موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء ١

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 663

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 663
المشاهدات: 33336
تحميل: 5998


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 663 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33336 / تحميل: 5998
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ الغيبة الصغرى) الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فلم أحب أن ينقص هذا المقدار، فوزنت من عندي عشرين درهماً ودفعتها للأسدي، ولم أكتب بخبر نقصانها وأني أتممتها بمالي، فورد الجواب - أي من الناحية -: (قد وصلت الخمسمئة التي لك فيها عشرون) (1) .

القاسم بن العلا: من أهل أذربيجان. قال ابن طاووس: إنه من وكلاء الناحية (2) ، يكّنى بأبي محمد (3) .

روي عنه أنه قال: ولد لي عدة بنين، فكنت أكتب - يعني إلى الناحية - وأسأل الدعاء لهم. فلا يكتب إلي بشيء من أمرهم، فماتوا كلهم. فلما ولد لي الحسين ابني كتبت أسأل الدعاء، وأجبت وبقي الحمد لله (4) . وقد أشرنا إلى هذه الرواية في مناسبة سابقة.

عمّر مئة وسبع عشر سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين.

لقي الإمام الهادي (ع) والإمام العسكري (ع). وأصيب بالعمى بعد الثمانين، وكان مقيماً بمدينة الران من أرض أذربيجان، وكان لا تنقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان إليه، على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وبعده على أبي القاسم بن روح (قدَّس الله روحهما) (5) .

وقد روى الشيخ في الغيبة والراوندي في الخرائج حديثاً مطوّلاً

____________________

(1) غيبة الشيخ ص258

(2) جامع الرواة ج2ص19

(3) المصدر والصفحة

(4) الإرشاد ص331

(5) انظر غيبة الشيخ الطوسي ص188 وما بعدها، والخرائج ص69

٦٢١

يدل على جلالة قدره، يحتوي على عدد من التفاصيل. منها: أن الإمام المهدي زوّده قبل موته بسبعة ثياب للتكفين، وأخبره أنه يموت بعد أربعين يوماً، فمات في الموعد المحدد.

ومنها: أن ابنه كان شارباً للخمر، فتاب عنه في أيام أبيه الأخيرة. وكان فيما أوصاه: يا بني، إن أُهِّلت لهذا الأمر - يعني الوكالة لمولانا - فيكون قُوُتُك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجيدة، وسائرها ملك مولاي. وان لم تؤهل له فاطلب خيرك من حيث يتقبّل الله. وقبل الحسن وصيته على ذلك.

ومنها: أن الإمام المهدي (ع) أرسل إلى ابنه كتاب تعزية على أبيه في آخره دعاء: (ألهمك الله طاعته وجنّبك معصيته) ، وهو الدعاء الذي كان دعا به أبوه وكان أخره: (قد جعلنا أباك إماماً لك وفعاله لك مثالاً) (1) . فنجد أن الإمام قد جعل هذا الشخص الجليل قدوة لولده ومثالاً، لمكان تقواه وإخلاصه. ولم تنتقل الوكالة إلى الابن ليأكل من تلك الضيعة بحسب وصية أبيه، فإنه كان منوطاً بجعله وكيلاً وإلاّ فعليه ان يطلب المال من حيث يتقبّل الله.

وقد خرج إلى القاسم بن العلا توقيعان من لعن بعض المنحرفين كأحمد بن هلال (2) .

محمد بن شاذان: بن نعيم النعيمي النيشابوري. عدّه ابن طاووس

____________________

(1) انظر الغيبة ص192 والخرائج ص68

(2) وجال الكشي ص449

٦٢٢

من وكلاء الناحية، وممن وقف على معجزات صاحب الزمان ورآه (عليه السلام) (1) .

وقد أخرج الصدوق في إكمال الدين (2) عنه حديثاً مطوّلاً حول الاجتماع بالمهدي(ع)، إلاّ أن الظاهر - على تشويش في عبارة الحديث - أن الذي اجتمع به (عليه السلام) ليس هو محمد بن شاذان، بل غانم أبو سعيد الهندي الذي كان جديد الإسلام وباحثاً عن الحق.

وفي توقيع صادر عن الإمام المهدي (ع): (وإما محمد بن شاذان بن نعيم، و فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت) (3) .

فهؤلاء اثني عشر من السفراء والوكلاء عن الإمام المهدي (عليه السلام)، عدهم الصدوق في روايته. ونضيف إلى ذلك جماعة، هم:

إبراهيم بن مهزيار: أبو إسحاق الأهوازي (4) ، والد محمد بن إبراهيم بن مهزيار. وقد سمعنا قول المهدي(ع) في توقيعه لمحمد بن إبراهيم: (قد أقمناك مقام أبيك فأحمد الله) ، هو دال على أن أباه كان وكيلاً للناحية أيضاً.

روي عن ولده محمد بن إبراهيم أنه قال: إن أبي لمّا حضرته الوفاة دفع إليّ مالاً وأعطاني علامة، ولم يعلم بتلك العلامة أحد إلاَّ الله (عَزَّ وجَلَّ). وقال: مَن أتاك بهذه العلامة فادفع إليه المال. قال: فخرجت

____________________

(1) جامع الرواة ج2 ص130

(2) انظر (المخطوط).

(3) إعلام الورى ص424

(4) رجال النجاشي ص53

٦٢٣

إلى بغداد ونزلت في خان. فلما كان في اليوم الثاني إذ جاء شيخ ودق الباب، فقلت للغلام: انظر من هذا؟ فقال: شيخ بالباب، فقلت: ادخل. فدخل وجلس. فقال: أنا العمري. هات المال الذي عندك وهو كذا وكذا ومعه العلامة. قال فدفعت إليه بالمال (1) .

فوجود أموال الإمام عند إبراهيم بن مهزيار ومعرفته بالعلامة السرية التي لا يعلم بها إلاّ الشيخ العمري السفير عن المهدي (ع) بتعليم منه (عليه السلام). يدل على أن إبراهيم هذا كان وكيلاً عن الناحية المقدسة.

وقد عدّه ابن طاووس من سفراء الصاحب والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الاثنا عشرية فيهم (2) . له كتاب البشارات (3) .

محمد بن حفص: بن عمرو، أبو جعفر. أبوه يدعى بالعمري والجمَّال، وكان وكيلاً لأبي محمد العسكري (عليه السلام) (4) . وكان وكيل الناحية، وكان الأمر يدور عليه (5) ؛ مما يدل على أنه كان له نشاط متزايد بهذا الأمر.

الحسين بن علي بن سفيان: بن خالد بن سفيان. أبو عبد الله البزوفري.

____________________

(1) رجال الكشي ص447.

(2) جامع الرواة ج1 ص35

(3) رجال النجاشي ص13

(4) جامع الرواة ج2 ص262 وانظر الكشي ص447

(5) انظر رجال الكشي نفس الصفحة.

٦٢٤

شيخ جليل من أصحابنا، له كتب (1) . روى الشيخ في الغيبة عن بعض العلويين سماه. قال: كنت بمدينة قم فجرى بين إخواننا كلام أمر رجل أنكر ولده، فأنفذوا إلى الشيخ (2) (صانه الله) وكنت حاضراً عنده (أيده الله) فدفع إليه الكتاب فلم يقرأه، وأمره أن يذهب إلى أبي عبد الله البزوفري (أعزه الله) ليجيب عن الكتاب، فصار إليه وأنا حاضر. فقال أبو عبد الله: الولد ولده وواقعها في يوم كذا وكذا في موضع كذا وكذا، فقل له: فليجعل اسمه محمداً. فرجع الرسول إلى البلد وعرّفهم ووَضُح عندهم القول. ووُلِد الولد وسُمَّي محمداً (3) .

وقد نقلنا مضمون هذا الخبر فيما سبق، وهو يدل بوضوح استقاء هذه المعلومات من الإمام المهدي ولو بالواسطة، فيدل أنه كان وكيلاً بالجملة. ومن هنا قال المجلسي في البحار تعليقاً على هذا الخبر: يظهر منه أن البزوفري كان من السفراء. ولم ينقل، ويمكن أن يكون وصل ذلك إليه بتوسط السفراء أو بدون توسطهم في خصوص الواقعة (4) .

الحسين بن روح: بن أبي بحر النوبختي. وهو السفير الثالث للإمام

____________________

(1) انظر ما في رجال النجاشي ص53 وما بعده.

(2) هو أحد السفراء: الثاني أو الثالث.

(3) انظر ص178

(4) انظر ج13 ص86

٦٢٥

المهدي (عليه السلام)، إلاَّ أنه إبّان سفارة سلفه الشيخ محمد بن عثمان العمري، كان وكيلاً له ينظر في أملاكه، ويلقي بأسراره لرؤساء الشيعة. وكان خصيصاً به، فحصل في أنفس الشيعة محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاصه بأبي جعفر وتوثيقه عندهم، ونشر فضله ودينه وما كان يحتمله من هذا الأمر. فمُهّدت له الحال في طول حياة أبي جعفر إلى أن انتهت الوصية بالنص عليه. فلم يُختلف في أمره، ولم يَشُك فيه أحد (1) .

وأصبح العمري قبل موته بسنتين أو ثلاثة يحوّل عليه أموال الإمام (عليه السلام)، لكي يعود الرأي العام ويهيِّئ الجو بالرجوع إليه حين تؤول السفارة إليه، كما سبق أن عرفنا.

ومن هنا أمكن أن يعد الشيخ ابن روح في السفارة تارة، وفي الوكلاء أخرى (رضي الله عنه وأرضاه).

إبراهيم بن محمد الهمداني: وكيل الناحية، كان حَجَّ أربعين حجة (2) . كان معاصراً للإمام الجواد (عليه السلام)، وقد كتب له بخطه: (وعجِّل الله نصرتك ممَّن ظلمك وكفاك مؤنته، وأبشرك بنصر الله عاجلاً وبالأجر آجلاً، وأكثر من حمد الله) .

وروى أنه قال: (وكتب إليّ: وقد وصل الحساب (تقبل الله منك ورضي عنهم وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة).. وقد كتبتُ إلى النضر، أمرته أن ينتهي عنك وعن التعرّض لك ولخلافك، وأعلمته

____________________

(1) غيبة الشيخ الطوسي ص227

(2) جامع الرواة ص32

٦٢٦

موضعك عندي. وكتبت إلى أيوب أمرته بذلك أيضاً. وكتبت إلى مواليِّ بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك. وان لا وكيل لي سواك) (1) .

وهذا الخطاب إليه من الإمام (عليه السلام) يدل على جلالة قدره ونفوذ حكمه ووكالته. إلَّا أن الإمام الذي صدر عنه هذا الخطاب غير مذكور، ولعل ظاهر السياق من عبارة المصدر كونه الإمام الجواد (عليه السلام) لا الحجة المهدي (عليه السلام).

نعم، ورد توثيقه من الإمام المهدي مبتدأً بذلك من دون سبق سؤال (2) . والمراد بذلك توكيله وإرجاع الناس إليه لا محالة، وهو إذ ذاك من شيوخ الطائفة ومبرَّزيها الذين لهم قدم في مدح الأئمة السابقين لهم.

أحمد بن اليسع: بن عبد الله القمي. روى أبوه عن الرضا (عليه السلام)، ثقة ثقة، له كتاب نوادر (3) . وقد ورد توثيقه عن الإمام المهدي (عليه السلام) (4) ، وهو يدل في الجملة على توكيله والإذن برجوع الناس إليه كما أسلفنا.

أيوب بن نوح: بن درَّاج النخعي، أبو الحسن، كان وكيلاً لأبي الحسن الهادي (وأبي محمد) العسكري، عظيم المنزلة

____________________

(1) رجال الكشي ص508 وما بعدها

(2) انظر رجال الكشي ص467، والغيبة ص258

(3) رجال الكشي ص71

(4) انظر رجال الكشي ص467، والغيبة ص258

٦٢٧

عندهما، مأموناً. وكان شديد الورع كثير العبادة، ثقة في رواياته.

وأبوه نوح بن درَّاج كان قاضياً بالكوفة، وكان صحيح الاعتقاد. له كتاب نوادر (1) ، وروايات ومسائل عن أبي الحسن الثالث (الهادي) (عليه السلام) (2) .

روى الشيخ عن عمر بن سعيد المدائني، قال: كنت عند أبي الحسن العسكري (عليه السلام) بـ(صريا)، إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدامه، فأمره بشيء ثم انصرف، والتفت إليّ أبو الحسن (عليه السلام)، وقال: (يا عمر، إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة، فانظر إلى هذا) (3) .

إذن فهو جليل المقام مقرَّب للائمة (عليهم السلام)، ووكيل للإمام الهادي (عليه السلام). وأما وكالته عن الإمام المهدي، فلا يدل عليه إلاَّ توثيقه الذي ورد في التوقيع الصادر عنه (عليه السلام) (4) ، وهو كما قلنا يدل في الجملة على توكيله والإذن برجوع الناس إليه.

فهؤلاء طائفة ممَّن اضطلعوا بمهمة الوكالة عن الإمام المهدي (ع) في غيبته الصغرى، لتكميل وتوسيع عمل السفراء الأربعة في مختلف البلدان الإسلامية.

____________________

(1) رجال النجاشي ص80

(2) الفهرست للشيخ ص40

(3) الغيبة للشيخ ص212

(4) رجال الكشي ص467

٦٢٨

وقد اتضح من ذلك أن الوكيل لا يكون عاملاً بين يدي السفير، ولا يحق له قبض الأموال ولا إخراج التوقيعات، إلاَّ بإذن الإمام المهدي نفسه، وليس للسفير أن يستقل عنه في الإيكال إلى أي شخص كان.

ويظهر من بعض الأخبار أن فكرة الوكالة، وتعدد الوكلاء، كانت نافذة المفعول منذ السنوات الأولى للغيبة الصغرى، ومنذ أوائل وجود السفارة. فقد سمعنا فيما سبق أنه بلغ خبر الوكلاء إلى عبد الله بن سليمان الوزير، فحاول القبض عليهم بحيلة معينة، فكان تخطيط الإمام المهدي حائلاً عن بلوغ غرضه ونجاح خطته. وإذا علمنا أن عبد الله بن سليمان هذا - كما تسميه مصادرنا - هو عبيد الله بن سليمان بن وهب الذي وزر للمعتضد أول خلافته (1) ، وليس في فترة الغيبة الصغرى وزير يكون ابن سليمان غيره، وعرفنا أن المعتضد تولَّى الخلافة عام 179، فيكون هذا الوزير قد تولَّى وزارته في نفس العام لا محالة، وهو يصادف الأعوام الأولى لتولّي الشيخ محمد بن عثمان العمري السفير الثاني لمهام السفارة.

وظاهر الخبر الذي سمعناه، والذي رواه الطبرسي (2) كون نظام الوكلاء لم يكن جديداً حادثاً في ذلك العام، وإنما كان التفات السلطات إليه جديداً. إذن فهو موجود منذ الأعوام الأولى للغيبة الصغرى، وقد

____________________

(1) انظر مروج الذهب ج4 ص145، والكامل ج6ص73

(2) إعلام الورى ص421

٦٢٩

كان خفياً على السلطات بفعل سرِّيته الشديدة من ناحية، وانشغال الدولة بقتال صاحب الزنج من ناحية أخرى. وذلك القتال الذي لم تتنفس منه الدولة الصعداء إلاَّ في مبدأ خلافته المعتضد.

الحقل السابع :

إعلانه انتهاء السفارة وبدء الغيبة الكبرى

وهو آخر جزء من التخطيط العام الذي سار عليه الأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم للوصول إلى الغيبة الكبرى، ليكون الإمام المهدي (ع) مذخوراً لليوم الموعود. وقد كانت الغيبة الصغرى كافية لإثبات وجود المهدي (ع) بما يصل إلى الناس عن طريق سفرائه وغيرهم من البيِّنات والبيانات. كما أوجبت - بكل وضوح - أن يعتاد الناس على غيبة الإمام ويسيغون فكرة اختفائه، بعد أن كانوا يعاصرون عهد ظهور الأئمة، وإمكان الوصول إلى مقابلة الإمام.

وقد رأينا كيف أن الإمام المهدي (ع) كان متدرجاً في الاحتجاب، فهو أقل احتجاباً في أول هذه الفترة. وكلَّما مشى به الزمان زاد احتجابه، حتى لا يكاد يُنقل عنه المشاهدة في زمن السفير الرابع لغير السفير نفسه. وحينما كانت هذه الفترة مشارفة على الانتهاء، كان الجيل المعاصر

٦٣٠

لزمان ظهور الأئمة (ع) قد انتهى. وبدأ أجيال جديدة إلى الوجود قد اعتادت غيبة الإمام (ع) وفكرة القيادة وراء حجاب، وأصبحت معدة ذهنياً بشكل كامل لتقبُّل فكرة انقطاع السفارة أساساً واحتجاب الإمام عن قواعده الشعبية تماماً.

وهذا هو الذي يفسِّر لنا السبب الرئيسي الأول من أسباب ثلاثة لانتهاء السفارة والغيبة الصغرى، نلخصها فيما يلي:

السبب الأول: استيفاء الغيبة الصغرى لأغراضها. وهو واضح بعد الذي ذكرناه من كون الغرض الأساسي هو تهيئة الذهنية العامة لغيبة الإمام (ع)، وهو مما قد حصل بالفعل خلال هذه الفترة.. فإنها فترة كافية لحصول ذلك، وخاصة بعد أن تزايد احتجاب الإمام بالتدريج حتى انحصرت رؤيته بشخص واحد هو السفير نفسه، ولم يبق بعد ذلك إلاَّ أن يحتجب الإمام (ع) عن كل أحد على الإطلاق.

السبب الثاني: ما ذكرناه من ترجمة السفير الرابع، وكنا قد حملنا قبل ذلك فكرة تفصيلية عن مناشئه وأسبابه، وهو صعوبة الزمان وازدياد المطاردة والمراقبة من قبل الجهاز الحاكم ومواليه، للقواعد الشعبية الموالية للإمام المهدي (ع)، بل لكبرائهم ولعلمائهم، ولم ينج من هذا الضيق حتى السفير نفسه، إلى حد لم يستطع السفير الرابع أن يقوم بعمل اجتماعي ذي بال، ولم يرو لنا من أعماله إلاَّ ما هو قليل وبسيط.

ولم يكن من المتوقع زوال ذلك الحال في زمن قريب، وفي عدد

٦٣١

من السنين قليل؛ لأن كيان الدولة وأساس الخلاف قائم على ذلك، وخط الأئمة (ع) وأصحابهم يمثِّل على طول الخط المعارضة الصامدة الواعية ضد الحكام وإتحاد الظلم الساري في المجتمع.

إذن، فلو وجد سفير جديد، فإما يكون عارفاً بموقفه شاعراً بمسئوليته عازماً على العمل المخلص في سبيل خطه، وإما لا يكون. فإن لم يكن كذلك، فهو غير صالح للسفارة سلفاً، وإن كان كذلك لم يستطع العمل، ولم يكن حاله بأحسن من حال السفير الرابع إن لم يكن أسوأ وأردأ.

ولو أراد السفير أن يضحي تضحية كبيرة فينجز عملاً كبيراً، لكان بذلك خارجاً عن السرية والتكتم المطلوبة من السفير. إذن، فكل سفير جديد يُعيَّن، لا بد أن يفشل في مهمته جزماً؛ بالنظر إلى ظروف المجتمع في ذلك الحين، ومعه لا داعي إلى استمرار السفارة، بل لا بد من رفع اليد عنها، والوصول إلى نهايتها.

السبب الثالث: عدم إمكان المحافظة على السرية الملتزمة في خط السفارة، لو طال بها الزمن أكثر من ذلك، وانكشاف أمرها سيئاً فشيئاً. وهذا واضح جداً في التسلسل الطبيعي لتطور الحوادث، فإنه لو صار عزم الإمام المهدي (ع) أن يديم أحد السفارة ويسلسلها بين الأشخاص على مدى الزمان؛ فإن ذلك سوف ينتج حتماً انكشاف أمر السفارة والسفير، واشتهار ذكرهما في المجتمع على لسان المؤمن

٦٣٢

والمنحرف والحكام والمحكومين. مهما حاول السفير أن يخفي أمره ويستر عمله. نعم، إذا تسلسلت السفارة بين الأشخاص من دون القيام بأي عمل، أمكن الاختفاء التام، إلاَّ أن هذا خلاف الهدف من السفارة والمطلوب من السفير.

ولئن استطاع السفراء أن يخفوا سفارتهم لمدة سبعين عاماً، فإنه لن يكون ذلك مستطاعاً إلى الأبد، وسوف ينكشف - بحسب طبيعة الأشياء - أمر السفير، ومعه يتعذَّر عليه العمل، إن لم يؤد به إلى التنكيل به تحت سياط السلطات، وقد يؤدي إلى جعل المهدي (ع) نفسه في مورد الخطر. إذن، فلا بد من قطع السفارة، تلافياً لما قد يحدث من مضاعفات.

فلكل هذه الأسباب، ولأسباب أخرى يضيق المجال عن ذكرها، أعلن الإمام المهدي (عليه السلام) في توقيعه الذي أصدر إلى السفير الرابع قبل موته، وانتهاء عهد السفارة وانقطاع الغيبة الصغرى وصلة الناس بإمامهم وقائدهم، وبدء الغيبة الكبرى حتى يأذن الله تعالى في اليوم الموعود الذي يتحقق به الغد الإسلامي الكبير.

وقد سمعنا نص البيان عند التعرض إلى ترجمة السفير الرابع الشيخ السمري، ولكن ينبغي أن نستذكره هنا، لنستطيع أن نستلهم منه أموراً جديدة:

قال الإمام المهدي في توقيعه:

(بسم الله الرحمن الرحيم

يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجرك إخوانك فيك؛ فإنك ميت ما بينك

٦٣٣

وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك؛ فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلاَّ بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي لشيعتي مَن يدعَّي المشاهدة، إلاَّ فمَن أدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذابٌ مفترٍ، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم).

فنرى الإمام المهدي (ع) قد أكد في هذا البيان على عدة أمور:

الأمر الأول: إخباره بموت الشيخ السمري في غضون ستة أيام.

وهو من الأخبار بالغيب الذي نقوله بإمكانه للإمام كما سبق أن قلنا. ولم يشك أحد يومئذٍ في صدق هذا الخبر، وقد غدا عليه أصحابه بعد ستة أيام فوجدوه محتضراً يجود بنفسه، كما سمعنا فيما سبق.

الأمر الثاني: نهيه أن يوصي إلى أحد، ليقوم مقامه ويضطلع بمهام السفارة بعد وفاته. وبذلك يكون هو آخر السفراء، ولا سفير بعده، ويكون خط السفارة قد انقطع، وعهد الغيبة الصغرى قد انتهى.

الأمر الثالث: أنه لا ظهور إلاَّ بإذن الله تعالى ذكره.

وهذا معناه الإغماض في تاريخ الظهور، وإيكال علمه إلى الله وحده وارتباطه بإذنه (عَزَّ وجَلَّ). ولهذا الإغماض عدة فوائد، أهمها اثنان:

الأولى: بقاء قواعده الشعبية منتظرة في كل حين، متوقعة ظهوره في أي يوم. وهذا الشعور إذا وجد لدى الفرد، فإنه يحمله على

٦٣٤

السلوك الصالح وتقويم النفس ودراسة واقعه المعاش ومعرفة تفاصيل دينه جهد الإمكان. ليحظى في لحظة الظهور بالزلفى لدى المهدي والقرب منه، ولا يكون من المغضوب عليهم لديه، أو المبعدين عن شرف ساحته.

بل إن الفرد ليشعر، وهو في حالة انتظار إمامه في أي يوم، أن انحرافه وفسقه قد يؤدي به إلى الهلاك، والإبعاد كلياً عن العدل الإسلامي العظيم الذي يسود العالم تحت قيادة الإمام المهدي (عليه السلام).

فإن الإمام المهدي (ع) بعد ظهوره سوف يكون حدِّياً في تطبيق العدل الإسلامي، وسيذيق كل منحرف عقائدياً أو سلوكياً أشد الوبال، فإنه لا مكان للانحراف في مجتمع العدل المطلق.

الثانية: حماية المهدي من أعدائه بعد ظهوره، فإن الإغماض في التاريخ يوفِّر محض المفاجأة والمباغتة للعدو على حين غرة منه، وهو من أقوى عناصر النصر وأسبابه، إنْ لم يكن من أهمها وأقواها على الإطلاق.

على حين لو كان الموعد معيناً، لكان بالإمكان الأعداء أن يجمعوا أمرهم ويهيئوا أسلحتهم قبيل الموعد المحدد، حتى إذا ما آن الأوان لظهوره قاتلوه واستأصلوه قبل أن يفهم به الناس، ويجتمع حوله الأعوان.

لا يفرق في أعداء المهدي (ع) بين مَن يعتقد بظهوره وبين مَن لا يعتقد، فإن الموعد لو كان محدداً طيلة هذا الزمان، لكان أمراً مشهوراً، ولأوجد في أذهان الأعداء احتمالاً على الأقل بظهوره، وهو مساوق مع احتمال استئصال الأعداء واجتثاثهم، وهذا بنفسه يكفي للتألب عليه

٦٣٥

وإعلان التعبئة العامة وحالة الطوارئ ضد الإمام المهدي.

إذن، فاللازم لهذه المصالح وغيرها بقاء الموعد غامضاً مجهولاً منوطاً بإذن الله (عَزَّ وجَلَّ) وعلمه وحده.

الأمر الرابع: الإشارة إلى أمد الغيبة التامة الكبرى سوف يكون طويلاً مديداً.

وإنما ينص المهدي (ع) على ذلك ليجعل الفرد المؤمن من قواعده الشعبية، مسبوقاً ذهنياً بطول الغيبة ومتوقّعاً لتماديها، فلا يأخذه اليأس أو يتلبسه الشك مهما طالت أو تمادت، وإنْ أصبحت الآف السنين. فإنه ما دام عارفاً بأنها ستطول، وأنها منوطة بإذن الله (عَزَّ وجَلَّ) عند تحقّق المصلحة للظهور وتهيِّؤ البشرية لتلقي الدعوة الإسلامية الكبرى، فإن الفرد يعرف - عند تأخر الظهور - أن المصلحة بعد لم تتحقق، وأن الإذن الإلهي لم يصدر.

وهذا السبق الذهني، يعني احتمال طول المدة، وهو لا ينافي حال الانتظار وتوقّع الظهور في كل يوم وكل شهر وكل عام، فإن طول الأمد الموعود به في كلام المهدي (عليه السلام)، لفظ عام ينطبق على السنين القليلة وعلى السنين الطويلة. بل لو كان الإمام المهدي (ع) قد ظهر بعد الغيبة الصغرى بقليل لكان قد ظهر بعد طول الأمد، لأن السبعين عاماً مع الشعور بالظلم وحالة الانتظار تكون أمداً بعيداً بحسب الجو النفسي للفرد والمجتمع لا محالة.

هذا، فضلاً عما إذا تأخر الإمام المهدي (ع) في ظهوره عشرات

٦٣٦

السنين أو مئاتها - كما حدث بالفعل - أو الآفها، فإن طول الأمد يكون قد تحقق بأوضح صوره وأصعب أنحائه، ومعه يكون الفرد متوقعاً انتهاء هذا الأمد الطويل في كل ساعة وفي كل يوم، وصدور الإذن الإلهي بالظهور.

الأمر الخامس: الإشارة إلى قسوة القلوب.

والمراد به ضعف الدافع الإيماني والشعور بالمسئولية، والمشارفة على الانحراف، بل سقوط أغلب أفراد المجتمع المسلم به؛ وذلك لأن الفرد يواجه امتحاناً إلهياً صعباً خلال الغيبة الكبرى من جهات ثلاث، يكون عليه أن يخرج منه ناجحاً مظفراً. والخروج منه بنجاح يحتاج إلى عمق في الإيمان والإخلاص والإرادة [ وهي أمور ] لا تتوفَّر إلاَّ في القليل من الأفراد:

الجهة الأولى: موقف الفرد تجاه شهوات نفسه ونوازعه الغريزية التي تتطلب الإشباع بأي شكل وحال. وكما قالوا: إن الغرائز لا عقل لها. فعلى الفرد أن يلاحظ ذلك فيكفكف من غلواء شهواته ويزعها بعقله وإيمانه عن الحرام إلى الحلال.

الجهة الثانية: موقف الفرد تجاه الضغط الخارجي الذي يعيشه وما يتطلبه من تضحيات في سبيل دينه وإيمانه، ضد الفقر والمرض والسلاح والحرج الاجتماعي، ونحو ذلك من المصاعب التي تصادف الفرد في طريقه الإيماني الطويل.

فإن كان الفرد شاعراً بالمسئولية، قوي الإرادة، استطاع تذليل هذه

٦٣٧

الصعوبة والتضحية في سبيل الإيمان. وأما إذا لم يكن قوي الإرادة، وكان غير شاعر بالمسئولية، فإنه سوف يعطي الدنية من نفسه بقليل أو بكثير، ويتعرَّض للانحراف في كثير من مناطق طريقه الطويل.

الجهة الثالثة : موقف الفرد تجاه الاعتقاد بوجوب إمامه الغائب وقائده المحتجب. فإنه بعد أن عرفه بالدليل القطعي، لا ينبغي أن تثبطه الشكوك ولا أن تزعزعه الأوهام، ولا أن يؤثر في زحزحة اعتقاده طول الأمد.

فإذا كان الفرد ناجحاً من سائر الجهات كان من الأقلين عدداً المرتفعين شأناً، الواعين لدينهم، وسوف لن يبتلي بقسوة القلب التي أشارة لها المهدي (ع) في كلامه. تلك القسوة التي يبتلي بها الأكثرون اللذين لا يكونون على المستوى المطلوب من الإيمان والإخلاص.

الأمر السادس: الإشادة إلى امتلاء الأرض جوراً.

وفيه تطبيق واضح للكلام النبوي الشريف القائل بأن المهدي يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وهو الحديث المستفيض الذي رواه عدد من علماء الإسلام والمحدثين العظام من مختلف المذاهب.

والسر في امتلاء الأرض بالظلم والجور، واضح بعد الذي قدمناه في الأمر السابق، من فشل أكثر البشر في الامتحان الإلهي خلال الغيبة الكبرى، وسيطرة المادة وإشباع الشهوات عليهم، وضعف الوازع الديني والأخلاقي إلى حد كبير جداً في المسلمين. أما غير المسلمين،

٦٣٨

فحدث عنهم ولا حرج، من حيث إنكارهم لأصل الدين الإسلامي وأساس التوحيد، ومن حيث موقفهم المخرِّب تجاه الإسلام والمسلمين، ذلك الموقف الذي ذاق منه المسلمين خلال التاريخ أشد العذاب والتنكيل.

فإّن لم يكن لدى الدين الحق، قائد عظيم كالإمام المهدي (عليه السلام)، لكونه غائباً غير مواجه للمجتمع بصفته الحقيقية، ليجمع شمل الدين ويلم شعثه ويرأب صدعه ويدفع عدوه، فإن الغلبة تكون لا محالة للسلاح الأقوى والعدد الأكبر، وهو جيش الكفر من ناحية، وجيش الشهوات والانحراف من ناحية أخرى. فتملأ الأرض جوراً وظلماً بطبيعة الحال، وسيأتي في بحوثنا عن الغيبة الكبرى (1) مزيد من التوضيح لذلك.

الأمر السابع: من الأمور التي يشير إليها المهدي (عليه السلام) في التوقيع: إثبات حدوث السفياني والصيحة ، وأنه أمر حق لا محيص عنه قبيل خروج المهدي وظهوره.

وهذا ما نطقت به كثير من الأخبار، رواها محدِّثو كلا الفريقين. ولا يبعد أن تكون أخبار السفياني متواترة أو قريبة من التواتر. وسنعرض إلى ذلك وإلى مغزاها الاجتماعي وأسبابها ونتائجها، في التاريخ القادم عن الغيبة الكبرى إن شاء الله تعالى.

الأمر الثامن: أن مَن أدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو مفتر كذاب.

وهو واضح في مدلوله، فإن المراد بيان احتجاب الإمام المهدي (ع)

____________________

(1) في الكتاب الثاني من هذه الموسوعة.

٦٣٩

عن الناس حتى زمان تحقق هاتين العلامتين. فمن الواجب تكذيب كل مَن ادعى رؤية المهدي (ع) قبل تحقق ذلك، وإنما ينفتح المجال لاحتمال صدقه بعد تحقق العلامتين، بمعنى أن ذلك الحين هو موعد الظهور، فمَن ادعى رؤية المهدي يومئذٍ فهو صادق أو محتمل الصدق على الأقل. وإما قبل ذلك فلا.

وقد اصطدم ذلك - في نظر عدد من العلماء - بالأخبار القطعية المتواترة التي وردتنا عن مقابلة الكثيرين للإمام المهدي (عليه السلام) خلال غيبته الكبرى، من بعد صدور هذا البيان الذي سمعناه إلى الآن، بنحو لا يمكن الطعن فيه أو احتمال الخلاف. ومقتضاها لزوم تصديق المخبرين في الجملة، مع أن هذا التوقيع المهدوي يوجب علينا تكذيبه. فكيف يتم ذلك، وما هو وجه الجمع بينه وبين تلك الأخبار.

وما قيل أو يمكن أن يقال من وجوه الجمع - لو حصلت المعارضة - عدة وجوه:

الوجه الأول: الطعن في سند التوقيع الشريف ورواته. حيث قالوا إنه خبر واحد مرسل ضعيف، لم يعمل به ناقله، وهو الشيخ في الكتاب المذكور، وإعراض الأصحاب عنه. فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها، بل من بعضها المتضمن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها عن غيره (عليه السلام) (1) .

إلاَّ أن هذا الوجه لا يمكن قبوله:

____________________

(1) منتخب الأثير ص40

٦٤٠