أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى0%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

أمالي المرتضى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشريف أبى القاسم على بن الطاهر أبى أحمد الحسين
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 281271
تحميل: 9166


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 281271 / تحميل: 9166
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشّمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم الليل والقمرا(١)

وقال يزيد بن مفرّغ الحميري:

الرّيح تبكي شجوها

والبرق يلمع(٢) في الغمامة(٣)

وهذا صنيعهم في وصف كل أمر جلّ خطبه، وعظم موقعه؛ فيصفون النهار بالظلام، وأن الكواكب طلعت نهارا لفقد نور الشمس وضوئها؛ قال النابغة:

تبدو كواكبه والشّمس طالعة

لا النّور نور ولا الإظلام إظلام(٤)

وقال طرفة:

إن تنوّله فقد تمنعه

وتريه النجم يجري بالظهر(٥)

ومن هذا قولهم: لأرينّك الكواكب بالنهار، ومعناه أورد عليك ما يظلم له في عينك النهار، فتظنّه ليلا ذا كواكب.

فأما بيت جرير فقد قيل في انتصاب النجوم والقمر(٦) وجوه ثلاثة: أحدهما أنه أراد أن الشمس طالعة وليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل والقمر، لأن عظم الرزء قد سلبها ضوءها؛ فلم يناف طلوعها ظهور الكواكب. والوجه الثاني أن يكون انتصاب ذلك كما ينتصب في قولهم: لا أكلمك الأبد، والدهر، وطوال المسند(٧) ، وما جرى مجرى ذلك، فكأنه أخبر

____________________

(١) ديوانه ٣٠٤.

(٢) حاشية ت (من نسخة): (يضحك).

(٣) البيت من قصيدة له مطلعها:

أصرمت حبلك من أمامه

من بعد أيام برامه

قال ابن قتيبة: (وهي أجود شعره)؛ وهي في الأغاني ١٧: ٥٤ - ٥٥، والخزانة ٢: ٢١٣ - ٢١٤، ٥١٦، ٥٢٠).

(٤) ديوانه: ٧٢.

(٥) ديوانه: ٦٥. وفي حواشي الأصل، ت، ف: (يقول: إن تنوله هذه المرأة مرة نوالا فقد تمنعه أحيانا، وتريه النجم ظهرا؛ وهذا مثل للأمر الصعب).

(٦) في حاشيتي الأصل، ف: (عظم الشيء: معظمه، وعظمه: كبره).

(٧) حاشية الأصل: (المسند: الزمان؛ يقال: لا أكلمه أبد المسند).

٨١

بأنّ الشمس تبكيه ما طلعت النجوم وظهر القمر(١) . والوجه الثالث أن يكون القمر ونجوم الليل باكين الشمس على هذا المرثي المفقود، فبكتهن؛ أي غلبتهنّ بالبكاء؛ كما تقول: باكاني عبد الله فبكيته، وكاثرني فكثرته، أي غلبته وفضلت عليه.

وثالثها أن يكون معنى الآية الأخبار عن أنه لا أحد أخذ بثأرهم ولا انتصر لهم، لأن العرب كانت لا تبكي على قتيل إلا بعد الأخذ بثأره، وقتل من كان بواء به من عشيرة القاتل، فكنّى تعالى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار، والأخذ بالثأر؛ على مذهب القوم الذين خوطبوا بالقرآن.

ورابعها أن يكون ذلك كناية عن أنه لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يرفع منها إلى السماء.

ويطابق هذا التأويل ما روي عن ابن عباس رحمة الله عليه في قوله تعالى:( فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأرْضُ ) قيل له: أو تبكيان على أحد؟ فقال: نعم، مصلاّه في الأرض، ومصعد عمله في السماء. وروي أنس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (ما من مؤمن إلاّ وله باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه)، ومعنى البكاء هاهنا الإخبار عن الاختلال بعده كما يقال: بكى منزل فلان بعده، قال ابن مقبل:

لعمر أبيك لقد شاقني

مكان حزنت له أو حزن

وقال مزاحم العقيلي:

بكت دارهم من أجلهم وتهلّلت

دموعي فأي الجازعين ألوم(٢)

أمستعبرا يبكي من الهون والبلى

وآخر يبكي شجوه ويئيم(٣)

____________________

(١) حاشية الأصل: (قال مولاناعليه‌السلام : أراد هذه الصورة: الشمس طالعة ليست بكاسفة؛ ولكنها مع ذلك تبكي عليك، وستبكي مدة طلوع النجوم والقمر).

(٢) ديوانه ١٥ - ١٦.

(٣) حاشية ف: (المستعبر: الّذي يأتي بالعبرة، وهي سين الطلب، و (مستعبرا)، بدل الجازعين.

ويهيم، أي يصير هائما، قال الله تعالى:( فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ) .

٨٢

فإذا لم يكن لهؤلاء القوم الذين أخبر الله عن بوارهم مقام صالح في الأرض، ولا عمل كريم يرفع إلى السماء جاز أن يقال: فما بكت عليهم السماء والأرض.

ويمكن في الآية وجه خامس، وهو أن يكون البكاء فيها كناية عن المطر والسّقيا؛ لأن العرب تشبّه المطر بالبكاء، ويكون معنى الآية أنّ السماء لم تسق قبورهم، ولم تجد عليهم بالقطر؛ على مذهب العرب المعروف في ذلك؛ لأنهم كانوا يستسقون السحائب لقبور من فقدوه من أعزّائهم، ويستنبتون لمواقع حفرهم الزّهر والرّياض؛ قال النابغة:

فلا زال قبر بين تبنى وجاسم

عليه من الوسمي طلّ ووابل(١)

فينبت حوذانا وعوفا منوّرا

سأتبعه من خير ما قال قائل(٢)

وكانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام(٣) ، ومسألة الله تعالى لهم الرضوان، والفعل الّذي أضيف إلى السماء - وإن كان لا يجوز إضافته إلى الأرض - فقد يصح عطف الأرض على السماء بأن يقدر لها فعل يصح نسبه إليها، والعرب تفعل مثل هذا؛ قال الشاعر:

ياليت زوجك في الوغى

متقلّدا سيفا ورمجا(٤)

____________________

(١) ديوانه ٦٢. والرواية فيه:

سقى الغيث قبرا بين بصرى وجاسم

بغيث من الوسمي قطر ووابل

وتبنى وجاسم: موضوعان بالشام. وفي حاشيتي الأصل، ف: (الوسمي: أول المطر، وهو الّذي يأتي في الخريف، والخريف عند العرب ربيع، والربيع صيف، والصيف قيظ).

(٢) حاشية ف: (فينبت، النصب في جواب التمني، والحوذان: نبت، يقال له بالفارسية مشكك، وعوف:

نبت أيضا، ومنورا: أخرج النور).

وقال البطليوسي شارح الديوان: (الحوذان والعوف نباتان؛ إلا أن الحوذان أطيب رائحة؛ وأنشد سيبويه هذا البيت بالرفع؛ ولم يجعله جوابا؛ أراد: وذاك ينبت حوذانا، أي ينبت الحوذان على كل حال).

(٣) حاشية الأصل: (قال مولاناعليه‌السلام عن ابن الأعرابي: إن العرب إنما تستسقى القبور لأنها إذا سقيت وعم القطر أعشب المكان؛ فحضره القوم للرعي، وترحموا على الموتى).

(٤) حواشي الأصل، ت، ف: (روي: (قد غدا متقلدا)؛ وإذا روي (في الوغى) كان (متقلدا) نصبا على الحال. وقوله: (في الوغى) خبر ليت).

٨٣

فعطف الرمح على السيف، وإن كان التقلّد لا يجوز فيه، لكنه أراد حاملا رمحا، ومثل هذا يقدّر في الآية، فيقال: إنه تعالى أراد أن السماء لم تسق قبورهم، وأن الأرض لم تعشب عليها(١) ؛ وكلّ هذا كناية عن حرمانهم رحمة الله تعالى ورضوانه.

تأويل خبر [عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (إنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجل أدومها وإن قلّ]

روى أبو هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (إنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجل أدومها(٢) وإن قلّ؛ فعليكم من الأعمال بما تطيقون؛ فإنّ الله لا يملّ حتّى تملوا).

وفي وصفه(٣) -عليه‌السلام - الله تعالى بالملل وجوه أربعة:

أوّلها أنه أراد نفي الملل عنه، وأنه لا يملّ أبدا، فعلّقه بما لا يقع على سبيل التبعيد كما قال الله تعالى:( وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ ) ؛ [الأعراف ٤٠].

وقال الشاعر:

فإنّك سوف تحلم أو تناهى(٤)

إذا ما شبت أو شاب الغراب(٥)

____________________

(١) د، ف، وحاشية ت (من نسخة): (عليهم).

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (كان في الأصل المقروء على المصنف (أدومها) [بضم الواو] والمعروف أدومها [بفتح الواو]).

(٣) ف، وحاشية ت (من نسخة): (في صفته).

(٤) حاشية الأصل: (تناهى: تبلغ الشيخوخة).

(٥) حواشي الأصل، ت، ف: (البيت للنابغة الذبياني، وقبله:

فإنّ يك عامر قد قال جهلا

فإنّ مطيّة الجهل الشّباب

يهجو عامر بن الطفيل، يقول: هو معذور فإنه شاب، ثم قال: سوف تحكم إذا شخت؛ أو لعلك لا تحكم أبدا؛ حتى يشيب الغراب، وذلك لا يكون أبدا) وتحكم، أي تصير حكيما، وفعل، بضم العين:

يجيء لما يدخل على الإنسان فيصير كالطبع؛ كقولك: سفه يسفه سفاهة، ولم يكن سفيها فسفه. وتحكم من حكم يحكم [بضم الكاف] حكمة؛ إذا صار حكيما).

وانظر الديوان: ١٤ - ١٥.

٨٤

أراد أنك لا تحكم أبدا. فإن قيل: ومن أين قلتم: إن ما علقه به لا يقع حتى حكمتم بأنه أراد نفي الملل على سبيل التأبيد؟ قلنا: معلوم أنّ الملل لا يشمل البشر في جميع آرابهم(١) وأوطارهم، وأنهم لا يعرون من حرص ورغبة وأمل وطمع، فلهذا جاز أن يعلّق ما علم تعالى أنه لا يكون بمللهم.

والوجه الثاني أن يكون المعنى أنه لا يغضب عليكم ويطرحكم حتى تتركوا العمل له، وتعرضوا عن سؤاله، والرغبة في حاجتكم إلى جوده؛ فسمّى الفعلين مللا؛ وإن لم يكونا على الحقيقة كذلك؛ على مذهب العرب في تسميتها الشيء باسم غيره إذا وافق معناه في بعض الوجوه، قال عدي بن زيد العبادي:

ثمّ أضحوا لعب الدّهر بهم

وكذاك الدّهر يؤدى بالرّجال(٢)

وقال عبيد بن الأبرص الأسدي:

سائل بنا حجر ابن أمّ قطام إذ

ظلّت به السّمر الذّوابل تلعب(٣)

فنسبا اللّعب إلى الدهر والقنا تشبيها؛ وقال ذو الرّمة:

وأبيض موشي القميص نصبته

على خصر مقلات سفيه جديلها(٤)

فسمّى اضطراب زمامها، وشدة تحركه سفها؛ لأن السفه في الأصل هو الطيش وسرعة الاضطراب والحركة، وإنما وصف ناقته بالذكاء والنشاط. فأما قوله: (وأبيض موشي القميص) فإنما عنى به سيفه، وقميصه: جفنه، والمقلات: الناقة التي لا يعيش لها ولد.

والوجه الثالث أن يكون المعنى أنه تعالى لا يقطع عنكم فضله وإحسانه حتى تملّوا من سؤاله، ففعلهم ملل على الحقيقة، وسمّى فعله تعالى مللا، وليس بملل على الحقيقة للازدواج

____________________

(١) حاشية الأصل: (آرابهم: جمع أرب؛ وهو الحاجة).

(٢) البيت في (الأغاني ٢: ٣٣)؛ وفي حاشية الأصل: (أودى، إذا هلك).

(٣) ديوانه: ٦؛ والرواية فيه: (السمر النواهل).

(٤) ديوانه ٥٥٣، وفي حاشيتي الأصل، ف: (الجديل: زمام من الأديم).

٨٥

ومشاكلة اللفظين(١) في الصورة، وإن اختلفا في المعنى، ومثل هذا قوله تعالى:( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) ؛ [البقرة: ١٩٤]،( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) ؛ [الشورى: ٤٠]. ومثله قول الشاعر - وهو عمرو بن كلثوم التغلبي.

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا(٢)

وإنما أراد المجازاة على الجهل، لأن العاقل لا يفخر بالجهل ولا يتمدّح به.

والوجه الرابع أن يكون الراوي وهم وغلط من الضمّ(٣) إلى الفتح: وأن يكون قوله (يملّ) بالضمّ لا بالفتح، وعلى هذا يكون له معنيان: أحدهما أنه لا يعاقبكم بالنار حتى تملوا عبادته(٤) وتعرضوا عن طاعته، لأن الملّة هي مشتوى الخبز؛ يقال: ملّ الرجل الخبزة(٥) وغيرها يملّها ملاّ إذا اشتواها في الملّة. وقيل: إنّ الجمر لا يقال له ملّة حتى يخالطه رماد؛ والمعنى الثاني أن يكون أراد أنّه لا يسرع إلى عقابكم(٦) ، بل يحلم عنكم ويتأنّى بكم حتى تملّوا حلمه، وتستعجلوا عذابه، بركوبكم المحارم وتتايعكم(٧) في المآثم(٨) .

***

____________________

(١) ت، وحاشية ف (من نسخة): (اللفظتين).

(٢) من المعلقة ص ٢٣٨ بشرح التبريزي.

(٣) في الأصل: (في الفتح إلى الضم)، وفي ت، د، ف: (من الفتح إلى الضم)، والتصويب من حواشي الأصل، ت، ف.

(٤) ت، د، ف: (من عبادته).

(٥) الخبزة: العجينة توضع في الملة حتى تنضج، وفي حاشية الأصل (من نسخة): (الخبز).

(٦) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (رفقا بكم).

(٧) في حاشيتي الأصل، ف: (التتابع: التمادي في الشر؛ يقال: تتابع في الخير، وتتابع في الشر).

(٨) حاشية ف: (قيل في هذا الخبر إن معناه أن الله لا يمل وإن تملوا؛ ومثله قول الراجز:

نحن بني ضبّة لا نفرّ

حتى نرى جماجما تخرّ

يريد: لا نفر وإن خرت جماجمنا؛ أي لا نفر أصلا. وقول الشاعر في بعض الروايات:

ولم تشاركك عندي بعد غانية

لا والّذي أصبحت عندي له نعم

حتى أمرّ على الشّقراء معتسفا

خلّ النقا بمروح لحمه زيم

فسر ذلك على أنه لم يشاركك لا وهو حتى أمرّ على الشقراء، ولا يريد أنه إذا حل ذلك الموضع شاركتك غانية).

٨٦

[خبر حسد الفرزدق لليلى الأخيلية على أبيات قالتها]

[قال المرتضىرضي‌الله‌عنه ]: روي أنه قيل للفرزدق: هل حسدت أحدا على شيء من الشعر؟ فقال: لا، لم أحسد على شيء منه إلاّ ليلى الأخيلية في قولها(١) :

ومخرّق عنه القميص تخاله

بين البيوت من الحياء سقيما(٢)

حتى إذا برز اللّواء رأيته

تحت اللّواء على الخميس زعيما(٣)

لا تقربنّ الدّهر آل مطرّف

لا ظالما أبدا ولا مظلوما(٤)

- ويروى: (إن ظالما أبدا وإن مظلوما) -

على أنني قد قلت:

وركب كأنّ الريح تطلب عندهم

لها ترة من جذبها بالعصائب(٥)

 سروا يخبطون اللّيل وهي تلفّهم

إلى شعب الأكوار من كلّ جانب(٦)

إذا أبصروا نارا يقولون ليتها

وقد خصرت أيديهم نار غالب(٧)

وليس أبيات الفرزدق بدون أبيات ليلى، بل هي أجزل ألفاظا، وأشدّ أسرا، إلا أن أبيات ليلى أطبع وأنصع؛ وقد كان الفرزدق مشهورا بالحسد على الشعر والاستكثار لقليله والإفراط في استحسان مستحسنه.

____________________

 - والبيتان في الحماسة بشرح التبريزي ٣: ١٣٣، من قصيدة لزياد بن حمل؛ ويعني بالشقراء فرسه.

والاعتساف: الأخذ في السير على غير هداية ولا دراية. والخل: الطريق في الرمل، والنقا: الرمل.

والمروح: النشيط، والزيم: المكتنز اللحم).

(١) من أبيات في (الحماسة - بشرح التبريزي ٤: ١٥٥ - ١٥٧)؛ مطلعها:

ياأيّها السّدم الملوّي رأسه

ليقود من أهل الحجاز بريما

 (٢) حاشية (من نسخة): (وسط البيوت)، وهي رواية الحماسة.

(٣) م: (رفع اللواء)، وهي رواية الحماسة. والخميس: الجيش، سمي بذلك لأنه يكون خمس كتائب، أو خمسة صفوف: المقدمة، والميمنة، والميسرة، والقلب، والساق.

(٤) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (لا تغزون الدهر)؛ وهي رواية الحماسة. وفي حاشية الأصل: (لا ظالما أبدا؛ لأنهم لا يحتملون ظلمك، ولا مظلوما لأنك لا تقدر أن تنتصر منهم).

(٥) ديوانه ١: ٣٠، والترة: الثأر، والعصائب: جمع عصابة؛ وهي العمامة تعصب على الرأس.

(٦) حاشية الأصل: (الشعب: جمع شعبة، أي جوانب الأكوار، والأكوار: جمع كور؛ وهو الرحل).

(٧) حاشية ت (من نسخة): (آنسوا نارا). خصرت: بردت، وغالب أبو الفرزدق.

٨٧

[خبره مع الكميت حين عرض عليه أبياتا له من قصيدة]

وقد روي أن الكميت بن زيد الأسدي لما عرض على الفرزدق أبياتا من قصيدته التي أولها:

أتصرم الحبل حبل البيض أم تصل

وكيف والشّيب في فوديك مشتعل

لما عبأت لقوس المجد أسهمها

حيث الجدود على الأحساب تنتضل(١)

أحرزت من عشرها تسعا وواحدة

فلا العمى لك من رام ولا الشّلل(٢)

الشّمس أدّتك إلاّ أنّها امرأة

والبدر أدّاك إلاّ أنه رجل(٣)

حسده الفرزدق، فقال له: أنت خطيب، وإنما سلّم له الخطابة ليخرجه عن أسلوب الشعر. ولما بهره من حسن الأبيات وأفرط بها إعجابه، ولم يتمكن من دفع فضلها جملة عدل في وصفها إلى معنى الخطابة(٤) .

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (عبأت: هيأت، والجدود، جمع الجد؛ وهو البخت، وتنتضل:

تناضل وترامي).

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (يقال للرامي المصيب: لا عمى ولا شلل).

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (يعني أن أباك البدر وأمك الشمس، وإلا تقرير).

(٤) حاشية ف: (حدث إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي عن عبد الله بن إسحاق بن سلام قال:

أتى الكميت باب مجلس يزيد بن المهلب يمتدحه، فصادف على بابه أربعين شاعرا؛ فقال للآذن: استأذن لي على الأمير؛ فاستأذن له عليه، فأذن له، فقال: كم رأيت بالباب من شاعر؟ قال: أربعين شاعرا قال: فأنت جالب التمر إلى هجر، فقال: إنهم جلبوا دقلا، وجلبت أزاذا، فقال: هات أزاذك، فأنشده:

هلاّ سألت منازلا بالأبرق

درست وكيف سؤال من لم ينطق!

لعبت بها ريحان: ريح عجاجة

بالسّافيات من التّراب المعنق

والهيف رائحة لها ينتاحها

طفل العشي بذي حناتم شرّق

تصل اللّقاح إلى النتاج مربّة

لخفوق كوكبها وإن لم يخفق

غيّرن عهدك بالدّيار وما يكن

رهن الحوادث من جديد يخلق

إلاّ خوالد في المحلّة بيتها

كالطّيلسان من الرّماد الأورق

ومشجّحا ترك الولائد رأسه

مثل السّواك ودمنة كالمهرق

-

٨٨

وحسد الفرزدق على الشعر وإعجابه بجيده من أدلّ دليل على حسن نقده له وقوة بصيرته فيه، وأنّه كان يطرب للجيّد منه فضل طرب، ويعجب منه فضل عجب. ويدلّ أيضا على إنصافه فيه، وأنه مستقلّ للكثير الصادر من جهته، فإن كثيرا من الناس قد يبلغ بهم الهوى في الإعجاب والاستحسان لما يظهر منهم في شعر أو فضل إلى أن يعموا عن محاسن غيرهم فيستقلّوا منهم الكثير، ويستصغروا الكبير.

[خبره عند سليمان بن عبد الملك]

ولأبيات الفرزدق التي ذكرناها خبر مشهور متداول، أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة عن يونس قال:

دخل الفرزدق على سليمان(١) بن عبد الملك وعنده نصيب الشاعر، فقال له سليمان أنشدني، فأنشده الأبيات التي تقدم ذكرها، فاسودّ وجه سليمان وغاظه فعله، وكان يظن أنه ينشده مديحا له، فلمّا رأى نصيب ذلك قال: ألا أنشدك؟ فأنشده:

____________________

 -

دار التي تركتك غير ملومة

دنفا فإن لم ترع قلبك فاشفق

قد كنت قبل تتوق من هجرانها

فاليوم إذ شحط المزار بها تق

والحبّ فيه حرارة ومرارة

سائل بذلك من تطعّم أو زقي

ما ذاق بؤس معيشة ونعيمها

فيما مضى أحد إذا لم يعشق

حتى بلغ إلى قوله:

من قال بت أخا الهموم ومن يبت

غرض الهموم ونصبهنّ يؤرّق

بشّرت نفسي إذ رأيتك بالغنى

ووثقت حين سمعت قولك لي ثق

فأمر بالخلع عليه حتى استغاث؛ فقال: أتاك الغوث، ارفعوا عنه).

(١) حاشية ف: (قيل: بينما سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام إذ أتي بحجر منقوش، فطلب من يقرؤه، فأتي بوهب بن منبه؛ فقرأه فإذا فيه: ابن آدم إنك لو أبصرت قليل ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك، ولرغبت في الزيادة من عملك؛ ولقصرت عن حرصك وحيلك؛ وإنما يلقاك غدا ندمك، وقد زلت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك؛ فبان منك الولد القريب، ورفضك الوالد والنسيب؛ فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حياتك ذائد، فاعمل ليوم القيامة، يوم الحسرة والندامة فبكى سليمان).

٨٩

أقول لركب قافلين لقيتهم

قفا ذات أوشال ومولاك قارب(١)

قفوا خبّروني عن سليمان إنني

لمعروفه من أهل ودّان طالب(٢)

فعاجوا فأثنوا بالذّي أنت أهله

ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب(٣)

فقال له سليمان: أنت أشعر أهل جلدتك(٤) ؛ وفي بعض الأخبار أنّ الفرزدق قال ذلك في نصيب حين سأله عنه سليمان.

وروي أيضا أنه لما أنشد نصيب أبياته قال له سليمان: أحسنت، ووصله(٥) ولم يصل الفرزدق فخرج الفرزدق وهو يقول:

____________________

(١) قفا ذات أوشال: خلف هذا الموضع؛ والأوشال: جمع وشل، بالتحريك؛ وهو الماء القليل يتخلف من جبل أو صخر. وفي حاشيتي الأصل، ف: (في ديوانه: ذات أوشان؛ بالنون).

وفي معجم ما استعجم للبكري: ٢١٢: (ذات أوشال: موضع بين الحجاز والشام) وذكر البيت.

وأراد بالمولى نفسه؛ والقارب: طالب الماء ليلا.

(٢) ودان، بفتح الواو: قرية بين مكة والمدينة، قريبة من الجحفة؛ وفي حاشيتي الأصل، ت: (يعني أنا من أهل ودان، وهي أرض للعرب).

(٣) وبعده:

فقالوا تركناه وفي كلّ ليلة

يطيف به من طالبي العرف راكب

ولو كان فوق النّاس حي فعاله

كفعلك أو للفعل منك مقارب

لقلنا له شبه ولكن تعذّرت

سواك عن المستشفعين المطالب

هو البدر والنّاس الكواكب حوله

ولا يشبه البدر المنير الكواكب

(٤) الخبر في (الكامل - بشرح المرصفي ٢: ٢١٧ - ٢١٨، والشعر والشعراء ٣٧٢ - ٣٧٣، واللآلي ٢٩١ - ٢٩٢)، والأبيات في (البيان والتبيين ١: ٨٣، وأمالي القالي ١: ٩٤، ومعجم البلدان ٨: ٤٠٥؛ ولكنه لم يذكر (ذات أوشال) في موضعها).

(٥) حاشية ف: (حدث محمد بن أحمد عن محمد بن عبد الله عن معاذ صاحب الهروي قال: (دخلت مسجد الكوفة، فرأيت رجلا لم أر قط أنقى ثيابا منه، ولا أشد سوادا، فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا نصيب، فقلت: أخبرني عنك وعن أصحابك، فقال: جميل إمامنا، وعمر أوصفنا لربات الحجال، وكثير أبكانا على الأطلال والدمن، وقد قلت ما سمعت، قلت: فإن الناس يزعمون أنك لا تحسن أن تهجو، قال:

فأقروا لي أني أحسن المدح؟ قلت: بلى، قال: ولكني رأيت الناس رجلين: رجلا لم أسأله فلا ينبغي أن أهجوه، ورجلا سألته فمنعني، فكانت نفسي أحق بالهجا؛ إذ سولت لي أن أطلب منه).

٩٠

وخير الشّعر أكرمه رجالا

وشرّ الشّعر ما قال العبيد(١)

ولا شبهة في أنّ أبيات الفرزدق مقدمة في الجزالة والرّصانة على أبيات نصيب؛ وإن كان نصيب قد غرّب(٢) وأبدع في قوله:

* ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب*

إلاّ أنّ أبيات نصيب وقعت موقعها، ووردت في حال تليق بها، وأبيات الفرزدق جاءت في غير وقتها وعلى غير وجهها؛ فلهذا قدّمت أبيات نصيب.

والفرزدق مع تقدّمه في الشعر وبلوغه فيه إلى الذّروة العليا، والغاية القصوى شريف الآباء، كريم البيت، له ولآبائه مآثر لا تدفع، ومفاخر لا تجحد. والفرزدق لقب لقّب به، وليس باسمه، وإنما لقّب بذلك لجهامة وجهه، وغلظه؛ لأنّ الفرزدقة هي القطعة الضخمة من العجين، وقيل: إنها الخبزة الغليظة التي يتّخذ منها النساء الفتوت(٣) ، واسمه همام بن غالب، وكنيته أبو فراس، وقيل إنّه كان يكنى في شبابه بأبي مكّية(٤) وهي أغرب كنيته(٥) .

وكان شيعيّا(٦) مائلا إلى بني هاشم، ونزع في آخر عمره عما كان عليه من القذف(٧)

____________________

(١) في نسخة بحاشيتي ت، ف: (أشرفه فحولا)، وفي حاشيتي الأصل، ف: (يعني أن نصيبا حديثي مملوك).

(٢) ل، ونسخة في حاشيتي ت، ف: (أغرب).

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (الفتوت والفتيت بمعنى).

(٤) حواشي الأصل، ت، ف: (كان يكنى أبا مكية، ومكية بنته، وذكر ذلك في شعر له فقال:

شاهد إذا ما كنت ذا محميّه

بدارمي أمّه ضبّيّه

صمحمح مثل أبي مكّيّه

 - الصمحمح: العظيم الرأس، وأبو مكية يعني نفسه).

(٥) ش: (أعرف كنيتة).

(٦) في حاشيتي الأصل، ف: (النسبة إلى الشيعة شيعي، بكسرة صحيحة على الشين؛ كما تنسب إلى الجيزة جيزي، والجيزة محلة بمصر؛ منها أبو الربيع الجيزي).

(٧) حاشية ت (من نسخة): (من القرف)، والقرف: الرمي بالسوء.

٩١

والفسق، وراجع طريقة الدين، على أنه لم يكن في خلال(١) فسقه منسلخا من الدّين جملة، ولا مهملا لأمره أصلا.

[خبر تنسّكه في آخر عمره وما قاله من شعر في ذلك]

ومما يشهد لذلك ما أخبرنا به عليّ بن محمد الكاتب عن أبي بكر محمد بن يحيى الصولي عن أبي حفص الفلاّس عن عبد الله بن سوّار عن معاوية بن عبد الكريم عن أبيه قال:

دخلت على الفرزدق، فجعلت أحادثه، فسمعت صوت حديد يتقعقع، فتأملت الأمر، فإذا هو مقيّد الرّجل(٢) ، فسألته عن السبب في ذلك، فقال: إني آليت على نفسي ألاّ أنزع القيد من رجلي، حتى أحفظ القرآن.

وأخبرنا أبو عبيد الله المرزبانيّ قال أخبرني أبو ذرّ القراطيسي قال حدثنا ابن أبي الدّنيا قال حدّثني الرّياشي عن الأصمعي عن سلام بن مسكين قال: قيل للفرزدق؛ علام تقذف المحصنات؟ فقال: والله، للّه أحبّ إلى من عيني هاتين، أفتراه يعذّبني بعدها(٣) !.

وروي أنّه تعلّق بأستار الكعبة، وعاهد الله على ترك الهجاء والقذف اللّذين كان ارتكبهما، وقال:

ألم ترني عاهدت ربّي وإنّني

لبين وتاج قائما ومقام(٤)

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (حال).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (الرجلين).

(٣) حاشية ف: (ذكر المبرد في كتابه قال: دخل لبطة بن الفرزدق على أبيه وهو محبوس في سجن مالك بن المنذر بن الجارود؛ ومالك عامل على البصرة لخالد بن عبد الله القسري؛ فقال له: ياأبت؛ هذا عمر بن يزيد الأزدي ضرب آنفا ألف سوط ومات، فشد على حمار، فقال الفرزدق: كأنك والله بمثل هذا الحديث قد تحدثت به عن أبيك - والحسن إذ ذاك محبوس عنده - فقال له: ياأبا فراس، فما عندك إن كان ذلك؟ فقال: والله ياأبا سعيد، للّه أحب إلى من سمعي وبصري، ومن مالي وولدي، ومن أهلي وعشيرتي؛ أفتراه يخذلني! فقال الحسن: كلا والله ياأبا فراس).

وانظر الخبر في (الكامل - بشرح المرصفي ٢: ٧٦ - ٧٧).

(٤) في حاشيتي الأصل، ف: (الرتاج: الباب المغلق، والباب العظيم أيضا قائما، حال بما يدل عليه لبين) وفي ت، د: (قائم).

٩٢

على حلفة لا أشتم الدّهر مسلما

ولا خارجا من في زور كلام(١)

أطعتك ياإبليس سبعين حجة

فلمّا انقضى عمري وتمّ تمامي(٢)

فزعت إلى ربّي وأيقنت أنّني

ملاق لأيّام الحتوف حمامي(٣)

وروى الصّولي عن الحسين بن الفيّاض عن إدريس بن عمران قال: جاءني الفرزدق، فتذاكرنا رحمة الله وسعتها؛ فكان أوثقنا بالله، فقال له رجل: ألك هذا الرجاء والمذهب وأنت تقذف المحصنات، وتفعل ما تفعل! فقال: أترونني لو أذنبت إلى أبوي، أكانا يقذفاني

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (قال مولانا السيد: خارجا، تقديره: ولا يخرج خروجا؛ وذهب عيسى بن عمر إلى أنه في موضع الحال؛ لأن قوله: لا أشتم نصب على الحال؛ كأنه قال: عاهدت لا شاتما ولا خارجا. وقال أبو سعيد: تقديره: عاهدت على أن أحلف لا شاتما ولا خارجا؛ وهو حال من التاء في عاهدت، أو المحذوف من المصدر؛ وهو الفاعل. وسيبويه يجعل لا أشتم جواب القسم؛ ولا موضع له من الإعراب، والقسم عاهدت. فقوله: ولا خارجا، أى لا يخرج خروجا؛ وهو معطوف على لا أشتم).

وفي حاشية ف أيضا: (ذكر المبرد في كتابه الكامل في قوله:

* ولا خارجا من في زور كلام*

إنما وضع اسم الفاعل موضع المصدر، أراد: لا أشتم الدهر مسلما، ولا يخرج خروجا من في زور كلام؛ لأنه على هذا أقسم، والمصدر يقع في موضع اسم الفاعل؛ يقال: ماء غور، أي غائر؛ كما قال الله تعالى:( إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ) ؛ ويقال: رجل عدل، أي عادل، فعلى هذا جاء المصدر على فاعل؛ كما جاء اسم الفاعل على المصدر؛ يقال: قم قائما؛ فيوضع موضع قولك: قم قياما؛ قال: وكان عيسى بن عمر يقول: إنما قوله لا أشتم حال، فأراد: عاهدت ربي في هذه الحال، وأنا غير شاتم ولا خارج من في ولم يذكر الّذي عاهد عليه).

وانظر (الكامل - بشرح المرصفي ٢: ٨١ - ٨٣).

(٢) د، ومن نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (تسعين)، وفي حاشية الأصل، ف: (أي بلغت غايتي؛ ونسبة التمام إلى التمام ترد على معنى التأكيد كما قال الشاعر: (فجن جنونها)، والجنون لا يجن، وإنما المرء يجن؛ وكما قال:

جنونك مجنون ولست بواجد

طبيبا يداوي من جنون جنوني

(٣) ش، ف: (فررت)، والأبيات في (ديوانه ٢: ٧٧٠).

٩٣

في تنوّر، وتطيب أنفسهما بذلك؟ قلنا: لا، بل كانا يرحمانك، قال: فأنا والله برحمة ربّي أوثق مني برحمتهما.

وأخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدثنا محمد بن إبراهيم(١) قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد(٢) الورّاق قال حدّثني محمد بن محمد بن سليمان الطّفاوي(٣) قال: حدثني أبي عن جدي قال: شهدت الحسن البصري في جنازة النّوار (امرأة الفرزدق) - وكان الفرزدق حاضرا - فقال له الحسن وهو عند القبر: ياأبا فراس، ما أعددت لهذا المضجع؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله مذ ثمانون سنة، فقال له الحسن: هذا العمود فأين الطّنب!. وفي رواية أخرى أنه قال له: نعم ما أعددت، ثم قال الفرزدق في الحال:

أخاف وراء القبر - إن لم يعافني -

أشدّ من الموت التهابا وأضيقا(٤)

إذا جاءني يوم القيامة قائد

عنيف وسوّاق يسوق الفرزدقا

لقد خاب من أولاد آدم من مشى

إلى النّار مغلول القلادة أزرقا(٥)

يقاد إلى نار الجحيم مسربلا

سرابيل قطران لباسا محرّقا

قال: فرأيت الحسن يدخل بعضه في بعض، ثم قال: حسبك. ويقال إن رجلا رأى الفرزدق بعد موته في منامه، فقال له ما فعل بك ربّك؟ فقال: عفا عني بتلك الأبيات(٦) .

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (محمد بن محمد بن إبراهيم).

(٢) د، ونسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (سعيد).

(٣) حاشية الأصل: (الطفاوي: منسوب إلى طفاوة؛ وهم قوم).

(٤) الأبيات في ديوانه ٢: ٥٧٨، مع اختلاف في الرواية وترتيب الأبيات؛ وفي نسخة بحواشي الأصل، ف، ت: (أشد من القبر)؛ وهي رواية الديوان.

(٥) ف: (مشدود الفلائد)، وهي رواية الديوان.

(٦) حاشية ف: (زعم بعض النميمية أن الفرزدق رئي في النوم فقيل له: ما صنع ربك؟ فقال:

غفر لي؛ قيل له: بأي شيء؟ قال: بالكلمة التي نازعنيها الحسن البصري على شفير القبر). وفيها أيضا: (في الكامل، كان الفرزدق يخرج من منزله فيرى بني تميم والمصاحف في حجورهم فيسر بذلك ويجذل له -

٩٤

[عود إلى خبره مع الكميت]

وأما ما يدلّ على تشيّعه وميله إلى بني هاشم ما أخبرنا به أبو عبيد الله المرزباني قال حدثني عمر بن داود العماني قال حدثنا محمد بن زكريا(١) الغلابي قال حدثنا مهدي بن سابق قال حدثنا أبو لبيد قال: جاء الكميت إلى الفرزدق فقال: ياعمّ إني قد قلت قصيدة أريد أن أعرضها عليك، فقال له: قل، فأنشده:

* طربت وما شوقا إلى البيض أطرب*

فقال له الفرزدق: إلى من طربت، ثكلتك أمّك! فقال:

* ولا لعبا منّي وذو الشّيب يلعب*

ولم تلهني دار ولا رسم منزل

ولم يتطرّبني بنان مخضّب

____________________

 - ويقول: إيه فدى لكم أبي وأمي! كذا والله كان آباؤكم، قال: ونظر أبو هريرة الدوسي إلى الفرزدق فقال: مهما فعلت فقنطك الناس عليه، فلا تقنط من رحمة الله، ثم نظر إلى قدميه فقال: إني أرى لك قدمين لطيفين؛ فابتغ لهما موقفا صالحا يوم القيامة).

و (انظر الكامل - بشرح المرصفي ٢: ٧٩).

(١) حواشي الأصل، ف، ت: (الغلابي: منسوب إلى غلاب، اسم امرأة؛ وكان شيعيا).

وفي حاشية ف أيضا: (حدث الغلابي عن محمد بن عبد الله عن علي بن محمد قال: قال أنوشروان لبزرجمهر لما أراد قتله: إني قاتلك؛ فتكلم بشيء تذكر به؛ فقال: أيها الملك، إن الدنيا حديث حسن وقبيح؛ فإذا استطعت أن تكون حديثا حسنا فكنه، قال ابن عبد الله: وذكر هذا الكلام لابن عائشة فقال:

صدق، هو والله من قوله تعالى:( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ) ، وأنشد ابن عائشة:

ألم تر أنّ النّاس تخلد بعدهم

أحاديثهم والمرء ليس بخالد

وقال أيضا:

وإذا الفتى لاقى الحمام رأيته

لولا الثّناء كأنّه لم يولد

وروى محمد بن زكريا الغلابي: كان مريد يكنى أبا إسحاق، وكانت له نوادر؛ فبينا هو ذات يوم جالس إذ جاءه أصحابه فقالوا: ياأبا إسحاق، هل لك في الخروج بنا إلى العقيق، وإلى قباء، وإلى أحد؛ ناحية قبور الشهداء؛ فإن هذا يوم كما ترى طيب؛ فقال: اليوم يوم الأربعاء، ولست أبرح من منزلي، فقالوا له: ما تكره من يوم الأربعاء وفيه ولد يونس بن متى؟ فقال: بأبي وأميصلى‌الله‌عليه‌وآله ! وفيه التقمة الحوت، فقالوا: يوم نصر فيه يوم الأحزاب، فقال: أجل!، ولكن بعد إذ زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر).

٩٥

فقال له: إلى من طربت؟ فقال:

ولا أنا ممّن يزجر الطّير؛ همّه:

أصاح غراب أم تعرّض ثعلب(١)

ولا السانحات البارحات عشيّة

أمرّ سليم القرن أم مرّ أعضب(٢)

ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى

وخير بني حوّاء، والخير يطلب

فقال له الفرزدق: هؤلاء بنو دارم، فقال الكميت:

إلى النّفر البيض الّذين بحبّهم

إلى الله فيما نابني أتقرّب

فقال الفرزدق: هؤلاء بنو هاشم، فقال الكميت:

بني هاشم رهط النبي فإنّني

بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب(٣)

فقال له الفرزدق: والله لو جزتهم إلى سواهم لذهب قولك باطلا.

[خبر مديحه لعلي بن الحسين بن علي]

ومما يشهد لذلك ما أخبرنا به أبو عبيد الله المرزباني قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدّثني جدّي يحيى بن الحسن العلوي قال حدّثنا الحسين بن محمد بن طالب قال: حدّثني غير واحد من أهل الأدب أن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام حجّ فاستجهر(٤) الناس جماله، وتشوّفوا له، وجعلوا يقولون: من هذا؟ فقال الفرزدق:

____________________

(١) ت، د، حاشية الأصل (من نسخة): (في المتن، قال المرتضىرضي‌الله‌عنه : يجب الوقوف على الطير)، ثم يبدأ (بهمه) ليعلم الغرض). والزجر هنا: التيمن أو التشاؤم بالطير وغيره.

(٢) السانح من الطير: ما مر من مياسرك إلى ميامنك، والبارح عكسه، وكان العرب يتيامنون بالسانح، ويتشاءمون بالبارح، والأعضب: مكسور القرن، وفي ت، ف بعد هذا البيت: (فقال: إلى من طربت لا أم لك! فقال الكميت )

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (أعني بني هاشم، أو إلى بني هاشم).

(٤) حواشي الأصل، ت، ف: (يقال: جهرت الرجل واستجهرته؛ إذا رأيته عظيم المرآة، وما أحسن جهر فلان! أي ما يجتهر من هيئته وحسن منظره؛ وقيل: اجتهر؛ أي حملهم بجماله على أن يجهروهعليه‌السلام ، أي يدركوا جهره).

٩٦

هذا ابن خير عباد الله كلّهم

هذا التّقي النّقيّ الطّاهر العلم

هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم(١)

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم(٢)

يغضي حياء ويغضى من مهابته

فما يكلّم إلاّ حين يبتسم(٣)

أي القبائل ليست في رقابهم

لأوّليّة هذا أو له نعم

من يعرف الله يعرف أوّليّة ذا

فالدّين من بيت هذا ناله الأمم(٤)

____________________

(١) البطحاء: أرض مكة المنبطحة، والحل، بالكسر: خارج المواقيت من البلاد، والحرم: ما بين المواقيت المعروفة؛ وأراد بهما أهل الحل والحرم.

(٢) الحطيم: الجدار الّذي عليه ميزاب الكعبة، وانتصب (عرفان) على أنه مفعول له، أي يكاد يمسكه ركن الحطيم؛ لأنه عرف راحته. ويستلم، بمعنى يلمس الحجر الأسود.

(٣) حواشي الأصل، ت، ف: روى أبو الفرج في كتاب الأغاني الكبير هذا البيت: يغضي ...

وبيتا آخر وهو:

بكفّه خيزران ريحها عبق

من كفّ أروع في عرنينه شمم

للحزين الكناني، قال: مدح بهما الحزين عبد الله بن عبد الملك، وقد حج، وكان أبوه عبد الملك قد وصاه بألا يحجب الحزين لخبث لسانه، ووصفه له بهيئته، فدخل عليه وأنشده البيتين. قال أبو الفرج:

والناس يروون هذين البيتين في أبيات الفرزدق التي مدح بها زين العابدينعليه‌السلام ).

وقد ذكر أبو تمام في (الحماسة - بشرح التبريزي ٤ - ١٦٧ - ١٦٩) الأبيات منسوبة إلى الحزين الليثي. وانظر تفصيل الخبر وتحقيق نسبة الأبيات في (الأغاني ١٤: ٧٤ - ٧٧).

(٤) حاشية ف: (روي أنه كان عبد الملك بن مروان لما سمع هذا من الفرزدق قال له: (أو رافضي أيضا أنت! فقال الفرزدق: إن كان حب آل محمد رفضا فأنا هذاك، فقال عبد الملك: قل في مثل ما قلته فيه، وعليّ أن أضعف عطاءك، فقال الفرزدق: وتجيئني بأب مثل أبيه وأم بمثل أمه؛ حتى أقول فيك مثل ما قلته فيه؛ أتقول هذا ولا تستحي من الله عز وجل! مر حتى تسقط اسمي من الديوان جملة، فأسقط عطاءه.

فبلغ ذلك علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فبعث إليه، فلما أتاه قال: ياأبا فراس؛ خذ مني جميع ما أملكه، ولك الفضل بعد ذلك؛ وما كافأتك بعد! فقال: ياابن رسول الله، ما قلته فيك لرجاء مثوبة؛ وإن ثوابي على الله، وما أؤمله فيكم عند الله عز وجل أحب إلى من ملك عبد الملك؛ فقال: فكم كان عطاؤه الّذي حرمته؟ قال: ألف ومائتان في السنة، فوزن له ثمانية وأربعين ألفا، عطاء أربعين سنة، فأخذها وانصرف).

٩٧

وفي رواية الغلابي أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك - أو الوليد - وهو حديث(١) السن، فأراد أن يستلم الحجر، فلم يتمكن من ذلك لتزاحم الناس عليه، فجلس ينتظر خلوة؛ فأقبل علي بن الحسينعليهما‌السلام ، وعليه إزار ورداء، وهو من أحسن الناس وجها، وأطيبهم ريحا، بين عينيه سجّادة، كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف بالبيت، فإذا بلغ الحجر تنحّى الناس له حتى يستلمه، هيبة له وإجلالا. فغاظ ذلك هشاما، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الّذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه - لئلا يرغّب فيه أهل الشام. فقال الفرزدق - وكان هناك حاضرا -: لكني أعرفه، وذكر الأبيات، وهي أكثر مما رويناه؛ وإنما تركناها(٢) لأنها معروفة.

قال: فغضب هشام، وأمر بحبس الفرزدق بعسفان، بين مكّة والمدينة، وبلغ ذلك عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فبعث إلى الفرزدق باثنى عشر ألف درهم وقال: اعذرنا ياأبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر منها لوصلناك به، فردّها الفرزدق وقال: ياابن رسول الله، ما قلت الّذي قلت إلا غضبا للّه ورسوله، وما كنت لأرزأ(٣) عليه شيئا؛ فردها إليه وأقسم عليه في قبولها وقال له: قد رأى الله مكانك، وعلم نيّتك، وشكر لك، ونحن أهل بيت إذا أنفذنا شيئا لم نرجع فيه؛ فقبلها، وجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس؛ فمما هجاه به قوله:

تحبّسني بين المدينة والّتي

إليها رقاب النّاس يهوى منيبها(٤)

يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد

وعينا له حولاء باد عيوبها

____________________

(١) د، ف، حاشية ت (من نسخة): (حدث السن).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (تركنا أكثرها).

(٣) ت: (لأرزأك). وفي حاشية ف: (يقال: ما رزأته شيئا؛ أي لم آخذ منه شيئا).

(٤) ديوانه ١: ١ ه، وفي حاشية الأصل (من نسخة): (يحبسني)، وحاشية ف (من نسخة): (قلوب الناس يهوى)؛ وهي رواية الديوان.

٩٨

[٦]

مجلس آخر [المجلس السادس:]

تأويل آية( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً )

إن سأل سائل فقال: ما عندكم في تأويل قوله تعالى:( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) ؛ [هود: ١١٨، ١١٩].

وظاهر هذه الآية يقتضي أنّه تعالى ما شاء أن يكونوا أمة واحدة وأن يجتمعوا على الإيمان والهدى؛ وهذا بخلاف ما تذهبون إليه؛ ثم قال:( وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) فلا يخلو من أن يكون عنى أنّه للاختلاف خلقهم، أو للرحمة؛ ولا يجوز أن يعني الرحمة؛ لأن الكناية عن الرحمة لا تكون بلفظة (ذلك)؛ ولو أرادها لقال: ولتلك خلقهم، فلما قال( وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) كان رجوعه إلى الاختلاف أولى. وليس يبطل حمل الآية على الاختلاف من حيث لم يكن مذكورا فيها؛ لأن الرحمة أيضا غير مذكورة فيها، وإذا جعلتم قوله تعالى:( إِلاّ مَنْ رَحِمَ ) دالاّ على الرحمة فكذلك قوله:( مُخْتَلِفِينَ ) دالّ على الاختلاف؛ على أن الرحمة هي رقة القلب والشفقة؛ وذلك لا يجوز على الله تعالى، ومتى تعدّى بها ما ذكرناه، لم يعن بها إلا العفو وإسقاط الضرر، وما جرى مجراه(١) عن مستحقّه، وهذا مما لا يجوز أن يكونوا مخلوقين له على مذهبكم، لأنه لو خلقهم للعفو لما حسن منه عقاب المذنبين ومؤاخذة المستحقين.

الجواب، يقال له: أما قوله تعالى:( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ) فإنما عنى به المشيئة التي ينضمّ إليها الإلجاء، ولم يعن المشيئة على سبيل الاختيار، وإنما أراد تعالى أن يخبرنا عن قدرته، وأنه ممّن لا يغالب، ولا يعصى مقهورا؛ من حيث كان قادرا على إلجاء العبيد، وإكراههم على ما أراد منهم.

فأما لفظة (ذلك) فى الآية فحملها على الرحمة أولى من حملها على الاختلاف؛ لدليل

____________________

(١) د، حاشية ت (من نسخة): (مجراهما).

٩٩

العقل وشهادة اللفظ، فأما دليل العقل فمن حيث علمنا أنّه تعالى كره الاختلاف، والذّهاب عن الدين، ونهى عنه، وتوعّد عليه، فكيف يجوز أن يكون شائيا له، ومجريا(١) بخلق العباد إليه.

وأما شهادة اللفظ فلأنّ الرحمة أقرب الى هذه الكناية من الاختلاف، وحمل اللفظ على أقرب المذكورين إليها أولى في لسان العرب.

فأما ما طعن به السائل، وتعلّق به من تذكير الكناية، وأنّ الكناية عن الرحمة لا تكون إلا مؤنثة فباطل، لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي، وإذا كني عنها بلفظ التذكير كانت الكناية على المعنى، لأن معناها هو الفضل والإنعام؛ كما قالوا: سرّني كلمتك، يريدون سرّني كلامك، وقال الله تعالى:( هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ) ؛ [الكهف: ٩٨]؛ ولم يقل (هذه)، وإنما أراد هذا فضل من ربي؛ وقالت الخنساء:

فذلك ياهند الرّزيّة فاعلمي

ونيران حرب حين شبّ وقودها(٢)

أرادت الرّزء؛ وقال امرؤ القيس:

برهرهة رؤدة رخصة

كخرعوبة البانة المنفطر(٣)

فقال: (المنفطر) ولم يقل المنفطرة، لأنه ذهب إلى الغصن؛ وقال الآخر:

هنيئا لسعد ما اقتضى بعد وقعتي(٤)

بناقة سعد والعشيّة بارد

فذكّر الوصف: لأنه ذهب إلى العشي؛ وقال الآخر:

قامت تبكّيه على قبره

من لي من بعدك ياعامر(٥)

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (الإجراء يستعمل في المنكر المذموم؛ يقال: أجرى عليه فعله، ولا يقال إلا في الشر).

(٢) ديوانها: ٥٩.

(٣) ديوانه: ٨. البرهرهة: الرقيقة الجلد، والرؤدة: الرخصة الناعمة، والخرعوبة: القضيب الغض، والمنفطر: المنشق.

(٤) حاشية ت (من نسخة): (وقفتي).

(٥) البيتان في العقد ٣: ٢٥٩، و٥: ٣٩٠؛ ونسبهما لأعرابية على قبر ابن لها يقال له عامر.

١٠٠