أمالي المرتضى الجزء ٢

أمالي المرتضى19%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 403

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64536 / تحميل: 9551
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وإنما اشترط في كونه عبدا للضيف في البيت الأول والثاني(١) ثواءه ونزوله(١) مؤثرا له؛ ليعلم(٢) أن الخدمة لضيفه لم تكن لضعة قدره(٢) ، بل لما يوجبه الكرم من حق الأضياف(٣) ، وأنه يخرج عن أن يكون مخدوما بخروجه من أن يكون ضيفا. ولو قال: (وإني لعبد الضيف) ولم يشرط(٤) لم يحصل هذا المعنى الجليل.

____________________

(١ - ١) حاشية الأصل (من نسخة): مدة ثوائه ونزوله).

(٢ - ٢) م: أن الخدمة لم تكن لضعة وصغر قدر).

(٣) حاشية الأصل (من نسخة): (الإضافة).

(٤) م: (يشترط).

١٦١

مجلس آخر

[٦٤]

تأويل آية :( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً )

إن سأل سائل فقال: بم تدفعون من خالفكم في الاستطاعة، وزعم أن المكلّف يؤمر بما لا يقدر عليه ولا يستطيعه إذا تعلق بقوله تعالى:( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) ؛ [الإسراء: ٤٨] فإن الظاهر من هذه الآية يوجب أنهم غير مستطيعين للأمر الّذي هم غير فاعلين له، وأن القدرة مع الفعل. وإذا تعلق بقوله تعالى:

في قصة موسى عليه السلام:( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) ؛ [الكهف: ٦٧]؛ وأنه نفى أن يكون قادرا على الصبر في حال هو فيها غير صابر؛ وهذا يوجب أنّ القدرة مع الفعل.

وبقوله تعالى:( ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ ) ؛ [هود: ٢٠].

الجواب، يقال له: أول ما نقوله: إنّ المخالف لنا في هذا الباب من الاستطاعة لا يصحّ له فيه التعلّق بالسمع؛ لأن مذهبه لا يسلم معه صحة السمع، ولا يتمكن مع المقام عليه من معرفة السمع بأدلته؛ وإنما قلنا ذلك؛ لأن من جوّز تكليف الله تعالى الكافر الإيمان وهو لا يقدر عليه لا يمكنه العلم بنفي القبائح عن الله عز وجل؛ وإذا لم يمكن ذلك فلا بدّ من أن يلزمه تجويز القبائح في أفعاله وأخباره؛ ولا يأمن من أن يرسل كذابا، وأن يخبر هو بالكذب - تعالى عن ذلك! فالسمع إن كان كلامه قدح في حجته تجويز الكذب عليه، وإن كان كلام رسوله قدح فيه ما يلزمه من تجويز تصديق الكذّاب؛ وإنما طرق ذلك تجويز بعض القبائح عليه.

وليس لهم أن يقولوا: إن أمره تعالى الكافر بالإيمان وإن لم يقدر عليه يحسن من حيث أتى الكافر فيه من قبل نفسه؛ لأنه تشاغل بالكفر فترك الإيمان. وإنما كان يبطل تعلّقنا بالسمع لو أضفنا ذلك إليه تعالى على وجه يقبح؛ وذلك لأن ما قالوه إذا لم يؤثّر في كون ما ذكرناه

١٦٢

تكليفا لما لا يطاق لم يؤثر في نفي ما ألزمناه عنهم؛ لأنه يلزم على ذلك أن يفعل الكذب وسائر القبائح، وتكون حسنة منه بأن يفعلها من وجه لا يقبح منه.

وليس قولهم: إنا لم نضفه إليه من وجه يقبح بشيء يعتمد؛ بل يجري مجرى قول من جوّز عليه تعالى أن يكذب، ويكون الكذب منه تعالى حسنا؛ ويدّعي مع ذلك صحة معرفة السمع بأن يقول: إنني لم أضف إليه تعالى قبيحا، فيلزمني إفساد طريقة السمع، فلما كان من ذكرناه لا عذر له في هذا الكلام لم يكن للمخالف في الاستطاعة عذر بمثله.

ونعود إلى تأويل الآي؛ أما قوله تعالى:( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) فليس فيه ذكر للشيء الّذي لا يقدرون عليه، ولا بيان له، وإنما يصح ما قالوه لو بين أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى أمر معين؛ فأما ولم يذكر ذلك فلا متعلّق لهم.

فإن قيل: فقد ذكر تعالى من قبل ضلالهم؛ فيجب أن يكون المراد بقوله:( فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) إلى مفارقة الضلال.

قلنا: إنه تعالى كما ذكر الضلال فقد ذكر ضرب المثل؛ فيجوز أن يريد أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من الأمثال وذلك غير مقدور على الحقيقة، ولا مستطاع.

والظاهر بهذا الوجه أولى؛ لأنه تعالى حكى أنهم ضربوا له الأمثال، وجعل ضلالهم وأنهم لا يستطيعون السبيل متعلّقا بما تقدّم ذكره. وظاهر ذلك يوجب رجوع الأمرين جميعا إليه، وأنهم ضلّوا بضرب المثل، وأنهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من المثل؛ على أنه تعالى قد أخبر عنهم بأنهم ضلّوا، وظاهر ذلك الإخبار عن ماضي فعلهم.

فإن كان قوله تعالى:( فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) يرجع إليه، فيجب أن يدلّ على أنهم

١٦٣

لا يقدرون على ترك الماضي؛ وهذا مما لا نخالف فيه(١) وليس فيه ما نأباه(١) من أنهم لا يقدرون في المستقبل أو في الحال على مفارقة الضلال والخروج عنه بعد تركه.

وبعد؛ فإذا لم يكن للآية ظاهر، فلم صاروا بأن يحملوا نفي الاستطاعة على أمر كلّفوه أولى منا إذا حملنا ذلك على أمر لم يكلّفوه، أو على أنه أراد الاستثقال والخبر عن عظم المشقة عليهم.

وقد جرت عادة أهل اللغة بأن يقولوا لمن يستثقل شيئا: إنه لا يستطيعه، ولا يقدر عليه، ولا يتمكّن منه؛ ألا ترى أنهم يقولون: فلان لا يستطيع أن يكلّم فلانا، ولا ينظر إليه، وما أشبه ذلك، وإنما غرضهم الاستثقال وشدة الكلفة والمشقة.

فإن قيل: فإذا كان لا ظاهر للآية يشهد بمذهب المخالف، فما المراد بها عندكم؟.

قلنا: قد ذكر أبو علي أن المراد أنهم لا يستطيعون إلى بيان تكذيبه سبيلا، لأنه ضربوا الأمثال؛ ظنا منهم بأن ذلك يبيّن كذبه، فأخبر تعالى أن ذلك غير مستطاع؛ لأنّ تكذيب صادق، وإبطال حق مما لا تتعلق به قدرة، ولا تتناوله استطاعة.

وقد ذكر أبو هاشم أن المراد بالآية أنهم لأجل ضلالهم بضرب المثل وكفرهم لا يستطيعون سبيلا إلى الخير الّذي هو النجاة من العقاب والوصول إلى الثواب.

وليس يمكن على هذا أن يقال: كيف لا يستطيعون سبيلا إلى الخير والهدى، وهم عندكم قادرون على الإيمان والتوبة؟ ومتى فعلوا ذلك استحقوا الثواب؛ لأن المراد أنهم مع التمسك بالضلال والمقام على الكفر لا سبيل لهم إلى خير وهدى؛ وإنما يكون لهم سبيل إلى ذلك بأن يفارقوا ما هم عليه.

وقد يمكن أيضا في معنى الآية ما تقدّم ذكره من أن المراد بنفي الاستطاعة عنهم أنهم مستثقلون للإيمان؛ وقد يخبر عمن استثقل شيئا بأنه لا يستطيعه على ما تقدم ذكره.

____________________

(١ - ١) حاشية الأصل (من نسخة): (وليس مما نأباه).

١٦٤

فأما قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام:( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) فظاهره يقتضي أنك لا تستطيع ذلك في المستقبل؛ ولا يدلّ على أنه غير مستطيع للصبر في الحال أن يفعله في الثاني.

وقد يجوز أن يخرج في المستقبل من أن يستطيع ما هو في الحال مستطيع له؛ غير أن الآية تقتضي خلاف ذلك؛ لأنه قد صبر عن المسألة أوقاتا، إن ولم يصبر عنها في جميع الأوقات، فلم تنتف الاستطاعة للصبر عنه في جميع الأحوال المستقبلة.

على أن المراد بذلك واضح، وأنه تعالى خبّر عن استثقاله الصبر عن المسألة عما لا يعرف ولا يقف عليه؛ لأن مثل ذلك يصعب على النفس؛ ولهذا نجد أحدنا إذا وجد(١) بين يديه ما ينكره ويستبعده تنازعه نفسه إلى المسألة عنه، والبحث عن حقيقته، ويثقل عليه الكفّ عن الفحص عن أمره؛ فلما حدث من صاحب موسى ما يستنكر ظاهره استثقل الصبر عن المسألة عن ذلك.

ويشهد بهذا الوجه قوله تعالى:( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ) ؛ [الكهف: ٦٨]؛ فبيّن تعالى أن العلة في قلة صبره ما ذكرناه دون غيره، ولو كان على ما ظنوا لوجب أن يقول: وكيف تصبر وأنت غير مطيق للصبر!

فأما قوله تعالى:( ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ ) فلا تعلّق لهم بظاهره؛ لأن السمع ليس بمعنى فيكون مقدورا، لأن الإدراك على المذهب الصحيح ليس بمعنى، ولو ثبت أنه معنى على ما يقوله أبو علي لكان أيضا غير مقدور للعبد من حيث يختصّ القديم تعالى بالقدرة عليه.

هذا إن أريد بالسمع الإدراك؛ وإن أريد به نفس الحاسة فهي أيضا غير مقدورة للعباد؛ لأن الجواهر وما تخصّ به الحواس من البنية والمعاني ليصحّ به الإدراك مما ينفرد به القديم تعالى في القدرة عليه. فالظاهر لا حجّة لهم فيه.

____________________

(١) ف، حاشية الأصل (من نسخة): (إذا جرى بين يديه).

١٦٥

فإن قالوا: فلعلّ المراد بالسمع كونهم سامعين؛ كأنه تعالى نفى عنهم استطاعة أن يسمعوا.

قلنا: هذا خلاف الظاهر؛ ولو ثبت أن المراد ذلك لحملنا نفي الاستطاعة هاهنا على ما تقدم ذكره من الاستثقال وشدة المشقة، كما يقول القائل: فلان لا يستطيع أن يراني، ولا يقدر أن يكلّمني؛ وما أشبه ذلك، وهذا بيّن لمن تأمله.

تأويل خبر [يسار عن معاوية بن الحكم]

إن سأل سائل فقال: ما تأويل ما رواه يسار عن معاوية بن الحكم قال: قلت يارسول الله، كانت لي جارية كانت ترعى غنما لي، قبل أحد، فذهب الذئب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف، كما يأسفون، لكنّني(١) غضبت فصككتها صكّة، قال: فعظم ذلك على النبي صلى الله عليه وآله، قال، قلت: يارسول الله؛ أفلا أعتقها؟ قال: (ائتني بها)، فأتيته بها فقال لها: (أين الله؟) فقالت: في السماء، قال: (من أنا) ؟ قالت: أنت رسول الله، فقال عليه السلام: (أعتقها(٢) فإنها مؤمنة).

الجواب، أما قوله: (أنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون) فمعناه أغضب كما يغضبون، قال محمد بن حبيب: الأسف: الغضب، وأنشد للراعي:

فما لحقتني العيس حتّى وجدتني

أسيفا على حاديهم المتجرّد

والأسف أيضا الحزن؛ قال ابن الأعرابي: الأسف: الحزن، والأسف: الغضب، قال كعب بن زهير:

____________________

(١) د، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (لكنني).

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (فأعتقها).

١٦٦

في كلّ يوم أرى فيه مبيّنة

تكاد تسقط منّي منّة أسفا(١)

وقوله: (ولكني غضبت فصككتها) أراد لطمتها، يقال: صكّ جبهته، إذا لطمها بيده؛ قال الله تعالى:( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها ) ؛ [الذاريات: ٢٩]؛ وقال بشر بن أبي خازم يصف حمار وحش وأتانا:

فتصكّ محجره إذا ما سافها

وجبينه بحوافر لم تنكب(٢)

سافها: أي شمها.

وقولها: (في السماء) ؛ فالسماء هي الارتفاع والعلو، فمعنى ذلك أنّه تعالى عال في قدرته، عزيز في سلطانه، لا يبلغ ولا يدرك. ويقال: سما فلان يسمو سموّا، إذا ارتفع شأنه علا أمره، قال الله تعالى:( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ. أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ) ؛ [الملك: ١٦، ١٧] فأخبر بقدرته وسلطانه وعلوّ شأنه ونفاذ أمره.

وقد قيل في قوله تعالى:( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ ) غير هذا، وأن المراد: أأمنتم من في السماء أمره وآياته ورزقه؛ وما جرى مجرى ذلك. وقال أمية بن أبي الصلت شاهدا لما تقدم:

وأشهد أنّ الله لا شيء فوقه

عليّا وأمسى ذكره متعاليا

وقال سليمان بن يزيد العدوي:

لك الحمد ياذا الطّول والملك والغنى

تعاليت محمودا كريما وجازيا

علوت على قرب بعزّ وقدرة

وكنت قريبا في دنوّك عاليا(٣)

____________________

(١) ديوانه: ٧٠. المنة: القوة؛ وفي حاشيتي الأصل، ف: قبله:

بان الشباب وأمسى الشّيب قد أزفا

ولا أرى لشباب ذاهب خلفا

عاد السواد بياضا في مفارقه

لا مرحبا ها بذا اللّون الّذي ردفا

(٢) محجر العين: ما دار بها؛ ويقال: نكبت الحجارة خف البعير إذا أصابته وأدمته.

(٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (في علوك دانيا).

١٦٧

والسماء أيضا سقف البيت، ومنه قوله تعالى:( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ الله فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ ) ؛ [الحج: ١٥].

وقال ابن الأعرابي: يقال لأعلى البيت: سماء البيت، وسماوته، وسراته، وصهوته؛ والسماء أيضا: المطر قال الله تعالى:( وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً ) ؛ [الأنعام: ٦]. ومنه الحديث الّذي رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله مر على صبرة طعام؛ فأدخل عليه السلام يده فيها، فنالت أصابعه بللا؛ فقال: ما هذا ياصاحب البرّ؟ قال: أصابته السماء يارسول الله، قال عليه السلام: (أو لا جعلته فوق الطّعام، يراه الناس! من غشّ فليس منا). وقال المثقّب العبدي:

فلمّا أتاني والسّماء تبلّه

فقلت له: أهلا وسهلا ومرحبا

ويقال أيضا لظهر الفرس: سماء؛ كما يقال في حوافره: أرض. ولبعضهم في فرس:

وأحمر كالدّينار، أمّا سماؤه

فخصب، وأما أرضه فمحول(١)

وإنما أراد أنه سمين الأعلى، عريان القوائم ممشوقها؛ وكل معاني السماء التي تتصرف وتتنوع ترجع إلى معنى الارتفاع والعلو والسموّ؛ وإن اختلفت المواضع التي أجريت هذه اللفظة فيها.

وأولى المعاني بالخبر الّذي سئلنا عنه ما قدّمناه من معنى العزة وعلو الشأن والسلطان، وما عدا ذلك من المعاني لا تليق به تعالى؛ لأنّ العلوّ بالمسافة لا يجوز على القديم تعالى الّذي ليس بجسم ولا جوهر ولا حالّ فيهما؛ ولأن الخبر والآية التي تضمنت أيضا ذكر السماء خرجت مخرج المدحة، ولا تمدّح في العلو بالمسافة؛ وإنما التمدّح بالعلو والشأن والسلطان ونفاذ الأمر؛ ولهذا لا تجد أحدا من العرب مدح غيره في شعر أو نثر بمثل هذه اللفظة؛ وأراد بها علوّ المسافة؛ بل لا يريدون إلا ما ذكرناه من معنى العلوّ في الشأن؛ وإنما يظن في هذا الموضع خلاف هذا من لا فطنة عنده ولا بصيرة له؛ والحمد للّه رب العالمين.

____________________

(١) البيت لطفيل الغنوي، وهو في ملحقات ديوانه ٦٣، واللسان (سما).

١٦٨

مجلس آخر

[٦٥]

تأويل آية :( حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ ) ؛ [هود: ٤٠]:

الجواب، قلنا: أمّا التنور فقد ذكر في معناه وجوه:

أولها أنّه أراد بالتنوّر وجه الأرض؛ وأنّ الماء نبع وظهر على وجه الأرض وفار؛ وهذا قول عكرمة، وقال ابن عباس مثله، والعرب تسمي وجه الأرض تنوّرا.

وثانيها أن يكون المعنى أن الماء نبع من أعالي الأرض، وفار من الأماكن المرتفعة منها؛ وهذا قول قتادة؛ وروي عنه في قوله تعالى:( وَفارَ التَّنُّورُ ) ؛ قال: ذكر لنا أنه أرفع الأرض وأشرفها.

وثالثها أن يكون المراد ب( فارَ التَّنُّورُ ) أي برز النّور، وظهر الضوء، وتكاثفت حرارة دخول النهار، وتقضّى الليل. وهذا القول يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ورابعها أن يكون المراد بالتنوّر الّذي يختبز فيه على الحقيقة؛ وأنه تنور كان لآدم عليه السلام(١) . وقال قوم: إن التّنّور كان في دار نوح عليه السلام بعين وردة(٢) من أرض الشام. وقال آخرون: بل كان التنّور في ناحية الكوفة؛ والّذي(٣) روي عنه أن التنّور هو تنور الخبز الحقيقي ابن عباس والحسن ومجاهد وغيرهم.

____________________

(١) م: (لآدم عليه السلام أبي البشر).

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: وردة: اسم امرأة؛ تنسب العين إليها).

(٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (والذين روى عنهم).

١٦٩

وخامسها أن يكون معنى ذلك: اشتدّ غضب الله تعالى عليهم، وحلّ وقوع نقمته بهم؛ فذكر تعالى التّنّور مثلا لحضور العذاب، كما تقول العرب: قد حمي الوطيس(١) ؛ إذا اشتد الحرب، وعظم الخطب. والوطيس هو التّنّور. وتقول العرب أيضا: قد فارت قدر القوم إذا اشتد حربهم؛ قال الشاعر:

تفور علينا قدرهم فنديمها

ونفثؤها عنّا إذا حميها غلا(٢)

أراد بقدرهم حربهم، ومعنى نديمها: نسكّنها، ومن ذلك الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن البول في الماء الدائم؛ يعني الساكن. ويقال: قد دوّم الطائر في الهواء، إذا بسط جناحيه وسكنهما ولم بخفق بهما. ونفثؤها، معناه نسكّنها؛ يقال: قد فثأت غضبه عني، وفثأت الحارّ بالبارد إذا كسرته به.

وسادسها أن يكون التنّور الباب الّذي يجتمع فيه ماء السفينة؛ فجعل فوران الماء منه والسفينة(٣) على الأرض علما على ما أنذر به من إهلاك قومه؛ وهذا القول يروى عن الحسن.

وأولى الأقوال بالصواب قول من حمل الكلام على التنّور الحقيقي؛ لأنه الحقيقة وما سواه مجاز؛ ولأن الروايات الظاهرة تشهد له؛ وأضعفها وأبعدها من شهادة الأثر قول من حمل ذلك على شدة الغضب واحتداد الأمر تمثيلا وتشبيها؛ لأن حمل الكلام على الحقيقة التي تعضدها الرواية أولى من حمله على المجاز والتوسع مع فقد الرواية.

وأي المعاني أريد بالتنوّر فإن الله تعالى جعل فوران الماء منه علما لنبيّه؛ وآية تدلّ على نزول العذاب بقومه؛ لينجو بنفسه وبالمؤمنين.

____________________

(١) حاشية الأصل: (روي أن أول من تكلم بحمي الوطيس رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال عليه السلام: (الآن حمي الوطيس).

(٢) البيت في اللسان (فثأ)، ومقاييس اللغة (٢: ٣١٥) منسوبا إلى النابغة الجعدي.

(٣) ضبطت في الأصل بالفتح والضم معا؛ وفي حاشية الأصل: (إذا نصبت كان عطفا على (فوران) ويكون (على الأرض) حالا؛ والرفع أولى).

١٧٠

فأما قوله تعالى:( مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) فقد قيل: المراد به: احمل من كلّ ذكر وأنثى اثنين، وإنه يقال لكل واحد من الذكر والأنثى زوج.

وقال آخرون: الزوجان هاهنا الضربان؛ وقال آخرون: الزوج: اللون؛ وإن كل ضرب يسمى زوجا؛ واستشهدوا ببيت الأعشى(١) :

وكلّ زوج من الدّيباج يلبسه

أبو قدامة مجبورا بذاك معا(٢)

ومعنى( مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) ؛ أي من أخبر الله تعالى بعذابه وحلول الهلاك به.

والله أعلم بمراده.

تأويل خبر [ (رأيت النبي صلى الله عليه وآله في المنام وأنا أشكو إليه ما لقيت من الأود واللّدد) ]

إن سأل سائل عن الخبر الّذي يرويه شريك بن عمار الدّهني(٣) عن أبي صالح الحنفي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله في المنام وأنا أشكو إليه ما لقيت من الأود واللّدد).

الجواب، يقال له: أما الأود فهو الميل، تقول العرب: لأقيمنّ ميلك، وجنفك، وأودك، ودرأك، وضلعك، وصدغك، وظلعك (بالظاء)، وصغوك، وصعرك، وصددك؛ كل هذا بمعنى واحد.

وقال ثعلب: الأود إذا كان من الإنسان في كلامه ورأيه فهو عوج؛ وإذا كان في الشيء المنتصب مثل عصا وما أشبهها فهو عوج؛ وهذا قول الناس كلّهم إلا أبا عمرو الشيباني؛

____________________

(١) ديوانه: ٨٦؛ وفي حاشية الأصل: (قبله:

له أكاليل بالياقوت زيّنها

صواغها، لا ترى عيبا ولا طبعا

يمدح هوذة بن علي؛ ولم يلبس التاج معدّي غيره).

(٢) حاشية الأصل: (مجبورا؛ من الجبر، وهو الإصلاح). وفي ديوانه: (محبوا) ؛ وفي حاشية الأصل (من نسخة): (محبو؛ أي هو محبو).

(٣) في م: (شريك عن عمار الذهني) ؛ وهو تحريف، وبنو دهن: حي من العرب.

١٧١

فإنه قال: العوج، بالكسر: الاسم، والعوج، بالفتح: المصدر. وقال ثعلب: كأنه مصدر عوج يعوج عوجا؛ ويقال: عصا معوجّة، وعود معوج؛ وليس في كلامهم معوّج.

وأما اللّدد؛ فقيل: هو الخصومات، وقال ثعلب: يقال رجل ألدّ، وقوم لدّ إذا كانوا شديدي الخصومة؛ ومنه قول الله تعالى:( وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ) ؛ [البقرة: ٢٠٤].

وقال الأموي: اللدد: الاعوجاج، والألدّ في الخصومة: الّذي ليس بمستقيم، أي هو أعوج الخصومة؛ يميل فلا يقوى عليه ولا يستمكن(١) منه، ومن ذلك قولهم: لدّ الصّبي، وإنما يلدّ في شقّ فيه؛ وليس (يلدّ) مستقيما؛ فهو يرجع إلى معنى الميل والاعوجاج. وقال:

فسّر لنا الحكم بن ظهير، فقال: ألدّ الخصام، أي أعوج الخصام، وأنشد أبو السمح لابن مقبل:

لقد طال عن دهماء لدي وعذرتي

وكتمانها أكنى بأمّ فلان

جعلت لجهّال الرّجال مخاضة

ولو شئت قد بيّنتها بلساني

اللّد: الجدال والخصومة.

وقال أبو عمرو: الألد: الّذي لا يقبل الحق، ويطلب الظلم.

وقوله: (مخاضة) يقول: إنهم يخوضون في شعري ويطلبون معانيه، فلا يقفون عليه.

وأنشد أبو السمح:

لا تفتر الكذب القبيح فإنّه

للمرء معيبة وباب لئام

واصدق بقولك حين تنطق؛ إنّه

للصّدق فضل فوق كلّ كلام

وإذا صدقت على الرّجال خصمتهم

والصّدق مقطعة على الظّلام

وإذا رماك غشوم قوم فارمه

بألدّ مشتغر المدى غشّام

لا تعرضنّ على العدوّ وسيلة

واحذر عدوّك عند كلّ مقام

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (يتمكن).

١٧٢

واعلم بأنه ليس يوما نافعا

عند اللّئيم وسائل الأرحام

ما لم يخفك ويلق عندك جانبا

خشنا وتصبحه بكأس سمام

وإذا حللت(١) بمأزق فاكرم به

حتّى تفرّج حلبة الإظلام

واصبر على كرب البلاء فإنّه

ليس البلاء على الفتى بلزام

واعلم بأنّك ميّت ومحدّث

عمّا فعلت معاشر الأقوام

معنى قوله (مشتغر المدى)، أي بعيد المدى.

ومعنى قوله:

* لا تعرضنّ على العدوّ وسيلة*

أي لا تقاربه ولا تصانعه ولا يكن بينك وبينه إلا صدق العداوة.

وأنشد أيضا شاهدا لما تقدم:

ياوهب أشبه باطلي وجدّي

أشبهت أخلاقي فأشبه مجدي

* وجدّ لي عند الخصوم اللّدّ*

***

قال سيدنا أدام الله تمكينه: ومن أحسن ما وصف به الثغر قول فضالة بن وكيع البكري:

تبسّم عن حمّ اللّثات كأنّها

حصى برد أو أقحوان كثيب

إذا ارتفعت عن مرقد علّلت به

من اليانع الغوري فرع قضيب

قضيب نجاه الرّكب أيام عرّفوا

لها من ذرى مال النّبات خضيب

يعني من يانع الأراك. ومعنى نجاه، أي قطعه، ومثله استنجاه أيضا، ومال النبات، أي ناعمه وحسنه، يقال: عشب مال ومادّ، سواء، أي ميّاد ناعم.

ومعنى - أيام عرفوا، أي اجتنوه من عرفات، وذكر أنه خضيب بالطيب الّذي بيديها لإدمانها لاستعماله.

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (وإذا حبست).

١٧٣

وقال الأخطل يصف ثغرا:

شتيتا يرتوي الظمآن منه

إذا الجوزاء أجحرت الضّبابا(١)

الشتيت: المفرق المفلّج الّذي ليس بمتراكب -

ومعنى قوله:

* إذا الجوزاء أجحرت الضبابا*

فيه وجهان: أحدهما أنه أراد عند سقوط الجوزاء؛ وذلك في شدة البرد وطول الليل إذا اتجحرت الضباب من البرد، وتغيرت الأفواه لطول ليل الشتاء؛ يقول: فثغرها حينئذ عذب غير متغيّر.

والوجه الآخر أنه أراد عند طلوع الجوزاء في شدة الحر إذا انجحرت الضّباب من شدة الحر والقيظ؛ فالظمآن حينئذ أشدّ عطشا وأحرّ غلّه ، فريقها يرويه ويبرد غلّته.

وقال آخر:

فويل بها(٢) لمن تكون ضجيعه

إذا ما الثّريّا ذبذبت كلّ كوكب

قوله: (فويل بها) من الزّجر المحمود: مثل قولهم: ويل أمه ما أشجعه! فكأنه يقول: نعم الضجيع هي عند السّحر، إذا تحادرت النجوم للمغيب، كما قال ذو الرّمة:

وأيدي الثّريّا جنّح في المغارب(٣)

____________________

(١) حاشية الأصل: (قبله:

أفاطم أعرضي قبل المنايا

كفى بالموت هجرا واجتنابا

برقت بعارضيك ولم تجودي

ولم يك ذاك من نعمى ثوابا

كذلك أخلفتنا أم بشر

على أن قد جلت غرّا عذابا

وانظر الديوان ص ٥٥.

(٢) حاشية الأصل: (نسخة س: (فويل أمها).

(٣) ديوانه: ٥٥، وصدره:

* ألا طرقت مي هيوما بذكرها*

١٧٤

ومثل قول الآخر:

نعم شعار الفتى إذا برد اللّي

ل سحيرا وقفقف الصّرد(١)

وإنما يعني أنها في ذلك الوقت الّذي تتغير فيه الأفواه طيبة الريق عذبته.

وأنشد أبو العباس المبرّد لأم الهيثم:

وعارض كجانب العراق

أنبت برّاقا من البرّاق(٢)

يذاق(٣) مثل العسل المراق(٤)

قال أبو العباس: في هذا قولان:

أحدهما أنه وصفت ثغرا. وعارضاه: جانباه، والعراق: ما يثنى ثم يخرز كعراق القربة، فأخبرت أنه ليس فيه اعوجاج ولا تراكب ولا نقص.

وقولها:

* أنبت براقا من البرّاق*

أي ما تنبته الأرض إذا مطرت من النّور.

قال المبرّد: والقول الأول عندنا أصح لذكرها العسل.

وأنشد أحمد بن يحيى لتأبط شرا(٥) :

____________________

(١) من القفقفة؛ وهي الرعدة، والصرد: الّذي آلمه الصرد؛ وهو شدة البرد؛ والبيت في اللسان (قفف)، والكامل - بشرح المرصفي ٣: ٦٣، وذكر بعده:

زيّنها الله في الفؤاد كما

زيّن في عين والد ولد

وهو أيضا في كتاب الألفاظ ١٢١، ٢١٢؛ وذكر قبله:

ما اكتحلت مقلة برؤيتها

فمسّها الدّهر بعدها رمد

ونسب البيتين إلى عمر بن أبي ربيعة، وهما في ملحقات ديوانه: ٤٨٣.

(٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (البراق) بكسر الباء.

(٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (يداف).

(٤) حاشية الأصل: (نسخة ش: المذاق).

(٥) البيتان في الأصمعيات: ٣٥، والمخصص: ١٠: ١٠٣، واللسان (صوح).

١٧٥

وشعب كشلّ(١) الثّوب شكس طريقه

مجامع ضوجيه(٢) نطاف مخاصر

تعسّفته باللّيل لم يهدني له

دليل، ولم يحسن له النّعت خابر

قال: يعني بالشّعب فم جارية. كشلّ الثوب، يعني كفّ الثوب إذا خاطه الخيّاط.

والشّكس: الضيّق، يصفها بصغر الفم وحسنه ورقّة الشفتين. وضوجاه: جانباه وضوج الوادي/: جانبه؛ ويعني بالنّطاف: الريق. والمخاصر: الباردة، من الخصر.

وقوله: (لم يهدني له دليل) ؛ أي لم يصل إليه غيري، كما قال جرير:

ألا ربّ يوم قد شربت بمشرب

شفى الغيم، لم يشرب به أحد قبلي(٣)

الغيم والغين: العطش؛ وإنما يعني ريق جارية.

قال المبرّد وقال آخرون: بل يعني شعبا من الشّعاب مخوفا ضيّقا، سلكه وحده.

قال أبو العباس: إنما كنى بالشّعب عن فم جارية؛ ثم أخذ في وصف الشّعب؛ ليكون الأمر أشدّ التباسا.

قال سيدنا أدام الله علوّه: والأشبه أن يكون أراد شعبا حقيقيّا، لأن تأبط شرا كان لصا وصّافا للأهوال التي تمضي به، ويعاينها في تلصّصه. وكان كثيرا ما يصف تدلّيه من الجبال، وتخلّصه من المضايق، وقطعه المفاوز، وأشباه ذلك؛ والقطعة التي فيها البيتان كلّها تشهد بأن الوصف لشعب لا لفم جارية؛ لأنه يقول بعد قوله: (وشعب كشلّ الثوب) :

لدن(٤) مطلع الشّعرى، قليل أنيسه

كأنّ الطّخا في جانبيه معاجر(٥)

____________________

(١) حاشية الأصل. (يقال: شللت الثوب إذا خطته خياطة خفيفة). وفي حاشية الأصل: أيضا (نسخة س: كشك) ؛ وهي رواية د، ف، والأصمعيات، واللسان، والمخصص.

(٢) كذا في الأصول؛ وفي حاشية الأصل: (ضوجيه: جانبيه، والضوج: منعطف الوادي).

وفي الأصمعيات واللسان والمخصص: (صوحيه) بالصاد، والصوح: وجه الجبل القائم.

(٣) ديوانه: ٤٦١.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (لدى).

(٥) في حاشيتي الأصل، ف: (الطخاء، ممدود: السحاب؛ ولعله قصره ضرورة. وإن رويت الطخا بالضم، كان جمع طخية).

١٧٦

به من نجاء الدّلو بيض أقرّها

خبار لصمّ الصخر فيه قراقر(١)

وقرّرن حتّى كنّ للماء منتهى

وغادرهنّ السّيل فيما يغادر

به نطف زرق قليل ترابها

جلا الماء عن أرجائها فهو حائر

وهذه الأوصاف كلّها لا تليق إلا بالشّعب دون غيره؛ وتأوّل ذلك على الفم تأوّل بعيد.

وقد أحسن كثيّر في قوله يصف ثغرا:

ويوم الحبل قد سفرت وكفّت

رداء العصب عن رتل براد(٢)

وعن نجلاء تدمع في بياض

إذا دمعت وتنظر في سواد

وعن متكاوس في العقص جثل

أثيث النبت ذي غدر جعاد(٣)

وقال أبو تمام في هذا المعنى:

وعلى العيس خرّد يتبسّم

ن عن الأشنب الشّتيت البراد(٤)

كان شوك السيّال حسنا فأضحى

دونه للفراق شوك القتاد(٥)

وقال البحتري:

وأرتنا خدّا يراح له الور

د، ويشتمّه جنى التّفّاح(٦)

وشتيتا يغضّ من لؤلؤ النّظ

م، ويزري على شتيت الأقاحي

فأضاءت تحت الدّجنّة للشّر

ب، وكادت تضيء للمصباح(٧)

____________________

(١) حاشية الأصل: (يعني بالدلو النجم، وما يزعمون من كون المطر عند طلوع نجم وسقوط نجم.

والنجاء: جمع نجو، وهو السحاب الّذي هراق ماءه، ويجوز أن يكون المعنى: من مياه النجاء بيض.، فاقتصر على ذكر النجاء؛ لأنها تدل على المياه والحبار: الارض الرخوة)

(٢) ديوانه ٢: ١٥٩، والأغاني ٢: ١٧٧ - ١٧٨، (طبع دار الكتب المصرية). ويقال: ثغر رتل؛ إذا كان حسن التنضيد مستوى النبات. والبراد: البارد.

(٣) الشعر المتكاوس: الكثيف المتراكم. والجثل: الكثيف الملتف.

(٤) ديوانه: ٧٥

(٥) حاشية الأصل: (السيال: ياسمين البر، وله شوك. تشبه به الأسنان؛ فيقول: كان أسنانها مثل شوك السيال حسنا، فاعترض دونها شوك الفراق).

(٦) ديوانه ١: ١٢٠.

(٧) حاشية الأصل (من نسخة): (كالمصباح).

١٧٧

وقال أيضا:

سفرت كما سفر الرّبيع الطّلق عن

ورد يرقرقه الضّحى مصقول

وتبسّمت عن لؤلؤ في رصفه

برد يردّ حشاشة المتبول

وقد جمع كلّ ما يوصف به الثّغر في قوله:

كأنما تضحك عن لؤلؤ

منضّد أو برد أو أقاح(١)

____________________

(١) ديوانه: ١: ١١٢.

١٧٨

مجلس آخر

[٦٦]

تأويل آية :( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ الله مَنْ لَعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ؛ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ الله مَنْ لَعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ؛ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ ) ؛ [المائدة: ٦٠].

فقال: ما أنكرتم أن تكون هذه الآية دالة على أنه تعالى جعل الكافر كافرا؛ لأنه أخبر بأنه جعل منهم من عبد الطاغوت؛ كما جعل القردة والخنازير؟ وليس يجعله كافرا إلا بأن خلق كفره!.

الجواب، يقال له(١) : قبل أن نتكلّم في تأويل الآية بما تحتمله من المعاني:(٢) كيف يجوز أن يخبرنا بأنه(٢) جعلهم(٣) ؛ كفارا وخلق كفرهم! والكلام خرج مخرج الذّم لهم؛ والتوبيخ على كفرهم، والمبالغة في الإزراء عليهم! وأي مدخل لكونه خالقا لكفرهم في باب ذمّهم! وأي نسبة بينه وبين ذلك! بل لا شيء أبلغ في عذرهم وبراءتهم من أن يكون خالقا لما ذمّهم من أجله. وهذا يقتضي أن يكون الكلام متناقضا مستحيل المعنى؛ ونحن نعلم أن أحدا إذا أراد ذمّ غيره، وتوبيخه وتهجينه بمثل هذا الضرب من الكلام إنما يقول:

ألا أخبركم بشرّ الناس وأحقّهم بالذم واللوم! من فعل كذا، وصنع كذا؛ وكان على كذا وكذا؛ فيعدّد من الأحوال والأفعال قبائحها، ولا يجوز أن يدخل في جملتها ما ليس بقبيح؛ ولا ما هو من فعل الذم ومن جهته؛ حتى يقول في جملة ذلك: ومن تشاغل بالصّنعة الفلانية التي أسلمها إليه وحمله عليها؛ وإن عقلا يقبل هذه الشبهة لعقل ضعيف سخيف.

____________________

(١) حاشية الأصل: (نسخة س: لهم).

(٢ - ٢) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (كيف يجوز أن يخبر الله تعالى).

(٣) م: (يجعلهم).

١٧٩

فإن قيل: أليس قد ذمّهم في الكلام بأن جعل منهم القردة والخنازير؛ ولا صنع لهم في ذلك! وكذلك يجوز أن يذمّهم ويجعلهم عابدين للطاغوت؛ وإن كان من فعله!

قيل(١) : إنما جعلهم قردة وخنازير عقوبة لهم على أفعالهم وباستحقاقهم، فجرى ذلك مجرى أفعالهم، كما ذمّهم بأن لعنهم وغضب عليهم؛ من حيث استحقّوا ذلك منه بأفعالهم وعبادتهم للطاغوت؛ فإن كان هو خلقها فلا وجه لذمهم بها؛ لأن ذلك مما لا يستحقونه بفعل متقدّم كاللّعن والمسخ.

ثم نعود إلى تأويل الآية فنقول: لا ظاهر للآية يقتضي ما ظنّوه، وأكثر ما تضمنته الإخبار بأنه خلق وجعل من يعبد الطاغوت كما جعل منهم القردة والخنازير؛ ولا شبهة في أنه تعالى هو خلق الكافر، وأنه لا خالق له سواه؛ غير أن ذلك لا يوجب أنه خلق كفره وجعله كافرا.

وليس لهم أن يقولوا: كما نستفيد من قوله:( جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ ) أنه جعل ما به كانوا كذلك؛ هكذا نستفيد من قوله: جعل منهم من عبد الطاغوت أنه خلق ما به كان عابدا للطاغوت؛ وذلك إنما استفدنا ما ذكروه من الأول؛ لأنّ الدليل قد دلّ على أنّ ما به يكون القرد قردا والخنزير خنزيرا؛ لا يكون إلاّ من فعله.

وليس ما به يكون الكافر كافرا مقصورا على فعله تعالى؛ بل قد دلّ الدليل على أنه يتعالى عن فعل ذلك وخلقه، فافترق الأمران.

وفي الآية وجه آخر؛ وهو ألاّ يكون قوله تعالى:( وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ) معطوفا على القردة والخنازير؛ بل معطوفا على( مَنْ لَعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ ) ؛ وتقدير الكلام: من لعنه الله، ومن غضب عليه، ومن عبد الطاغوت، ومن جعل الله منهم القردة والخنازير؛ وهذا هو الواجب؛ لأن عَبَدَ فعل، والفعل لا يعطف على الاسم، فلو عطفناه على القردة والخنازير لكنا قد عطفنا فعلا على اسم، فالأولى عطفه على ما تقدم من الأفعال.

____________________

(١) د، ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (قلنا).

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

في يد الـمُستعير هل يكون الولد مضموناً في يده؟ إن قلنا : إنّ العارية مضمونة ضمانَ الغاصب(١) ، كان مضموناً عليه ، وإلّا فلا. وليس له استعماله إجماعاً.

وهذا الخلاف الجاري في العارية أنّها كيف تُضمن آتٍ في المأخوذ على وجه السوم.

لكنّ الأصحّ عند بعض الشافعيّة : إنّ الاعتبار في المستام بقيمته يوم القبض ؛ لأنّ تضمين أجزائه غير ممتنعٍ(٢) .

وقال غيره : الأصحّ كهو في العارية(٣) .

وهذا كلّه فيما إذا تلفت العين بغير الاستعمال.

مسألة ١١٨ : لو تلفت العين المستعارة المضمونة بالاستعمال‌ ، مثل أن ينمحق الثوب باللُّبْس ، فالوجه : ضمان العين وقت التلف ؛ لأنّ حقّ العارية أن تُردّ ، والإذن في الانتفاع إنّما ينصرف غالباً إلى استعمالٍ غير مُتلفٍ ، فإذا تعذّر الردّ لزم الضمان ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والأصحّ عندهم : إنّ العين لا تُضمن كالأجزاء ؛ لأنّه إتلاف استند إلى فعلٍ مأذونٍ فيه(٤) .

وعلى الأوّل لهم وجهان :

أحدهما : كما قلناه من أنّه تُضمن العين وقت التلف ، وهو آخر حالات التقويم.

____________________

(١) الظاهر : « ضمانَ الغصب ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.

٢٨١

والثاني : إنّه تُضمن العين بجميع أجزائها(١) .

مسألة ١١٩ : قد مضى البحث في ضمان العين‌ ، وأمّا ضمان الأجزاء فإن تلف منها شي‌ء بسبب الاستعمال المأذون فيه كانمحاق الثوب باللُّبْس المأذون فيه ، لم يلزم الـمُستعير ضمانه ؛ لحدوثه عن سببٍ مأذونٍ فيه ، وهو قول الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر ضعيف : إنّه يلزمه الضمان ؛ لأنّ العارية مؤدّاة ، فإذا تلف بعضها فقد فات ردّه ، فيضمن بدله(٣) .

والمعتمد : الأوّل.

وأمّا إن تلف من الأجزاء شي‌ء بغير الاستعمال ، فإن كانت العين مضمونةً كان الـمُستعير ضامناً للأجزاء ، وإلّا كانت أمانةً كالعين ، كما لو تلفت العين بأسرها ، وهو أصحّ قولَي الشافعي.

والثاني : إنّه لا يجب ضمانها على الـمُستعير ، كما لو تلفت بالاستعمال ، ويكتفى بردّ الباقي(٤) .

واعلم أنّ تلف الدابّة بسبب الركوب والحمل المعتاد كانمحاق الثوب ، وتعيّبها بالركوب أو الحمل وشبهه كالانسحاق.

ولو قرّح ظهرها بالحمل وتلفت منه ، قال بعض الشافعيّة : يضمن ، سواء كان متعدّياً بما حمل أو لا ؛ لأنّه إنّما أذن له في الحمل ، لا في الجراحة ، وردُّها إلى المالك لا يُخرجه عن الضمان ؛ لأنّ السراية تولّدت من مضمونٍ ، فصار كما لو قرّح دابّة الغير في يده(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ - ٢٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٢

وفيه نظر.

مسألة ١٢٠ : المستأجر يملك المنفعة ملكاً تامّاً‌ ، ولهذا جاز له أن يؤجر العين مدّة إجارته ، والمنفعة قابلة للنقل ، فجاز أن يعيرها ، فإذا استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة ، كان حكمها حكم العارية من المالك في الضمان وعدمه.

والشافعي القائل بالضمان في مطلق العارية له هنا قولان :

أحدهما : إنّه يضمن الـمُستعير هنا ، كما لو استعار من المالك.

والثاني - وهو الأصح عنده - : إنّه لا يضمن ؛ لأنّ المستأجر لا يضمن ، وهو نائب المستأجر ، ألا ترى أنّه إذا انقضت مدّة الإجارة ارتفعت العارية واستقرّت الإجارة على المستأجر بانتفاع الـمُستعير.

ومئونة الردّ في هذه الاستعارة على الـمُستعير إن ردّ على المستأجر ، وعلى المالك إن ردّ عليه ، كما لو ردّ عليه المستأجر(١) .

مسألة ١٢١ : إذا استعار من الغاصب العينَ المغصوبة وكان عالماً أو جاهلاً ثمّ قامت البيّنة بالغصب ، لم يجز له ردّها على الـمُعير‌ ؛ لأنّه ظالم ، ووجب عليه ردّها إلى مالكها ، فإن كان قد استعملها الـمُستعير مدّةً لمثلها أُجرة كان للمغصوب منه الرجوعُ بأُجرة مثلها على أيّهما شاء.

وكذا إن نقص شي‌ء من أجزائها ، فله الرجوع بقيمة ذلك ؛ لأنّ الغاصب ضمنها باليد المتعدّية ، والـمُستعير أتلف منافع الغير بغير إذنه ، وأتلف أجزاء عينه.

فإن رجع على الـمُستعير ، فالأقرب : إنّه لا يرجع على الـمُعير ؛ لأنّ‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٣

التلف وقع في يده ، ولأنّه ضمن ما أتلفه ، ولا يرجع به على غيره ، وهو القول الجديد للشافعي.

وقال في القديم : يرجع عليه - وبه قال أحمد - لأنّه غرّه بأنّه دخل في العارية على أنّه لا يضمن المنفعة والأجزاء(١) .

وإن رجع على الـمُعير ، فهل يرجع الـمُعير على الـمُستعير؟ يبنى على القولين ، إن قلنا : لو رجع على الـمُستعير رجع به على الـمُعير ، فإنّ الـمُعير لا يرجع به ، وإن قلنا : لو رجع على الـمُستعير لم يرجع به ، فإنّ الـمُعير يرجع به.

فأمّا إن تلفت العين في يد الـمُستعير ، فإنّ لصاحبها أن يرجع على مَنْ شاء منهما بقيمتها ، و [ قرار ](٢) الضمان على الـمُستعير ؛ لأنّ المال حصل في يده بجهةٍ مضمونة.

ثمّ إن تساوت القيمة في يده ويد الغاصب فلا بحث ، وإن تفاوتت فإن كانت قيمتها في يد الـمُستعير يوم التلف أكثر ، فإن رجع المالك بها على الـمُستعير لم يرجع الـمُستعير بها على الـمُعير قولاً واحداً ؛ لأنّ العارية مضمونة على الـمُستعير.

وإن كانت قيمتها في يد الـمُعير أكثر ، لم يطالب المالكُ الـمُستعير بالزيادة ؛ لأنّها تلفت في يد الـمُعير ولم يحصل في يده ، وإنّما يطالب بالزيادة الـمُعير ؛ لأنّها تلفت في يده.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٩٤ ، البيان ٦ : ٤٥٧ - ٤٥٨ ، وانظر : المغني ٥ : ٤١٤ - ٤١٥ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٢٣.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ث » : « من ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « من أنّ ». وكلاهما ساقط في « خ ، ر ». والمثبت من العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، وروضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٤

وإذا طالَب المالك بغرامة المنافع ، فإن طالَب الـمُستعير غُرْمها ، فالمنفعة التي تلفت تحت يده قرار ضمانها على الـمُعير ؛ لأنّ يد الـمُستعير الجاهل في المنافع ليست يدَ ضمانٍ ، والتي استوفاها بنفسه الأقوى : إنّ الضمان يستقرّ عليه ؛ لأنّه مباشر للإتلاف ، وهو أظهر قولَي الشافعي.

والثاني : إنّ الضمان على الـمُعير ؛ لأنّه غرّه(١) .

والـمُستعير من المستأجر من الغاصب حكمه حكم الـمُستعير من الغاصب إن قلنا بأنّ الـمُستعير من المستأجر ضامن ، وإلّا فيرجع بالقيمة التي غرمها على المستأجر ، ويرجع المستأجر على الغاصب.

مسألة ١٢٢ : لو أنفذ وكيله إلى موضعٍ وسلّم إليه دابّةً ليركبها إليه في شغله‌ فتلفت الدابّة في يد الوكيل من غير تعدٍّ ، لم يكن عليه ضمان ، وهو ظاهرٌ عندنا ؛ فإنّا لا نوجب الضمان على الـمُستعير.

وأمّا الشافعي القائل بالضمان فإنّه نفاه هنا أيضاً ؛ لأنّ الوكيل لم يأخذ الدابّة لغرض نفسه ، بل لنفع الموكّل ، فالـمُستعير في الحقيقة المالك(٢) .

وكذا لو سلّم الدابّة إلى الرائض ليروضها(٣) فتلفت ، لم يضمن ؛ لأنّه في مصلحة المالك.

وكذا لو كان له عليها متاع فأركب إنساناً غيره فوق ذلك المتاع ليحفظه ويحترز عليه ، فتلفت الدابّة ، لم يكن على الراكب ضمان ؛ لأنّه في شغل المالك.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٧١ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٣) راض الدابّة يروضها : وطّأها وذلّلها أو علّمها السير. لسان العرب ٧ : ١٦٤ « روض ».

٢٨٥

ولو وجد ماشياً في الطريق قد تعب من المشي فأركبه دابّته ، فعندنا لا ضمان إذا لم يتعدّ ؛ بناءً على أصلنا من عدم تضمين العارية.

وأمّا عند الشافعي فالمشهور أنّ الراكب يضمن ، سواء التمس الراكب الركوبَ للاستراحة ، أو ابتدأ المالك بإركابه ؛ لأنّها عارية محضة ، والعارية على أصله مضمونة(١) .

وقال الجويني من الشافعيّة : إنّه لا يضمن الراكب ؛ لأنّ القصد من هذه العارية التصدّق والقربة ، والصدقات في الأعيان تفارق الهبات ، ألا ترى أنّه يرجع في الهبة ولا يرجع في الصدقة ، فلذلك يجوز أن تفارق العارية التي هي صدقة سائر العواريّ في الضمان(٢) .

ولو أركبه مع نفسه ، فلا ضمان عندنا على الرديف. وعلى قول الشافعي إنّه يضمن النصف(٣) .

وقال الجويني : لا يلزمه شي‌ء ؛ تشبيهاً له بالضيف(٤) .

وعلى الأوّل لو وضع متاعه على دابّة غيره وأمره أن يسيّر بالدابّة ففعل ، كان صاحب المتاع مستعيراً من الدابّة بقسط متاعه ممّا عليها ، حتى لو كان عليها مثل متاعه وتلفت ضمن نصف الدابّة(٥) .

ولو لم يقل صاحب المتاع : سيِّرها ، ولكن سيَّرها المالك ، لم يكن صاحب المتاع مستعيراً ، وضمن صاحب الدابّة المتاعَ ؛ لأنّه كان من حقّه أن‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٧١ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

٢٨٦

يطرح المتاع.

ولو كان لأحد الرفيقين في السفر متاع وللآخَر دابّة ، فقال صاحب المتاع للآخَر : احمل متاعي على دابّتك ، ففَعَل ، فصاحب المتاع مستعير لها.

ولو قال صاحب الدابّة : أعطني متاعك لأضعه على الدابّة ، فهو مستودع للمتاع.

ولا تدخل الدابّة في ضمان صاحب المتاع في الصورتين عندنا ، وفي الثانية عند الشافعي(١) .

مسألة ١٢٣ : تجوز استعارة الدابّة للركوب والحمل‌ ، سواء أطلق أو قيّد بالزمان أو المنفعة ، وأن يستعيرها ليركبها ؛ لأنّه تجوز إجارتها لذلك ، والإعارة أوسع ؛ لجوازها فيما لا تجوز إجارته ، فإن استعارها إلى موضعٍ فتجاوزه فقد تعدّى في العارية من وقت المجاوزة ، وكان ضامناً من حين العدوان ، ومطلقاً عند الشافعي(٢) ، فإذا استعارها من بغداد إلى الحلّة فتجاوزها إلى الكوفة ، فعليه أُجرة ما بين الحلّة والكوفة ذهاباً وعوداً.

وهل تلزمه الأُجرة من ذلك الموضع الذي وقع فيه العدوان - وهو الحلّة - إلى أن يرجع إلى البلد الذي استعار منه ، وهو بغداد؟ الأقرب : العدم ؛ لأنّه مأذون فيه من جهة المالك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : اللزوم ؛ لأنّ ذلك الإذن قد انقطع بالمجاوزة(٣) . وهو ممنوع.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

(٢) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٧

إذا عرفت هذا ، فلو شرط الضمان في العارية أو أطلق وقلنا بضمان العواري ، فإنّ الدابّة تكون مضمونةً عليه إلى الحلّة ضمانَ العارية ، ولا أُجرة عليه ؛ لأنّه مأذون له في ركوبها ، فإذا جاوز ضمنها ضمانَ الغصب ، ووجب عليه أُجرة منافعها ، فإذا ردّها إلى الحلّة لم يزل عنه الضمان ، وبه قال الشافعي(١) .

وأبو حنيفة يقول : إنّها أمانة إلى الحلّة ، فإذا جاوزها كانت مغصوبةً ، فإذا ردّها إلى الحلّة لم يزل ضمان الغصب ، بخلاف قوله في الوديعة إذا أخرجها من حرزها ثمّ ردّها إليه(٢) .

إذا ثبت هذا ، فعلى قول الشافعي بانقطاع الإذن من حين التعدّي ليس له الركوب من الحلّة إلى بغداد ، بل يسلّم الدابّة إلى حاكم الحلّة الذي استعار إليه(٣) .

مسألة ١٢٤ : إذا دفع إليه ثوباً وقال : إن شئت أن تلبسه فالبسه‌ ، فهو قبل اللُّبْس وديعة ، وبعده عارية ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر مخرَّج من السوم ؛ لأنّه مقبوض على توقّع الانتفاع ، فكما أنّ المأخوذ على سبيل السوم مقبوض على توقّع عقد ضمانٍ ، كذا هنا.

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٣ / ٤٤٤ ، البيان ٦ : ٤٦٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٢١٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٨٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٣٧ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٣ / ٤٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٤ ، وراجع أيضاً الهامش (٢) من ص ١٦٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٨

قال هذا القائل : لو قيل : لا ضمان في السوم أيضاً تخريجاً ممّا نحن فيه ، لم يبعد(١) .

ولو استعار صندوقاً فوجد فيه شيئاً ، فهو أمانة عنده ، كما لو طيّر الريح الثوبَ في داره ، فلا ضمان فيه وإن كانت العارية مضمونةً ، إلّا مع التفريط أو التعدّي.

مسألة ١٢٥ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز للمُحْرم أن يستعير الصيد‌ ، فإن استعاره من الـمُحلّ لم يجز ، فإن قبضه ضمنه لله تعالى بالجزاء ، ولصاحبه ضمان العارية.

فإن استعار مُحلٌّ من مُحْرمٍ صيداً كان يملكه قبل أن يُحرم ، كان ذلك مبنيّاً على القولين في زوال ملكه عنه بالإحرام.

فإن قلنا : لـمّا أحرم زال ملكه عنه بالإحرام ، فقد وجب عليه إرساله ، فإذا دفعه إلى الـمُحلّ لم يجز له ، إلّا أنّ الـمُحلّ لا يضمنه له ؛ لأنّه ليس يملكه ، ولا يضمنه لله تعالى ؛ لأنّه مأذون له في إتلاف الصيد ، إلّا أنّه إذا تلف ضمنه الـمُحْرم ؛ لأنّه تلف بسببٍ من جهته ، وهو تسليمه إلى الـمُحلّ.

وإن قلنا ببقاء ملك الـمُحْرم فيه ، جاز له إعارته ، ويكون مضموناً على الـمُحلّ ضمانَ العارية لصاحبه.

ولو كان الـمُحْرم في الحرم والصيد فيه ، لم يجز له إعارته ، ولا للمُحلّ استعارته.

مسألة ١٢٦ : إذا ردّ الـمُستعير العاريةَ إلى مالكها أو إلى وكيله ، برئ من ضمانها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٩

وإن ردّها إلى ملك مالكها بأن حمل الدابّةَ إلى اصطبل المالك وأرسلها فيه ، أو ردّ آلةَ الدار إليها ، لم يزل عنه الضمان ، وبه قال الشافعي(١) ، بل عندنا إن لم تكن العارية مضمونةً فإنّها تصير بهذا الردّ مضمونةً ؛ لأنّه لم يدفعها إلى مالكها ، بل فرّط بوضعها في موضعٍ لم يأذن له المالك بالردّ إليه ، كما لو ترك الوديعة في دار صاحبها فتلفت قبل أن يتسلّمها المالك ؛ لأنّه لم يردّها إلى صاحبها ولا إلى مَنْ ينوب عنه ، فلم يحصل به الردّ ، كما لو ردّها إلى أجنبيٍّ.

وقال أبو حنيفة : إذا ردّها إلى ملك المالك ، صارت كأنّها مقبوضة ؛ لأنّ ردّ العواري في العادة يكون إلى أملاك أصحابها ، فيكون ذلك مأذوناً فيه من طريق العادة(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه يبطل بالسارق إذا ردّ المسروق إلى الحرز ، ولا نعرف العادة التي ذكرها ، فبطل ما قاله.

المبحث الثالث : في التنازع.

مسألة ١٢٧ : إذا اختلف المالك والـمُستعير ، فقال المالك : آجرتك هذه العين مدّة كذا بكذا‌ ، وقال الـمُستعير : بل أعرتنيها ، والعين باقية بعد انقضاء المدّة بأسرها أو بعضها ممّا له أُجرة في العادة ، قال الشيخرحمه‌الله في الخلاف :

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٢ - ٢٧٣ / ٤٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٤٦٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٩١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٥ / ٣١٧٣.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٨٣ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٥ / ٣١٧٢ ، الفقه النافع ٣ : ٩٤٩ / ٦٧٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٣١ ، البيان ٦ : ٤٦٠.

٢٩٠

القول قول الـمُستعير - وبه قال أبو حنيفة(١) - لأنّهما اتّفقا على أنّ تلف المنافع كان على ملك الـمُستعير ؛ لأنّ المالك يزعم أنّه ملَّكها بالإجارة ، والـمُستعير يزعم أنّه مَلَكها بالاستيفاء ؛ لأنّ الـمُستعير يملك بذلك ، وقد ادّعي عليه عوض ما تلف على ملكه ، والأصل عدم وجوبه ، فكان القولُ قولَه ، ولأنّ الأصل براءة الذمّة ، والمالك يدّعي شغلها ، فيحتاج إلى البيّنة(٢) .

وقال مالك : القول قول المالك مع اليمين ؛ لأنّ المنافع جارية مجرى الأعيان ، وقد ثبت أنّه لو كان أتلف عليه عيناً كما لو أكل طعامه وقال : كنتَ أبحتَه لي ، وأنكر المالك ، فإنّ القول قول المالك ، أو كانت في يده وادّعى أنّه وهبها منه وأنكر صاحبها ذلك وادّعى أنّه باعها منه : إنّ القول قول صاحبها ، كذا هنا ، ولأنّ المنافع تابعة للأعيان في الملك ، فهي بالأصالة لمالك العين ، فادّعاء الـمُستعير التفرّدَ بالملكيّة لها على خلاف الأصل ، فيحتاج إلى البيّنة(٣) .

وأمّا الشافعي فقد قال في كتاب العارية : إنّه إذا اختلف مالك الدابّة وراكبها ، فقال صاحبها : آجرتكها بكذا ، وقال الراكب : أعرتنيها ولا أُجرة لك علَيَّ ، فالقول قول الراكب(٤) .

____________________

(١) روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣١٩٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٩ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٨٥ ، بحر المذهب ٩ : ١٦ ، البيان ٦ : ٤٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٦ / ٤٥٤.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٨٨ ، المسألة ٣ من كتاب العارية.

(٣) النوادر والزيادات ١٠ : ٤٦٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١.

(٤) الأُم ٣ : ٢٤٥ ، مختصر المزني : ١١٦ و ١٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ ، =

٢٩١

وقال في كتاب المزارعة : ولو اختلف الزارع وصاحب الأرض ، وادّعى صاحب الأرض أنّه آجره إيّاها ، وادّعى الزارع أنّه أعاره إيّاها : إنّ القولَ قولُ صاحب الأرض(١) .

واختلف أصحابه في ذلك :

فقال أبو إسحاق وجماعة : إنّه لا فرق بين المسألتين ، وإنّ فيها قولين ، ونقلوا جوابه من كلّ واحدةٍ منهما إلى أُخرى(٢) .

ومنهم مَنْ قال : إنّ المسألتين مختلفتان ، وفرّق بينهما بأنّ العادة جارية بأنّ الدوابّ تُعار ، فكان الظاهر مع الراكب ، ولم تَجْر العادة بإعارة الأرضين ، فكان الظاهر مع صاحبها(٣) .

قال الأوّلون : هذا ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ مثل هذه العادة لا اعتبار بها في التداعي ، ولهذا لو اختلف العطّار والدبّاغ في آلة العطر لا يُرجّح قول العطّار‌

____________________

= الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٦ / ٤٥٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، الوجيز ١ : ٢٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣١٩٩.

(١) مختصر المزني : ١٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، الوجيز ١ : ٢٠٥ ، الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣٢٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ - ٤٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٢ و ٤٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠.

٢٩٢

وإن كانت العادة جاريةً بأنّ آلة العطّار لا تكون للدبّاغ.

وفرّقوا بين هذه المسألة وبين ما إذا غسل ثوبه غسّال أو خاطه خيّاط ثمّ قال : فعلتُه بالأُجرة ، وقال المالك : بل فعلتَ ذلك مجّاناً ، فإنّ القول قول المالك مع يمينه قولاً واحداً ؛ لأنّ الغسّال فوّت منفعة نفسه ثمّ ادّعى لها عوضاً على الغير ، وهناك المتصرّف فوّت منفعة مال الغير وأراد إسقاط الضمان عن نفسه ، فلم يُقبل(١) .

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : القول قول الـمُستعير ، فحلف على نفي الإجارة ، كفاه ، وسقط عنه المطالبة ، وردّ العين ، وإن نكل حلف المالك ، واستحقّ بيمينه المسمّى ؛ لأنّ اليمين مع النكول إمّا أن تكون بمنزلة البيّنة أو الإقرار ، وأيّهما كان يثبت به المسمّى ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر ضعيف : إنّه يستحقّ أُجرة المثل ؛ لأنّ الناكل ينفي أصل الإجارة ، فتقع يمين المدّعي على إثباته(٣) .

وليس هذا الوجه عندي بعيداً من الصواب.

وإن قلنا : القول قول المالك مع يمينه ، فإنّه يحلف على نفي الإعارة التي تدّعى عليه ، ولا يتعرّض لإثبات الإجارة ؛ لأنّه مدّعٍ فيها ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

فحينئذٍ إذا حلف على نفي الإعارة ، فالأقوى عندي : إنّ الـمُستعير يحلف على نفي الإجارة ، فإذا حلف ثبت للمالك أقلّ الأمرين من أُجرة‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، البيان ٦ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢.

(٣) البيان ٦ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٤) الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

٢٩٣

المثل والمسمّى ؛ لأنّه إن كانت أُجرة المثل أقلَّ فهو لم يُقم حجّةً على الزيادة ، وإن كان المسمّى أقلَّ فقد أقرّ بأنّه لا يستحقّ الزيادة.

وقال بعض الشافعيّة : إذا حلف المالك على نفي الإعارة ، استحقّ أقلَّ الأمرين من أُجرة المثل والمسمّى إن لم يحلف الـمُستعير.

قال : وإن قلنا : إنّ المالك يحلف على إثبات الإجارة ونفي الإعارة ويجمع بينهما في يمينه ، ففيما يستحقّه وجهان :

أحدهما : المسمّى إتماماً لتصديقه.

وأظهرهما - وهو مقتضى منصوص الشافعي في الأُم(١) - أُجرة المثل ؛ لأنّهما لو اتّفقا على الإجارة واختلفا في الأُجرة كان الواجب أُجرة المثل ، فإذا اختلفا في أصل الإجارة كان أولى(٢) .

والجويني حكى الوجه الثاني على غير ما ذكر ، بل حكى بدله : إنّه يستحقّ أقلَّ الأمرين ؛ لما(٣) تقدّم.

قال : والتعرّض للإجارة على هذا ليس لإثبات المال الذي يدّعيه ، لكن لينتظم كلامه من حيث إنّه اعترف بأصل الإذن ، فحصل فيما يستحقّه ثلاثة أوجُه(٤) .

ولو نكل المالك عن اليمين المعروضة عليه ، لم تُردّ اليمين على الراكب والزارع ؛ لأنّهما لا يدّعيان حقّاً على المالك حتى يُثبتاه باليمين ، وإنّما يدّعيان الإعارة ، وليست حقّاً لازماً على الـمُعير.

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٣) الظاهر : « كما » بدل « لما ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

٢٩٤

وقال بعض الشافعيّة : إنّها تُردّ ؛ ليتخلّص من الغرم(١) .

مسألة ١٢٨ : لو وقع هذا الاختلاف عقيب العقد قبل انقضاء مدّةٍ لمثلها أجر‌ ، فالقول هنا قول الـمُستعير مع اليمين ، فإذا حلف على نفي الإجارة سقط عنه دعوى الأُجرة ، واستردّ المالك العين ، وإن نكل حلف المالك اليمينَ المردودة ، واستحقّ الأُجرة.

وهذا قول الشافعي أيضاً ، ولا قول له سواه ؛ لأنّ الراكب هنا لا يدّعي لنفسه حقّاً ولا أتلف المنافع على المالك ، والمدّعي في الحقيقة هنا هو المالك ، وإذا تمحّضت الدعوى له لم يتعدّد قوله كما يتعدّد في الصورة الأُولى ؛ لأنّ المنافع هناك تلفت تحت يد الراكب ، وكان القول بسقوطها مجّاناً بعيداً ، فلهذا كان له في الصورة الأُولى قولان(٢) .

مسألة ١٢٩ : لو حصل هذا الاختلاف بعد تلف العين‌ ، فإن تلفت عقيب الأخذ قبل أن يثبت لمثلها أُجرة وشرط في العارية الضمان أو قلنا به على مذهب القائلين بضمان العارية ، فلا معنى للاختلاف ؛ لأنّ صاحبها يدّعي الإجارة وقد انفسخت بتلفها ، والـمُستعير يُقرّ بالقيمة ويعترف باستحقاقها في ذمّته ، والمالك ينكرها ، فليس للمالك حينئذٍ المطالبة بها.

ولو لم نقل بالضمان في العارية ولا شرطه المالك ، فلا بحث هنا ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يعترف ببراءة ذمّة الـمُستعير.

وإن تلفت بعد مضيّ مدّةٍ لمثلها أُجرة مع شرط الضمان أو القول به ، فالـمُستعير يُقرّ بالقيمة ، والمالك ينكرها ويدّعي الأُجرة ، فيبنى على الخلاف بين العامّة في أنّ اختلاف الجهة هل يمنع الأخذ؟

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٢) البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

٢٩٥

إن قلنا : نعم ، سقطت القيمة بردّه ، والقول في الأُجرة قول المالك أو الـمُستعير على الخلاف الذي تقدّم في الحالة الأُولى.

وإن قلنا : إنّ اختلاف الجهة لا يمنع الأخذ ، فإن كانت الأُجرة مثلَ القيمة أو أقلَّ أخذها بغير يمينٍ ، وإن كانت أكثر أخذ قدر القيمة ، وفي المصدّق في الزيادة الخلافُ المتقدّم(١) .

مسألة ١٣٠ : لو انعكس هذا الاختلاف ، فادّعى المالكُ الإعارةَ ، والمتصرّفُ الإجارةَ‌ ، فإن كانت العين باقيةً وكان الاختلاف عقيب التسليم قبل مضيّ مدّةٍ لمثلها أُجرة ، كان القولُ قولَ المالك ؛ لأنّ المتصرّف يدّعي عليه عقداً واستحقاق منفعةٍ ، والمالك ينكره ، وإذا لم تكن بيّنة كان القولُ قولَ المنكر مع اليمين ، ثمّ تُستردّ العين.

وإن نكل حلف المتصرّف ، واستحقّ المنفعة المدّة والإمساك طولها.

وإن كان بعد مضيّ مدّة الإجارة ، فلا معنى للاختلاف ؛ لأنّهما اتّفقا على وجوب ردّها ، والمتصرّف يُقرّ للمالك بالأُجرة ، والمالك ينكرها.

وإن كان بعد مضيّ بعض المدّة ، فالقول قول المالك ؛ لأنّ الأصل عدم استحقاق الغير منفعة مال الغير ، فإذا حلف على نفي الإجارة أخذ العين ، وليس له مطالبته بالأُجرة عمّا مضى من المدّة ؛ لأنّه ينكرها والمتصرّف معترف له بها.

هذا إذا كان الاختلاف والعين باقية ، وأمّا إن اختلفا والعين تالفة ، فإن كان الاختلاف عقيب القبض قبل انقضاء مدّةٍ لمثلها أُجرة ، فالمالك هنا يدّعي قيمتها على المتصرّف مع شرط الضمان عندنا ، ومطلقاً عند‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٢٩٦

الشافعي(١) ، والمتصرّف ينكرها ، فيُقدَّم هنا قول المالك مع اليمين ؛ لأنّهما اختلفا في صفة القبض ، والأصل فيما يقبضه الإنسان من مال غيره الضمانُ ؛ لقولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه »(٢) .

وإن كان الاختلاف بعد مضيّ المدّة ، فالمتصرّف يُقرّ بالأُجرة ، والمالك يدّعي عليه القيمة في المضمونة ، فإن كانت القيمة بقدر الأُجرة دفع إليه من غير(٣) يمينٍ ؛ لاتّفاقهما على استحقاق ذلك المقدار ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : لا تثبت الأُجرة ؛ لأنّه لا يدّعيها ، ويكون القولُ قولَه في وجوب القيمة(٥) .

وإن كانت أقلَّ ، كان في قدرها الوجهان.

وإن كانت أكثر ، كان قدر الأُجرة منهما على الوجهين ، والباقي يستحقّه بيمينه.

وإن كان التلف في أثناء المدّة ، فقد أقرّ له ببعض الأُجرة ، وهو يدّعي القيمة ، والحكم في ذلك على ما ذكر.

مسألة ١٣١ : لو ادّعى المالكُ الغصبَ ، والمتصرّفُ الإعارةَ والعين باقية قائمة ، ولم تمض مدّة لمثلها أُجرة ، فلا معنى لهذا الاختلاف‌ ؛ إذ لم تفت العين ولا المنفعة ، ويردّ المتصرّفُ العينَ إلى المالك.

وإن مضت مدّة لمثلها أُجرة ، فالأقوى : إنّ القولَ قولُ المالك مع‌

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٧١ ، الهامش (٢)

(٣) في « ج » : « بغير » بدل « من غير ».

(٤ و ٥) البيان ٦ : ٤٧٦.

٢٩٧

يمينه ؛ لما تقدّم(١) من أصالة تبعيّة المنافع للأعيان في التملّك ، فالقول قول مَنْ يدّعيها مع اليمين وعدم البيّنة ؛ لأنّ المتصرّف يدّعي انتقال المنفعة إليه بالإعارة وبراءة ذمّته من التصرّف في مال الغير ، فعليه البيّنة.

وقال الشيخرحمه‌الله في الخلاف : القول قول المتصرّف - وهو أحد أقوال الشافعي نقله المزني عنه(٢) - لأنّ المالك يدّعي عليه عوضاً ، والأصل براءة ذمّته منه ، ولأنّ الظاهر من اليد أنّها بحقٍّ ، فكان القولُ قولَ صاحبها(٣) .

وليس بجيّدٍ ؛ لما بيّنّا من أصالة تبعيّة المنافع للأعيان ، ولأصالة عدم الإذن ، وكما أنّ الظاهر أنّ اليد بحقٍّ ، كذا الظاهر التبعيّة.

ولأصحاب الشافعي هنا ثلاثة طُرق :

أظهرها : إنّ الحكم هنا على ما تقدّم في المسألة السالفة ، فيُفرّق بين الدابّة والأرض على طريقٍ ، ويُجعلان على قولين في طريقٍ ؛ لأنّ المالك ادّعى أُجرة المثل هنا ، كما ادّعى المسمّى في الإجارة هناك ، والأصل براءة الذمّة.

والثاني : القطع بأنّ القول قول المالك ، بخلاف تلك المسألة ؛ لأنّهما متّفقان على الإذن هناك ، وهنا المالك منكر له ، والأصل عدمه. ومَنْ قال بهذا خطّأ المزني في النقل.

قال أبو حامد : لكنّه ضعيف ؛ لأنّ الشافعي نصّ في الأُمّ على ما رواه‌

____________________

(١) في ص ٢٩٠.

(٢) مختصر المزني : ١١٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٩٠ ، البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩ ، المغني ٥ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٧٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٨٩ ، المسألة ٥ من كتاب العارية.

٢٩٨

المزني(١) .

والثالث : القطع بأنّ القول قول المتصرّف ؛ لأنّ الظاهر من حال المسلم أنّه لا يتصرّف إلّا على وجهٍ جائز(٢) .

هذا إذا تنازعا والعين باقية.

مسألة ١٣٢ : لو وقع هذا الاختلاف وقد تلفت العين‌ ، فإن هلكت بعد انقضاء مدّةٍ لمثلها أُجرة ، فالمالك يدّعي أُجرة المثل والقيمة بجهة الغصب ، والمتصرّف يُنكر الأُجرة ويُقرّ بالقيمة بجهة العارية إن كانت مضمونةً ، فالحكم في الأُجرة على ما تقدّم عند بقاء العين.

وأمّا القيمة فإنّه يُحكم فيها بقول المتصرّف ؛ لأصالة براءة ذمّته من الزائد عن القيمة وقت التلف إن أوجبنا على الغاصب أعلى القِيَم.

وقال بعض الشافعيّة : إن قلنا : إنّ اختلاف الجهة يمنع الأخذ ، فلا يأخذ المالك إلّا باليمين. وإن قلنا : لا يمنع فإن قلنا : العارية تُضمن ضمانَ الغصب ، أو لم نقل به لكن كانت قيمته يوم التلف أكثر ، أخذها باليمين ، وإن كانت قيمته يوم التلف أقلَّ ، أخذها بغير يمينٍ ، وفي الزيادة يحتاج إلى اليمين(٣) .

وإن هلكت عقيب القبض قبل مضيّ وقتٍ يثبت لمثله أُجرة ، لزمه القيمة.

ثمّ قياس القول الأوّل أن يقال : إن جعلنا اختلاف الجهة مانعاً من

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩ ، وراجع الأُم ٣ : ٢٤٥ ، ومختصر المزني : ١١٦.

(٢) البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٢٩٩

الأخذ ، حلف ، وإلّا أخذ بغير يمينٍ.

وقضيّة ما قاله الجويني في مسألة التنازع بين الإجارة والعارية : إنّه لا يُخرّج على ذلك الخلاف لا هذه الصورة ولا ما إذا كان الاختلاف بعد مضيّ مدّةٍ يثبت لمثلها أُجرة.

قال : لأنّ العين متّحدة ، ولا وَقْع للاختلاف في الجهة مع اتّحاد العين(١) .

والظاهر : الأوّل عندهم(٢) .

وإن كانت العارية غيرَ مضمونةٍ ، فإنّ القولَ قولُ المالك في عدم الإعارة ، وقولُ المتصرّف في عدم الغصب لئلّا يضمن ضمانَ الغصب ، ثمّ يثبت على المتصرّف بعد حلف المالك على نفي الإعارة قيمتُها وقت التلف.

مسألة ١٣٣ : لو انعكس الفرض ، فقال المالك : أعرتُكها ، وقال المتصرّف : بل غصبتُها ، فلا فائدة في هذا الخلاف‌ ؛ لأنّ المتصرّف يُقرّ بالضمان ، والمالك يُنكره إن كانت العارية غير مضمونةٍ ، وإن كانت مضمونةً فإنّه يُنكر ضمان الغصب.

وإن مضت مدّة لمثلها أُجرة ، فالمالك ينفي استحقاق العوض عنها ، والمتصرّف يعترف له بها.

ولو قال المالك : غصبتَها ، وقال المتصرّف : بل آجرتني ، فإن كانت العين باقيةً ولم تمض مدّة لمثلها أُجرة ، فالأقوى : التحالف.

أمّا حلف المتصرّف على نفي الغصب : فلنفي زيادة الضمان إن‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403