مباني نقد متن الحديث

مباني نقد متن الحديث0%

مباني نقد متن الحديث مؤلف:
تصنيف: علم الدراية
الصفحات: 215

مباني نقد متن الحديث

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: قاسم البيضاني
تصنيف: الصفحات: 215
المشاهدات: 59669
تحميل: 6513


توضيحات:

مباني نقد متن الحديث المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 215 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59669 / تحميل: 6513
الحجم الحجم الحجم
مباني نقد متن الحديث

مباني نقد متن الحديث

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عن رسول الله.

مثل ما رُوي عن رسول الله، أنّه قال: (إذا حُدِّثتُم عنّي بحديث يُوافِق الحقّ فخُذوا به، حَدَّثتُ به أو لم أُحدِّث) (80) .

فمِن المُؤكَّد، أنّ الوَضّاعِين والغُلاة اتّخذوا مثل هذه الأحاديث ذريعة، للكذب على الأئمّة (عليهم السلام).

يظهر ذلك لِمَن لاحَظَ مَحاور الوَضعِ، وأنّ أحاديث الفضائل والغُلوّ في صفات الأئمّة، أخذتْ حيّزاً كبيراً (81) .

بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك أسباب مباشرة تستدعي نقد الحديث، هي:

1 - النقل بالمَعنى.

كان من أسباب تأخّر التدوين، نَقْلُ الحديث بالمَعنى.

وقد اتّفق أكثر المُحدِّثين على جوازِه، بشروط مُعيّنة، والغَفلة عن هذه الشروط، قد يُؤدِّي إلى تَغيِير مَعنى الحديث، بالزيادة والنقصان، مّما يُؤدِّي إلى الاشتباه في فَهمِه، مّما يستوجب نقده.

2 - التَقطِيع.

إنّ تدوين المَجامِيع الحديثيّة على شَكل أبواب فقهيّة، استدعى تقطيع الحديث، ونقل جزء منه في مَقام الاحتجاج، أو لتسهيل الرجوع إليه، وتَجنُّب التكرار.

وكثيراً ما يُؤدِّي هذا العمل إلى سوء الفَهمِ، لضَياعِ بعض القرائِن اللفظيّة والسياقيّة، مّما له دَخْل في فَهمِ الحديث.

3 - إغْفال سَبَب الحديث ومُلابَساتِه.

إنّ كثيراً من الأحاديث، لها أسباب وظروف خاصّة، استَدعَتْ المعصوم على قول الحديث، أو فِعل شي‏ء من الأشياء، تُشابه أسباب النزول في القرآن، وإنّ هذه الأسباب لها دَور رئيسي ومُهمّ في فَهْم الحديث، فَهْمَاً صحيحاً، وإنّ الغفلة عن السَبب، يُؤدِّي إلى سوء فَهْم الحديث.

٤١

4 - الوَهْمُ والتَصحِيف.

كثيراً ما يَشتبه الرواة في نقل الحديث، إذا حَدَّثوا من مَرويَّاتِهم، أو الغَلط والتصحيف، إذا نقلوا من الكُتب؛ ولذلك أعتبر المُحدِّثون أنّ أفضل طريقة لتَحَمّل الحديث، هو السَماع من الشيخ، أو القراءة عليه، للأمنِ من هذه الاشتباهات، وخصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار، أنّ كثيراً من النُسَّاخِ يَجهلون اللسان العربي، فلا يُفرِّق بين المَرفوعِ والمَنصوب، ولا يعرف اللُغة ومَجازاتِها، مّما يُسبِّب الخطأ في نقل الحديث.

5 - الوَضْع.

الحديث الموضوع - في اصطلاح المُحدِّثين - هو: ما نُسِبَ إلى المعصوم، مّما لم يَقلْه أو يَفعله، أو يُقِرّه، وهو من أهمِّ أسباب النقد.

وهناك أسباب كثيرة للوَضعِ، يُمكن أن نُجملها فيما يلي:

أ - العامِل السياسي.

والمقصودُ بذلك هو: الاستفادة من حديث المعصوم (‏عليه السلام) في تَدعِيم سُلطة مُعيَّنة، بإسباغِ نوعٍ من الشرعيّة عليها، من خلال الإشادَةِ بمَلِكِها، ومَدح قادَتها، وذلك بأقوالٍ ينسبونها زُوراً وبهتاناً إلى الرسول الأكرم.

وقد استفادَ الأمَويّون - وخصوصاً في زمن معاوية - من هذه الوسيلة، في سبيلِ تَوطِيد سُلطانِهم، وإحكَامِ سَيطرتِهم، وإسباغ نَوعاً من الشرعيّة على مُلْكِهم، الّذي حصلوا عليه عن طريق المَكيَدَة والخُداع والدَهاء.

وقد كان بأمسِّ الحاجةِ إلى هذا الأمر، بِسَبَبِ ماضيه السيّئ في مُحارَبَة الإسلام والمسلمين.

ولم يكن صَعباً على معاوية أن يَجدَ بين المسلمين مَن يَبِيع دِينه، بوَضعِ الأحاديث، ونسبتها إلى النبي‏ (صلّى الله عليه وآله)، فقد روى البعض عن رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)، أنّه قال: (لَيَلِيَّنّ بعض مَدائن الشام رجل عزيز منيع، هو منّي وأنا منه، فقال: مَن هو يا رسول اللَّه (‏صلّى الله عليه وآله)؟ فقال رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) بقَضِيبٍ كان في يَدِه في قفا معاوية: هو هذا) (82) .

وقال

٤٢

إسحاق ابن راهَوَيه: لا يَصحّ في فضائل معاوية بن أبي سفيان، عن النبي (‏صلّى الله عليه وآله) شيء (83) .

ولم يقتصر هذا الأمر على بَني أُميّة، بل استفاد العبّاسيّون من هذا السلاح في تَدعِيم مُلكهم، فقد نسبوا إلى رسول اللَّه أنّه قال: (هبط علَيّ جبريل‏ (عليه السلام)، وعليه قَباء أسود، وعمامة سوداء، فقلت: ما هذه الصورة الّتي لم أرَكَ هبطتَ علَيَّ فيها قط؟ قال: هذه صورة المُلوك من ولد العبّاس، عمّك، قلتُ: وهُم على الحقّ؟ قال جبريل: نعم، قال النبي‏ (صلّى الله عليه وآله): اللّهمّ أغفر للعبّاس ولِولده، حيث كانوا، وأين كانوا...) (84) .

وغيرها من الأحاديث المَكذوبة.

ب - العامل الدنيَوِي.

وهو من العوامِل المُهمّة في وَضعِ الحديث، أي، وَضْع الحديث بدافعِ الكَسبِ المادِّي، أو الحصول على مَصلَحةٍ شخصيّة.

مثل أحاديث (الهَريسة تَشدُّ الظَهر) (85) ، فإنّ واضِعَه محمد بن الحجّاج النَخعِي كان يَبيع الهَريسة (86) . ومن ذلك ما وَضعه غياث بن إبراهيم، عندما دَخَلَ على الخليفة العبّاسي، المهدي، فوَجدَه يلعب بالحَمام، فروى له (لا سَبق إلاّ في خُفٍّ، أو نَصل، أو حافر، أو جَناح) (87) .

ومن هذه الطائفة (القُصّاص)، وهم طائفة من الناس، عَمَلَهم التذكير والوعظ، بأيّ وسيلة كانت، وهم طوائف مُتَعَدِّدة، منهم وعّاظ غايتهم التذكير، ومنهم الّذين يَسعون لجَمعِ المالِ عن طريقِ التَحديث، وقد كانوا يَعتمدون المَناكير، والأكاذيب، ويَستَدِرّون جيوب الناس عن هذا الطريق.

فقد روي في بعض المَجامِع: أنّ قاصّاً جلسّ ببغداد، فروى في تفسير قوله تعالى: ( عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ) (88) : أنّه يُجلِسه معه على عرشِه، فبلغ ذلك الإمام محمد بن جرير الطَبري، فأحْتدَّ من ذلك، وبالَغَ في

٤٣

إنكاره، وكَتَبَ على بابِ دارٍه: سُبحان مَن ليس له أنيس، ولا لَه في عَرشِه جليس.

فثارتْ عليه عَوامُّ بغداد، ورَجَموا بيته بالحِجارة، حتّى أسْتَدَّ (89) بابه بالحجارة، وعَلَتْ عليه (90) .

ج - العامِل الدِّيني.

والمقصود هو: وضع الأحاديث بدافع ديني، أي في سبيل الترغيب والترهيب، وحَثّ الناس على فعل الخير، كأنَّ الدِّين ناقص، وهم يُريدون أن يُتَمّموا نقصه بمثل هذا الكذب.

ويَغلِبُ على هؤلاء الزُهد. نُقل عن يحيى بن سعيد القطّان أنّه كان يقول: (ما رأيتُ الكذب في أحد أكثر منه فيمَن يُنسَب إلى الخير والزُهد) (91) .

وكان هدفهم كما قُلنا هو الترغيب، كما نُقل عن بعض المُحدِّثين أنّه سمع ابن المهدي يقول لمَيسرة بن عبد ربّه: (من أين جئتَ بهذه الأحاديث، (مَن قرأ كذا فَلَه كذا)؟ قال: وضعتُها أُرغّب الناس فيها) (92) .

وكذلك قيل لأبي عصمة، نوح بن أبى مريم: من أينَ لك عن عكرمة عن ابن عبّاس، في فضائل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إنّي رأيت الناس أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومَغازي ابن إسحاق، فوضعتُ هذا الحديث حِسْبَة (93) .

د - الزَندَقة.

والمقصود بهذا العامل هو: وضع الأحاديث من أجل أفساد الشريعة وتشويها في أعين الناس، لأبعادهم عنها؛ ولهذا فقد وضعوا الأحاديث في تحريم الحلال وتحليل الحرام، كما نُقل عن ابن أبى العوجاء أنّه عندما أُمر بضَرْبِ عُنقه، قال: (واللَّه، لقد

٤٤

وضعتُ فيكم أربعة آلاف حديث، أُحرِّم فيها الحلال، وأُحلّ فيها الحرام، لقد فَطّرتُكم أيّام صومِكم، وصوّمتكم أيّام فطركم) (94) .

ومن أمثلة ما وضعوه: (رأيتُ ربّي بمِنَى يوم النَحر على جمل أوْرَق، عليه جُبّة صوف، أمام الناس) (95).

ونسبوا إلى رسول اللَّه أنّ أبا هريرة سَأَله: (مِمَّ ربّنا؟ فقال: من ماء مرُور، لا من أرضٍ ولا من سماء، خَلَقَ خيلاً فأجراها فعَرقَتْ، فخَلقَ نفسه من ذلك العَرَق) (96).

وقال بعض المُحدِّثين فى الأحاديث المَنسوبة إلى رسولِ اللَّه في فَضلِ العَدسِ، والباقلاّء، والجبن، والجَوز، والباذنجان، والرمّان، والزَبيب: (أنّه لم يَصحّ منها شي، وأنّها وَضْع الزنادقة، شَيْناً للإسلام) (97).

هـ - التَعَصُّب.

وهو من العوامل المُهمَّة في وضع الحديث، وله مَصاديق مُتعدِّدة، فقد يكون التعصّب للمَذاهب الكلاميّة والفقهيّة الّتي نَشَأتْ في القَرن الثاني من الهجرة، والّتي شَمَلت كثيراً من مسائل الفروع والأُصول، وقد صوَّر ابن قُتَيبَة هذا الوَضع فقال: (ولو كان اختلافهم في الفروع والسُنَن، لا يَسع لهم العُذْر... ولكن اختلافهم في التوحيد، وفي صفات اللَّه تعالى وفى قدرته، وفي أهل الجنة وعذاب أهل النار وعذاب البرزخ، وفي اللوح، وفي غير ذلك من الأمور الّتي لا يعلمها نبيّ إلاّ بوَحيٍ من اللَّه تعالى) (98).

هذا الاختلاف، أدّى ببعضِ أتباع هذه المذاهب لتأييد ما يعتقدون بالأحاديث المُزوَّرة، المَنسوبة إلى النبيّ.

نقل ابن الجَوزِي، بإسناده عن ابن لهيعة، قال: (سمعتُ شيخاً من الخوارج وهو

٤٥

يقول: إنّ هذه الأحاديث دِين، فانظروا عمَّن تأخذون دِينكم، فإنّا كنّا إذا هوَينا أمراً، صَيَّرناه حديثاً) (99).

ومن أمثلة هذه الأحاديث قولهم: (مَن زَعم أنّ الإيمان يزيد وينقص، فزيادته نِفاق ونقصانه كُفر، فإن تابُوا وإلاّ فاضربوا أعناهم بالسيف...) (100)، وظَهرتْ الأحاديث المُتناقِضة في فضائل ومَثالِب رؤساء المَذاهب الفقهيَة الكلاميَة، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحدِّ، بل شمل التَعصّب للجِنس، كالأحاديثِ الواردة في التُرْكِ والسُودان (101)، والتَعصّب للُّغة (102) وتَفضيل بعض البلدان، فقد وَضع (أبو عصمة) حديثاً طويلاً في فضائل مُدنِ خُراسان، واحدة واحدة (103).

هذه هي أهمّ الأسباب المُوجِبة لنقد الحديث، وفيها نَختَتِم الفصل الأوّل من الباب التَمهيدي.

٤٦

الباب الأوّل / الفصل الثاني

المَبحث الأوّل: نَقْد المَتن عند الصحابة.

المَبحث الثاني: نَقد المَتن عن أهل البيت (‏عليهم السلام).

الفصل الثاني

المَبحث الأوّل: تاريخ نقد المتن عند الصحابة وأهل البيت (عليهم السلام).

استخدم الصحابة مَنهج نقد المَتن للحديث النبويّ، فكانوا ينتقدون بعضهم بعضاً، وذلك بعَرضِ مَرويّاتِهم على القرآن والسُنّة والعَقل، وذلك نتيجة للخَطأ في نقل الحديث، أو الاشتباه، أو الغفلة عن ملاحظة سَبَبِ ورود الحديث، مّما يُسبِب تعارض الحديث مع المَباني المذكورة.

ويُعتبر هذا المنهج هو السائد بينهم؛ لأنّ نقد السَنَدِ - بمعناه الاصطلاحي - لم يُعرف في هذه الفَترة، وذلك لعدم وجود الواسطة بين الصحابة والرسول (صلّى الله عليه وآله)، ولِقُرب العهد به، بالنسبة لمَن حدَّثوا بعد موته؛ وإن كانت هناك إشارات ودلائل تدلّ على أنّهم يُدقِّقون فيمَن يَروون عنه.

فقد نقل ابن قُتيبَة عن القطام أنّه قال: (إنّ الصحابة كانوا يُكذِّبون أبا هريرة، منهم: عُمر وعثمان وعليّ‏ (عليه السلام)، وإنّه لمّا أكثر من الرواية، وأتى ما لم يَأتِ بمثله من جُلّة أصحابه والسابقين الأوّلين إليه، اتّهموه وأنكروا عليه، وقالوا: كيف سَمعتَ هذا وحدك؟! ومن سَمعه مَعك؟!) (104).

وقد جَمَعَ الزَركشي جميع هذه الاستدراكات في كتابه (الإجابة لإيراد ما استَدرَكتْه عائشة على الصحابة)، وسوف نُورد نماذج من هذه الانتقادات مُرتَّبة حسب أسماء

٤٧

الصحابة، وسوف نُلْحِقُ بها الاستدراكات على بعض الفتاوى الصادرة من الصحابة؛ لأنّها غالباً ما تكون مُستَنبَطة من أقوال الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ ولأنّ الهدف هو تَبيِين المَنهج النَقدي للمَتن عند الصحابة.

1 - نقد المحتوى عند عائشة:

أ - الحديث المُتضمِّن رؤية النبي (ص) للهِ تعالى.

روى البخاري بسنده إلى عائشة، أنّها قالت: (مَن زَعم أنّ محمّداً رأى ربّه، فقد أعظم الفِريَة، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخَلقِه، سادّاً ما بين الأُفق) (105) .

وفي رواية أُخرى عن مسروق، قال: قلت لعائشة: (يا أُمّاه، هل رأى محمّد ربّه؟ فقالت: لقد قَفَّ (106) شَعري مّما قلت، أين أنت من ثلاث مَن حَدَّثَكَهُنَّ فقد كذب، من حَدَّثك أنَ محمّداً (ص) رأى ربّه فقد كذب، ثُمَّ قرأت الآية ( لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) ، ولكن رأى جبريل في صورتِه مرَّتَين) (107) ، وهذا الحديث رواه مُسلِم والتَرمُذي عن ابن عبّاس، باختلاف يَسير.

ويظهر أنّ المُراد بالرُؤية في هذه الأحاديث، هي الرُؤية البَصَريّة، ولذلك فقد دُهشَتْ عائشة من هذا الرأي، وانتَقَدته، وعَرضته على القرآن.

ب - الميّتُ يُعذَّب ببُكاءِ أهله عليه .

روى البُخاري عن عبد الله بن عُمر أنّه قال: (لمّا أُصيب عُمر، جعل صُهيب يقول: وا أخاه، فقال عمر: أما عَلِمت أنّ النبيّ (ص) قال: (إنّ الميّتَ لَيُعذّب ببكاء الحيّ) ؟) (108) .

٤٨

وقد انتقدتْ عائشة هذه الرواية، بعَرضِها على القرآن مرّة، وتصحيحها بذكر مُلابَسات الحديث مرّة أُخرى، قال ابن عبّاس (رضي الله عنه): (فلمّا مات عُمَر، ذكرتُ ذلك لعائشة، فقالت: رَحمَ الله عُمَر، والله ما حَدَّث رسول الله (ص) (أنّ الله لَيُعذِّب المؤمنَ ببكاءِ أهله عليه) ، ولكن رسول الله (ص) قال: (إنّ الله لَيزيد الكافر عذاباً ببُكاءِ أهلِه عليه)، وقالت: حَسبُكم القرآن ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (109) .

وفي رواية أُخرى عن عَمرَة بنت عبد الرحمان، أنّها سَمعتْ عائشة، وذُكر لها أنّ عبد الله بن عُمَر يقول: (إنّ المَيِّت ليُعذَّب ببُكاء الحيِّ)، فقالت عائشة: إنّما مَرَّ رسول الله (ص) على يهوديّة يَبكي عليها أهلُها، فقال (ص): (إنّهم ليَبكون عليها، وإنّها لتُعذَّب في قَبرِها) (110) ، - وقد نَسبتْ عبد الله بن عُمَر إلى عَدم الحِفْظ - قالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمان، أمَا إنّه لم يَكذِب، ولقد نَسِيَ أو أخطأ) (111) وذكرتْ القِصّة.

ج - الذمّ لوَلد الزِنا والتَنفير من عتقِه.

روى الحاكِم، عن أبي هريرة، عن رسول الله (ص) أنّه قال: (وَلد الزِنا شَرَّ الثلاثة) (112) ، وقال: (لأن أُمتع بسوطٍ في سبيل الله، أحبُّ إليَّ من أن أُعتق ولد الزنا) (113) .

وقد انتقدتْ عائشة هاتين الروايتين، وصَوَّبَتْهما بذكر أسباب الوُرود، فقالت: (رحم الله أبا هريرة، أساءَ سَمْعاً فأسَاءَ إصابةً)، وذكرت مُلابَسات الحديث الأوّل، فقالت: فلم يكن الحديث على هذا، إنّما كان رجل من المنافقين يُؤذي رسول الله (ص)، فقال (ص): (مَن يُعذرني من فلان؟ قيل: يا رسولَ الله، مع ما به ولد زنا، فقال رسول الله (ص): هو شَرّ الثلاثة، والله عزّ وجَلّ يقول: ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ) (114) .

٤٩

أمّا بالنسبة إلى الحديث الثاني، فقالت: (أمّا قوله: (لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحبُّ إليَّ من أن أُعتق ولد الزنا)، إنّها لمّا نزلتْ: ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ) ، قيل: يا رسولَ الله، ما عندنا ما نعتق إلاّ أن أحدنا له جارية سوداء تخدمه وتسعى عليه، فلو أمرناهُنَّ فزَنَينَ فَجِئنَ بالأولاد، فأعتقناهم، فقال رسول الله (ص): (لأن أمتع بسوط...) (115) .

ونُؤكِّد هنا، أنّنا لسنا في مَقام إثبات أو نفي الحديث، وإنّما المُراد تبيِين المَنهج النَقْدِي عند الصحابة.

د - حديث الشُؤم في ثلاث.

روى أحمد، عن أبي حسان، أنّ رجلَين من بَني عامِر دخلا على عائشة، فأخبراها أنّ أبا هُريرَة يُحدِّث أنّ النبيَّ (ص) قال: (الطِيرة من الدار والمَرأة والفَرَس)، فغضبت، فطارت شُقَّة منها في السماء وشُقَّة في الأرض، وقالت: والّذي أنزل الفرقان على محمّد، ما قالها رسول الله (ص) قطْ، إنّما قال: (كان أهل الجاهليّة يقولون الطِيرة في المرأة والدابّة والطير) (116) .

فالغفلة عن أسباب الصدور وملابساته، أدَّتْ إلى الخطأ في فَهمِه ونقلِه من الخصوص إلى العموم، مّما يُسبِّب التعارض مع القرآن، أو باقي المَباني النقديّة.

هـ - حديث الماء من الماء.

عن أبي سَلَمَه بن عبد الرحمان، قال: دخلتُ على عائشة، فقلت: يا أُمّاه، إن جابر بن عبد الله يقول: (الماء من الماء) ، فقالت: (أخطَأَ، جابر أعلم منّي برسول الله (ص)؟! يقول: (إذا جاوز الخِتان الخِتان، فقد وجب الغُسل) أيُوجِب الرَجم ولا يُوجب الغُسل؟) (117) .

٥٠

و - منع التَطَيّب عند الإحرام.

عن إبراهيم بن محمّد، عن أبيه، قال: سألتُ عائشة، فذكرتُ لها قول ابن عُمَر: (ما أُحبُّ أن أُصبح مُحرِماً أنضخُ طِيباً) ، فقالت: (أنا طيَّبتُ رسولَ الله (ص)، ثُمَّ طافَ في نسائِه، ثُمَّ أصبح مُحرِماً) (118) .

والنقد المُوجَّه من عائشة إلى ابن عُمر وإن كان نقداً للفتوى، وليس للحديث، ولكن يُمكن أن يدخل تحت هذا الباب؛ لمُشابَهته له في المعنى.

ز - المرأة والكَلْب والحِمار تَقطع الصلاة.

روى مُسلِم عن أبي هُريرة، وأبي ذَر: أنَّ المرأةَ والحمار والكلب تقطع الصلاة، إذا لم يكن بيَدَي المُصلِّي سترة، قال: قال رسول الله (ص): (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويبقى ذلك مِثلُ مُؤخّرَة الرَحْلِ) (119) .

وفي رواية ابن داود: (يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب) (120) .

وقد استَنكرَتْ عائشة هذا المعنى استنكاراً شديداً، وأنّه مُخالِف لسُنّة رسول الله العمليّة، فقد وَرَدَ عن عائشة، أنّها قالت - عندما سَمعتْ هذا الحديث -: (بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونا بالحمارِ والكلب، لقد رأيتُ رسولَ الله (ص) يُصلِّي وأنا مُعْتَرِضَةٌ بين يَدَيه، فإذا أرادَ أن يَسجُد، غمزَ رِجلي فضَمَمتُها إليَّ ثُم يَسجُد) (121) .

وفي رواية أُخرى، قالت: (عَدَلْتُمُونا بالكلاب والحمير! لقد رَأيتني مُضطَجِعة على السَرير، فَيَجِي‏ ءُ رسول الله (ص)، فيَتوسّط فيُصلِّي، فأكره أن أُسَنِّحَه فأنْسَلُّ من رِجلَي السَرير حتّى أنْسَلُّ من لِحَافِي) (122) .

٥١

ح - دخولُ امرأة في النارِ بسَبَبِ هِرَّة.

أخرجَ البُخاري عن أبي هُريرة، عن النبي (ص)، قال: (دَخَلَتْ امرأةٌ النارَ في هِرّة رَبَطَتْها فلم تُطعِمها، ولم تَدَعها تأكلُ من خَشَاشِ الأرض) (123) ، وفي رواية مُسلِم، قال: (عُذِّبَتْ امرأةٌ في هِرَّة لم تُطعِمها ولم تَسقِها، ولم تَترُكها تأكل من خَشَاشِ الأرض) (124) .

وقد صَحَّحت عائشة هذه الرواية، وذَكرتْ سَبَب الورود، واستَبعدتْ دخول المُؤمن للنارِ بسَبَبِ الهِرّة.

فقد أخرج أحمد في مُسنَدِه عن عَلقَمة، قال: (كُنّا عند عائشة، فدخل أبو هريرة، فقالت: أنت الّذي تُحدِّث أنّ امرأة عُذِّبتْ في هِرّةٍ رَبَطتْها، فلم تُطعِمها ولم تَسقِها؟ فقال: سَمِعتُه منه - يعني النبي (ص) -، فقالتْ: هل تدري ما كانت المرأة؟ إنّ المرأة مع ما فعلت، كانت كافرة، وإنّ المُؤمِن أكرم على الله (عزّ وجلّ) من أن يُعذبِّه في هِرّة، فإذا حدَّثْت عن رسول الله (ص) فانظر كيف تُحدِّث) (125) .

ط - مَن حَملَ مَيتاً فَلْيَتوضَّأ.

عن أبي هُريرة أنّه قال: (من غَسَلَ مَيتاً فليَغتَسِل، ومن حَمَلهُ فليَتَوَضَّأ) ، فبَلَغَ ذلك عائشة، فقالت: (أونجِسٌ موتى المسلمين؟ وما على رَجلٍ لَو حَملَ عُوداً؟) (126) .

فعائشة تُناقِش في الحديث، وتستبعده بأنّه كما أنّه لا غَضاضَة على مَن حَملَ عُوداً أو خَشَباً، فكذلك لا شي‏ء عليه إذا حمل جَنازَة أحد المَوتى.

وكما قُلنا مِراراً، نحن هنا ليس في مَقام النَقدِ، بقَدرِ ما نُريد أن نَعرض الروايات الّتي تَدلّ على مَنهجِ الصَحابة، في نَقدِهم للحديث النبويِّ وتَصحيحه، وقد لا حظنا أنّهم يَستخدمُون المِقياس القُرآني، والسُنّة النَبويّة بصورةٍ واضِحة، وأنّهم قد يَعرِضون الحديث ويَنقِدونه على أساس

٥٢

عَقْلِي، وليس بالضَرورة أنْ يكون نَقدهم هذا مُنصَبَّاً على تكذيب الراوي، فالعَوارِض والآفات الّتي تَطْرَأ على الحديث النَبوي كثيرة، كما قُلنا من قَبل، كالخطأ والاشتباه، ونَقْلِ الحديث دون ملابَساتِه، مّما قد يُؤدِّي إلى حدوث تعارض واختلاف مع القرآن، والعقل، والسُنّة النبويّة.

2 - نَقْد المُحتوى عند عُمَر

المُطلَّقة المَبْتُوتَة لا نَفَقة لها.

روى الشعبي قال: (دخلتُ على فاطمة بنت قيس، فسألتها عن قضاء رسول الله (ص) في السُكْنى والنَفَقة، قالت: فلم يجعل لي سُكنى ولا نَفَقة، وأمرني أن أعتدّ في بيت أُمّ مَكتوم) (127) .

وقد أنكر عُمر هذا الحديث ولم يأخذ به، واعتبره مُخالِفاً للقرآن، روى ابن داود، عن أبي إسحاق، قال: (كنت في المَسجد الجامِع مع الأسود، فقال: أتتْ فاطمةُ بنت قيس عُمرَ بن الخطّاب، فقال: ما كُنّا لنَدع كتاب ربّنا وسُنّة نبيّنا (ص) لِقولِ امرأة لا ندري أحفظت [ ذلك ] أم لا؟! (128) .

3 - نَقد المَتن عند ابن عبّاس

الوضوء مّما مَسَّتْ النار.

روى النسائي عن أبي هريرة، قال: (سمعتُ رسول الله (ص) يقول: (تَوضّؤوا مّما مَسّتْ النار) (129) ، وقد استَبعدَ ابن عبّاس هذه الرواية، وكان يعتقد أنّ الطعام الحلال لا ينقض الوضوء، فكان يقول: (أتَوَضّأ من طعام أجِده في كتاب الله حلالاً، لأنّ النار مَسّتهُ) (130) .

٥٣

المبحث الثاني: نَقْد المَتنِ عند أهل البيت (ع)

ابتلى أئمّةُ أهل البيت (عليهم السلام) بمَجموعةٍ من الكذّابين والغُلاة، الذين كانوا يضعون الأحاديث بوسائل كثيرة، عن طريق الدَسِّ في كُتب الأصحاب، وخصوصاً في زمن الإمامَين الباقر والصادق‏ (عليهما السلام)، فقد نقل الكَشّي بسَنَده عن أبي عبد الله‏ (عليه السلام)، أنّه قال: (إنّا أهل بيتٍ صِدّيقون، لا نَخلو من كذّابٍ يكذب علينا، ويُسقط صِدقنا كذبه علينا عِند الناس) (131) .

وقد وَصفَ الإمام الصادق (عليه السلام) الغُلاة فقال: (إنّ فيهم مَن يَكذب حتّى أنّ الشيطان ليَحتاج إلى كَذبه) (132) .

ولذلك كان أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) يَتَحَذّرون في نقل الأحاديث، ويعرضونها على الأئمّة (عليهم السلام) لتصحيحها، فيما إذا شَكّوا في وَضْعِها، أو في فَهْمِ دلالتها، فتارة كانوا يعرضون عليهم أحاديث مُفرَدَة لِفَهمِ معناها، وخصوصاً عند التَعارض بين الأحاديث، وكان الأئمّة (عليهم السلام) يُعلِّمونهم الطريق الصحيح في نقد الحديث.

روى المَجلسي، بسَنَده عن المَيثمي، أنّه سأل الرضا (عليه السلام) يَوماً - وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه، وقد تنازعوا في الحَديثَين المُختَلفَين عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الشي‏ءِ الواحد - فقال (‏عليه السلام):

(إنّ الله (عزّ وجلّ) حرّم حراماً وأحلَّ حلالاً، وفرضَ فرائِض، فما جاء في تحليل ما حرّم الله، أو تحريم ما أحلَّ الله، أو دفع فريضة في كتاب الله رَسْمها بَيِّن قائم، بلا ناسِخ نَسَخَ ذلك، فذلك ما لا يَسع الأخذ به؛ لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يكن ليُحرِّم ما أحلَّ الله، ولا ليُحلِّل ما حرّم الله (عزّ وجَلّ)، ولا ليُغيِّر فرائض الله وأحكامه...) (133) .

وعرّفه المَنهج الصحيح في الأخذِ بالحديث.

ومرّة أُخرى كانوا يعرِضون عليهم مجموعة من الأحاديث، أو نُسخَة من الكتاب؛ لأنّ كثيراً من النُسَخِ والكُتب اعتراها الشكّ بدَسِّ الأحاديث، كما فعل المَغيرة بن سعيد، فقد عَرَضَ

٥٤

ابنُ فضال ويونس بن عبد الرحمان كتاب الدِيّات لظريفِ بن ناصح على الإمام الرضا (عليه السلام)، فقال: (نعم هو حقّ، وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمُر عُمّاله بذلك) (134) ، وكذلك عَرضَ يونس بن عبد الرحمن، وابن فضال، ومحمّد بن عيسى، كتاب الفرائض على الإمام الرضا (عليه السلام)، فقال: (هو صحيح) (135) .

وسوف نقوم بذِكرِ بعض الأحاديث الّتي عرضها الأصحاب على الأئمّة (عليهم السلام)، ومنهج الأئمّة في نقدها.

  1- نَقدُ المَتنِ عند أمير المؤمنين (عليه السلام).

روى ابن أبي داود، بسَنده عن ابن مسعود، في رجلٍ تَزَّوج امرأةً فمات عنها، ولم يدخل بها ولم يفرض لها [ الصَداق ]، فقال: (لها الصَداق كامِلاً، وعليها العدَّة، ولها الميراث)، فقال مَعقِل بن سِنَان: (سمعتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قَضى به في بِرْوَعَ بنت وَاشِق) (136).

وقد اعتبر أمير المؤمنين أنّ هذه الفتوى والحديث الّذي سمعه مَعقِل، مُخالِفاً لكتاب الله، فقد رُوي عنه (عليه السلام) أنّه قال في المتوفى عنها، ولم يُفرَض لها صَداقاً: (لها المِيراث ولا صَداق لها) (137) ، وقال: (لا يُقبَل قول أعرابيّ من أشجعَ على كتابِ الله) (138) .

والظاهر أنّ هذا الحديث مُخالِفاً للآية الكريمة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاًً ) (139) .

وهذا المَذهب هو ما أجمعَ عليه أهل البيت، فقد سُئلَ الإمام الصادق (عليه السلام) في المُتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها، قال: (هي بمَنزلة المُطلَّقة الّتي لم يُدخَل بها، إن كان سَمّى لها مَهراً فلها نِصفه وهي تَرِثه، وإن لم يكُن سَمّى لها مَهراً فلا مَهرَ لها وهي ترثه...) (140) .

٥٥

2- نَقد المُحتوى عند الإمام الحسين (عليه السلام).

سُئلَ الإمام الحسين (عليه السلام) عن قول الناس في الأذان، وأنّ السبب في تشريعه كان في رؤيا رآها عبد الله بن زيد، فأخبر بها النبي (صلّى الله عليه وآله)، فأمرَ بالأذان، فقال الحسين (عليه السلام): (الوحي يَتَنزّل على نَبيِّكم، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد، والأذان وَجْه دينكم، وغضب (عليه السلام) وقال: (بل سمعتُ أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: أهبَطَ اللهُ (عزّ وجَلّ) مَلكاً حتّى عرج برسول الله (‏صلّى الله عليه وآله)، وساق حديث المعراج...) (141) .

3- نقد المحتوى عند الإمام الباقر عليه السلام.

1 - عن عمرو بن أبي المُقدام، عن أبيه، قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام): ( من أيِّ شي‏ء خَلَقَ الله تعالى حوّاء؟ فقال: أيّ شي‏ء يقول هذا الخَلْق؟ قلتُ: يقولون: إنّ الله خَلَقَها من ضلعٍ من أضلاع آدم (142) ، فقال: كذِبوا، أكان الله يَعجزه أن يخلقها من غير ضِلعه؟! فقلت: جعلتُ فداك - يا بن رسول الله - من أيِّ شي‏ء خَلَقَها؟ فقال: أخبرني أبي، عن آبائه، قال: قال رسول الله (‏صلّى الله عليه وآله): إنّ الله تبارك وتعالى قبض قبضةً من طين فخلطها بيمينه - وكلتا يَدَيه يَمين -، فخلق منها آدم، وفَضَلت فَضْلَة من الطين، فخلق منها حوّاء) (143) .

نقد المحتوى عند الإمام الصادق (عليه السلام).

1 - روى الكُليني عن علي بن المغيرة، قال: ( قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلتُ فداك، الميتة يُنتَفع بشي‏ء منها؟ قال: لا، قلتُ: بَلَغَنا أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مرَّ بشاةٍ ميّتة، فقال: ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهَابِها ، قال: تلك شاة لِسودَة بنت زمعة،

٥٦

زوج النبيّ (‏صلّى الله عليه وآله)، وكانت شاة مَهزُولَة لا يُنتَفَع بلحمها، فتركوها حتّى ماتتْ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ما كان على أهلها إذ لم يَنتَفِعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهَابِها، أن تُذَكّى) (144) .

2 - قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام) حديث: ( يُروى أنّ رجُلاً قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): إنّي أُحبّك، فقال له: أعدَّ للفَقرِ جِلبَاباً، فقال: ليس هكذا قال، إنّما قال له: أعدَدْت لفاقَتِك جِلباباً، يعني يوم القيامة) (145) .

3 - روى الكُليني، في سَنده عن أبي عبد الأعلى، مولى آل سام، قال: (قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّا نروي عندنا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: إنّ الله تبارك وتعالى يبغض بيت اللَحْمِ (146) ،

فقال‏ (عليه السلام): كذِبوا، إنّما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): البيت الّذي يَغتابون فيه الناس ويأكلون لُحومَهم، وقد كان أبي (عليه السلام) لَحماً، ولقد مات يوم مات وفي كُمِّ أُمّ ولده ثلاثون درهماً لِلّحمِ) (147) .

نقد المحتوى عند الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام).

1 - روى الصَدوق عن الإمام أبي الحسن (عليه السلام)، قال: ( ذُكِرَ عنده قوم يزعمون أنّ الله (تبارك وتعالى) ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنّما منظره في القُربِ والبُعدِ سواء، لم يَبْعد منه قريبٌ، ولم يَقرب منه بعيد... أمّا قول الواصِفين: إنّه (تبارك وتعالى) ينزل، فإنّما يقول ذلك مَن يَنسِبه إلى النَقْصِ أو الزيادة...) (148) .

وعَين هذا الحديث قد عُرضَ على الإمام الرضا (عليه السلام)، كما في (الفَقِيه)، عن إبراهيم بن أبي محمود: ( قلتُ للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، ما تقول في الحديث الّذي يرويه الناس عن رسول الله، أنّه قال: إنّ الله (تبارك وتعالى) ينزل كلّ ليلة جمعة إلى

٥٧

السماء الدنيا، فقال (عليه السلام): لَعن الله المُحرِّفين الكَلِم عن مواضِعه، والله ما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذلك، إنّما قال: إن الله (تبارك وتعالى) يُنزِل مَلكاً إلى السماء الدنيا، كلّ ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أوّل الليل، فيأمره فيُنادي هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائِب فأتوب عليه؟...) (149) .

نقد محتوى الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام).

1 - روى الكُليني في كتابه، عن صفوان بن يحيى، قال: ( سَألني أبو قُرَّة المُحدِّث أن أُدخله إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فاستأذنته في ذلك، فأذِن لي فدخل عليه، فسأله عن الحلال والحرام والأحكام، حتّى بَلَغَ سُؤاله إلى التوحيد، فقال أبو قُرَّة: إنّا روينا أنّ الله قَسَّم الرؤية والكلام بين نَبِيَّين، فقسَّم الكلامَ لموسى، ولمحمّد الرُؤية.

فقال أبو الحسن (عليه السلام): فمَن المُبَلِّغ عن الله إلى الثَقلَين من الجِنِّ والإنس: ( لا تُدرِكُهُ الأبْصَارُ ) و ( لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) و ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ) ، أليسَ محمّد؟ قال: بلى، قال: كيف يجي‏ء رجلٌ إلى الخَلقِ جميعاً فيُخبِرهم أنّه جاء من عند الله، وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله، فيقول: ( لا تُدرِكُهُ الأبْصَارُ ) و ( لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) و ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ) ، ثُمَّ يقول: أنا رأيتُه بعَيني، وأحطتُ به عِلماً، وهو على صورة البشر؟! أما تَستَحيُون؟! ما قدرت الزنادقة أن تَرمِيه بهذا، أن يكون يأتي من عند الله بشي‏ءٍ، ثُمَّ يأتي بخلافه من وجهٍ آخر، قال أبو قُرَّة: فإنّه يقول: ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ) .

فقال أبو الحسن‏ (عليه السلام): إنّ بَعد هذه الآية ما يَدلّ على ما رأى، حيث قال: ( ما كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى ) ، يقول: ما كَذبَ فؤاد محمّد، ما رأتْ عَيناه، ثُمَّ أخبر بما رأى، فقال: ( لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الكُبْرَى ) ، فآيات الله غير الله، وقد قال الله: ( وَلا يُحِيطُوْنَ بِهِ عِلْمَاً ) ،

٥٨

فإذا رَأته الأبصار، فقد أحاطتْ به العِلم وَوَقعتْ المَعرفة ، فقال أبو قُرَّة: فتُكَذِّب بالروايات؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إذا كانت الروايات مُخالِفة للقُرآن كَذَّبتُها، وما أجْمَعَ المسلمون عليه أنّه لا يُحاط به علماً، ولا تُدرِكه الأبصار، وليس كمِثله شي‏ء) (150) .

2 - وفي عيون الأخبار، في باب مَجلِس الرضا (عليه السلام) عند المأمون، مع أصحاب المِلَلِ والمَقالات،: ( قال الرضا (عليه السلام) لابن جهم: وأمّا داود، فما يقول مَن قبلكم فيه؟

فقال علي بن محمّد بن الجهم: يقولون: إنّ داود (عليه السلام) كان يُصلّي في محرابه، إذ تَصوَّر له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور، فقطع داود صلاته، وقام يأخذ الطير، فخرج الطير إلى الدار فخرج في أثره، فطار الطير إلى السطح فصعد في طَلَبه، فسقط الطير في دار أوريا بن حيّان فاطلَعَ داود في أثر الطير، فإذا بامرأةِ أوريا تَغتَسل، فلمّا نظر إليها هواها، وكان قد أخرجَ أوريا في بعض غَزواته، فكتب إلى صاحبه أن قَدِّم أوريا أمام التابوت... فقُدِّم فقُتِل أوريا (رحمه الله) وتَزوَّج داود امرأته) (151) .

قالَ: فضرب الرضا (عليه السلام) يَدَه على جبهته وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لقد نَسبتُم نبيّاً من أنبياء الله‏ (عليهم السلام) إلى التهاون بصلاته، حتّى خَرَجَ في أثرِ الطير، ثُمَّ بالفاحشة، ثُمَّ بالقتل!

ثُمّ بَيَّن الخبر الصحيح في القِصّة، وزواج داود (عليه السلام) من زوجة أوريا) (152) .

  نقد المحتوى عند الإمام الهادي (عليه السلام).

في رسالته (عليه السلام) إلى أهل الأهواء، ذكر المَنهج الصحيح في التعامل مع الأخبار، فقد قال: (فإذا وردت حقائِق الأخبار، والتمست شواهدها من التنزيل، فوُجد لها مُوافِقاً، وعليها دليلاً، كان الاقتداء بها فرضاً لا يَتَعدَّاه إلاّ أهل العناد) (153)، ثُمَّ صحَّح الخبر الوارد عن أبي

٥٩

عبد الله‏ (عليه السلام) في إنكار الجَبْرِ والتَفوِيض، فقال: (ولمّا التَمَسْنا تحقيق ما قاله الصادق (عليه السلام) من المَنزلة بين المَنزِلتَين، وإنكاره الجَبر والتفويض، وجدنا الكتابَ قد شهد له، وصَدّق مَقالته في هذا) (154) .

ثُمّ ذَكَرَ الآيات القرآنيّة الّتي تُبطِل الجَبْر والتَفويض، فقال: (فمَن زعم أنّه مُجبِرٌ على المعاصي، فقد أحالَ بذَنبِه على الله، وقد ظَلَّمه في عُقوبتِه، ومن ظَلَّم الله فقد كَذَّبَ كتابه) (155) .

٦٠