موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 663
المشاهدات: 33315
تحميل: 5993


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33315 / تحميل: 5993
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال الشيخ: ويتبرّك جيران المحلة بزيارته، ويقولون:هو رجل صالح، وربما قالوا:هو ابن داية الحسين (عليه السلام). ولا يعرفون حقيقة الحال فيه. وهو إلى يومنا هذا - وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمئة - على ما هو عليه (1) .

أقول: وقبره شهيد الآن مشيد معروف ببغداد، يزار ويتبرَّك به.

ونستطيع أن نعرف من جهالة الناس لحقيقة قبره في زمان الشيخ الطوسي "قده"، مقدار الغموض والكتمان الذي كان يحيط السفارة المهدوية، في حياة السفير وبعد مماته، بل بعد ما يزيد على مائتي سنة على دفنه.

ولم يفت أبو عمرو قبل وفاته أن يبلغ أصحابه وقواعده الشعبية، ما هو مأمور به من قبل المهدي (عليه السلام)، من إيكال السفارة بعده إلى ابنه محمد بن عثمان، وجعل الأمر كله مردوداً إليه (2) .

ويكون لوفاته رنة أسى في قلوب عارفي فضله ومقدِّري منزلته، وخاصة الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه، فنراه يكتب إلى ابنه السفير الثاني يعزيه بابيه قائلاً: (إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. تسليماً لأمره ورضاءً بقضائه. عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام). فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم. نضّر الله وجهه وأقال عثرته) .

____________________

(1) المصدر ص218 .

(2) غيبة الشيخ الطوسي ص221.

٤٠١

وفي فصل آخر من كتابه إليه يقول (عليه السلام): (أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزيت ورزينا، وأوحشك فراقه وأوحشنا فسرَّه الله في منقلبه. كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترَّحم عليه، وأقول: الحمد لله، فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله تعالى فيك وعندك. أعانك الله وقوَّاك وعضدك ووفقّك، وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً) (1) .

وفي هذين النصين، من المعاني الإسلامية السامية، في أسلوب الترحم على المؤمن والدعاء له والثناء عليه، ما فيه بصيرة لمَن ألقى السمع وهو شهيد.

السفير الثاني:

هو الشيخ الجليل محمد بن عثمان بن سعيد العمري، تولّى السفارة بعد أبيه، بنص من الإمام العسكري (عليه السلام)، حيث قال (عليه السلام) لوفد اليمن الذي أشرنا إليه: (واشهدوا عليَّ أن عثمان بن سعيد وكيلي، وأن ابنه محمد وكيل ابني مهديكم) (2) . وبنص أبيه على سفارته بأمر من المهدي (عليه السلام) (3) .

وكانت قواعده الشعبية مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته، لا يختلف في ذلك اثنان من الإمامية، وكيف لا وفيه وفي أبيه، قال الإمام

____________________

(1) المصدر ص220 وما بعدها.

(2) المصدر ص216.

(3) المصدر ص218 و221.

٤٠٢

الحسن العسكري (عليه السلام) لبعض أصحابه: (العمري وابنه ثقتان: فما أدّيا فعني يؤدّيان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان) (1) .

وكلمات الإمام المهدي (عليه السلام) فيه متظافرة ومتواترة، فقد سمعناه يعزّيه بوفاة أبيه ويثني عليه الثناء العاطر، ويشجّعه وهو في أول أيام اضطلاعه بمهمته الكبرى. وقال في حقه: (لم يزل ثقتنا في حياة الأب - رضي الله عنه وأرضاه وأنضر وجهه - يجري عندنا مجراه ويسدُّ مسدَّه، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل) (2) ... وغير ذلك من عظيم الإجلال والإكبار (3) .

والتوقيعات كانت تخرج على يده من الإمام المهدي (عليه السلام) في المهمات طول حياته، بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان. لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره، ولا يُرجع إلى أحد سواه. وقد نقلت عنه دلائل كثيرة، ومعجزات الإمام ظهرت على يده. وأمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة (4) .

وبقي مضطلعاً بمسئولية السفارة نحواً من خمسين سنة (5) . حتى لقي ربه العظيم في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمئة (6) ، أو أربع

____________________

(1) الغيبة ص219.

(2) المصدر ص220.

(3) نفس المصدر والصفحة.

(4) نفس المصدر ص221.

(5) نفس المصدر ص223.

(6) انظر: الغيبة ص223، والكامل ج6 ص159، وابن الوردي ج1 ص255.

٤٠٣

وثلاثمئة (1) .

ومعنى ذلك أنه توفّي بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بخمس وأربعين سنة، وحيث أن والده (رضي الله عنه) قد اضطلع بالسفارة عدة أعوام، فالأولى أن يقال: إن سفارته امتدت حوالي الأربعين عاماً، لا نحواً من الخمسين، كما قال الشيخ في الغيبة.

وإذ يكون تاريخ وفاة أبيه مجهولاً مع الأسف، يكون مبدأ توليه للسفارة مجهولاً أيضاً. غير أنّا نعرف أنه كان سفيراً قبل عام 267؛ لأن ابن هلال الكرخي طُعن في سفارته، وكان أحد المنحرفين عن خطه على ما سنسمع في الفصل الآتي، وكانت وفاة ابن هلال عام 267 (2) ، أي بعد وفاة الإمام العسكري بسبع سنين، وبذلك يمكن القول على وجه التقريب: إن الشيخ عثمان بن سعيد تولّى السفارة خمس سنوات وتولاّها ابنه أربعين سنة.

وبهذا التحديد لمدة سفارته، نستطيع أن نعرف أنه (رضي الله عنه) أطول السفراء بقاء في السفارة، ومن ثم يكون أكثرهم توفيقاً في تلقّي التعاليم من الإمام المهدي (عليه السلام)، وأوسعهم تأثيراً في الوسط الذي عاش فيه، والذي كان مأموراً بقيادته وتدبير شئونه.

وكان لأبي جعفر العمري كتب مصنّفة في الفقه، مما سمعه من أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، ومن الصاحب "المهدي" (عليه السلام)، ومن أبيه عثمان بن سعيد عن أبي محمد وعن أبيه علي بن محمد "الإمام

____________________

(1) انظر: غيبة الشيخ الطوسي ص223 وأعلام الورى ص416.

(2) انظر: غيبة الشيخ الطوسي ص245 ورجال النجاشي ص65.

٤٠٤

الهادي" (عليهما السلام). فيها كتب ترجمتها: كتب الأشربة.

ذكرت الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر أنها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) عند الوصية إليه، وكانت في يده. قال أبو نصر وأظنها قالت: وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري (رضي الله عنه وأرضاه) (1) .

كان يعلم - بإرشاد من الإمام المهدي (عليه السلام) - بزمان موته، إذ حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج. يقول الراوي: فسألته عن ذلك، فقال: للناس أسباب. وسألته عن ذلك، فقال: قد أُمرت أن أجمع أمري فمات بعد ذلك بشهرين.

وكان قد أعد لنفسه ساجة نَقش النقَّاش آيات من القرآن الكريم وأسماء الأئمة (عليهم السلام) على حواشيها. قال الراوي: فقلت له: يا سيدي ما ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه، أوضع عليها. أو قال: أسند عليها. وقد عرفت عنه. وأنا في كل يوم أنزل فيه فاقرأ جزءاً من القرآن فيه وأصعد. وأظنه قال: فأخذ بيده وأرانيه. فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا، صرت إلى الله عزَّ وجلَّ، ودفنت فيه وهذه الساجة معي.

فقال الراوي: فلما خرجت من عنده اثبتُّ من ذكره، ولم أزل مترقِّباً به ذلك، فما تأخر الأمر، حتى اعتل، فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها (2)

____________________

(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص221.

(2) الغيبة ص222، انظر كل هذه التفاصيل.

٤٠٥

ولم يفت أبو جعفر العمري (رضي الله عنه)، أن يوصي إلى خلفه السفير الثالث: الحسين بن روح، بأمر من الحجة المهدي (عليه السلام)، وسنعرف تفاصيل ذلك فيما يلي.

وعندما توفِّي أبو جعفر العمري دُفن عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه. قال الراوي: وهو الآن في وسط الصحراء. أقول: وقبره الآن مشيَّد معروف "بالخلاني" يزار للذكرى والتبرك (قدَّس الله روحه).

السفير الثالث:

هو الشيخ الجليل أبو القاسم الحسين بن روح ابن أبي بحر النوبختي من بني نوبخت. وهو كغيره من السفراء وغيرهم لم تذكر عام ولادته، ولا تاريخ مبدأ حياته. وإنما يلمع نجمه أول لمعانه كوكيل مفضَّل لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري، ينظر في أملاكه، ويلقي بأسراره لرؤساء الشيعة، وكان خصيصاً به، حتى إنه كان يحدِّثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه. فحصل في أنفس الشيعة محصلاً جليلاً؛ لمعرفتهم باختصاصه بأبي جعفر وتوثيقه عندهم، ونشر فضله ودينه، وما كان يحتمله من هذا الأمر (يعني الدعوة الإمامية المهدوية). فمُهِّدت له الحال في طول حياة أبي جعفر، إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه، فلم يُختلف في أمره ولم يُشك فيه أحد (1) .

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي ص227.

٤٠٦

وقد قدِم بعض الموالين بمال على أبي جعفر العمري مقداره أربعمئة دينار للإمام (عليه السلام)، فأمره بإعطائها إلى الحسين بن روح. وحين تردد هذا الشخص في ذلك؛ باعتبار عدم وصول السفارة إليه يومئذٍ، فأكد له أبو جعفر عليه ذلك وأمره مكرَّراً بإعطاء المال لأبن روح، وذكر له أن ذلك بأمر الإمام المهدي (عليه السلام) (1) .

وكان تحويله على أبي القاسم ابن روح قبل موته بسنتين أو ثلاث (2) ، حتى ما إذا اشتدّت بأبي جعفر العمري حاله، اجتمع لديه جماعة من وجوه الشيعة، منهم: أبو علي بن همام، وأبو عبد الله بن محمد الكاتب، وأبو عبد الله الياقطاني، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي، وأبو عبد الله بن الوجناء، وغيرهم من الوجوه والأكابر. فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام)، والوكيل والثقة والأمين، فارجعوا إليه في أموركم، وعوِّلوا عليه في مهماتكم، فبذلك أُمرتُ، وقد بلَّغتُ (3) .

ويروى عن أبي جعفر بن أحمد بن متيل - وهو من متقدِّمي أصحابه وأجلاَّئهم - أنه قال: لمَّا حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري الوفاة، كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدِّثه، وأبو القاسم ابن روح عند رجليه. فالتفتَ إليَّ ثم قال: أُمرت أن أوصي إلى أبي القاسم

____________________

(1) انظر: المصدر السابق ص 224.

(2) نفس المصدر ص225.

(3) نفس المصدر ص227.

٤٠٧

الحسين بن روح. قال ابن متيل: فقمتُ من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني، وتحوّلتُ إلى عند رجليه (1) . إلى غير ذلك من تأكيدات أبي جعفر عليه، وإعلان وكالته. والسبب المهم في هذا التأكيد، هو كون الحسين بن روح لم يكن قد عاش تاريخاً زاهراً حافلاً بإطراء وتوثيق الأئمة (عليهم السلام)، كالتاريخ الذي عاشه السفيران السابقان، حتى قبل توليهما للسفارة. ومن ثم احتاج أبو جعفر العمري، من أجل ترسيخ فكرة نقل السفارة إلى الحسين بن روح، وتوثيقه في نظر قواعده الشعبية الموالية لخط الأئمة (عليهم السلام)، أن يكرِّر الإعراب عن مهمته في إيكال الأمر إليه، وأن يأمر بدفع أموال الإمام (ع) إليه قبل وفاته بعامين أو أعوام... بأمر من الإمام المهدي (عليه السلام).

على أن أبا القاسم ابن روح، على جلالة قدره وقربه من السفير الثاني واختصاصه به، لم يكن خير أصحابه، ولم يكن الأخص تماماً به، فقد كان لأبي جعفر مَن يتصرّف له ببغداد نحو من عشرة أنفس، وأبو القاسم ابن روح (رضي الله عنه) فيهم. وكلهم كانوا أخص به من ابن روح، حتى إنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب فإنه ينجزه على يد غيره، لِمَا لم تكن له تلك الخصوصية. فلمَّا كان وقت مضى أبو جعفر (رضي الله عنه) وقع الاختيار عليه، وكانت الوصية إليه (2) .

____________________

(1) انظر: الغيبة: ص226.

(2) المصدر: ص225.

٤٠٨

فكان في إيكال السفارة إليه، مصلحتان مزدوجتان:

المصلحة الأولى: وصول هذا المنصب إلى الشخص المخلص إخلاصاً بحيث لو كان المهدي تحت ذيله وقرّض بالمقاريض، لَمَا كشف الذيل عنه.. كما سمعنا في حقه. وقد سبق أن قلنا: إن مهمة السفارة إنما تستدعي هذه الدرجة من الإخلاص لأهميتها وخطر شأنها، ولا تستدعي العمق الكبير في الثقافة الإسلامية، أو سبق التاريخ مع الأئمة (عليهم السلام)، فإنها إنما تعني بشكل مباشر نقل الرسائل من المهدي (عليه السلام) وإليه، وتطبيق تعاليمه.. وهذا يكفي فيه ما كان عليه أبو القاسم ابن روح، من الإخلاص والثقافة الإسلامية.

المصلحة الثانية : غلق الشبهة التي تصدر من المرجفين، من أنه إنما أوكل الأمر إلى ابن روح، باعتبار كونه أخص أصحاب أبي جعفر العمري، وألصقهم به... فإنه لم يكن بأخصهم ولا بألصقهم. وإن كان من بعض أخصائه في الجملة. بل كانت الأذهان بعيدة عنه، وكان احتمال الإيكال إليه ضعيفاً عند الواعين والمستبصرين بشئون المجتمع من أصحابه، حتى احتاج أبو جعفر لأجل ترسيخ فكرة الإيكال إليه وإيضاحها، إلى تكرار الإعلان عن ذلك، وتقديمه على ساعة موته بسنوات.وإنما كانت الظنون تحوم حول اشخاص آخرين، أرسخ من أبي القاسم ثقافة وتاريخاً كجعفر بن أحمد بن متيل، وأبيه، باعتبار خصوصيته وكثرة كينونته في منزله، حتى بلغ أنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاماً إلاَّ ما طُبخ في

٤٠٩

منزل جعفر بن أحمد بن متيل وأبيه.

وبالرغم من ذلك فقد أوكلت السفارة إلى الحسين بن روح. فسلَّم به الأصحاب، وكانوا معه وبين يديه، كما كانوا مع أبي جعفر (رضي الله عنه) (1) . ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل من جملة أصحاب أبي القاسم ابن روح وبين يديه، كتصرّفه بين يدي أبي جعفر العمري، إلى أن مات (رضي الله عنه)، فكان من طعن على أبي القاسم فقد طعن على أبي جعفر، وطعن على الحجة (صلوات الله عليه) (2) .

وعلى أي حال، فقد تولّى الحسين بن روح السفارة فعلاً، عن الإمام المهدي (عليه السلام).. بموت أبي جعفر العمري عام 305 كما عرفنا، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى في شعبان عام ست وعشرين وثلاثمئة. فتكون مدة سفارته حوالي الواحد والعشرين سنة.

فإن استطعنا أن نضيف العامين أو الثلاث، التي أمر فيها أبو جعفر العمري قبل موته بتسليم الأموال إليه، ونص عليه بالوكالة، وتصورنا أن السفارة حينئذٍ كانت مسندة إلى شخصين دفعة واحدة.. فتكون مدة سفارته ثلاثة وعشرون عاماً، أو أكثر.

وكان أول كتاب تلقّاه من الإمام المهدي (عليه السلام)، كتاب يشتمل على الثناء عليه، ومشاركة الحملة التي بدأها أبو جعفر العمري في تعريف الحسين بن روح للرأي العام والأصحاب، ممّن مشى على خط الأئمة

____________________

(1) الغيبة للشيخ الطوسي: ص225

(2) المصدر والصفحة.

٤١٠

(عليهم السلام)، وقد مثل هذا الكتاب آخر وأهم خطوة في هذا الطريق، لكي يبدأ هذا السفير بعدها مهمته بسهولة ويسر.

وقد دعا له المهدي (ع) في الكتاب، وقال: (عرّفه الله الخير كله ورضوانه، وأسعده بالتوفيق. وقفنا على كتابه، وثقتنا بما هو عليه. وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرَّانه. زاد الله في إحسانه إليه.. إنه ولي قدير. والحمد لله لا شريك له، وصلَّى الله على رسوله محمد وآله وسلّم تسليماً كثيراً) .

وقد وردت هذه الرقعة يوم الأحد لست خلون من شوال سنة 305. بعد حوالي الخمسة أشهر من وفاة أبي جعفر العمري، الذي توفِّي في جمادى الأولى من نفس العام.

وقد اضطلع أبو القاسم منذ ذلك الحين بمهام السفارة، وقام بها خير قيام. وكان من مسلكه الالتزام بالتقية المضاعفة، بنحو ملفت للنظر، بإظهار الاعتقاد بمذهب أهل السنة من المسلمين. يحفظ بذلك مصالح كبيرة، ويجلب بها قلوب الكثيرين، على ما يأتي التعرّض له فيما يلي من البحث. حتى إننا نسمع أنه يدخل عليه عشرة أشخاص تسعة يلعنونه وواحد يشكّك، فيخرجون منه تسعة منهم يتقربون إلى الله بمحبته وواحد واقف.

يقول الراوي: لأنه كان يجارينا من فضل الصحابة ما رويناه وما لم نروه، فنكتبه نحن عنه (رضي الله عنه) (1) ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على لباقته وسعة اطلاعه وتوجيهه على هذا المسلك من قبل الإمام المهدي (عليه السلام). وقد تولّى

____________________

(1) المصدر: ص228.

(2) الغيبة: ص 238.

٤١١

(رضي الله عنه) أيام سفارته الحملة الرئيسية ضد ظاهرة الانحراف عن الخط وادعاء السفارة زوراً، بتبليغ القواعد الشعبية توجيهات المهدي (عليه السلام) في ذلك وشجبه لظاهرة الانحراف.. كما سيأتي التعرّض له في الفصل الآتي.

وبقي مضطلعاً بمهامه العظمى حتى لحق بالرفيق الأعلى عام 326 كما عرفنا، ودفن في النوبختية في الدار التي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل، أو إلى درب الآخر، وإلى قنطرة الشوك (رضي الله عنه) (1) .

أقول: كذا قال التاريخ. وقبره اليوم في بغداد معروف... مقصد ومزار.

السفير الرابع:

هو الشيخ الجليل أبو الحسن علي بن محمد السمري أو السيمري أو الصيمري. والمشهور جداً هو الأول مضبوطاً بفتح السين والميم معاً. والآخرين مضبوطين بفتح أولهما وسكون الياء وفتح الميم وربما قيل بالضم أيضاً.

لم يذكر عام ميلاده، ولا تاريخ فجر حياته، وإنما ذكر - أولاً - كواحد من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) (2) ، ثم ذكر قائماً بمهام

____________________

(1) الغيبة: ص238.

(2) رجال الشيخ الطوسي: ص432، بعنوان: الصيمري. وانظر كشف الغمة: ج3، ص207.

٤١٢

السفارة المهدوية ببغداد، بعد الشيخ ابن روح، بإيعاز منه عن الإمام المهدي (عليه السلام) (1) .

ولم يرد في هذا الإيعاز خبر معين، وإنما يعرف بالتسالم والاتفاق الذي وجد على سفارة السمري بين الموالين، الناشيء لا محالة من تبليغ ابن روح عن الإمام المهدي (ع). وقد سبق أن قلنا إن مثل هذا التسالم والاتفاق، كانت القواعد الشعبية الموالية للإمام (ع) تعتمده وتتبعه، فيتبع في ذلك الجاهل العالم، والبادي والحاضر. ووجود هذا التسالم مأخوذ في التاريخ جيلاً بعد جيل عن جيل الغيبة الصغرى، مما يعلم بوجوده ويحرز تحقّقه بالقطع واليقين.

تولّى السفارة من حين وفاة أبو القاسم بن روح عام 326، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى عام 329 في النصف من شعبان (2) ، فتكون مدة سفارته عن الإمام المهدي (عليه السلام) ثلاثة أعوام كاملة، غير أيام.

ولم ينفتح للسمري خلال هذا الزمان القصير، بالنسبة إلى أسلافه، القيام بفعاليات موسّعة، كالتي قاموا بها، ولم يستطع أن يكتسب ذلك العمق والرسوخ في القواعد الشعبية كالذي اكتسبوه. وإن كان الاعتقاد بجلالته ووثاقته كالاعتقاد بهم. فما ذكره بعض المستشرقين، من أنه - أي السمري - ربما أدركته

____________________

(1) أعلام الورى: ص417.

(2) انظر غيبة الشيخ الطوسي ص424. وفي أعلام الورى أنه توفِّي عام 328: ص417، والمعتمد ما ذكره الشيخ الطوسي (قده).

٤١٣

الخيبة، فشعر بتفاهة منصبه وعدم حقيقته كوكيل معتمد للإمام المفترض (1) . ناشيء من عقيدة ذلك المستشرق في إنكار الإسلام وإنكار وجود المهدي (عليه السلام). وإلاّ فأيُّ تفاهة في مثل هذا المنصب الخطير الذي عرفنا خطوطه وأهميته، وهو يمثل القيادة العامة للملايين، بالنيابة عن إمامهم، في ظروف معاكسة خطرة، ودولة مراقبة ومطاردة لهذا الخط وللسائرين عليه؟!

كما أن الشعور بعدم حقيقة الوكالة، أمر لا معنى له على الإطلاق بالنسبة إلى موقفه المباشر من الإمام المهدي، وتلقّي التعليمات والتوقيعات منه، واستيثاق قواعده الشعبية وعلماء الطائفة - يومئذٍ - به وركونهم إليه، وإنما كلام هذا المستشرق ناشيء من عقائده الخاصة.. ولله في خلقه شئون.

نعم، لا يبعد أن يكون لِمَا ذكره ذلك المستشرق من كون تلك السنوات (مليئة بالظلم والجور وسفك الدماء) (2) ، دخل كبير في كفكفة نشاط هذا السفير وقلة فعاليّاته. فإن النشاط الاجتماعي يقترن وجوده دائماً بالجو المناسب والفرصة المواتية، فمع صعوبة الزمان وكثرة الحوادث وتشتت الأذهان، لا يبقى هناك مجال لمثل عمله المبني على الحذر والكتمان.

وهذا بنفسه، من الأسباب الرئيسية لانقطاع الوكالة بوفاة السمري

____________________

(1) عقيدة الشيعة لرونلدسن: ص257.

(2) المصدر والصفحة.

٤١٤

وعزم الإمام المهدي (عليه السلام) على الانقطاع عن الناس، كما انقطع الناس عنه، وفرّقتهم الحوادث عن متابعة وكلائه.. إلى أسباب أخرى نشير إليها في فصلٍ آتٍ من هذا التاريخ.

ولذا نجد السمري (رضي الله عنه) يُخرج إلى الناس قبل وفاته بأيام، توقيعاً من الإمام المهدي (عليه السلام)، يعلم فيه انتهاء الغيبة الصغرى وعهد السفارة بموت السمري، ويمنعه أن يوصي بعد موته إلى أحد ليكون سفيراً بعده.

ويقول (عليه السلام) فيه:

(بسم الله الرحمن الرحيم

يا علي محمد بن السمري! أعظم الله أجر إخوانك فيك. فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك. فقد وقعت الغيبة التامة. فلا ظهور إلاَّ بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي مَن يدّعي المشاهدة، إلاَّ فمَن أدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذبٌ مفترٍ. ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم).

فكان هذا خطاب خرج من الإمام المهدي (عليه السلام) عن طريق السفارة الخاصة.. آخر ارتباط مباشر بينه وبين الناس في الغيبة الصغرى.

٤١٥

قال الراوي: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده. فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: مَن وصيّك من بعدك. فقال:(لله أمر هو بالغه) وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه (رضي الله عنه وأرضاه) (1) .

وأودع الأرض في قبره الذي هو في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع المحول، قريب من شاطيء نهر أبي عقاب (2) .

أقول: وله الآن في بغداد مزار معروف.

تلخيص وتطبيق:

ظهر مما سبق أن فترة الغيبة الصغرى دامت على التحديد تسعاً وستين عاماً وستة أشهر وخمسة وعشرين يوماً:

شغل منها السفير الأول: عثمان بن سعيد، حوالي الخمس سنوات، أي أنه لم يتعد فترة خلافة المعتمد، فكما عاصر هذا الخليفة وفاة الإمام العسكري (ع) عاصر أيضاً وفاة السفير الأول (رضي الله عنه).

وشغل السفير الثاني: محمد بن عثمان حوالي الأربعين عاماً منها، عاصر فيها خلافة المعتمد، ثم خلافة المعتضد، ثم خلافة المكتفي، ثم عشر سنوات من خلافة المقتدر، حين توفِّي عام 305 من الهجرة.

وشغل السفير الثالث: الحسين بن روح، بعد وفاة سلفه، أحد وعشرين عاماً، عاصر فيها بقية خلافة المقتدر، وقسماً من خلافة الراضي

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي: ص243.

(2) المصدر والصفحة.

٤١٦

حيث خلفه السفير الرابع علي بن محمد السمري، حيث بقي في السفارة ثلاث سنين، وتوفّي عام وفاة الراضي نفسه، وإن عاصر خلفه المتقي مدة خمسة أشهر وخمسة أيام.

فما ينقل عن بعضهم من أن مدة الغيبة الصغرى أربعاً وسبعين سنة (1) ، مبني على التسامح في الحساب. أو على ادعاء أن الغيبة الصغرى تبدأ من حين ميلاد الإمام المهدي نفسه عام 255. أي قبل خمس سنوات من عام وفاة الإمام العسكري (ع). فإذا أضفناها إلى التسع وستين سنة، كان المجموع 74 عاماً.

إلاَّ أن هذه الدعوى، مبنية على التسامح في الاعتبار أيضاً، فإن الإمام المهدي (ع) وإن كان غائباً في حياة أبيه (عليه السلام)، كما سبق أن عرفنا، إلاَّ أن هذه الغيبة لا تعد من الغيبة الصغرى البتة؛ لأن المهدي كان طول مدتها معاصراً لأبيه (عليه السلام)، والإمام في زمان أبيه غير متحمل للمسئولية، ولا تربع على منصب الإمامة، وإنما يتولاَّها - على أي حال - بعد أبيه لا محالة. إذن، فالإمام المهدي (عليه السلام) إنما تولّى الإمامة بعد وفاة أبيه (عليه السلام).

ونحن إنما نتحدّث عن غيبته عن قواعده الشعبية بصفته إماماً مفترض الطاعة عليهم، حيث يكون من المفروض - لولا الغيبة - أن يكون مرتبطاً بهم وقائداً لهم وموجّهاً لمجتمعهم، وهذا مما لم يتحمّل

____________________

(1) انظر: البحار ج13، ص.. [ج 51، تحقيق: محمد الباقر البهبودي،، مؤسسة الوفاء - بيروت، ط 2، 1403 - 1983م، ص 366].

٤١٧

المهدي (ع) مسئوليته في حياة أبيه. إذن، فيتعيّن القول: بأن الغيبة الصغرى للإمام المهدي (ع) هي غيبته بصفته إماماً، مع اقترانها بفكرة السفارة، ومعه تكون مدتها ما قلناه لا ما ادعوه.

٤١٨

القسم الثاني:

في نشاط السفراء

بعد هذه الجولة في تراجم السفراء الأربعة، ينبغي لنا أن نحيط علماً بأوجه النشاط والفعاليات التي كان يقوم بها السفراء وأساليبهم في ذلك، والنتائج المتوخاة منها.. ونحو ذلك من التفاصيل.

ونحن خلال هذا البحث، لا نحاول استقصاء كل ما ورد في تاريخهم من أخبار، وإنما حسبنا أن نعطي لكل عنوان من الأمثلة ما يجليه، دون إسهاب وتطويل.

ونحن إذ نتحدّث عن نشاط السفراء، نتحدّث عنهم بنحو عام، لأنهم يكادون أن يكونوا متماثلين في الأسلوب، متشابهين في الأهداف، باعتبار صدورهم من مصدر واحد، هي: توجيهات الإمام المهدي (عليه السلام)، بحسب ما يرى من المصالح، ما عدا ما قد يقوم به بعض السفراء من عمل إضافي وأسلوب زائد، سنراه في مستقبل البحث.

ونتكلم في هذا القسم عن حقلين رئيسين:

أولهما : في الخصائص

٤١٩

العامة والمضمون الاجتماعي للسفارة.

و ثانيهما : في تفاصيل أعمال السفراء.

الحقل الأول: في الخصائص العامة والمضمون الاجتماعي للسفارة.

ويقع الحديث حول ذلك ضمن عدة أمور:

الأمر الأول: إن ما أشرنا إليه قبل قليل من كون السفراء على العموم متماثلين في الأسلوب والأهداف، لم يؤثّر على بحثنا فحسب، بل أثّر فعلاً على النقل التاريخي لأعمالهم وللتوقيعات التي تخرج على يدهم. ففي عدد مهم من الموارد يُهمل اسم السفير إهمالاً، وإنما يقال - مثلاً -: كتبتُ إلى الناحية، وجاء الجواب. ولا يكون هناك أي تعرّض للسفير المتوسّط في الأمر.

والسر في ذلك غير خفي، فإن المدبّر الحقيقي للأمور ومَن يتكفّل حل المشكلات، هو الإمام المهدي (ع) نفسه، من دون دخّل لشخص السفير في ذلك، سوى كونه ناقلاً للسؤال ووارداً بالجواب. فليس المهم في نظر السائل حين يروي سؤاله أن يذكر الواسطة فيه، وإنما المهم أن يذكر حل المشكلة الذي صدر عن الإمام المهدي فحسب. مضافاً إلى ما في إهمال ذكر السفير، من الأخذ بالحيطة والحذر له، لاحتمال تسرّب اسمه إلى السلطات. وإنما يذكر اسم السفير في المحافل الخاصة عند ارتفاع الخطر واطمئنان النفوس.

ومن هنا نكون نحن - أمام هذا النقل التاريخي - في إجمال من ناحية

٤٢٠