أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 281294
تحميل: 9169


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 281294 / تحميل: 9169
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

باب في ذكر شيء من أخبار المعمّرين وأشعارهم ومستحسن كلامهم

[أخبار الحارث بن كعب المذحجي ووصيته حين الموت وشرح ما ورد في ذلك:]

أحد المعمّرين الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة بن خالد(١) بن مالك بن أدد(٢) المذحجي، ومذحج(٣) هي أم مالك بن أدد، نسب ولد مالك إليها، وإنما سمّيت مذحجا(٤) لأنها ولدت على أكمة تسمى مذحجا، واسمها مدلّة بنت ذي منجشان(٥) .

قال أبو حاتم السجستاني: جمع الحارث(٦) بن كعب بنيه لما حضرته الوفاة فقال: (يابني، قد أتى عليّ ستون ومائة سنة، ما صافحت بيميني(٧) يمين غادر، ولا قنّعت(٨) نفسي بخلّة فاجر، ولا صبوت بابنة عمّ ولا كنّة، ولا طرحت عندي مومسة قناعها، ولا بحت لصديقي بسرّ، وإني لعلى دين شعيب النبيعليه‌السلام ، وما عليه أحد من العرب غيري، وغير أسد بن خزيمة، وتميم بن مرّة، فاحفظوا وصيّتي، وموتوا على شريعتي: إلهكم فاتقوه يكفكم المهمّ من أموركم، ويصلح لكم أعمالكم؛ وإياكم ومعصيته(٩) ، لا يحلّ بكم الدّمار، ويوحش منكم الدّيار. يابنيّ، كونوا جميعا ولا تفرقوا فتكونوا شيعا، وإنّ موتا في عزّ خير من حياة في ذلّ وعجز، وكلّ ما هو كائن كائن، وكلّ جميع إلى تباين.

الدهر(١٠) صرفان: فصرف رخاء، وصرف بلاء(١٠) ، واليوم يومان: فيوم حبرة، ويوم

____________________

(١) كذا في جميع الأصول، وفي حاشية الأصل: (ذكر س: هذا سهو، وهو كعب بن عمرو ابن علبة بن جلد بن مالك. وو علة وخالد تصحيف وغلط).

(٢) في حاشية الأصل، ت: (صرفت العرب (أددا)، ولم يجعلوه من باب عمر وزفر).

(٣) حاشية الأصل: (ذكر س: قال أبو جعفر محمد بن حبيب: مذحج هي أخت مدلة، واسمها مدلة بنت منجشان بن كلة بن زدمان، من حمير).

(٤) حاشية ت: (بخط ش: الصواب ألا تصرف مذحج للتأنيث والتعريف).

(٥) س: (مهجشان)، ت: (همنجشان).

(٦) لم يذكر فيما طبع من أخبار المعمرين لأبي حاتم.

(٧) حاشية ت (من نسخة): (ما صافحت يميني).

(٨) حاشية ت (من نسخة): (قعت)، بإسكان التاء.

(٩) ت: (ومعصية الله).

(١٠ - ١٠) ش: (والدهر ضربان: فضرب رخاء، وضرب بلاء).

٢٦١

عبرة، والناس رجلان: فرجل معك ورجل عليك، وتزوّجوا الأكفاء، وليستعملن في طيبهن الماء، وتجنّبوا الحمقاء؛ فإن ولدها إلى أفن ما يكون، إلا أنه لا راحة لقاطع القرابة، وإذا اختلف القوم أمكنوا عدوّهم منهم، وآفة العدد اختلاف الكلمة؛ والتفضّل بالحسنة يقي السيئة، والمكافأة بالسيئة الدخول فيها. العمل السوء يزيل النّعماء، وقطيعة الرّحم تورث الهمّ، وانتهاك الحرمة يزيل النعمة، وعقوق الوالدين يعقب النّكد، ويمحق العدد، ويخرب البلد، والنصيحة تجر الفضيحة، والحقد يمنع الرّفد، ولزوم الخطيئة يعقب البلية، وسوء الرّعة يقطع أسباب المنفعة، والضغائن تدعو إلى التباين)؛ ثم أنشأ يقول:

أكلت شبابي فأفنيته

وأفنيت بعد دهور دهورا

ثلاثة أهلين صاحبتهم

فبادوا وأصبحت شيخا كبيرا

قليل الطّعام عسير القيام

قد ترك الدّهر خطوي قصيرا

أبيت أراعي نجوم السّماء

أقلّب أمري بطونا ظهورا

قوله: (ولا صبوت بابنة عم ولا كنّة)، الصّبوة هي رقّة الحبّ،(١) والكنّة. امرأة أخي الرجل وامرأة ابن أخيه(١) .

فأما المومسة، فهي الفاجرة البغي، وأراد بقوله: (إنها لم تطرح عنده قناعها) أي لم تتبذّل(٢) عنده وتتبسّط، كما تفعل مع من يريد الفجور بها.

وقوله: (فيوم حبرة ويوم عبرة)، فالحبرة: الفرح والسرور، والعبرة تكون من ضدّ ذلك؛ لأنّ العبرة لا تكون إلاّ من أمر محزن مؤلم.

وأما الأفن، فهو الحمق؛ يقال: رجل أفين؛ إذا كان أحمق؛ ومثل من أمثالهم: (وجدان الرقين؛ يغطّي على أفن الأفين)، أي وجدان المال يغطّي على حمق الاحمق، وواحد الرّقين رقة، وهي الفضة.

____________________

(١ - ١) حاشية الأصل (من نسخة) (والكنة هي امرأة ابن الرجل وامرأة أخيه).

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (لم تبتذل).

٢٦٢

فأما قوله: (النصيحة تجر الفضيحة)، فيشبه أن يكون معناه أنّ النّصيح إذا نصح لمن لا يقبل نصيحته، ولا يصغي إلى موعظته فقد افتضح عنده؛ لأنه أفضى إليه بسرّه، وباح بمكنون صدره.

فأما (سوء الرّعة)، فإنه يقال: فلان حسن الرّعة والتورّع، أي حسن الطريقة.

***

[أخبار عمرو بن ربيعة المستوغر وإيراد بعض أشعاره:]

ومن المعمّرين المستوغر، وهو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ابن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر.

وإنما سمّي المستوغر ببيت قاله، وهو:

ينشّ الماء في الرّبلات منها

نشيش الرّضف في اللّبن الوغير(١)

الرّبلات: واحدتها، ربلة، وربلة، بفتح الباء وإسكانها، وهي كلّ لحمة غليظة؛ هكذا ذكر ابن دريد.

والرّضف: الحجارة المحماة، وفي الحديث: (كأنه على الرّضف)؛ واللبن الوغير: لبن تلقي فيه حجارة محماة ثم يشرب، أخذ من وغرة الظهيرة، وهي أشدّ ما يكون من الحرّ؛ ومنه: وغير صدر فلان يوغر وغرا، إذا التهب من غضب أو حقد.

وقال أصحاب الأنساب: عاش المستوغر ثلاثمائة سنة وعشرين، وأدرك الإسلام أو كاد يدرك أوّله.

وقال ابن سلام: خ خ كان(٢) المستوغر قديما، وبقي بقاء طويلا حتى قال:

ولقد سئمت من الحياة وطولها

وعمرت(٣) من عدد السّنين مئينا

مائة أتت من بعدها مائتان لي

وازددت من عدد الشّهور سنينا

هل ما بقى(٤) إلاّ كما قد فاتنا

يوم يكرّ وليلة تحدونا

____________________

(١) ت: (ذي الربلات)، د: (بالربلات) والبيت في اللسان (وغر)، والمعمرين ٩ - ١٠.

(٢) طبقات الشعراء: ٢٩٠ - ٣٠.

(٣) في الطبقات: (وازددت).

(٤) بقي؛ بالألف، يريد بقي، بالياء: لغة طائية.

٢٦٣

وهو القائل:

إذا(١) ما المرء صمّ فلم يكلّم(٢)

وأودى سمعه إلاّ ندايا(٣)

ولاعب بالعشي بني بنيه

كفعل الهرّ يحترش العظايا

يلاعبهم وودّوا لو سقوه

من الذّيفان مترعة ملايا(٤)

فلا ذاق النّعيم ولا شرابا

ولا يشفى من المرض الشّفايا

أراد بقوله: (صمّ فلم يكلم)، أي لم يسمع ما يكلّم به، فاختصر؛ ويجوز أن يريد أنّه لم يكلّم لليأس من استماعه فأعرض عن خطابه لذلك. وقوله: (وأودى سمعه إلاّ ندايا) أراد أنّ سمعه هلك؛ إلاّ أنه يسمع الصوت العالي الّذي ينادى به.

وأما قوله: (ولاعب بالعشي بني بنيه)، فإنّه مبالغة في وصفه بالهرم والخرف، وأنه قد تناهى إلى ملاعبة الصبيان وأنسهم به. ويشبه أن يكون خصّ العشي بذلك لأنّه وقت رواح الصبيان إلى بيوتهم واستقرارهم فيها.

وقوله: (يحترش العظايا) أي يصيدها، والاحتراش أن يقصد الرجل إلى جحر الضّب فيضربه بكفّه ليحسبه الضب أفعى، فيخرج إليه فيأخذه، يقال: حرشت الضّبّ، واحترشته؛ ومن أمثالهم: (هذا أجلّ من الحرش)، يضرب عند الأمر يستعظم، ويتكلم بذلك على لسان الضب. قال ابن دريد: قال الضب لابنه: اتّق الحرش، قال:

وما الحرش؟ قال: إذا سمعت حركة بباب الجحر فلا تخرج؛ فسمع يوما وقع المحفار فقال:

ياأبه، أهذا الحرش؟ فقال: (هذا أجلّ من الحرش)؛ فجعل مثلا للرجل إذا سمع الشيء الّذي هو أشدّ مما كان يتوقّعه.

____________________

(١) الأبيات في طبقات الشعراء: ٣٠، وحماسة البحتري ٣٢٤ (ورواها همزية)، ومعجم الشعراء:

٢١٣، وفي حاشية الأصل: (ذكر سر قال: (قرأت س قال: قرأت بخط عبد السلام البصري رحمه الله أن هذه القطعة: إذا ما المرء لعثكلان بن ذي كواهن الحميري).

(٢) في الطبقات ومعجم الشعراء (فلم يناجي).

(٣) في حاشية الأصل، ت: (إنما قلب الهمزة في ندايا وشفايا وغيرهما ياء لأنه لو قال: شفاء لكانت تحصل همزة يكتنفها ألفان، والألف قريب من الهمزة، فإذا اجتمع ألفان مع همزة صار كأنه قد حصل قريب من الهمزتين؛ فلما كان كذلك أبدل من الهمزة ياء).

٢٦٤

والذّيفان: السّم. والعظايا: جمع عظاية، وهي دويبّة صغيرة معروفة(١) .

***

[أخبار دريد بن زيد بن نهد وشرح ما أورده من كلامه:]

وأحد المعمّرين دويد بن زيد بن نهد بن زيد بن ليث بن سود(٢) بن أسلم(٣) بن ألحاف(٤) ابن قضاعة بن مالك بن مرة بن مالك بن حمير.

قال أبو حاتم: خ خ عاش دويد بن زيد أربعمائة سنة وستا وخمسين سنة قال ابن دريد:

لما حضرت دويد بن زيد الوفاة - وكان من المعمّرين، قال: ولا تعدّ العرب معمّرا إلا من عاش مائة وعشرين(٥) سنة فصاعدا - قال لبنيه: (أوصيكم بالناس شرا، لا ترحموا لهم عبرة، ولا تقيلوهم(٦) عثرة، قصّروا الأعنّة، وطوّلوا(٧) الأسنّة، واطعنوا(٨) شزرا، واضربوا هبرا؛ وإذا أردتم المحاجزة، فقبل المناجزة، والمرء يعجز لا المحالة، بالجدّ لا بالكدّ. التجلّد ولا التبلّد، والمنية ولا الدّنية. لا تأسوا على فائت وإن عزّ فقده، ولا تحنّوا إلى ظاعن وإن ألف قربه، ولا تطمعوا فتطبعوا، ولا تهنوا فتخرعوا، ولا يكون(٩) لكم المثل السوء؛ إنّ الموصّين بنو سهوان. إذا متّ فارحبوا(١٠) خطّ مضجعي، ولا تضنّوا عليّ برحب الأرض، وما ذلك بمؤدّ إلي روحا(١١) ؛ ولكن راحة نفس(١٢) خامرها الإشفاق). ثم مات.

قال أبو بكر بن دريد في حديث آخر إنه قال:

____________________

(١) وانظر أخبار المستوغر في المعمرين: ٩، وطبقات الشعراء: ٢٩ - ٣٠، ومعجم الشعراء: ٢١٣ - ٢١٤

(٢) حاشية ت (من نسخة): (سويد).

(٣) حاشية الأصل: (بضم اللام).

(٤) حاشية الأصل: (ألحاف، يقطع الألف كأنه جمع لحف؛ كذا وجدته مضبوطا في النسخة المقروءة على ابن خرزاذ النجيرمي؛ وهو الصحيح، والحاف موصولا أيضا يقال).

(٥) حاشية ت (من نسخة): (مائة وستا وعشرين).

(٦) ت: (ولا تقبلوا لهم).

(٧) ت: (وأطولوا).

(٨) حاشية ت: طعن بالرمح يطعن [بضم العين]، وباللسان يطعن [بفتح العين].

(٩) ش: (ولا يكن).

(١٠) حاشية ت: (بخط ش: (فأرحبوا)، بالقطع وكسر الحاء.

(١١) حاشية ت (من نسخة): (نفعا).

(١٢) حاشية الأصل (من نسخة): (حاجة نفس).

٢٦٥

اليوم يبنى(١) لدويد بيته

ياربّ نهب(٢) صالح حويته

وربّ قرن(٣) بطل أرديته

وربّ غيل حسن لويته

ومعصم مخضّب ثنيته

لو كان للدّهر بلى أبليته

أو كان قرني واحدا كفيته

ومن قوله أيضا:

ألقى عليّ الدهر رجلا ويدا

والدّهر ما أصلح يوما أفسدا

يفسد ما أصلحه اليوم غدا

قوله: (اطعنوا شزرا، واضربوا هبرا)، معنى الشّزر أن يطعنه من إحدى ناحيتيه، يقال: فتل الحبل شزرا إذا فتله على الشمال، والنظر الشّزر: نظر بمؤخر العين؛ وقال الأصمعي:

نظر إلي شزرا إذا نظر إليه من عن يمينه وشماله، وطعنه شزرا كذلك.

وقوله: (هبرا)، قال ابن دريد: يقال هبرت اللحم أهبره هبرا إذا قطعته قطعا كبارا، والاسم الهبرة والهبرة، وسيف هبّار وهابر، واللحم هبير ومهبور. والمحالة:

الحيلة(٤) .

وقوله: (بالجدلا بالكدّ)؛ أي يدرك الرجل حاجته وطلبته بالجدّ، وهو الحظ والبخت، ومنه رجل مجدود، فإذا كسرت الجيم فهو الانكماش في الأمر والمبالغة فيه.

وقوله: (التجلد ولا التبلد)؛ أي تجلّدوا ولا تتبلّدوا.

وقوله: (فتطبعوا)، أي تدنسوا، والطّبع الدنس، ويقال طبع السيف يطبع طبعا، إذا ركبه الصّدأ؛ قال ثابت قطنة(٥) العتكي:

لا خير في طمع يدني إلى طبع

وغفّة من قوام العيش تكفيني(٦)

____________________

(١) حاشية ف (من نسخة): (يدني).

(٢) النهب: الغنيمة تنتهب.

(٣) القرن: الّذي يلقاك ليقاومك.

(٤) في حاشيتي الأصل، ت: (قد قيل إن المحالة يعني بها الآلة التي يستقي عليها، وهي مثل البكرة).

(٥) حاشية ت: (ويقال: قطبة).

(٦) الغفة: البلغة من العيش؛ كذا ذكره صاحب اللسان واستشهد بالبيت.

٢٦٦

وقوله: (ولا تهنوا فتخرعوا)؛ فالوهن الضّعف، والخرع والخراعة: اللين، ومنه سميت الشجرة الخروع للينها، وقوله: (إنّ الموصّين بنو سهوان)؛ فالموصون جمع موصّى، وبنو سهوان ضربه مثلا، أي لا تكونوا ممن تقدّم إليهم فسهوا وأعرضوا عن الوصية، وقالوا: إنه يضرب هذا المثل للرجل الموثوق به ذمة؛ ومعناه أن الذين يحتاجون أن يوصّوا بحوائج إخوانهم هم الذين يسهون عنه لقلة عنايتهم؛ وأنت غير غافل ولا ساه عن حاجتي.

وقوله: (فارحبوا)؛ أي أوسعوا، والرّحب السعة، والرّوح: الراحة.

وقوله في الشعر: (ورب غيل)؛ فالغيل الساعد الممتلئ. والمعصم: موضع السّوار من اليد(١) .

***

[أخبار زهير بن جناب وإيراد بعض أشعاره:]

ومن المعمّرين زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير.

 قال أبو حاتم: خ خ عاش زهير بن جناب مائتي سنة وعشرين سنة، وأوقع مائتي وقعة، وكان سيدا مطاعا شريفا في قومه، ويقال: كانت فيه عشر خصال لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه، كان سيد قومه، وشريفهم، وخطيبهم، وشاعرهم، ووافدهم إلى الملوك، وطبيبهم - والطّبّ في ذلك الزمان شرف - وحازى قومه - والحزاة الكهّان - وكان فارس قومه، وله البيت فيهم، والعدد منهم.

وأوصى بنيه فقال: (يابني، قد كبرت سنّي، وبلغت حرسا من دهري، فأحكمتني التجارب، والأمور تجربة واحتيال؛ فاحفظوا عني ما أقول وعوه، إياكم والخور عند المصائب، والتواكل عند النوائب، فإنّ ذلك داعية للغمّ، وشماتة للعدو، وسوء ظن بالرّب.

____________________

(١) وانظر ترجمة دويد وأشعاره في (طبقات الشعراء ٢٧ - ٢٨، والمعمرين ٢٠ - ٢١، والمختلف والمؤتلف من الشعراء ١١٤ - ١١٥، والاشتقاق ٣٢١، والشعر والشعراء لابن قتيبة ٥١، والقاموس - دود).

٢٦٧

وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترين، ولها آمنين، ومنها ساخرين، فإنه ما سخر قوم قطّ إلاّ ابتلوا، ولكن توقّعوها، فإنما الإنسان في الدنيا غرض تعاوره الرّماة، فمقصّر دونه ومجاوز لموضعه، وواقع عن يمينه وشماله؛ ثم لا بدّ أنّه مصيبه).

قوله: (حرسا من دهري)، يريد طويلا منه، والحرس من الدّهر: الطويل، قال الراجز:

* في سنبة عشنا بذاك حرسا*

السّنبة: المدة من الدهر. والتواكل: أن يكل القوم أمرهم إلى غيرهم، من قولهم:

رجل وكل، إذا كان لا يكفي نفسه، ويكل أمره إلى غيره؛ ويقال: رجل وكلة تكلة.

والغرض: كلّ ما نصبته للرمي. وتعاوره، أي تداوله.

قال سيدنا الشريف أدام الله علوّه: وقد ضمّن ابن الرومي(١) معنى قول زهير بن جناب: (الإنسان في الدهر غرض تعاوره الرماة، فمقصّر دونه ومجاوز له، وواقع عن يمينه وشماله، ولا بدّ أن يصيبه) أبياتا، فأحسن كلّ الإحسان؛ والأبيات:

كفى بسراج الشّيب في الرّأس هاديا

لمن قد أضلّته(٢) المنايا لياليا

أمن بعد إبداء المشيب مقاتلي

لرامي المنايا تحسبيني ناجيا

غدا الدّهر يرميني فتدنو سهامه

لشخصي(٣) أخلق أن يصبن سواديا

وكان كرامي اللّيل يرمي ولا يرى

فلمّا أضاء الشّيب شخصي رمانيا

أما البيت الأخير، فإنه أبدع فيه وغرّب(٤) ، وما علمت أنّه سبق إلى معناه؛ لأنّه جعل الشباب كالليل الساتر على الإنسان، الحاجز بينه وبين من أراد رميه لظلمته

____________________

(١) حاشية الأصل: (كان ابن الرومي متشيعا، وكان مغلقا في الشعر واللغة؛ بحيث يقول لتلامذته:

اعرضوا شعري، ثعلب، فما أنكر من نحوه فخذوه، وما أنكر من لغته فلا تلفتوا إليه؛ فإني أعلم منه باللغة).

(٢) ش: (إلى من أضلته). حاشية ت (من نسخة): (له من أضلته).

(٣) ت، ونسخة بحاشية الأصل: (لشخصي وأخلق).

(٤) ت: (وأغرب).

٢٦٨

والشيب مبديا لمقاتله، هاديا إلى إصابته لضوئه وبياضه، وهذا في نهاية حسن المعنى.

وأراد بقوله: (رماني) أي أصابني؛ ومثله قول الشاعر:

فلمّا رمى شخصي رميت سواده

ولا بدّ أن يرمي سواد الّذي يرمي

وكان زهير بن جناب على عهد كليب وائل، ولم يكن في العرب أنطق من زهير ولا أوجه عند الملوك، وكان لسداد رأيه يسمى كاهنا، ولم تجمع قضاعة إلاّ عليه وعلى رزاح ابن ربيعة.

وسمع زهير بعض نسائه تتكلّم بما لا ينبغي لمرأة تتكلم(١) به عند زوجها، فنهاها فقالت له: اسكت عني وإلاّ ضربتك بهذا العمود، فو الله ما كنت أراك تسمع شيئا ولا تعقله، فقال عند ذلك:

ألا لقوم لا أرى النّجم طالعا

ولا الشّمس إلاّ حاجتي بيميني

معزّبتي عند القفا بعمودها

يكون نكيري أن أقول ذريني

أمينا على سرّ النّساء وربّما

أكون على الأسرار غير أمين

فللموت خير من حداج(٢) موطّأ

مع الظّعن لا يأتي المحلّ لحيني

وهو القائل:

أبنيّ إن أهلك فقد

أورثتكم مجدا بنيّة

وتركتكم أرباب سا

دات زنادكم وريّه

من كلّ ما نال الفتى

قد نلته إلاّ التّحيّة

ولقد رحلت البازل ال

كوماء ليس لها وليّه

وخطبت خطبة حازم

غير الضّعيف(٣) ولا العييّة

____________________

(١) ت: (أن تتكلمه).

(٢) في حاشيتي الأصل، ت: (الحدج: مركب من مراكب النساء؛ كالمحفة؛ وجمعه أحداج وحدوج؛ والحداجة لغة فيه؛ عن يعقوب، والجمع الحدائج).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (لا بالضعيف).

٢٦٩

فالموت خير للفتى

فليهلكن وبه بقيّه

من أن يرى الشّيخ البجا

ل وقد يهادي بالعشيّه

وهو القائل:

ليت شعري والدهر ذو حدثان

أي حين منيّتي تلقاني!

أسبات على الفراش خفات

أم بكفّي مفجّع حرّان(١) !

وقال حين مضت له مائتا سنة من عمره:

لقد عمّرت حتى ما أبالي

أحتفي في صباحي أم مسائي!

وحقّ لمن أتت مائتان عاما

عليه أن يملّ من الثّواء

قوله: (معزيتي) يعني امرأته، يقال: معزّبة الرجل وطلّته وحنّته؛ كل ذلك امرأته.

وقوله: (أمينا على سرّ النساء)، السرّ: خلاف العلانية، والسرّ أيضا: النكاح، قال الحطيئة:

ويحرم سرّ جارهم عليهم

ويأكل جارهم أنف القصاع(٢)

وقال امرؤ القيس:

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني

كبرت وألاّ يحسن السّرّ أمثالي(٣)

____________________

(١) حاشية الأصل: (السبات، أصله النوم، ويريد به الموت، وقد قيل: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل؛ يقول: ليت شعري: ألموت حتف أنفي على فراشي، أم يقتلني متأثر عطشان إلى دمي!).

(٢) ديوانه: ٩٣؛ وفي حاشية الأصل: (أنف القصاع أول ما يعرف من القدر فيكون أدسم)، وفي شرح الديوان: (يقول: يؤثرون جارهم بالطعام على أنفسهم، فيأكل صفوة طعامهم قبلهم، وأنف كل شيء أوله.

(٣) ديوانه: ٥٣، وقد ضبط قوله: (لا يحسن)، بالضمة والفتحة معا، في الأصل، ت، وفي حاشيتيهما: (الرفع على إضمار الهاء، والنصب على اللفظ)، وفي حاشية الأصل (من نسخة): (وألا يشهد).

٢٧٠

وكلاء زهير يحتمل الوجهين جميعا، لأنه إذا كبر وهرم لم تهيّبه النساء أن(١) يتحدّثن بحضرته بأسرارهن(١) ، تهاونا به، أو تعويلا على ثقل سمعه، وكذلك هرمه وكبره يوجبان كونه أمينا على نكاح النساء لعجزه عنه.

وقوله: (حداج موطّأ)، الحداج(٢) : مركب من مراكب النساء، والجمع أحداج وحدوج.

والظعن والأظعان: الهوادج، والظعينة المرأة في الهودج؛ ولا تسمّى ظعينة حتى تكون في هودج، والجمع ظعائن؛ وإنما خبّر عن هرمه، وأن موته خير من كونه مع الظّعن في جملة النساء.

وقوله: (زنادكم وريّه)؛ الزّناد: جمع زند وزندة، وهما عودان يقدح بهما النار، وفي أحدهما فروض، وهي ثقب؛ فالتي فيها الفروض هي الأنثى، والّذي يقدح بطرفه هو الذّكر، ويسمى الزّند الأب، والزّندة الأم. وكنّى (بزنادكم وريّه) عن بلوغهم مأربهم؛ تقول العرب: وريت بك زنادي؛ أي نلت بك ما أحب من النّجح والنجاة، ويقال للرجل الكريم: وارى الزّناد.

فأما التحية، فهي الملك، فكأنه قال: من كلّ ما نال الفتى قد نلته إلا الملك؛ وقيل التحية هاهنا: الخلود والبقاء.

والبازل: النّاقة التي بلغت تسع سنين، فهي أشدّ ما تكون، ولفظ البازل في الناقة والجمل سواء.

والكوماء: العظيمة السّنام. والوليّة: برذعة تطرح على ظهر البعير تلي جلده.

والبجال: الّذي يبجّله قومه ويعظّمونه. وقوله: (يهادي بالعشية)، أي يماشيه الرجال فيسندونه لضعفه. والتهادي: المشي الضعيف.

____________________

(١ - ١) ت: (تتحدث بحضرته بأسرارها).

(٢) في حاشيتي الأصل، ت: (القياس حدج [بضمتين] في جمع حداج؛ إلا أن يكون نادرا؛ كظروف في جمع ظريف).

٢٧١

وقوله: (أسبات)، فالسّبات: سكون الحركة، ورجل مسبوت، والخفات: الضعف أيضا، يقال: خفت(١) الرجل إذا أصابه ضعف من مرض أو جوع.

والمفجّع: الّذي فجع بولد له أو قرابة. والحرّان: العطشان الملتهب(٢) ، وهو هاهنا المحزون على قتلاه.

ومما يروى لزهير بن جناب:

إذا ما شئت أن تسلى حبيبا

فأكثر دونه عدد اللّيالي

فما سلّى حبيبك مثل نأي

وما أبلى جديدك كابتذال(٣)

____________________

(١) ش: (خفت)؛ بالبناء للمجهول.

(٢) ش: (المحترق).

(٣) وانظر ترجمة زهير بن جناب وأشعاره وأخباره في (أخبار المعمرين ٢٤ - ٢٩، والمؤتلف والمختلف من أسماء الشعراء ١٣٠، وطبقات الشعراء: ٣٠، والأغاني ٢١: ٦٣ - ٦٨، والشعر والشعراء ٣٣٩ - ٣٤٢، وتاريخ ابن الاثير ١: ٢٩٩ - ٣٠١).

٢٧٢

[١٧]

مجلس آخر [المجلس السابع عشر:]

[أخبار ذي الإصبع العدواني وحديثه مع بناته الأربع:]

ومن المعمّرين ذو الإصبع العدواني، واسمه حرثان بن محرّث بن الحارث بن ربيعة ابن وهب بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عياذ(١) بن يشكر بن عدوان. وهو الحارث بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر(٢) .

وإنما سمي الحارث عدوان، لأنه عدا على أخيه؛ فهمّ(٣) بقتله، وقيل: بل فقأ عينه، وقيل: إن اسم ذو الإصبع محرّث بن حرثان، وقيل: حرثان بن حويرث، وقيل: حرثان ابن حارثة، ويكنّى أبا عدوان.

وسبب لقبه بذي الإصبع أنّ حية نهشته على إصبعه فشلّت، فسمى بذلك. ويقال:

إنه عاش مائة وسبعين سنة. وقال أبو حاتم: إنه عاش ثلاثمائة سنة.

وهو أحد حكّام العرب في الجاهلية. وذكر الجاحظ أنه كان أثرم(٤) وروي عنه:

لا يبعدن عهد الشباب ولا

لذّاته ونباته النضر(٥)

لولا أولئك ما حفلت متى

عوليت في حرج(٦) إلى قبري

____________________

(١) ش: (عباد بن يشكر).

(٢) حاشية الأصل: (قال ش: هو قيس عيلان؛ وليس بقيس بن عيلان، وهو لقب للناس بن مضر، والياس أخو إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وقيل: عيلان اسم فرسه فنسب إليه، وقيل: بل عيلان لقب مضر بن نزار، لأنه يقال قيس بن عيلان؛ قال زفر بن الحارث:

ألا إنّما قيس بن عيلان بقّة

إذا وجدت ريح العصير تغنّت

 (٣) ش: (فهم فقتله).

(٤) حاشية الأصل: (الأثرم: الّذي سقطت مقاديم أسنانه).

(٥) في حاشية الأصل، ت: (إن جررت النضر بدلا من الهاء في (نباته) تخلصت من الإقواء؛ ولك أن تقول: (النضري) منسوبا كقوله: (والدهر بالإنسان دواري)، ويجوز أن يعطف على الشباب).

(٦) حاشية ت (من نسخة): (حرجي) والحرج: سرير الموتى.

٢٧٣

هزئت أثيلة أن رأت هرمي

وأن انحنى لتقادم ظهري

وكان(١) لذي الإصبع بنات أربع، فعرض عليهنّ أن يزوّجهنّ فأبين وقلن: خدمتك وقربك أحبّ إلينا. ثم أشرف عليهنّ يوما من حيث لا يرينه، فقلن: لتقل كلّ واحدة منّا ما في نفسها، فقالت الكبرى:

ألا هل أراها مرّة وضجيعها

أشمّ كنصل السّيف عين مهنّد(٢)

عليم بأدواء النّساء وأصله

إذا ما انتمى من سرّ أهلي ومحتدي(٣)

ويروى (من أهل سرّي، ومن أصل سرّي ومحتدي).

فقلن لها: أنت تريدين ذا قرابة قد عرفته. ثم قالت الثانية:

ألا ليت زوجي من أناس أولي عدى(٤)

حديث الشّباب طيّب الثّوب(٥) والعطر

ويروى: (أولي غنى).

لصوق بأكباد النّساء كأنّه

خليفة جان لا ينام على وتر(٦)

ويروى: (لا ينام على هجري).

فقلن لها: أنت تريدين فتى ليس من أهلك. ثم قالت الثالثة:

____________________

(١) الخبر في الأغاني ٣: ٩٤ - ٩٦ (طبع دار الكتب المصرية)، ومع شرحه في الكامل - بشرح المرصفي ٥: ٩٤ - ١١١، مع اختلاف في الرواية ونسبة الأبيات

(٢) حاشية ت (من نسخة):

ألا هل أراها ليلة وضجيعها

أغرّ كنصل السّيف غير المهنّد

ورواية الأغاني:

ألا هل أراها ليلة وضجيعها

أشمّ كنصل السّيف غير مبلّد

(٣) رواية الأغاني: (طبيب بأدواء النساء)، ورواية الكامل: (بأدواء النساء كانه).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (ذوي غنى)، وهي رواية الأغاني والكامل.

(٥) رواية الكامل: (طيب النشر)، ورواية الأغاني: (طيب الريح).

(٦) حاشية ت (من نسخة): (خليفة جان).

٢٧٤

ألا ليته يكسى الجمال نديّه(١)

له جفنة تشقى بها المعز(٢) والجزر

له حكمات الدّهر من غير كبرة

تشين؛ فلا فان ولا ضرع غمر

فقلن لها: أنت تريدين سيدا شريفا.

وقلن للرابعة: قولي، فقالت: لا أقول شيئا، فقلن لها: ياعدوة الله، علمت ما في أنفسنا ولا تعلميننا ما في نفسك! فقالت: (زوج من عود خير من قعود)؛ فمضت مثلا.

فزوجهنّ أربعهن، وتركهن حولا، ثم أتى الكبرى فقال: يابنيّة، كيف ترين زوجك؟

قالت: خير زوج، يكرم الحليلة، ويعطي الوسيلة. قال: فما مالكم؟ قالت: خير مال، الإبل نشرب ألبانها جزعا - ويروى: (جرعا)، بالراء غير المعجمة - ونأكل لحمانها مزعا، وتحملنا وضعيفنا(٣) معا؛ فقال: يابنيّة، زوج كريم، ومال عميم.

ثم أتى الثانية فقال: يابنيّة، كيف زوجك؟ قالت: خير زوج؛ يكرم أهله، وينسى فضله، قال: وما مالكم؟ قالت: البقر تألف الفناء، وتملأ الإناء، وتودك(٤) السقاء، ونساء مع النساء(٥) ، فقال لها: حظيت وبظيت(٦) .

ثم أتى الثالثة فقال: يابنية، كيف زوجك؟ قالت: لا سمح بذر(٧) ، ولا بخيل حكر(٨)

____________________

(١) رواية الأغاني:

* ألا ليته يملأ الجفان لضيفه*

ورواية الكامل:

* ألا ليته يعطى الجمال بديئة*

(٢) في الأغاني: (النيب).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (وضعفتنا).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (تودك)، بتشديد الدال مكسورة؛ وكذا ضبطت بالقلم في الكامل.

(٥) ش: (مع نساء)، وهي رواية الأغاني والكامل.

(٦) حاشية ت (من نسخة): (رضيت).

(٧) بذر: يبسط ماله بالبذر؛ وهو وصف للمبالغة.

(٨) حكر: هو الّذي لا يزال يحبس سلعته حتى يبيع بالكثير من شدة حكره.

٢٧٥

قال: فما مالكم؟ قلت: المعزى، قال: وما هي؟ قالت: لو كنّا نولّدها فطما، ونسلخها أدما - ويروى: (أدما) بالفتح - لم نبغ بها نعما. فقال لها: جذوة(١) مغنية - ويروى:

جدوى(٢) مغنية.

ثم أتى الصغرى فقال: كيف زوجك؟ قالت: شرّ زوج؛ يكرم نفسه، ويهين عرسه؛ قال: فما مالكم؟ قالت: شرّ مال، قال: وما هو؟ قالت: الضأن، جوف لا يشبعن، وهيم لا ينقعن، وصمّ لا يسمعن، وأمر مغويتهن يتبعن. فقال أبوها: (أشبه امرؤ(٣) بعض بزّه)، فمضت مثلا.

أمّا قول إحدى بناته في الشعر: (أشمّ)، فالشمم هو ارتفاع أرنبة الأنف وورودها؛ يقال: رجل أشمّ،، وامرأة شماء، وقوم شمّ، قال حسان بن ثابت:

بيض الوجوه كريمة أحسابهم

شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل(٤)

والشّمم: الارتفاع في كلّ شيء؛ فيحتمل أن يكون حسّان أراد بشمّ الأنوف ما ذكرناه من ورود الأرنبة؛ لأن ذلك عندهم دليل العتق والنجابة. ويجوز أن يريد بذلك الكناية عن نزاهتهم وتباعدهم عن دنايا الأمور ورذائلها؛ وخصّ الأنوف بذلك؛ لأن الحميّة والغضب والأنف(٥) فيها؛ ولم يرد طول أنفهم؛ وهذا أشبه بأن يكون مراده؛ لأنه قال: (بيض الوجوه) ولم يرد بياض اللون في الحقيقة، وإنما كنى بذلك عن نقاء أعراضهم، وجميل أخلاقهم وأفعالهم؛ كما يقول القائل: جاءني فلان بوجه أبيض، وقد بيّض فلان وجهه بكذا وكذا، وإنما يعني ما ذكرناه. وقول المرأة: (أشمّ كنصل السيف) يحتمل الوجهين أيضا. وقول حسان (من الطراز الأول)، أي أفعالهم أفعال آبائهم وسلفهم، وأنّهم لم يحدثوا أخلاقا مذمومة لا تشبه نجارهم وأصولهم. وقولها: (عين مهنّد)؛ أي هو المهنّد بعينه، كما يقال: هذا هو بعينه، وعين

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (حذوة).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (حذوى).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (أشبه امرأ بعض بزه)، والبز في الأصل: مناع البيت من الثياب خاصة؛ كنى به عن الضأن؛ وهي متاع؛ والمثل يضرب للمتشابهين أخلاقا.

(٤) ديوانه: ٨٠.

(٥) حاشية ت (من نسخة): (والأنعة).

٢٧٦

الشيء نفسه. وعلى الرواية الأخرى: (غير مهنّد) أي ليس هو السيف المنسوب إلى الهند في الحقيقة، وإنما هو يشبهه في مضائه. وقولها: (من سرّ أهلي)، أي من أكرمهم وأخلصهم، يقال: فلان في سرّ قومه، أي في صميمهم وشرفهم، وسرّ الوادي: أطيبه ترابا.

والمحتد: الأصل.

وقول الثانية: (أولي عدى)  فإنّما معناه أن يكون لهم أعداء، لأنّ من لا عدوّ له هو الفسل الرذل الّذي لا خير عنده، والكريم الفاضل من الناس هو المحسّد المعادي(١) .

وقولها: (لصوق بأكباد النساء) تعني في المضاجعة، ويحتمل أن تكون أرادت في المحبة والمودّة، وكنّت بذلك عن شدّة محبتهن له، وميلهن إليه، وهو أشبه. وقولها: (كأنه خليفة جان) أي كأنه حيّة للصوقه، والجان: جنس من الحيات(٢) ، فخفّفت لضرورة الشعر.

وقول الثالثة: (يكسي الجمال نديّه) فالندي هو المجلس. وقولها: (له حكمات الدهر) تقول: قد أحكمته التجارب، وجعلته حكيما. فأما الضّرع فهو الضعيف. والغمر:

الّذي لم يجرب الأمور.

وقول الكبرى: (ويكرم الحليلة، ويعطي الوسيلة)، فالحليلة هي امرأة الرجل، والوسيلة الحاجة. وقولها: (نشرب ألبانها جزعا) فالجزع جمع جزعة، وهو الماء القليل يبقي في الإناء، وقولها: (مزعا)، المزعة: البقية من دسم، ويقال: ماله جزعة ولا مزعة، هكذا ذكر ابن دريد، الضمّ في جزعة، ووجدت غيره يكسرها فيقول جزعة، وإذا كسرت فينبغي

____________________

(١) حاشية ت: (الأولى أن يكون العدى هاهنا الغرباء؛ لما تقدم من: استدلالهن؛ وهو قولهن (فتى ليس من أهلك).

(٢) في حاشيتي الأصل، ت: لأن يكون من الجناية أحسن وأقرب إلى الصواب، ويكون من باب قوله:

* إذا لم أجن كنت مجنّ جان*

٢٧٧

أن يكون (نشرب ألبانها جزعا) وتكسر المزعة أيضا ليزدوج الكلام، فتقول: (ونأكل لحمانها مزعا)، قال: المزعة، بالكسر: هي القطعة من الشحم، والمزعة بالكسر أيضا من الرّيش والقطن وغير ذلك، كالمزقة من الخرق، والتّمزيع: التقطيع والتشقيق؛ يقال إنه ليكاد يتمزّع من الغيظ، ومزع الظّبي في عدوه يمزع مزعا؛ إذا أسرع، وقوله: (مال عميم):، أي كثير.

وقول الثانية: (تودك السّقاء)، من الودك الّذي هو(١) الدّسم.

وقول الثالثة: (نولّدها فطما)، الفطم: جمع فطيم، وهو المقطوع من الرّضاع. وقولها: (نسلخها أدما)، فالأدم: جمع إدام، وهو الّذي يؤكل؛ تقول: لو أنا فطمناها عند الولادة وسلخناها للأدم من الحاجة لم نبغ بها نعما. وعلى الرواية الأخرى: أدما، من الأديم.

وقوله: (جذوة مغنية)، فالجذوة: القطعة.

وقول الصغرى: (جوف لا يشبعن)، الجوف: جمع جوفاء، وهي العظيمة الجوف.

والهيم: العطاش، ولا ينقعن؛ أي لا يروين، ومعنى قولها: (وأمر مغويتهنّ يتبعن)، لأنّ القطيع من الضأن يمر على قنطرة فتزلّ واحدة فتقع في الماء، فيقعن كلّهنّ اتباعا لها، والضأن يوصف بالبلادة.

[خبر عبد الملك بن مروان مع سعيد بن خالد الجدلي:]

أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد الكاتب قال أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن يونس. قال ابن دريد وأخبرنا به العكلي عن أبي خالد(٢) عن الهيثم بن عدي عن مسعر بن كدام قال حدثني سعيد بن خالد الجدلي قال: لما(٣) قدم عبد الملك ابن مروان الكوفة بعد قتل مصعب، دعا الناس على فرائضهم(٤) ، فأتيناه فقال:

____________________

(١) حاشية الأصل: (بخط ابن الشجري على الحاشية: وجدت في بعض الروايات: (تودل السقاء) باللام مأخوذ من الأدل؛ وهو اللبن الحامض).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (عن أبي خالد).

(٣) الخبر في الأغاني ٣ - ٩١ - ٩٢؛ (طبع دار الكتب المصرية).

(٤) ت: (إلى فرائضهم)، والفرائض: العطايا.

٢٧٨

 (١) من القوم؟ فقلنا: جديلة(١) ، فقال: جديلة عدوان؟ قلنا: نعم، فتمثّل عبد الملك:

عذير الحي من عدوا

ن كانوا حيّة الأرض(٢)

بغى بعضهم بعضا

فلم يرعوا على بعض

ومنهم كانت السادا

ت والموفون بالقرض

ومنهم حكم يقضي

فلا ينقض ما يقضي

ومنهم من يجيز النا

س في السّنّة والفرض(٣)

ثم أقبل على رجل كنّا قدّمناه أمامنا جسيم وسيم، فقال: أيّكم يقول هذا الشعر؟

فقال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه: يقوله ذو الإصبع، فتركني وأقبل على ذاك الجسيم فقال: وما كان اسم ذي الإصبع؟ فقال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه: حرثان، فأقبل عليه وتركني، فقال: لم سمّي ذا الإصبع؟ فقال: لا أدري، فقلت: أنا من خلفه نهشته حيّة في إصبعه، فأقبل عليه وتركني فقال: من أيّكم كان؟ فقال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه من بني ناج، فأقبل على الجسيم فقال: كم عطاؤك؟ قال: سبعمائة(٤) ، ثم أقبل عليّ فقال:

كم عطاؤك؟ قلت: أربعمائة(٥) فقال: ياابن الزّعيزعة، حطّ من عطاء هذا ثلاثمائة، وزدها في عطاء هذا، فرحت وعطائي سبعمائة وعطاؤه أربعمائة.

وفي رواية أخرى أنه قال له: من أيّكم كان؟ فقال: لا أدري، فقلت أنا من خلفه:

من بني ناج، الّذي يقول فيهم الشاعر:

وأما بنو ناج فلا تذكرنّهم ولا تتبعن عينيك من كان هالكا(٦) إذا قلت معروفا لتصلح بينهم(٦) يقول وهيب لا أسالم(٧) ذلكا

____________________

(١) ت: (ممن القوم؟ فقلنا: من جديلة).

(٢) حاشية الأصل: (عذير: مصدر يقوم مقام الاستفهام؛ والتقدير: من يعذرهم؟).

(٣) قال أبو الفرج: (قوله (ومنهم من يجيز الناس)؛ فإن إجازة الحج كانت لخزاعة، فأخذتها منهم عدوان)، وانظر القصيدة في الأغاني مع اختلاف الرواية وعدد الأبيات.

(٤) حاشية ت (من نسخة): (سبعمائة درهم).

(٥) حاشية ت (من نسخة) (أربعمائة درهم).

(٦ - ٦) حاشية ت: (إذا قلت معروفا لأصلح بينهم)، وهي توافق رواية الأغاني.

(٧) م: (لا أسلم).

٢٧٩

ويروى (لا أحاول ذلكا).

فأضحى كظهر العود(١) جبّ سنامه

تحوم عليه الطير أحدب باركا

[إيراد شعر لذي الإصبع وشرج ما ورد فى ذلك من الغريب:]

وقد رويت هذه الأبيات لذي الإصبع أيضا:

ومن أبيات ذي الإصبع السائرة قوله:

أكاشر ذا الضّغن المبيّن منهم

وأضحك حتّى يبدو النّاب أجمع(٢)

وأهدنه بالقول هدنا ولو يرى

سريرة ما أخفي لبات يفزّع

ومعنى (أهدنه) أسكّنه.

ومن قوله أيضا:

إذا ما الدّهر جرّ على أناس

شراشره أناخ بآخرينا(٣)

فقل للشّامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشّامتون كما لقينا

ومعنى (الشراشر) هاهنا الثّقل، يقال ألقى عليه شراشره وجراميزه، أي ثقله.

ومن قوله:

ذهب الّذين إذا رأوني مقبلا

هشّوا إلي ورحّبوا بالمقبل

وهم الّذين إذا حملت حمالة(٤)

ولقيتهم فكأنّني لم أحمل

ومن قوله وهي مشهورة(٥) :

____________________

(١) العود هنا: المسن من الإبل، ورواية للأغاني: (الفحل). ورواية أخرى: (فأضحوا كظهر العود)، وبعده:

فإن تك عدوان بن عمرو تفرّقت

فقد غنيت دهرا ملوكا هنالكا

(٢) البيتان في حماسة البحتري ١٤٠، ونسبهما إلى معن بن أوس.

(٣) نسب البيتان في الشعر والشعراء: ٤٥٠، والحماسة ٣: ١٩١، وعيون الأخبار ٣: ١١٤، للفرزدق؛ وفي حماسة البحتري: ١٤٩ نسبا إلى مالك بن عمرو الأسدي.

(٤) الحمالة: الدية.

(٥) القصيدة في المفضليات - بشرح ابن الأنباري ٣٢١ - ٣٢٧، والأمالي ١: ٢٥٤ - ٢٥٧، والخزانة ٣: ٢٢٦ - ٢٢٨، وشرح شواهد المغني: ١٤٧ - ١٤٨، وأبيات منها في الشعر والشعراء ٦٨٩؛ مع اختلاف في الرواية وعدد الأبيات.

٢٨٠