أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 281266
تحميل: 9165


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 281266 / تحميل: 9165
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في دهليزه، قاعدا في مكتبه، وهو صغير السن فقلت له: أين يحدث(١) الغريب إذا كان(٢) عندكم وأراد ذلك؟ فنظر إليّ ثم قال: يتجنّب شطوط الأنهار، ومساقط(٣) الثمار، وأفنية الدور، والطرق النافذة، والمساجد، ويضع ويرفع بعد ذلك حيث شاء. قال: فلما سمعت هذا القول نبل في عيني، وعظم في قلبي. فقلت له: جعلت فداك! فممّن المعصية؟ فنظر إلي ثم قال:

اجلس حتى أخبرك، فجلست، فقال: إنّ المعصية لا بدّ أن تكون من العبد أو من ربه، أو منهما جميعا؛ فإن كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده، ويأخذه بما لم يفعله، وإن كان منهما فهو شريكه؛ والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر، وإليه توجّه النهي، وله حق الثواب والعقاب، ووجبت الجنة والنار، قال:

فلما سمعت ذلك قلت:( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ؛ [آل عمران: ٣٤]، وقد نظم هذا المعنى شعرا فقيل:

لم تخل أفعالنا اللاّتي نذمّ لها

إحدى ثلاث خلال حين نأتيها

إمّا تفرّد بارينا بصنعتها

فيسقط اللّوم عنّا حين ننشيها

أو كان يشركنا فيها فيلحقه

ما سوف يلحقنا من لائم فيها

أو لم يكن لإلهي في جنايتها

ذنب فما الذّنب إلاّ ذنب جانيها(٤)

***

[أخبار الحسن بن أبي الحسن البصري وشيء من كلامه:]

وأحد من تظاهر من المتقدمين بالقول بالعدل، الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يسار، من أهل ميسان، مولى لبعض الأنصار، وكان اسم أمه خيرة، مملوكة لأمّ سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقال إن أمّ سلمة كانت تأخذ الحسن إذا بكى فتسكّته بثديها،

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (يضع).

(٢) م: (الرجل).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (ومسقط).

(٤) في حواشي الأصل، ت، ف: (زيادة في آخر هذه القطعة:

سيعلمون إذا الميزان شال بهم

أهم جنوها أم الرّحمن جانيها

- من الجني -).

١٨١

فكان يدرّ عليه، فيقال إنّ الحكمة التي أوتيها الحسن من ذلك، وبلغ الحسن من السن تسعا وثمانين سنة.

فمن تصريحه بالعدل ما رواه عليّ بن الجعد(١) قال: سمعت الحسن يقول: من زعم أن المعاصي من الله عز وجلّ جاء يوم القيامة مسودّا وجهه، ثم قرأ:( وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ) ؛ [الزمر: ٦٠]. وقال داود بن أبي هند:

سمعت الحسن يقول: كلّ شيء بقضاء وقدر(٢) إلا المعاصي.

وكان الحسن بارع الفصاحة، بليغ المواعظ، كثير العلم. وجميع كلامه في الوعظ وذم الدنيا أو جلّه مأخوذ لفظا ومعنى، أو معنى دون لفظ؛ من كلام أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام ، فهو القدوة والغاية(٣) .

فمن ذلك قولهعليه‌السلام : (شيئان أحدهما مأخوذ من الآخر، أحدهما أكثر شيء في الدنيا، والآخر أقلّ شيء في الدنيا: العبر والاعتبار).

وقولهعليه‌السلام : (مثل الدنيا والآخرة، مثل المشرق والمغرب، متى ازددت من أحدهما قربا، ازددت من الآخر بعدا).

وقوله: (شتّان بين عملين: عمل تذهب لذّته، وتبقى تبعته، وعمل تذهب مئونته ويبقى أجره).

وقوله في وصف الدنيا: (ما أصف من دار أولها عناء، وآخرها فناء، في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من صحّ فيها أمن(٤) ، ومن فرّط فيها ندم، ومن استغنى

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (علي بن الجعد لم يلق الحسن؛ فإن عليا مات سنة ثلاثين ومائتين، والحسن مات سنة عشر ومائة، وولد عليّ بن الجعد سنة أربع وثلاثين ومائة. قال القتيبي: علي بن الجعد مولى أم سلمة المخزومية، امرأة أبي العباس أمير المؤمنين، وولد سنة ست وثلاثين ومائة، ومات ببغداد سنة ثلاثين ومائتين، وفيها مات عبد الله بن طاهر).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (بقضاء الله وقدره).

(٣) ت: (فهو في ذلك القدوة والغاية).

(٤) حاشية ف: (قوله: من صح فيها أمن، يعني أن الإنسان إذا صح جسمه أمن الأهوال الدنيوية والأخروية، وإذا مرض ندم على التقصير).

١٨٢

فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن).

وقوله في كلام له: (فيا أيها الذّامّ للدنيا، والمعتلّ(١) بغرورها، متى استذمّت(٢) إليك؟

بل متى غرّتك؟ أبمضاجع آبائك من الثّرى؟ أم بمنازل أمّهاتك من البلى؟ كم مرّضت بكفّيك؟ وكم عالجت بيديك؟ تبتغي لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطبّاء؛ مثّلت لك بهم الدنيا نفسك، وبمصرعهم مصرعك).

قال سيدنا الشريف المرتضى أدام الله علوّه: وهذا باب إن ولجناه اغترفنا من ثبج(٣) بحر زاخر، أو شؤبوب(٤) غمام ماطر؛ وكلّ قول في هذا الباب لقائل إذا أضيف إليه، أو قويس به كان كإضافة القطرة إلى الغمرة(٥) ، أو الحصاة إلى الحرّة(٦) ، وإنما أشرنا إليه إشارة، وأومأنا إليه إيماء، ثم نعود إلى ما كنا فيه.

روي أن أعرابيا سمع كلام الحسن البصري فقال: المؤمن فصيح إذا لفظ، نصيح إذا وعظ.

وروي أن الحسن تلا يوما:( إِنَّا عَرَضْنَا الأمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالأرْضِ وَالْجِبالِ ) ؛ [الأحزاب: ٧٢]، ثم قال: (إنّ قوما غدوا في المطارف(٧) العتاق، والعمائم الرّقاق، يطلبون الإمارات، ويضيّعون الأمانات، يتعرّضون للبلاء وهم منه في عافية؛ حتى إذا أخافوا من فوقهم من أهل العفّة، وظلموا من تحتهم من أهل الذمّة أهزلوا(٨) دينهم، وأسمنوا براذينهم، ووسّعوا دورهم، وضيّقوا قبورهم؛ ألم ترهم قد جدّدوا الثياب،

____________________

(١) ت، ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (المغتر).

(٢) حاشية الأصل: (قولهعليه‌السلام استذمت، أي فعلت ما تلام عليه).

(٣) ثبج البحر: وسطه أو معظمه.

(٤) الشؤبوب: الدفعة من المطر.

(٥) الغمرة: الماء الكثير الّذي يغمر من خاض فيه.

(٦) الحرة: أرض سوداء ذات حصى.

(٧) المطارف: جمع مطرف؛ وهو كساء من خز ذو أعلام.

(٨) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (هزلوا).

١٨٣

وأخلقوا الدين، يتّكي أحدهم على شماله، فيأكل من غير ماله؛ طعامه غصب، وخدمه سخرة؛ يدعو بحلو بعد حامض، وبحارّ بعد بارد، ورطب(١) بعد يابس؛ حتى إذا أخذته الكظّة، تجشّأ من البشم، ثم قال: ياجارية، هاتي حاطوما (يعني هاضوما) يهضم الطّعام؛ ياأحيمق! لا والله لن تهضم إلا دينك، أين جارك! أين يتيمك! أين مسكينك! أين ما أوصاك الله عزّ وجلّ به!).

وذكر يوما الحجاج فقال: (أتانا أعيمش أخيفش، له جميمة يرجّلها، وأخرج إلينا بنانا قصارا، والله ما عرق فيها عنان في سبيل الله، فقال: بايعوني، فبايعناه، ثم رقى هذه الأعواد ينظر إلينا بالتصغير، وننظر إليه بالتعظيم؛ يأمرنا بالمعروف ويجتنبه، وينهانا عن المنكر ويرتكبه).

وروى عيسى بن عمر قال: قال الحسن: (إنّ هذه القلوب طلعة(٢) فاقدعوها، فإنّكم إن تطيعوها تنزع بكم إلى شرّ غاية، وحادثوا هذه النفوس، فإنها سريعة الدّثور).

قال عيسى بن عمر: فحدثت بذلك أبا عمرو بن العلاء، فعجب من فصاحته.

وكان يقول في بعض كلامه: (ما يشاء أن ترى أحدهم أبيّض بضّا، يملخ في الباطل ملخا، ينفض مذرويه ويقول: ها أنا ذا فاعرفوني).

قال: فالبضّ، هو الرّخص اللّحم، وليس هو من البياض على ما يظنّه قوم؛ لأنه قد تكون الرّخاصة مع الأدمة. وأما قوله (يملخ) فإن الملخ هو التّثنّي والتكسّر، يقال ملخ الفرس إذا لعب(٣) ؛ قال رؤبة يصف الحمار:

* معتزم التّجليح ملاّخ الملق(٤) *

____________________

(١) ف، ونسخة بحاشيتي ت، ف: (وبرطب).

(٢) الطلعة: الكثيرة التطلع إلى الشيء؛ أي أنها كثيرة الميل إلى هواها تشتهيه حتى تهلك صاحبها، قال في اللسان: (وبعضهم يرويه بفتح الطاء وكسر اللام، وهو بمعناه، والمعروف الأول).

(٣) في اللسان (ملخ) وحاشيتي ت، ف: (يملخ في الباطل ملخا؛ أي يمر فيه مرا سريعا).

(٤) الاعتزام: المضي على جهة واحدة، والتجليح: شدة الإقدام، والملق: ما استوى من الأرض. -

١٨٤

والمذروان(١) : فرعا الأليتين: قال عنترة:

أحولي(٢) تنفض استك مذرويها

لتقتلني فها أنا ذا عمارا

هذا قول أبي عبيد؛ وقال ابن قتيبة ردّا عليه: ليس المذروان فرعي الأليتين حسب؛ بل هما الجانبان من كل شيء؛ تقول العرب: جاء فلان يضرب أصدريه، ويضرب عطفيه، وينفض مذرويه، وهما منكباه. وذكر أنه سمع رجلا من فصحاء العرب يقول: قنّع الشيب مذرويه، يريد جانبي رأسه، وهما فوداه، وإنما سمّي بذلك، لأنّهما يذريان؛ أي

____________________

وفي حواشي الأصل، ت، ف: وقبله:

* إذا تتلاّهنّ صلصال الصّعق*

 - أي تلا الحمار الأتن، والصلصال: المصوت، والصعق: شدة الصوت؛ وحمار صعق: شديد الصوت) وبعده:

* يرمي الجلاميد بجلمود مدق*

والبيت من أرجوزته التي مطلعها:

* وقاتم الأعماق خاوي المخترق*

وهي في (ديوانه ١٠٤ - ١٠٨)، وأبيات منها مشروحة في (الخزانة ١: ٣٨ - ٤٤).

(١) حاشية ف: (قوله المذروان؛ أي أطراف الأليتين، وليس بمثنى على واحد هو مذرى، خلافا لما يقوله أبو عبيد؛ إذ لو كان ذلك كذلك لكان مذريان؛ لأن الواو إذا وقعت رابعة فصاعدا قلبت ياء قياسا؟؟؟ ألا ترى إلى المذرى الّذي يميز به الطعام إذا ثني يقال (مذريان)؛ فقوله: (مذروان؟؟؟

الأليتين، كذا ورد عنهم في صورة التثنية، وإن لم يكن تثنية لواحد مذكور).

(٢) ت، د، ف، حاشية الأصل (من نسخة): (أنحوى)، وهو يخاطب عمارة بن زياد العبسي وكان بلغه أنه يقول لقومه: قد أكثرتم ذكر هذا العبد؛ وددت أني لقيته خاليا حتى يعلم أنه عبد؛ وبعده:

متى ما تلقني فردين ترجف

روانف أليتيك وتستطارا

والروانف أعلى الأليتين؛ والبيتان من قطعة في (حماسة ابن الشجري: ٨، واللآلئ ٤٨٣، والخزانة ٣: ٣٦٢).

١٨٥

يشيبان، والذّرى والذّروة(١) الشيب، قال: وهذا أصل الحرف، ثم استعير للمنكبين، والأليتين، والطرفين من كل شيء، قال أمية بن أبي عائذ الهذلي يذكر قوسا:

على عجس هتّافة المذروي

ن زوراء مضجعة في الشّمال(٢)

أراد قوسا ينبض(٣) طرفاها. قال: فلا معنى لوصف الرجل الّذي ذكره الحسن بأنه يحرك أليتيه؛ ولا من شأن من يبذخ(٤) ويتيه على نفسه ويقول: ها أنا ذا فاعرفوني أن يحرّك أليتيه؛ وإنما أراد أنه يضرب عطفيه، وهذا مما يوصف به المرح المختال، وربما قالوا: جاءنا ينفض مذرويه، إذا تهدّد وتوعّد، لأنه إذ تكلم وحرّك رأسه نفض قرون فوديه، وهما مذ رواه.

قال سيدنا الشريف الأجل المرتضى أدام الله علوّه: ليس الّذي ذكره أبو عبيد ببعيد، لأن من شأن المختال الّذي يزهى بنفسه أن يهتزّ ويتثنى، فتتحرك أعطافه وأعضاؤه؛ ومذ رواه من جملة ما يهتزّ ويتحرّك، لأنّهما بارزان من جسمه، فيظهر فيهما الاهتزاز، وإنما خصّ المذروان(٥) بالذّكر مع أن غيرهما يتحرك أيضا، على طريق التقبيح على هذا المختال والتهجين لفعله. وقول ابن قتيبة ليس من شأن من يبذخ أن يحرّك أليتيه ليس بشيء، لأن الأغلب من شأن المختال البذّاخ الاهتزاز وتحريك الأعطاف؛ على أن هذا يلزمه فيما قاله، لأنه ليس

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: العجب من ابن قتيبة كيف خلط المهموز بالمعتل، وإنما هو الذرأ بالهمز شيب مقدم الرأس، وقد ذرئ يذرأ، ورجل أذرأ وامرأة ذرآء؛ وهي الذرءة، وأعجب من ذلك أنه ذكره في إصلاح غلط أبي عبيد). وفي حاشية ف أيضا: (الذرأ: هو شيب مقدم الرأس؛ وهو مهموز لا غير، وأصل المذروين ينبغي أن يكون من ذرو الريح، وقد صح أنه إذا كان بمعنى الشيب كان ذرأ، مهموزا، فلو كان من الذرءة التي هي الشيب لكان مذرأين).

(٢) ديوان الهذليين ٢: ١٨٥. والعجس: مقبض القوس، وهتافة المذروين؛ أي لطرفيها صوت نبض، وزوراء: معوجة.

(٣) الإنباض: التصويت.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (يتبذخ).

(٥) ش: (خص المذروين).

١٨٦

من شأن كل متوعّد أن يحرّك رأسه، وينفض مذرويه؛ فإذا قال: إن ذلك في الأكثر قيل له مثله.

وكان الحسن يقول: (ياابن آدم، جمعا جمعا، سرطا سرطا(١) ، جمعا في وعاء، وشدّا في وكاء، وركوب الذّلول، ولبس اللّيّن؛ حتى قيل مات، فأفضى والله إلى الآخرة، فطال حسابه).

وكان يقول: (مسكين(٢) ابن آدم، مكتوم الأجل، مكنون العلل؛ أسير جوع، صريع شبع، إنّ من تؤلمه البقّة، وتقتله الشّرقة، لبادي الضّعف، فريسة الحتف).

وكان يقول: (ما أطال أحد الأمل، إلا أساء العمل).

وكتب إلى عمر بن عبد العزيز: (أما بعد، فإن طول البقاء إلى فناء، فخذ من فنائك الّذي لا يبقى، لبقائك الّذي لا يفنى، والسلام).

وكان يقول: (إذا رأيت رجلا ينافس في الدنيا فنافسه في الآخرة). وسأله رجل:

ما حالك؟ فقال: بأشدّ حال، ما حال من أصبح وأمسى ينتظر الموت، ولا يدري ما يفعل الله به!!.

 وكان يقول: (ياابن آدم، بسطت لك صحيفة، ووكّل بك ملكان كريمان، يكتبان عملك فأملل ما شئت، وأكثر وأقلل). وفي خبر آخر: (وكّل بك ملكان كريمان، ريقك مدادهما، ولسانك قلمهما).

روى أبو بكر الهذلي قال: لما وفد(٣) عمر بن هبيرة واليا على العراق نزل واسطا، فبعث

____________________

(١) السرط: البلع.

(٢) حواشي الأصل، ت. ف: يجوز: (مسكين ابن آدم)، ويكون قد حذف التنوين لالتقاء الساكنين؛ من باب قوله تعالى:( قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصَّمَدُ ) ، وقول الشاعر:

عمرو الّذي هشم الثّريد لقومه

ورجال مكّة مسنتون عجاف

(٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (قدم).

١٨٧

إلى الشعبي وإلى الحسن البصري، فقال لهما: إن يزيد بن عبد الملك عبد أخذ الله ميثاقه، وانتجبه لخلافته، وقد أخذ بنواصينا، وأعطيناه عهودنا ومواثيقنا وصفقة أيدينا، فوجب علينا السمع والطاعة، وإنه بعثني إلى عراقكم غير سائل إياه، إلا أنه لا يزال يبعث إلينا في القوم نقتلهم، وفي الضّياع نقبضها، أو في الدور نهدمها، فنولّيه من ذلك ما ولاّه الله، فما تريان؟

فأما الشّعبي فقال قولا فيه بعض اللين؛ وأما الحسن فإنه قال له: ياعمر، إني أنهاك عن الله أن تتعرض له، فإن الله مانعك من يزيد، ولا يمنعك يزيد من الله؛ إنه يوشك أن ينزل إليك(١) ملك من السماء، فيستنزلك من سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك؛ ثم لا يوسّعه عليك إلا عملك، إنّ هذا السلطان إنما جعل ناصرا لدين الله، فلا تركبوا دين الله وعباد الله بسلطان الله تذلّونهم به، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق جل وعزّ.

وذكر عن الشعبي أنه قال: كان والله الحسن أكرمنا عليه.

وروى أبو بكر بن عياش قال: قال مسلمة بن عبد الملك للحسن: عظني فقال: إذا نزلت عن المنبر فاعمل بما تكلمت به، فقال: عظني، فقال: أولّيت قط؟ فقال: نعم، قال:

فما كنت تحب أن يؤتى إليك فأته إلى من وليته.

وعن ثابت البناني قال: قال رجل للحسن: آخذ عطائي أم أدعه حتى آخذه من حسناتهم يوم القيامة؟ فقال له: قم ويحك خذ عطاءك! فإن القوم مفاليس من الحسنات يوم القيامة.

وولد للحسن غلام، فهنأه بعض أصحابه، فقال الحسن: (نحمد الله على هبته، ونستزيده من نعمه، ولا مرحبا بمن إن كنت غنيا أذهلني، وإن كنت فقيرا أتعبني؛ لا أرضى بسعي له سعيا، ولا بكدّي له في الحياة كدّا، أشفق عليه من الفاقة بعد وفاتي، وأنا في حال لا يصل إلى من همّه حزن، ولا من فرحه سرور).

وكان الحسن يقول: (لو لم يكن من شؤم الشّراب إلا أنه جاء إلى أحبّ خلق الله إلى الله فأفسده، لكان ينبغي للعاقل أن يتركه) - يعني العقل.

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (أن يرسل عليك ملكا).

١٨٨

وعزّى جارا له يهوديا فقال: (جزاك الله عن مصيبتك بأعظم ما جازى به أحدا من أهل ملّتك). وهذا تخلّص منه مليح، لأنه لم يدع له بالثواب الّذي لا يستحقه الكفّار، وأراد بالجزاء العوض الّذي يستحقه الكافر مع استحقاق العقاب.

وكان الحسن يقول: (ليس للفاسق المعلن بالفسق غيبة، ولا لأهل الأهواء والبدع غيبة، ولا للسلطان الجائر غيبة).

وقال في قوله تعالى:( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً قال العلم، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ) ؛ [البقرة: ٢٠١] قال: الجنة.

وخرج الحسن في جنازة معها نوائح، فقال له رجل: أما ترى ياأبا سعيد هذا؟ وهمّ الرّجل بالرجوع، فقال له الحسن: إن كنت كلما رأيت قبيحا تركت له حسنا أسرع ذلك في دينك.

وذكرت عنده الدنيا فقال:

أحلام نوم أو كظلّ زائل

إنّ اللّبيب بمثلها لا يخدع

وكان يتمثّل:

اليوم عندك دلّها وحديثها

وغدا لغيرك كفّها والمعصم(١)

وعن أبي عبيدة قال: لما فرغ الحجّاج من خضراء(٢) واسط نادى في الناس أن يخرجوا فيدعوا له بالبركة، فخرج الناس، وخرج الحسن، فاجتمع عليه الناس، فخاف أهل الشام على نفسه أن يقتلوه، فرجع وهو يقول: قد نظرنا ياأخبث الأخبثين، وأفسق الفاسقين،

____________________

(١) حاشية ف: (قبله:

لا تأمنن أنثى حياتك واعلمن

أن النّساء وما لهنّ مقسّم

وبعده:

كالبيت يصبح خاليا من أهله

ويحلّ بعدك فيه من لا تعلم

(٢) حاشية الأصل: (خضراء واسط: بنية كان ابتناها الحجاج)، وفي م: (قصر واسط).

١٨٩

فأما أهل السماء فمقتوك، وأما أهل الأرض فغرّوك، ثم قال: أبي الله تعالى للميثاق الّذي أخذه على أهل العلم ليبيّننّه للناس ولا يكتمونه. ثم انصرف وبلغ الحجاج ذلك فقال: ياأهل الشام - وهم حوله: الله(١) ليقومنّ(٢) عبيد من عبيد أهل البصرة، ويتكلم في بما يتكلم، ولا يكون عند أحد منكم تغيير ولا نكير! قالوا: ومن ذاك أصلحك الله! اسقنا دمه، فقال: عليّ به، وأمر بالنّطع والسيف فأحضرا، ووجّه إليه، فلما دنا الحسن من الباب، حرّك شفتيه والحاجب ينظر إليه، فلما دخل قال له الحجاج: هاهنا، وأجلسه قريبا من فرشه، وقال له: ما تقول في عليّ وعثمان؟ قال: أقول قول من هو خير مني عند من هو شرّ منك، قال موسىعليه‌السلام لفرعون إذ قال له:( فَما بالُ الْقُرُونِ الأولى. قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى ) ؛ [طه: ٥١ - ٥٢]؛ علم عليّ وعثمان عند الله تعالى، فقال له الحجاج: أنت سيد العلماء ياأبا سعيد، ثم دعا بغالية فغلّل بها لحيته، فلما خرج الحسن اتّبعه الحاجب، فقال: ياأبا سعيد، لقد دعاك لغير ما فعل بك، ولقد أحضر السيف والنّطع، فلما أقبلت رأيتك قد حرّكت شفتيك بشيء، فما قلت؟ قال: قلت ياعدّتي عند كربتي، ويا صاحبي عند شدتي، ويا ولي نعمتي، ويا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ارزقني مودّته، واصرف عني أذاه ومعرّته؛ ففعل ربي عز وجل ذلك.

وكان الحسن يقول: ما زال النفاق مقموعا حتى عمّم هذا عمامة؛ وقلّد سيفا.

- يعني الحجاج.

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (هم كثيرا ما يتصرفون في القسم؛ وذلك لكثرة تردده في كلامهم فتارة يحذفون الفعل، كقولك بالله، وأخرى يحذفون خبر المبتدأ، كقولك لعمري، وتارة يحذفون حرف القسم من غير عوض، كقولك: الله لأفعلن؛ بالنصب، والله لأفعلن بالجر، وتارة يحذف الحرف عن عوض، كقولك الله، وهالله).

(٢) حواشي الأصل، ت، ف: (لا بد من النون في صحبة اللام في جواب القسم؛ وحذفها ضعيف؛ ومع ضعفه جائز؛ كقولك: والله ليقوم زيد، والفصيح بالنون؛ وإنما تحرى ذلك فيه لأن الغرض بالقسم التوكيد؛ فينبغي أن يكون مؤكدا).

١٩٠

وروى أبو بكر الهذلي أنّ رجلا قال للحسن: ياأبا سعيد، إن الشيعة تزعم أنّك تبغض عليّاعليه‌السلام ، فأكبّ يبكي طويلا، ثم رفع رأسه فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل كان سهما من مرامي ربّنا عز وجل على عدوّه، ربّاني هذه الأمة، ذو شرفها وفضلها، وذو قرابة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قريبة، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالغافل عن حق الله، ولا بالسّروقة من مال الله، أعطى القرآن عزائمه فيما له وعليه، فأشرف منها على رياض مونقة، وأعلام بينة، ذلك ابن أبي طالب يالكع! وكان الحسن إذا أراد أن يحدّث في زمن بني أمية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال أبو زينب.

وشهد الحسن جنازة فقال: إنّ أمرا هذا(١) آخره لينبغي أن يزهد فيه، وإن أمرا هذا أوّله لينبغي أن يحذر منه(١) . وعن حميد الطويل قال: خطب رجل إلى الحسن ابنته، وكنت السّفير بينهما - فرضيه، وأراد أن يزوجه فأثنيت عليه ذات يوم وقلت: وأزيدك ياأبا سعيد، إنّ له خمسين ألفا، قال: أقلت له خمسون ألفا! ما اجتمعت من حلال - قلت: ياأبا سعيد، إنه والله ما علمت لورع مسلم، فقال: إن كان جمعها من حلال، لقد ضنّ بها عن حقّ! لا يجري بيني وبينه صهر أبدا.

وقيل لعلي بن الحسينعليهما‌السلام : قال الحسن البصري ليس العجب ممّن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا! فقالعليه‌السلام : أنا أقول: ليس العجب ممّن نجا كيف نجا؛ إنما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله!

وأتىعليه‌السلام يوما الحسن البصري وهو يقصّ عند الحجر فقال: أترضى ياحسن نفسك للموت؟ قال: لا، قال: فعملك للحساب؟ قال: لا؛ قال: فثمّ دار للعمل غير هذه الدار؟ قال: لا، قال: فلله في أرضه معاذ غير هذا البيت؟ قال: لا، قال: فلم تشغل الناس عن التّطواف(٢) .

____________________

(١ - ١) م: (إن امرأ هذا أوله لينبغي أن يحذر منه، وإن امرأ هذا آخره لينبغي أن يزهد فيه).

(٢) كذا في الأصل، ت، ج، ش، ف، وفي نسخة بحاشيتي ت، ف: (الطواف).

وكانت وفاة الحسن البصري سنة ١١٠؛ (وانظر ترجمته في ابن خلكان ١: ١٢٨ - ١٢٩).

١٩١

[١١]

مجلس آخر [المجلس الحادي عشر:]

[أخبار واصل بن عطاء:]

وممّن تظاهر بالعدل واشتهر به واصل بن عطاء الغزّال، ويكنى أبا حذيفة، وقيل: إنه مولى بني ضبّة، وقيل: مولى بني مخزوم، وقيل: مولى بني هاشم.

وروي أنه لم يكن غزّالا، وإنما لقّب بذلك، لأنه كان يكثر الجلوس في الغزّالين، وقيل: إنه كان يجلس في الغزالين عند رضيع له يعرف بأبي عبد الله الغزّال. وذكر المبرّد:

أنّ(١) واصلا كان يلزم الغزالين، ليعرف المتعففات من النساء، فيصرف صدقته إليهن(٢) ، ولقّب بذلك كما لقّب أبو سلمة حفص بن سليمان بالخلاّل، وهو وزير أبي العباس(٣) السفّاح، ولم يكن خلاّلا، وإنما كان منزله بالكوفة بقرب الخلاّلين، وكان يجلس عندهم فسمي خلاّلا، ومثله أبو عليّ الحرمازي(٤) ، وهو مولى لبني هاشم، وإنما لقّب بذلك لأنه كان ينزل في بني الحرماز، وإبراهيم بن يزيد الخوزي، وليس بخوزي، ولكنه كان ينزل(٥) بمكة بشعب الخوز، وأبو سعيد المقبري، لأنه نزل(٦) المقابر.

وكان واصل ألثغ في الراء، قبيح اللّثغة؛(٧) فكان يخلّص من كلامه الراء(٧) ، يعدل عنها في سائر محاوراته، وقد ذكرنا طرفا من ذلك في أخبار بشار بن برد(٨) .

____________________

(١) انظر الكامل بشرح المرصفي ٧: ١١٤.

(٢) في الكامل: (فيجعل صدقه لهن).

(٣) حواشي الأصل، ت، ف: (أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال هو الّذي قيل فيه:

إن الوزير وزير آل محمد

أودى فمن يشناك كان وزيرا

إن السّلامة قد تبين وربما

كان السّرور بما كرهت جديرا

وكان يميل إلى أهل البيتعليهم‌السلام ). وانظر أخباره في الفخري: ١٣٣.

(٤) هو أبو علي الحسن بن علي الحرمازي؛ أعرابي راوية، وكان أيضا شاعرا، والحرماز: أبو حي من تمم؛ وهو الحارث بن مالك بن عمرو بن تميم؛ (وانظر الفهرست: ٤٨).

(٥) حاشية ت (من نسخة): (منزله).

(٦) حاشية ت (من نسخة): (ينزل بالمقابر).

(٧ - ٧) حاشية ت (من نسخة): (فكان يخلص كلامه من الراء).

(٨) انظر ص ١٣٩ - ١٤٠ من هذا الجزء.

١٩٢

وذكر أبو الحسن البرذعي المتكلم أن إنسانا سأل عمرو بن عبيد أو غيره عن شيء في القدر بحضرة واصل بن عطاء، فتكلّم السائل بشيء أغضب عمرا، فأجابه عمرو بجواب لم يرضه واصل، فقال له واصل: إياك وأجوبة الغضب فإنها مندمة، والشيطان يكون معها، وله في تضاعيفها همزة(١) ، وقد أوجب الله جلّ وعز على نبيهعليه‌السلام أن يستعيذ من همزات الشيطان، وأن يكونوا معه بقوله: أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ؛ [المؤمنون: ٩٧]؛ إلى خاتمة الآية،(٢) وقلّما شاهدت أحدا أجاب فتثبت في جوابه(٢) ،(٣) وما يطلق به لسانه(٣) فلحقه لوم.

قال البرذعي: انظر إلى واصل كيف كلّم عمرا، فأخرج الرّاء من كلامه، فقال في موضع (والشيطان يحضرها): (يكون معها). وقال: (قد أوجب الله على نبيه)، ولم يقل: (أمره). وقال: (وأن يكونوا معه) بدلا من قوله. (ويحضروه) ثم قال: (إلى خاتمة الآية) ولم يقل: (إلى آخر الآية).

قال سيدنا الشريف المرتضى أيّده الله: ومما لم يذكره البرذعي أنه عدل عن افتتاح الآية من أجل الراء أيضا، لأن أولها:( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ) ؛ ولولا قصده إلى العدول لكان ذكرها واجبا من ابتدائها(٤) ؛ لا سيما وفي ابتدائها تعليم وتوقيف على كيفية دعائه والاستعاذة به.

وقيل إن رجلا قال له: كيف تقول أسرج الفرس؟ قال: ألبد الجواد.

وقال له آخر: كيف تقول: ركب فرسه، وجرّ رمحه، قال: استوى على جواده، وسحب عامله.

وذكر أبو الحسين الخياط أن واصلا كان من أهل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وآله، ومولده سنة ثمانين ومات سنة إحدى وثلاثين ومائة.

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (همز الشيطان وسوسته وغلبته على العقل).

(٢ - ٢) نسخة بحاشية ت: (وقلما شاهدت أحدا أجاب فتثبت في جوابه).

(٣ - ٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (وما ينطلق به لسانه).

(٤) ش: (من حيث ابتدأ بها).

١٩٣

وكان واصل ممّن لقي أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفيّة وصحبه، وأخذ عنه، وقال قوم: إنه لقي أباه محمداعليه‌السلام ، وذلك غلط؛ لأن محمدا توفي سنة ثمانين أو إحدى وثمانين، وواصل ولد في سنة ثمانين.

وواصل هو أول من أظهر المنزلة بين المنزلتين؛ لأن الناس كانوا في أسماء أهل الكبائر من أهل الصلاة على أقوال؛ كانت الخوارج تسمّيهم بالكفر والشرك، والمرجئة تسمّيهم بالإيمان، وكان الحسن وأصحابه يسمّونهم بالنفاق، فأظهر واصل القول بأنّهم فسّاق غير مؤمنين، ولا كفار، ولا منافقين.

[مناظرة واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد في القول بالمنزلة بين المنزلتين]

وكان عمرو بن عبيد من أصحاب الحسن وتلاميذه، فجمع بينه وبين واصل ليناظره فيما أظهر من القول بالمنزلة بين المنزلتين، فلما ووقفوا على الاجتماع ذكر أن واصلا أقبل ومعه جماعة من أصحابه إلى حلقة الحسن، وفيها عمرو بن عبيد جالس، فلما نظر إلى واصل، وكان في عنقه طول واعوجاج قال: أرى عنقا لا يفلح صاحبها! فسمع ذلك واصل فلما سلّم عليه قال له:

ياابن أخي، إن من عاب الصنعة عاب الصانع، للتعلق الّذي بين الصانع والمصنوع(١) ؛ فقال له عمرو بن عبيد: ياأبا حذيفة، قد وعظت فأحسنت، ولن أعود إلى مثل الّذي كان مني.

وجلس واصل في الحلقة، وسئل أن يكلّم عمرا فقال واصل لعمرو: لم قلت إنّ من أتى كبيرة من أهل الصلاة استحق اسم النفاق؟ فقال عمرو: لقول الله تعالى:( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) ؛ [النور: ٤]، ثم قال في موضع آخر:( إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) ؛ [التوبة: ٦٧]، فكان كلّ فاسق منافقا؛ إذ كانت ألف ولام المعرفة موجودتين في الفاسق؛ فقال له واصل: أليس قد وجدت الله تعالى يقول:( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ؛ [المائدة: ٤٥]، وأجمع أهل العلم على أنّ صاحب

____________________

(١) ت، وحاشية الأصل (من نسخة): (بين الصنعة والصانع). ومن نسخة بحاشية ت أيضا: (بين الصنيعة والصانع).

١٩٤

الكبيرة يستحق اسم ظالم؛ كما يستحق اسم فاسق؛ فألاّ كفّرت صاحب الكبيرة من أهل الصلاة بقول الله تعالى:( وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ؛ [البقرة: ٢٥٤]، فعرّف بألف ولام التعريف اللتين في قوله:( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ، كما قال في القاذف:( وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) ، فسمّيته منافقا لقوله تعالى:( إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) ! فأمسك عمرو، ثم قال له واصل: ياأبا عثمان؛ أيّما أولى أن يستعمل في أسماء المحدثين من أمّتنا؟ ما اتفق عليه أهل الفرق من أهل القبلة، أو ما اختلف فيه؟ فقال عمرو:

بل ما اتفقوا عليه أولى، فقال له واصل: ألست تجد أهل الفرق على اختلافهم يسمّون صاحب الكبيرة فاسقا، ويختلفون فيما عدا ذلك من أسمائه؛ لأن الخوارج تسميه مشركا فاسقا، والشيعة تسميه كافر نعمة فاسقا! - قال سيدنا الشريف المرتضى أدام الله علوّه: يعني بالشيعة الزّيدية(١) - والحسن يسميه منافقا فاسقا، والمرجئة(٢) تسميه مؤمنا فاسقا؟ فاجتمعوا على تسميته بالفسق، واختلفوا فيما عدا ذلك من أسمائه، فالواجب أن يسمّى بالاسم الّذي اتّفق عليه وهو الفسق؛ لاتفاق المختلفين عليه، ولا يسمى بما عدا ذلك من الأسماء التي اختلف فيها، فيكون صاحب الكبيرة فاسقا، ولا يقال فيه إنه مؤمن ولا منافق، ولا مشرك ولا كافر نعمة(٣) ، فهذا أشبه بأهل الدين.

فقال له عمرو بن عبيد: ما بيني وبين الحق عداوة، والقول قولك، فليشهد عليّ من حضر أني تارك المذهب الّذي كنت أذهب إليه؛ من نفاق صاحب الكبيرة من أهل الصلاة،

____________________

(١) الزيدية: ثلاث فرق؛ الجارودية والسليمانية، والأبترية؛ يجمعها القول بإمامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ في أيام خروجه في زمان هشام بن عبد الملك؛ (وانظر الفرق بين الفرق: ١٦، والملل والنحل للشهرستاني ٨٧، ومفاتيح العلوم ٢١).

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (المرجئة في القديم غير الذين لا يؤيدون العقاب؛ بل هم الذين كان يؤخرون علياعليه‌السلام عن غيره من الصحابة؛ والإرجاء: التأخير). وانظر (الفرق بين الفرق ١٩، والملل والنحل للشهرستاني ٧٨، ومفاتيح العلوم ٢٠، وكشاف اصطلاحات الفنون ٥٧٨).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (ولا كافر).

١٩٥

قائل يقول أبي حذيفة في ذلك، وأنّي قد اعتزلت مذهب الحسن في هذا الباب. فاستحسن الناس هذا من عمرو.

وقيل إنّ اسم الاعتزال إنما اختصّت به(١) هذه الفرقة لاعتزالهم مذهب الحسن بن أبي الحسن في تسمية مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة بالنفاق؛ وحكي غير ذلك.

وقيل إن قتادة بعد موت الحسن البصري كان جلس مجلسه، وكان هو وعمرو بن عبيد جميعا رئيسين متقدّمين(٢) في أصحاب الحسن، فجرت بينهما نفرة، فاعتزل عمرو مجلس قتادة، واجتمع عليه جماعة من أصحاب الحسن، فكان قتادة إذا جلس مجلسه سأل عن عمرو وأصحابه فيقول: ما فعلت المعتزلة؟ فسمّوا بذلك.

قال سيدنا الشريف المرتضى ذو المجدين أدام الله علوه: أما ما ألزمه واصل بن عطاء(٣) لعمرو بن عبيد أولا فسديد لازم(٤) ، وأما ما كلّمه به ثانيا فغير واجب ولا لازم؛ لأن الإجماع وإن لم يوجد في تسمية صاحب الكبيرة بالنفاق أو غيره من الأسماء كما وجد في تسميته بالفسق فغير ممتنع أن يسمّى بذلك لدليل غير الإجماع، ووجود الإجماع في الشيء وإن كان دليلا على صحته، فليس فقده دليلا على فساده؛ وواصل إنما ألزم عمرا أن يعدل عن التسمية بالنفاق للاختلاف فيه، ويقتصر على التسمية بالفسق للاتفاق عليه، وهذا باطل، ولو لزم ما ذكره للزمه أن يقال: قد انفق أهل الصلاة على استحقاق صاحب الكبيرة من أهل القبلة الذمّ والعقاب، ولم يتفقوا على استحقاقه التخليد في العقاب، أو نقول إنهم اجمعوا على استحقاقه العقاب، ولم يجمعوا على فعل المستحق به، فيجب القول بما اتفقوا عليه، ونفي ما اختلفوا فيه.

فإذا قيل استحقاقه(٥) للخلود، أو فعل المستحق به من العقاب، وإن لم يجمعوا عليه،

____________________

(١) ت: (إنما اختص).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (مقدمين).

(٣) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (عمرو بن عبيد).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (واجب).

(٥) حاشية ت (من نسخة): (استحقاق الخلود).

١٩٦

فقد علم بدليل غير الإجماع؛ قيل له مثل ذلك فيما عوّل عليه، وبطل على كل حال أن يكون الاختلاف في القول دليلا على وجوب الامتناع منه، وهذا ينتقض بمسائل كثيرة ذكرها يطول.

على أنّ المقدمة التي قدمها لا تشبه ما ألزم عليها، لأن الإجماع أولى من الاختلاف فيما يتعارض ويتقابل، والإجماع والاختلاف في الموضع الّذي كلم عليه واصل عمرا في مكانين؛ لأن الإجماع هو على تسميته بالفسق، والاختلاف هو في تسميته بما عداه من الأسماء، فلا تعارض بينهما؛ وله أن يأخذ بالإجماع في موضعه، ويعوّل فيما الاختلاف فيه على دلالة غير الإجماع، لأن فقد الإجماع من القول لا يوجب بطلانه.

وحكي أن واصلا كان يقول: أراد الله من العباد أن يعرفوه ثم يعملوا، ثم يعلّموا، قال الله تعالى:( يا مُوسى إِنِّي أَنَا الله ) ، فعرّفه نفسه، ثم قال:( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) ؛ [طه: ١٢]، فبعد أن عرّفه نفسه أمره بالعمل. قال: والدليل على ذلك قوله تعالى:( وَالْعَصْرِ. إِنَّ الآنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا - يعني صدقوا -وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ. وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) . علموا وعملوا وعلّموا.

وروى المبرّد قال: حدّثت أن واصل بن عطاء أقبل في رفقة فأحسّوا بالخوارج، وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقال واصل لأهل الرفقة: إنّ هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني وإياهم، فقالوا: شأنك، فقال الخوارج له: ما أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله، ويقيموا حدوده، فقالوا: قد أجرناكم؛ قال: فعلّمونا أحكامه، فجعلوا يعلمونه أحكامهم، وجعل يقول: قد قبلت أنا ومن معي، قالوا: فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا؛ قال لهم: ليس ذلك لكم؛ قال الله تعالى:( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) ؛ [التوبة: ٦]، فأبلغونا مأمننا، فساروا بأجمعهم حتى بلغوا الأمن(١) .

____________________

(١) الكامل - بشرح المرصفي ٧: ٧٩.

١٩٧

وحكي أنّ محمدا وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن كانا ممّن دعاهما(١) واصل إلى القول بالعدل، فاستجابا له، وذلك لما حجّ واصل، ودعا الناس بمكة والمدينة(٢) .

وحكى أبو القاسم البلخي أن عبد الله قال لابنه محمد: كلّ خصالك محمودة يابنيّ إلا قولك بالقدر، قال: ياأبه، أفشيء أقدر على تركه(٣) أولا أقدر على تركه(٣) ؟ فورد الكلام على رجل عاقل فقال: لا عاتبتك عليه أبدا. قال أبو القاسم: يقول إن كنت أقدر على تركه فهو قولي، وإن كنت لا أقدر فلم تعاتبني على شيء لا أقدر عليه.

***

[أخبار عمرو بن عبيد:]

فأما عمرو بن عبيد فيكنى أبا عثمان، مولى لبني العدوية، من بني تميم، قال الجاحظ: هو عمرو بن عبيد بن باب. وباب نفسه من سبي كابل؛ من سبي عبد الرحمن بن سمرة، وكان باب مولى لبني العدويّة قال: وكان أبوه عبيد شرطيا، وكان عمرو متزهدا، فكانا إذا اجتازا معا على الناس قالوا: هذا شرّ الناس أبو خير الناس، فيقول عبيد: صدقتم؛ هذا إبراهيم، وأنا تارخ.

قال عليّ بن الجعد: وهو عبيد بن باب، وكان بوّابا للحكم بن أيوب، قال: وكان باب مكاريا، له دكّان معروف يقال له دكّان باب، وكان فارسيا، وللفرزدق معه خبر مشهور تركنا ذكره لشهرته وفحش فيه.

وذكر أبو الحسين الخيّاط أن مولد عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء جميعا في سنة ثمانين، قال: ومات عمرو بن عبيد في سنة مائة وأربع وأربعين؛ وهو ابن أربع وستين سنة.

روي أنّ عمرا استأذن على المنصور، فدخل عليه الربيع(٤) فقال له: بالباب رجل

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (ممن دعاهم).

(٢) وانظر ترجمة واصل في (معجم الأدباء ١٩: ٢٤٦ - ٢٤٧، وابن خلكان ٢: ١٧٠، وفوات الوفيات ٢: ٣٩٥ - ٣٩٦، ولسان الميزان ٦: ٢١٤ - ٢١٥، وعيون التواريخ وشذرات الذهب - وفيات سنة ١٣١).

(٣ - ٣) ساقط من م.

(٤) هو الربيع بن يونس بن محمد، حاجب أبي جعفر المنصور، ووزيره بعد أبي أيوب المورياني.

توفي سنة ١٧٠، (وانظر ترجمته وأخباره في ابن خلكان ١: ١٨٥ - ١٨٦).

١٩٨

قال: إني عمرو بن عبيد، وكانت على المنصور جبّة يمانية محقّقة(١) ؛ فقال: ويلك ياربيع! عمرو بالباب؟ قال: نعم، قال: هات لي قميصا أبيض، فأتاه به، فألقاه عليه، ثم قال: در من خلفي؛ فغط الجبة وازرر عليّ - قال الربيع: ولم أكن أرى أحدا يوقّره المنصور حتى رأيت عمرو بن عبيد - فدخل عليه رجل آدم مربوع الكدنة(٢) ، بين عينيه أثر السجود، حسن الأدب، حسن اللسان؛ كأنه لم يزل مع الملوك في توقيره للخليفة، وإعظامه إياه، قال:

فسلّم، فاجتذبه المنصور ليجلس معه فأبى، وطرح نفسه بين يديه، فساء له واحتفى(٣) به، فلما أراد عمرو القيام قال له: عظني ياأبا عثمان وأوجز، قال له: إنّ ما في يدك لست بوارثه عن أحد، وإنما هو شيء صار إليك، وقد كان في يد غيرك قبلك، ولو دام لك لبقي في يد الأول، والسلام. وروى الأصمعي قال: قال مطر الوراق لعمرو بن عبيد: إني لأرحمك مما يقول الناس فيك، فقال عمرو: أتسمعني(٤) أقول فيهم شيئا؟ قال: لا، قال: فإياهم فارحم!

 وقال خالد بن صفوان لعمرو بن عبيد: لم لا تأخذ منّي فتقضي دينا إن كان عليك، وتصل رحمك؟ فقال له عمرو: أما دين فليس عليّ، وأما صلة رحمي فلا يجب عليّ، وليس عندي. قال: فما يمنعك أن تأخذ منّي؟ قال: يمنعني أنه لم يأخذ أحد من أحد شيئا إلاّ ذلّ له، وأنا والله أكره أن أذلّ لك.

ويقال إن ابن لهيعة أتى عمرو بن عبيد في المسجد الحرام، فسلّم عليه، وجلس إليه، وقال له ياأبا عثمان ما تقول في قوله تعالى:( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) ؛ [النساء: ١٢٩]؟ فقال: ذلك في محبّة القلوب التي لا يستطيعها العبد ولم يكلّفها(٥) ، فأما العدل بينهن في القسمة من النفس والكسوة والنفقة فهو مطيق لذلك، وقد كلّفه بقوله

____________________

(١) حاشية الأصل: (محققة، يعني أن نسبتها إلى اليمن صحيحة). وفي م: (محققة).

(٢) الكدنة: غلظ اللحم على الجسم.

(٣) حاشية ت (من نسخة): (وأحفى به).

(٤) ت: (أفسمعتني).

(٥) ت: (ولا تكلفها).

١٩٩

تعالى:( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فيما تطيقون فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ ) ؛ بمنزلة من ليست أيّما، ولا ذات زوج. فقال ابن لهيعة: هذا والله هو الحق.

ويقال إن عمرو بن عبيد أتى يونس بن عبيد يعزّيه عن ابن له، فقال له: إن أباك كان أصلك، وإن ابنك كان فرعك، وإن امرأ ذهب أصله وفرعه لحري أن يقلّ بقاؤه. وقيل إن عبد الله بن عبد الأعلى أخذ هذا المعنى فقال:

صحبتك قبل الرّوح إذ أنا نطفة

تصان فما يبدو لعين مصونها

أرى المرء دينا للمنايا وما لها

مطال إذا حلّت بنفس ديونها

فماذا بقاء الفرع من بعد أصله

ستلقى الّذي لاقى الأصول غصونها

وأول من سبق إلى هذا المعنى امرؤ القيس في قوله:

فبعض اللّوم عاذلتي فإني

ستغنيني التّجارب وانتسابي(١)

إلى عرق الثّرى وشجت عروقي

وهذا الموت يسلبني شبابي

وأخذ ذلك لبيد في قوله:

فإن أنت لم تصدقك نفسك فانتسب

لعلّك تهديك القرون الأوائل(٢)

فإن لم تجد من دون عدنان والدا

ودون معدّ فلنزعك العواذل(٣)

وأخذه أيضا في قوله:

تودّ ابنتاي أن يعيش أبوهما

وهل أنا إلاّ من ربيعة أو مضر!(٤)

ونظر إليه محمود الوارق وإبراهيم بن العباس الصولي؛ أما محمود ففي قوله:

إذا ما انتسبت إلى آدم

فلم يك بينكما من أب

وجازت سنوك بك الأربعين

وصرت إلى الجانب الأجنب

____________________

(١) ديوانه: ١٣٣.

(٢) ديوانه: ٨٨.

(٣) حاشية الأصل: (وجد بخط ابن السكيت رحمه الله: فلتزعك، ولتزعك (بضم الزاي في الثانية وفتحها في الأولى)؛ وهو من زاع يزوع بمعنى وزع، وفلترعك من الروع، ووزع من الكف).

(٤) ديوانه: ١: ٢٨.

٢٠٠