجتمعوا إلى المأمون يسألونه أن يستعلم ذلك؛ ولم يكن الرشيد يعلم أن المأمون يقول الشعر؛ فكتب إليه المأمون:

ياخير من خبّت المطي به

ومن تقدّى بسرجه فرس

هل غاية في المسير نعرفها

أم أمرنا في المسير ملتبس

ما علم هذا إلاّ إلى ملك

من نوره في الظّلام يقتبس

إن سرت سار الرّشاد متّبعا

وإن تقف بالرّشاد يحتبس

فقرأها الرشيد وسرّ بها، ووقع فيها: يابنيّ، ما أنت والشعر! أما علمت أن الشعر أرفع حالات الدنى، وأقل حالات السرى! والمسير إلى ثلاث إن شاء الله.

 - قول المأمون في شعره: (ومن تقدى بسرجه فرس)، تقدى أي استمر؛ كما قال ابن قيس الرقيات:

تقدّت بي الشّهباء نحو ابن جعفر

سواء عليها ليلها ونهارها

أي استمرت وجرت قاصدة إليك).

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (أي أستفهمك عن نفسك في حال كونك ابن ليلة).

(٣) ط، م: (فما أنت).

(٤) د، حاشية ف (من نسخة): (أم ربع).

(٥) ت، د: (ما أنت).

(٦) في حاشيتي ت، ف: (مس، أي ليكن سيرك مساء للضوء).

(٧) ط، م: (فما أنت).

(٨) ف، حاشية الأصل (من نسخة): (حدث).

(٩) د، ت، ف: (قيل: ما أنت). ط، م: (قيل فما أنت).

١١١

سبع؟ قال دلجة(١) ضبع(٢) - وقيل هدى لأنس(٣) ذي الجمع، وقيل: حديث جمع، وقيل:

يضفر في النّسع(٤) ، وقيل: يلتقط في الجزع - قيل: ما أنت ابن ثمان؟ قال: قمر إضحيان(٥) .

قيل: له: ما أنت ابن تسع؟ قال منقطع الشّسع - وقيل يلتقط في الجزع، وقيل:

الودع(٦) ، وقيل عشيّة أهل جمع - قيل له: ما أنت ابن عشر؟ قال: ثلث الشهر، - وقيل: مخنّق الفجر، وقيل: أؤدّيك إلى الفجر، وقيل: أبادر الفجر - قيل له: ما أنت ابن إحدى عشرة(٧) ؟ قال: أطلع عشاء، وأرى بكرة - وقيل: أغيب بسحرة - قيل:

له ما أنت ابن اثنتى عشرة؟ قال: مؤنق للبشر(٨) ، بالبدو والحضر. قيل: ما أنت ابن ثلاث عشرة؟ قال: قمر باهر، يعشى له الناظر؛ قيل له: ما أنت ابن أربع عشرة؟ قال: مقتبل الشباب، أضيء مد جنات(٩) السّحاب - وقيل مضيء(١٠) للسحاب - قيل له: ما أنت ابن خمس عشرة؟ قال: تمّ الشّباب، وانتصف الحساب.

____________________

(١) س: (بضم الدال)، ت: (بضم الدال وفتحها معا).

(٢) في نسخة بحاشيتي ت، ف: (الضبع).

(٣) ج، ص: (لأنس ذي الجمع)، بتنوين السين.

(٤) النسع: سير مضفور مثل الأعنة.

(٥) ت، ص: (قمر إضحيان)، بالإضافة؛ وفي حاشية الأصل (من نسخة): (قمر أضحيان)، بضم الهمزة. وفي حواشي الأصل، ت، ف: (قمر إضحيان وليلة ضحيانة، بالكسر؛ هو المعروف الصحيح).

(٦) الودع: خرز أبيض يخرج من البحر؛ معروف.

(٧) في حاشيتي ت، ف: (يقال: إن ما بعد العشر موضوع لم يرو عن قدماء العرب).

(٨) في نسخة بحاشيتي ت، ف: (موفق البشر).

(٩) حاشية ف: (أضيء مدجنات السحاب؛ التقدير: السحاب المدجنات؛ وهذا من باب ما يقال له إضافة الصفة إلى الموصوف في الظاهر؛ كقول: مررت بحسان النساء، وجسام الرجال؛ أي النساء الحسان والرجال الجسام).

(١٠) ت، ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (مضيء السحاب).

١١٢

قيل له: ما أنت(١) ابن ست عشرة؟ قال: نقص(٢) الخلق، بالغرب والشرق. قيل له:

ما أنت ابن سبع عشرة؟ قال: أمكنت المقتفر القفرة(٣) . قيل له ما أنت ابن ثماني عشرة(٤) ؟ قال: قليل البقاء، سريع الفناء. قيل له: ما أنت ابن تسع عشرة؟ قال: بطيء الطلوع بيّن الخشوع. قيل: ما أنت ابن عشرين؟ قال: أطلع بسحرة، وأضيء بالبهرة(٥) - وقيل: ثم أهجّر(٦) بالبهرة - قيل: ما أنت ابن إحدى وعشرين؟

قال: كالقبس؛ يرى بالغلس. قيل: ما أنت ابن اثنين وعشرين؟ قال:

لا أطلع إلا ريثما أرى. قيل: ما أنت ابن ثلاث وعشرين، قال: أطلع في قتمة، ولا أجلو الظّلمة. قيل له: ما أنت ابن أربع وعشرين؟ قال: لا قمر ولا هلال. قيل: ما أنت ابن خمس وعشرين؟ قال: دنا الأجل، وانقطع الأمل. قيل: ما أنت ابن ست وعشرين؟

قال: دنا ما دنا؛ فلا يرى منّي إلا شفا. قيل: ما أنت ابن سبع وعشرين؟ قال: أطلع بكرا، ولا أرى ظهرا. قيل: ما أنت ابن ثمان وعشرين؟ قال: أسبق شعاع الشمس. قيل:

ما أنت ابن تسع وعشرين؟ قال: ضئيل صغير، فلا يراني إلا البصير. قيل: ما أنت ابن ثلاثين؟ قال: هلال مستنير(٧) .

قال الأصمعي: ثم قلت للرشيد: يقال إنه لا يحفظ هذا الحديث من الرجال إلا عاقل،

____________________

(١) ت، ف: (قيل ما أنت).

(٢) م: (ناقص الخلق).

(٣) حاشية ف (من نسخة): (المقفرة).

(٤) في نسخة حاشيتي الأصل، ف: (ثمان عشرة).

(٥) في حاشيتي الأصل، ف (البهرة: نصف الليل؛ يقال ابهار الليل؛ إذا انتصف، وبهرة كل شيء وسطه). ص: (البهرة البهرة: الوسط من كل شيء، وكأنه إشارة إلى نصف النهار؛ ويدل عليه ذكر التهجير؛ والله أعلم).

(٦) في حاشيتي الأصل، ف: (معنى قوله: (أهجر بالبهرة)، أي أطلع نصف الليل، واستعمل الهجير؛ وهو نصف النهار في الليل استعارة).

(٧) ف، وحاشية ت (من نسخة): (مستسر)، وفي نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (مستسر)، وفي حاشية ف: (مستسر، من السرار؛ وهو آخر الشهر). وفي حاشية الأصل أيضا (من نسخة): (مستبين).

١١٣

فقال: خذه عليّ، قلت: هات، فأعاده حتّى بلغ: (قيل له: ما أنت ابن ثمان؟ قال:

قمر أضحيان).

أما قوله: (رضاع سخيلة) أراد تصغير سخلة، والمعنى أنّ القمر يبقى بقدر ما ينزل قوم، فتضع شاتهم سخلة، ثم ترضعها ويرتحلون، فبقاؤه بالأفق بمقدار هذا الزمان. وقوله: (حلّ أهلها برميلة) أظنّ أنّ المعنى فيه الإخبار عن قلة اللّباث وسرعة الانتقال؛ لأن الرّمل ليس بمنزل مقام للقوم؛ لأنهم كانوا يختارون في منازلهم جلد(١) الأرض وهضبها والأماكن التي لا تستولي السيول عليها، فخصّ الرّميلة لهذا المعنى. وقوله (حديث أمتين، بكذب ومين) يريد أن بقاءه قليل بمقدار ما تلقى الأمة الأمة، فتكذب لها حديثا ثم تفترقان. وقوله: (حديث فتيات، غير جدّ مؤتلفات)، أراد أنه يبقى بقاء فتيات اجتمعن على غير ميعاد، فتحادثن ساعة ثم انصرفن غير مؤتلفات. وقوله (عتمة أم ربع(٢) )، يقال: عتّمت إبله إذا تأخرت عن العشاء، ومن هذا سميّت صلاة العتمة؛ لأنها آخر الوقت في العشاء، وقوله (أم ربع) يعني الناقة، وهو تأخير حلبها؛ يريد أن بقاءه بمقدار ما تحلب(٣) ناقة لها ولد ولدته في أول الربيع؛ وهو أول النّتاج، والولد في هذا الوقت يسمّى ربعا، إذا كان ذكرا، فإن كان أنثى قيل ربعة، فإن كان في آخر النّتاج قيل هبع للذكر وللأنثى هبعة. وقوله: (عشاء خلفات قعس)؛ فالخلفات اللّواتي قد استبان حملهن، واحدتها خلفة، وهي المخاض؛ ولا واحد للمخاض من لفظها(٤) ، وإنما قال: (عشاء خلفات)؛ لأنها لا تعشّى إلى أن يغيب القمر في هذه الليلة، والقعساء الداخلة الظّهر الخارجة البطن. وقوله: (سر وبت) يريد أنه لا يبقى إلا بقدر(٥) ما يبيت الإنسان ثم يسير(٥) ، يريد أنه يبقى بقدر ما يسير الإنسان ثم يبيت،

____________________

(١) الجلد من الأرض: الصلب المستوى.

(٢) ط، م: (أم الربع).

(٣) في نسخة بحاشيتي ت، ف: (حلب ناقة).

(٤) كذا في ش، وفي ج: (لفظه).

(٥ - ٥) من نسخة بحاشيتي الأصل، في (ما يسير الإنسان ثم يبيت).

١١٤

فقلب المعنى لأنه يسير في الضوء.

وقوله: (قمر إضحيان)؛ أي ضاح وبارز، ويقال: (قمر إضحيان) بالتنوين فيهما جميعا، و (قمر إضحيان) بالإضافة، ومنه قيل: ليلة إضحيانة، إذا كانت نقيّة البياض.

وقوله: (منقطع الشّسع)، أراد أنه يبقى بقدر ما تبقّى شسع من قد يمشي به حتى ينقطع.

وقوله: (يلتقط في الجزع)، أي أنه مضيء أبلج، لو انقطعت مخنقة فتاة فيها شذور مفصّلة بجزع ما ضاع منها شيء لضيائه ونقائه. وقوله: (أضيء بالبهرة)، يعني به وسط الليل، لأن بهرة الشيء وسطه. وقوله: (أمكنت المقتفر القفرة)؛ فالمقتفر الّذي يتبع الآثار، ومقتفراته مواضعه التي يقصدها(١) .

____________________

(١) في نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (وقفرته: موضعه الّذي يقصده).

١١٥

[٧]

مجلس آخر [المجلس السابع:]

تأويل آية( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى ... )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) ؛ [الإسراء: ٧٢] فقال: كيف يجوز أن يكونوا في الآخرة عميا، وقد تظاهر الخبر عن الرسول عليه وآله السلام بأنّ الخلق يحشرون كما بدئوا سالمين من الآفات والعاهات، قال الله تعالى:( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) ؛ [الأعراف: ٢٩]، وقال عزّ وجل:( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) ؛ [الأنبياء: ١٠٤]، وقال جلّ وعلا:( فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ؛ [ق: ٢٢].

الجواب، يقال في هذه الآية أربعة أجوبة(١) :

أحدها أن يكون العمى الأول إنما هو عن تأمّل الآيات، والنظر في الدّلالات والعبر التي أراها الله المكلّفين في أنفسهم وفيما يشاهدون، ويكون العمى الثاني هو عن الإيمان بالآخرة، والإقرار بما يجازي به المكلّفون فيها من ثواب أو عقاب، وقد قال قوم:

إن الآية متعلّقة بما قبلها من قوله تعالى:( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ) ؛ [الإسراء: ٦٦] إلى قوله تعالى:( وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً ) ؛ [الإسراء: ٧٠]، ثم قال بعد ذلك:( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) ؛ يعني(٢) في هذه النعم، وعن هذه العبر، فهو في الآخرة أعمى؛ أي هو عمّا غيّب عنه من أمر الآخرة أعمى، ويكون قوله: فِي هذِهِ كناية عن النّعم لا عن الدنيا ويقال: إن ابن عباس رحمة الله عليه سأله سائل عن هذه الآية فقال له: اتل ما قبلها، ونبّهه على التأويل الّذي ذكرناه.

____________________

(١) م: (أوجه).

(٢) د، ف، حاشية ت (من نسخة): (يعني عن هذه النعم).

١١٦

والجواب الثاني:( مَنْ كانَ فِي هذِهِ ) يعني الدنيا أَعْمى عن الإيمان بالله والمعرفة بما أوجب عليه المعرفة به؛ فهو في الآخرة أعمى عن الجنة والثواب؛ بمعنى أنه لا يهتدي إلى طريقيهما(١) ، ولا يوصل إليهما، أو عن الحجة(٢) إذا سوئل(٣) وو وقف، ومعلوم أن من ضلّ عن معرفة الله تعالى والإيمان به يكون في القيامة منقطع الحجة، مفقود المعاذير.

والجواب الثالث: أن يكون العمى الأول عن المعرفة والإيمان، والثاني بمعنى المبالغة في الإخبار عن عظم ما يناله(٤) هؤلاء الكفار الجهال من الخوف والغم والحزن الّذي أزاله الله عن المؤمنين العارفين بقوله:( لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ؛ [يونس: ٦٢]، ومن عادة العرب أن تسمّى من اشتد همّه وقوى حزنه أعمى سخين العين، ويصفون المسرور بأنّه قرير(٥) العين، قال الله تعالى:( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) ؛ [السجدة: ١٧].

والجواب الرابع: أن العمى الأول يكون(٦) عن الإيمان، والثاني هو الآفة في العين على سبيل العقوبة؛ كما قال الله تعالى:( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى. قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى ) ؛ [طه: ١٢٤ - ١٢٦]. ومن يجيب بهذا الجواب يتأول قوله تعالى:( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) على أن المعنى فيه الإخبار عن الاقتدار وعدم المشقّة في الإعادة؛ كما أنها معدومة في الابتداء، ويجعل ذلك نظيرا لقوله تعالى:( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) (٧) ؛ [الروم: ٢٧]، ويتأول قوله تعالى( فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) على أن معناه الإخبار عن قوة المعرفة، وأن الجاهل بالله في الدنيا يكون عارفا به في الآخرة؛ والعرب

____________________

(١) ت، ف: (طريقهما).

(٢) ت، ف: (يفقد الحجة). حاشية الأصل من نسخة: (لفقد الحجة).

(٣) ت، حاشية ف (من نسخة): (سئل ووقف).

(٤) في نسخة بحاشيتي ت، ف: (ما ينال).

(٥) ت، د، ف: (أنه).

(٦) ساقطة من ف.

(٧) حاشية ف: (أهون هاهنا بمعنى الهين، وإن حمل على المبالغة فهو على مجاز كلام العرب).

١١٧

تقول: فلان بصير بهذا الأمر؛ وزيد أبصر بكذا من عمرو، ولا يريدون إبصار العين، بل العلم والمعرفة؛ ويشهد بهذا التأويل قوله تعالى:( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ، أي: كنت غافلا عمّا أنت الآن عارف به، فلما أن كشفنا عنك الغطاء بأن أعلمناك وفعلنا في قلبك المعرفة عرفت وعلمت.

فأما الخبر الّذي تدّعى روايته فهو خبر واحد، ولا حجة(١) في مثله؛ وإذا عرف لفظه ربما أمكن تأوله على ما يطابق هذا الجواب، ومن(٢) ذهب إلى الأجوبة الأول يجعل العمى الأول والثاني معا غير الآفة في العين، فإن عورض بقوله تعالى:( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) (٣) تأوّله على العمى عن الثواب أو عن الحجة، وقال في قوله تعالى:( لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ) إن معناه: كنت بصيرا في اعتقادي وظنّي، من حيث كنت أرجو الهداية إلى الثواب وطريق الجنة.

والمحصّل من هذه الجملة أنه لا يجوز أن يراد بالعمى الأول والثاني جميعا الآفة في العين؛ لأنه يؤدي إلى أن كلّ من كان مئوف(٤) البصر في الدنيا؛ من مؤمن وكافر وطائع وعاص يكون كذلك في الآخرة، وهذا باطل وبمثله يبطل أن يراد بلفظة الأعْمى الثانية المبالغة بمعنى أفضل من فلان، ويبطله أيضا أن العمى الّذي هو الخلقة لا يتعجب منه بلفظة (أفعل) وإنما يقال: ما أشدّ عماه! ولا يجوز أن يراد بالعمى الأول العين(٥) والثاني العمى عن الثواب والجنة أو الحجة، لأنا نعلم أنّ فيمن(٦) عميت عينه في الدنيا من يستحق الثواب، ويوصل إليه، ولا يجوز أن يراد بالأول والثاني العمى عن المعرفة والإيمان، لا على طريقة(٧) المبالغة والتعجب ولا على غير ذلك؛ لأنا نعلم أنّ الجهال بالله تعالى، المعرضين في الدنيا عن معرفته

____________________

(١) ت، وحاشية ف (من نسخة): (واحد لا حجة).

(٢) في نسخة بحاشيتي ت، ف: (يذهب).

(٣) في حاشيتي ت، ف: (روى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وآله: يحشر الناس يوم القيامة كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة. وفي حديث آخر: غرلا؛ والأغرل: الأكلف؛ ورواه غيره: أن ناسي القرآن يحشر يوم القيامة أعمى).

(٤) المئوف: الّذي أصابته الآفة، وفي م: (مكفوف).

(٥) ف، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (عمى العين).

(٦) ت، حاشية ف (من نسخة): (ممن).

(٧) حاشية ت (من نسخة): (طريق).

١١٨

لا يجوز أن يكونوا في الآخرة كذلك؛ فضلا أن يكونوا على أبلغ من هذه الحالة لأن المعارف في الآخرة ضرورية، يشترك فيها جميع الناس، فلم يبق بعد الّذي أبطلناه إلا ما دخل في الأجوبة. وعلى الأجوبة الثلاثة الأول إذا أريد بأعمى الثانية المبالغة والتعجب كان في موضعه؛ لأن عمى القلب وضلاله يتعجب منه بلفظة (أفعل) وإن لم يجز ذلك في عمى الجارحة.

ولمن أجاب بالجواب الرابع ألاّ يجعل قوله تعالى:( فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمى ) لفظة تعجب، بل يجعله إخبارا عن عماه من غير تعجّب، وإن عطف عليه بقوله تعالى:( وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) ويكون تقدير الكلام: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وهو أضل سبيلا(١) .

فإن قيل: ولم أنكرتم التعجب من الخلق بلفظة (أفعل)؟. قلنا: قد قال النحويون في ذلك: إن الألوان والعيوب لا يتعجّب منها بلفظ التعجّب وإنما يعدل فيها إلى أشدّ وأظهر وما جرى مجراهما؛ قالوا: لأن العيوب والألوان قد ضارعت الأسماء، وصارت خلقة كاليد والرّجل ونحو ذلك؛ فلا يقال: ما أسوده وما أعوره، كما لا يقال: ما أيداه(٢) وما أرجله؛ ويقال: ما أشدّ سواده! كما يقال: ما أشدّ يده ورجله! واعتلوا بعلة أخرى، قالوا: إن الفعل من الألوان والعيوب على (افعلّ) و (افعالّ)، نحو احمرّ واعورّ واحولّ واحوالّ، والتعجب لا يدخل فيما(٣) زاد على ثلاثة أحرف من الأفعال؛ ألا ترى أنه لا يدخل في انطلق واستخرج ودحرج لزيادته على ثلاثة أحرف(٤) ؟

____________________

(١) حاشية ت، ف: (لو ذكر رحمه الله المبالغة في الموضعين لكان صوابا، لأن أفعل في التعجيب فعل؛ وهو هاهنا اسم كالمبالغة؛ أو لا ترى أنا نقول في التعجب (ما أحسن) والتقدير: شيء أحسنه).

(٢) في حاشيتي ت، ف: (إنما يبنى التعجب من الأفعال دون الأسماء واليد والرجل أسماء).

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (على ما زاد).

(٤) حاشية ف: (إنما امتنعت صورة التعجب في الرباعي؛ لأن فعل التعجب يكون أبدا أربعة أحرف؛ أحدها الف النقل والثاني الفعل؛ فإذا أدخلت على الرباعي لم يكن بد من طرح أحد الحروف، ولا يمكن ذلك لأن كلها أصول فعلها؛ إذ التعجب يختص الثلاثي فحسب).

١١٩

فإن قيل لهم فقد قالوا: عورت عينه وحولت، قالوا: هذا منقول من (افعلّ) وهو في الحكم زائد على ثلاثة أحرف، يدلّ على ذلك صحة الواو فيه؛ كما صحت في اسودّ وابيضّ ولولا أنه منقول منه لا عتلت الواو، فقلت: عارت وحالت، كما قيل: خاف وهاب.

وحكي عن الفرّاء في ذلك جوابان: أحدهما أنّ (أفعل) في التعجب فيه زيادة على وصف قبله إذا قال القائل أفضل وأجمل، فهو أزيد في الوصف من جميل وفاضل، فلم يقولوا: ما أبيض زيدا! لئلا يسقط التزيد(١) ، ولا يكون قبل أبيض وصف يزيد أبيض عليه، يخالف لفظه لفظه؛ كما خالف أفضل وأجمل فاضلا وجميلا، فلما فاتهم في أبيض وأحمر علم التزيد(٢) أدخلوا عليه ما تبين الزيادة فيه، وقالوا: ما أظهر حمرة زيد: وما أشد سواد عمرو! لأن (أظهر) يزيد على ظاهر، و (أشد) يزيد على شديد(٣) .

والجواب الآخر أنّ التعجب مبني على زيادة فصلح أن يتقدّمها نقص وتقصير عن بلوغ التناهي، فقالوا: ما أعلم زيدا! ليدلّوا على زيادة علمه؛ لأنهم في قولهم: عالم وعليم لم يبلغوا في التناهي مبلغ (أعلم)، ولم يقولوا: ما أبيض زيدا! لأن البياض لا تأتي(٤) منه زيادة بعد نقص، فعدلوا إلى التعجب بأشدّ وأبين وما جرى مجراهما، وهذا الجواب ليس بسديد؛ لأنّ الألوان قد تتأتّى فيها الزيادة بعد نقص، وقد تدخل فيها المفاضلة، ألا ترى أنّ ما حلّه قليل أجزاء البياض يكون أنقص حالا في البياض مما حلّه الكثير من الأجزاء!

والجواب الأول الّذي حكيناه عن الفراء أصوب، وإن كان ما قدمناه عن البصريين هو المعتمد(٥) وقد أنشد بعضهم معترضا على ما ذكرناه قول الشاعر:

____________________

(١) في نسخة بحاشيتي ت، ف: (التزايد).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (المزيد).

(٣) في حاشيتي ت، ف: (متقرر في علم الأصول أن السواد لا يكون أزيد في كونه سوادا من سواد آخر؛ وإنما تتكاثر الأجزاء، فيقال: هذا أشد سواد من ذلك).

(٤) في نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (لا تتأتى).

(٥) حاشية ف: (قال ابن الشجري: هذان الوجهان متقاربان، والسيد يفضل الأول، ولا أدري ما بينهما، إلا أن الأول اعتبار باللفظ والثاني اعتبار بالمعنى)، وفي حاشية ت: (الجواب الأول مشتمل على نفي المبالغة في أبيض، والعلة ألا يسقط التزيد، والجواب الثاني مشتمل على طرف من ذلك الجواب؛ إلا أنه يقول إنما لا يقال أبيض على طريق المبالغة؛ لأن التزايد في البياض لا يتأتى).

١٢٠