ديوان السيد حيدر الحلي الجزء ٢

ديوان السيد حيدر الحلي0%

ديوان السيد حيدر الحلي مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 241

  • البداية
  • السابق
  • 241 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21088 / تحميل: 7557
الحجم الحجم الحجم
ديوان السيد حيدر الحلي

ديوان السيد حيدر الحلي الجزء 2

مؤلف:
العربية

ستؤدي فرضَ الطواف وتأتي

لحمىً فيه للسرور مطافُ

ثمّ أهدى إليكَ تحفةَ بشرٍ

ما حوتْ مثلَ درِّها الأصدافُ

في تهانٍ لها إليك اختلافٌ

وسعودٍ لها عليكَ ائتلافُ

كرياضِ الربيع تونق زهرا

راقَ للناظرين منها اقتطافُ

وقال مادحاً بعضهم:

أهدي إليكَ أخا الفخار تحيةً

رقَّت كرقة طبعكَ الشفافِ

وافتكَ تحسب أنّها داريَّةٌ

حملتْ شذاك لأنفك المستافِ

وفد السرورُ بها لتهنئة العُلى

فيما حبيتَ به من الألطافِ

أنت الذي عكفَ الثناءُ بربعه

وأطاف فيه الحمدُ أيَّ مطافِ

شهدتْ لك (الفيحاء) أنّك زدتها

شرفاً لأنّك صفوةُ الأشرافِ

وبها لك انتهت الرياسة كلُّها

فرفلتَ في حبراتها الأفوافِ

وبها قدمتَ فكان أيمنُ مقدمٍ

طرقَ العداة بمرغم الآنافِ

كانت أماني أنفسِ مكذوبةٍ

دعت الحسود لقلّة الإنصافِ

وقال يمدح السيد سلمان النقيب، وقد التمسه الحاج مصطفى كبّه، وذلك ببغداد سنة 1295 هـ:

بنى العشقُ ما أحلى إليّ كلّ عاشقِ

طِلاً لمشوقٍ زفّها كفُّ شائقِ

ولم أرَ في الأحشاء ألطفَ موقعا

وأرشقَ من نبلِ العيون الرواشقِ

وأغرق أهلُ الحبّ في الحبّ مهجةً

بكلّ غريرٍ في المحاسن فائقِ

أظنُّهم حتى على لحظ عينه

بما احمرَّ من وردٍ بخديه رائقِ

وما العمرُ عندي كلمُّه غير ليلةٍ

يبيتُ رهيفُ الخصر فيها معانقي

ترفُّ على صدري خوافقُ فرعه

رفيفَ حشاً منّي على الشوق خافقِ

٤١

كأنَّ الثريّا طوقته هلالها

ومن حسدٍ مدّتْ له كفَّ سارقِ

من الريم لم يألفْ سوى الرمل ملعبا

ولم يرتبعْ إلاّ بأحناء بارقِ

ونشوانَ من مشمولة الدلِّ قدُّه

أرقُّ من الغصن انعطافاً لوامقِ

مورّدُ ما بين العذارين زارني

فنزَّه أحداقي بلون الحدائقِ

وقلتُ وقد أرخى على الخدّ صدغه

لقد سلسلَ الريحان فوقَ الشقائقِ

أقبلُّ طوراً وردَ خديه ناشقا

عبيرَ شذىً ما شقَ عرنين ناشقِ

وألثمُ طوراً ثغره العذبَ راشفا

سلافة خمرٍ لم تدنّسْ بذائقِ

خلوتُ وما بي ريبةٌ غير نظرةٍ

تزوَّدتها منهُ بعيني مُسارقِ

وراودته لكنْ من الثغر قبلةً

ألذَّ وأشهى من غبوقٍ لغابقِ

وأعرضتُ عمّا دون عقد أزاره

عفافاً وقد زالتْ جميع العوائقِ

وحسبُكَ منّي شيمةً قد ورثتُها

من الغالبيين الكرام المعارقِ

خليليّ ما للكأس كفّي ولا فمي

ولا كبدي للناهدات العوانقِ

نسيتُ وما بي يعلمُ الله صبوةٌ

ولا اجتذبتْ أحشاي بعض العلائقِ

عشقتُ ولكن غيرَ جارية المها

وما العيشُ إلاّ للمعالي بلائقِ

خذا من لساني ما يروقُ ذوي النهى

ويترك أهلَ النظم خرسَ الشقاشقِ

مديحاً له تجلو مفارقُها العُلى

وسلمانُ منها غرةٌ في المفارقِ

وقورٌ على الأحداث لا تستخفه

إذا طرقتْ في الدهر إحدى السوابقِ

ومَنْ كعليِّ القدر كان أباً له

يزنُ بحجاهُ راسيات الشواهقِ

نقيبُ بني الأشراف أعلى كرامهم

عماداً وأسناهم فناءً لطارقِ

فما قلبتْ أمُّ النقابة قبله

ولا بعده في مثلهِ طرفَ رامقِ

فتىً إن سرى يوماً لإحراز مفخرٍ

فليس له غيرُ العُلى من مرافقِ

لقد غدت الدنيا عليه جميعُها

مغاربها تُثنى ثناءَ المشارقِ

تطرَّق أمَّ المجد في بيت سؤددٍ

يظلّلُ عزّاً بالبنود الخوافقِ

٤٢

فأنجبَ من سلمان وهو ذكا العُلى

ببدرِ نهىً يجلو ظلام الغواسقِ

همامٌ نمتهُ دوحةٌ نبوية

إلى مثمرٍ في المجدِ منها ووارقِ

لهُ النسبُ الوضّاحُ في جبهة العُلى

مع الحسبِ السامي جميع الخلائقِ

يعدُّ رسول الله فخراً لمجده

وحسبك مجداً في الذرى والشواهقِ

تضوعُ بعطفيه السيادة مثلما

تضوَّع عرف المسكِ طيباً لناشقِ

به اقتدحتْ زند النجابة هاشمٌ

ففي وجهه من نورها لمعُ بارقِ

سما في المعالي طالباً قدرَ نفسه

إلى شرفٍ فوق الكواكب باسقِ

وفاتَ جميعَ السابقين إلى العُلى

فقصّر عن إدراكه كلُّ سابقِ

وقالوا: رويداً حكَّ عاتقكَ السهى

فقال: وما قدرُ السهى حكُّ عاتقي

تمنطق طفلاً بالرياسة واحتذى

بأخمصها تيجانَ أهل المناطقِ

إليكم ملوكَ الأرضِ عن ذي سرادقٍ

تجمعت الدنيا به في السرادقِ

تقبِّل أهلُ الفخر أعتابَ داره

فيأرج منها طيبُها في المفارقِ

فداء مفاتيح الندى من بنانه

أكفُّ على أموالها كالمغالقِ

تعللّ راجيها إذا أسودَّ ليله

بكاذب وعدٍ فجرُه غير صادقِ

ندىُّ بنان الكفِّ في كلّ شتوةٍ

يجفُّ بها ضرعُ الغيوم الدوافقِ

فحين تشيمُ المجدبون بوارقا

تمنَّوا نداه غيث تلك البوارقِ

وضيءُ المجالي والمعالي كليهما

وعذبُ السجايا والندى والخلائقِ

أخفُّ على الأرواح طبعاً من الهوى

ولكنَّه في الحلم هضبة شاهقِ

فما طلعةُ البدر المنير مضيئة

كطلعته الغراء في كلّ غاسقِ

مهيبٌ فلولا ما به من تكرُّمٍ

لما لمحته هيبةً عينُ رامقِ

فما هيبةُ الضرغام دون عرينه

كهيبته القعساء دون السرادقِ

لقد كتب اللهُ الفخارَ له على

لواء عُلىً في الغرب والشرق خافقِ

تضايقت الدنيا ببعض فخاره

على أنّه فرّاجُ كلّ المضايقِ

٤٣

يضيع فضاءُ الأرض في رحب صدره

إذا هي غصتْ في الخطوبِ الطوارقِ

من الفاطميين الذين تراضعتْ

قناهم طلى الأعداء في كلّ مازقِ

همُ توّجوا هامَ الملوك ببيضهم

وداسوا على أنماطهم بالسوابقِ

إذا نزلوا كانوا ربيعَ بني المنى

وإن ركبوا كانوا حماةَ الحقائقِ

تعانق فوق الخيل عاليةُ القنا

عناقَ سواها الغيد فوق النمارقِ

هم القومُ ما للشيخ منهم لكهلهم

وما منهم في كهلهم للمراهقِ

وهذا ابنهم سلمانُ والفرع طيبه

يجيءُ على مقدار طيب المعارقِ

إذا مسحتْ منه العُلى وجهَ سابق

جلتْ من أبي محمود غرّة لاحقِ

فتىً علمه يحكي غزارةَ جوده

وما علمُ قومٍ غير محض التشادقِ

وقد قوّمت منه الإصابة رأيه

فكان لفتق الدهر أحزم راتقِ

ومنطيقُ فصلٍ لو يشاء لسانه

لفلَّ حدودَ الفاصلات البوارقِ

يحاكي بقطع الخصم أسياف قومه

فيمضى مضاها في الطلى والمرافقِ

ويطعنه في قلبه بنوافذٍ

نفوذَ قناهم في قلوب الفيالقِ

أبا المصطفى أرغمت أنتَ وذو النهى

شقيقك في العلياء شمَّ المناشقِ

لقد زنتما جيد العُلى من بنيكما

بسمطي فريدٍ في العُلى متناسقِ

فيا قمراً سارت بذكر علائه

نجومُ القوافي في سماء المهارقِ

إليكَ تعدتْ فكرتي كلَّ فكرةٍ

لما لم يكنْ فيه مجالُ محاذقِ

فجاءتْ من القول الذي انفردتْ به

بآيات نظمٍ أفحمتْ كلّ ناطقِ

سلمتَ على الدنيا وفخرُك مشرقٌ

يضيُ ضياءَ الشمس في كلّ شارقِ

لك الدهر عبدٌ لا يرى المجدُ عتقه

ولا هو يلوي عنكمُ جيدَ آبقِ

وقال في مدح بعض الأشراف:

بقِّيتي هي بين الشوق والأرقِ

حشاً تذوب وجفنٌ غير منطبقِ

قد لوَّن الدهرُ دمعي في تلونه

فانهلَّ من أحمر قانِ ومن يققِ

٤٤

وقيدتني عن شأوٍ حوادثه

وقلنَ دونك والغايات فاستبقِ

فكيف يسبقُ مَنْ كانَ الزمانُ له

قيداً يجاذبهُ عن رسنهِ الغلقِ

وهل يؤدّي لخلِّ حقَ خلَّته

....................................... (1)

يا مَنْ تعوِّذُه في كلّ شارقةٍ

أمُّ السماح بربِّ الناسِ والفلقِ

عذراً فداؤك في طرق الندى فئةٌ

أرى المكارمَ فيهم وحشة الطرقِ

ما أبطأتْ عنك لا صدّاً ولا مللا

آياتُ شوقٍ ولا الإعراضُ من خلقي

وكيف أغفلُ حقاً أنت صاحبه

وكان ذلك فرضاً لازماً عنقي

وقال يمدح بيت الحاج محمد صالح كبّه:

بيتُ مجدٍ إن حوى شكرَ الورى

فعلى معروفهِ كانوا عيالا

لم يكنْ للجودِ إلاّ مطلعا

يملأ العينَ هلالاً فهلالا

وقال يمدح مدحت باشا وقد سأله ذلك الحاج مصطفى كبّه:

أثنتْ عليك بأسرها الدولُ

وتشوقتكَ الأعصرُ الأولُ

وأعدتَ للأيامِ جدَّتها

فاليوم عمرُ الدهرِ مقتبلُ

وأرى الممالك يا ابن بجدتها

لكَ شكرُها كنداك متصلُ

أوسعتها وفضلتها كرما

عنهُ يضيقُ السهلُ والجبلُ

وسبرتَ غور زمانها فغدا

لا جرحَ إلاّ وهو مندملُ

ما في الحياة لخالعٍ أملٌ

أنتَ الحمامُ وسيفك الأجل

مَن ذا يردُّ لعزمتيكَ شبا

وشباكَ يقطع قبلَ ما يصلُ

إن تنتعلْ قممَ الملوك فقد

توّجتهم بالفخر لو عقلوا

وطأتْ لك الدنيا بأخمصها

هممٌ بساطُ نعالها القللُ

ولئن أقمتَ بحيث أنت وقد

أمنت بك الأقطارُ والسبلُ

____________________

1 - بياض: في المخطوطتين والمطبوعتين.

٤٥

فالأرض حيث تجوسها بلدٌ

والناسُ حيث تسوسها رجلُ

وإذا الصواهل أرعدتْ وعلى

برق الصوارم أمطر الأسلُ

وعلتْ رياح الموت خافقةً

بأجش قسطله لها زجلُ

خضتَ السيوفَ وكلُها لججٌ

تحت الرماح وكلُها ظللُ

وجنيتَ عزَّ الملك محتكما

من حيث تنبت في الكلى الذُبلُ

ولديكَ آراءٌ مثقفةٌ

ما مسها كمثقفٍ خطلُ

فإذا طعنتَ بها العدى وصلتْ

منهم لحيث السمرُ لا تصلُ

وعزائمٌ كالشهب ثاقبةٌ

في كلّ ناحيةٍ لها شعلُ

قلْ للقبائل لا نعدُّكم

جمعَ القبائل كلّها رجلُ

أسدٌ قلوبُ عداه من فرقٍ

ذهلٌ ونابلُ فكره ثعلُ

فاطرحْ أحاديثَ الكرام له

فيه لكلٍّ منهم مثلُ

واتركْ تفاصيلَ الملوك فقد

أغنتكَ عنها هذه الجملُ

يا ابن الوزارة أنت أوحدُها

لا راعها بفراقك الثكلُ

ومَن ادّعى للعين ليس سوى

إنسانها ابنٌ تشهدُ المقلُ

فأقم وبدرُك كاملٌ أبدا

والبدرُ منتقصٌ ومكتملُ

في دولةٍ صلحتْ وزارتها

لكَ فهي تحسدُها بك الدولُ

وقال يمدح الحاج محمد رضا كبّه في ضمن عتاب:

يا أمجد الناسِ فرعا

يُنمي لأمجد أصلِ

وقاتلَ المحل جودا

في كلّ أزمة محلِ

وابن القِرى ولعمري

أبوك زادُ المقلِّ

لا يستشارُ سواه

في كلّ عقدٍ وحلِّ

والموقدُ النارَ ليلا

للطارقِ المستدلِّ

٤٦

مرفوعةً وعليها

مراجلُ (1) الزاد تغلي

يمتدُّ منها لسانٌ

إلى السما متجلي

حتى يضيءَ سناه

في كلّ حَزنٍ وسهلِ

يدعو الضيوف هلمُّوا

إلى القِرى، لمحلّي

فيهتدي بسناه

إليه كلُّ مضلّ

أكرم به من كريمِ

له انتهى كلُّ فضلِ

والخلقُ منك ومنه

مثلان في غير مثلِ

هذا مجاجةُ (2) مسكٍ

وذاك شهدةُ نحلِ

يفدي عُلاك ابنُ خفضٍ

سارٍ برجل ابن ذلِّ

يبغي العُلى وهو شيخٌ

همُّ بهمة طفلِ

وهل تنال الثريّا

عفواً بباع أشلِّ

وما له في طريق الـ

علياء موطئُ رجلِ

ولا له حوضُ جودٍ

يرجى لعلٍ ونهلِ

إلاّ حقيقةُ بخلٍ

تبدو بصورة بذلِ

وقال يمدح العلاّمة الشيخ محمد حسن الكاظمي:

قدَّمتك العُلى وكنتَ زعيما

وقصارى رجائها أن يدوما

واستنابتك عن أكارمَ تقفو

هديَهم والكريمُ يقفو الكريما

لم يزدكَ التعظيمُ منّا جلالا

إذ لدى ذي الجلالَ كنت عظيما

لك فوق الأنام طودُ جلالٍ

طائرُ الوهم حوله لنْ يحوما

ما تجلى به لك الحقُّ إلاّ

وغدا يصفقُ الحسودَ وجوما

فالعجيب العجاب أنّك موسى

ونرى مَنْ سواك كان الكليما

____________________

1 - المراجل: القدور.

2 - المجاجة: العصارة.

٤٧

باسطاً بالندى بنانَ يدٍ بيضا

لم يغدُ طرفة مضموما

هي شكلٌ للجودِ ينتجُ دأبا

وسواها قد جاء شكلاً عقيما

أيّها المسقمُ الحواسدَ غيظا

بالنُهى كم شفيتَ فكراً سقيما

أنت لطفٌ لكنْ تجسمت شخصا

فغدا منُّك الجسيم جسيما

كم لعامٍ مسحتَ وجهاً بأندي

من وجوه الغرّ الغوادي أديما

تلكَ راحٌ كم روحتّنا وكفٌ

كم بها اللهُ كفَّ عنّا الهموما

علمتْنا هي الثنا فانتقينا

من مزايا علاكَ درّاً يتيما

فلك الفضلُ إنْ نظمنا لأنا

منك نهدي إليك عقداً نظيما

عصم اللهُ دينه بك يا مَنْ

كان من كلّ مأثم معصوما

لا أرى يملك الحسودُ سوى ما

إنْ عددناه كان فيه ذميما

بصراً خاسئاً وكفّاً أشلا

وحشاً ذاعراً وأنفاً رغيما

قد تقلدتها إمامةَ عصرٍ

سدتَ فيها الإمامَ والمأموما

قدمتْ منك واحدَ العصر يا مَن

عاد نهجُ الرشاد فيه قويما

قدّمتْ فيكَ ثاني الغيثِ كفّا

ثالثَ النيّرين وجهاً وسيما

قدّمت منك يا أدلّ على الله

عليماً ناهيك فيه عليما

قدّمتْ يا أجسُّ للحكم نبضا

منك طبّاً بالمعضلات حكيما

قد نظرنا بك الأئمة حلما

وحجّى راسخاً وفضلاً عميما

وروينا فيالدين عنك حديثا

ما روينا في الدين عنك قديما

بكَ منهم بدت مناقب غرّ

في سماء الهدى طلعنَ نجوما

هي طورا تكونُ رشداً لقومٍ

ولقومٍ تكون طوراً رجوما

فأقمْ في عُلىً ترى كلَ آنٍ

مقعداً للعدوّ منها مقيما

لم يكنْ ودُّنا مقالاً علكناهُ

كما يعلك الجوادُ الشكيما

بل وجدناكَ حجة الله فينا

فنهجْنا صراطكَ المستقيما

٤٨

ولنا اليوم أنتَ في الأرضِ ظلٌ

وغداً نستظلُ فيك النعيما

وقال يمدحه أيضاً ويعزّيه بوفاة ولديه الشيخ علي والشيخ باقر:‍

إليكَ وقد كلَّتْ علينا العزائمُ

سرتْ بتحيات المشوقِ النسائمُ

تحاكمنَ في دعوى التفوُّق بالشذا

إليك وكلٌ طيباتٌ نواعمُ

ولا مدّعٍ عنّي سوى خالص الهوى

ولا شاهدٌ إلاّ العُلى والمكارمُ

وأغلبُ ظّنّي أن خلقكَ للتي

حكتْ طيبه وهي التحيات حاكمُ

أما وأيادٍ أوجب المجدُ شكرَها

بها لم تنبْ عن راحتيكَ الغمائمُ

لأنتَ الذي منه تردُّ أمورنا

إلى عالمٍ ما فوقه اليوم عالمُ

إلى قائمٍ بالحقّ داعٍ إلى الهدى

له اللهُ عمّا يكره الله عاصمُ

إلى خير أهل الأرض بِرّاً ونائلا

وأكرم مَن تثنى عليه الأكارمُ

منارُ هدىً لولاه لاغتدت الورى

بمجهل غيٍّ ضمّها وهو قاتمُ

وسيف هدىً يمحو الضلالة حدُّه

ويثبت منه في يد الدين قائمُ

وعار من الآثام عفَّ ضميره

وكأسٌ من التقوى من الذكر طاعمُ

وجدناه ما يأتي الزمان بمثله

وهل تلد الأيامُ وهي عقائمُ

فتىً أظهر اللهُ العظيم جلاله

وليس لما قد أظهر اللهُ كاتمُ

وشادَ برغم الحاسدين علاءه

وليس لما قد شاده اللهُ هادمُ

وذو هيبةٍ لو اُشعِر الليثُ خوفها

لما ثبتتْ في الأرض منه القوائمُ

وأردفها أخرى فكانت عظيمةً

تهون لديها في الزمان العظائمُ

فصابرتها في الله وهي عظيمةٌ

أُقيمت لها فوق السماء المآتمُ

وحزتَ ثواباً لو يقسَّم في الورى

لحطتْ به في الحشر منها الجرائمُ

فأنت لعمري أصلبُ الناس كلّها

قناةَ عُلاً لم تستلنها العواجمُ

وأوسع أهل الأرض حلماً متى تضقْ

لدى الخطب من أهل الحلوم الحيازمُ

٤٩

عنت لك أهلُ الكبرياء وقبّلتْ

ثرى نعلك الحساد والأنف راغمُ

نرى علماء الدين حتفاً تتابعوا

وحسب الهدى عنهم بأنّك سالمُ

فأنت بهذا العصر للخير فاتحٌ

وأنت به للعلم والحلم خاتمُ

وأنت لعمري البحرُ جوداً ونائلا

وأنملك العشرُ الغيوث السواجمُ

فيا منفقاً بالصالحات زمانه

فداً لك مَنْ تفنى سنيه المآثمُ

بقيتَ بقاءً لا يحدُّ بغايةٍ

وأنت على حفظ الشريعة قائمُ

ولو قلتُ عمر الدهر عمَّرتَ خلتَني

أسأتُ مقالي ذلك الدهر خادمُ

تنبّهَ لي طرفُ التفاتك ناظرا

إليَّ وطرف الدهر عنّي نائمُ

فأدعو لنفسي إن أقل دمٌ لأنّني

تدوم لي النعما بأنّك دائمُ

فما أنا لولا روض خلقِك رائدٌ

ولا أنا لولا برقُ بشرِك شائمُ

ودونكها غراء تبسم لؤلؤا

من القول لم يلفظه بالفكر ناظمُ

فرائدُ من لفظٍ عجبتُ بأنّني

أبا عذرها اُدعى وهن يتائمُ

ومدره قولٍ يغتدي ولسانه

لوجه الخصوم اللد بالخزي واسمُ

ينال بأطراف اليراع بنانه

من الخصم ما ليست تنال اللهاذمُ

فأقلامه حقّاً قنا الخط لا القنا

وآراؤه لا المرهفات الصوارمُ

حمى الله فيه حوزة الدين واغتدت

تصانُ لأهل الحق فيه المحارمُ

فيا منسياً بالجود معناً وحاتما

ألاّ إنّ معنىً من معانيك حاتمُ

محيّاكَ صاحٍ يمطر البشرَ دائما

وكفُّك بالجدوى لراجيك غائمُ

وتخفض جنحاً قد سما بك فارتقى

إلى حيث لا بالنسر تسمو القوادمُ

تدارك فيه اللهُ أحكامَ ملّةٍ

قد اندرستْ لولاكَ منها المعالمُ

ألا إنّ عينَ الدين أنت ضياؤها

وأنت لها من عائر الشرك عاصمُ

شهدتُ لأهل الفضل أنّك خيرُهم

شهادةَ مَنْ لم تتبعه اللوائمُ

وإنّك ظلُ الله والحجة التي

تدين لها أعرابها والأعاجمُ

٥٠

وعندك جودٌ يشهد الغيثُ أنّه

هو الغيث لا ما جدنَ فيه الغمائمُ

يطبُّ به الأعداء والداء معضلٌ

وترقى به الأيام وهي أراقمُ

سبقتَ لتفريج العظائم في الورى

فخرتَ ثناها واقتفتك الأعاظمُ

وصادمت الجُلى حشاك فلم يكن

ليأخذَ منها خطبُها المتفاقمُ

فلو لم يكن من رقّةٍ قلتُ مقسما

لقد قرع الصلدَ الملُّم المصادمُ

وبالأمس لمّا أحدث الدهرُ نكبةً

إلى الآن منها مدمعُ الفضل ساجمُ

تلقيتَها بالحلم لا الصدرُ ضائقٌ

وإن كبرتْ فيه ولا القلب واجمُ

وقال يمدح السيد عبد الرحمن النقيب (1) ضمن كتاب:

لي العذرُ كلَّ لسانُ القلمْ

وجفَّ بما فوق طرسي رُسمْ

وعندي ولا عربيُّ سواه

لسانٌ بهذا المقام العجم

أكلفُه نعتَ سعد السعود

ومَن للثريّا به وهو فم

وغاية وصفي له أن أقول:

يا علماً ويقلُّ العلم

تركتُ لناديه عدَّ البقاع

وعديتُ عن قول هذا الحرم

كتركي له عدَّ أفرادها

وكيف بتعداد خير النسم

وقلتُ أرى الأرض في مجلسٍ

لمن تحت طيٍ رداه الأمم

هو البدر لكنّه للكمال

وبدرُ السما بين نقصٍ وتم

مِن الماثلين بصدر الندىّ

رزان الحلوم رزان القمم

فيا منْ إذا غاب قال الحضور:

وإن حضر القولُ كلُّ أرم

منيتَ ابتداءً بدرّ المقال

ويا بحرُ بالطبع منك الكرم

____________________

1 - السيد عبد الرحمن ابن السيد علي ابن السيد سلمان النقيب الكيلاني، تقلّد النقابة بعد أخيه عام 1915، وكان من سراة القوم ومشاهيرهم، له إحاطة بكثير من العلوم والفنون، وكانت لديه مكتبة واسعة ضمّت النوادر من الكتب، وقد ألّف أوّل وزارة عراقية. توفّي عام 1945 هـ، وخلف أولاداً.

٥١

نعم حقَّ لي فيك شكرُ الزمان

فحسنُ اعتنائك أعلى النعم

ولكن عجزت فمالي يدٌ

بما يستقلُّ بهدى الحكم

وقال يمدح بعض الأجلاّء:

قد أصبح الدهرُ يجلو منظراً حسنا

من ليلةٍ طوقّتْ جيدَ العُلى مننا

إلى كريمكَ قد زفّتْ كريمتُه

فزفّت الدهرَ والإقبالَ واليمنا

لقد غدتْ بهم (الزوراء) لابسةً

ثوباً من الزهو فيه فاخرتْ (عدنا)

يا بن الذين يبارون الصَبا كرما

والروضَ خلقاً وأطراف القنا لسنا

وقال يمدح العلاّمة الكبير السيد مهدي القزويني وأنجاله:

حيتْكَ بكرُ النظم غدوه

تجلو الثنا شغفاً وصبوه

بنواصع من لفظها

مثل الشموس بزغنَ ضحوه

طربتْ لمدحكَ هيفُها

فثنتْ معاطفَ ذات نشوه

جاءتكَ تشكرُ أنعما

سبقتْ إليها منك حلوه

أوقرتها منناً أتتْ

منك ابتداءً لا بدعوه

عن حملها ضعفت وفي

ها اُعطيتْ للسعي قوَّه

فأتتْ تقاصرُ عن خُطاها

خطوةً ثقلتْ فخطوه

ودعتْك يا منْ ليس يحنو

والدٌ أبداً حنّوه

ماذا أقولُ بمدح مَنْ

فيه كتابُ الله نوّه

علمُ الهدى السامي الذي

لا تلحق العلماءُ شأوه

ورثَ الأئمة كلّما

قد ورثوا من غير صفوه

فحوى جميعَ خصالهم

إلاّ الإمامة والنبوّه

أمنازعيه رياسةً

كلُّ بها يبغي علوَّه

مِن أين أنتم إنّما

إرثُ الأبوة للبنوّه

٥٢

بل ما لكم في الاشتراكِ

مع ابن وحيِ الله حظوه

حيث الإمامُ بكلّ عصرٍ

واحدٌ هو فيه قدوه

وإمامُنا مهديُّ هذا الـ

عصرِ نلجأ فيه نحوه

هذا بقيَّةُ جدّهِ

هل فيكمُ تجدون كفوه

ورعٌ جميعُ فعاله

للهِ لا لهوىً وشهوه

لا مضمراً غشّاً عليه

بزبرج التقوى مموّه

لكن تمحَّض للإلهِ

تقىً بكلّ ملاً وخلوه

جارٍ على حالٍ بها

أضحى لأهل الدين أسوه

فاشددْ يدك به فما

للدين أوثق منه عروه

كم فكَّ من عانٍ وكم

قد راشَ محصوصاً بثروه

وصعابِ أمرٍ أسلستْ

مذ راضَها من بعد نخوه

فهو ابنُ قومٍ لا تحلُّ

لهم يدُ اللاواء حبوه

وأبو أطايبَ لم تقمْ

عن مثلهم في الدهر نسوه

قمرُ السماء أبوهُم

شرفا وهم والشهبُ أخوه

ولِدوا ببيتٍ من بيو

ت الوحي أعلاهنَّ ذروه

وتراضعوا لبنَ الإما

مة فيه من ثديِ النبوّة

بيتٌ لأبكار المكا

رم كل يوم فيه جلوه

هو كعبةٌ والجودُ مشـ

عرهُ ومروته المروّه

نعْمَ المناخُ بيوم ضيـ

قةِ فاقةٍ وبليل شتوه

فازرعْ رجاكَ به تجدْ

ه كحبَّةِ نبتتْ بربوه

للجود فيه جعفرٌ

كرماً يعدُ البحرَ حسوه

ويريكَ لينُ يديه رقـ

ـة غاديات السحب قسوه

في كلّ يومٍ في حماه

لغارة الآمال غزوه

٥٣

تُسبي مواهبُه بها

ويُسرُّ إذ يؤخذْنَ عنوه

كم فاحَ من أعطافه

أرجُ الفخار بدار ندوه

ولكمْ إلى شرفٍ جرى

وجرتْ بنو العلياء تلوه

فهووَا وحلَّقَ يركبُ الـ

شعرى العبورَ إليه صهوه

بشراكِ سائمة الرجاءِ

فلم ترىْ ما عشتِ جفوه

قد جاء أكرمُ مَن به

أملُ العفاة أناخَ نضوه

لقيتْ أخاها المكرماتُ

فلم تخفْ للبخل سطوه

هو ذاك نعْمَ فتى السما

حةِ والسجاحة والفتّوه

ماءُ الحياة لذي الهوى

ولقلبِ ذي الشحناء جذوه

ما إن سما لعُلىً تودُّ

النيّراتُ بها علوّه

إلاّ التقى معه أخوه

(صالحٌ) منها بذروه

هذا المنوّهُ في المعالي

باسمه هذا المنوّه

غيظُ الحسود إذا بدا

شرقُ الخصيم إذا تفوّه

فيه سماتُ الفضل تشهدُ

أنّه في الفضل قدوه

تحكى شمائله شما

ئلَ مَنْ غدا في المجد صنوه

روحُ الكمال (محمدٌ)

أكرمْ به للمجد صفوه

هو و(الحسين) من العُلا

كلاهما عنقٌ وصهوه

ريحانتا شرفٍ تضوّ

عَ منهما أرجُ النبوّه

يا أخوةَ الشرف الرفيع

وبوركتّ تلك الأخوّه

حيتكُمُ بدويَّةٌ

هي عن سواكمْ ذاتُ نبوه

مخضتْ ثميلتها لكم

حلبَ الثناء صريحَ رغوه

وسقتكمُ منها مكا

فئةَ على الإحسان صفوه

وإذا اكتستْ حللُ القبو

ل فحقَ أنْ تختالَ زهوه

٥٤

٥٥

المراثي

٥٦

قال (رحمه اللّه) يرثي الحاج مهدي كبّه (1) ، ويعزّي أباه الحاج محمد صالح:

غمضت بغتةً جفونُ الفناءِ

فوق إنسانِ مقلة العلياءِ

وله نقبّت بغاشية الحزن

محيّا الدنيا يدُ النكباءِ (2)

حمّلت وقر عبئها كاهلَ الدهـ

رِ فأمسى يرغو (3) من الإعياءِ

نكبةٌ لم تدعْ جليداً على الوجـ

دَ (4) ولا صابراً على اللأواءِ

ليت أمّ الخطوب تعقمُ ماذا

أنتجت بغتة من الأرزاءِ؟!

ولدت حين عنَّست (5) هرماً ما

لم تلدْ مثله بوقت الصباءِ

فأصابت يداه في حرم المجدِ

فؤادَ العليا (6) بسهم القضاءِ

فقضت نحبها، وغيرُ عجيبٍ

قد أُصيبت بأرأس الأعضاءِ

يا صريعَ الحمام صلّى عليك

اللهُ من نازلٍ بربع الفناءِ

وسقى منه تربةً ضمنت جسمَـ

ك غيث الغفران والنعماءِ

فحقيرٌ نؤُ الجفون وما قد

رُ جفون السحاب والأنواءِ

أين عيس المنون فيك (7) استقلت

بالحصيف المضفّر (8) الآراءِ

ذهبت في معرس السفر جودا

وروى حوَّم الأماني الظماءِ

نعم ربُّ الندىِّ حلماً إذا النكـ

باءُ طارت بحوبة الحلماءِ

نعم ربُّ الحجى إذا أكل الطيـ

شُ حجى الحازمين في اللأواءِ

____________________

1 - أكبر أولاد أبيه، وممّن ذكره الشاعر في العقد المفصل فقال: كان مذ ترعرع فريد زمانه في كرمه وإحسانه، وواحد عصره في شرف نفسه وفخره، قد برع في البلاغة والفصاحة، واشتهر من كرم أخلاقه بالسجاحة والسماحة، جامعاً بين نباهة الفكر وجلالة القدر، ولد عام 1219 هـ. وتوفّي في إيران عام 1271 هـ، وحُمل جثمانه إلى النجف، وقد أثبتنا تأريخ وفاته في باب التاريخيات.

2 - في الديوان المطبوع: الغماء.

3 - وفيه: يزغو.

4 - وفي العقد المفصل: على الخطب.

5 - وفي المطبوع: غلت.

6 - وفي نسخة: العُلى.

7 - وفي نسخة: منك.

8 - كذا في الأصل، ولعلّه يريد المحكم الرأي من ضفر بمعنى شدّ وأحكم.

٥٧

نعم ربُّ الندى إذا كسع (1) الشولُ

بأغبارها عيالَ الشتاءِ

نعم ربُّ القِرى إذا هبَّت الريـ

حُ شمالاً في الشتوةِ الغبراءِ

نعم ربُّ الجفان ليلةَ يُمسى

بضياهنَّ مقمرُ الظلماءِ

يا عفاء الأنامِ شرقاً وغربا

دونكم فاحتبوا بثوبِ العفاءِ

واقصروا أعينَ الرجاء قنوطا

مَنْ إليهِ تمتدُّ في البأساءِ؟

وانحبوا عن حريقِ وجدٍ لمَنْ كا

ن عليكم أحنى من الآباءِ

(يستقلُ الحبا لكم إن وفدتم

ولو المشرقان بعضُ الحباءِ) (2)

لو بكتهُ عيونكم وأفضن الأ

بحرُ السبع والحيا في البكاءِ

لم تفوّه معشارَ ما قد أفاضت

لكم راحُ كفّهِ البيضاءِ

رحّلوا العيس قاصدين ضريحا

فيه ما فيهِ من عُلاً وسخاءِ

واعقِروا عندهُ وجلَّ عن العقر

قلوباً مطلولة السوداءِ

جدثٌ ماءُ عيشكم غاض فيه

فانضحوا فوقهُ دمَ الأحشاءِ

حلَّ فيه منْ قد كفى (آدماً) في

غيث جدواهُ عيلة الأبناءِ

(ليتَ شعري أنّى دنا الموتُ منه

وهو في ربع عزّةٍ قعساءِ) (3)

(هل أتاهُ مسترفداً حين أعطى

ما حوته يداهُ للفقراءِ) (4)

ودَّت المكرماتُ أن تفتديه

ببنيها الأماجدَ الكرماءِ

هم مكانُ الجفون منها ولكن

هو في (5) عينها مكانُ الضياءِ

وهم في الحياة موتى ولكن

هو ميتٌ يعدُّ في الأحياءِ

فحبا نفسَهُ الردى إذ (6) أتاه

مستميحاً يمشي على استحياءِ

بعد ما عاشت العفاةُ زمانا

من نداهُ في أسبغِ النعماءِ

____________________

1 - كسع الناقة بنيرها، ترك في ضرعها بقية من اللبن، والشول: جمع شائلة، وهي من الإبل التي خفّ لبنها بعد مرور مدّة على حملها ووضعها.

2 - هذه الأبيات من زيادات العقد المفصل.

3 - المصدر نفسه.4 - المصدر نفسه.

5 - وفي نسخة: من.6 - وفي نسخة: مذ.

٥٨

علمت فقرَها ولم تعلم

إليه الردى من الفقراءِ

يا عقيدي على الجوى كبر (1) الخط

بُ فأهون بالدمعةِ البيضاءِ

أجرِ من ذوب قلبكَ الدمعةِ الحمـ

راء حزناً في الوجنةِ الصفراءِ

عودُ صبري من اللحا قد تعرّى

فانبذ الصبرَ لوعةً في العراءِ (2)

إن تسلني عن ظلمة الكون لمّا

حُلن أنوارَ أرضه والسماءِ

فهو أثوابُ ليلِ حزن دجاه

طبّق الخافقين بالظلماءِ

قد خفقن النجوم منهُ بجنحٍ

سامَ أنوارَهن بالإطفاءِ

ولبدر الغبراءِ حال أخوه

بدرُ أهل الغبراءِ والخضراءِ

وإلى الشمسِ قد نعوه فماتت

جزعاً من سماع صوتِ النعاءِ

ولهُ غصَّ بالمصاب ولمّا

يتنفّس حتى قضى ابن ذُكاءِ

وقف المجدُ ناشداً يومَ أودي

شاحبَ الوجه كاسفَ الأضواءِ

هل ترى (صالحاً) على الأرضِ لمّا

غاب فيها (المهديُّ) بدرُ العلاءِ

قلت خفّض عليك من عظم الأمـ

ر ونهنه من لوعةِ البرحاءِ

ليس إلاّ (محمدٌ صالحٌ) يوجد

في الأرضِ من بني حواءِ

في التقى (3) والصلاح والزهد والخشية

والنسكِ بل وحسنِ الرجاءِ

هي في العالمين أجزاء لكن

هو كلُّ لهذه الأجزاءِ

وبيوم المعادِ لو لقَى الخلـ

قَ بأعمالهِ إلهُ السماءِ

كان حقّاً أن يعدم النارَ إذ ليس

نصيبٌ للنارِ في الأتقياءِ

ليس ينفكّ للجميلِ قريبا

وبعيداً عن خطّةِ الفحشاءِ

ومهاباً له على أعين الدهرِ

قضى الكبرياءَ بالإغضاءِ

وبليغاً قد انتظمن معانيـ

ه (4) بسلكِ الإعجاز للبلغاءِ

____________________

1 - وفي نسخة: عظم الخطب.

2 - وفي نسخة: بالعراء.

3 - وفي نسخة: فالتقى.

4 - وفي نسخة: معاليه.

٥٩

وفصيحاً بنطقه يخرس (1) الدهـ

رَ فما قدرُ سائر الفصحاءِ

فارسُ المشكلات إن ندبوه

لبيان المقالة العوصاءِ

فهو من غّرِ (2) لفظهِ يطعن الثغـ

رةَ منه بالحجّةِ البيضاءِ

واحدُ الفضلِ ما له فيه ثانٍ

غير (عبد الكريم) غيثُ العطاءِ

بعقودِ الثناءِ فخراً تحلّى

وتحلَّت به عقودُ الثناءِ

الذكيُّ الذي إذا قستَ أهلَ الـ

فضل (3) فيه كانوا من الأغنياءِ

والمصلِّى للمجد خلف (4) أخيه

في سباقِ الأشباه والنظراءِ

ضربا في العُلى بعرقٍ كريمٍ

واحدٍ دون سائر الأكفاءِ

ينتمي كلُّ واحدٍ منهما عنـ

د انتساب الأبناء للآباءِ

للكرام الأكفِّ تحسب فيهنَّ

يذوب الغمامُ يوم السخاءِ (5)

معشرُ المجدِ، شيعةُ الشرفِ البا

ذخ، بيضُ الوجوهِ خضرُ الفِناءِ

قد حباهم (محمدٌ) بجميل الـ

ذكر إذ كان (صالحَ) الأبناءِ (6)

يقظُ القلبِ في حياطةِ دين اللّـ

ه حتى في حالة الإغفاءِ

ذو يمينِ بيضاء لم تتغيَّرْ

بأثام (البيضاءِ) و(الصفراءِ)

يا عليماً يصيب شاكلة الغيـ

ب بتسديد (7) أسهم الآراءِ

وكظيماً للحزن يطوي حشاه

جلداً فوق زفرةٍ خرساءِ

لك ذلّت عرامة (8) الدهر حتى

لكَ أمسى يُعدُّ في الوصفاءِ (9)

ملكت رقِّة يمينك فالعا

لمُ من رقّهِ من العتقاءِ

____________________

1 - في العقد المفصل: أخرس.2 - وفي نسخة: عز.

3 - وفي الديوان المطبوع: أهل الأرض.4 - وفيه أيضاً: بعد.

5 - يقصد قبيلة ربيعة التي ينتسب لها آل كبّه.6 - وفي مخطوطة الملاّ: الآباء.

7 - في الديوان المطبوع: بتشديد، وهو غلط.8 - عرامة: وهي الشدّة، وفي المطبوع غرامية.

9 - الوصفاء: الخدم.

٦٠