موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 663
المشاهدات: 33331
تحميل: 5997


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33331 / تحميل: 5997
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يدلنا ذلك على ما أشرنا إليه فيما سبق من أن الخليفة الراضي كان عارفاً للحق وفيَّاً له، في حدود قدرته ومصلحته، وقد سبق أن ربطنا ذلك باتصالات شخصية كان يقوم بها الخليفة قبل خلافته مع الخاصة من موالي الإمام وعلمائهم.

كما أننا نفهم من ذلك بوضوح، كيف أن هؤلاء الخاصة يجتمعون في دار الوزير ويتناقشون فيه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ما سبق منا من وجود الاتصالات الواسعة بينهم وبين سائر بني الإسلام من علماء ووجهاء. فإن الفرد من علمائنا في تلك الفقرة لم يكن يفرق في وضعه الاجتماعي عن أي فرد آخر، ليس له طبقية خاصة أو نطاق معين، غير ما يمليه عقيدته ودينه، فهو - في الأغلب - تاجر يتصل بالبائعين والمشترين، ويتصل بالشريف والوضيع، وله علاقات مع سائر بني الإسلام من علماء ووجهاء.

ولكننا يجب أن لا ننسى في هذا الصدد مسلك الحذر والتقية التي كانوا يسيرون عليه، فنحن نلاحظ:

أولاً: أن الحسين بن روح لم يكن معهم في مجلس الوزير؛ زيادة في التكتم والحذر. ولو كان معهم لما زاد حاله عن ذلك، كما سمعناه منه في مجالس أخرى عند المقتدر وغيره.

ثانياً: أن المناقشة في الطعن على الشلمغاني ولعنه لم يكن ينافي الحذر والتقية؛ إذ إن مسلك الدولة منذ أعوام على معادات الشلمغاني ومطاردته، كما سنسمع بعد قليل.

٥٢١

كما ان هذا النقل التاريخي يدلنا بوضوح على أن مقتل الشلمغاني من قبل الخليفة، كان من أجل انحرافه عن ابن روح. وهذا هو ما احتملناه فيما سبق من أن الدولة المتمثلة في شخص الخليفة كانت تشعر بالفعل في قتلها للشلغماني - وربما للحلاج أيضاً - بأنها تقوم بعمل مشترك تتفق عليه مع خط السفراء (رضوان الله عليهم).

ومن خبر آخر عن مباهلة الشلمغاني، قال الراوي: أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري إلى الشيخ الحسين بن روح يسأله أن يباهله، وقال: أنا صاحب الرجل - يعني المهدي - وقد أمرت بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً وظاهراً، فباهلني! فأنفذ إليه الشيخ (رضي الله عنه) في جواب ذلك: أينا تقدّم صاحبه فهو المخصوم، فتقدم العزاقري فقُتل وصُلب، وأخذ معه ابن أبي عون، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمئة (1) .

وقد أثبتت هذه المباهلة ضد مقصود الشلمغاني، فإنه أراد أن يضع المجتمع بإزاء الأمر الواقع نتيجة للمباهلة، فحصل ذلك وثبت ما هو الحق والواقع، لكن إلى جانب الشيخ ابن روح (رضي الله عنه) وظهر كون الشلمغاني مخصوماً مبطلاً.

خطوط من تاريخ الشلمغاني:

هناك بعض التفاصيل التي ينبغي تحديدها قبل التعرّض إلى حادثة قتل الشلمغاني، وهي تتلخص في عدة أمور:

____________________

(1) غيبة الشيخ ص186

٥٢٢

الأمر الأول: أننا سمعنا من تاريخنا أن الشلمغاني كان وكيلاً صالحاً لابن روح حال استتاره عن المقتدر (1) ، وسمعنا - أيضاً - أن التوقيع الذي أرسله الإمام المهدي (ع) منذ وصل إلى ابن روح وهو في سجنه في دار المقتدر، فأوصله ابن روح إلى ابن همام، فوزَّّّّّّّّعه الأخير بين مشايخ أصحابه.

إذن فاستتار ابن روح متقدِّم زماناً على سجنه، وانحراف الشلمغاني واقع ما بين هاتين الحادثتين، ونحن وإن كنا نعلم تاريخ سجن ابن روح، وهو عام 312 كما سبق، إلاَّ أننا لا نعلم تاريخ استتاره، ولا مدته، لكي نحدّد عام انحراف الشلمغاني، وغاية ما يمكن تحديده هو أنه انحراف في زمان خلافة المقتدر، وهو تاريخ غير كاف في نفسه.

وعلى أي حال، فالمهم هو معرفة تاريخ البيان الذي صار ضده، ولا بد أن يكون بعد انحرافه بقليل، بحيث لا يبقى له مجال للعمل العام بالوكالة عن ابن روح خلال ذلك، وتاريخ صدوره مضبوط بعام 312 نفسه.

الأمر الثاني: أخرج الشيخ في الغيبة عن أبي علي محمد بن همام - وهو الذي سمعناه أنه وزّع بيان الإمام المهدي (ع) في لعن الشلمغاني على المشايخ - أنه قال: إن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط باباً (= وكيلاً) إلى أبي القاسم، ولا طريقاً له، ولا نصبه أبو القاسم لشيء من ذلك على وجه ولا سبب، ومن قال بذلك فقد أبطل (يعني قال بالباطل)، وإنما كان

____________________

(1) غيبة الشيخ ص183

٥٢٣

فقهياً من فقهائنا، وخلط وظهر عنه ما ظهر، وانتشر الكفر والإلحاد عنه فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة ممن تابعه وشايعه وقال بقوله (1) .

وهذا بخلاف ما سمعناه في الرواية الأخرى (2) : من أن الشلمغاني كان حين استقامته واستتار الشيخ ابن روح، سفيراً بينه وبين الناس في قضاء حوائجهم ومهماتهم، وكانت التوقيعات تخرج على يديه عن طريق ابن روح. وقد أشرنا فيما سبق أنه لا تنافي بين الانحراف المتأخر والوكالة حال الاستقامة، فإن الاستقامة ما دامت موجودة تترتب عليها كل الآثار الإسلامية كقبول روايته وإمكان وكالته، وخاصة وأن ابن همام في الرواية الأولى يعترف باستقامته في مبدأ أمره، وتنتفي هذه الآثار بانحرافه.

وعلى أي حال.. فقد عرفنا أن النقل بثبوت الوكالة أكثر، ومعه يكون الاعتماد عليه أكثر.

الأمر الثالث: نسمع من التاريخ العام (3) أن أبا جعفر الشلمغاني اتصل بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارته الثالثة. وقد سبق أن عرفنا أن أبا الحسن بن الفرات هذا هو علي بن محمد بن موسى بن الفرات، الذي وزر للمقتدر ثلاث مرات، كانت وزارته

____________________

(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص250

(2) المصدر ص183 وما بعدها

(3) الكامل ج6 ص241

٥٢٤

الثالثة عام (311) (1) ، وكان ولده محسن بن علي هو الغالب على الأمور في هذه الوزارة (2) حتى عزل عام (312)، واختفى ولده محسن وصودر ابن الفرات على جملة من المال مبلغها ألف ألف دينار (3) .

وقد عرفنا ابن الفرات هذا فرعاً من أب وأخ منحرفين؛ اتبعا محمد بن نصير النميري الذي ادعى السفارة زوراً، وخرج فيه من الإمام العسكري (ع) توقيعات شديدة اللهجة. وكان ابنه المحسن وقحاً سيء الأدب، ظالماً ذا قسوة شديدة، وكان الناس يسمونه: الخبيث بن الطيب (4) . ويروى له في التاريخ أثناء وزارة أبيه الثالثة عدة شنائع في التعذيب والمصادرات (5) .

فهذا هو الذي اتصل به ابن أبي العزاقر، فانظر بمن يستجير وعلى مَن يتكل، وكيف يهرب من الحق إلى الباطل، صريحاً وبلا مواربة. ومن الراجح أنه اتصل به عام (312) الذي رجحنا فيما سبق أنه عام انحرافه.

وعلى أي حال، فبعد عزل ابن الفرات استوزر المقتدر عبد الله بن محمد ابن عبيد الله الخاقاني (6) ، وذلك عام 312 (7) . فطلب الشلمغاني وطارده

____________________

(1) الكامل / ج6 / ص173.

(2) مروج الذهب / ج4 / ص214.

(3) الكامل / ج6 / ص177.

(4) المصدر ص174.

(5) انظر: المصدر والصفحة.

(6) مروج الذهب / ج4 / ص214.

(7) الكامل / ج6 / ص178.

٥٢٥

وحاول القبض عليه، فاستتر الشلمغاني وهرب إلى الموصل. فبقي سنين عند ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان في حياة أبيه عبد الله بن حمدان (1) . ويروي النجاشي في رجاله أنه أخبر بقائمة كتبه عند استتاره بمعلثايا، وهي قرية من أعمال الموصل.

فانظر إلى ضعف الدولة وضيق سلطانها؛ إذ نرى حكومة بغداد لا تستطيع القبض على شخص بالموصل، ويكون في إمكان بعض أمرائها إجارته منها، وإبعاده عنها. ونعرف من هذا السياق أيضاً، أن التوقيع الذي صدر ضده من الإمام المهدي (عليه السلام) كان قبل اختفائه في الموصل؛ فإنه أيضاً كان عام 312 كما عرفنا. ومن المعلوم صدوره حال وجوده في بغداد واختلاطه بالناس. كما أن محاولته للمباهلة مع ابن روح كانت بعد عوده إلى بغداد، قبل مقتله بعدة شهور.

وذلك أنه انحدر إلى بغداد واستتر، وظهر عنه ببغداد أنه يدعي لنفسه الربوبية. وقيل: إنه اتبعه على ذلك: الحسين بن القائم بن عبد الله بن سليمان بن وهب، الذي وزر للمقتدر عام 319 (2) ، وأبو جعفر وأبو علي ابنا بسطام (3) ، وإبراهيم بن محمد بن أبي عون، وابن شبيب الزيات، وأحمد بن عبدوس. كانوا يعتقدون الربوبية فيه، وظهر ذلك

____________________

(1) الكامل ص241

(2) رجال النجاشي ص294

(3) انظر ص264

٥٢٦

عنهم، وطُلِبوا أيام وزارة ابن مقلة حين وزر للمقتدر عام 316 (1) فلم يُوجَدوا (2) .

إذن، فالشلغماني هرب على الموصل عام 312 وعاد إلى بغداد عام 316، وسلطات المقتدر بالرغم أنها حاولت القبض على الحسين بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب عام 316 بتهمة اتباع الشلمغاني واعتقاده الربوبية فيه، فإن المقتدر استوزره عام 319 كما رأينا، وهو معنى ما قلناه من أن الدولة كانت تؤيِّد من طرف خفي خط الانحراف في خط الموالين للأئمة (عليهم السلام).

مقتله:

اتفق تاريخنا الخاص والتاريخ العام على أن الراضي قتله عام 322 (3) ، وذلك أنه لمَّا كان في شوال لهذا العام ظهر الشلمغاني من بعد استتاره ببغداد، فقبض عليه الوزير ابن مقلة (4) ، وكان هذا أول عام من تولّي الراضي للخلافة، وكان أبو علي محمد بن مقله هو أول وزرائه (5) .

فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه، وكبس داره، فوجد فيها رقاعاً، وكتباً ممَّن يدعي عليه أنه على مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضاً. وفيها خط الحسين بن القاسم، فعرضت الخطوط

____________________

(1) الكامل / ج6 / ص192.

(2) انظر: المصدر ص241.

(3) انظر: غيبة الشيخ الطوسي، ص178، وص250. الكامل / ج6 / ص241.

(4) الكامل: نفس الصفحة.

(5) المروج / ج4 / ص231.

٥٢٧

فعرفها الناس. وعرضت على الشلمغاني فأقر أنها خطوطهم وأنكر مذهبه، وأظهر الإسلام، وتبرَّأ مما يقال فيه.

وأخذ ابن أبي عون وابن عبدوس معه وأحضرا معه عند الخليفة وأمرا بصفعه فامتنعا. فلمَّا أُكرها، مد ابن عبدوس يده وصفعه. وأما ابن أبي عون، فإنه مد يده إلى لحية ورأسه، فارتعدت يده، فقبَّل لحية الشلمغاني ورأسه، ثم قال: إلهي وسيدي ورازقي. فقال الراضي: قد زعمت أنك لا تدَّعي الإلهية، فما هذا؟

فقال: وما علي من قول ابن أبي عون؟ والله يعلم أنني لا قلت إنني إله قط. فقال ابن عبدوس: إنه لم يدع الإلوهية. وإنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر مكان ابن روح، وكنت أظن أنه يقول ذلك تقية.

ثم أحضروا عدة مرات، ومعهم الفقهاء والقضاة والكتَّاب والقواد، وفي آخر الأيام أفتى الفقهاء بإباحة دمه. فصُلب الشلمغاني وابن أبي عون في ذي القعدة وأحرقا بالنار (1) . وكان الحسين بن القاسم بالرَّقة، فأرسل الراضي إليه فقتل آخر ذي القعدة، وحمل رأسه إلى بغداد (2) . وبذلك، انتهى حساب الشلمغاني تجاه الدولة وقواعدها الشعبية وتجاه المؤمنين به، وتجاه السفير الشيخ أبي القاسم بن روح (رضي الله

____________________

(1) الكامل ج6 ص241

(2) المصدر ص242

٥٢٨

عنه)، وبالتالي تجاه الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه، وقواعده الشعبية. وانتصر الإمام المهدي (ع) وسفيره، من حيث أرا د الله تعالى لهما النصر.

تاسعهم: الحسين بن منصور الحلاج، الصوفي المشهور.

ولا نريد أن ندخل في هذا الصدد في ترجمته وتفاصيل حياته، ولا فيما يصدر منه من العجائب التي كانت تستهوي العوام وتستغويهم، وإنها هل هي حق أو باطل، وما اختلف الناس فيه من ذلك؛ فإن ذلك كله خارج عن تاريخ الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته الصغرى. وإنما فصّلنا القول في الشلمغاني لارتباطه بهذا التاريخ ارتباطاً عضوياً.. فليرجع في تفاصيل ترجمة الحلاج إلي مصادره.

وإنما نقتصر من ذلك على ما هو مربوط بنا في هذا التاريخ، من حيث إنه ادعى السفارة عن الإمام المهدي (ع). و مما نذكره سيتضح ما هو الحق تجاه عقيدة الحلاج وسلوكه. وذلك: أنه لما قدم بغداد وأراد أن يغري أبا سهل ابن إسماعيل بن علي النوبختي، وهو من علمائنا الأجلاء في تلك الفترة. ويمت إلى الشيخ ابن روح النوبختي (رضي الله عنه) برابطة النسب. وتخيَّل أنه ممن تنطلي عليه حيله وخدعه. فكاتبه وأدعى له أنه وكيل الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد أخرج الخطيب البغدادي شيئاً من ذلك، كما أخرج الشيخ في غيبته بعض التفاصيل حوله.

٥٢٩

قال الخطيب البغدادي (1) : أخبرنا علي بن أبي علي، عن أبي الحسن أحمد بن يوسف الأزرق، أن الحسين بن منصور الحلاج لما قدم بغداد يدعو، استغوى كثيراً من الناس والرؤساء، وكان طمعه في الرافضة أقوى لدخوله من طريقهم (2) . فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه. وكان أبو سهل من بينهم مثقفاً فهماً فطناً، فقال أبو سهل لرسوله: هذه المعجزات التي يظهرها قد تأتي فيها الحيل، ولكن أنا رجل غزل ولا لذة لي أكبر من النساء وخلوتي بهن، وأنا مبتلى بالصلع، حتى إني أطول قحفي وآخذ على جبيني وأشد بالعمامة وأحتال فيه بحيل، ومبتلى بالخضاب لستر المشيب، فإن يصل لي شعراً، ورد لحيتي سوداء بلا خضاب،آمنت بما يدعوني إليه كائناً ما كان: إن شاءَ قلتُ: إنه باب الإمام، وإن شاء قلت: إنه الإمام. وإن شاء قلت: إنه النبي، وإن شاء قلت: إنه الله.

قال: فلما سمع الحلاج جوابه، أيس منه وكفَّ عنه.

قال الشيخ (3) بعد نقله نحواً من ذلك، مع زيادة أن الحلاج زعم لأبي سهل في مراسلته، أنه وكيل صاحب الزمان (عليه السلام)، وهذا واضح أيضاً من كلام الخطيب البغدادي باعتبار قول أبي سهل: إن شاءَ قلتُ: إنه باب الإمام.. أي وكيله. وأضاف الحلاج - برواية الشيخ - وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصر لك لتقوى

____________________

(1) انظر: الكنى والألقاب ج3.

(2) يقصد بكونه بالأصل شيعياً ودعوته في واقعها انحراف عن هذا المذهب.

(3) الغيبة ص248.

٥٣٠

نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر.

وبعد أن كشفه أبو سهل وأفحمه وأظهر عجزه، أمسك الحلاج عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً. وصيره أبو سهل أحدوثة وضحكة، ويُطنَّز - أي يُسخر - به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة منه.

وحين ذهب الحلاج إلى قم كاتَبَ علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، وهو من أجلاء علمائنا، أبو الشيخ الصدوق (قدس الله سرهما) وادعى له الحلاج: أنه رسول الإمام ووكيله. فلما وصل خطابه إلى ابن بابويه، مزَّقه وقال لرسول الحلاج: ما أفرغك للجهالات! فقال له الرجل: فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته؟! وضحكوا منه وهزئوا به.

ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه، وعندما وصل نهض لاحترامه كل من كان هناك، غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه ابن بابويه. فلما جلس وأخرج حسابه ودواته، كما يكون التجار. أقبل على بعض من كان حاضراً فسأله عنه، فأخبره. فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه، وقال له: تسأل عني وأنا حاضر؟ فقال له ابن بابويه أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك. فقال له: تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها. فقال له. فأنت الرجل إذن. ثم قال. خذ يا غلام برجله وبقفاه واسحبوه من الدار سحباً. ثم قال له: أتدعي

٥٣١

المعجزات (عليك لعنة الله)، فأخرج بقفاه، قال الراوي: فما رأيناه بعدها بقم.

يتضح من هذا التاريخ أمور:

الأمر الأول: أن أمر الحلاج كان أهون وأوضح لدى خاصة الموالين من أن يخرج فيه التوقيع عن الإمام المهدي (عليه السلام). فقد كان لهم من الموازين والقواعد الإسلامية، ما يكشفون به عن خدعه وأباطيله من دون حاجة إلى سؤال من المهدي "ع" وجواب، ولم يتسفحل به الأمر ليصل الحال إلى حد الحاجة إلى ذلك.

ولا ننسى في المقام قول ابن روح في الشلغماني: فهذا كفر بالله تعالى وألحاد، قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجد طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه، كما يقول النصارى في المسيح (عليه السلام)، ويعود إلى قول الحلاج (لعنه الله )(1) . فقد حكم على عقائد الشلغماني بالبطلان باعتبار رجوعها في نهاية المطاف إلى قول الحلاج، فكيف يقول في الحلاج نفسه!.

على أنه لم يكن الذي التفت إلى فساد قوله هو الحسين بن روح وأصحابه فحسب، بل التفتت إلى ذلك السلطات، وخافت على شعبها من أن يؤثّر الحلاج في انحرافه عن أصل الإسلام، وهو الدين الحنيف الذي تقوم فيه الخلافة على أساس منه. فقبضوا عليه، وأفتى الفقهاء بإباحة دمه. ولما سمع الحلاج ذلك. قال: ما يحل لكم دمي واعتقادي الإسلام

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي ص249

٥٣٢

ومذهبي السنة، ولي فيها كتب موجودة، فالله الله من دمي، ولكن الخليفة المقتدر، أذن في قتله حين رأى الفتاوي. فضرب ألف سوط وقطعت يده، ثم رجله، ثم يده، ثم رجله، ثم قتل، ثم أحرق بالنار وألقى رماده في دجلة، ونصب الرأس ببغداد، وأرسل على خراسان لأنه كان له بها أصحاب (1) .

فاعجبْ من الخطيب البغدادي وإذ سمعنا منه انه يعتبر الحلاج محسوباً على الشيعة، على حين نرى الحلاج بنفسه يعترف أمام السلطات أن مذهبه السنة وله فيها كتب موجودة.

الأمر الثاني: أن الحلاج، كان يخدع كل قوم من جهة قناعتهم واعتقادهم، ليجلبهم بعد ذلك إلى ما يريده لهم من العقائد الباطلة والأقوال المنحرفة. وإذ يكون الناس في فراغ عقائدي وضعف في الدعوة والإرشاد الإسلامي بينهم، لم يكن بإمكانهم أن يفرّقوا بين المعتقد الحق والباطل، وبين ما هو معجزة وما هو خدعة، وقد استغل الحلاج هذا الواقع المر استغلالاً كبيراً واصطاد في هذا الماء العكر اصطياداً مضاعفاً، حتى ضج منه أهل الإسلام بمختلف مذاهبهم.

وقد كان منطلقه إلى خداع القواعد الشعبية الموالية للأئمة (عليهم السلام)، هو ادعاء الوكالة عن الإمام المهدي (عليه السلام). ثم يعلو منه على غيره (2) ، لتخيّله أن هذا الأمر مفهوم لهم معتاد بالنسبة إليهم.

____________________

(1) انظر الكامل /ج6 / ص168 - 169.

(2) غيبة الشيخ الطوسي ص247.

٥٣٣

ولولا وقوف أبي سهل النوبختي في بغداد وابن بابويه القمي في قم ضده لكان له أثر مؤسف كبير.

الأمر الثالث: إنه يتضح أيضاً من هذا التاريخ، ما سبق أن ذكرناه من كون علمائنا في تلك الفترة، لم يكونوا يشكّلون طبقة منفصلة لهم حدود معينة وعلاقات محدودة، بل كان حالهم حال غيرهم في اتخاذهم عملاً يرتزقون منه، وينطلقون إلى اللقاء مع مختلف الطبقات عن طريقه. كالذي سمعناه عن ابن بابويه، الذي كان إلى جانب تجارته، من أكابر العلماء العاملين لتلك الفترة. ويكفينا من جهاده هذه الصورة الواضحة من قيامه ضد الحلاج وفضحه في المجتمع المسلم.

عاشرهم: محمد بن المظفر، أبو دلف، الكاتب.

وقد سمعنا عند الحديث عن أبي بكر البغدادي أن أبا دلف هذا كان مخمِّساً مشهوراً، ثم إنه آمن بأبي بكر البغدادي واعتبر مذهبه هو الصحيح (1) ، وكان يدافع عنه بحرارة ويقدّمه على الحسين بن روح (رضي الله عنه) (2) حتى أوصى له أبو بكر البغدادي بعد وفاته (3) ، وأصبح بذلك مدعياً للسفارة بعد السمري، وكان هذا علامة كذبه لدى الأصحاب.. على ما سبق.

وكان أبو دلف معروفاً بالإلحاد، ثم اظهر الغلو، ثم جُن وسلسل وصار مفوّضاً، قال الراوي: (وما عرفناه قط، إذا حضر في مشهد

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي ص256.

(2) انظر: المصدر، ص250.

(3) المصدر ص255.

٥٣٤

ـ يعني مجتمعاً على الناس - إلاّ استخف به، ولا عرفته الشيعة إلاَّ مدة يسيرة، والجماعة تتبرأ منه وممّن يومي إليه وينمس به) (2) .. وأمره في الجنون أكثر من أن يحصى (1) .

فهؤلاء عشرة، ممن مثلوا خط الانحراف الداخلي الكبير أثناء فترة الغيبة الصغرى، ضد السفراء وقواعدهم الشعبية. وبالنتيجة ضد الإمام المهدي (ع) وضد المصالح الكبرى التي كان يتوخّاها في المجتمع، وقد عرفناهم وجملة من أساليبهم وطرق الوقوف ضد تيارهم، والحمد لله رب العالمين.

تحليل مجابهة الانحراف:

كان الاهتمام الكبير للإمام المهدي (ع) وسفرائه في الوقوف ضد هذا التيار، أكبر من الوقوف ضد أي تيار آخر. وذلك لعاملين أساسين:

أحدهما: لاحظناه مما سبق، من كون هذا العميل مما ينسجم وسياسة السلطات. فلا يكون منافياً لمسلك الحذر والتكتم، وحيث كان في ردع القواعد الشعبية الموالية عن هؤلاء المزوّرين مصلحة كبرى كما هو معلوم، ولا مانع منه من قبل السلطات.. إذن فمن المنطق أن ننتظر ازدياد نشاط السفراء والوكلاء في ذلك، وتعدد التوقيعات بخصوصه.

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي ص254.

(2) المصدر ص255 وما بعدها.

٥٣٥

ثانيهما - وهو الأهم -: المبتني على قاعدة عامة في منطق الجماعات البشرية، تقول: إن الهدم الناشئ في داخل الجماعة يكون أضر بها وأشد عليها من الهدم الوارد عليها من الخارج، في الأعم الأغلب. بل إن المنحرفين في كل جماعة، ليمثلون خط المناوئ جنباً إلى جنب مع الجماعات الأخرى المعادية.

ومن ثم كان المنحرفون عن الإسلام، والمتاجرون باسمه، أشد على الإسلام من الكفار والمشركين، وأكثر تأثيراً في الأبعاد عنه. وهم - في واقعهم - يد عاملة في مصلحة القوى العالمية المناوئة للإسلام.

ولذلك، كان هؤلاء المنحرفون، المدعون للسفارة زوراً، أشد على القواعد الشعبية وأضربها - لو أستفحل أمرهم - من السلطات المنحرفة؛ لأنهم يتاجرون باسم الإمام المهدي (عليه السلام)، ويدخلون إلى عقول السذَّج عن طريق مهم معتاد بالنسبة إليهم وهو السفارة عنه وقبض الأموال بالوكالة عنه. ثم إنهم يزرقون من عقائدهم المنحرفة وسلوكهم الباطل في نفوس الآخرين، تحت هذا الشعار، ما يحلو لهم وما يشاءون.

على حين إن السلطات لا تملك إلاَّ الحديد والنار والسجون، ولم تكن هذه الأمور يوماً بصالحة في القيام ضد العقيدة أو التأثير عليها. لا تستطيع السلطات أن تدخل إلى أذهان الموالين للأئمة (عليهم السلام)، عن طريق ديني بأي حال من الأحوال. وليس أدل على ذلك، من رفض المعتمد لعمالة جعفر بن علي، حين كان يائساً من تأثيره في فرض عمالته على موالي أخيه (عليه السلام).

٥٣٦

فكان من الواجب الوقوف ضد هذا التيار الداخلي المنحرف، الذي كاد أن يبلغ مبلغاً عظيماً، لولا ما بيّنه الإمام المهدي (عليه السلام) من بيِّنات، وما قام به السفراء من نشاط مضاعف كبير. إلى جانب شعور الدولة بالمعادات مع هؤلاء المنحرفين ومطاردتها لهم. ولم يخطر لها أن تستفيد منهم في سبيل هدم الجماعة الموالية وتفريق شملها وتشتيت كلمتها، مما أوجب تظافر نشاط السفراء والدولة على حربهم ومطاردتهم.

ولم تكن الدولة بقادرة على جرِّهم إلى جانبها والاستفادة منهم في مصلحتها لعدة عوامل:

الأول: أن دعوتهم - على الأغلب - كانت خارجة عن أصل الإسلام، بشكل مكشوف واضح لدى عموم الناس، بحيث لا يمكنهم التأثير الكبير. ولا ينفعون السلطات حتى لو أرادوا ذلك.

الثاني: أن توقيعات الإمام (عليه السلام) وموقف سفرائه، كان قوياً فعَّالاً في التأثير على الجماعة الموالية. بحيث لم يبق لهؤلاء الزوِّرين باقية، يمكن أن تصلح سنداً للدولة، حتى لو أرادت استخدامها.

الثالث: أن الدولة كانت تخاف على قواعدها الشعبية من التشتت والانهدام. فإنها على أي حال قائمة على أساس الالتزام بالإسلام، ومنتفعة في أصل وجودها من شعاراته، فإذا دخلتها الدعوات المنحرفة عنه بشكل علني صريح، كان ذلك مضراً بها لا محالة.

الرابع: أن الدولة كانت تخاف - في حدود ما تفهم - بأن يؤثّر هؤلاء المنحرفون، بشكل أو آخر، في صرف بعض قواعدها الشعبية

٥٣٧

عن مذهبهم وتقريبهم إلى خط الأئمة (عليهم السلام).. ولو باعتبار أن هؤلاء المنحرفين مدعين للسفارة عن الإمام المهدي (عليه السلام)، وهو القائد الفعلي لذلك الخط، وهو الخط الذي تفْرُق منه السلطات وتخشاه. وقد سبقت بعض الشواهد على ذلك (1) .

الخامس: أن هؤلاء المنحرفين، كانوا في الأعم الأغلب مشتركين مع خط الأئمة والسفراء، في الشعور بظلم السلطات وعدم الاعتراف بشرعيتها، وهذا الشعور نفسه يجعلهم يرهبون أن يبيعوا ضمائرهم للسلطات ويكرِّسوا نشاطهم من أجلها. وهم يشعرون بكل عمق، أنهم لن يحصلوا من القواعد الشعبية أحداً، لو شعر الناس منهم مثل هذا الاتجاه.

وهذا هو الذي جعلهم طرفاً للعداء مع السلطات ومع السفراء على حد سواء. ولم يكن في مستطاعهم، وهم يمثّلون أضيق الاتجاهات وأضعفها، أن يحاربوا في جبهتين، ويبذلوا نشاطهم في أكثر من ميدان واحد، مما عجَّل في خاتمة أمرهم، وإنهاء حسابهم، وتوفيق الله للأمة الإسلامية عموماً والموالين خصوصاً للخلاص منهم.

____________________

(1) انظر الكامل ج6 ص87.

٥٣٨

الفصل الخامس:

الإمام المهدي (ع) حياته ونشاطه خـلال هـذه الفترة

ويقع الكلام في ذلك ضمن عدة حقول، نذكر عناوينها أولاً؛ لنكون على ذكر منها حين ندخل في التفاصيل، فهي:

أولاً: حياته الخاصة خلال غيبته الصغرى.

ثانياً: محاولات القبض عليه من قبل السلطات.

ثالثاً: مقابلات للناس من حيث أسلوب ذلك وأهدافه.

رابعاً: تصرُّفه في الأمور المالية.

خامساً: حلّه للمشكلات العامة والخاصة.

سادساً: نصبه لوكلاء غير السفراء الأربعة.

سابعاً: إعلانه انتهاء السفارة وبدأ الغيبة الكبرى.

وقد عرفنا الشيء الكثير عن الاتجاهات والأساليب التي كان يتبناها الإمام المهدي (عليه السلام)، مما يندرج في عدد من هذه العناوين، وعلينا في هذا الفصل ترتيب ما عرفناه مع الزيادة عليه.

٥٣٩

وتجنباً للتكرار، سيكون التعرّض إلى ما عرفناه مما سبق ضئيلاً إلى حد كبير، وسيكون الجهد مكرساً على ما يستجد في هذا الفصل من تاريخ وأفكار.

الحقل الأول:

حياة المهدي(ع) الخاصة

من حيث صفته ومكانه ومقدار عمره، وعدد من خصائصه الشخصية خلال غيبته الصغرى.

شكله:

كان (سلام الله عليه وعجَّل فرجه) يوم وفاة أبيه، حيت رآه الناس يصلّي على أبيه... صبياً بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفل، كما سبق أن سمعنا.

ثم يصفه مَن رآه بعد ذلك خلال غيبته الصغرى بأنه: شاب حسن الوجه، طيب الرائحة، هيوب، ومع هيبته متقرّب إلى الناس. قال الراوي: فتكلَّم، فلم أرَ أحسن من كلامه ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه (1) . وفي رواية أخرى: كأنه شاب أسمر، لم أر قط في حسن صورته واعتدال قامته (2) . وفي رواية ثالثة: فتى حسن الوجه،

____________________

(1) غيبة الشيخ ص152

(2) المصدر ص153

٥٤٠