أمالي المرتضى الجزء ٢

أمالي المرتضى19%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64510 / تحميل: 9546
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وليس الّذي استبعدوه وأنكروه ببعيد ولا منكر، لأن النسيان قد يخص شيئا دون شيء، ويتعلّق بجهة دون جهة، وهذا أمر متعارف، فلا ينكر أن ينسى الإنسان شيئا قصده وعزم على الكلام فيه، ويكون مع ذلك ذاكرا لغيره، متكلّما فيه بأبلغ الكلام وأحسنه، بل ربما كان الحصر والذّهاب عن القصد يحميان القريحة، ويوقدان الفكرة، ويبعثان على أحسن الكلام وأبرعه، ليكون ذلك هربا من العي وانتفاء من اللّكنة.

ومن أحسن ما روي من الكلام وأبرعه في حال الحصر والانقطاع عن المقصود من الكلام ما أخبرني به أبو عبيد الله المرزباني قال حدثنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم.

قال المرزباني: وأخبرنا ابن دريد مرة أخرى قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي قالا: صعد خالد بن عبد الله القسري(١) يوما المنبر بالبصرة فأرتج عليه، فقال: (أيها الناس، إن الكلام - وقال أبو حاتم: إن هذا القول - يجيء أحيانا، ويذهب أحيانا، فيتسبب عند مجيئه سببه، ويعزّ عند عز وبه طلبه، وربما كوبر فأتى، وعولج فأبطأ وقال ابن الكلبي: ربما طلب فأبى، وعولج فقسا - فالتّأتي لمجيئه أصوب من التعاطي لأبيّه). ثم نزل. فما رؤي حصر أبلغ منه.

وقال أبو حاتم: (والتّرك لأبيّه أفضل من التعاطي لمجيئه، وتجاوزه عند تعززه أولى من طلبه عند تنزّحه؛ وقد يختلج من الجريء جنانه، ويرتج على البليغ لسانه)، ثم نزل.

وأخبرنا بهذا الخبر أبو عبيد الله المرزباني على وجه آخر قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطي قال: كان خالد بن عبد الله القسري حين ولاّه هشام بن عبد الملك يكثر الخطب والتبالغ، فقدم واسطا، فصعد المنبر فحاول الخطبة فأرتج عليه، فقال: (أيها الناس، إن هذا الكلام يجيء أحيانا ويعزب أحيانا، فيعز عند عزوبه طلبه؛ ويتسبب عند مجيئه سببه، وربما كوثر فأبى، وعوسر فقسا، والتأتّي لمجيئه أسهل من التعاطي لأبيه؛ وتركه عند تعزّزه(٢) أحمد من طلبه

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (القسري: منسوب إلى قسر، وهي قرية من قرى العرب).

(٢) ف: (تعذره).

١٠١

عند تنكّره، فقد يرتج على اللسن لسانه، فلا ينظره القول إذا اتسع، ولا ينشأ إذا امتنع، ومن لم تمكن له الخطوة، فخليق أن تعنّ له النّبوة).

وأخبرنا المرزباني قال أخبرنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثني أبو العباس المنصوري قال: صعد أبو العباس السفّاح المنبر فأرتج عليه فقال: (أيها الناس، إنما اللسان بضعة من الإنسان، يكلّ إذا كلّ، وينفسح بانفساحه إذا انفسح، ونحن أمراء الكلام، منّا تفرعت فروعه، وعلينا تهدّلت غصونه، ألا وإنّا لا نتكلم هذرا؛ ولا نسكت إلا معتبرين).

ثم نزل.

فبلغ ذلك أبا جعفر فقال: للّه هو! لو خطب بمثل ما اعتذر لكان من أخطب الناس.

وهذا الكلام يروى لداود بن علي.

وبهذا الإسناد عن محمد بن الصباح عن قثم بن جعفر بن سليمان عن أبيه قال: أراد أبو العباس السفّاح يوما أن يتكلم في أمر من الأمور بعد ما أفضت الخلافة إليه، وكان فيه حياء مفرط فأرتج عليه، فقال داود بن عليّ بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

إن أمير المؤمنين، الّذي قلّده الله سياسة رعيته عقل من لسانه عند ما تعهّد من بيانه، ولكل مرتق بهر، حتى تنفّسه العادات، فأبشروا بنعمة الله في صلاح دينكم، ورغد عيشكم).

وأخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثنا عبد الله بن إسحاق بن سلاّم قال: صعد عثمان بن عفان المنبر فأرتج عليه فقال: (أيها الناس، سيجعل الله بعد عسر يسرا، وبعد عي نطقا، وإنكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال).

وروى محمد بن يزيد النحوي هذا الكلام بعينه عن زياد بن يزيد بن أبي سفيان(١) وقد

____________________

(١) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (يزيد بن أبي سفيان) ؛ وفيهما أيضا. (يزيد بن أبي سفيان يقال له: يزيد الخير؛ واستعمله أبو بكر على الشام، ثم أقره عمر بعده؛ ومات بالشام وهو عامل عمر في طاعون عمواس في سنة ثماني عشرة؛ فولى عمر أخاه معاوية ما كان يليه، ولا عقب له).

١٠٢

خطب على بعض منابر الشام وإن عمرو بن العاص لما بلغه كلامه قال: هنّ مخرجاتي من الشام؛ استحسانا لكلامه.

وروى محمد بن يزيد النحوي قال: بلغني أن رجلا صعد المنبر أيام يزيد - وكان واليا على قوم - فقال لهم: (أيها الناس، إني إلاّ أكن فارسا طبّا بهذا القرآن فإن معي من أشعار العرب ما أرجو أن يكون خلفا منه، وما أساء القائل أخو البراجم(١) حيث يقول:

وما عاجلات الطّير يدنين للفتى

رشادا، ولا من ريثهنّ يخيب(٢)

وربّ أمور لا تضيرك ضيرة

وللقلب من مخشاتهنّ وجيب(٣)

ولا خير فيمن لا يوطّن نفسه

على حادثات الدّهر حين تنوب(٤)

وفي الشّكّ تفريط، وفي الحزم قوّة

ويخطي الفتى في حدسه ويصيب(٥)

فقال له رجل من كلب: إنّ هذا المنبر لم ينصب للشعر، بل ليحمد الله عليه ويصلّي على النبي صلّى الله عليه وآله وللقرآن، فقال: أما لو أنشدتكم شعر رجل من كلب لسرّكم، فكتب إلى يزيد بذلك فعزله، وقال: قد كنت أرى أنك جاهل، ولم أحسب أنّ الحمق بلغ بك هذا كلّه، فقال له: أحمق منّي من ولاّني.

____________________

(١) الأبيات في الكامل ٣: ٢٠١ - بشرح المرصفي؛ ونسبها إلى ضابئ بن الحارث البرجمى؛ وقبلها:

ومن يك أمسى بالمدينة رحله

فإني وقيار بها لغريب

(٢) رواية الكامل:

وما عاجلات الطّير تدنين من الفتى

نجاحا ولا عن ريبهنّ يخيب

قال المبرد في شرح البيت:" يقول: إذا لم تعجل له طير سانحة فليس ذلك بمبعد خيرا عنه، ولا إذا أبطأت خاب؛ فعاجلها لا يأتيه بخير، وآجلها لا يدفعه عنه إنما له ما قدّر له؛ والعرب تزجر على السانح وتتبرك به، وتكره البارح وتتشاءم به؛ والسانح ما أراك ميامنه فأمكن الصائد، والبارح ما أراك مياسره فلم يمكن الصائد إلا أن ينحرف له".

(٣) المخشاة كالمخشية: مصدر خشية يخشاه، ووجيب القلب:

خفقانه واضطرابه.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (حيث تنوب).

(٥) وبعده:

ولست بمستبق صديقا ولا أخا

إذا لم تعدّ الشيء وهو يريب

١٠٣

وكان يزيد بن المهلب(١) ولى ثابت قطنة بعض قرى خراسان، فصعد المنبر فحصر فنزل وهو يقول:

فإلاّ أكن فيكم خطيبا فإنني

بسيفي إذا جدّ الوغى لخطيب

فقيل: لو قلت هذا على المنبر لكنت أخطب الناس؛ فبلغ ذلك حاجب(٢) الفيل فقال:

أبا العلاء لقد لاقيت معضلة

يوم العروبة من كرب وتحنيق

أما القران فلا تهدى لمحكمه

ولم تسدّد من الدّنيا بتوفيق

لمّا رمتك عيون النّاس هبتهم

وكدت تشرق لمّا قمت بالريق

تلوى اللّسان إذا رمت الكلام به

كما هوى زلق من حالق نيق(٣)

وروي أن بعض خلفاء بني العباس - وأظنه الرشيد - صعد المنبر ليخطب، فسقطت ذبابة على وجهه فطردها، فعادت فحصر وأرتج عليه، فقال: أعوذ بالله السميع العليم:( ياأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) [الحج: ٧٣]، ثم نزل، فاستحسن ذلك منه.

ومما يشاكل هذه الحكاية ما حكاه عمرو بن بحر الجاحظ قال:" كان(٤) لنا بالبصرة قاض يقال له عبد الله بن سوّار لم ير الناس حاكما قطّ [و لا زمّيتا](٥) ، ولا ركينا(٦) ، ولا وقورا، ضبط من نفسه، وملك من حركته مثل الّذي ضبط وملك؛ وكان يصلي الغداة

____________________

(١) الخبر في الأغاني ١٣: ٤٧ - ٤٨.

(٢) اسمه حاجب بن دينار المازني؛ ذكره الجاحظ في الحيوان ١: ١٩١، والبيتان ٢: ١٨٣.

(٣) د، ف، حاشية الأصل (من نسخة): (من جانبي نيق). ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف أيضا: (من جانب النيق)، والنيق: أعلى الجبل.

(٤) الحيوان ٣: ٣٤٣، ونقله الثعالبي في ثمار القلوب ٣٩٦ - ٣٩٧.

(٥) زيادة من م؛ وهي توافق ما في الحيوان والزميت، كسكيت العظيم الوقار.

(٦) الركين: الرزين.

١٠٤

في منزله وهو قريب الدار من مسجده، فيأتي مجلسه، فيحتبي ولا يتّكئ، ولا يزال منتصبا لا يتحرّك له عضو، ولا يلتفت، ولا تحلّ حبوته(١) ، ولا يحوّل رجلا عن رجل، ولا يعتمد على أحد شقّيه، حتى كأنه بناء مبني أو صخرة منصوبة؛ فلا يزال كذلك؛ حتى يقوم لصلاة الظهر، ثم يعود إلى مجلسه، فلا يزال كذلك حتى يقوم لصلاة العصر، ثم يرجع إلى مجلسه(٢) ، فلا يزال كذلك حتى يقوم لصلاة المغرب، ثم ربما عاد إلى مجلسه(٣) ، بل كثيرا ما يكون ذلك إذا بقي عليه من قراءة العهد والشروط والوثائق، ثم يصلي العشاء(٤) وينصرف، لم يقم في تلك الولاية مرة واحدة إلى الوضوء، ولا احتاج إليه، ولا شرب ماء ولا غيره من الشراب، وكذلك كان شأنه في طوال الأيام وفي قصارها، وفي صيفها وشتائها، وكان مع ذلك لا يحرّك يدا(٥) ، ولا يشير برأسه؛ وليس إلا أن يتكلم ثم يوجز؛ ويبلغ بالكلام اليسير المعاني الكثيرة.

فبينما هو ذات يوم كذلك، وأصحابه حوله(٦) وفي السّماطين(٧) بين يديه إذ سقط على أنفه ذباب، فأطال السكوت والمكث، ثم تحوّل إلى مؤق(٨) عينه؛ فرام الصبر في سقوطه على المؤق وعلى عضّته، ونفاذ خرطومه؛ كما رام الصبر على سقوطه على أنفه، من غير أن يحرّك أرنبته، أو يغضّن وجهه؛ أو يذبّ بإصبعه؛ فلما طال عليه ذلك من الذباب وأوجعه وأحرقه وقصد إلى مكان لا يحتمل التغافل عنه أطبق جفنه الأعلى على جفنه الأسفل فلم ينهض، فدعاه ذلك إلى أن والى بين الإطباق والفتح؛ فتنحى ريثما سكن جفنه.

ثم عاد إلى موقفه(٩) ثانيا، أشد من مرته الأولى، فغمس خرطومه في مكان قد كان أوهاه قبل ذلك، فكان احتماله له أضعف، وعجزه عن الصبر في الثانية أقوى، فحرّك أجفانه، وزاد

____________________

(١) الحبوة، بالفتح وتضم: أن يجمع الرجل بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها.

(٢) الحيوان: (لمجلسه).

(٣) الحيوان: (إلى محله).

(٤) في ثمار القلوب: (العشاء الأخيرة).

(٥) الحيوان: (يده).

(٦) م: (حواليه) ؛ وهي رواية الحيوان.

(٧) السماط: الصف.

(٨) المؤق: طرف العين مما يلي الأنف.

(٩) د، ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (موقه)

١٠٥

في شدة الحركة(١) في تتابع الفتح والإطباق، فتنحّى عنه بقدر ما سكنت حركته، ثم عاد إلى موضعه، فما زال يلحّ عليه حتى استفرغ جهده(٢) ، وبلغ مجهوده، فلم يجد بدّا من أن يذبّ عنه بيده، ففعل ذلك وعيون القوم إليه يرمقونه، كأنهم لا يرونه، فتنحى عنه بمقدار ما ردّ يده، وسكنت حركته، ثم عاد إلى موضعه؛ فألجأه إلى أن ذبّ عن وجهه بطرف كمه، ثم ألجأه إلى أن تابع بين ذلك، وعلم أن ذلك كلّه بعين من حضر من أمنائه وجلسائه، فلما نظروا إليه قال: أشهد أن الذباب ألجّ(٣) من الخنفساء، وأزهى من الغراب، وأستغفر الله فما أكثر من أعجبته نفسه، فأراد الله أن يعرّفه من ضعفه ما كان عنه مستورا. وقد علمت أني كنت عند الناس من أرصن الناس، وقد غلبني وفضحني أضعف خلق الله، ثم تلا قول الله تعالى:( ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) ".

____________________

(١) الحيوان: (في فتح العين وتتابع الفتح).

(٢) م: (صبره). وهي رواية الحيوان وثمار القلوب.

(٣) في الثمار: (ألح)، بالحاء.

١٠٦

مجلس آخر

[٥٩]

تأويل آية :( وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) ؛ [البقرة: ٤٩].

فقال: ما تنكرون أن يكون في هذه الآية دلالة على إضافة الأفعال التي تظهر من العباد إليه تعالى، من وجهين: أحدهما أنه قال بعد ما تقدم من أفعالهم ومعاصيهم:( وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) فأضافها إلى نفسه، والثاني أنه أضاف نجاتهم من آل فرعون إليه فقال:( وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ ) ، ومعلوم أنهم هم الذين ساروا حتى نجوا؛ فيجب أن يكون ذلك السير من فعله على الحقيقة حتى تصح الإضافة.

الجواب، قلنا: أما قوله تعالى:( وَفِي ذلِكُمْ ) فهو إشارة إلى ما تقدّم ذكره من إنجائه لهم من المكروه والعذاب: وقد قال قوم: إنه معطوف على ما تقدّم من قوله تعالى:

( يابَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ) ؛ [البقرة: ٤٧]، والبلاء هاهنا الإحسان والنعمة.

ولا شك في أن تخليصه لهم من ضروب المكاره التي عددها الله نعمة عليهم وإحسان إليهم؛ والبلاء عند العرب قد يكون حسنا، ويكون شيئا، قال الله تعالى:( وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً ) [الأنفال: ١٧]؛ ويقول الناس في الرجل إذا أحسن القتال والثبات في الحرب: قد أبلى فلان، ولفلان بلاء؛ والبلوى أيضا قد يستعمل في الخير والشر؛ إلا أن أكثر ما يستعملون البلاء الممدود في الجميل والخير، والبلوى المقصور في السوء

١٠٧

والشر، وقال قوم: أصل البلاء في كلام العرب الاختبار والامتحان، ثم يستعمل في الخير والشر؛ لأن الاختبار والامتحان قد يكون في الخير والشر جميعا، كما قال تعالى:

( وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ ) ؛ [الأعراف: ١٦٨]، يعني اختبرناهم، وكما قال تعالى:

( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) ؛ [الأنبياء: ٣٥]، فالخير يسمى بلاء، والشر يسمى بلاء؛ غير أن الأكثر في الشر أن يقال: بلوته أبلوه بلاء، وفي الخير: أبليته أبليه إبلاء وبلاء؛ وقال زهير في البلاء الّذي هو الخير:

جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم

وأبلاهما خير البلاء الّذي يبلو(١)

فجمع بين اللغتين، لأنه أراد: فأنعم الله عليهما خير النعمة التي يختبر بها عباده. وكيف يجوز أن يضيف تعالى ما ذكره عن آل فرعون من ذبح الأبناء وغيره إلى نفسه، وهو قد ذمّهم عليه، ووبّخهم! وكيف يكون ذلك من فعله؛ وهو تعالى قد عدّ تخليصهم منه نعمة عليهم! وكان يجب على هذا أن يكون إنما نجاهم من فعله تعالى بفعله، وهذا مستحيل لا يعقل ولا يحصل؛ على أنّه يمكن أن ترد قوله: ذلِكُمْ إلى ما حكاه عن آل فرعون من الأفعال القبيحة؛ ويكون المعنى: في تخليته بين هؤلاء وبينكم، وتركه منعهم من إيقاع هذه الأفعال بكم بلاء من ربّكم عظيم؛ أي محنة واختبار لكم.

والوجه الأول أقوى وأولى، وعليه جماعة من المفسرين.

وروى أبو بكر الهذلي عن الحسن في قوله تعالى:( وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) ، قال: نعمة عظيمة؛ إذ أنجاكم من ذلك؛ وقد روي مثل ذلك عن ابن عباس والسّدّيّ ومجاهد وغيرهم.

فأما إضافة النّجاة إليه وإن كانت واقعة بسيرهم وفعلهم؛ فلو دلّ على ما ظنّوه لوجب إذا قلنا: إنّ الرسول أنقذنا من الشّكّ، وأخرجنا من الضلالة إلى الهدى، ونجّانا من الكفر أن يكون فاعلا لأفعالنا.

وكذلك قد يقول أحدنا لغيره: أنا نجيتك من كذا وكذا، واستنقذتك وخلصتك،

____________________

(١) ديوانه: ١٠٩؛ والرواية فيه: (رأى الله بالإحسان.. )، وهي رواية الأصمعي.

١٠٨

ولا يريد أنّه فعل بنفسه فعله. والمعنى في ذلك ظاهر؛ لأن ما وقع بتوفيق الله تعالى ودلالته وهدايته ومعونته وألطافه قد يصح إضافته إليه فعلى هذا صحت إضافة النجاة إليه تعالى.

ويمكن أيضا أن يكون مضيفا لها من حيث ثبّط عنهم الأعداء، وشغلهم عن طلبهم؛ وكل هذا يرجع إلى المعونة؛ فتارة تكون بأمر يرجع إليهم، وتارة بأمر يرجع إلى أعدائهم.

فإن قيل: كيف يصحّ أن يقول:( وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ ) فيخاطب بذلك من لم يدرك فرعون ولا نجا من شره؟

قلنا: ذلك معروف مشهور في كلام العرب؛ وله نظائر؛ لأن العربي قد يقول مفتخرا على غيره: قتلناكم يوم عكاظ(١) وهزمناكم؛ وإنما يريد أنّ قومي فعلوا ذلك بقومك.

قال الأخطل يهجو جرير بن عطية:

ولقد سما لكم الهذيل فنالكم

بإراب حيث يقسّم الأنفالا(٢)

في فيلق يدعو الأراقم لم تكن

فرسانه عزلا ولا أكفالا(٣)

ولم يلحق جرير الهذيل؛ ولا أدرك اليوم الّذي ذكره؛ غير أنّه لما كان يوم من أيام قوم الأخطل على قوم جرير، أضاف الخطاب إليه وإلى قومه؛ فكذلك خطاب الله تعالى بالآية إنما توجّه إلى أبناء من نجّى من آل فرعون وأحلافهم. والمعنى: وإذ نجينا آباءكم وأسلافكم؛ والنعمة على السلف نعمة على الخلف.

***

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (عكاظ: سوق للعرب معروفة كانوا يجتمعون فيها فيتفاخرون).

(٢) ديوانه ٤٨ وفي حاشيتي الأصل، ف: (الهذيل بن هبيرة التغلبي، وكان غزا بني رباح يوم إراب؛ وإراب اسم ماء).

(٣) الأراقم: قبائل معروفة، والعزل: الضعفاء والأكفال: جمع كفل، وهو الّذي لا يثبت على ظهور الخيل؛ ومثله قول الشاعر:

ما كنت تلقى في الحروب فوارسي

ميلا إذا ركبوا ولا أكفالا

١٠٩

قال سيدنا أدام الله تمكينه: ومن أحسن الشعر في تعوّد الضيافة والأنس بها والاستمرار عليها قول حاتم بن عبد الله الطائي:

إذا ما بخيل القوم هرّت كلابه

وشقّ على الضّيف الغريب عقورها(١)

فإني جبان الكلب، بيتي موطّا

جواد إذا ما النّفس شحّ ضميرها

وإنّ كلابي مذ أقرّت(٢) وعوّدت

قليل على من يعترينا هريرها

أراد بقوله:

* قليل على من يعترينا هريرها*

أنها لا تهرّ جملة؛ ولذلك نظائر كثيرة، ومثله قوله تعالى:( فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ ) ؛ [البقرة: ٨٨] ومثل قوله: (فإني جبان الكلب) معنى ولفظا قول الشاعر:

وما يك في من عيب فإني

جبان الكلب مهزول الفصيل(٣)

وإنما أراد أني أوثر الضيف بالألبان ففصالي مهازيل.

ومثل اللفظ والمعنى(٤) قول أبي وجزة:

وآل الزّبير بنو حرّة

مروا بالسّيوف الصّدور الجنافا(٥)

____________________

(١) ديوانه: ١١٠؛ والفاضل والمفضول ٤٠ - ٤١، وفي د، ونسخة بحاشيتي الأصل، ف: (بخيل الناس) ؛ وهي راية الديوان.

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (أقرت) ؛ بالفتح.

(٣) كتاب الصناعتين ٣٥١. والحيوان ١: ٣٨٤، والحماسة بشرح المرزوقي ١٦٥٠ من غير عزو.

(٤) من أبيات ستة مذكورة في الأغاني ١٢: ٢٥٢ (طبع دار الكتب المصرية)؛ وكان أبو وجزة متقطعا إلى آل الزبير؛ وإلى عبد الله بن عروة بن الزبير خاصة، وكان يفضل عليه ويقوم بأمره؛ ثم بلغه أن أبا وجزة أتى عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فمدحه ووصله؛ فاطرحه عبد الله بن عروة، وأمسك يده عنه؛ فلم يزل أبو وجزة يمدح آل الزبير ويستعطف ابن عروة؛ وهو يشيح عنه إلى أن قال فيه هذه الأبيات، فرضي عنه وعاد إلى صلته.

(٥) بعده.

سل الجرد عنهم وأيامها

إذا امتعطوا المرهفات الخفافا

امتعطوا: سلوا؛ ومنه ذئب أمعط، منسل من شعره -.

١١٠

يموتون والقتل من دأبهم

ويغشون يوم السّيوف السّيافا(١)

وأجبن من صافر كلبهم

وإن قذفته حصاة أضافا

يقول: أدركوا بسيوفهم ثاراتهم؛ فكأنهم شفوا وغر قلوبهم، وأزالوا ما كان فيها من الأحقاد.

ومعنى (مروا) استخرجوا كما ترى الناقة إذا أردت أن تحلبها لتدرّ. والجانف: المائل.

ثم قال: وإن مات بعضهم على فراشه فإن أكثرهم يموت مقتولا؛ لشجاعتهم وإقدامهم، فلذلك قال: (والقتل من دأبهم).

وجعل كلبهم جبانا لكثرة من يغشاهم ويطرقهم من النّزّال والأضياف فقد ألفتهم كلابهم وأنست بهم؛ فهي لا تنبحهم. وقيل أيضا: إنها لا تهرّ عليهم؛ لأنها تصيب مما ينحر لهم وتشاركهم فيه. ومعنى:

* وإن قذفته حصاة أضافا*

أي أشفق؛ وهذا تأكيد لجبنه؛ ويقال: أضاف الرجل من الأمر إذا أشفق منه.

ومعنى (وأجبن من صافر كلبهم) قد تقدم ذكره في الأمالي.

ومثله في المعنى:

يغشون حتى ما تهرّ كلابهم

لا يسألون عن السّواد المقبل(٢)

وقال المرار بن المنقذ العدوي:

أعرف الحقّ ولا أنكره

وكلابي أنس غير عقر(٣)

____________________

(١) رواية الأغاني:

يموتون والقتل داء لهم

ويصلون يوم السّياف السّيافا

وبعده:

إذا فرج القتل عن عيصهم

أبى ذلك العيص إلا التفافا

مطاعيم تحمد أبياتهم

إذا قنّع الشاهقات الطّخافا

قنعت: غطى رأسها. والطخاف: السحاب المرتفع.

(٢) البيت لحسان؛ ديوانه ٨٠.

(٣) من قصيدة مفضلية (٨٢ - ٩٣، طبعة المعارف).

١١١

لا ترى كلبي إلاّ آنسا

إن أتى خابط ليل لم يهرّ(١)

كثر النّاس فما ينكرهم

من أسيف يبتغي الخير وحرّ

الأسيف: العبد هاهنا -

وقال آخر:

إلى ماجد لا ينبح الكلب ضيفه

ولا يتأدّاه احتمال المغارم(٢)

معنى (يتأداه) يثقله؛ وأراد أن يقول: يتأوّده؛ فقلب.

وقال ابن هرمة:

وإذا أتانا طارق متنوّر

نبحت فدلّته عليّ كلابي(٣)

وفرحن إذ أبصرنه فلقينه

يضربنه بشراشر الأذناب(٤)

وإنما تفرح به، لأنها قد تعودت إذا نزلت الضيوف أن ينحر لهم فتصيب من قراهم.

ومثله له:

ومستنبح تستكشط الرّيح ثوبه

ليسقط عنه، وهو بالثّوب معصم(٥)

عوى في سواد اللّيل بعد اعتسافه

لينبح كلب، أو ليفزع نوّم(٦)

فجاوبه مستسمع الصّوت للقرى

له مع إتيان المهبّين مطعم

____________________

(١) خابط ليل: ضيف يسير على غير هدى.

(٢) البيت في اللسان (أود) من غير نسبة.

(٣) البيتان في الخزانة ٤: ٥٨٤.

(٤) حاشية الأصل: (شراشر الذنب: ذباذبه؛ وهي ما تدلى من شعر ذنبه)، ويقال: شرشر الكلب؛ إذا ضرب بذنبه.

(٥) حماسة أبي تمام - بشرح التبريزي ٤ - ١٣٦ - ١٣٧، والحيوان ١: ٣٧٧، والفاضل للمبرد ٣٧ - ٣٨، من غير عزو، والخزانة ٤: ٥٨٤. وكشط واستكشط بمعنى، والمعصم: المستمسك بالشيء.

(٦) الاعتساف: السير على غير هدى.

١١٢

يكاد إذا ما أبصر الضّيف مقبلا

يكلّمه من حبّه، وهو أعجم

أراد بقوله: (فجاوبه مستسمع الصوت) أنه جاوبه كلب. والمهبّون: الموقظون له ولأهله وهم الأضياف؛ وإنما كان له معهم مطعم، لأنه ينحر لهم ما يصيب منه.

وأراد بقوله:

* يكلّمه من حبّه وهو أعجم*

بصبصته وتحريكه ذنبه.

وأما قوله: (ليفزع نوّم) فإنما أراد ليعين(١) نوم، يقال: فزعت لفلان إذا أعنته(٢) .

ومعنى (عوى في سواد الليل) أنّ العرب تزعم أنّ ساري الليل إذا أظلم عليه وادلهمّ فلم يستبن محجة، ولم يدر أين الحلّة وضع وجهه على(٣) الأرض، وعوى عواء الكلب لتسمع(٤) ذلك الصوت الكلاب إن كان الحي قريبا منه فتجيبه، فيقصد الأبيات. وهذا معنى قوله أيضا: (ومستنبح)، أي ينبح نبح الكلاب(٥) .

____________________

(١) حاشية الأصل، ف (من نسخة): (ليغيث).

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (أغثته).

(٣) ف، وحاشية الأصل (من نسخة): (مع الأرض).

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (لتستمع).

(٥) حاشية الأصل: (مما يناسب هذا الفن قول امرأة من بني عامر ترثي رجلا:

أيا شجرات الواد من يضمن القرى

إذا لم يكن بالواد عمرو بن عامر

فتى جعفري كان غير ميامن

طريق الندى عنه وغير مياسر

ولكن إليه قصد كلّ محصّب

صبور على مستصعبات الجرائر

ومستنبح تزهى الصّبا عنه ثوبه

تقلّبه الأرواح بين الدياجر

يجاوبه كلبان، والليل مسدف

يكادان يبتدّانه بالشراشر

يكادان من وجد به وتملق

يقولان: أهلا بالمكلّ المسافر

قولها (يبتدانه)، أي يأتيانه من جانبيه يتبصبصان ويقال: السبعان يبتدان الرجل ابتدادا، أي يأتيانه، والرضيعان يبتدان أمهما، ولا تقل: فلانة يبتدها ابنها حتى يكونا اثنين).

١١٣

وقال الفرزدق:

وداع بلحن الكلب يدعو ودونه

من اللّيل سجفا ظلمة وغيومها(١)

دعا وهو يرجو أن ينبّه إذ دعا

فتى كابن ليلى حين غارت نجومها

ابن ليلى، يعني أباه غالبا -

بعثت له دهماء ليست بلقحة(٢)

تدرّ إذا ما هبّ نحسا عقيمها

معنى (بعثت له دهماء) أي رفعتها على أثافيّها؛ ويعني بالدهماء القدر. واللّقحة: الناقة؛ وأراد أن قدره تدرّ إذا هبت الريح عقيما لا مطر فيها -

كأنّ المحال(٣) الغرّ في حجراتها

عذارى بدت لمّا أصيب حميمها

أراد أن قطع اللحم لا تستتر منها(٤) بشيء؛ كما لا تستتر العذارى اللواتي أصيب حميمهنّ فيظهرن حواسر -

غضوبا كحيزوم النعامة أحمشت

بأجواز خشب زال عنها هشيمها(٥)

الأجواز: الأوساط، وأوسط الخشب أصلبه وأبقى نارا -

محضرة لا يجعل السّتر دونها

إذا المرضع العوجاء جال يريمها

البريم: الحقاب(٦) ؛ وإنما يجول من الهزال والجهد والطوى. والعوجاء: التي قد اعوجّت من الطوى.

وقال الأخطل في الضيف:

دعاني بصوت واحد فأجابه

مناد بلا صوت، وآخر صيّت(٧)

____________________

(١) ديوانه: ٨٠٣؛ والرواية فيه:

وداع بنبح الكلب يدعو ودونه

غياطل من دهماء داج بهيمها

(٢) الديوان: (بناقة).

(٣) المحال: القطع.

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (فيها).

(٥) هذا البيت والّذي يليه لم يذكرا في الديوان.

(٦) الحقاب: شيء محلى تشده المرأة على وسطها.

(٧) الخزانة ٤: ٥٨٤.

١١٤

ذكر ضيفا عوى بالليل والصّدى من الجبل يجيبه؛ فذلك معنى قوله: (بصوت واحد)، وقوله: (فأجابه مناد بلا صوت)، يعني نارا رفعها له فرأى سناها فقصدها، والآخر الصيّت الكلب، لأنه أجاب دعواه.

ومثله:

وساري ظلام مقفعلّ وهبوة

دعوت بضوء ساطع فاهتدى ليا

يعني نارا رفعها ليقصده طرّاق الليل. والمقفعلّ: المنتفض(١) من شدة البرد.

وأنشد محمد بن يزيد:

ومستنبح تهوى مساقط رأسه

إلى كلّ شخص فهو للصّوت أصور(٢)

حبيب إلى كلب الكرام مناخه

بغيض إلى الكوماء، والكلب أعذر(٣)

دعته بغير اسم: هلمّ إلى القرى

فأسرى يبوع الأرض شقراء تزهر

معنى (أصور) مائل؛ أراد أنه يميل رأسه إلى كلّ شخص يتخيل له يظنه إنسانا.

ومعنى: (حبيب إلى قلب الكرام) المعنى الّذي تقدم

ومعنى: (بغيض إلى الكوماء) إلى الناقة لأنها تنحر له.

وقوله: (دعته شقراء بغير اسم) يعني نارا رأى ضوءها فقصدها؛ فكأنها دعته.

وقال ابن هرمة وقد نزل به ضيف:

فقلت لقيني ارفعاها وحرّقا

لعلّ سنا ناري بآخر تهتف(٤)

وفي معنى قوله: (بغيض إلى الكوماء) قول بعض الشعراء يمدح رسول الله صلى الله عليه وآله:

وأبيك حيرا إنّ إبل محمّد

عزل تناوح أن تهبّ شمال

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (المتقبض).

(٢) حماسة أبي تمام - بشرح المرزوقي ١٦٤٥.

(٣) ف: (أبصر) ؛ وهي رواية الحماسة. وفي حاشية الأصل: (أعذر، أي أمعن في كونه معذورا في الحب).

(٤) القين: الخادم.

١١٥

وإذا رأين لدى الفناء غريبة

ذرفت لهنّ من الدّموع سجال

وترى لها زمن الشّتاء على الثّرى

رخما، وما تحيا لهنّ فصال

أراد أبيك الخير، فلما طرح الألف واللام نصب. والعزل: التى لا سلاح معها؛ وسلاح الإبل سنامها(١) وأولادها؛ وإنما جعلوا ذلك كالسلاح لها من حيث كان صاحبها إذا رأى سمنها وحسن أجسامها، ورأى أولادها تتبعها نفس بها على الأضياف فامتنع من نحرها، فلما كان ذلك صادّا عن الذبح، ومانعا منه جرى مجرى السلاح لها؛ فكأنه يقول: هذه الإبل وإن كانت ذوات سلاح؛ من حيث كانت شحيمة سمينة فهي كالعزل إذ كان سلاحها لا يغني عنها شيئا، ولا يمنع من عقرها.

ومعنى: (تناوح) يقابل بعضها بعضا، أي هنّ مدفآت بأسنمتها وأوبارها لا تبالي بهبوب الشمال، ولا يدخل بعضها في بعض من البرد.

وقوله:

* وإذا رأين لدى الفناء غريبة*

أي إذا نزل ضيف فعقل ناقته التي جاء عليها وهي الغريبة علمن أنه سينحر بعضهم لا محالة؛ فلذلك تذرف دموعهن.

وقوله:

وترى لها زمن الشّتاء على الثرى

رخما .....

فقد قيل فيه: إنه أراد به أن يهب فصالهن فتبقى ألبانهن على الأرض كهيئة الرّخم.

وحكي عن ابن عباس أنه قال: الرّخم: قطع العلق من الدم.

وعندي أن المعنى غير هذين جميعا؛ وإنما أراد أنها تنحر وتعقر فتسقط الرّخم على موضع عقرها وبقايا دمائها وأشلائها؛ فهذا معنى قوله، لا ما تقدّم.

____________________

(١) د، ف: (سمنها).

١١٦

وقال آخر في معنى سلاح الإبل يمدح بني عوذ بن غالب من عبس(١) ؛

جزى الله عني غالبا خير ما جزى

إذا حدثان الدّهر نابت نوائبه(٢)

إذا أخذت بزل المخاض سلاحها

تجرّد فيها متلف المال كاسبه(٣)

أراد أن سمنها وحسنها وتمامها لا يمنعني(٤) من عقرها للأضياف.

ومثله:

إذا البقل في أصلاب شول ابن مسهر

نما لم يزده البقل إلاّ تكرّما

إذا أخذت شول البخيل رماحها

دحا برماح الشّول حتّى تحطّما

وقوله: (أخذت رماحها) من المعنى المتقدم.

وقال مسكين الدارمي:

فقمت ولم تأخذ إلى رماحها

عشاري، ولم أرجب(٥) عراقبها عقرا

لم أرجب: لم أكبر ذلك ولم يعظم عليّ، وسمّي رجب رجبا من ذلك؛ لأنه شهر معظّم.

وقالت ليلى الأخيلية:

____________________

(١) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (قيس).

(٢) من أبيات أربعة في حماسة أبي تمام - بشرح المرزوقي ١٦٦٦ - ١٦٦٧؛ وبعده:

فكم دافعوا من كربة قد تلاحمت

عليّ، وموج قد علتني غواربه

إذا قلت عودوا عاد كلّ شمردل

أشمّ من الفتيان جزل مواهبه

إذا أخذت ...

(٣) البزل: جمع بازل؛ وهو المتناهي قوة وشبابا. والمخاض: النوق الحوامل.

(٤) د، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (يمنعه).

(٥) في حاشيتي الأصل، ف: (ولم أحفل).

١١٧

ولا تأخذ الكوم الحياد سلاحها

لتوبة في قرّ الشّتاء الصنابر(١)

لا أخون الصّديق ما حفظ العه

د، ولا تأخذ السّلاح لقاحي

ومثله:

وقال النمر بن تولب:

أزمان لم تأخذ إلى سلاحها

إبلي بجلّتها ولا أبكارها(٢)

ابتزّها ألبانها ولحومها

فأهين ذاك لضيفها ولجارها

وقال مضرّس بن ربعي الأسدي:

وما نلعن الأضياف إن نزلوا بنا

ولا يمنع الكوماء منّا نصيرها

ومعنى: (لا نلعنهم)، أي لا نبعدهم، واللعين: البعيد. ونصيرها هاهنا:

ما يمنع من عقرها من حسن وتمام وولد وما جرى مجرى ذلك. والنصير والسلاح في المعنى واحد.

____________________

(١) حماسة ابن الشجري: ٨٤؛ من أبيات ترثي فيها توبة بن الحمير الخفاجي، ورواية البيت هناك:

ولا تأخذ الكوم المخاض سلاحها

لتوبة في صرّ الشتاء الصّنابر

والصنابر: جمع صنبر؛ وهو البرد الشديد.

(٢) البيت في اللآلي ٦٣٢. والجلة: المسان.

١١٨

مجلس آخر

[٦٠]

تأويل آية :( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ الله )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ الله ) ؛ [الكهف: ٢٣].

فقال: ما تنكرون أن يكون ظاهر هذه الآية يقتضي أن يكون جميع ما نفعله يشاؤه ويريده؟

لأنه لم يخصّ شيئا من شيء؛ وهذا بخلاف مذهبكم. وليس لكم أن تقولوا: إنه خطاب للرسول عليه وآله السلام خاصة؛ وهو لا يفعل إلا ما يشاؤه الله؛ لأنه قد يفعل المباح بلا خلاف؛ ويفعل الصغائر عند أكثركم؛ فلا بد من أن يكون في أفعاله تعالى ما لا يشاؤه عندكم، ولأنه أيضا تأديب لنا، كما أنه تعليم له عليه السلام؛ ولذلك يحسن منا أن نقول ذلك فيما يفعله.

الجواب، قلنا: تأويل هذه الآية مبني على وجهين:

أحدهما أن نجعل حرف الشرط الّذي هو (إن) متعلقا بما يليه وبما هو متعلّق به في الظاهر من غير تقدير محذوف؛ ويكون التقدير: ولا تقولن إنك تفعل إلا ما يريد الله.

وهذا الجواب ذكره الفراء، وما رأيته إلا له. ومن العجب تغلغله إلى مثل هذا؛ مع مع أنه لم يكن متظاهرا بالقول بالعدل. وعلى هذا الجواب لا شبهة في الآية، ولا سؤال للقوم علينا.

وفي هذا الوجه ترجيح(١) لغيره من حيث اتبعنا فيه الظاهر، ولم نقدّر محذوفا، وكلّ جواب مطابق الظاهر ولم يبن على محذوف كان أولى.

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: (المعنى أن الله تعالى ينهى أن يقول أحد إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله؛ لأن الله تعالى لا يشاء جميع ما يفعلونه؛ وكأنه تعالى نهاهم عن تعليق أفعالهم بمشيئة الله عز وجل. وهو حسن).

١١٩

والجواب الآخر أن نجعل (أن) متعلقة بمحذوف؛ ويكون التقدير: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن تقول: (إن شاء الله) ؛ لأن من عاداتهم إضمار القول في مثل هذا الموضع، واختصار الكلام إذا طال وكان في الموجود منه دلالة على المفقود.

وعلى هذا الجواب يحتاج إلى الجواب عما سئلنا عنه، فنقول: هذا تأديب من الله تعالى لعباده، وتعليم لهم أن يعلّقوا ما يخبرون به بهذه اللفظة؛ حتى يخرج من حد القطع.

ولا شبهة في أن ذلك مختصّ بالطاعات، وأنّ الأفعال القبيحة خارجة عنه؛ لأن أحدا من المسلمين لا يستحسن أن يقول: إني أزني غدا إن شاء الله، أو أقتل مؤمنا، وكلهم يمنع من ذلك أشدّ المنع؛ فعلم سقوط شبهة من ظن أن الآية عامّة في جميع الأفعال.

وأما أبو عليّ محمد بن عبد الوهاب فإنه ذكر في تأويل هذه الآية ما نحن ذاكروه بعينه، قال" إنما عنى بذلك أنّ من كان لا يعلم أنه يبقى إلى غد حيا فلا يجوز أن يقول: إني سأفعل غدا كذا وكذا، فيطلق الخبر بذلك وهو لا يدري، لعله سيموت ولا يفعل ما أخبر به؛ لأن هذا الخبر إذا(١) لم يوجد مخبره على ما أخبر به(١) فهو كذب؛ وإذا كان المخبر لا يأمن أن لا يوجد مخبره لحدوث أمر من فعل الله نحو الموت أو العجز أو بعض الأمراض، أو لا يحدث(٢) ذلك بأن يبدو له هو في ذلك، فلا يأمن أن يكون خبره كذبا في معلوم الله عز وجل؛ وإذا لم يأمن ذلك لم يجز أن يخبر به؛ ولا يسلم خبره هذا من الكذب إلا بالاستثناء الّذي ذكره الله تعالى؛ فإذا قال: إني صائر غدا إلى المسجد إن شاء الله، فاستثنى في مصيره مشيئة الله أمن أن يكون خبره في هذا كذبا؛ لأن الله إن شاء أن يلجئه إلى المصير إلى المسجد غدا ألجأه إلى ذلك؛ وكان المصير منه لا محالة؛ فإذا كان ذلك على ما وصفنا لم يكن خبره هذا كذبا؛ وإن لم يوجد منه المصير إلى المسجد؛ لأنه لم يوجد ما استثناه في ذلك من مشيئة الله تعالى".

____________________

(١ - ١) د، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (إذا لم يوجد مخبر على ما أخبر به المخبر).

(٢) م: (لا يوجد ذلك).

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت قال عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة قال وسألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماء قال نعم.

(باب)

(الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء إلا قليل وخاف إن هو اغتسل أن يعطش قال إن خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فإن الصعيد أحب إلي.

_________________________________________

أبي بصير ، وهي مع ضعف سندها بعثمان ، واشتراك أبي بصير ، وجهالة المسؤول ، إنما يدل على الإعادة إذا نسي الماء في رحله ، وتيمم وصلى ثم ذكر في الوقت ، وهو خلاف محل النزاع.

قولهعليه‌السلام : « قال نعم » قال في المدارك : اعلم أن الظاهر من كلام الأصحاب تساوي الأغسال في كيفية التيمم ، وهو الظاهر من كلام المفيد في المقنعة ، فإنه لم يذكر التيمم بدلا من الوضوء ، واستدل له الشيخ (ره) بخبر أبي بصير وعمار ، قال في الذكرى : وخرج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب بناء على وجوب الوضوء هناك ، ولا بأس به والخبران غير مانعين منه لجواز التسوية في الكيفية لا الكمية ، وما ذكره أحوط ، وإن كان الأظهر الاكتفاء بالتيمم الواحد.

باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش

الحديث الأول : حسن.

وقولهعليه‌السلام : « أحب إلى » يشعر بجواز الغسل أيضا حينئذ والمشهور عدمه.

١٨١

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يجنب ومعه من الماء قدر ما يكفيه لشربه أيتيمم أو يتوضأ قال التيمم أفضل ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف الطهور.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران وجميل قالا قلنا لأبي عبد اللهعليه‌السلام إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم قال لا ولكن يتيمم ويصلي بهم فإن الله عز وجل قد جعل التراب طهورا.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة قال إن كانت الأرض مبتلة وليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم من غباره أو شيء

_________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : « نصف الطهور » أي جعل عليه مسح نصف أعضاء الوضوء تخفيفا ، والأمر بالوضوء مع احتياجه إلى الماء ينافي التخفيف.

الحديث الثالث : حسن.

والمشهور بين الأصحاب كراهة إمامة التيمم بالمتوضين ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا إلا ما حكي عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك ، ولو لا ما يتخيل من انعقاد الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بجواز الإمامة على هذا الوجه من غير كراهة.

الحديث الرابع : حسن مقطوع.

وقال الوالد العلامةقدس‌سره : رواه في التهذيب في الصحيح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن رفاعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وفي الموثق كالصحيح عن عبد الله ، عن ابن أبي بكير ، عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام في معناه ، والظاهر أن عبد الله نقل في كتابه فتوى لا رواية.

١٨٢

مغبر وإن كان في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن تتيمم به.

(باب)

(الرجل يصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن

_________________________________________

وقال في الحبل المتين : يستفاد منه عدم جواز التيمم بالأرض الرطبة مع وجود التراب ، وأنها متقدمة على الطين ، وأنه يجب تحري الأجف منها عند الاضطرار إلى التيمم بها ، وربما يستنبط ـ من تعليقهعليه‌السلام الأمر بالتيمم بها على فقد الماء والتراب ـ تسويغ التيمم بالحجر الرطب إلا مع فقد التراب ، لشمول اسم الأرض للحجر ، ولو قلنا بعدم شموله له ففي الحديث دلالة على تقديم التراب على الحجر الجاف كما هو مذهب الشيخين في النهاية ، والمقنعة ، ومختار ابن إدريس ، وابن حمزة ، وسلار لأن الأرض الرطبة لما كانت مقدمة عليه كما يقتضيه اقتصارهعليه‌السلام على قوله ليس فيها ماء ولا تراب دون أن يقول ولا حجر فالتراب مقدم عليه بطريق أولى.

باب الرجل تصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد

الحديث الأول : صحيح.

قولهعليه‌السلام : « يتيمم » استدل به سلار على التيمم بالثلج ولا يخفى أن الظاهر التيمم بالتراب كما فهمه الشيخ وعلى تقدير عدم ظهوره لا يمكن الاستدلال به ، ثم [ إنه ] ذهب الشيخ في النهاية إلى تقدم الثلج على التراب كما يظهر من بعض الأخبار ، ويمكن القول بالتفصيل بأنه إن حصل الجريان فالثلج مقدم وإلا فالتراب ، وقال في المختلف : لو لم يجد إلا الثلج وتعذر عليه كسره وإسخانه قال الشيخان وضع يديه عليه باعتماد حتى تتنديا ثم يتوضأ بتلك الرطوبة بأن يمسح يده على وجهه بالنداوة ، وكذا بقية أعضائه ، وكذا في الغسل ، فإن خشي من ذلك آخر الصلاة

١٨٣

رجل أجنب في السفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا فقال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه رفعه قال قال إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان عليه وإن احتلم تيمم.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير عمن رواه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل أصابته الجنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه

_________________________________________

حتى يتمكن من الطهارة المائية أو الترابية. وقال المرتضى : إذا لم يجد إلا الثلج ضرب بيديه ويتيمم بنداوته ، وكذا قال سلار ومنع ابن إدريس من التيمم به والوضوء والغسل منه وحكم بتأخير الصلاة إلى أن يجد الماء أو التراب ، والوجه ما قاله الشيخان.

قولهعليه‌السلام « ولا أرى أن يعود » فيه دلالة على أن من صلى بتيمم فصلاته لا تخلو من نقص وإن كانت مبرئة للذمة وأنه يجب عليه إزالة هذا النقص عن صلاته المستقبلة بالخروج عن محل الاضطرار.

الحديث الثاني : مرفوع.

وقال في المدارك : من عدم الماء مطلقا أو تعذر عليه استعماله يجوز له الجماع لعدم وجوب الطهارة المائية عليه ، ولو كان معه ما يكفيه للوضوء فكذلك قبل دخول الوقت ، أما بعده فجزم العلامة في المنتهى بتحريمه لأنه يفوت الواجب وهو الصلاة بالمائية ، وفيه نظر ، وقال : إطلاق النص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في تيمم المريض بين متعمد الجنابة وغيره ، ويؤيده أن الجنابة على هذا التقدير غير محرم إجماعا كما نقله في المعتبر فلا يترتب على فاعله عقوبة وارتكاب التغرير بالنفس عقوبة.

وقال الشيخان : إن أجنب نفسه مختارا لم يجز له التيمم ، وإن خاف التلف أو الزيادة في المرض ، واستدل عليه في الخلاف بصحيحة عبد الله بن سليمان وصحيحة

١٨٤

التلف إن اغتسل قال يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة.

(باب)

(التيمم بالطين)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم

_________________________________________

محمد بن مسلم ، وأجاب عنهما في المعتبر بعدم الصراحة في الدلالة لأن العنت المشقة وليس كل مشقة تلفا ولأن قولهعليه‌السلام « على ما كان » ليس حجة في محل النزاع وإن دل بإطلاقه فدفع الضرر المظنون واجب عقلا لا يرتفع بإطلاق الرواية ولا يخص بها عموم نفي الحرج وهو جيد.

الحديث الثالث : مرسل.

وقال الشيخرحمه‌الله : من تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء يتيمم ويصلي ثم يعيد ، واحتج بخبر جعفر بن بشير ، وعبد الله بن سنان ، وقال في المدارك : هما لا يدلان على ما اعتبره من القيد ، والأجود حملهما على الاستحباب لأن مثل هذا المجاز أولى من التخصيص وإن كان القول بالوجوب لا يخلو من رجحان.

باب التيمم بالطين

الحديث الأول : صحيح ، وآخره مرسل.

وقال في المدارك : ومع فقد الغبار يتيمم بالوحل ، والمستند في ذلك بعد الإجماع روايتا أبي بصير ورفاعة ولو أمكن تجفيف الوحل بحيث يصير ترابا والتيمم به وجب ذلك ، وقدم على الغبار قطعا ، واختلف الأصحاب في كيفية التيمم بالوحل ، فقال الشيخان : إنه يضع يديه على الأرض ثم يفركهما ويتيمم به وهو خيرة المعتبر ، وقال آخرون : يضع يديه على الوحل ويتربص فإذا يبس تيمم به

١٨٥

به فإن الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم به وفي رواية أخرى صعيد طيب وماء طهور.

(باب)

(الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب قال لا بأس بأن لا يغتسل ويتيمم.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن

_________________________________________

واستوجهه في التذكرة إن لم يخف فوت الوقت وهو بعيد ، وقال : إذا فقد التراب وما في معناه ، وجب التيمم بغبار الثوب ، أو عرف الدابة ، أو لبد السرج ، أو غير ذلك مما فيه غبار ، قال في المعتبر : وهو مذهب علمائنا ، وأكثر العامة ، وإنما يجوز التيمم بالغبار مع فقد التراب كما نص عليه الشيخ وأكثر الأصحاب ، وربما ظهر من عبارة المرتضى في الجمل جواز التيمم به مع وجود التراب أيضا ، وهو بعيد لأنه لا يسمى صعيدا ، بل يمكن المناقشة في جواز التيمم به مع إمكان التيمم بالطين ، إلا أن الأصحاب قاطعون بتقديم الغبار على الوحل وظاهر هم الاتفاق عليه.

قولهعليه‌السلام « صعيد طيب » قال الفاضل التستريرحمه‌الله : كان المعنى أن الطين مركب من الصعيد الطيب ومن الماء ، فلا يدل على أن الطين صعيد بقول مطلق ، ويحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى أمر بالصعيد وبالماء ، والصعيد هنا حاصل فيستفاد منه أن الطين صعيد.

باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : حسن.

١٨٦

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال يتيمم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن أحمد رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن مجدور أصابته جنابة قال إن كان أجنب هو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح وابن فضال ، عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري ، عن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر له أن رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قتلوه قتلهم الله إنما كان دواء العي السؤال.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن سكين وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قيل له إن فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه

_________________________________________

الحديث الثالث : مرفوع.

الحديث الرابع : مجهول.

قولهعليه‌السلام « فكز » كذا في أكثر النسخ وفي بعضها فكن قال في الصحاح الكن السترة ، وقال الكز بالضم داء تأخذ من شدة البرد ، وقد كز الرجل فهو مكزوز إذا تقبض من البرد.

قولهعليه‌السلام « دواء العي » في الصحاح عي إذا لم يهتد لوجه ، يحتمل أن يكون صفة مشبهة من عي إذا عجز ولم يهتد إلى العلم بالشيء وأن يكون مصدرا ، وقال في شرح المصابيح : العي بكسر العين وتشديد الياء التحير في الكلام ، والمراد به هنا الجهل ، يعني لم لم تسألوا إذا لم تعلموا شيئا فإن الجهل داء شديد وشفاؤه السؤال والتعلم من العلماء ، وكل جاهل لم يستح عن التعلم وتعلم يجد شفاء.

الحديث الخامس : حسن ، وفي بعض النسخ ابن سكين وهو ثقة ، وفي بعضها ابن مسكين وهو مجهول ، ولا يضر ذلك لأنه بمنزلة مرسل ابن أبي عمير ، ولو كان فاعل قال في قوله ـ قال وروى ـ ابن أبي عمير كما هو ظاهر لكان حسنا

١٨٧

فمات فقال قتلوه ألا سألوا ألا يمموه إن شفاء العي السؤال.

قال وروي ذلك في الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل.

(باب النوادر)

١ ـ علي بن محمد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن الحسن بن علي الوشاء قال دخلت على الرضاعليه‌السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة فدنوت منه لأصب عليه فأبى ذلك وقال مه يا حسن فقلت له لم تنهاني أن أصب على يدك تكره أن أوجر قال تؤجر أنت وأوزر أنا فقلت له وكيف ذلك فقال أما سمعت الله عز وجل يقول «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ »

_________________________________________

أيضا ولعله في الكسير محمول على عدم إمكان الجبيرة ، ويحتمل التخيير أيضا أو تخصيص الجبيرة بالوضوء والأوسط أظهر.

باب النوادر

الحديث الأول : ضعيف.

قولهعليه‌السلام « تؤجر أنت » يحتمل أن يكون استفهاما ، وقولهعليه‌السلام « وأوزر أنا » جملة حالية وعلى ظاهره يدل على أن الجاهل يثاب على فعل يراه حسنا ويمكن حمله على الكراهة ولا يكون المعاونة على المكروه مكروها ، أو يكون مكروها من جهة ومندوبا من جهة ، وقال الشيخ البهائيرحمه‌الله : استدل العلامة في المنتهى وغيره بهذه الرواية على كراهة الاستعانة والظاهر أن المراد الصب على نفس العضو ، وهو التولية المحرمة كما يرشد إليه قوله « على يدك » ولم يقل في يدك ، وكما يدل عليه قولهعليه‌السلام « وأوزر أنا » إذ لا وزر في المكروه ، فالاستدلال بها على كراهة الاستعانة محل تأمل. وقال : الباء في بعبادة ربه ظرفية ، والتفسير المشهور لهذه الآية ، ولا يجعل أحدا شريكا مع ربه في المعبودية فلعل كلا المعنيين مراد فإن الإمامعليه‌السلام لم ينف ذلك التفسير هذا ولا يخفى أن

١٨٨

«عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد.

٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن صباح الحذاء ، عن أبي أسامة قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فسأله رجل من المغيرية عن شيء من السنن فقال ما من شيء يحتاج إليه أحد من ولد آدم إلا وقد جرت فيه من الله ومن رسوله سنة عرفها من عرفها وأنكرها من أنكرها فقال رجل فما السنة في دخول الخلاء قال تذكر الله وتتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإذا فرغت قلت الحمد لله على ما أخرج مني من الأذى في يسر وعافية قال الرجل فالإنسان يكون على تلك

_________________________________________

الضمير في قولهعليه‌السلام « وهي العبادة » وقوله « إن يشركني فيها » راجعين إلى الصلاة والغرض منع الشركة في الوضوء : فكأنه لعدم تحققها بدونه ، أو بدله كالجزء منها ، ولا يبعد أن يجعل الباء في الآية للسببية ، وكذا « في » في قولهعليه‌السلام فيها ، وحينئذ لا يحتاج إلى تكلف جعل الوضوء كالجزء من الصلاة فتدبر.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وكان فيه دلالة على استحباب عدم الفاصلة كثيرا بين الوضوء والصلاة ، والظاهر أن الغرض بيان الاشتراط.

الحديث الثالث : مجهول.

قولهعليه‌السلام : « من المعتزلة » وفي بعض النسخ ـ المغيرية ـ وهو أظهر ، قال في الملل والنحل : المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي ادعى أن الإمام بعد محمد بن علي بن الحسين ، محمد بن عبد الله بن الحسن ، وكان المغيرة مولى لعبد الله بن خالد

١٨٩

الحال ولا يصبر حتى ينظر إلى ما يخرج منه قال إنه ليس في الأرض آدمي إلا ومعه ملكان موكلان به فإذا كان على تلك الحال ثنيا برقبته ثم قالا يا ابن آدم انظر إلى ما كنت تكدح له في الدنيا إلى ما هو صائر.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن علي بن المعلى ، عن إبراهيم بن محمد بن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من توضأ فتمندل كانت له حسنة وإن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه كانت له ثلاثون حسنة.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن جراح الحذاء ، عن سماعة بن مهران قال قال أبو الحسن موسىعليه‌السلام من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره ما خلا الكبائر ومن توضأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن قاسم الخزاز ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام قاعد ومعه ابنه محمد إذ قال :

_________________________________________

القصري وفي القاموس كدح في العمل كمنع سعى وعمل لنفسه خيرا أو شرا.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مجهول.

والظاهر يومه مكان ليلته وكأنه من النساخ ، أو الرواة بقرينة أنه نقل هذا الخبر عن سماعة بعد ذلك بزيادة ، وهنا في أكثر النسخ يومه ، وفي ثواب الأعمال في نهاره إلا الكبائر ، ومن توضأ للصبح كان وضوءه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر ، وعلى ما في أكثر نسخ المتن يحتمل أن يكون المراد الليلة السابقة ، أو يكون الظرف متعلقا بالكفارة فيكون المراد جميع الذنوب والله يعلم.

الحديث السادس : ضعيف.

قولهعليه‌السلام : « بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام » أصل ـ بينا ـ بين فأشبعت الفتحة وقفا فصارت ألفا ، يقال بينا وبينما ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف وأبقيت الألف المشبعة وصلا مثلها وقفا ، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ، ويضافان إلى جملة

١٩٠

_________________________________________

من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى ، والأفصح في جوابهما أن لا يكون فيه إذ وإذا ، وقد جاء في الجواب كثيرا تقول بينا زيد جالس دخل عليه عمرو وإذ دخل عليه وإذا دخل عليه ، على ما ذكره الجوهري و ـ بينا ـ هنا مضاف إلى جملة ما بعده وهي ـ أمير المؤمنينعليه‌السلام جالس ـ وأقحم جزئي الجملة الظرف المتعلق بالخبر وقدم عليه توسعا ، أما كلمة « ذات » فقد قال الشيخ الرضيرضي‌الله‌عنه في شرح الكافية : وأما ذا وذات وما تصرف منهما إذا أضيف إلى المقصود بالنسبة فتأويلها قريب من التنزيل المذكور ، إذ معنى ـ جئت ذا صباح ـ أي وقتا صاحب هذا الاسم ، فذا من الأسماء الستة وهو صفة موصوف محذوف وكذا جئته ذات يوم أي مدة صاحبة هذا الاسم ، واختصاص ذا بالبعض وذات بالبعض الأخر يحتاج إلى سماع ، وأما ذا صبوح وذا غبوق فليس من هذا الباب ، لأن الصبوح والغبوق ليسا زمانين ، بل ما يشرب فيهما فالمعنى جئت زمانا صاحب هذا الشراب فلم يضف المسمى إلى اسمه. وقيل : إن ذا وذات في أمثال هذه المقامات مقحمة بلا ضرورة داعية إليها بحيث يفيدان معنى غير حاصل قبل زيادتهما مثل ـ كاد ـ في قوله تعالى «وَما كادُوا يَفْعَلُونَ » والاسم في بسم الله على بعض الأقوال ، وظرف المكان المتأخر أعني مع متعلق بجالس أيضا.

واختلف في إذا الفجائية هذه هل هي ظرف مكان أو ظرف زمان فذهب المبرد إلى الأول ، والزجاج إلى الثاني ، وبعض إلى أنها حرف بمعنى المفاجأة ، أو حرف زائد وعلى القول بأنها ظرف مكان ، قال ابن جني عاملها الفعل الذي بعدها لأنها غير مضافة إليه وعامل ـ بينا وبينما ـ محذوف يفسره الفعل المذكور فمعنى الفقرة المذكورة في الحديث قال أمير المؤمنينعليه‌السلام بين أوقات جلوسه يوما من الأيام مع محمد بن الحنفية وكان ذلك القول في مكان جلوسه ، وقال شلوبين : إذ مضافة إلى الجملة فلا يعمل فيها الفعل ولا في بينا وبينما لأن المضاف إليه

١٩١

يا محمد ائتني بإناء من ماء فأتاه به فصبه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال :

_________________________________________

لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله وإنما عاملهما محذوف يدل عليه الكلام ، وإذ بدل منهما ويرجع الحاصل إلى ما ذكرنا على قول ابن جني ، وقيل : العامل ما يلي بين بناء على أنها مكفوفة عن الإضافة إليه كما يعمل تألى اسم الشرط فيه ، والحاصل حينئذ أمير المؤمنينعليه‌السلام جالس مع محمد بين أوقات يوم من الأيام في مكان ، قوله « يا محمد إلى آخره » وقيل بين خبر لمبتدء محذوف والمصدر المسبوك من الجملة الواقعة بعد إذ مبتدأ والمال حينئذ أن بين أوقات جلوسهعليه‌السلام مع ابنه قوله يا محمد إلى آخره ـ ثم حذف المبتدأ مدلولا عليه بقوله ـ يا محمد إلى آخره ـ وعلى قول الزجاج وهو كون إذا ظرف زمان يكون مبتدأ مخرجا عن الظرفية خبره ـ بينا وبينما ـ فالمعنى حينئذ ، وقت قول أمير المؤمنينعليه‌السلام حاصل بين أوقات جلوسه يوما من الأيام مع محمد بن الحنفية.

قولهعليه‌السلام : « آتني » يدل على أن طلب إحضار الماء ليس من الاستعانة المكروهة.

قولهعليه‌السلام « فصبه » في التهذيب وغيره فأكفاه ، وقال الجوهري كفأت الإناء كبيته وقلبته فهو مكفوء وزعم ابن الأعرابي أن أكفاءه لغة فصيحة الضبط.

قولهعليه‌السلام « بيده اليمنى » كذا في أكثر نسخ الفقيه والتهذيب أيضا ، وفي بعض نسخ التهذيب وغيره بيده اليسرى على يده اليمنى وعلى كلتا النسختين الأكفاء إما للاستنجاء أو لغسل اليد قبل إدخالها الإناء ، والأول أظهر ويؤيده استحباب الاستنجاء باليسرى على نسخة الأصل ، وعلى الأخرى يمكن أن يقال : الظاهر أن الاستنجاء باليسرى إنما يتحقق بأن تباشر اليسرى العورة وأما الصب فلا بد أن يكون باليمنى في استنجاء الغائط وأما استنجاء البول فإن لم تباشر اليد العورة فلا يبعد كون الأفضل الصب باليسار ، وإن باشرتها فالظاهر أن الصب باليمين أولى.

١٩٢

الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ثم استنجى فقال : اللهم حصن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرمها على النار ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وطيبها وريحانها ثم تمضمض

_________________________________________

قولهعليه‌السلام « الحمد لله » في الفقيه وغيره ـ بسم الله الحمد لله ـ أي أستعين ، أو أتبرك باسمه تعالى وأحمده.

قوله « طهورا » أي مطهرا كما يناسب المقام ، ولأن التأسيس أولى من التأكي د « ولم يجعله نجسا » أي متأثرا من النجاسة ، أو بمعناه فإنه لو كان نجسا لم يمكن استعماله في إزالة النجاسة ، ولعل كلمة « ثم » في الموضع منسلخة عن معنى التراخي كما قيل في قوله تعالى «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ »(١) والمراد بتحصين الفرج ستره وصونه عن الحرام وعطف ـ الإعفاف ـ عليه تفسيري أو الإعفاف عن الشبهات والمكروهات ، وقال الشيخ البهائي (ره) عطف العورة من قبيل عطف العام على الخاص فإن العورة كل ما يستحيي ، والأولى أن يقال : عطف الستر من قبيل عطف الخاص على العام فلا تغفل و « حرمها » أي العورة بالمعنى الأخص أو الفرج وفي بعض الروايات حرمهما باعتبار لفظي الفرج والعورة وإن اتحد معناهما أو يقرأ عورتي بتشديد الياء.

قولهعليه‌السلام « ثم استنشق » أقول : الرواية في سائر الكتب بتقديم المضمضة على الاستنشاق كما هو المشهور فيهما ، وفي الكتاب بالعكس ، ولعله من النساخ والمشهور استحباب تقديم المضمضة ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم جواز تأخير المضمضة عن الاستنشاق ، وقال في الذكرى : هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التغيير أما معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة ، وأما الفعل فالظاهر لا انتهى ، والاستنشاق اجتذاب الماء بالأنف ، وأما الاستنتار فلعله مستحب آخر ولا يبعد كونه

__________________

(١) المؤمنون : ١٤.

١٩٣

فقال اللهم أنطق لساني بذكرك واجعلني ممن ترضى عنه ثم غسل وجهه فقال : اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه

_________________________________________

داخلا في الاستنشاق عرفا ويشم بفتح الشين من باب علم ، ويظهر من الفيروزآبادي أنه يجوز الضم فيكون من باب نصر والريح الرائحة وفي الفقيه وغيره ريحها وروحها وطيبها. وقال الجوهري : الروح نسيم الريح ويقال : أيضا يوم روح أي طيب وروح وريحان أي رحمة ورزق وأول الدعاء استعاذة من أن يكون من أهل النار فإنهم لا يشمون ريح الجنة حقيقة ولا مجازا والمضمضة تحريك الماء في الفم كما ذكره الجوهري والدعاء في الفقيه وأكثر كتب الدعاء والحديث هكذا ( اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ) وفي بعضها ـ بذكراك ـ والتلقين التفهيم وهو سؤال منه تعالى أن يلهمهم يوم لقائه ما يصير سببا لفكاك رقابهم من النار كما قال تعالى «يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها »(١) وقرأ بتخفيف النون من التلقي كما قال تعالى «وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً »(٢) والأول أظهر.

« ويوم اللقاء » إما يوم القيامة والحساب ، أو يوم الدفن والسؤال ، أو يوم الموت أو الأعم ، وإنطاق اللسان عبارة عن توفيق الذكر مطلقا ، وبياض الوجه وسواده إما كنايتان عن بهجة السرور والفرح وكابة الخوف والخجلة ، أو المراد بهما حقيقة السواد والبياض ، وفسر بالوجهين قوله تعالى «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ »(٣) ويمكن أن يقرأ قولهعليه‌السلام « تبيض وتسود » على المضارع الغائب من باب الأفعال ، فالوجوه مرفوعة فيهما بالفاعلية وأن يقرأ بصيغة المخاطب من باب التفعيل مخاطبا إليه تعالى فالوجوه منصوبة فيهما على المفعولية كما ذكره الشهيد الثاني

__________________

(١) النحل : ١١١.

(٢) الإنسان : ١١.

(٣) آل عمران : ١٠٦.

١٩٤

الوجوه ثم غسل يمينه فقال : اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد بيساري ثم غسل شماله فقال : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح رأسه فقال : اللهم غشني برحمتك

_________________________________________

رفع الله درجته ، والأول هو المضبوط في كتب الدعاء المسموع عن المشايخ الأجلاء ثم الظاهر أن التكرير للإلحاح في الطلب والتأكيد فيه ، وهو مطلوب في الدعاء فإنه تعالى يحب الملحين في الدعاء ، ويمكن أن تكون الثانية تأسيسا على التنزل فإن ابيضاض الوجوه تنور فيها زائدا على الحالة الطبيعة ، فكأنه يقول : إن لم تنورها فأبقها على الحالة الطبيعية ولا تسودها « والكتاب » كتاب الحسنات وإعطائه باليمين علامة الفلاح يوم القيامة كما قال تعالى «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً »(١) .

قولهعليه‌السلام « والخلد بيساري » في سائر الكتب والخلد في الجنان يحتمل وجوها :

الأول : أن المراد بالخلد الكتاب المشتمل على توقيع كونه مخلدا في الجنان على حذف المضاف ، وباليسار اليد اليسرى ، والباء صلة لأعطني ، كما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : يعطى كتاب أعمال العباد بإيمانهم وبراءة الخلد في الجنان بشمائلهم ، وهو أظهر الوجوه.

الثاني : أن المراد باليسار اليسر خلاف العسر كما قال تعالى «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » فالمراد هنا طلب الخلود في الجنة من غير أن يتقدمه عذاب النار وأهوال يوم القيامة وسهولة الأعمال الموجبة له.

الثالث : أن يراد باليسار مقابل الإعسار أي اليسار بالطاعات ، أي أعطني الخلد في الجنان بكثرة طاعاتي فالباء للسببية فيكون في الكلام إيهام التناسب و

__________________

(١) الإنشقاق : ٩.

١٩٥

وبركاتك وعفوك ثم مسح على رجليه فقال : اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ثم التفت إلى محمد فقال :

_________________________________________

وهو الجمع بين المعنيين المتناسبين بلفظين لهما معنيان متناسبان ، كما قيل في قوله تعالى «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ »(١) فإن المراد بالنجم ما ينجم من الأرض أي ما يظهر ولا ساق له كالبقول ، وبالشجر ما له ساق فالنجم. بهذا المعنى وإن لم يكن مناسبا للشمس والقمر لكنه بمعنى الكواكب يناسبها وهذا الوجه مع لطفه لا يخلو من بعد.

الرابع : أن الباء للسببية أي أعطني الخلد بسبب غسل يساري وعلى هذا فالباء في قوله ـ بيميني أيضا للسببية ، ولا يخفى بعده لا سيما في اليمين لأن إعطاء الكتاب مطلقا ضروري ، وإنما المطلوب الإعطاء باليمين الذي هو علامة الفائزين أقول في سائر الكتب بعد قوله بيساري وحاسبني حسابا يسيرا.

وقال الشهيد الثاني قدس الله روحه : لم يطلب دخول الجنة بغير حساب لمقامه واعترافا بتقصيره عن الوصول إلى هذا القدر من القرب لأنه مقام الأصفياء ، بل طلب سهولة الحساب تفضلا من الله تعالى وعفوا عن المناقشة بما يستحقه وتحرير الحساب بما هو أهله ، وفيه مع ذلك اعتراف بحقية الحساب مضافا إلى الاعتراف بأخذ الكتاب وذلك بعض أحوال يوم الحساب.

و قولهعليه‌السلام « اللهم لا تعطني كتابي بشمالي » إشارة إلى قوله سبحانه «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ». «فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً »(٢) وقوله « ولا من وراء ظهري » كما في غير نسخ الكتاب « ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي » إلى ما روي من أن المجرمين يعطى كتابهم من وراء ظهورهم بشمائلهم حالكونها مغلولة إلى أعناقهم.

قولهعليه‌السلام « من مقطعات النيران » قال الجزري : المقطع من الثياب كل

__________________

(١) الرحمن : ٦.

(٢) الإنشقاق : ١٠.

١٩٦

يا محمد من توضأ بمثل ما توضأت وقال مثل ما قلت خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره ويهلله ويكتب له ثواب ذلك

_________________________________________

ما يفصل ويخاط من قميص وغيره ، انتهى. وهذا إشارة إلى قوله تعالى «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ »(١) فإما أن تكون جبة وقميصا حقيقة من النار ، مثل الرصاص والحديد ، أو تكون كناية عن لصدوق النار بهم كالجبة والقميص ، ولعل السر في كون ثياب النار مقطعات أو التشبيه بها كونها أكثر اشتمالا على البدن من غيرها ، فالعذاب بها أشد ، وفي بعض نسخ الحديث والدعاء مفظعات بالفاء والظاء المعجمة جمع مفظعة بكسر الظاء من فظع الأمر بالضم فظاعة فهو فظيع أي شديد شنيع ، وهو تصحيف ، والأول موافق للاية الكريمة حيث يقول «فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ ».

و « التغشية » التغطية و « البركة » النماء والزيادة. وقال في النهاية : في قولهم ـ وبارك على محمد وآل محمد ـ أي أثبت لهم وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة ، وهو من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه ، وتطلق البركة أيضا على الزيادة ، والأصل الأول ، انتهى. ولعل الرحمة بالنعم الأخروية أخص ، كما أن البركة بالدنيوية أنسب ، كما يفهم من موارد استعمالهما ، ويحتمل التعميم فيهما ، وقال الوالدقدس‌سره : يمكن أن تكون الرحمة عبارة عن نعيم الجنة وما يوصل إليها ، والبركات عن نعيم الدنيا الظاهرة والباطنة من التوفيقات للأعمال الصالحة والعفو عن الخلاص من غضب الله وما يؤدي إليه.

قولهعليه‌السلام « من كل قطرة » أي بسببها أو من عملها ، بناء على تجسم الأعمال ، والتسبيح والتقديس مترادفان بمعنى التنزيه ، ويمكن تخصيص التقديس بالذات والتسبيح بالصفات والتكبير بالأفعال وقولهعليه‌السلام « إلى يوم القيمة » إما متعلق بيكتب أو بخلق ، أو بهما وبالأفعال الأربعة على التنازع.

__________________

(١) الحجّ : ١٩.

١٩٧

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن محمد بن قيس قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول وهو يحدث الناس بمكة صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفجر ثم جلس مع أصحابه حتى طلعت الشمس فجعل يقوم الرجل بعد الرجل حتى لم يبق معه إلا رجلان أنصاري وثقفي فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد علمت أن لكما حاجة وتريدان أن تسألا عنها فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني وإن شئتما فاسألا عنها قالا بل تخبرنا قبل أن نسألك عنها فإن ذلك أجلى للعمى وأبعد من الارتياب وأثبت للإيمان فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما أنت يا أخا ثقيف فإنك جئت أن تسألني عن وضوئك وصلاتك ما لك في ذلك من الخير أما وضوؤك فإنك إذا وضعت يدك في إنائك ثم قلت بسم الله تناثرت منها ما اكتسبت من الذنوب فإذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبتها عيناك بنظرهما وفوك فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك وشمالك فإذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك فهذا لك في وضوئك.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الوضوء شطر الإيمان.

٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن بعض أصحابنا ، عن إسماعيل بن مهران ، عن صباح

_________________________________________

الحديث السابع : صحيح على الظاهر ، وإن قيل باشتراك محمد بن قيس.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

ويحتمل أن يكون المراد بالشطر الجزء والنصف وعلى التقديرين يمكن أن يراد بالإيمان الصلاة كما قال تعالى «وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ »(١) أي صلاتكم أو الإيمان المشتمل على العبادات لأنه أحد إطلاقاته. في الأخبار.

الحديث التاسع : مرسل ، وظاهره الأعم من التجديد.

__________________

(١) البقرة : ١٤٣.

١٩٨

الحذاء ، عن سماعة قال كنت عند أبي الحسنعليه‌السلام فصلى الظهر والعصر بين يدي وجلست عنده حتى حضرت المغرب فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة ثم قال لي توضأ فقلت جعلت فداك أنا على وضوئي فقال وإن كنت على وضوء إن من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلا الكبائر ومن توضأ للصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر.

١٠ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الطهر على الطهر عشر حسنات.

١١ ـ محمد بن الحسن وغيره ، عن سهل بن زياد بإسناده ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا فرغ أحدكم من وضوئه فليأخذ كفا من ماء فليمسح به قفاه يكون ذلك فكاك رقبته من النار.

١٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قلت له الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال :

_________________________________________

الحديث العاشر : مرسل.

ويشمل الوضوء بعد الغسل بل الغسل بعد الغسل أيضا ، ولم أر التصريح بهما في كلامهم.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

والظاهر أنه محمول على التقية ، ويحتمل أن يكون الثواب على هذا الفعل للتقية.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.

والمشهور بين الأصحاب عدم جواز التوضؤ والاغتسال بالمضاف مطلقا وخالف فيه ابن بابويه فجوز رفع الحدث بماء الورد ، ولم يعتبر المحقق خلافه حيث ادعى الإجماع على عدم حصول الرفع به لمعلومية نسبه ، أو لانعقاد الإجماع بعده ، والمعتمد المشهور ، احتج ابن بابويه بهذه الرواية ، وقال في المدارك : وهو ضعيف لاشتمال

١٩٩

لا بأس بذلك.

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الوهاب ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن هشام بن سالم ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عمن مس عظم الميت قال إذا كان سنة فليس به بأس.

١٤ ـ محمد بن يحيى رفعه ، عن أبي حمزة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد ولا يجلسان فيها.

_________________________________________

سنده على سهل بن زياد ، ومحمد بن عيسى عن يونس ، وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد أنه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى ، عن يونس ، وحكم الشيخ في كتاب الأخبار بشذوذ هذه الرواية وأن العصابة أجمعت على ترك العمل بظاهرها ، ثم أجاب عنها باحتمال أن يكون المراد بالوضوء التحسين والتنظيف ، أو أن يكون المراد بماء الورد الماء الذي وقع فيه الورد دون أن يكون معتصرا منه ، وما هذا شأنه فهو بالإعراض عنه حقيق ، ونقل المحقق في المعتبر اتفاق الناس جميعا على أنه لا يجوز الوضوء بغير ماء الورد من المائعات.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

قولهعليه‌السلام « إذا جاز سنة » كأنه لذهاب الدسومة التي تكون في العظم ، والمراد بالعظم عظم الميتة من الحيوانات ، أو الميت الذي لم يغسل ، ويحتمل أن يكون السؤال باعتبار غسل المس.

الحديث الرابع عشر : مرفوع.

قولهعليه‌السلام « فاحتلم » أي رأى في النوم ما يوجب الاحتلام.

قولهعليه‌السلام « فليتيمم » قال في المدارك : هذا مذهب أكثر علمائنا ، ومستنده

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403