أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 285070
تحميل: 9345


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 285070 / تحميل: 9345
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والوجه الثالث(١) أن يكون معنى نفي السمع والبصر(١) راجعا إلى آلهتهم لا إليهم؛ وتقدير الكلام: أولئك وآلهتهم لم يكونوا معجزين في الأرض، يضاعف لهم العذاب؛ ثم قال مخبرا عن الآلهة:( ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ ) ، وهذا الوجه يروى(٢) عن ابن عباس رحمة الله عليه، وفيه أدنى بعد.

ويمكن في الآية وجه رابع، وهو أن يكون ما في قوله تعالى:( ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ) ليست للنفي؛ بل تجري مجرى قولهم: لأواصلنّك ما لاح نجم؛ ولأقيمنّ على مودتك ما طلعت شمس؛ ويكون المعنى أن العذاب يضاعف لهم في الآخرة؛ ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون؛ أي أنهم معذبون ما كانوا أحياء.

فإن قيل: كيف يعبّر عن كونهم أحياء باستطاعة السمع والإبصار؛ وقد يكون حيا من لا يكون كذلك؟

قلنا: للعرب في مثل هذا عادة؛ لأنهم يقولون: والله لا كلّمت فلانا ما نظرت عيني، ومشت قدمي؛ وهم، يريدون: ما بقيت وحييت؛ لأن الأغلب من أحوال الحي أن تنظر عينه، وتمشي قدمه؛ فجعلوا الأغلب كالواجب؛ ومن ذلك قول الشاعر:

وما أنس من شيء تقادم عهده

فلست بناس ما هدت قدمي نعلي

عشيّة قالت والدّموع تعينها:(٣)

هنيئا لقلب عنك لم يسله مسلي(٤)

وإنما أراد: أنّى لا أنسى ذلك ما حييت؛ وكذلك لا يمتنع أن يعلّق على هذا المذهب دوام العذاب بكونهم مستطيعين للسمع والإبصار؛ ويعود المعنى إلى تعلّقه ببقائهم، وبكونهم أحياء؛ والمرجع في ذلك إلى التأييد؛ لأنه إذا علّق العذاب ببقائهم وإحيائهم وعلمنا أنّ الآخرة لا موت فيها، ولا خروج عن الحياة، علمنا تأييد العذاب.

***

____________________

(١) حاشية ف (من نسخة): (أن يكون نفي السمع والبصر).

(٢) م: (مروي).

(٣) د، ف: (بعينها).

(٤) د، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (مسل).

٥٨١

[عود إلى المختار من شعر مروان بن أبي حفصة:]

ونعود إلى ما كنا شرعنا فيه من الكلام على شعر مروان؛ فمما يختار له من القصيدة التي مضى أوّلها وتكلمنا عليها:

وضعوا الخدود لدى سواهم جنّح

تشكو كلوم صفاحها وكلالها

طلبت أمير المؤمنين فواصلت

بعد السّرى بغدوّها آصالها

نزعت إليك صواديا فتقاذفت

تطوي الفلاة حزونها ورمالها(١)

يتبعن ناجية يهزّ مراحها

بعد النّحول تليلها وقذالها(٢)

هوجاء تدرّع الرّبا وتشقّها

شقّ الشّموس إذا تراع جلالها(٣)

تنجو إذا رفع القطيع كما نجت

خرجاء بادرت الظلام رئالها(٤)

كالقوس ساهمة أتتك وقد ترى

كالبرج تملأ رحلها وحبالها

هذه الأبيات في وصف الرّواحل بالسرعة والنّحول، جيّدة الألفاظ، مطردة النسج، وقد سبق الناس في هذا المعنى إلى ضروب من الإحسان؛ فمن ذلك قول الأخطل:

بخوص كأعطال القسي تقلقلت

أجنّتها من شقّة ودءوب(٥)

____________________

(١) نزعت: اشتاقت. صواديا: عطاشا. تقاذفت: تسارعت.

(٢) التليل: العنق.

(٣) الشموس: الفور.

(٤) الخرج، بالتحريك: لونان؛ سواد وبياض؛ يقال: نعجة خرجاء وظليم أخرج والرئال: جمع رأل؛ وهو ولد النعام، وبادرت الظلام رئالها؛ أي بدرت الظلام إلى رئالها.

(٥) ديوانه ١٧٩ - ١٨٠ وفي حاشية الأصل: (هذه الأبيات من قصيدة يمدح الأخطل فيها عياد بن زياد بن أبيه: أولها:

خليلي قوما للرّحيل فإنّني

وجدت بني الصمعاء غير قريب

- يعني عمير بن الحباب ورهطه -:

وأ سفهت إذ منيت نفسي ابن واسع

مني ذهبت لم تسقني بذنوب

فإن تنزلا بابن المحلّق تنزلا

بذي عذرة يبدأ كما بلغوب

- المحلق: عبد العزيز بن حنتم -

لحا الله أرماكا بدجلة لا تقي

أذاة امرئ عضب اللسان شعوب

- يعني نفسه -.

٥٨٢

إذا معجل غادرنه عند مبرك(١)

أتيح لجوّاب الفلاة كسوب

- المعجل: الملقى من الأجنّة لغير تمام، وجوّاب الفلاة: الذئب -

وهنّ بنا عوج كأنّ عيونها

بقايا قلات قلّصت لنضوب(٢)

مسانيف يطويها مع القيظ والسّرى

تكاليف طلاّع النّجاد ركوب(٣)

قديم ترى الأصواء فيه كأنّها

رجال قيام عصّبوا بسبوب(٤)

يعمن بنا عوم السّفين إذا انجلت

سحابة وضّاح السّراب جنوب(٥)

وقال مسلم بن الوليد الأنصاري:

إلى الإمام تهادانا بأرحلنا

خلق من الرّيح في أشباح ظلمان(٦)

كأنّ إفلاتها والفجر يأخذها

إفلات صادرة عن قوس حسبان(٧)

وقال بشار:

وإذا المطي سبحن في أعطافه

فات المطي بكاهل وتليل(٨)

____________________

 -

إذا نحن ودّعنا بلادا هم بها

فبعدا لحرّات لها وشهوب!

نسير إلى من لا يغبّ نواله

ولا مسلم أعراضه لسبوب

بخوص ...

أعطال: جمع عطل؛ وهو القوس الّذي لا وتر له. وتقلقلت أجنتها: تحركت في بطونها من سرعة السير.

(١) في الديوان: (منزل).

(٢) بنا، أي بحملنا؛ أو حمل أعيائنا. والعوج: جمع أعوج وعوجاء. والفلات: جمع قلت؛ وهو النقرة في الجبل: والتقليص: الانزواء، والنضوب: غئور الماء.

(٣) المسانيف هنا: الإبل المتقدمات والنجاد: جمع نجد؛ وهو المرتفع من الأرض. والركوب.

المذلل.

(٤) قديم؛ أي طريق قديم. والأصواء: الأعلام. والسبوب: جمع سب؛ وهو الثوب الأبيض الرقيق؛ وقيل هو العمامة.

(٥) ف: (تعوم). (خبوب). وهي رواية الديوان.

(٦) ديوانه: ١٠٣. والتهادي: المشي الضعيف يتكئ صاحبه على اثنين يمينا وشمالا. والظلمان:

جمع ظليم؛ وهو الذكر من النعام. ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (خلق من الزنج).

(٧) إفلاتها؛ أي سرعتها. صادرة، أي إفلات سهام صادرة. والحسبان: سهام يرمي بها الرجل في جوف قصبة، ينزع في القوس ثم يرمي بعشرين منها فلا تمر بشيء إلا عقرته؛ والواحد حسبانة.

(٨) حاشية الأصل (من نسخة) (سنحن) أي ظهرن. وأعطافه: جوانبه. وفات: سبق؛ والتليل: العنق؛ يقول: (إذا بدا يسير مع المطايا جاوزهن بكاهل وعنق).

٥٨٣

فكأنّه والناعجات(١) يردنه

قدح تطلّع من قداح مجيل

ولبعض الحارثيين:

تهش الهجائر والظّهائر لحمها

حتى تخدّد لحمها المتضابر(٢)

حرف تناهبها النّجاء قلائص

ممّا تنخّل(٣) شدقم أو داعر(٤)

صبر إذا عطفت سوالفها البرى

سمعت لهنّ كشاكش وجراجر(٥)

ويخلن من عزّ النفوس وجدّها(٦)

جنّا، وهنّ إذا اختبرن أباعر

أمّا إذا ما أقبلت فكأنّها

ذعر تهادتها الفلاة نوافر(٧)

أما إذا ما أعرضت فكأنّها

كدر توردن النّطاف صوادر(٨)

أما إذا ما أبركت فكأنّها

صرح مشيّدة وهنّ ضوامر(٩)

***

 وإني لأستحسن قول بشامة بن الغدير في وصف الناقة بالسرعة(١٠) :

____________________

(١) الناعجات هنا: الخفاف من الإبل؛ ومنه قوله:

* والناعجات المسرعات للنجا*

(٢) اللحم المتضابر: المتراكم المكتنز، وفي حاشية الأصل (من نسخة): (المتظاهر). ومن نسخة أخرى (المتطاير).

(٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (منجل).

(٤) الحرف: الناقة الضامر: الصلبة. وتناهبها: تباريها في الجري. والنجاء: السير السريع.

والقلائص: جمع قلوص؛ وهي الفتية من الإبل. وشدقم وداعر: اسمان لفحلين منجبين من فحول الإبل، تنسب إليهما الإبل الشدقميات والإبل الداعرية.

(٥) السوالف: جمع سالفة؛ وهي أعلى العنق، والبرى:

جمع برة، وهي الحلقة في الزمام. والكشاكش والجراجر: أصوات تخرج من جوف الإبل.

(٦) حاشية الأصل (من نسخة): (وحدها).

(٧) ذعر؛ أي وحش مذعورة؛ ويجوز أن يريد بالذعر النعام؛ وهي توصف بذلك.

(٨) الكدر: قطا ألوانها كلون الرماد. والنطاف:

جمع نطفة؛ وهي الماء القليل.

(٩) في حاشيتي الأصل، ف: (صرح: جمع صرح؛ وهو القصر، وأصله صروح فقصره؛ وقد قيل في أسد، جمع أسد أنه أسود، فقصر ثم خفف بتسكين السين).

(١٠) الأبيات من قصيدة في المفضليات ٧٩ - ٩١، ومختارات ابن الشجري ١٤ - ١٦، وأبيات منها في حماسته ٢٠٥ - ٢٠٦، ومجموعة المعاني ٥٢، وأبيات منها أيضا في الأغاني ١١: ٨٧، ونسبها لعقيل بن علفة.

٥٨٤

كأنّ يديها إذا أرقلت

وقد جرن ثمّ اهتدين السّبيلا(١)

يدا سابح خرّ في غمرة

وقد شارف الموت إلا قليلا(٢)

إذا أقبلت قلت مشحونة

أطاعت لها الرّيح قلعا جفولا(٣)

وإن أدبرت قلت مذعورة

من الرّبد تتبع هيقا ذمولا(٤)

ومعنى قوله:

* وقد جرن ثم اهتدين السبيلا*

يعني المطايا؛ يقول: كن نشيطات يمرحن فلا يلزمن لقم(٥) الطّريق؛ بل يأخذن يمينا وشمالا؛ فلما عضّهن الكلال استقمن على المحجة، فكأنه وصف ناقته ببقاء النشاط مع كلال المطي؛ وكنى عن الكلال بلزوم جادة الطريق بعد تنكّبها وهذه كناية فصيحة مليحة.

ومثله قول الآخر:

كأنّ يديها حين جدّ نجاؤها

يدا سابح في غمرة يتذرّع(٦)

ومما يشاكل هذا المعنى ويقاربه قول الشماخ:

كأنّ ذراعيها ذراعا مدلّة

بعيد السّباب حاولت أن تعذّرا(٧)

ممجّدة الأعراق قال ابن ضرّة

عليها كلاما جار فيه وأهجرا

____________________

(١) أرقلت: أسرعت. وجرن: عدلن عن محجة الطريق.

(٢) الغمرة: الماء الكثير؛ ورواية ابن الشجري:

يدا عائم خرّ في غمرة

فأدركه الموت إلاّ قليلا

(٣) المشحونة: المملوءة، وهو من وصف السفينة. والجفول: الّذي تستخفه الريح ثم تحركه.

(٤) الربد: جمع ربداء؛ وهي في السوداء المنقطة بحمرة؛ من وصف النعام. والهيق: ذكر النعام والذمول: وصف لسير الظليم، ورواية المفضل:

إذا أقبلت قلت مذعورة

من الرّمد تلحق هيقا ذمولا

(٥) لقم الطريق معظمه؛ وقال الليث: لقم الطريق منفرجه، تقول: عليك بلقم الطريق فالزمه.

(٦) يقال: ذرع السابح، إذا حرك يديه للسبح.

(٧) من قصيدة طويلة في ديوانه:

٢٦ - ٣٤، وأولها:

أتعرف رسما دارسا قد تعيرا

بذروة أقوى بعد ليلى وأقفرا

٥٨٥

شبّه ذراعيها وهي تتذرع في مشيها(١) بذراعي امرأة مدلّة على أهلها ببراءة ساحتها، وقد حكى عنها ابن ضرتها كلاما أهجر فيه؛ أي أفحش، فهي ترفع يديها وتضعهما تعتذر وتحلف وتنضح عن نفسها.

وقد قيل إن معنى قوله: (مدلّة) أنها تدلّ بحسن ذراعيها، فهي تدمن إظهارهما لتري(٢) حسنهما.

وقوله: (بعيد السّباب) أي في عقيب المسابّة قامت تعتذر إلى الناس؛ وقوم يروونه (بعيد الشباب)؛ ومعنى هذه الرواية أنها نصف من النساء، فهي أقوم بحجتها من الحدثة الغرّة؛ ويشهد لهذه الرّواية الأخيرة قول الآخر:

كأنّ يديها حين يقلق ضفرها

يدا نصف غيري تعذّر من جرم(٣)

وقوله: (حين يقلق ضفرها) فيه سرّ وفائدة؛ لأنّ الضّفر هو الأنساع(٤) ؛ وإنما تقلق إذا جهدها السير فضمرت، فكأنه وصفها بالتذرّع والنشاط مع الجهد والكلال؛ ومثله:

كأنّ ذراعيها ذراعا بذيّة

مفجّعة لاقت ضرائر عن عفر(٥)

سمعن لها واستعجلت في كلامها

فلا شيء يفري باليدين كما تفري(٦)

ويقاربه قول الآخر:

ألا هل تبلغنّيهم

على اللأّواء والظّنّه

وآة لحصى المعزا

ء في أخفافها رنّه(٧)

إذا ما عسفت قلت

حماة فاضحت كنّه(٨)

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (في سيرها).

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (ليرى حسنهما) بالبناء للمجهول.

(٣) النصف: المرأة التي ذهب نصف عمرها، ويقال للرجل أيضا.

(٤) الأنساع: جمع نسع، وهو السير المضفور يجعل زماما للبعير وغيره.

(٥) عن عفر، أي بعد حين. وفي حاشيتي الأصل، ف: ويروى (عن عقر). أي بعد كونها عاقرا.

(٦) يفري، أي يأتي بالعجب.

(٧) الوآة: النجيبة من الإبل. والمعزاء: المكان الصلب الكثير الحصى:

(٨) الحماة: أم الزوجة. والكنة: امرأة الولد:

٥٨٦

وممن شبه سرعة أيدي الإبل بأيدي النوائح كعب بن زهير فقال(١) :

كأنّ أوب ذراعيها إذا عرقت

وقد تلفّع بالقور العساقيل(٢)

وقال للقوم حاديهم وقد جعلت

أرق الجنادب يركضن الحصى: قيلوا(٣)

شدّ النهار ذراعا عيطل نصف

قامت فجاوبها نكد مثاكيل(٤)

نوّاحة رخوة الضّبعين ليس لها

لما نعى بكرها النّاعون معقول(٥)

العساقيل: أوائل السّراب؛ ولا واحد لها من لفظها. وأخبر أنّ ناقته في شدّة الحر واتقاد الظهيرة تمرح في سيرها وتتذرع بيديها؛ وشبه ذراعيها بذراعي امرأة نصف تنوح على ابنها، وقد نعي إليها؛ فهي تشير بيديها وتوالي تحريكهما. والعيطل: الطويلة العنق، وجعلها نصفا لأنها قد كادت تيأس من الولد فهي أشد لحزنها على ابنها وتفجّعها عليه، والقور: جمع قارة وهي ما ارتفع واستدار من الرمل؛ وأراد أن يقول: كما تلفعت القور بالعساقيل، فلم يمكنه فقلب.

____________________

(١) ديوانه: ١٦ - ١٨، من قصيدته المشهورة: (بانت سعاد).

(٢) رواية الديوان: (وقد عرقت). وأوب: رجع. وتلفع: تلحف، وفي حاشية الأصل: (قريب منه قول المرار الفقعسي يصف ناقته:

كأنما أوب يديها إلى

حيزومها فوق حصى الجدجد

نوح ابنة الجون على هالك

تندبه رافعة المجلد

- الجدجد: الأرض الصلبة. ابنة الجون: نواحة معروفة. والمجلد: قطعة جلد تضرب بها النائحة على صدرها).

(٣) حاشية ف (من نسخة): (ورق)، والورق والأرق: جمع أورق؛ وهو الأخضر المائل إلى السواد. أو ما كان على لون الرماد وقيلوا؛ من القائلة.

(٤) شد النهار: ارتفاع النهار؛ وهو ظرف، أي وقت ارتفاع النهار. والعيطل: الطويلة، ونكد: قليلات الأولاد. والنصف، هي التي قامت تنوح، شبه يدي ناقته بيدي هذه المرأة. والنكد:

جمع نكداء، وهي التي لا يصيبها خير.

(٥) نواحة، يعني هذه النصف، وقوله: (رخوة الضبعين) يريد أنها شديدة الحركة والالتدام. والضبعان هما العضدان، والواحد ضبع. وبكرها: أول ولدها.

والمعقول: العقل، يقال: ما لفلان معقول، وماله مجلود.

٥٨٧

ومثله:

وكأنّما رفعت يدي نوّاحة

شمطاء قامت غير ذات خمار

وإنما خص الشّمطاء لما ذكرناه من اليأس من الولد، كما قال عمرو بن كلثوم:

ولا شمطاء لم يترك شقاها

لها من تسعة إلاّ جنينا(١)

وقد قيل في بيت عمرو: بل شبّه الناقة بشمطاء، لما على رأسها من اللّغام(٢) .

ومثل ما تقدم من المعاني قول الشاعر:

ياليت شعري والمنى لا تنفع!

هل أغدون يوما وأمري مجمع!

وتحت رحلي زفيان ميلع

كأنّها نائحة تفجّع

تبكي لميت وسواها الموجع

 - الزّفيان: الناقة الخفيفة، والمليع: السريعة؛ وشبّه رجع يديها في السير لنشاطها بيدي نائحة تنوح لقوم على ميّتهم بأجرة، فهي تزيد في الإشارة بيديها ليرى مكانها.

ومثله بعينه قول ذي الرمة:

مجانيق تضحي وهي عوج كأنها

بجوز الفلا مستأجرات نوائح(٣)

____________________

(١) من المعلقة: ٢١٥ - بشرح التبريزي؛ وقبله:

فما وجدت كوجدي أم سقب

أضلّته فرجّعت الحنينا

والسقب: ولد الناقة الذكر.

(٢) اللّغام: الزيد الّذي يعلو شفاه الإبل إذا اهتاجت

(٣) ديوانه: ١٠٤. والعوج: جمع عوجاء، وهي الناقة الضامرة، كأنها عجفت فاعوج ظهرها.

وقبل هذا البيت:

وسيري وأعراء المتان كأنّها

إضاء أحسّت نفح ريح ضحاضح

على حميريّات كأن عيونها

ذمام الركايا أنكرتها المواتح

- الأعراء: الخالية من النبات. والمتان: ما ارتفع من الأرض. والإضاء: جمع أضاة، وهو الغدير.

والضحاضح: قليلة الماء. والحميريات: إبل منسوبة إلى حمير. وركية ذمة: قليلة الماء. ونكرت الركية:

قل ماؤها، وأنكرتها أنا.

٥٨٨

المجانيق: التي ضمرن بعد سمن؛ وخصّ المستأجرات من النوائح للمعنى الّذي ذكرناه.

وقال الشماخ فيما يقارب هذا المعنى:

كأنّ أوب يديها حين أعجلها

أوب المراح وقد نادوا بترحال

مقط الكرين على مكنوسة زلق

في ظهر حنّانة النّيرين مغوال

- معنى: (أوب ذراعيها) أي رجعهما - وأوب المراح، إذا أراح القوم عازب أموالهم ليرحلوا، وقد روي: (أوب المراح) بالكسر؛ ومعناه رجع المراح والنشاط. والمقط:

اللعب بالكرة. والكرين: جمع كرة. والمنكوسة: الأرض البراح التي لا شيء فيها.

والزّلق: المستوية من الأرض. والحنانة: الريح. والنيران: جانبا هذه الأرض. ومغوال، قيل: إنه من صفات الريح؛ وقيل: من صفات الأرض؛ وإن كان من صفات الريح فمعناه أنّ الريح تغول الأرض بأسرها؛ أي تملؤها، وإذا كان للأرض فالمعنى أنها تغول من سلكها أي تهلكه؛ وتلخيص معنى البيت أنه شبه يدي ناقته بيدي ضارب بكرة في أرض واسعة في يوم ريح عاصف؛ وهذا من دقيق المعاني وحسن التشبيه والمبالغة.

ومثل بيتي الشماخ قول المسيّب بن علس(١) :

مرحت يداها للنّجاء كأنّما

تكرو بكفّي ماقط في قاع(٢)

فعل السّريعة بادرت جدّادها

قبل المساء تهمّ بالإسراع

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: قال س: (وجدت بخط القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي رحمه الله: (علس) بفتح العين مضبوطا كأنه يجعله فعلا ماضيا، والعلس: حب كالعدس).

(٢) من قصيدة في المفضليات ٦٠ - ٦٣ (طبعة المعارف) أولها:

أرحلت من سلمى بغير متاع

قبل العطاس ورعتها بوداع

والماقط: الضارب، ورواية المفضليات:

* تكرو بكفّي لاعب في صاع*

٥٨٩

معنى: (تكرو) أي كأنها تلاعب بكرة. والسريعة، يعني نسّاجة. والجدّاد: الغزل الضعيف، فأراد أنها تسرع الضرب بالحفّ(١) والنسج قبل المساء؛ وما دامت تبصر؛ فشبّه يدي ناقته في تذرّ عنها بيدي هذه النساجة.

وقال الأصمعي الجدّاد: هدب الثوب؛ فيعني أن هذه النساجة قد قاربت الفراغ من الثوب، وبلغت إلى هدبه؛ فهي تبادر لتفرغ منه قبل المساء.

وقريب منه قول الآخر:

كأنّ أيديهنّ بالقاع القرق(٢)

أيدي جوار(٣) يتعاطين الورق

فالقرق الخشن الّذي فيه الحصى؛ وشبّه خذف(٤) مناسمهنّ(٥) له بخذف جوار يلعبن بدراهم، وخصّ الجواري لأنهن أخفّ يدا من النساء.

وقال آخرون: القرق هاهنا: المستوي من الأرض، الواسع؛ وإنما خصّ بالوصف لأن أيدي الإبل إذا أسرعت في المستوي فهو أحمد لها؛ وإذا أبطأت في غيره فهو أحمد لها.

ومن أحسن ما قيل في الإسراع قول المرّار بن سعيد:

فتناولوا شعب الرّحال فقلّصت

سود البطون كفضلة المتنمّس

ذكر قوما سفرا هبّوا من رقدتهم إلى رحالهم ليسيروا؛ ويعني بسود البطون الإبل؛ والمتنمّس: الصائد الذق اتخذ ناموسا، وهو ما يستتر به ليختل الصيد، فشبه المطايا في سرعتها يقطا قد صاد الصائد بعضها، وأفلت بعضها؛ فهنّ يطرن طيرانا شديدا.

ومثل هذا - وإن كان في صفة الخيل - قول النابغة:

____________________

(١) الحف: المنسج.

(٢) البيتان في اللسان (قرق).

(٣) اللسان: (أيدي نساء).

(٤) الخذف: الرمي بالحصى الصغار.

(٥) م (مناسمها).

٥٩٠

* كالطّير تنجو من الشّئوب ذي البرد*(١)

وأما قول مروان:

يهزّ مراحها

بعد النّحول تليلها وقذالها

فقد مضى من وصف المطايا بالنشاط بعد السآمة والجهد ما مضى.

وأحسن من قول مروان وأشدّ إفصاحا بالمعنى وإعرابا عنه قول الهذلي:

ومن سيرها العنق المسبط

رّ والعجرفيّة بعد الكلال(٢)

وإنما كان هذا أحسن لأنه صريح بنشاطها بعد كلالها. وقول مروان: (بعد النحول) لا يجري هذا المجرى؛ لأن النحول قد يكون عن جهد السفر والتعب، ويكون عن غيره.

وأما قوله:

* كالقوس ساهمة أتتك وقد ترى*

فقد أكثرت العرب في وصف المطايا بالنحول وتشبيهها بالقسي وغيرها؛ وقد أحسن كثيّر في قوله:

نفى السير عنها كلّ داء إقامة

فهنّ رذايا بالطّريق ترائك(٣)

وحمّلت الحاجات خوصا كأنّها

- وقد ضمرت - صفر القسي العواتك(٤)

وقال سلم بن عمرو الخاسر(٥) :

وكأنّهنّ من الكلال أهلّة

أو مثلهنّ عطائف الأقواس(٦)

____________________

(١) ديوانه: ٢٣، وصدره:

* والخيل تمزع غربا في أعنّتها*

(٢) ديوان الهذليين ٢: ١٧٥، والبيت لأمية بن عائذ العنق: السير المنبسط. والمسبطر: المسترسل السهل. والعجر فيه: الشديد.

(٣) ديوانه: ٢: ١٣٦؛ الرذايا: جمع رذية؛ وهي الناقة المهزولة من السير.

والترائك: المتروكة لضعفها.

(٤) العواتك: جمع عاتكة؛ وهي القوس إذا قدمت واحمرت.

(٥) في حاشيتي الأصل، ف: (قيل إنما سمي عمرو خاسرا لأنه ورث عن أبيه مصحف قرآن، فاشترى به عودا).

(٦) القوس العطيفة: المعطوفة؛ وهي المنحنية.

٥٩١

قود طواها ما طوت من مهمه

نائي الصّوى ومناهج أدراس(١)

وقال أبو تمام يصف ناقة:

أتينا القادسيّة وهي ترنو

إلي بعين شيطان رجيم(٢)

فما بلغت بنا عسفان حتّى

رنت بلحاظ لقمان الحكيم

وبدّلها السّرى بالجهل حلما

وقدّ أديمها قدّ الأديم

أذاب سنامها قطع الفيافي

ومزّق جلدها نضح العصيم(٣)

بدت كالبدر وافى ليل سعد

وآبت مثل عرجون قديم

وقال البحتري:

وخدان القلاص حولا إذا قا

بلن حولا من أنجم الأسحار(٤)

يترقرقن كالسّراب وقد خض

ن غمارا من السّراب الجاري

كالقسي المعطّلات، بل الأس

هم مبريّة، بل الأوتار

____________________

(١) قود: جمع أقود؛ وهو من الإبل الطويل العنق. الصوى: جمع صوة؛ وهي الأعلام في الطريق.

وفي حاشية الأصل: (ومثله بعينه للمتنبي:

فتبيت تسئد مسئدا في نيّها

إسئادها في المهمّة الإنضاء

الإسئاد: إسراع السير في الليل. والني: الشحم. والمهمّة: الأرض الواسعة البعيدة. والإنضاء:

مصدر أنضاه ينضيه إذا هزله. قال العكبري: (والمعنى أن المهمّة ينضيها كما تنضيه).

(٢) ديوانه: ٤٢٣؛ من قصيدة يصف حجة حجها؛ وأولها:

لعلّك ذاكر الطّلل القديم

وموف بالعهود على الرّسوم

وواصف ناقة تذر المهاري

موكّلة بوخد أو رسيم

وقد أممت بيت الله نضوا

على عيرانة حرف سعوم

أتيت القادسية ...

(٣) النضح: الرشح. والعصيم: العرق.

(٤) ديوانه: ٢: ٢٤؛ من قصيدة يمدح فيها أبا جعفر بن حميد. وخدان القلاص: إسراعها وحول: جمع حائل، وحول الثانية جمع أحول.

٥٩٢

وله أيضا:

وهي العيس، دهرها في ارتحال

من حلول، أو فرقة من جميع(١)

ربّ مرت مرّت تجاذب قطري

ـه سرابا كالمنهل المشروع(٢)

وسرى تنتحيه بالوخد حتّى

تصدع اللّيل عن بياض الصّديع(٣)

كالبرى فى البرى ويحسبن أحيا

نا نسوعا مجدولة فى نسوع(٤)

____________________

(١) ديوانه ٢: ٩١؛ من قصيدة يمدح فيها محمد بن محمد الواثقي.

(٢) المرت: الأرض القفر.

(٣) الصديع: الفجر.

(٤) البرى: جمع برة؛ وهي الحلقة. والنسوع: الحبال.

٥٩٣

[٤٣]

مجلس آخر [المجلس الثالث والأربعون:]

تأويل آية:( ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ) [ص: ٧٥].

فقال: كيف أضاف إلى نفسه اليد؛ وهو ممن يتعالى عن الجوارح؟

الجواب، قلنا في هذه الآية وجوه:

أوّلها أن يكون قوله تعالى:( لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ ) جاريا مجرى قوله: (لما خلقت أنا)، وذلك مشهور في لغة العرب، يقول أحدهم: هذا ما كسبت يداك؛ وما جرّت عليك يداك؛ وإذا أرادوا نفي الفعل عن الفاعل استعملوا فيه هذا الضّرب من الكلام فيقولون: فلان لا تمشي قدمه، ولا ينطق لسانه، ولا تكتب يده؛ وكذلك في الإثبات، ولا يكون للفعل رجوع إلى الجوارح في الحقيقة؛ بل الفائدة فيه النفي عن الفاعل.

وثانيها أن يكون معنى اليد هاهنا النعمة، ولا إشكال في أن أحد محتملات لفظة اليد النعمة.

فأما الوجه في تثنيتها فقد قيل فيه إن المراد نعمة الدنيا ونعمة الآخرة، فكأنه تعالى قال: ما منعك أن تسجد لما خلقت لنعمتي؛ وأراد بالباء اللام.

وثالثها أن يكون معنى اليد هاهنا القدرة؛ وذلك أيضا من محتملات اللفظة؛ يقول القائل: ما لي بهذا الأمر يد ولا يدان، وما يجري مجرى ذلك؛ والمعنى: أنني لا أقدر عليه ولا أطيقه؛ وليس المراد بذلك إثبات قدرة على الحقيقة؛ بل إثبات كون القادر قادرا، ونفي

٥٩٤

كونه قادرا، فكأنه تعالى قال: ما منعك أن تسجد لما خلقت وأنا قادر على خلقه؛ فعبّر عن كونه قادرا بلفظ اليد الّذي هو عبارة عن القدرة؛ وكلّ ذلك واضح في تأويل الآية.

***

[عود إلى المختار من شعر مروان بن أبي حفصة:]

ونعود إلى ما كنا ابتدأناه من الكلام على شعر مروان.

فمن قصيدته التي تقدم بعضها ووقع الكلام عليه مما يختار قوله:

أحيا أمير المؤمنين محمّد

سنن النبي حرامها وحلالها

ملك تفرّع نبعة من هاشم

مدّ الإله على الأنام ظلالها

جبل لأمّته تلوذ بركنه

رادى جبال عدوّها فأزالها(١)

لم تغشها ممّا تخاف عظيمة

إلاّ أجال لها الأمور مجالها

حتى يفرّجها أغرّ مبارك(٢)

ألفى أباه مفرّجا أمثالها

ثبت على زلل الحوادث راكب

من صرفهنّ لكلّ حال حالها(٣)

كلتا يديك جعلت فضل نوالها

للمسلمين، وفي العدوّ وبالها(٤)

وقعت مواقعها بعفوك أنفس

أذهبت بعد مخافة أوجالها

أمّنت غير معاقب طرّادها

وفككت من أسرائها أغلالها

ونصبت نفسك خير نفس دونها

وجعلت مالك واقيا أموالها(٥)

أما قوله:

أحيا أمير المؤمنين محمد

سنن النبي حرامها وحلالها

فقد عابه عليه بعض من لا معرفة له بنقد الشعر فقال: كيف يكون في سنن النبي عليه

____________________

(١) في حاشيتي الأصل؛ ف (رادى (فاعل) من المراداة؛ وهي مراماة الحجر؛ أصله من المردى وهو الحجر الّذي يكسر به الحجارة، يستعمل في المفاخرة والمناجزة).

(٢) م: (مهذب).

(٣) أي راكب من الصروف لكل حال حالها.

(٤) ش: (وللعدو وبالها).

(٥) حاشية ف: (بخط عبد السلام بن الحسين البصري رحمه الله: صيالها).

٥٩٥

السلام حرام! وما ذلك بمعيب؛ لأنه أراد بقوله: (حلالها وحرامها) التحليل والتحريم؛ ومن سنته تحريم الحرام، وتحليل الحلال؛ وإنما المعيب من هذا قول ابن الرّقاع العاملي:

ولقد أراد الله إذ ولاّكها

من أمّة إصلاحها وفسادها(١)

ومثل قول مروان قول سلم الخاسر:

ولما وليت ذكرت النبي

بتحليله وبتحريمه

فأما قوله:

* حتى يفرّجها أغرّ مبارك* البيت

فكثير جدا للمتقدمين والمحدثين؛ والأصل فيه قول زهير:

وما كان من خير أتوه فإنما

توارثه آباء آبائهم قبل(٢)

وهل ينبت الخطّي إلاّ وشيجه

وتغرس إلاّ في منابتها النّخل!(٣)

ومثله قول الآخر:

وحمزة والعبّاس منهم ومنهم

عقيل، وماء العود من حيث يعصر(٤)

ومثله للرّبيع بن أبي الحقيق اليهودي:

إذ مات منّا سيّد قام بعده

له خلف يكفي السّيادة بارع

____________________

(١) الطرائف الأدبية: ٩٠؛ والرواية هناك: (إصلاحها ورشادها)، وهي أيضا رواية المؤلف في المجلس التاسع والأربعين. وفي الحاشية: (عدي قال: (فسادها)، والأصمعي أنشد: (رشادها)؛ والبيت من قصيدته التي أولها:

عرف الديار توهما فاعتادها

من بعد ما درس البلى أبلادها

وانظر روايتها وتخريج أبياتها في الطرائف الأدبية ٨٧ - ٩١.

(٢) ديوانه: ١١٥؛ وتوارثه؛ أي ورثوه كابرا عن كابرا؛ كناية عن مجدهم القديم.

(٣) الخطي: الرماح؛ منسوبة إلى الخط؛ وهي جزيرة بالبحرين ترفأ إليها سفن الرماح. والوشيج:

القنا الملتف في منبته، واحدها وشيجة.

(٤) حاشية الأصل: (ومثله للمتنبي:

فإن كان سيار بن مكرم انقضى

فإنك ماء الورد إن ذهب الورد

٥٩٦

من أبنائه والعرق ينصر فرعه

على أصله، والعرق للعرق نازع(١)

ومثله له:

ترجو الغلام وقد أعياك والده

وفي أرومته ما ينبت العود

وأخذ هذا المعنى وبعض اللفظ الكميت فقال:

تجري أصاغرهم مجرى أكابرهم

وفي أرومته ما ينبت الشّجر

ومن هذا المعنى قول عبيد الله بن قيس الرّقيات:

يخلفك البيض من بنيك كما

يخلف عود النّضار في شعبه(٢)

ومنه قول نهشل بن حرّي:

أرى كلّ عود نابتا في أرومة

أبى نسب العيدان أن يتغيّرا(٣)

بنو الصّالحين الصالحون ومن يكن

لوالد سوء يلقه حيث سيّرا(٤)

ومثله لمسلم بن الوليد الأنصاري:

ألحّ على الأيّام يفري خطوبها

على منهج ألفى أباه به قبل(٥)

ولبشار:

* على أعراقها تجري الجياد*

____________________

(١) نازع؛ أي ينزع إليه في الشبه.

(٢) النضار: شجر الأثل؛ وقيل: النضار: كل شجرة ناضرة.

(٣) ف: (ناميا في أرومة).

(٤) نسب هذا البيت في حماسة أبي تمام - بشرح التبريزي ١: ٣٠٠ إلى جميل بن عبد الله بن معمر؛ ضمن أبيات ثلاثة؛ وهي:

أبوك حباب سارق الضيف برده

وجدّي ياحجاج فارس شمّرا

بنو الصالحين الصالحون ومن يكن

لآباء صدق يلقهم حيث سيّرا

فإن تغضبوا من قسمة الله حظّكم

فللّه إذ لم يرضكم كان أبصرا

وهي في الحماسة - بشرح المرزوقي ٣١٥ - ٣١٦ من غير نسبة.

(٥) ديوانه: ٢٠٣.

٥٩٧

ومثله:

وما في من خير وشرّ فإنها

سجيّة آبائي وفعل جدودي

هم القوم فرعي منهم متفرّع

وعودهم عند الحوادث عودي

وللبحتري:

وإذا أبو الفضل استعار سجيّة

للمكرمات فمن أبي يعقوب(١)

شرف تتابع كابرا عن كابر

كالرّمح أنبوبا على أنبوب

وأرى النّجابة لا يكون تمامها

لنجيب قوم ليس بابن نجيب

وله أيضا:

ما سعوا يخلفون غير أبيهم

كلّ ساع منّا يريد نصابه(٢)

وله أيضا:

وما تابع في المجد نهج عدوّه

كمتّبع في المجد نهج أبيه(٣)

وفي هذه القصيدة يقول مروان:

هل تعلمون خليفة من قبله

أجرى لغايته التي أجرى لها

طلع الدّروب مشمّرا عن ساقه

بالخيل منصلتا يجدّ نعالها(٤)

قودا تريع إلى أغرّ لوجهه

نور يضيء أمامها وخلالها(٥)

قصرت حمائله عليه فقلّصت

ولقد تحفّظ قينها فأطالها

حتّى إذا وردت أوائل خيله

جيحان بثّ على العدوّ رعالها(٦)

____________________

(١) ديوانه ١: ٥٧؛ من قصيدة يمدح فيها يعقوب بن إسحاق النوبختي.

(٢) ديوانه ١: ٩٠؛ من قصيدة يمدح فيها أبا ثوابة.

(٣) ديوانه ٢: ٣٢٨؛ من قصيدة يمدح بها أحمد بن المدبر.

(٤) الدروب، بريد بها دروب الروم. والمنصلت: الماضي في الأمر.

(٥) قود: جمع أقود، وهو الذلول من الخيل. وتربع: ترجع.

(٦) جيحان: اسم نهر. والرعال: جمع رعيل؛ وهو القطعة من الخيل تتقدم العسكر.

٥٩٨

أحمى بلاد المسلمين عليهم

وأباح سهل بلادهم وجبالها

أدمت دوابر خيله وشكيمها

غاراتهنّ وألحقت آطالها(١)

لم تبق بعد(٣) مقادها وطرادها

إلاّ نحائزها وإلاّ آلها(٢)

رفع الخليفة ناظري وراشني

بيد مباركة شكرت نوالها

وحسدت حتى قيل أصبح باغيا

في المشي مترف شيمة مختالها(٤)

ولقد حذوت لمن أطاع ومن عصى

نعلا ورثت عن النبي مثالها(٥)

أما قوله: (قصرت حمائله) فالأصل فيه قول عنترة:

بطل كأنّ ثيابه في سرحة

يحذى نعال السّبت ليس بتوأم(٦)

أو قول الأعشى:

إلى ماجد كهلال السّما

ء أزكى وفاء ومجدا وخيرا(٧)

طويل النّجاد، رفيع العما

د، يحمي المضاف، ويغني الفقيرا(٨)

ومثله:

طويل نجاد السّيف عار جبينه

كنصل اليماني أخلصته صياقله

إذا همّ بالمعروف لم تجر طيره

نحوسا، ولم تسبق نداه عواذله

____________________

(١) الدوابر: جمع دابرة، وهي الموضع الّذي يقع عليه مؤخر السرج. والحقت: ضمرت. والآطال:

جمع إطال؛ وهي الخاصرة.

(٢) ش: (لم يبق بعد).

(٣) نحائزها: طباعها. وآلها: يريد شخصها.

(٤) المترف: المبقي في الملك والنعمة.

(٥) حاشية الأصل: (يعني أنه اقتدى عن النبيعليه‌السلام في أفعاله حذو النعل بالنعل).

(٦) المعلقة - بشرح التبريزي: ١٩٩؛ أي هو بطل. والسرحة: الشجرة الكبيرة الطويلة؛ يستظل بها. ونعال السبت: المدبوغة بالقرظ، وكانت الملوك تلبسها وليس بتوأم: لم يولد معه آخر فيكون ضعيفا.

(٧) ديوانه: ٧٠. والرواية فيه: (إلى ملك).

(٨) رواية الديوان: (ويعطي الفقيرا). والمضاف: الملجأ، من قولهم: أضاف: ظهره إلى الحائط أي استند إليها.

٥٩٩

ومثله قول طريح بن إسماعيل الثّقفي:

وأشعث طلاّع الثنايا مبارك

يغول نجاد السّيف وهو طويل(١)

ولأبي جويرية العبدي:

يمدّ نجاد السّيف حتّى كأنّه

بأعلى سنامي فالج يتطوّح

إذا اهتزّ في البرد اليماني خلته

هلالا بدا في جانب الأفق يلمح

ولأبي عطاء السّندي:

وأزهر من بني عمرو بن عمرو

حمائله وإن طالت قصار

ولبعضهم في آل المهلب:

رأيتكم أعزّ الناس جارا

وأمنعهم إذا عدّوا ذمارا(٢)

حمائلكم وإن كانت طوالا

نراها عن شمائلكم قصارا

ولبعض بني العنبر في معنى الطول:

فجاءت به عبل العظام كأنّما

عمامته بين الرّجال لواء(٣)

ولآخر:

أشمّ طويل السّاعدين كأنّما

تناط إلى جذع طويل حمائله(٤)

ولابن هرمة:

تناط حمائل الهندي منه

بعاتق، لا ألفّ ولا ضئيل

ولكن تستقلّ به قواه

على ماض بقائمه نبيل

____________________

(١) د، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (يطول).

(٢) الذمار: الذمة والعهد.

(٣) عبل العظام: ضخمها، والبيت من أبيات ثلاثة في الحماسة - بشرح المرزوقي ٢٦٩ - ٢٧٠، والرواية هناك: (سبط العظام).

(٤) حاشية ف (من نسخة): (طوال الساعدين).

٦٠٠