موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 663
المشاهدات: 33327
تحميل: 5997


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33327 / تحميل: 5997
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإسلامية، والعلامة الرئيسية لتمسك الفرد بالإسلام. فالمهدي يريد أن يُفهم ضمناً - لو كانوا يفهمون - حرمة الاعتداء عليه وقتله، باعتباره مؤمناً بالقرآن الذي تعترف السلطات بقدسيته، وهو في حين الوقت يتحداهم بقراءته. إنه لا يخافهم ولا يخشاهم.

فإنه يعلم بوجودهم ويسمع ضوضاءهم، ولكنه لا يسكت عن القراءة ولا يُخفي نفسه، بل إنه ليغرق في التحدي فيخرج أمامهم، بحيث يراهم ويرونه، ولكنّهم لا يقبضون عليه، مع أنهم قادمون لأجل ذلك بالذات. وهو يقرأ القرآن بالسرداب، والسرداب دائماً هو المقر الطبيعي للفارّين، الذين لا ينسجمون مع الحياة الاجتماعية: إما لانحرافها، أو لحصول حرب، أو غير ذلك.

ومن طريف حال هؤلاء الجلاوزة، أنهم لم يبادروا للقبض عليه، بل وقفوا على باب السرداب يحافظون عليه، ويتجنبون عن اقتحامه. إنهم يخافون مواجهة المهدي (ع) ويحتاجون إلى مدد أكبر وعدد أكثر. فهم منتظرون لوصول المدد من بغداد إلى سامراء. وفي هذه الأثناء استغل المهدي أروع لحظة من لحظات ذلك الحصار، لحظة اقترنت بالدقة بالتوقيت والضبط في التدبير والعناية الإلهية، إنها لحظة غفلة قائد الحملة عن الترصد والانتباه. لحظة لم يأت فيها المدد، ولم تصدر الأوامر بعد إلى اقتحام المكان. ولو كان المهدي (ع) قد تأخر لحظة أخرى، لقبضوا عليه لا محالة. استغل المهدي تلك الفرصة السامحة، وخرج أمامهم من السرداب،

٥٦١

واختفى حيث لا يمكن أن يصل إليه! وهم هذا الجيش المهاجم!

ولم يلتفت قائدهم إلى خروجه، كان ذهنه سارحاً إلى الخارج حيث يقبل المدد الكبير، كان في حالة انتظار، وهي حالة تحطم الأعصاب وتأخذ بالأفكار، وخاصة في مثل ذلك الموقف الصعب الدقيق. ثم كأنه يستبطئ مجيء المدد، فيفكّر بالاقتحام بما لديه من الرجال؛ لعله يستطيع تحقيق الهدف، فتتدحرج الكلمات على شفتيه: انزلوا إليه. ودُهش الحاضرون أن يأمرهم قائدهم باقتحام السرداب الفارغ! بعد أن شاهدوا المهدي (ع) يخرج أمامهم ويختفي.

ثم فكّر قليلاً! كان ينبغي أن يقبضوا عليه.. فلئن كان هو غافلاً فإنهم انتبهوا له، وكلهم يعلمون أن مهمتهم هي القبض عليه، فلماذا لم يقبضوا عليه حين رأوه، ومن هنا توجه إليهم معاتباً: ولم تركتموه.

وكان جوابهم واضحاً صريحاً: أنَّا حسبنا أنك تراه. فإن الجيش ليس له أن يتصرف قبل قائده ومن دون أمره، هكذا اعتادت الجيوش على مدى التاريخ، وبالأولى حين يرون القائد ملتفتاً إلى الشخص المطلوب.. ويأمر بشيء بصدده. إنهم حسبوه ملتفتاً - ولم يكن لحسن القدر وجمال التوفيق - ملتفتاً.

وهكذا تظافرت هذه الأمور الصغيرة لكي تنتج النتيجة الكبيرة، لكي ينفذ المخطط الإلهي العظيم لإنقاذ مستقبل البشرية بالمهدي من الظلم والجور إلى القسط والعدل.

٥٦٢

أريد، في هذا الصدد، أن أهمس لك بكلمة قليلة المؤنة كبيرة الأهمية، وهو أن هذا السرداب الذي عرفناه، بنص هذه الرواية، في دار الإمام العسكري (ع) التي يسكنها الإمام المهدي (ع) في الفترة الأولى من غيبته الصغرى. هذا السرداب، هو الذي أصبح سبباً للحملات الضخمة المركَّزة على مذهب الاعتقاد بالغيبة، من قبل عدد ليس بالقليل من علماء الإسلام ومفكريهم. باعتبار تصوير المسألة على أن المهدي غائب في السرداب، وقد أضافوا على ذلك إضافات غريبة، رواياتنا منها براء. فمن ذلك: أنه دخل السرداب وأمه تنظر إليه، وإنه يسكن السرداب طيلة مدة غيبته.

إذن! فكيف يأكل ويشرب؟! حتى أصبح اسم المهدي عندهم: صاحب السرداب. وزعم ابن جبير أن هذا السرداب كان في الحلة ولم يكن في سامراء، ونظم آخر من ذلك شعراً:

ما آن للسردابِ أنْ يَلِدَ الذي

غـيبتموه بجهلِكُم ما آنا ؟!

فعلى عقولكم العفاء! فإنكم

تلَّثتمُ العنقاءَ والغيلانا! (1)

____________________

(1) انظر بهذا الصدد المصادر التالية: الصواعق المحرقة، ص100. وفيات الأعيان، ج1، ص372. الكامل، ج5، ص373. تاريخ ابن الوردي، ج1، ص 232. شذرات الذهب، ج2، ص141. العبر في خبر من غير، ج3، ص30. تاريخ أبي الفداء، ج1، ص47... ومصادر أخرى عقائدية وتاريخية.

٥٦٣

حتى إن أمثلهم طريقة، وهو الكنجي في البيان (1) حاول الاعتذار عن ذلك وتقريب إمكان بقائه في السرداب هذه المدة الطويلة بدون طعام وشراب بقدرة الله تعالى.

وتصبح هذه الحملة المركَّزة هواء في شبك، بعد كل الذي قدمناه وبسطناه وحللناه من روايتنا وتاريخنا الخاص، ويتَّضح أن هذه الكلمات إنما قيلت نتيجة للجهل المطلق برواياتنا، والبعد الكبير عن مصادرنا وكتبنا، وإمساكهم للقلم والقرطاس دون مراجعة وتثبيت وتدقيق.

فالمركز الأول كان هو سامراء، بلد الإمامين العسكريين (عليهما السلام)، وليس هو الحلة كما زعم ابن جبير. وليس المهدي محبوساً في السرداب، وليس هناك على وجه الأرض مَن يعتقد ذلك بحق، بل هو يحضر الحج ويكلِّم الناس وينصب السفراء ويقبض الأموال ويكتب التوقيعات، ويواكب الأحداث عن كثب، ويقف بوجه الانحراف والتزوير، ولديه فرص كبير، لأن يعيش كما يعيش أي فرد من الناس.

وأما هذه الرواية التي ورد فيها ذكر السرداب فقد عرفنا تفاصيل مدلولها، فالسرداب مكان طبيعي للاختفاء من الهجوم أو الحرب أو الوباء أو نحو ذلك على مدى التاريخ، وليس أمراً خاصاً بالمهدي (ع). وقد كان المهدي - طبقاً لذلك - يتّخذ سرداب داره مخبأ للطوارئ أثناء الفترة الأولى من غيبته الصغرى، التي تمثّل أصعب الفترات بالنسبة إليه.

____________________

(1) انظر: ص112 وما بعدها.

٥٦٤

وليس لأمه ذكر في الرواية، على أنها تنص - كما سمعنا - أنه لم يبق في السرداب، بل خرج أمام أعين المهاجمين. فمن أين عرفوا بقاءه في السرداب، فحملوا همَّ طعامه وشرابه؟! وسيأتيك في البحوث الآتية تفاصيل عديدة تزيد ذلك إيضاحاً وتفصيلاً.

كما أن اعتبار هذه الحادثة هي مبدأ غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) كما يظهر من قولهم: دخل السرداب وأمه تنظر إليه. فكأنه غاب منذ ذلك الحين. وكما يظهر أيضاً من كتاب هامش البحار، حيث أضاف الكاتب عبارة تدل على ذلك (1) .

إلاَّ أن هذا في غاية السخف والافتراء، فقد أوضحنا فيما سبق أن الغيبة ليس لها مبدأ معين، بل كان المهدي (ع) مختفياً من أول ولادته، وقد زاد اختفاؤه شيئاً فشيئاً، وقد مثّلت الغيبة الصغرى وتعيين السفراء مرحلة من مراحل غيبته، وحيث بدأت إمامته ونصب السفراء بوفاة أبيه كانت الغيبة الصغرى بادئة منذ ذلك الحين ومنتهية بوفاة السفير الرابع.

ومعنى ذلك: إن الغيبة الصغرى بدأت قبل خلافة المعتضد بتسعة عشر عاماً، إذ توفِّي الإمام العسكري عام 260 واستخلف المعتضد عام 279. فلو كان قد جرد هذه الحملات في العام الأول من خلافته، كانت هذه الحملات متأخرة عن مبدأ الغيبة بنفس هذا المقدار من الأعوام.

وصاحب البحار (قدَّس اللهُ روحَه) لا يرضى بأي حال عن العنوان

____________________

(1) قال في الهامش ما لفظه: في بيان أول الغيبة، ج13، ص118.

٥٦٥

الذي كتبه كاتب النسخة الحجرية من كتابه، حيث نراه (قُدِّس سرُّه) يؤكد أن ابتداء الغيبة الصغرى مع وفاة الإمام العسكري، ويستنتج أنها أقل من سبعين عاماً بقليل، ثم يذكر احتمال أن يكون مبدؤها ولادة الإمام المهدي (ع) نفسها (1) . ومعه تزيد مدتها على السبعين عاماً بقليل، ولم يذكر أي احتمال أو وهم في أنها تبدأ عند حدوث حملة المعتضد في القبض عليه. وليس في أي شيء من روايتنا ما يدل على ذلك، ونسبته إلى المذهب زور وبهتان.

على أنه على هذا التقدير، تكون مدة الغيبة الصغرى، ستون عاماً، وهو مما لم يحتمله أحد، وغير مناسب مع شيء من تواريخ السفراء التي ذكرناها. يكفينا من ذلك أنه في ذلك العام الذي حدثت فيه حملة المعتضد، كان السفير الأول قد توفِّي وقد مضت من سفارة السفير الثاني حوالي الأربعة عشر سنة، كما يظهر من التواريخ التي ضبطناها فيما سبق.

الحقل الثالث:

مقابلته للآخرين خلال غيبته الصغرى

وأسلوبه وأهدافه من ذلك

كانت المقابلات مع المهدي، تجري مع العديدين اللذين يعلم

____________________

(1) انظر ج13 ص100.

٥٦٦

من درجة إخلاصهم وإيمانهم، أو من ظروفهم وأسلوب مقابلتهم، أنهم لم يصلوا إلى ما يضر الإمام المهدي وأن يدلوا السلطات عليه.

وكانت المقابلات تجري - في الغالب - بطلب من الآخرين، يكونون مدة من الزمن بصدد البحث عن المهدي (ع) وتمنّي مقابلته. فيوفّر لهم هذه الفرصة بنحو سري، بالغ في التكتم والحيطة، ويوصيهم في الغالب أن لا يصرّحوا بما شاهدوا، ويجعلوا ذلك مكتوماً إلاَّ عن الخواص الذين يعلم الفرد بوثاقتهم وإخلاصهم.

وتجري غالب المقابلات، بعيداً عن السفراء الأربعة، في الديار المقدسة أثناء موسم الحج: إما في المسجد الحرام نفسه، أو في بعض الأطراف على ما سيأتي. وقلما تتم المقابلات في مكان آخر إلاَّ نادراً، خاصة في بغداد، حيث وجود السفراء، وحيث العاصمة بسلطانها وعيونها وأضوائها. على حين أن الفرد في الحج، يحس بالتوجه إلى الله والانقطاع عن علائق الدنيا، خاصة في السفر على وسائط النقل القديمة، التي كان الحاج عليها يحسب للموت حسابه ويوصي بوصيته قبل خروجه. هذا.. إلاَّ في بعض الموارد الاستثنائية التي تقتضي المصلحة وجودها في بغداد أو سامراء أو في أي محل آخر.

ومن الطريف في بعض المقابلات، التي يوفّرها المهدي (ع)، مع البعض، يقضي حوائجهم ويوجّه إليهم تعليماته، إلاَّ أنهم لا يبقون غافلين عن كونه هو المهدي (ع) غير ملتفتين إلى ذلك، حتى ما إذا فارقهم وعملوا بتعاليمه، وأنتج عملهم شيئاً كبيراً مثيراً للعجب والإعجاب،

٥٦٧

عرفوا أن ذاك هو الإمام المهدي (ع).

وهذا النحو من المقابلات تتم حين يعلم المهدي (عليه السلام) أن الغاية التي يتوخّها والمصلحة التي يريد تحقيقها، تتم بدون الكشف عن شخصيته وحقيقته. وأما لو كانت المصلحة المتوخاة لا تتحقق إلاَّ بالإفصاح عن هذا الواقع، كإقامة الحجة وعرض الأطروحة التامة الحقة عن غيبته ومستقبله على ما سنسمع تفصيله، فعندئذٍ لا بد أن تتم المقابلة مع التعارف بين الطرفين، وقد تستمر المقابلة يوماً أو عدة أيام.

ونحن فيما يلي لا نتوخّى سرد جميع المقابلات مع الإمام المهدي (ع)، وإلاَّ لطال بنا المقام، فإنها عديدة كثيرة في تاريخنا. وإنما نتوخّى حصر الأهداف المتعددة من المقابلات بحسب الإمكان، ونمثّل لكل هدف بمثال واحد على الأقل. فإن المهدي (ع) كان يتوخّى - بحسب ما وردنا في التاريخ الخاص - عدة غايات ومصالح من وراء توفير الفرص للآخرين لمقابلته، وهي تكاد تنحصر بالأمور التالية:

أولاً: إثبات وجوده بنحو حسي مباشر.

ثانياً: إقامة الحجة على الإمامية وقيادة الحاضر والمستقبل.

ثالثاً: إعطاء وعرض الأطروحة التامة والبيان الكامل الحق لفلسفة غيبته وأهدافه في مستقبله.

رابعاً: قضاء حوائج المحتاجين من الناحية المالية.

خامساً: ممازجة الناس، وإعطاؤهم بعض التعليمات وتعليمهم بعض

٥٦٨

الأدعية والأذكار.

سادساً: قبض المال ممَّن حمله إليه، وإن كان الأغلب فيه جريانه عن طريق غيره، إذا لم يكن عن طريق أحد السفراء الأربعة.. على ما سوف يأتي. كما أن ذلك لم يكن هو الهدف الأساسي أو الوحيد من أي مقابلة معروفة، ولكنه قد يقترن بغيره من الأهداف.

والمهم من هذه الأهداف، من الناحية الإسلامية، هي الثلاثة الأولى، وتليها الثلاثة الأخيرة. فلا بد من التعرُّض إلى كل واحد من هذه الأهداف، وعرض بعض الأمثلة لكل واحد، معتمدين نفس هذا الترتيب الذي ذكرناه، مع العلم أن المقابلة قد تحقق أكثر من هدف واحد على ما سنرى. وسنحمل فكرة خلال ذلك عن الأساليب العامة التي كان المهدي (ع) يتخذها للمقابلة، وسلامة أمره خلالها وبعدها.

الهدف الأول: إثبات وجوده بنحو حسي مباشر.

لكي يرجع المشاهد فيروي مشاهدته لمن يثق بإيمانه وإخلاصه، وهذا الهدف يتوفر في كل مقابلة، لا يستثنى منها شيء. حتى تلك المقابلات التي يكون الإطلاع على حقيقة المهدي (ع) بعد فراقه، فإنه بعد معرفة حقيقته (عليه السلام)، ينفتح مجال كبير للأخبار الحسي برؤيته ومقابلته. وهذا هو مراده (عليه السلام)، حين قال لبعض من رآه - عام 168 -: (يا عيسى، ما كان لك أن تراني لولا المكذِّبون القائلون بـ: أين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومَن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأي

٥٦٩

شيء نبأكم؟ وأي معجزاتكم...؟ يا عيسى، فخبر أولياءنا ما رأيت، وإياك أن تخبر عدونا فتسلبه) . قال: فقلت: يا مولاي، ادع لي بالثبات. فقال: (لو لم يثبِّتكَ اللهُ ما رأيتني) (1) .

وواضح جداً من هذا الهدف الأساسي الذي أراده المهدي (ع) من هذه المقابلة، هو إقامة الدليل الحسي على وجوده، ضد الشبهات التي كانت ولا زالت تثار من قبل الآخرين من أهل الإسلام، بما فيها السلطات والمنتفعين منها.

والمهم أن لا يسري التشكيك إلى قلوب المؤمنين به والموالين له، فتكون هذه المقابلة، والخبر الذي يحمله كل من رآه (عليه السلام)، دليلاً حسياً مباشراً على وجوده، خاصة بالنسبة إلى أؤلئك الذين يعيشون في أطراف البلاد الإسلامية، ولا يمكنهم أن يصلوا إلى السفراء أو يحصلوا عن طريقهم على التوقيعات.

ويمكننا أن نلاحظ في هذا النص أمرين:

أحدهما: كيف أن المهدي (ع) يعيش على مستوى معرفة الأحداث الاجتماعية والإطلاع عليها، والتجاوب مع آمالها وآلامها. إنه يحمل هم المستوى العقائدي لمواليه، بكل جدٍ واهتمام، من حيث التعرّف عليه والاعتراف بوجوده وإمامته.

ثانيهما: إن كل مَن يفوز بلقائه، لا بد أن يكون من أعلى مستويات الإخلاص والإيمان. وهو المستفاد من قوله (ع): (لو لم يثبِّتك اللهُ ما

____________________

(1) انظر: إكمال الدين (المخطوط).

٥٧٠

رأيتني) . وليس ذلك مما يتوفر للفرد العادي، الخائض بالشبهات والراكض وراء المصالح، فإنه مضافاً إلى أنه ليس أهلاً لذلك، فإنه يشكل نقطة خطر في الكشف عن الإمام المهدي (ع) والدلالة عليه.

الهدف الثاني: إقامة الحجة على وجوده..

وأنه هو المهدي القائم صاحب الأمر، وصاحب الزمان، المنتظر الذي ذخره الله تعالى ليومه الموعود، يوم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

وهذا المعنى موجود في أكثر مقابلته (عليه السلام) إن لم يكن كلها. والسر في ذلك واضح: فإن شكله غير معروف للقاصدين، ومجرد دعوى أنه المهدي غير قابلة للتصديق، وإنما يحتاج كل مَن يقابله بغير معرفة سابقة، إلى دليل يشهد للمهدي (عليه السلام)، على ثبوت حقيقته وصدق مدعاه، شأنه في ذلك - إلى حدٍ كبير - شأن النبي (ص) حين كان يستدل على نبوته بالحج والمعجزات. بل إن حال المهدي (عليه السلام) لأشد تعقيداً، فإن كل نبي حين يقيم بعض المعجزات، فإنه يظهرها للناس، ويكشفها للمجتمع، فتأتي أمام الملأ صريحة واضحة يؤمن بها كل مَن يراها.. إذا كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد.. وتكون علنية تنتقل إلى غير المشاهدين بالتواتر.

أما الإمام المهدي (ع)، فهو مضطر بالنسبة إلى كل فرد يقابله إلى أن يقيم الحجة على إثبات شخصيته وحقيقته.. على إنفراد. ولا مجال له - بطبيعة الحال - للاكتفاء بالمعجزات التي أقامها تجاه فرد، أن يعتبرها سارية المفعول تجاه فرد

٥٧١

آخر كما هو واضح.

والحجج التي يقيمها المهدي (عليه السلام) لمَن يقابله من الناس، على قسمين: إما أن تكون من قبيل علم الغيب، بالمعنى الذي نؤمن بإمكانه بالنسبة إلى الإمام، كما سبق أن بيناه. وإما أن تكون شيئاً آخر من قبيل التصرف في بعض الأمور التكوينية، كجعل الحصاة ذهباً ونحو ذلك، وهذا أيضاً نقول بإمكانه للنبي والإمام عند لزوم إقامة الحجة على إثبات الحق، على بحث وتفصيل موكول إلى محله من بحوث العقائد الإسلامية.

وبمثل هذه الحجج، يعرف الفرد أن الذي قد قابله هو الإمام المهدي (عليه السلام) لو لم يكن قد عرفه إثناء مقابلته.

ومن هنا يقع الكلام في ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: إقامة الحجة عن طريق إظهار علم الغيب لمَن يقابله (عليه السلام).

فمن ذلك: ما ورد في خبر عيسى بن مهدي الجوهري الذي قصد الفحص عن الإمام المهدي(ع) وأراد مقابلته. وكان هذا الرجل مسبوقاً بمرض اشتهى فيه السمك والتمر. فلمَّا ورد المدينة عام 268 في سفره للحج، دعاه خادم إلى مقابلة الإمام المهدي (ع) وسماه باسمه الكامل.

قال الرازوي: فكبَّرت وهلَّلت وأكثرت من حمد الله (عَزَّ وجَلَّ) والثناء عليه. فلمّا صرت في صحن القصر، رأيت مائدة منصوبة، فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها. وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما

٥٧٢

اشتهيت في علتك وأنت خارج من (فيد).

فقلت: حسبي بهذا برهاناً. فكيف آكل ولم أر سيدي ومولاي.

فصاح بي - يعني الإمام المهدي (ع) -: (يا عيسى! كُلْ من طعامك فإنك تراني) . فجلست على المائدة فنظرت فإذا عليها سمك حار يفور. وتَمرٌ إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا، وبجانب التمر لبن. فقلت في نفسي: عليل وسمك وتمر ولبن؟ فصاح بي: (يا عيسى! أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك ويضرك؟!) ، فبكيت واستغفرت الله تعالى وأكلت من الجميع.

وكلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه. فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا. فأكلت منه كثيراً، حتى استحييت، فصاح بي: (لا تستح يا عيسى! فإنه من طعام الجنة لم تصنعه يد مخلوق)، فأكلت فرأيت نفسي لا ينتهي عنه من أكله، فقلت: يا مولاي، حسبي. فصاح بي: (اقبل إليّ) . فقلت في نفسي: آتي مولاي ولم أغسل يدي! فصاح بي: (يا عيسى وهل أكلت غمر) . فشممت يدي فإذا هي أعطر من المسك والكافور.. إلى آخر االحديث (1) .

ومن ذلك: ما روي عن الحسن بن الوجناء النصيبي، قال: كنت ساجداً تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجة بعد العتمة، وأنا أتضرع في الدعاء، إذ حركّني محرِّك. فقال: قم يا حسن بن الوجناء! قال: فقمت، فإذا جارية صفراء نحيفة البدن، أقول: إنها من أبناء

____________________

(1) البحار ج13 ص123.

٥٧٣

الأربعين فما فوقها، فمشتْ بين يدي وأنا لا أسألها عن شيء، حتى أتت بي دار خديجة (صلوات الله عليها)، وفيها بيت - يعني غرفة - بابه وسط الحائط، وله درجة ساج يرتقي إليه، فصعدت الجارية.

وجاء في النداء: (اصعد يا حسن)، فصعدت، فوقف بالباب. وقال لي صاحب الزمان (ع): (يا حسن، أتراك خَفَيْتَ عليّ؟! والله، ما من وقت في حجك إلاَّ وأنا معك فيه) ثم جعل يعد علي أوقاتي.

فوقعت على وجهي، فحسست بيده قد وقعت عليَّ فقمت.. إلى آخر الحديث (1) .

وهنا يمكن أن يقال: إن إخبار المهدي (ع) لابن الوجناء بأوقات حجه، كان عن مشاهدة لا عن غيب، باعتبار أنه كان موجوداً معه فعلاً، وإن لم يعرفه الرجل، إلاَّ أن دلالة الجارية على مكانه وإعلامها باسمه يكفي في إقامة الحجة لا محالة، إلاَّ أن ابن الوجناء نفسه اقتنع بأن كلام الإمام المهدي (ع) معه، لم يكن بالأمر الطبيعي، بل كان علماً ميتافيزيقياً غيبياً، واعترف بكونه حجة كافية عليه، كما يدل عليه وقوعه على وجهه.

ويبقى سؤال جانبي، وهو: أن الخبر دال على أن ابن الوجناء رأى الجارية، بحيث استطاع أن يصفها بنحو لا يخلو من دقة، فكيف جاز له بحسب الشرع الإسلامي، والمفروض أنه من الأشخاص الخيار القابلين لمقابلة المهدي (ع).

____________________

(1) البحار ج13 ص112

٥٧٤

وجواب ذلك يكون من وجوه، أهمها اثنان:

أولاً: أن هذا الوصف يكفي فيه رؤية الوجه، وهيئة الجسد العامة، وكشف الوجه جائز في الإسلام بمقتضى فتاوى كثير من الفقهاء، وتكون هذه الرواية دليلاً عليه، لو صحت مستنداً للحكم الشرعي.

ثانياً: إننا لو تنزّلنا جدلاً عن الوجه الأول، فيمكن افتراض كون هذه الجارية مملوكة للإمام المهدي، ومن الواضحات في الشرع جواز النظر إلى الجارية مع إذن مالكها، ومجرد الاحتمال بهذا المصدر يكفينا لتبرير العمل من الناحية الشرعية.

النقطة الثانية: إقامة الحجة عن طريق إظهار المعجزة بالتصرف ببعض الأمور التكوينية.

فمن ذلك: أن رجلاً يدعى بالآودي أو الأزدي، كان عند أدائه الطواف، وكان قد طاف ستاً وبقي عليه الطواف السابع، رأى عن يمين الكعبة شاباً حسن الوجه طيب الرائحة هيوباً ومع هيبته متقرّب إلى الناس. قال الراوي: فتكلم فلم أر أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه، فذهبت أكلمه فزبرني الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟ فقال: ابن رسول الله يظهر للناس في كل سنة يوماً لخواصّ شيعته، فيحدّثهم ويحدثونه، فقلت: مسترشد أتاك فأرشدني هداك الله.

قال: فناولني حصاة، فحولت وجهي، فقال لي بعض جلسائه:

٥٧٥

ما الذي دفع إليك ابن رسول الله. فقلت: حصاة، فكشفت عن يدي فإذا أنا بسبيكة من ذهب. وإذا أنا به قد لحقني فقال: (ثبتت عليك الحجة وظهر لك الحق وذهب عنك العمى، أتعرفني؟) فقلت: اللَّهُم لا؟ فقال المهدي (ع) أنا قائم الزمان.. إلى آخر الحديث (1) ، حيث يعطيه البيان الحق والأطروحة الصحيحة لغيبته باختصار، كما يأتي في الهدف الثالث من مقابلته(ع).

يتضح من هذا الخبر بجلاء، أنه كان من عادة الإمام المهدي (ع) في غيبته الصغرى قبل عام الثلاثمئة، أنه حين كان يحج يجتمع بالخاصة الحجاج ويمازحهم ويتكلم معهم، ويعطيهم ما أراد من التعاليم والتوجيهات، إلاَّ أنه لا دليل على معرفتهم له على حقيقته، وإنما كانوا يعرفونه باعتباره ابن رسول الله ومعه قد يعرف بعضهم حقيقته وقد لا يعرفون.

وقد خص (عليه السلام) هذا الرجل بكشف حقيقته له، لكي يظهر الحق له ويبلغه إلى إخوانه الآخرين.

النقطة الثالثة: إقامة الحجة لمَن لا يعرفه عند المقابلة، ولا يلتفت إليه الفرد إلاَّ بعد مفارقته.

فمن ذلك: الرسالة الشفوية التي أرسلها المهدي (ع) مع أبي سورة بعد أن رافقه في السفر من دون أن يعرفه. ثم قال له: (امض إلى أبي الحسن علي بن يحيى فأقرأ عليه السلام، وقل له: يقول لك الرجل: ادفع إلى أبي سورة من السبعمئة دينار التي مدفونة في موقع كذا

____________________

(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص152.

٥٧٦

وكذا مئة دينار) .

فمضى أبو سورة من توه وساعته، إلى دار علي بن يحيى، فدق الباب، فسمعه يقول: ما لي ولأبي سورة.

قال الرواي: ثم خرج إليّ فسلمت عليه وقصصت عليه الخبر. فدخل وأخرج إليّ مئة دينار، فقبضتها، فقال لي: صافحته؟ فقلت: نعم: فأخذ بيدي، فوضعها على عينه ومسح بها وجهه (1) .

انظر لهذه الرسالة الشفوية التي أقام فيها المهدي (ع) الحجة بدون أن يعلم أبو سورة، وإنما ينكشف صدقها عند إيصالها. وقد عرف ابن يحيى ذلك، حتى أنه تبرك باليد التي لامست يد الإمام المهدي (ع)، وسيندرج هذا الخبر أيضاً في توزيع المهدي (ع) للمال وقضائه لحوائج الناس.

فهذه هي النقاط الثلاث التي ينقسم إليها الهدف الثاني.

الهدف الثالث - من مقابلة المهدي (ع) للآخرين -: إعطاؤهم الأطروحة الصحيحة الكاملة لفلسفة غيبته...

والبيان الحق لأهداف مستقبله؛ لكي يحملها الفرد إلى أبناء عقيدته وإخوانه ويثقّفهم بما سمعه من الإمام المهدي (ع) من تعاليم. وقد سبق أن سمعنا في القسم الأول من هذا التاريخ، من الإمام العسكري (عليه السلام)، حين كان يعرض ولده المهدي (ع) على

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي ص163

٥٧٧

الآخرين، إنه بيَّن مثل هذا البيان عدة مرات، أهمها بيانه المفصل لأحمد بن إسحاق الأشعري. إلاَّ أن المرة والمرات القليلة، لا تكفي في توجيه القواعد الشعبية الموسّعة، بل لا بد من تكرار ذلك وتأكيده.

وبخاصة حين يقترن الموضوع بأمور توجب غرابته في الأذهان وبعده عنها، فلا بد أن يتصدى المهدي (ع) بنفسه في أثناء مقابلاته لبيان ذلك، بنحو مختصر حيناً ومفصل أحياناً.

ولو تعمقنا قليلاً، لرأينا أن نفس عرض هذا البيان من قبل الإمام المهدي (ع)، كافِ في إقامة الحجة على صدقه بأنه هو المهدي. بل إنه ليربو في الأثر على المعجزات التي سبق أن أشرنا إليه؛ من حيث التأثير المنطقي الدقيق. فإن العرض الحقيقي الكامل لمسألة الإمام المهدي، بما تكتنفه من مشكلات وعوائق، وتذليل جميع ذلك بالبينة والبرهان، لهو أقوى دليل على صدقه وخلاصه، على حين لم يكن مسبوقاً ببيانه من أحد إلاَّ من قبل الأئمة الماضين آبائه (عليهم السلام).

فالمهدي (ع) حين كان يبيّن أطروحته الكاملة، لم يكن أبداً في مستوى أقل من مستوى المعجزات التي يقيمها في الموارد الأخرى. فمن ذلك ما بيّنه الإمام (ع) للآودي حين أعطاه حصاة فتحوّلت في يده إلى ذهب، كما سبق، قال له: (أنا قائم الزمان، أنا الذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. إن هذه الأرض لا تخلو من حجة، ولا يبقى الناس في فترة، فهذه أمانة في رقبتك فحدّث بها أشقاءك من أهل الحق) (1) .

____________________

(1) انظر: غيبة الشيخ الطوسي ص152، وإكمال الدين (المخطوط).

٥٧٨

ومنه: ما بيّنه (ع) لإبراهيم بن مهزيار حين قابله في بعض أطراف مكة، وقال له فيما قال: (اعلم يا أبا إسحاق! إنه - يعني الإمام العسكري(ع) - قال (صلوات الله عليه): يا بني، إن الله جَلَّ ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه وأهل الجد من طاعته وعبادته بلا حجة يستعلي بها، وإمام يؤتم به، ويقتدى بسبيل سنته ومنهاج قصده. وأرجو يا بني أن تكون أحد مَن أعده الله لنشر الحق وطي الباطل وإعلاء الدين وإطفاء الضلال. فعليك - يا بني - بلزوم خوافي الأرض وتتبع أقاصيها، فإن لكل ولي من أولياء الله مقارعاً، وضداً منازعاً؛ افتراضاً لثواب مجاهدة أهل نفاقه، وخلافة أولي الإلحاد والفساد، فلا يوحشنك ذلك) (1) .

ومنه: ما بيّنه (ع) في الدعاء، وما أكثر ما في الدعاء من حكم وفوائد، حيث قال:

(اللَّهُم صلِّ على وليك المحيي لسنتك، والقائم بأمرك، الداعي إليك الدليل عليك، وحجتك على خلقك، وخليفتك على أرضك، وشاهدك على عبادك.

اللَّهُم أعزَّ نصره، ومدَّ في عمره، وزيِّن الأرض بطول بقائه.

اللَّهُم أكفه بغي الحاسدين وأعزه من شر الكائدين وادحر عنه إرادة الظالمين وتخلصه من الجبارين.

اللَّهُم أعطه في نفسه وذريته، وشيعته ورعيته، وخاصته وعامته، وعدوه وجميع أهل الدنيا، وما تقر به عينه وتسر به نفسه، وبلغه ____________________

(1) انظر إكمال الدين (المخطوط)

٥٧٩

أفضل أمله في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير.

اللَّهُم جدّد به ما مُحي من دينك، وأحي به ما بدّل من كتابك، وأظهر به ما غُيّر من حكمك، حتى يعود دينك به وعلى يديه: غضاً جديداً خالصاً مخلصاً لا شك فيه ولا شبهة معه، ولا باطل عنده لا بدعة لديه.

اللَّهُم نوّر بنوره كل ظلمة، وهد بركنه كل بدعة، واهدم بعزّته كل ضلالة، وأقصم به كل جبار، واخمد بسيفه كل نار، واهلك بعدله كل جبّار، وأجر حكمه علة كل حكم، وأذل لسلطانه كل سلطان.

اللَّهُم أذل كل مَن ناواه، وأهلك كل من عاداه، وامكر بمَن كاده، واستأصل مَن جحد حقه واستهان بأمره وسعى في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره) (1) .

فنرى من هذه البيانات، أن المهدي (ع) يؤكد على عدة أمور:

الأمر الأول: الإشارة إلى الحديث النبوي الشريف المتواتر، بأن المهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

الأمر الثاني: القاعدة الإلهية العامة التي تقتضي نصب الإمام الذي يكون حجة على عباده في كل زمان ومكان، وهي أن الأرض لا تخلو من حجة، ولا يبقى الفاسد في فترة، يعني من دون إمام. إذن، فلا يمكن أن يمر الزمان من دون أن يكون لله (عَزَّ وجَلَّ) حجة على خلقه. ومعه فيتعيَّن أن يكون الإمام موجوداً في كل زمان. إذن، فيتعين وجود

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي.

٥٨٠