ديوان السيد حيدر الحلي الجزء ٢

ديوان السيد حيدر الحلي0%

ديوان السيد حيدر الحلي مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 241

  • البداية
  • السابق
  • 241 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21237 / تحميل: 7712
الحجم الحجم الحجم
ديوان السيد حيدر الحلي

ديوان السيد حيدر الحلي الجزء 2

مؤلف:
العربية

فافتتحت في عتاب الدهر براعة استهلالها:

يا دهرُ ما شئتَ فاصنع هان ما عظما

هذا الذي للرزايا لم يدع ألما

رزءٌ تلاقت رزايا الدهر فاجتمعت

فيه فهوّن ما يأتي وما قدما

ما بال أمُّ الليالي فيه قد حملت

فليتها وأبا أيامها عقما

لقد تحكَّم في الدنيا فنال بها

من النواظر والأحشاء ما احتكما

عجَّت ولا كعجيج الموقرات به

وهل تلام وهذا ظهرُها انقصما

مضى الذي طبقتها كفُّه نعما

فطبقتها الليالي بعده نقما

الآن غودرت الآمال حائمةً

وأين في الدهر منها من يبلّ فما؟

وقبَّةُ المجد قد مالت ولا عجبٌ

فإنَّ أثبت أركان العُلى انهدما

فلينتظم مأتماً عمرُ الزمان لمَنْ

بالصالحات جميعاً عمرُه انتظما

ولتحتلب عينها الدنيا لمَنْ يدُه

كانت حلوبة جودٍ تقتل الأزما

وكيف تسأمُ من دمعٍ تتابعه

ومن متابعة النعماء ما سئما

في الكفّ ما زرعت حسن الرجاء له

إلاّ وأمطرها من كفّه كرما

يا آخذاً كلَّ قلبٍ في ملامته

دع الملام وشاطرني الدموعَ دما

واقرع بلومك سمعَ الدهر حيث أتى

برنَّةٍ تركته يشتكي الصمما

طويتَ من يستظلُّ المعدمون به

فليت يا دهرُ قسراً ظلُّك انعدما

هل يعلم الزمنُ الغدّار لا علما

ماذا به هجم المقدارُ لا هجما؟

فأيُّ رزءٍ بأيِّ الناس يكبر في

صدر الأنام سوى هذا الذي دهما؟

أفي ذوي الحلم فالثاوي زعيمُهم

أم في بني العلم فالثاوي أبو العلما؟

أم في الأنام جميعاً فالذي افتقدوا

هو الذي جمعت أبراده الأمُما؟

بل كلُّ ميتٍ له ثلمٌ بحوزته

لكنَّ في موته الإسلام قد ثلما

قام النعيُ على (دار السلام) له

فقلت بعدك ليت الكون ما سلما

ما زال بشرُك بالعافين ملتمعا

حتى تحوَّل في أحشائهم ضرما

١٤١

وإن بكتك فلا منُّ عليك لها

بماء جودك جاري جفنها انسجما

هذه الدموع بقايا ماء عيشهم

من فضل ما كنت توليهم عليك همى

إن لم تفض بك عن وجدٍ نفوسهم

فسوف بعدك من قربٍ تفيض ظما

يا راحلاً ولسانُ الحال ينشده

وللمقال لسانٌ بالأسى انعجما

واهاً (أبا المصطفى) ماذا يقول فمي

وما البلى منك أبقى للجواب فما

الموت حتمٌ وإن كان المنى لك أن

تبقى ولو جاوزت أيامُك الهرما

لكن أتقضي بحيث الشمُّ راغمةٌ

من أزمةٍ لم تدع في معطس شمما

هلاّ بقيت لها في هذه السنة الـ

شهباء تحفظ من أمجادها الحرما

أحين فيها اقشعرّ العام وانبعثت

غبراء أمحلت الغيطان والأكما

تمضي وتتركها في عام مسغبةٍ

فمَنْ لها وإلى مَنْ تشتكي القحما

أوقتُ موتك هذا والورى حشدت

هذي الخطوب عليها والبلا ارتكما؟

وددت يومك لم يجرِ القضاءُ به

لو كان للوح أنْ يستوقف القلما

حتى تُفرِّج غمّاءَ الجدوب كما

فرَّجت من قبلها أمثالها غمما

ماذا يُراد بأهل الأرض فابتدرت

دهياءُ يوشك أن تستأصل النسما؟

أشار ربُّك إرسالَ العذاب بها

لمّا جنوها ذنوباً تهتك العصما

فغيِّض الماء من أنهارها وطوى

بالموت شخصك عنها والحيا انعدما

مشت بنعشك أهلُ الأرض تحمله

فخفَّ حتى كأنْ لم يحملوا علما

وما دروا رفعته من كرامته

أهلُ السماء على أكتافها عظما

لم يرفعوا قدماً إلاّ وقد وضعتْ

من قبلهم غرُّ أملاك السما قدما

كأنَّ نعشك محمولٌ به ملكٌ

وخلفه العالمُ الأعلى قد ازدحما

شاروا بها وسماءُ الدمع ترسلها

لك النواظرُ مدراراً ولا سأما

وهبَّ حين التقى ماءُ العيون على

أمرٍ نزا منه قلب الموت (1) واضطرما

____________________

1 - في المطبوع: الدهر.

١٤٢

فكنت (نوحاً) وكان الفلك نعشك والـ

طوفانُ فائرَ دمعٍ أغرق الأُمما

إنْ يحملوك على علمٍ فما حملوا

إلاّ الركانة والأخطارَ والهمما

أو يدفنوك على علمٍ فما دفنوا

إلاّ المحاسنَ والأخلاق والشيما

أو ينفضوا الكفَّ من تربٍ به دفنوا

ميتاً فتربُك بالأفواه قد لُثما

كأنَّ قبرك فوق الأرض نجمُ سما

أو أنّه في ثراه حلَّ نجمُ سما

يا نازلاً حيث لا صوتي يلمُّ به

عليك أمُّ المعالي جزَّت اللمما

واستوقفت بحشاها الركب في جدثٍ

بجود كفّك لا بالغيث قد وسما

نادت بشجوٌ خذوا لي في حقائبكم

حشاشةً ملئت من وجدها سقما

قفوا بها واعقروها وانضحوا دمها

على ثرىً أمس قد واروا به الكرما

وقفت بعدك و(الزوراء) أنشدها

أين الذي كان للاّجين معتصما؟

وأين مَنْ يزهر النادي بطلعته

للزائرين ويجلو عنهم الغمما؟

ومَنْ بنى لقرى الأضياف دار عُلا

عمادُها الفخر فيه طاولت إرما

ومَنْ تُردُّ جميع المشكلات له

إذا القضية أعيا فصلُها الحُكما

وأين للشتوة الغبراء مَن كرما

ما قطَّب العام إلاّ ثغرُه ابتسما؟

وأين مَنْ كان للعافين يلحفها

جناحَ رحمته ما دهرُه أزما؟

لا فرق ما بين أقصاها إذا نسبا

عنه وما بين أدناه له رحما

وأين مَنْ ليتامى الناس كان أبا

في بره قد تساوت كلهُم قسما؟

في فقد آبائها لليتم ما عرفت

لكنّها عرفت في فقده اليُتما

أحببت في الله كتمان الصنيع ولا

يزداد إلاّ ظهوراً كلّما كتما

منْ كان يحلف أن لم يعتلقْ أبدا

إثمٌ ببردك لم يحنث ولا أثما

ألا وقتك حشا العافين صائبةً

ولا وقاءً إذا رامى القضاء رمى

وهل توفيِّك شكر المنعمين وقد

طوَّقت حيّاً وميتاً جيدها نعما؟

١٤٣

بالأمس وجهك يستسقي الغمامُ به

واليوم قبرُك تستسقي به الديما

وكنت ريَّ صداها فاستنبت لها

ممّنْ ولدت بحاراً للندى فعما

فأين مثلك تلقى الناسُ ذا كرمٍ

ومنك في حالة ما فارقوا الكرما؟

يا غائباً ما جرت في القلب ذكرتُه

إلاّ ترقرق دمعُ العين وانسجما

لا غرو أن يعقد الإسلامُ حوزته

جميعها مأتماً يوري الحشا ضرما

فالثاكل الدينُ والمثكولُ شخصك والـ

ناعي الهدى والمعزِّي خاتمُ العلما

(محمدٌ حسنٌ) نظم الثناء له

فقلُّ في سلك تقواه مَنْ انتظما

سقت ضريحك من جدواك واكفةٌ

وطفاءُ ترضع درّاً ما الحيا فطما

أعيذ قلبك أن يهفو به حذرٌ

على المكارم أو يغدو لها وجما

طبْ في ثرى الأرض نفساً لا النديُّ خلا

من الوفود ولا عهدُ الندى انصرما

قامت مقامك فيه فتيةٌ ضربتْ

على السماء لها علياؤها خيما

وكيف يُظلمُ ربعٌ مَنْ عُلاك به

(أبو الأمين) سراجٌ يكشف الظلما

بقيةٌ من أبيك (المصطفى) رفعت

به علاه وفيه مجدُه دعما

أحبَّ قربك واستبقاه خالقُه

ركناً تطوف به الآمالُ مستلما

وأنت يا حرم المجد المنيف عُلاً

لا راعك الدهر وأسلم للعُلى حرما

إنْ يوحشنَّك ما من بدرك انكتما

فليؤنسنَّك من نجميه ما نجما

لولا ابنه (المصطفى) للجود قلت شكت

من بعد إنسانها عينُ الرجاء عمى

ندبٌ به فتح المعروفُ ثانيةً

من بعدما بأبيه أولاً حتما

مَنْ يلقهِ قال هذا في شمائله

(محمدٌ صالحٌ) أن يغتدي علما

حلوُ الخلائق في جيلٍ لهم خلقٌ

لو مازج الكوثر الخلديَّ ما طعما

١٤٤

ما شاهدتْ عظماءُ الأرض هيبته

إلاّ وطأطأت الأعناق والقمما

والمشتري الحمد والأشرافُ أكسبها

لجوهر الحمد أغلاها به قيما

مَنْ لو يجود لعافٍ في نقيبته

لم يقرع السنَّ في آثارها ندما

لو قال قومٌ نرى بالجود مشبهه

لقلتُ هاتوا وعدُّوا العرب والعجما

أستغفرُ الله إنْ شبَّهت أنمله

بالقطر منسجماً والبحر ملتطما

نعم حكاه أخوه مَنْ به ظهرت

مخائلٌ من أبيه تفضح الديما

(محمدٌ) وكفى أنّ الزمان لنا

عن منظرٍ حسنٍ منه قد ابتسما

إذا بدا سمت الألحاظ ترمقه

تخاله بهلال العيد ملتثما

من لفظه العذب إن شئت التقط دررا

أو فاقتطف زهراً أو فاقتبس حكما

فاهتف بمَنْ مات من أهل العلاء وقل

لولا الردى لا افتضحتم فاشكروا الرجما

قد أطلع المجدُ في أفق العُلى قمرا

يا فرحة الشهب لو تغدو له خدما

أمات نشر مساعيه مساعيكم

حتى انطوت مثلكم تحت الثرى رمما

فلو رآه (زهير) في شبيبته

إذاً لفدّاه واختار الفدا (هرما)

من دوحةٍ ما نمت إلاّ الغصون عُلاً

وكلّ غصنٍ بماء المكرمات نما

كارم لها الغيث واستشهد لها بندي

الجواد ثمّ ارو كيف الغيث قد لؤما

وفاخر البدرَ في لألاء غرَّته

وحكّم الشرف الوضاح والعتما

واصدع بنجم العُلى (الهادي) بطلعته

دجى همومك واستكشف به الغمما

ومن (أمين) الندى فاعقد يديك على

أوفى البريَّة في أوفى الندى ذمما

يا أسرة المجد لا زلتم بأسرتكم

عقداً على نحر هذا الدهر منتظما

صبراً بني الحلم إنَّ الحلم منزلةٌ

حتى لمَنْ منكمُ لم يبلغ الحلما

وحسبكم (مصطفى) العلياء فهو لكم

نعم الزعيمُ به شمل العُلى التأما

١٤٥

وقال يرثي زعيم العلماء الأعلام الشيخ مرتضى الأنصاري، ويعزّي الحاج محمد صالح كبّه:

قطعت لسانك نفثة‌ ٌمن أرقمِ

أعلمت مَنْ تنعاه أم لم تعلمِ؟

كيف استطعت تدير في فمك اسمه

ولقد يضيق به فمُ المتكلّمِ؟

يا ناعياً للخلق روح حياتهم

أملك لساناً لا أباً لك واكظمِ

رفّه على موتى نبلت قلوبهم

فتنبَّهوا بسهام نعيٍ مؤلمِ

فجميعهم تحت الثرى في ملحدٍ

وجميعهم فوق الثرى في مأتمِ

دعهم فقد غصُّوا بجرعة ثكلهم

وإلى الأئمة في نعائك يمِّمِ

وقل السّلام عليكم دُرِس التقى

وعفتْ معالمه عفوَّ الأرسمِ

والدين هدَّ اليوم دين (محمدٍ)

ووهت دعائمه بفقد المحكمِ

كان الدليل أقمتموه على الهدى

علماً يدلُّ على الطريق الأقومِ

والآن لمّا طوّحته يدُ الردى

غدت الأنام بمجملٍ مستبهمِ

حميت عليهم للرشاد مطالعٌ

لا تستبين اليوم للمتوسمِ

غشيتهم سوداءُ أطبق ليلها

للحشر تلحفهم بليلٍ مظلمِ

يا خيرَ آباءِ فقدنا برَّهم

فجعت يتاماكم بأرفق قيّمِ

فطموا فمَنْ لهم بدرّة فيئكم

أن يرضعوها بعد أكرم منعمِ

حسِّن مقالك ما الأئمّة أهملوا

أبناءكم فيسوء ظنُ المعدمِ

بل كان شاقهم الإمام (المرتضى)

ولذاك قيل له على الرحب اقدمِ

ورأوا (محمد صالحاً) من بعده

لبنيهمُ يبقى فقيل له اسلمِ

دمْ للصلاح وللهداية والتقى

ولعيلة العافي وحمل المغرمِ

قسماً بهديكَ بل بنسكك بل بمَنْ

بالفضل خصّك وهو جهدُ المقسمِ

ما فوق ظهر الأرض فوقك مقتفٍ

أثرَ الأئمّة في تقىً وتكرّمِ

أنت الذي تنميك من سلف العُلى

زهرُ الوجوه لها المكارم تنتمي

١٤٦

ومعذبٍ بعُلاك قلت وقد سما

لينالها فانحطَّ موطئ منسمِ

أتعبت نفسكَ ليس تعلو شأوه

ولو ارتقيتَ إلى السماء بسلَّمِ

فاسلم على الأيام ربعك آهلٌ

وعُلاك سامٍ فوق هام المرزمِ

وقال يرثي الشيخ مهدي ابن الشيخ علي، ويعزّي العلاّمة السيد مهدي القزويني:

ملأتْ مكارمُكَ البسيطة أنعما

فلذلك انعقدت لرزئك مأتما

ولئن غدا فذا مصابُك في الورى

فالغيثُ كان له وجودك توأما

بالأمس قد رضعت بنانك درَّها

واليوم تحلبها محاجرُها دما

ما غُمِّضتْ أجفان عينك عن ردىً

إلاّ وجفنُ الدهر غُمّض عن عمى

حلب الحمام (أبا الأمين) بك الجوى

شطرين صابا في الزمان وعلقما

فأغصَّ في شطرِ فما من (هاشمٍ)

وأغصَّ في شطر (لجعفرها) فما

قسم الرزيَّة في السويّة فيهما

فغدا كلا العبأين ثقلاً أعظما

أما وساعتك التي بيلملمٍ

زالت وما أعني سواك يلملما

ما خلت فقدَك يستقلُّ بثقله

ركنا زمانك ثمّ لم يتهدَّما

فلقد أطلَّ غداة يومك فادحٌ

هو منه في الأرضين أعظم في السما

في ناره استوت الأنامُ فما دروا

أيَّ القلوب أحقّ أنْ تتضرمّا

يا مَنْ أضاء بنوره أفقَ الهدى

أعلمت بعدك كلّ أفقٍ أظلما؟

مَنْ ردَّ طرفك عن فتور مغضيا

ولكم لحظتُ به الحواسدَ أرقما

أبكيك للإحسان غاض نميرُه

قسراً وللآمال بعدك حوّما

ولطالب المعروف ألقى رحله

وأقام ميتَ العزم لا متلوِّما

قطعت بك الأيامُ آمالَ الورى

قطعت ولا وصلت لكفّك معصما

ولقد سددت فمَ النعيِّ بأنمل

رجفت ولم أملكْ بهنَّ له فما

١٤٧

فأقرَّ في سمعي أمضُّ قوارعٍ

نفذت فكانت في فؤادي أسهما

ينعي جفوناً كان يرخيها التقى

بأبي جفونك ما أعفَّ وأكرما

وأناملاً منها بأعظم كلفةٍ

عبر الحمامُ إليك بحراً مفعما

رفعوك والبركات عن ظهر الثرى

وطووك واللمعات عن وجه السما

دفنوك وانقلبوا بأعظم حيرةٍ

فكأنّما دفنوا الكتاب المحكما

لولاك يا (مهديُّ) آل (محمدٍ)

ظلوا بمجهلها الطريقَ الأقوما

أشرقتَ شمساً في بروج سما الهدى

فأضأتها وولدت فيها أنجما

لولاك ما وجدت ولولا (جعفرٌ)

من مذهب للحق يرغم مجرما

أقسمتُ بالشرف الذي هو طبعه

وعلمت ذلك جهدَ مَنْ قد أقسما

لقد احتمت منك الشريعة في فتىً

لا تستبيح يد النوائب ما حمى

وإذا ذوو الفضل استوت أقدامُهم

وجدوه أحرى القوم أنْ يتقدَّما

ومن السكينة والوقار سكوتُه

وإذا تكلَّم لم تجدْ متكلّما

هو خيرُ مَنْ نمت العلاء وآله

من ذروة (الجوزاء) أشرف منتمى

(الجعفريين) الذين بمجدهم

ركبوا من الشرف السنامَ الأعظما

رفعوا على أُولى الزمان رواقهم

وتوارثوا فيه العلاء الأقدما

بالسيد (المهديِّ) ثمّ (بجعفرٍ)

وبهم أنار اللهُ ما قد أبهما

يا موصلاً منّي رسالة ذي حشا

ظمئت إلى ذاك الرواء ولا ظما

بلّغ بلغت الخيرَ خيرَ موسَّدٍ

جدثاً به دفنوا الصراطَ الأقوما

يا بدرُ إن تك قد أفلت فلا تخلْ

برجَ الهداية منك بعدك أبهما

فلقد ولدت به كواكب لم تلدْ

مثلاً لها أمُّ الكواكب في السما

لو عدتَ للدنيا ومَنْ لزمانها

بك أن تعود فيغتدي متبسما

لرأيت (صالحها) معيناً للعُلى

مولىً له الدهرُ اغتدى مستخدما

وتلطّفت وطفاءُ تحلبها الصَبا

بثرىً حواك فضمَّ عضباً مخذما

١٤٨

أفصحتُ عن وجدي إليك بدعوةٍ

رُبَما ذممت بها الزمان الأعجما

قد كنتَ لي بجميل ذكرك مالكا

فلئن بقيتُ لأنسين (متمما)

وقال يرثي الشيخ حسين الطريحي (1) ، ويعزِّي أخاه الشيخ محمد، والعلاّمة السيد مهدي القزويني:

وأبيك لا حيُّ يدومُ

فعلام ترمضك الهمومُ؟

لا تجزعنَّ لضاعنٍ

وانظر هديت مَنْ المقيمُ

إنّا بنو الدنيا تطيبُ

لنا ومربعُها وخيمُ

نرجو الشفا لسقيمنا

وصحيحنا فيها سقيمُ

ونروم أن نبقى بها

والموتُ غايةُ ما نرومُ

هذا (الحسينُ) وكان يسـ

تسقي بطلعته الغيومُ

سائل به محرابَه

إن شئتَ فهو به عليمُ

يخبرك كم بسناه أمـ

سى يزهر الليلُ البهيمُ

متهجداً لله ودَّت

لثمَ مسجده النجومُ

هو واحد التقوى الذي

هي بعد مولده عقيمُ

رحل الحمام به فتلك

معالم التقوى رسومُ

رُفعتْ برفع سريره الـ

بركات وافتُقدَ النعيمُ

حملوه والتقوى تنا

شده ومدمعُها سجومُ

يا ذاهباً لا يُرتجى

أبد الزمان له قدومُ

فاللحدُ هل يدري أأنـ

تَ أم الصلاحُ به مقيمُ؟

قمرُ السماء به توارى

أم محيّاك الكريمُ؟

____________________

1 - هو الشيخ حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمد الطريحي، أحد أعلام أسرته الحافلة بالعلماء، كان عالماً فاضلاً أصوليّاً. توفّي عام 1302 هـ، وقيل: عام 1303 هـ.

١٤٩

إن يوصِ غيرك مَنْ بأر

ثِ يتيمه ورعاً يقومُ؟

فالنسك إرثٌ والوصيُّ

تقاك والزهدُ اليتيمُ

ومقيم مأتمك التقى

إنّ التقى نعمَ المقيمُ

وبك المعزِّي مَنْ أتى

في مدحه الذكر الحكيمُ

القائمُ (المهديُّ) مَنْ

تُجلى بطلعته الهمومُ

ورث النبوَّة علمها

فهو الخبيرُ بها العليمُ

مولىً بنادي عزِّه

تتضاءل الصيدُ القرومُ

نادٍ ملائكةُ السماء

على سرادقه تحومُ

وبشمِّ آناف الملوك

ترابُ عتبته شميمُ

في صدره (المهديُّ) تصـ

در للورى منه العلومُ

ملأتْ نتائجه الزمان

وغيره الشكل العقيمُ

فله الزعامة في الهدى

وسواه في الدعوى أثيمُ

يا مَنْ له النسبُ الصريح الـ

محض والحسبُ الكريمُ

عجباً يروم عُلاك مَنْ

لك فوقه الشرفُ القديمُ

فوق الرغام وتحت نعلك

أنفُ همّته رغيمُ

هبه يرومُ فأين مِن

يد مَنْ على الأرض النجومُ؟

مثلان خلقُك والنسيمُ

ونداك والغيثُ العميمُ

ولأنت واسطة العلاء

وولدُك العقدُ النظيمُ

قومٌ بهم أمِنَ المروعُ

وفيهم أثرى العديمُ

كلاً تراه (جعفراً)

في الجود وهو لهم زعيمُ

أرجُ السيادة فيهم

كالمسك ينشره النسيمُ

رضعوا الإمامة فالجميعُ

بنور عصمتها فطيمُ

فولاؤهم فرضٌ وهد

يُهم الصراطُ المستقيمُ

١٥٠

لبس الزمان بهاءهم

فبهم محيّاه وسيمُ

وبهم لنا الأيامُ يقطر

من غضارتها النعيمُ

تهوى السماء بأنّها

لصعيد أرضهم أديمُ

وإذا مشوا فوق الثرى

حسدت نعالهم النجومُ

يا سادة العلما ومَنْ

تزن الجبال لهم حلومُ

بكم العزاءُ وحسبنا

من كلّ ماضٍ أن تدوموا

(أمحمدٌ) في ظلّهم

ستنال أقصى ما ترومُ

فأبوك إنْ يفقدْ فكلّ

همُ أبٌ برُّ رحيمُ

سيقرَّ عيناً في الثرى

إذ فيك جودُهم يقومُ

حيّا الملائكُ قبره

من حيث فيه هو المقيمُ

وسقته من أنواء عفو

الله واكفةٌ سجومُ

وقال راثياً الحاج محمد رضا كبّه، وقد مرَّ نعشه على مدينة الحلّة، وكان السيد صاحب الديوان خارجاً عنها في إحدى الضواحي، فعزّى أباه الحاج محمد صالح كبّه بهذه المقدّمة والقصيدة، قال:

(هلمّ واستمعْ مقالي، وتعجَّب بما تصرّفت بي الليال، فما أخالك رأيت مثلي فقيداً شطَّ به المزار، فلم يعلم بنفسه ساعة خرجت من الدنيا إلى دار القرار، ولا أظنّك سمعت قبلي بأحدٍ مات في زمنه، وقد أبعده الدهر عن قطنه، فلم يحضر تشييع نعشه عندما مرَّ عاجلاً، ولم يشهد حلول رمسه مذ أودع في دار البلى:

كفاني بهذا جوىً ما بقيت

يجدّد في القلب جرحاً رغيبا

نعم، وكلّما أردت النياحة في هذه المصيبة أفحمتني دهشة ما يتجدد في قلبي من استعظام هذه النازلة الغريبة، فأعود على الحبسة نفسي، وأتمنّى لو أنّني

١٥١

قبل صدورها عليَّ حبست برمسي حتى قالت لي النفس سبق إلى أوداجك السيف هذا العذل، وما عسى أن أقول؟ ولمَنْ أعزِّي وأنا الثكول؟ وعلى مَنْ أنوح وأنا الفقيد؟ ولمَنْ في اللحد أنادي وأنا الملحود؟

ما أخطأتك النائبات

إذا أصابت مَنْ تحب

بلى، وتربة وارت بالأمس مَنْ هو أعزُّ عليَّ منّي، وحفرةٍ غمّضت أجفانها على ضياء عيني، لا سمحت لك قريحة لبّي، أو تنوح عليَّ بلسان حالي فحسبي نياحة قلبي، فأجبتها إلى مقالها، وقلت وعيني تجود بانهمالها):

إطوياني ملامة وانشراني

بلغ الوجدُ حيث لا تبلغاني

قد عناني جوىً يطول وفيه

يقصر اللومُ عن مردِّ عناني

كيف عيني لم تغدُ بيضاء حزنا

وهي قد أصبحت بلا إنسانِ؟

إنّ صوت النعيِّ مذ خاض سمعي

خلته في حشاي غربَ سنانِ

وعضضت البنانَ غيظاً ولكن

لا يفيد المكلوم عضُّ البنانِ

فاعذراني إذا ربطتُ فؤادي

بيدي وانطويتُ ممّا دهاني

إنّ قلبي من دهشتي طار رعبا

فغدا وهو دائم الخفقانِ

كفكفا عن حشاي غرب ملامي

من جراح الجوى بها ما كفاني

أين منّي صبري لأرضى فأسلو

صبري اليوم والرضا ميّتانِ

أنا يا لائميّ أدري بطبِّي

فاعذلاني ما عشتُ أو فاعذراني

سلّياني بردّ روحي وإلاّ

فبماذا عنه إذاً سلواني

فرّباه فوق الثرى اليوم منّي

أو فمنه تحت الثرى قرّباني

واقبراه إذاً بقلبي وإلاّ

فخذاه بقبره واقبراني

وإلى جنب مهجتي وسّداه

أو إلى جنب جسمه وسّداني

فحياتي وموته رزآن

لم أقدّرْ عليَّ يجتمعان

بل تخيّلتُ أن يعيش وأفنى

أو سواءً تضمُّنا حفرتان

١٥٢

لم أفارقه أجنبياً ولكنْ

هو روحي وفارقت جثماني

قد نشرنا ما بيننا الودَّ دهرا

فطواه الردى وليت طواني

غمّضا ناظري ما عشتُ غيظا

فعلى مَنْ بعد (الرضا) تفتحانِ

وزفيري ثقّف حنايا ضلوعي

فعلى ودّ مَنْ تبين حواني (1)

وخطوب الزمان دونك شخصي

فلك اليوم قد كشفتُ عياني

نزعت عنّي الحوادث درعي

فبمَنْ أتَّقي شبا الحدثانِ

فلكم قد لويت دهري وهذا

دهري اليوم كيف شاء لواني

لك أسمحتُ يا خطوب الزمان

ذهبتْ نخوتي فهاك عناني

قد أبانت حشاي فاستهدفيها

نكبة طوّحت ضحىً بأبانِ

راصدتني من حيث لست أراها

أعين النائبات وهي تراني

فرمتني من حيث لا أتّقيها

بسهام الهموم والأحزانِ

فأنا اليوم يا نوائبُ كلِّي

مقتلٌ بارزٌ لمَنْ قد رماني

كنت قدماً أذودُ نبلك عنّي

ببناني فأين منّي بناني؟

قد نعاه الناعي إلىَّ أيدري

لا دري أنّه إليَّ نعاني؟

فحسبت الفؤاد منّي أضحى

بين نابي ذي سورةٍ أفعوانِ

لهف نفسي على صريع حمامٍ

ليس لي عنه بالدفاع يدان

ودَّت المكرمات لو أنَّ منها

غسلته بدمعها العينانِ

ومسجّىً بنعشه في حبيرِ

هو والجودُ فيه ملتحفانِ

حملوه وخلفه كلُّ عافٍ

بدماه عيناه فائرتانِ

قائلاً: أيكة الرجاء اظمأي اليو

م وعودي مصفرَّة العيدانِ

مصَّ منك الصعيدُ ماء سماحٍ

كنت فيه ريانة الأغصانِ

عجباً خفَّ نعشه وهو قد سا

ر بثقل المعروف والإحسانِ

____________________

1 - حواني جمع: حاني. وفي المخطوط: يبين.

١٥٣

بل أراه ما خفَّ إذ سار لكن

حملته ملائكُ الرحمانِ

شيَّعته الأنامُ بالأحزان

والتقته بالبشر حورُ الجنانِ

هل كذا جلّ نعشُ ميتٍ سواه

اختلطا عند نعشه العالمانِ

وعليه قد ودَّت الأرضُ يبقى

ويرى (كلَّ مَنْ عليها فانِ)

فاحملاني إلى ثراه احملاني

وقفا بي عليه وقفة عانِ

ودعاني خلف الصعيد أناديه

نداء المروّع اللهفانِ

يا فقيداً فقدتُ منه غماما

كلّما قلت قد ظمئت سقاني

ودفيناً دفنتُ منه حساما

كنت أعددته لحرب الزمانِ

أغمدتْه في الترب كفِّي فشلَّت

فات نصري وأبتُ بالخذلانِ

شغلت منطقي عليه المراثي

وخلا مِن هوى سواه جناني

يا تراني أثني على مَنْ بمدحٍ

وهوى منْ أحبُّه يا تراني

مات محيي الثنا ولولا أبوه

قلت في لحده دفنت لساني

ذاك منه صفاته الغرِّ جاءت

في مزايا علاه طبق المعاني

صالح الفعل راجحُ الفضل غوط الـ

مستغيثين غيثُ أهل الأماني

ورعٌ ناسكُ تفرّغ للهِ

بقلبٍ من خوفه ملآنِ

جامعٌ قسوة الحميَّة للدين

انتصاراً ورقَّة الإيمانِ

وبعزِّ الملوك يصبح مرهو

باً ويمسي بذلَّة الرهبانِ

صدق المدحُ في علاه فقل ما

شئت في مجده العظيم الشانِ

هو في الخير من قديم الليالي

خيرُ مَنْ قد مشت به قدمانِ

أثقلت كاهل الزمان أياديه

فأمسى عياله الثقلانِ

وعلى الأرض كلّها من نداه

أثرٌ طيبٌ بكلّ مكانِ

قد بنى للقِرى على (الكرخ) بيتا

والتقى أسُّ ذلك البنيانِ

شارعَ الباب تلتقي طرقُ الأر

ض جميعاً لديه بالضيفانِ

١٥٤

رافعاً تحت ظلمة الليل للسا

رين فيه ذوائبَ النيرانِ

كرماً قد أعدَّ للضيف فيه

عدد الطارقين غرَّ الجفانِ

مكرماتٌ ترى رضيع سماحٍ

عندها الدهرَ لا رضيع لبانِ

شكرُها أعجز الأنام فأنّى

قابلتها الأيامُ بالكفرانِ؟

قلتُ للبحر هل تساويه يوما

قال كلاّ: لا يستوي البحرانِ

وسألتُ الحيا أتحكيه جودا

قال: أين الباكي من الجذلانِ؟

ليس يحكيه في سماحة كفٍّ

غيرُ مَنْ قد حكاه عزَّة شانِ

ذاك (عبد الكريم) مَنْ قد تسامى

شرفاً حطَّ دونه النّيرانِ

فهما فرقدا علاءٍ ومجدٍ

وهما ديمتا ندىً وامتنانِ

كلّما عنّ مفخرٌ يوم سبقٍ

فيه تلقاهما شريكي عنانِ

ولدا فتيةً همُ شهبُ الفخر

وإلاّ جداولُ الإحسانِ

متساوين في المكارم قد فا

قوا بفضل النهي على الفتيانِ

ينشر الحيُّ مَنْ طوى الموت منهم

ويعيد الباقي حياة الفاني

ما فقدت (الرضا) وذلك باقٍ

(مصطفى) الجود يا ركاب الأماني

فرديه خفائفاً تصدري منه

ثقال الخطى على الركبانِ

هو صبحُ الأيام سعد الليالي

بهجة الدهر نور عين الزمانِ

تتلّقاه من شذا حسبيه

عطرَ الجيب طيّب الأردانِ

ومن البشر في محيّاه بدرٌ

وبكفّيه للندى (جعفرانِ)

والأغرُّ (الهادي) إذا حار وفدٌ

فسناه دلالة الحيرانِ

هو طلقُ العنان في الجود طلق الـ

وجه طلق اليدين طلق اللسانِ

ومزاياه في سما المجد شهبٌ

وهو فيها وصنوه القمران

و(أمين) التقى وهل ضمّ مثلا

لأمينٍ في عصرنا المشرقانِ؟

طاهر النفس طاهر الجيب والأبـ

راد عفُّ في السرّ والإعلانِ

١٥٥

أبداً في تقاه لم تتغبَّر

بغبار الآثام منه اليدانِ

وهو في صدق لهجةٍ (كأبي ذرٍ)

وتقوىً تحكي تقى (سلمانِ)

والمرجّى (محمدٌ حسنُ) الطلـ

عة ينضو اللثام عن كيوانِ

مخبراتٌ مخايل الفضل فيه

أن سيسموا فخراً على الأقرانِ

يا (أبا المصطفى) وحلمك أرسى

في لقاء الخطوب من ثهلانِ

لك نفسٌ قدسية الذات فيها

حزتَ أعلى مراتب العرفانِ

وصف اللهُ أنّ قلبك للتقـ

وى مشيراً بآية الامتحانِ

وأرى الصابرين في عصرنا أنت

عناك الإلهُ في القرآنِ

حيث لو قيل عددّوهم عددنا

ك ونعيا عن أن نجي‌ء بثاني

هو جمعٌ أُريد بالذكر منه

واحدٌ وهو أنت عند البيانِ

فرِّغ القلب من جوى الثكل يا مَنْ

هو في الفضل ملءُ عين الزمانِ

وقال راثياً بعض الأكابر:

كذا تفقد العينُ إنسانها

فتدمي المدامعُ أجفانها

كذا يقرع الخطبُ صمَّ الجبال

إلى أن يزلزل ثهلانها

كذا للمراقب كفُّ الزمان

تمدُّ فتأسر عقبانها

كذا تغمد البيضُ تحت الصعيد

فتغدو الضرايح أجفانها

كذا وأبيك عوالي الرماح

تدقُّ يدُ الدهر مرّانها

وقال راثياً ولده سليمان وأخاه محمداً:

لقيت من الوجد واللائمينا

ضنىً شفَّ جسمي وأقذى العيونا

فلم أدرِ ماذا بقلبي أمضّ

وجدي أم عذلُ العاذلينا؟

ألائمتي بعض هذا الملام

فالأمر ليس كما تزعمينا

ذريني أُدمّي غروب الجفون

واستشعر الحزن حيناً فحينا

لقد جذم الدهرُ يسرى يديّ

فبانت وألحق فيها اليمينا

١٥٦

أصبراً وإنسانُ عيني يُسلُّ

بظفر الردى ساء ما تأمرينا

كفى حزناً أنَّ جسمي أقام

وقلبي استقلَّ مع الظاعنينا

أعينيَّ شأنكما والدموع

فما يترك الدهرُ دمعاً مصونا

له الذمُّ بالأمس قد بزَّني

وشيمته الغدرُ علقاً ثمينا

فغادر حجري منه خميصا

وبطن الثرى منه أمسى بطينا

وغصنٌ نما في تراب العُلى

وأينع في روضة المجد حينا

ذوي بعدما أن زها برهةً

وراق النواظر حسناً ولينا

وكنتُ متى عنَّ لي ذكرُه

أطلتُ عليه البكا والحنينا

مضى ما نسيناه لكنْ ثنى

بآخر يذكرنا ما نسينا

أهلتُ عليه ترابَ القبور

وعدتُ أكابدُ داءً دفينا

على أنّني لم أزل منذ سبعٍ

أعدُّ الشهور له والسنينا

توسّمت منه سمات الكمال

وقلتُ يكون لبيباً فطينا

فلمّا مخائله بشَّرتْ

بتحقيق ما أرتجى أن يكونا

وقامت على ما تفرّست فيه

شواهد حققن فيه الظنونا

رمته (1) المنونُ بسهم الحمام

من حيث لا أتوقّى المنونا

فأصبحت أسمح للترب فيه

وكنت على اللحظ فيه ضنينا

بمَنْ أتعلل في النائبات

إذا غادرتني كثيباً حزينا

ومَنْ مؤنسي حيث ليل الخطوب

يمرُّ علىَّ الهزيع الدجينا

فقل لليالي بلغتِ المنى

وأدركت منّي ما تأملينا

لقد كنت بالأمس ذا مقلتين

أرى بهما ما يقرُّ العيونا

فقأت بسهمك يسراهما

وسرعان ما قد فقأت اليمينا

قعدتُ بعمياء مستصحبا

تريني أيامي البيض جونا

ولا تحسبيني لمّا شكوتُ

صنيعك لي عاجزاً مستكينا

____________________

1 - في المخطوط والمطبوع: رماه.

١٥٧

وقال راثيا شاباً في ريعان الصبا بالتماس بعض الأشراف:

أما والهوى العذرى ما بتُّ ساليا

حبيباً بعيني الكرى كان ثانيا

سلوتُ إذاً والله حتى حشاشتي

على عزّها إن كنت أمسيت ساليا

وريّان من ماء الصبا غصنُ قدّه

برغمي يمسي في ثرى اللحد ذاويا

فجعتُ به حلو الشمائل بعدما

ولعتُ به غضَّ الشبيبة ناشيا

تطلّعُ نفسي من ثنايا اشتياقها

إلى طلعةٍ منه تنير الدياجيا

وأطلب في الأحياء رؤية شخصه

على ولهٍ منّي وأنسى افتقاديا

فكم لي على الذكرى إليه التفاتةٌ

كأنْ لم يكن بالأمس وسّد ثاويا

ولائمةٍ لامت ولم تدرِ ما الجوى

ولا كيف يرعى المستهام الدراريا

تلوم ولا سمعي لها فيجيبها

إلى سلوةٍ قلبي ولا قلبها ليا

ولو وجدتْ للبين ما قد وجدته

غدا آمري بالحزن مَنْ كان ناهيا

أميمةُ هل أدميت إلاّ بنانيا

وهل غيرُ دمعي بلَّ فضل ردائيا

أقلَى فلم أنضح جواي بأدمعِ

أكفكفها عن مقلتيك جواريا

ولا قلَّبت كفُّ الأسى لك مهجة

حشاي على جمرٍ توقَّد ذاكيا

عذلت وعندي يعلم اللهُ لوعة

أكابد منها ما يدكُّ الرواسيا

غلبتَ وأحداثُ الزمان غوالبٌ

وفي أيّ دار ما أقمن النواعيا

وكيف انتصاري يوم طارقة النوى

وعند الليالي يا ابنة القوم ثاريا؟

حدت ظعن الأحباب عنّي وغادرت

مع السقم تعتاد الهمومُ وساديا

وفي الجيرة النائين لو تعلمينها

علاقةُ حبٍّ همت فيها لياليا

فلو جمعتنا الدار من بعد هذه

إذاً لأطلنا يا أميمُ التشاكيا

بمَنْ أتداوى من جوى الهمّ لا بمَنْ

وهل دفن الأقوام إلاّ دوائيا؟

وغادين قد أتبعتهم يوم ظعنهم

جفوناً يعلمنّ البكاء الغواديا

وقفتُ لهم في مدرج البين وقفةً

تكسَّر أنّى ملتُ منّي عظاميا

١٥٨

وقفتُ ونفسي رغبة في لقائهم

تمنّى على كذب الرجاء الأمانيا

ومَنْ ذهبت أيدي المنايا بشخصه

فهيهات فيه يرجع الدهرُ ثانيا

أحبايَ حال الموتُ بيني وبينكم

فما حيلتي فيكم عدمت احتياليا؟

قفوا لا أقام البينُ صدر مطيّكم

لمستعطفٍ بالدمع يخشى التنائيا

قفوا خبّروني عنكم هل أراكم

ولو شبحاً ما بين عينيَّ ساريا؟

وتلك الليالي السالفات على منىً

تطيب وتحلو هل تعود كما هيا؟

ليالي أنسٍ بالوصال لبستها

رقاق الحواشي نيّراتٍ زواهيا

دعوا لي قلبي أو خذوه مع الجوى

فها هو خلف الركب أصبح ساريا

أحبايَ لا والله ما عشتُ سلوةً

ولا بكم استبدلت خلاً مصافيا

ولمّا سرى الناعي بكم فاستفزّني

ونادى منادي البين أن لا تدانيا

ربطت الحشا بالراحتين ولم أخلْ

تطيح شظايا مهجتي ببنانيا

وعندي ممّا ثقَّف البينَ أضلعٌ

غدون على جمر الفراق حوانيا

وعينٌ بلا غمضٍ كأنّ جفونها

حلفن بمَنْ تهواه أن لا تلاقيا

وقلبٌ متى يا برق يقدحك الأسى

قدحت به زنداً من الشوق واريا

ولي في زوايا ذلك النعش مهجةٌ

ترفُّ رفيف الطير يفحص داميا

قضى الله أن لا أبرح الدهر أشتكي

لواعج يدمين الحشا والمآقيا

فيا عين سيلي بالدموع صبابةً

ويا نفسُ منّي قد بلغت التراقيا

١٥٩

التاريخيات

١٦٠