أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 284599
تحميل: 9305


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 284599 / تحميل: 9305
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لي ابن عمّ على ما كان من خلق

مختلفان فأقليه ويقليني(١)

أزرى بنا أنّنا شالت نعامتنا

فخالني دونه بل خلته(٢) دوني

لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب

عنّي ولا أنت دياني فتخزوني(٣)

إني لعمرك ما بابي بذي غلق

عن الضيوف ولا خيري بممنون(٤)

ولا لساني على الأدنى بمنطلق

بالفاحشات ولا أغضي على الهون

ماذا عليّ وإن كنتم ذوي رحمي(٥)

ألاّ أحبّكم إذ(٦) لم تحبّوني

ياعمرو إلاّ تدع(٧) شتمي ومنقصتي

أضربك حيث(٨) تقول الهامة اسقوني

وأنتم معشر زيد(٩) على مائة

فأجمعوا أمركم طرّا فكيدوني

لا يخرج القسر مني غير مأبية

ولا ألين لمن لا يبتغي ليني(١٠)

قوله (شالت نعامتنا)، معناه تنافرنا(١١) ، فضرب النعام مثلا؛ أي لا أطمئن إليه(١١) ، ولا يطمئن إلي، يقال: شالت نعامة القوم إذا جلوا(١٢) عن الموضع.

وقوله: (لاه ابن عمك)؛ قال قوم: أراد للّه ابن عمك. وقال ابن دريد: أقسم وأراد الله ابن عمك. وقوله: (عنّي) أي عليّ(١٣) ، والدّيّان: الّذي يلي أمره. ومعنى: (فتخزوني) أي تسوسوني. والهون: الهوان.

____________________

(١) حاشية الأصل: (أي نحن مختلفان).

(٢) ت، حاشية الأصل (من نسخة): (وخلته)؛ وهي رواية الأمالي وأزرى بنا: قصر بنا.

(٣) لا أفضلت؛ أي ما جئت بفضل.

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (عن الصديق)، وممنون: منقطع؛ أي لا أقطع عنه فضلي.

(٥) حاشية ت (من نسخة): (رحم).

(٦) ش: (إن)

(٧) حاشية الأصل (من نسخة): (إن لم تدع).

(٨) م: (حتى).

(٩) زيد: زيادة.

(١٠) حاشية الأصل (من نسخة) بعد هذا البيت:

كلّ امرئ صائر يوما لشيمته

وإن تخلّق أخلاقا إلى حين

(١١ - ١١) ت: (فصرت لا أطمئن إليه).

(١٢) حاشية ت (من نسخة): (أجلوا).

(١٣) في حاشيتي الأصل، ت: (الأحسن أن يقدر هاهنا قبل يتعلق (عن) به؛ هكذا هو عند المحققين).

٢٨١

وقوله: (أضربك حيث تقول الهامة اسقوني)، قال الأصمعي: العطش في الهامة، فأراد أضربك في ذلك الموضع، أي على الهامة حتى تعطش. وقال آخرون: العرب تقول:

إن الرجل إذا قتل خرجت من رأسه هامة تدور حول قبره، وتقول: اسقوني، اسقوني! فلا تزال كذلك حتى يؤخذ بثأره؛ وهذا باطل؛ ويجوز أن يعنيه ذو الإصبع على مذاهب العرب.

وقوله: (لا يخرج القسر منّي غير مأبية)، فالقمر: القهر، أي إن أخذت قسرا لم أزدد إلاّ إباء(١) .

***

[ذكر معديكرب الحميري وبعض شعره:]

ومن المعمّرين معديكرب الحميري؛ من آل ذي رعين (قال ابن سلاّم: خ خ وقال معديكرب(٢) الجميري - وقد طال عمره:

أراني كلّما أفنيت يوما

أتاني بعده يوم جديد

يعود بياضه(٣) في كلّ فجر

ويأبى لي شبابي ما يعود

***

[أخبار الربيع بن ضبع الفزاري:]

ومن المعمّرين الربيع بن ضبع(٤) الفزاري، ويقال إنه بقي إلى أيام بني أمية. وروي أنّه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له: ياربيع، أخبرني عمّا أدركت من العمر والمدى، ورأيت من الخطوب الماضية، قال: أنا الّذي أقول:

ها أنا ذا آمل الخلود وقد

أدرك عقلي ومولدي حجرا(٥)

فقال عبد الملك: قد رويت هذا من شعرك وأنا صبي، قال: وأنا القائل:

____________________

(١) وانظر ترجمة ذي الإصبع وأخباره وأشعاره في (الاشتقاق ١٦٣، والمعمرين ٩٠، والأغاني ٣: ٢ - ١١، واللآلئ ٢٨٩ - ٢٩٠، والخزانة ٢: ٤٠٦ - ٤٠٩ والشعر والشعراء ٦٨٨ - ٦٩٠).

(٢) حاشية الأصل: (معديكرب، بالفتح، ويكون معدي مضافا إلى كرب).

(٣) ت، وحاشية الأصل (من نسخة): (ضياؤه).

(٤) ت: (ضبع، بالتنوين، وفي حاشية الأصل: (في نسخة مقروءة من كتاب سيبويه - وقد قرئ على أبي علي الفارسي رحمه الله - وفي أخرى مقروءة على ابن أخنه أبي الحسين: الربيع بن ضبع، منونا بآخره).

(٥) حاشية الأصل: (حجر أبو امرئ القيس).

٢٨٢

إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب اللّذاذة والفتاء(١)

قال: قد رويت هذا من شعرك وأنا غلام، وأبيك ياربيع، لقد طلبك(٢) جدّ غير عاثر، ففصّل لي عمرك، قال: عشت مائتي سنة في فترة عيسىعليه‌السلام ، وعشرين ومائة في الجاهلية، وستين سنة في الإسلام. قال: أخبرني عن فتية من قريش متواطئي الأسماء، قال: سل عن أيّهم شئت، قال: أخبرني عن عبد الله بن العباس، قال: فهم وعلم، وعطاء جذم(٣) ، ومقرى ضخم. قال: فأخبرني عن عبد الله بن عمر قال: حلم وعلم، وطول كظم، وبعد من الظّلم. قال: فأخبرني عن عبد الله بن جعفر، قال: ريحانة طيّب ريحها، ليّن مسّها، قليل على المسلمين ضرّها. قال: فأخبرني عن عبد الله بن الزّبير، قال: جبل وعر، ينحدر(٤) منه الصّخر. قال: للّه درّك ياربيع! ما أعرفك بهم! قال: قرب جواري، وكثر استخباري.

قال سيدنا الشريف الأجلّ المرتضى أدام الله علوّه: إن كان هذا الخبر صحيحا فيشبه أن يكون سؤال عبد الملك له إنما كان في أيام معاوية، لا في أيام ولايته، لأن الربيع يقول في الخبر: (عشت في الإسلام ستين سنة)(٥) ، وعبد الملك ولي في سنة خمس وستين من الهجرة، فإن كان صحيحا فلا بد مما ذكرناه؛ فقد روي أن الرّبيع أدرك أيام معاوية؛ ويقال: إن الربيع لما بلغ مائتي سنة قال:

____________________

(١) البيت من شواهد الرضي على الكافية، وهو في (الخزانة ٣: ٣٠٦)، أورده شاهدا على أنه قد يفرد مميز المائة وينصب؛ وأورده سيبويه في موضعين: الأول في باب الصفة المشبهة بالفاعل وذكر أسماء العدد وعملها في الأسماء؛ (الكتاب ١: ١٠٦)، والثاني في باب كم (١: ٣٠٦).

وأورده ابن قتيبة في (أدب الكاتب: ٢٩٥)، في باب (أسماء يتفق لفظها وتخلف معانيها)، قال: (والفتاء من السن ممدود، وروى البيت، وذكره البطليوسي في الاقتضاب: ٣٦٩، وأورد بيتين بعده.

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (لقد طار بك).

(٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (حذم)، بالحاء، وأصل الحذم الإسراع.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (يتحدر منه)، وفي حاشية ت (من نسخة): (ينحدر عنه.

(٥) ت: (حجة).

٢٨٣

ألا أبلغ بنيّ بني ربيع

فأشرار البنين لكم فداء(١)

بأنّي قد كبرت ودقّ عظمي

فلا تشغلكم عنّي النّساء

وإنّ كنائني لنساء صدق

وما آلى بنيّ ولا أساءوا(٢)

إذا كان(٣) الشّتاء فأدفئوني

فإنّ الشيخ يهدمه الشّتاء

وأمّا حين يذهب كلّ قرّ

فسربال خفيف أو رداء

إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب اللّذاذة(٤) والفتاء

وقال حين بلغ مائتين وأربعين سنة:

أصبح منّي الشّباب قد حسرا(٥)

إن ينا(٦) عنّي فقد ثوى عصرا

ودّعنا قبل أن نودّعه

لما قضى من جماعنا وطرا

ها أنا ذا آمل الخلود وقد

أدرك عقلي(٧) ومولدي حجرا

أبا امرئ القيس هل سمعت به!

هيهات هيهات طال ذا عمرا

أصبحت لا أحمل السّلاح ولا

أملك رأس البعير إن نفرا

____________________

(١) المقطوعة في (شرح أدب الكاتب للجواليقي ٢٦٦، والمعمرين ٦ - ٧، وذيل الأمالي: ٢١٤، والخزانة ٣: ٣٠٦). قال الجواليقي: (قوله: (فأشرار البنين لكم فداء)، وصفهم بالبر)، وفي الخزانة: (أنذال البنين).

(٢) الكائن: جمع كنة؛ بالفتح والتشديد؛ وهي امرأة الابن والأخ؛ يريد أنهن نعم النساء، وفي حاشية ت (من نسخة): (ألى)، بتشديد اللام قال: (وهو الصحيح؛ ومعنى (ألى)، قصر في قول بعضهم، واللغة الأخرى (ألا)، مخففا؛ يقال: ألا الرجل يألو؛ إذا قصر وفتر؛ فأما (آلى) في البيت فلا وجه له؛ لأنه بمعنى حلف، ولا معنى له هاهنا).

وفي المعمرين لأبي حاتم: (ويروى: (وما ألى)، والتألية: التقصير، ومن قال: (وما آلى) فالمعنى ما أقسموا ألا يبروني)، وروي عن أبى عمرو الشيباني قال: سألني القاسم بن معن عن قوله:

* وما ألّى بنيّ وما أساءوا*

قلت: أبطئوا، قال: ما تدع شيئا! وانظر اللسان (ألا).

(٣) كان هاهنا تامة، لا اسم لها ولا خبر، وفي المعمرين: (جاء).

(٤) في الاقتضاب: (النخيل)، وقال في شرحه: النخيل:

الخيلاء، ويروى: (المسرة)، ويروى: (المروءة)،

(٥) في حاشيتي الأصل، ت: (يقال:

حسر البعير يحسر إذا أعبا، وتحسر واستحسر كذلك، وحسرته أنا، يتعدى ولا يتعدى).

(٦) ت: (بان عني).

(٧) ش: (سني)، وفي م: (عقلي).

٢٨٤

والذّئب أخشاه إن مررت به

وحدي وأخشى الرّياح والمطرا

من بعد ما قوّة أسرّ(١) بها

أصبحت شيخا أعالج الكبرا(٢)

قوله: (عطاء جذم) أي سريع، وكلّ شيء تسرّعت فيه فقد جذمته، وفي الحديث: (إذا أذّنت فترسّل، وإذا أقمت فاجذم)، أي أسرع. والمقرى: الإناء الّذي يقرى فيه.

وقوله: (فما آلى بنيّ ولا أساءوا)، أي لم يقصّروا، والآلى: المقصّر(٣) .

____________________

(١) حاشية ت من نسخة: (أنوء).

(٢) وردت هذه الأبيات في حماسة البحتري: ٣٢٢، ونوادر أبي زيد ١٥٨؛ ونقل صاحب الخزانة (٣: ٣٠٩) عن ابن السيد في شرح الجمل قال: (روى الرواة أن الربيع بن ضبع عاش حتى أدرك الإسلام، وأنه قدم الشام على معاوية بن أبي سفيان ومعه حفدته، ودخل حفيده على معاوية فقال له: اقعد ياشيخ؛ فقال له: وكيف يقعد من جده بالباب؟ فقال له معاوية:

لعلك من ولد الربيع بن ضبع، فقال: أجل؛ فأمره بالدخول، فلما دخل سأله معاوية عن سنه فقال:

أقفر من ميّة الجريب إلى الزّ

جين إلاّ الظباء والبقرا

كأنّها درّة منعّمة

من نسوة كنّ قبلها دررا

أصبح منّي الشباب مبتكرا

إن ينأ عني فقد ثوى عصرا

إلى آخر الأبيات المتقدمة؛ فقرأ معاوية،( وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ) .

(٣) وانظر ترجمة الربيع بن ضبع وأخباره وأشعاره في (المعمرين ٦ - ٧، واللآلئ ٨٠٢، والخزانة ٣: ٣٠٦ - ٣٠٩، والإصابة، ٢: ٢٠٩).

٢٨٥

[١٨]

مجلس آخر [المجلس الثامن عشر:]

[أخبار أبي الطمحان القيني وإيراد طائفة من شعره:]

ومن المعمّرين أبو الطّمحان القيني، واسمه حنظلة بن الشّرقي، من بني(١) كنانة ابن القين؛ قال أبو حاتم: خ خ عاش مائتي سنة، فقال في ذلك:

حنتني حانيات الدّهر حتّى

كأني خاتل(٢) أدنو لصيد

قصير الخطو يحسب من رآني

- ولست مقيّدا - أنّى بقيد

ويروى: (قريب الخطو).

قال أبو حاتم: خ خ حدثني عدّة من أصحابنا أنهم سمعوا يونس بن حبيب ينشد هذين البيتين، وينشد أيضا:

تقارب خطو رجلك ياسويد(٣)

وقيّدك الزّمان بشرّ قيد

وهو القائل:

وإنّي من القوم الذين هم هم

إذا مات منهم ميّت قام صاحبه(٤)

نجوم سماء كلّما غاب كوكب

بدا كوكب تأوي إليه كواكبه

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم

دجى اللّيل حتّى نظّم الجزع ثاقبه

وما زال منهم حيث كان مسوّد(٥)

تسير المنايا حيث سارت كتائبه(٦)

ومعنى البيتين الأوّلين يشبه قول أوس بن حجر:

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (من كنانة).

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (حابل).

(٣) ت، ش: (يادويد).

(٤) ش: (منهم سيد).

(٥) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (حيث كانوا متوج).

(٦) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (ركائبه).

٢٨٦

إذا مقرم منّا ذرا حدّ نابه

تخمّط فينا ناب آخر مقرم(١)

 ولطفيل الغنوي مثل هذا، وهو:

كواكب دجن كلّما انقضّ كوكب

بدا وانجلت عنه الدّجنّة كوكب(٢)

وقد أخذ الخريمي هذا المعنى فقال:

إذا قمر منّا تغوّر أو خبا

بدا قمر في جانب الأفق يلمع

ومثل ذلك:

خلافة أهل الأرض فينا وراثة

إذا مات منا سيّد قام صاحبه

ومثله:

إذا سيّد منا مضى لسبيله

أقام عمود الملك(٣) آخر سيّد

وكأنّ مزاحما العقيلي نظر إلى قول أبي الطمحان:

* أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم*

في قوله:

وجوه لو أنّ المدلجين اعتشوا بها

صدعن الدّجى حتّى ترى الليل ينجلي(٤)

ويقارب ذلك قول حجيّة بن المضرّب الكندي:

أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت

لنورهم الشّمس المضيئة والبدر(٥)

وأنشد محمد بن يحيى الصولي في معنى بيتي أبي الطّمحان:

____________________

(١) ديوانه: ٢٧، واللسان (خمط) وفي حاشيتي الأصل، ت: (ذرا الشيء: سقط، وذروته:

طيرته. وتخمط الفحل؛ إذا انتفخ عند الهيام).

(٢) ديوانه: ١٩

(٣) حاشية ت (من نسخة) (الدين).

(٤) ديوانه: ٦، مجالس ثعلب: ٢٧٧.

(٥) من أبيات ذكرها القالي في (الأمالي ١: ٥٣ - ٥٤)، وقال: (يمدح فيها يعفر بن زرعة، أحد الأملوك أملوك ردمان)؛ وأولها:

إذا كنت سائلا عن المجد والعلى

وأين العطاء الجزل والنّائل الغمر

فنقّب عن الأملوك واهتف لحمير

وعش جار ظلّ لا يغالبه الدّهر

والأملوك: قبيلة من حمير، وردمان: مدينة باليمن).

٢٨٧

من البيض الوجوه بني سنان

لو أنّك تستضيء بهم أضاءوا(١)

هم حلّوا من الشّرف المعلّى

ومن كرم العشيرة حيث شاءوا(٢)

فلو أنّ السّماء دنت لمجد

ومكرمة دنت لهم السّماء(٣)

وأبو الطمحان القائل:

إذا كان في صدر ابن عمّك إحنة

فلا تستثرها سوف يبدو دفينها(٤)

وهو القائل:

إذا شاء راعيها استقى من وقيعة

كعين الغراب صفوها لم يكدّر(٥)

ويروى: (صفيّه لم يكدّر)، والوقيعة: المستنقع في الصخرة للماء، ويقال للماء إذا زل(٦) من صخرة فوقع في بطن أخرى ماء الوقائع، وأنشدوا لذي الرّمة:

ونلنا سقاطا من حديث كأنه

جنى النّحل ممزوجا بماء الوقائع(٧)

ويقال للماء الّذي يجري على الصخر ماء الحشرج، وللماء الّذي يجري بين الحصى والرمل ماء المفاصل، وأنشدوا لأبي ذؤيب:

____________________

(١) من أبيات ثمانية، نسبها أبو تمام إلى أبي البرج القاسم بن حنبل المري؛ يقولها في زفر بن أبي هاشم ابن مسعود بن سنان؛ وأولها:

أرى الخلاّن بعد أبي حبيب

وحجر في جنابهم جفاء

وهي في الحماسة - بشرح التبريزي ١: ١٩٧ - ١٩٨، وأبيات منها في الحيوان ٢: ١ - ٢، والمؤتلف والمختلف ٦٢، ومعجم المرزباني ٣٢٣.

(٢) في الحماسة: (حسب العشيرة).

(٣) في الحماسة: (لكم السماء).

(٤) البيت في اللسان (أحن)، نسبه إلى الأقيبل القيني؛ وذكر قبله:

متى ما يسؤ ظنّ امرئ بصديقه

يصدّق بلاغات يجئه يقينها

وهو أيضا بهذه النسبة في المؤتلف والمختلف: ٢٣؛ وفي الفائق ١: ١٦؛ من غير عزو.

(٥) ت: (كعين العذاب)، قال: وذكر فوقها: (وهو اسم موضع) وعين الغراب يضرب بها المثل في الصفاء.

(٦) ت: (عن صخرة).

(٧) ديوانه: ٣٥٨.

٢٨٨

مطافيل أبكار حديث نتاجها

يشاب بماء مثل ماء المفاصل(١)

وأنشد أبو محلّم السعدي لأبي الطّمحان:

بنيّ إذا ما سامك الذّلّ قاهر

عزيز فبعض الذّلّ أبقى وأحرز(٢)

ولا تحم(٣) من بعض الأمور تعزّزا

فقد يورث الذّلّ الطويل التّعزّز

وهذان البيتان يرويان لعبد الله بن معاوية الجعفري.

وروي لأبي الطّمحان أيضا في مثل هذا المعنى:

ياربّ مظلمة(٤) يوما لطيت لها

تمضي عليّ إذا ما غاب نصّاري(٥)

حتّى إذا ما انجلت عنّي غيابتها

وثبت فيها وثوب المخدر الضّاري(٦)

***

[أخبار عبد المسيح بن بقيلة الغساني:]

ومن المعمّرين عبد المسيح بن بقيلة الغسّاني، وهو عبد المسيح بن عمرو بن قيس ابن حيان بن بقيلة، وبقيلة اسمه ثعلبة، وقيل الحارث؛ وإنما سمّي بقيلة لانه خرج في بردين أخضرين على قومه، فقالوا له: ما أنت إلا بقيلة، فسمي لذلك.

وذكر الكلبي وأبو مخنف وغيرهما أنه عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وكان نصرانيّا.

وروي أن خالد بن الوليد لما نزل على الحيرة، وتحصّن منه أهلها أرسل إليهم: ابعثوا إلي رجلا من عقلائكم، وذوي أسنانكم(٧) . فبعثوا إليه بعبد المسيح بن بقيلة، فأقبل يمشي

____________________

(١) حاشية الأصل: (قبله:

وإنّ حديثا منك لو تبذلينه جنى النّحل في ألبان عوذ مطافل (مطافيل أبكار)، بدل من قوله: (عوذ مطافل)، ومطافل: جمع مطفل؛ وهي التي معها ولدها).

وانظر ديوان الهذليين ١: ١٤٠.

(٢) حاشية ت (من نسخة): (أتقى وأحرز).                  (٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (ولا تجن).

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (مظلمة)، بضم الميم.       (٥) ش: (أنصاري).

(٦) الغياية: كل ما أظل الإنسان فوق رأسه. وانظر ترجمة أبي الطمحان وأخباره وأشعاره في (الشعر والشعراء ٣٤٨ - ٣٤٩، والمعمرين ٥٧، والاشتقاق ٣١٧، والمؤتلف والمختلف ١٤٩ - ١٥٠، والأغاني ١١: ١٢٥ - ١٢٨، واللآلي ٣٣٢، والإصابة ٢: ٦٦، والخزانة ٣: ٤٢٦).

(٧) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (أنسابكم).

٢٨٩

حتى دنا من خالد، فقال له: انعم صباحا أيها الملك! قال: قد أغنانا الله عن تحيّتك هذه، فمن أين أقصي أثرك أيها الشيخ؟ قال: من ظهر أبي، قال: فمن أين خرجت؟ قال من بطن أمي، قال: فعلام أنت؟ قال: على الأرض، قال: ففيم أنت؟ قال: في ثيابي، قال:

أتعقل - لا عقلت؟ قال: إي والله وأقيّد، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال خالد: ما رأيت كاليوم قطّ، إني أسأله عن الشيء(١) وينحو في غيره(١) ، قال: ما أجبتك إلاّ عما سألت، فسل عمّا بدا لك.

قال: أعرب أنتم أم نبيط(٢) ؟ قال: عرب استنبطنا، ونبيط استعربنا، قال: أفحرب أنتم أم سلم؟ قال: بل سلم، قال: فما هذي الحصون؟ قال: بنيناها للسّفيه(٣) نحذر منه حتّى يجيء الحليم فينهاه، قال: كم أني لك؟ قال: ستون وثلاثمائة سنة، قال: فما أدركت؟

قال: أدركت سفن البحر ترفأ(٤) في هذا الجرف، ورأيت المرأة تخرج من الحيرة، وتضع مكتلها على رأسها، لا تزوّد إلاّ رغيفا واحدا حتى تأتي الشام، ثم قد أصبحت خرابا يبابا، وذلك دأب الله في البلاد والعباد.

قال - ومعه سمّ ساعة يقلّبه في كفّه -: فقال له خالد: ما هذا في كفّك؟ قال: هذا السّم، قال: ما تصنع به؟ قال: إن كان عندك ما يوافق قومي وأهل بلدي حمدت الله وقبلته، وإن كانت الأخرى لم أكن أول من ساق إليهم ذلاّ وبلاء، أشربه فأستريح من الدنيا، فإنما بقي من عمري اليسير، قال خالد: هاته، فأخذه ثم قال: بسم الله وبالله رب الأرض والسماء، الّذي لا يضر مع اسمه شيء، ثم أكله، فتجللته غشية، ثم ضرب بذقنه في صدره طويلا، ثم عرق فأفاق، كأنما أنشط من عقال.

فرجع ابن بقيلة إلى قومه فقال: جئتكم من عند شيطان، أكل سمّ ساعة فلم يضرّه،

____________________

(١ - ١) حاشية ت (من نسخة): (وينحو بي إلى غيره).

(٢) ش: (نبط)، وهو بمعنى النبيط: (وفي حاشية الأصل: (أصل النبط قوم كانوا يستنبطون الماء ويحتفرون الآبار للعرب؛ فقيل لأهل السواد النبيط).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (لسفيه).

(٤) في حاشية الأصل، ت: (أرفأت السفينة: قربتها من الشط، وذلك الموضع مرفأ).

٢٩٠

صانعوا القوم وأخرجوهم عنكم، فإن هذا أمر مصنوع(١) لهم، فصالحوهم(٢) على مائة ألف درهم، وأنشأ ابن بقيلة يقول:

أبعد المنذرين أرى سواما

تروّح بالخورنق والسّدير!(٣)

[أبعد فوارس النّعمان أرعى

مراعي نهر مرّه فالحفير!](٤)

تحاماه فوارس كلّ قوم

مخافة ضيغم عالي الزّئير

وصرنا بعد هلك أبي قبيس

كمثل الشّاء في اليوم المطير

- يريد أبا قابوس، فصغر، ويروى (كمثل المعز)  -

تقسّمنا القبائل من معدّ

علانية كأيسار الجزور(٥)

نؤدّي الخرج بعد خراج كسرى

وخرج من قريظة والنّضير

كذاك الدّهر دولته سجال

فيوم من مساة(٦) أو سرور

 ويقال إن عبد المسيح لما بنى بالحيرة قصره المعروف بقصر بني بقيلة قال:

لقد بنّيت للحدثان حصنا

لو أنّ المرء تنفعه الحصون

طويل الرّأس أقعس مشمخرّا

لأنواع الرّياح به حنين(٧)

ومما يروى لعبد المسيح بن بقيلة:

والنّاس أبناء علاّت فمن علموا

أن قد أقلّ فمجفوّ ومهجور(٨)

وهم بنون لأمّ إن رأوا نشبا

فذاك بالغيب محفوظ ومخفور

وهذا يشبه قول أوس بن حجر:

____________________

(١) حاشية الأصل: (أي كأن الله صنعه لهم).

(٢) ت، د: (فصانعوهم).

(٣) الأبيات في معجم البلدان: ٣: ٤٨٥، وفي حاشية ت (من نسخة) (تروح)، بفتح الحاء، والخورنق والسدير: موضعان بالحيرة.

(٤) تكملة من ت.

(٥) معجم البلدان: (كأنا بعض أجزاء الجزور).

(٦) حاشية الأصل (من نسخة): (من مساءة أو سرور).

(٧) م: (أنين).

(٨) قال في اللسان (علل): (أبناء علات، يستعمل في الجماعة المختلفين)، واستشهد بالبيتين؛ وأصله في الأولاد تختلف أمهاتهن. وفي حاشية الأصل: (بنو العلات: بنو الضرائر)، وفي م: (فمجفوّ ومحقور)؛ وهي رواية اللسان.

٢٩١

بني أمّ ذي المال الكثير يرونه

- وإن كان عبدا - سيّد الأمر جحفلا(١)

وهم لمقلّ المال أولاد علّة

وإن كان محضا في العمومة مخولا

وذكر أنّ بعض مشايخ أهل الحيرة خرج إلى ظهرها يختط ديرا(٢) ، فلما احتفر موضع الأساس، وأمعن في الاحتفار أصاب كهيئة البيت(٣) ، فدخله فإذا رجل على سرير من رخام(٤) ، وعند رأسه كتابة: (أنا عبد المسيح بن بقيلة.

حلبت الدهر أشطره حياتي

ونلت من المنى بلغ المزيد(٥)

وكافحت الأمور وكافحتني

فلم أحفل بمعضلة كئود

وكدت أنال في الشّرف الثّريّا

ولكن لا سبيل إلى الخلود(٦)

***

[أخبار النابغة الجعدي وإيراد طائفة من أشعاره:]

ومن المعمّرين النابغة الجعدي، واسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ويكنى أبا ليلى.

وروى أبو حاتم السجستاني قال: خ خ كان النابغة الجعدي أسنّ من النابغة الذّبياني، والدليل على ذلك قوله:

تذكّرت والذّكرى نهيج على الهوى

ومن حاجة المحزون أن يتذكّرا(٧)

نداماي عند المنذر بن محرّق

أرى اليوم منهم ظاهر الأرض أقفرا

كهول وفتيان كأنّ وجوههم

دنانير ممّا شيف في أرض قيصرا

____________________

(١) ديوانه: ٢٢، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (سيد الملك). ويقال: رجل جحفل؛ أي سيد عظيم القدر؛ ذكره صاحب اللسان، واستشهد بالبيت. وفي حاشيتي الأصل، ت: (قبله:

وإني وجدت الناس إلاّ أقلّهم

خفاف العهود يكثرون التنقّلا

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (دارا).

(٣) حاشية ت (من نسخة): (الكهف).

(٤) ش: (زجاج).

(٥) حاشية الأصل: (أي البلغ من المزيد).

(٦) وانظر ترجمة عبد المسيح بن بقيلة أيضا في المعمرين ٣٧ - ٣٨.

(٧) من قصيدة طويلة، ٧٦ بيتا، ذكرها صاحب جمهرة الأشعار في ٣٠١ - ٣٠٧.

٢٩٢

فهذا يدلّ على أنه كان مع المنذر بن محرّق، والنابغة الذّبياني كان مع النعمان بن المنذر ابن محرق.

قوله: (شيف) يعني جليّ، والمشوف المجلوّ.

ويقال: إن النابغة غبر ثلاثين سنة لا يتكلّم(١) ، ثم تكلم بالشعر ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة بأصبهان، وكان ديوانه بها، وهو الّذي يقول:

فمن يك سائلا عنّي فإني

من الفتيان أيام الخنان

- وأيام الخنان: أيام كانت للعرب قديمة، هاج بها فيهم مرض في أنوفهم وحلوقهم -

مضت مائة لعام ولدت فيه

وعشر بعد ذاك وحجّتان(٢)

فأبقى الدّهر والأيام منّي

كما أبقى من السّيف اليماني

تفلّل وهو مأثور جراز

إذا جمعت بقائمه اليدان(٣)

وقال أيضا في طول عمره:

لبست أناسا فأفنيتهم

وأفنيت بعد أناس أناسا

ثلاثة أهلين أفنيتهم

وكان الإله هو المستآسا

____________________

(١) حاشية الأصل: (أي لا يتكلم بالشعر، وسميت القصيدة كلمة).

(٢) في حاشيتي الأصل، ت: (ذكر المبرد في قول النابغة:

على حين عاتبت المشيب على الصّبا

وقلت ألما أصح والشيب وازع

أنه يجوز في (حين) النصب والجر. وذكر بعض المتأخرين أنه إذا أضيف الظرف إلى المبني لم يجز فيه إلا النصب، وإنما يجوز الجر إذا أضيف إلى المعرب؛ كقوله تعالى:( هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ، وهذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ) ، وقول النابغة: (لعام ولدت فيه) لا يحتاج إلى (فيه) بل هو كالزيادة المستغنى عنها؛ لأنه إذا أضيف (العام) إلى (ولدت) كان المضاف إليه مع المضاف في حكم الشيء الواحد؛ فلا يحتاج إلى العائد؛ بخلاف أن تكون الجملة صفة؛ كقوله تعالى:( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ) ؛ وكأنه للبيان والتحقيق، على تقدير: (لعام ولدت)، ثم أضمر: (ولدت)، أخرى، والجار والمجرور يتعلق بولدت المضمر). وانظر الكامل - بشرح المرصفي ٢: ٢٢٠

(٣) مأثور: باق أثره. والجراز: الماضي النافذ في الضريبة، وانظر طبقات الشعراء: ١٠٤

٢٩٣

معنى المستآس: المعتاض(١) .

وروي عن هشام بن محمد الكلبي أنه عاش مائة وثمانين سنة.

وروى ابن دريد عن أبي حاتم في موضع آخر أن النابغة الجعدي عاش مائتي سنة، وأدرك الإسلام، وروي له:

قالت أمامة كم عمرت زمانة

وذبحت من عتر على الأوثان!

- العتيرة(٢) : شاة تذبح لأصنامهم في رجب في الجاهلية -

ولقد شهدت عكاظ قبل محلّها

عنها وكنت أعدّ مل فتيان(٣)

والمنذر بن محرّق في ملكه

وشهدت يوم هجائن النّعمان(٤)

____________________

(١) ت، وحاشية الأصل (من نسخة): (المستعاض)، وهو من العوض.

(٢) حاشية الأصل: (العتر والعتيرة كالذبح والذبيحة).

(٣) ش: (فيها)، وفي حاشية الأصل: (محلها فيها؛ أي نزولها في عكاظ، ومحلها عنها، أي نزولها فيما عدا عكاظ، و (عن) لما عدا الشيء وجاوزه).

(٤) حواشي الأصل، ت، ف: (هو المنذر بن امرئ القيس بن عمرو ابن عدي بن ربيعة بن نصر اللخمي. وعمرو بن عدي هو ابن أخت جذيمة بن مالك الأبرش؛ وقيل له الأبرش والوضاح لبرص به؛ وكان يقال لامرئ القيس أبي المنذر محرق؛ وفيهم يقول الأسود بن يعفر:

ماذا أؤمل بعد آل محرّق

- تركوا منازلهم - وبعد إياد

والنعمان بن امرئ القيس هو النعمان الأكبر؛ ويقال إن أنوشروان بن قباذ هو الّذي ملكه؛ وقيل ملكه قباذ. والنعمان هذا هو الّذي بني الخورنق؛ وهو الّذي لبس المسوح وتزهد وساح في الأرض، ثم ملك أخوه المنذر بن امرئ القيس؛ ملكه أنوشروان، وأمه من النمر بن قاسط؛ ويقال لها ماء السماء لجمالها، وأبوها عوف بن جشم. ومن الأزد رجل يقال له ماء السماء أيضا؛ وهو عامر أبو عمرو بن عامر، وعمرو هو الّذي يقال له مزيقياء ثم ملك المنذر بن المنذر بن امرئ القيس، ثم ملك عمرو بن هند مضرط الحجارة؛ وهو محرق أيضا لأنه أحرق من بني دارم ثمانية وتسعين رجلا، وكملهم مائة برجل من البراجم وبامرأة نهشلية؛ ولذلك قيل: (إن الشقي وافد البراجم). ثم ملك بعده النعمان بن المنذر بن المنذر ابن امرئ القيس؛ وكان يكنى أبا قابوس؛ وهو صاحب النابغة الذبياني؛ وكان له يومان: يوم نعيم ويوم بؤس، ومحرق أيضا لقب الحارث بن عمرو، ملك الشام من آل جفنة؛ وهو أول من حرق العرب في ديارهم. وامرأة هجان؛ أي حرة كريمة لم يعرفها الإماء، من نسوة هجان؛ قال أبو زيد: والهجان من الإبل: البيض؛ يوصف به الواحد والجمع؛ فإذا كان واحدا فهو مثل كتاب، وإذا كان جمعا فهو مثل كلاب؛ ويقال ناقة هجان وبعير هجان، والجمع على هجائن أيضا. وهجائن النعمان معروفة؛ وهي نجائبه؛ -

٢٩٤

وعمرت حتى جاء أحمد بالهدى

وقوارع تتلى من القرآن(١)

ولبست مل إسلام ثوبا واسعا

من سيب لا حرم ولا منّان(٢)

وله أيضا في طول عمره:

المرء يهوى أن يعيش وطول عيش ما يضرّه(٣)

تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مرّه

وتتابع الأيام حتّى لا يرى شيئا يسرّه

كم شامت بي إن هلكت وقائل للّه درّه!

ويروى أن النابغة الجعدي كان يفتخر ويقول: أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم فأنشدته:

بلغنا السّماء مجدنا وجدودنا

وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم: (أين المظهر ياأبا ليلى؟) قلت: الجنة يارسول الله، فقال: (أجل إن شاء الله)، ثم أنشدته:

فلا خير في حلم إذا لم تكن له

بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له

حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا يفضض الله فاك!)، وفي رواية أخرى: (لا يفضض فوك!) فيقال: إن النابغة عاش عشرين ومائة سنة، لم تسقط له سنّ ولا ضرس. وفي رواية أخرى عن بعضهم قال: فرأيته وقد بلغ الثمانين ترفّ غروبه، وكان كلّما سقطت له ثنيّة نبتت له أخرى مكانها، وهو أحسن الناس ثغرا.

معنى ترفّ تبرق، وكأن الماء يقطر منها.

____________________

 - وكان يقال لها عصافير النعمان لحقتها في سيرها. وفي كلام حسان بن ثابت: فما حسدت أحدا حسدي النابغة حين أمر له النعمان بن المنذر بمائة ناقة بريشها من نوق عصافيره، وجام وآنية من فضة، وكانوا إذا حبا الملك بعضهم بنوق يغمزون في أسنمتها ريش النعام؛ ليعلم أنها حباء الملك).

(١) القوارع من القرآن: آيات الوعد والوعيد.

(٢) الرجل الحرم: المانع.

(٣) ش: (قد يضره).

٢٩٥

قال المرتضى أدام الله علوّه: ومما يشاكل قوله: (إلى الجنة) في جواب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (أين المظهر ياأبا ليلى) - وإن كان يتضمّن العكس من معناه - ما روي من دخول الأخطل على عبد الملك بن مروان، مستغيثا من فعل الجحّاف السّلمي، وأنه أنشده:

لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة

إلى الله منها المشتكى والمعوّل(١)

فإن لم تغيّرها قريش بملكها

يكن عن قريش مستماز ومزحل(٢)

فقال عبد الملك له: إلى أين ياابن اللّخناء؟ فقال: إلى النار، قال: لو قلت غيرها لقطعت لسانك.

فقوله: (النار) تخلّص مليح على البديهة، كما تخلّص الجعدي بقوله: (إلى الجنة).

وأول قصيدة الجعدي الّذي ذكرنا منها الأبيات:

خليلي غضّا ساعة وتهجّرا(٣)

ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا

ولا تسألا، إنّ الحياة قصيرة

فطيرا لروعات الحوادث أوقرا

وإن كان أمر لا تطيقان دفعه

فلا تجزعا مما قضى الله واصبرا

ألم تعلما أنّ الملامة نفعها

قليل إذا ما الشّيء ولى فأدبرا(٤)

لوى الله علم الغيب عمّن سواءه

ويعلم منه ما مضى وتأخّرا

وفيها يقول:

وجاهدت حتّى ما أحسّ ومن معي

سهيلا إذا ما لاح ثمّ تغوّرا

- يريد: إني كنت بالشام، وسهيل لا يكاد يرى هناك، وهذا بيت معنى - وفيها يقول:

ونحن أناس لا نعوّد خيلنا

إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا

____________________

(١) ديوانه: ١٠ والطبقات: ٤١٢، والبشر: جبل بالجريرة، يمتد من عرض الفرات إلى أرض الشام، وهو الجحاف بن حكيم السلمي، وانظر خبره وقصة يوم البشر في الأغاني ١١: ٥٥ - ٦٠.

(٢) يقال: امتاز القوم إذا تنحى عصابة منهم ناحية، وكذلك استماز؛ ذكره صاحب اللسان واستشهد بالبيت. والمزحل: الموضع: الّذي ينزحل إليه؛ أي يتنحى ويتباعد. وانظر اللسان (ميز - زحل).

(٣) التهجر: السير في الهاجرة.

(٤) حاشية ت: (بعده:

يهيج اللحاء والملامة ثم ما

يقرّب منّا غير ما كان قدّرا

٢٩٦

وننكر(١) يوم الرّوع ألوان خيلنا

من الطّعن حتّى تحسب(٢) الجون أشقرا

وليس بمعروف لنا أن نردّها

صحاحا ولا مستنكر(٣) أن تعقّرا

وأخبرنا المرزباني قال أنشدنا عليّ بن سليمان الأخفش قال أنشدنا أحمد بن يحيى قال:

أنشدنا محمد بن سلاّم وغيره للنابغة الجعدي:

تلوم على هلك البعير ظعينتي

وكنت على لوم العواذل زاريا(٤)

ألم تعلمي أني رزئت محاربا(٥)

فمالك منه اليوم شيء ولا ليا

ومن قبله ما قد رزئت بوحوح(٦)

وكان ابن أمّي والخليل المصافيا

فتى كملت أخلاقه غير أنه

جواد فما يبقي من المال باقيا(٧)

فتى تمّ فيه ما يسرّ صديقه

على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا

- ويروى: (فتى كان فيه ما يسرّ)  -

أشمّ طويل(٨) السّاعدين سميدع

إذا لم يرح للمجد أصبح غاديا

السميدع: السيد.

ومما يروى للنابغة الجعدي:

عقيليّة أو من هلال بن عامر

بذي الرّمث من وادي المنار خيامها(٩)

إذا ابتسمت في اللّيل واللّيل دونها

أضاء دجى الليل البهيم ابتسامها

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (وتنكر)، بالبناء للمجهول.

(٢) حاشية ت (من نسخة) (ويحسب الجون)، بالبناء للمجهول.

(٣) حاشية ت (من نسخة): (ولا مستنكرا) بالعطف على المعنى.

(٤) من أبيات يرثي فيها أخاه لأمه، وقد ذكرت متفرقة في ديوان الحماسة ٣: ١٩، والخزانة ٢: ١٢ - ١٣، وشرح شواهد المغني: ٢٠٩ والأمالي ٢: ٢، واللآلئ: ٦٣٧).

(٥) هو محارب بن قيس بن عدس؛ كان من أشراف قومه.

(٦) هو وحوح بن عبد الله؛ قال أبو عبيد البكري: (هو أخو النابغة لأمه).

(٧) رواية البيت في ت:

فتى كملت أخلاقه غير أنّه

جواد فما بقي من المال باقيا

(٨) حاشية ت (من نسخة): (طوال الساعدين).

(٩) ش: (وادي المياه).

٢٩٧

وذكر الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: سئل الفرزدق بن غالب عن الجعدي فقال:

صاحب خلقان؛ يكون عنده مطرف بألف دينار، وخمار بواف(١) .

قال الأصمعي: وصدق الفرزدق، بينا(٢) النابغة في كلام أسهل من الزلال وأشد من الصخر إذ لان فذهب، ثم أنشد له:

سما لك همّ ولم تطرب

وبتّ ببثّ ولم تنصب

وقالت سليمى أرى رأسه

كناصية الفرس الأشهب

وذلك من وقعات المنون

ففيئي إليك ولا تعجبي

أتين على إخوتي سبعة(٣)

وعدن على ربعي الأقرب

ثم يقول فيها بعدها:

فأدخلك الله برد الجنا

ن جذلان في مدخل طيّب

فلان كلامه؛ حتى لو كان أبو الشمقمق قال هذا البيت كان رديئا ضعيفا.

قال الأصمعي: وطريق الشعر إذا أدخلته في باب الخير لان، ألا ترى أنّ حسان بن ثابت كان علا في الجاهلية والإسلام، فلما أدخل شعره في باب الخير من مراثي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحمزة وجعفر(٥) عليهما‌السلام وغيرهما لان شعره(٤) !

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (من كلامهم: مطرف بآلاف، وخمار بواف؛ أي بدرهم واف).

(٢) حاشية ت: (بينا وبينما يتلقيان بالفعل؛ ولا يتلقيان بإذا؛ هذا هو الفصيح العالي، كقوله:

* فبيناه يشري رحله قال قائل*

وكقوله:

بينما نحن بالبلاكث فالقا

ع سراعا والعيس تهوي هويّا

خطرت خطرة على القلب من ذكراك

وهنا فما استطعت مضيا

(٣) ش: (إخوة سبعة)، بالجر والتنوين فيهما.

(٤) ش: (فيها).

(٥) وانظر ترجمة النابغة الجعدي وأخباره وأشعاره في (الشعر والشعراء ٢٤٧ - ٢٥٥، والاستيعاب ٣٢٠ - ٣٢٥، وأسد الغابة ٥: - ٢ - ٤، والإصابة ٦: ٢١٨ - ٢٢١، والمعمرين ٦٤ - ٦٦، والأغاني ٤: ١٢٧ - ١٣٩، والخزانة ١: ٥٩ - ٥١٥، والمؤتلف والمختلف: ١٩١، ومعجم الشعراء: ٣٢١، واللآلئ: ٢٤٧).

٢٩٨

١٩

مجلس آخر [المجلس التاسع عشر:]

مسألة [تتضمن الرد على منكري تطاول الأعمار وامتدادها:]

تتعلق بما ذكرناه. إن سأل سائل فقال: كيف يصحّ ما أوردتموه، من تطاول الأعمار وامتدادها، وقد علمتم أنّ كثيرا من الناس ينكر ذلك ويحيله ويقول: إنه لا قدرة عليه، ولا سبيل إليه؛ وفيهم(١) من ينزل في إنكاره درجة فيقول: إنه - وإن كان جائزا من طريق القدرة والإمكان - فإنه مما يقطع على انتفائه؛ لكونه خارقا للعادات؛ وإنّ العادات(٢) إذا وثّق الدليل بأنّها لا تنخرق إلاّ على سبيل الآية(٣) والدّلالة على صدق نبي من الأنبياءعليهم‌السلام علم أن ما روي من زيادة الأعمار على العادة باطل مصنوع لا يلتفت إلى مثله.

الجواب، قيل له: أما من أبطل تطاول الأعمار من حيث الإحالة، أو أخرجه عن(٤) باب الإمكان فقوله ظاهر الفساد، لأنه لو علم ما العمر في الحقيقة، وما المقتضي لدوامه إذا دام، وانقطاعه إذا(٥) انقطع لعلم من جواز امتداده ما علمناه. والعمر هو استمرار كون من يجوز أن يكون حيّا وغير حي حيا. وإن شئت أن تقول: هو استمرار كون الحي الّذي لكونه على هذه الصفة(٦) ابتداء حيا.

وإنما شرطنا الاستمرار؛ لأنه يبعد أن يوصف من كان حالة واحدة حيّا بأنّ له عمرا؛ بل لا بدّ من أن يراعوا في ذلك ضربا من الامتداد والاستمرار، وإن قلّ.

وشرطنا أن يكون ممّن يجوز أن يكون غير حي، أو يكون لكونه حيا ابتداء لئلا(٧) يلزم عليه القديم(٨) تعالى؛ لأنه تعالى جلّت عظمته ممن لا يوصف بالعمر؛ وإن استمر كونه

____________________

(١) ت: (منهم).

(٢) ت: (ولأن العادات).

(٣) ت، وحاشية الأصل (من نسخة): (الإبانة)،

(٤) ت: (جميع ما روى).

(٥) م: (من باب الإمكان).

(٦) ت: (متى انقطع).

(٧) م: (الصفات).

(٨) حاشية ت (من نسخة): (احترازا من أن يلزم عليه القديم تعالى).

٢٩٩

حيّا؛ وقد علمنا أن المختصّ بفعل الحياة هو القديم تعالى، وفيما تحتاج إليه الحياة من البنية والمعاني ما يختص به عز وجل، ولا يدخل إلاّ تحت مقدوره؛ كالرّطوبة وما يجري مجراها؛ فمتى فعل القديم تعالى الحياة وما تحتاج إليه من البنية - وهي مما يجوز عليه البقاء - وكذلك ما تحتاج إليه فليست(١) تنتفي إلا بضد يطرأ عليها، أو بضدّ ينفي ما تحتاج إليه؛ والأقوى أنه لا ضدّ لها في الحقيقة(٢) ؛ وإنما ادّعى قوم أنّه ما يحتاج إليه، ولو كان للحياة ضدّ على الحقيقة لم يخلّ بما نقصده في هذا الباب.

فمهما لم يفعل القديم تعالى ضدّها، أو ضدّ ما تحتاج إليه، ولا نقض ناقض بنية الحي استمرّ كون الحي حيا. ولو كانت الحياة لا تبقى على مذهب من رأى ذلك لكان ما قصدناه صحيحا، لأنه تعالى قادر على أن يفعلها حالا فحالا، ويوالي بين فعلها وفعل ما تحتاج إليه، فيستمرّ كون الحي حيا.

فأما ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان وعلوّ السن وتناقص بنية الإنسان، فليس مما لا بدّ منه، وإنما أجرى الله تعالى العادة بأن يفعل ذلك عند تطاول الزمان ولا إيجاب هناك، ولا تأثير للزمان على وجه من الوجوه، وهو تعالى قادر على أن يفعل ما أجرى العادة بفعله، وإذا ثبتت هذه الجملة ثبت أنّ تطاول العمر ممكن غير مستحيل، وإنما أتى من أحال ذلك من حيث اعتقد أنّ استمرار كون الحي حيّا موجب عن طبيعة وقوّة لهما مبلغ من المادة، متى انتهتا إليه(٣) انقطعتا، واستحال أن تدوما(٣) . ولو أضافوا ذلك إلى فاعل مختار متصرّف لخرج عندهم من باب الإحالة.

فأما الكلام في(٤) دخول ذلك في العادة أو خروجه عنها، فلا شكّ في أن العادة قد جرت في الأعمار بأقدار متقاربة يعدّ الزائد عليها خارقا للعادة؛ إلاّ أنّه قد ثبت أنّ العادة قد تختلف في الأوقات وفي الأماكن أيضا، ويجب أن يراعي في العادة إضافتها إلى من هي عادة له في المكان والوقت.

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (فليس ينتقي).

(٢) ت: (وربما).

(٣ - ٣) ت: (بطل واستحال أن تدوما).

(٤) حاشية ت (من نسخة): (على ذلك).

٣٠٠