مباني نقد متن الحديث

مباني نقد متن الحديث0%

مباني نقد متن الحديث مؤلف:
تصنيف: علم الدراية
الصفحات: 215

مباني نقد متن الحديث

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: قاسم البيضاني
تصنيف: الصفحات: 215
المشاهدات: 59655
تحميل: 6512


توضيحات:

مباني نقد متن الحديث المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 215 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59655 / تحميل: 6512
الحجم الحجم الحجم
مباني نقد متن الحديث

مباني نقد متن الحديث

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الباب الثاني: المَبانِي المُشتَرَكة في نَقْدِ مَتْنِ الحَديث

الفصل الأوّل: عرض الحديث على القرآن

الفصل الثاني: عرض الحديث على السُنَّة

الفصل الثالث: عرض الحديث على التاريخ

الفصل الرابع: عرض الحديث على العَقل

الفصل الخامس: عرض الحديث على العِلم القَطعِي

الفصل السادس: الأحاديث الّتي لا تُشبِه كلام المَعصوم ‏(عليه السلام)

الباب الثاني / الفصل الأوّل:

٦١

٦٢

تمهيد

لم تكن أُصول نَقد المَتن واضحة عند المُتقدِّمين من نُقّاد الحديث، فقد كانوا ينقدون المَتن من خلال نقدهم للسَنَد وبالعكس، كما ذكرنا سابقاً في الفصل الأوّل، ولا يعني هذا فقدان المَنهج النقدي عندهم، فقد سُئلَ عبد الرحمان بن المهدي: كيف تعرف الكذّاب؟ قال: كما يعرف الطبيبُ المَجنونَ (156).

وقال الربيع بن خثيم: (إنّ من الحديث حديثاً له ضوء كضوء النهار، نعرفه به، وإنّ من الحديث حديثاً له ظُلمة كظُلمة الليل، نعرفه بها).

وبمرور الزمن تَميَّزت هذه المباني والأُصول، حتّى بَلَغتْ أوجهاً عند ابن القيِّم، وسوف نتعرَّض إلى ذكر بعض المباني عند بعض العلماء، ثُمَّ نختار المباني والأصول المُشترَكة عند الفريقَين.

1 - أُصول نقد الحديث عند الخطيب البغدادي (ت 463 هـ).

وقد ذَكر أصول النقد عند تعرّضه للخَبر الواحد، فقال: ولا يُقبَل الخبر الواحد في مُنافاة العقل، وحُكم القرآن الثابت، والسُنّة

٦٣

المَعلومَة، والفعل الجاري مَجرى السُنّة، وكلّ دليل مَقطوع) (157) .

فتَعمِيمُه للدليل المَقطوع يُمكن أن يشمل كثيراً من الأُصول والمَباني، كالتاريخ الصحيح القطعي والعلم القطعي وما شابه ذلك، مّما لا يَتَطَرَّق إليه الشكّ.

2 - أُصول النَقد عند الغَزالي (ت 505 هـ).

قَسَّم الغزالي الأخبارَ إلى ثلاثة أقسام: ما يَجب تصديقه، ما يُعلَم كذبه، ما لا يُعلم صِدقه ولا كذبه، ثُمَّ ذكرَ الأصول الّتي يُمكن بواسطتها مَعرفة الحديث المَكذوب، فقال:

أ - ما يُعلم خِلافه بضرورة العقل، أو نَظَرِه، أو الحسّ، أو المُشاهَدة، أو أخبار التواتر.

ب - ما يُخالِف النَصّ القاطع من الكتاب والسُنّة المُتواترة، وإجماع الأُمّة.

ج - ما صرّحَ بتكذيبه جمعٌ، يستحيل في العادَة تواطؤهم على الكذب.

د - ما سَكَتَ الجمعُ عن نَقله والتحدّث به، مع جريان الواقعة بمشهدٍ منهم، مع إحالة العادة السكوت عن ذكره لِتَوفّر الدواعي على نقله (158).

3 - أُصول نَقد المُحتوَى عند ابن الجَوْزِي (510 هـ - 597 هـ).

في دراسةٍ لأحَد الباحثِين، استخرج المَباني والأصول الّتي اعتمد عليها ابن الجَوزِي في نقد مُحتوَى الحديث، فكانت كالتالي:

أ - العَرض على السُنّة.

ب - التاريخ.

ج - مُخالَفة الإجماع.

د - مخالفة العقل والأمر المُحال.

هـ - مُخالَفة الشريعة، الإسلام، أُصول الدِّين، الصِفات الإلهيّة.

و - فساد المَعنى، الرَكَاكَة، المُجازَفَة.

٦٤

ز - مُخالَفة أُصول الاعتِقادات.

ح - العَرض على عَمل الصَحابَة.

ط - الاستِبعاد.

ي - العَرض على القُرآن.

ك - العَرض على نَظَرِ المُتَخَصِّص.

ل - عَدم الاطمئنان القَلبي، إلى غيرها من الأُصول الّتي ذَكَرَها هذا الباحث (159) .

4 - أُصول نَقْد المُحتوى عن ابن القَيِّم (691 هـ - 751 هـ).

يُعتَبَر ابن القَيّم أوّل من تَناولَ هذا الموضوع بدراسةٍ مُستقلِّة، وبَيَّن أُصول نقد المُحتوى، مع ذكر مَصاديق لهذه الأصول في كتابه (المَنار المُنيف في الصحيح والضعيف).

فعندما سُئل، هل يُمكن معرفة الحديث المَوضوع بضَابِطٍ من غير أن يُنْظَر في سَنَده؟ قال: (هذا سُؤال عظيم القدر، وإنّما يَعلم ذلك من تَضَلَّع في مَعرفة السُنَن الصحيحة، واختَلَطَتْ بلَحمهِ ودَمه، وصارَ له فيها مَلَكَة، وصار له اختِصاص شديد بمَعرِفة السُنَن والآثار، ومعرفة سِيرة رسول الله (ص) وهَدْيِه فيما يَأمر به ويَنهى عنه) (160) ، ثُمَّ ذكر هذه المباني، وهي:

أ - اشتماله على المُجازَفات، الّتي لا يقولها رسول الله (ص).

ب - تكذيب الحَسِن له.

ج - سَماجَة الحديث، وكونه مّما يُسخَر منه.

د - مُناقَضة الحديث لما جاءتْ به السُنّة الصريحة، مُناقَضَة بَيِّنَة.

هـ - الادّعاء بأنّ النبيّ (ص) فَعَلَ أمراً ظاهراً بمَحضرٍ من الصَحابة كلّهم، وأنّهم اتّفقوا على كِتمانِه.

٦٥

و - أن يكون الحديث باطِلاً في نَفسِه.

ز - أن يكون كلامه لا يُشبه كلام الأنبياء.

ح - أن يكون بوَصفِ الأطبّاء أشبَه.

ط - أن يكون في الحديثِ تاريخ كذا وكذا.

ي - مُخالَفة الحديث لصَريح القُرآن.

ك - رَكَاكَة اللَفظِ وسَمَاجَته، بحيث يَمُجّها السَمْع، ويَدفَعها الطَبْع.

ل - أن يقترنَ بالحديثِ من القرائِن الّتي يُعلَم بها أنّه باطِل (161) .

وغيرها من الضوابِط الّتي يُمكن من خلالها مَعرفة الحديث الموضوع، من غير نظرٍ في سَنَده.

والجدير بالذِكر، أنّ بعض هذه الضوابِط لا يُمكن عَدّها من الأُصول والمباني في نقد الحديث دائماً.

5 - أُصول النَقْدِ عند ابن كَثير (ت 774 هـ).

من أصول النقد عند ابن كثير:

أ - رَكاكَة اللَفظ.

ب - فَسادُ المَعنى.

ج - المُجازَفة الفاحِشة.

د - المُخالَفة لِما ثبتَ في الكتاب والسُنّة الصحيحة (162) .

6 - أصول النقد عند الشيخ الطوسي (ت 470 هـ).

ذكر مجموعة من القرائِن الّتي تَدلّ على صحّة مُتضمَن الخَبَر، ثُمّ قال: (فمَتى تَجرَّد الخبر عن واحد من هذه القرائن... فإن كان ما تَضَمَّنه هذا الخبر، هناك ما يدلّ على خِلافه من كتابٍ أو سُنّة أو إجماع، وَجبَ إطراحه والعمل بما دلَّ الدليل عليه (163) .

٦٦

فأصول النقد عند الشيخ في هذا النصّ هي: الكتاب والسُنّة والإجماع، والّتي يُمكن ردّ الحديث فيما إذا كان مُخالِفاً لها.

7 - أُصول النَقْدِ عند العلاّمة المَامَقانِي - عبد الله المَامَقاني (ت 1351 هـ).

ذكر العلاّمة المامَقاني عدّة مَقايِيس لمَعرفة الحديث الموضوع، منها:

أ - الرَكاكَة.

ب - فساد المَعنى، كما لو كذّبه الحسّ والوجدان.

ج - مُخالَفة الكتاب والسُنّة المُتواترة.

د - مُخالَفة الحقائِق التاريخيّة.

هـ - الإفراط في الثواب العظيم على العمل الصغير وبالعكس.

و - الخَبَر عن أمرٍ جَسِيم تَتَوافر أسباب نَقلِه، ولا يَنْقله إلاّ واحد مَجهول أو مَجروح (164) .

8 - أُصول النَقْدِ عند العلاّمة التُستَرِي.

من المقاييس الّتي ذكرها العلاّمة في نقد الحديث هي:

أ - العَرض على القرآن (165) .

ب - عرضُ الحديث على السُنّة القَطعيّة، أو مَجموعة من الأحاديث (166) .

ج - عرضُ الحديث على التاريخ (167) .

د - عرضُ الحديث على العَقل (168) .

هـ - مُخالَفة الحديث للواقِع (169) .

٦٧

و - عدم مُطابَقة الحديث مع قواعد اللُغة (170) .

ز - عدم مُطابَقة الحديث مع شأنِ وأدبِ الأئمّة (171) .

ح - مُخالَفة الحديث مع فتوى المَشهور (172) .

ط - مُخالَفة الحديث مع ضَروريّات المَذهب (173) .

9 - أُصول نقد المُحتوى عند العلاّمة الطَباطَبائي (174) .

استخدمَ العلاّمة الطباطبائي عدّة مَعايِير لنَقْدِ مُحتَوَى الحديث، منها:

أ - العِلم القَطعي (175) .

ب - البُرهان العَقلي (176) .

ج - القرآن (177) .

د - السُنّة (178) .

هـ - المَباني والأُصول المَأخوذة من الكتاب والسُنّة (179) .

و - ضَرورَة الدِّين (180) .

ز - التاريخ (181) .

٦٨

10 - أُصول النَقْدِ عند الشيخ السُبحاني.

ذكر الشيخ السُبحاني عدَّة مَعايِير لنَقدِ المَتنِ، وهي:

أ - الكتاب.

ب - السُنّة المُتواترة أو المُستَفِيضَة.

ج - العَقل الحَصِيف.

د - ما اتّفقَ عليه المُسلِمون.

هـ - التاريخ الصحيح (182) .

من خِلال هذا العَرضِ السريع، يُمكن الخروج بعدّة مَباني وأُصول مُشتَرَكة، اتَّفقَ عليها أكثر العُلماء، بعد إدغام بعضِ المَباني المُتشابِهة، وهذه المباني هي:

أ - مُخالَفة الحَديث للقرآن.

ب - السُنّة القَطعيّة.

ج - إجماع المسلمين.

د - العَقل.

هـ - الحِسّ والمُشاهَدة، أو المُسلَّمات العِلميّة.

و - التاريخ.

ز - أنْ لا يُشبِه الحديث كلامَ الأنبياء؛ لرِكَّةٍ في مَعناه، أو تَضمّنه لبَعضِ المُجازَفات، أو ما شابَه ذلك (183) .

٦٩

٧٠

الفَصل الأوّل: عَرْضُ الحَدِيثِ عَلى القُرآن

المَبحث الأوّل: أهمّيَّة القرآن.

المَبحث الثاني: مَرْتَبَة السُنّة من القرآن.

المَبحث الثالث: علاقة السُنّة بالكتاب.

المَبحث الرابع: أحاديث العَرْضِ على الكتاب.

المَبحث الخامس: التَأويل.

المَبحث السادس: الروايات الّتي تُخالِف القرآن.

المبحث الأوّل: أهمّيَّة القُرآن

لم تكن هناك نِعمة أعظم من إنزال القرآن على هذه الأُمّة، بعد أن حُرِّفت الكُتب السَماويّة، وقَسَتْ القلوب، وبُدِّلتْ الشرائع الإلهيّة حسب الأهواء والمَصالح، قال تعالى - مُمْتَنّاً على المسلمين -: ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (184).

فهو الكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يَدَيه ولا من خَلفه، فمَن طلب الهداية في غيره ضلَّ.

كيف لا؟! وقد تجلَّى الله لِخَلقه بالقرآن، كما قال أمير المؤمنين‏ (عليه السلام): (فتَجَلَّى لَهم سُبحانه في كتابِه، من غير أنْ يَكونوا رَأوه، بما أراهُم من قُدرته) (185) .

وروى الإمام الحَسن (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قال: (قِيل لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنَّ أُمّتك ستُفْتَن، فَسُئل ما المَخرَج من ذلك؟ فقال: كتاب الله العزيز، الّذي لا يأتيه الباطِل من بين يَدَيه ولا من خَلفِه، تنزيلٌ من حكيم حميد، مَن ابتَغَى العِلم في غَيره أضلّه الله) (186) .

وقد وَصَفه أمير المؤمنين (‏عليه السلام)، قال: (جَعَلَه الله ريّاً لعَطشِ العُلماء، ورَبيعاً لقُلوب الفُقهاء،

٧١

ومَحاجَّ لطُرق الصُلحاء، ودواءً ما بعده داء، ونوراً ليس معه ظُلمة) (187) .

إلى غير ذلك من الأقوال، الّتي لو استعرضناها لطال بنا المَقام، فهو المَصدر الأوّل للتشريع عند جميع المسلمين، لا يختلف على ذلك أحد، وهو المَرجِع عند الاختلاف، قال تعالى: ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (188) .

المَبحث الثاني: مَرتبة السُنّة من القرآن

اتّفقَ المسلمون على أنّ السُنّة هي المَصدر الثاني للتشريع، بعد القرآن الكريم، وأنّ رتُبَتَها هي التأخّر عن القرآن، وقد استدلّ الشاطِبي على ذلك بعدّة أدلّة:

1 - إنّ الكتابَ مَقطوعٌ به والسُنّة مَظنونَة، والقَطع فيها إنّما يَصحّ في الجُملة، بخلاف القرآن فإنّه مَقطوع به في الجُملَة والتَفصيل، والمَقطوع به مُقدَّم على المَظنون.

2 - إنّ السُنّة إمّا بيانٌ للكتاب، أو زيادة على ذلك، فإنْ كان بَياناً فهو ثانٍ على المُبيَّن في الاعتبار، إذ يَلزَم من سقوطِ المُبيَّن سقوط البيان، ولا يَلزَم من سقوط البيانِ سقوط المُبيَّن، وما شأنه هذا فهو أولَى في التقدُّم.

وإن لم يكن بَياناً فلا يُعتبَر، إلاّ بعد أنْ لا يُوجَد في الكتاب، وذلك تَقديم على تَقدِيم الكتاب.

3 - ما دلَّ من الأخبار على تقديم الكتاب على السُنّة، كحديث مَعاذ (189) .

وقال البعض: إنّ الكتاب أحوَج إلى السُنّة من السُنّة إلى الكتاب، وإنّها تَقْضِي عليه (190) .

وقد رَدَّ الشاطِبي هذا القول: بأنّ قضاءَ السُنّة ليس بمعنى تقديمها على القرآن، بل إنّ ذلك المُعبَّر عنه في السُنّة هو المراد في الكتاب، فكأنّ السُنّة بمَنزِلة التَفسير والشَرحِ لمَعاني القرآن، فمَعنى كونِها قاضِية يَعني أنّها مُبَيِّنة له (191) .

وهو الحقّ؛ لأنّ السُنّة فرع القرآن، وحُجِّيَّتها نابعة منه، وما كان هكذا فمَنزلته التأخّر بلا ريب.

٧٢

المَبحث الثالث: علاقة السُنّة بالكتاب

قُلنا سابقاً: إنّ رُتبة السُنّة من القرآن تأتي بالدرجةِ الثانية بَعده، وإنْ كانتْ حُجّة بنفسها، أمّا بالنسبة إلى علاقتها ومَنزلَتها بالنسبة إلى القرآن، فقد قَسّمها الشافعي إلى ثلاثة أقسام، اتّفق علماء المسلمين على اثنين - وإنْ اختلفوا في بعض التفاصيل -، واختلفوا في القِسم الثالث، قال: (إنّ سُنَن النبي (ص) من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا فيها على وَجهَين، والوجهان يَجتمعان ويَتفَرَّعان.

أحدهما: ما أنزلَ الله فيه نصّ كتاب، فبيَّنَ رسولُ الله (ص) مِثل ما نصّ.

والآخر: ما أنزل الله فيه جُملة كتاب، فبيَّن عن الله مَعنى ما أراد.

وهذان الوجهان اللَذان لم يختلفوا فيهما.

والوجه الثالث: ما سَنَّ رسول الله (ص) فيما ليس فيه نصّ كتاب.

فمنهم: جَعلَ الله له، بما افترضَ من طاعته وسبق في عِلمه من توفيقه لرضاه، أن يَسنَّ فيما ليس به نَصّ كتاب.

ومنهم: مَن قال: لم يَسنّ سُنّة قَطْ إلاّ ولها أصل في الكتاب، كما كانت سُنَنه لتَبيِين عَدَد الصلاة... (192) .

والّذي يظهر من كلام الشافعي: أنّهم لم يَختلفوا في النوع الثالث، وإنّما الاختلاف كان حول كيفيّة تشريع الحُكم من قِبل الرسول (ص)، هل أنّ كلّ ما سَنَّه الرسول (ص) له أصل في الكتاب، أو لا؟

ولذلك يُمكن تقسيم علاقة السُنّة مع الكتاب كالتالي:

1 - السُنّة الّتي تدلّ على الكتاب من جميع الوجوه، فتكون من تَوارُدِ الأدلّة، كما في قوله (ص): (لا يحلّ مَال امرئٍ مِنكم إلاّ بِطِيبِ من نَفسه)، فإنّه يُوافِق قوله تعالى: ( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) ، أو قول الرسول (ص): (اتّقُوا الله في النِساءِ، فإنّهنَّ عَوَانٌ عندَكم...)، فإنّه يُوافِق قول الله تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) .

2 - السُنّة الّتي تُبيِّن القرآنَ فتُفَصِّل مُجمَله، أو تُوضِّح مُشكله، أو تُقيِّد مُطلَقه، أو تُخصِّص عامَّه، وذلك مِثل السُنَن الّتي بَيَّنَتْ كيفيّة الصلاة والصوم، والحجّ وأحكام الحجّ، وتفاصيل الرِبَا... الخ.

٧٣

3 - السُنّة الدالّة على حُكمٍ سَكَتَ عنه القرآن - لم يَنصّ عليه الكتاب، ولا على مُخالَفته - وذلك مثل الأحاديث الّتي دلّتْ على تحريمِ ما يَحرم من النَسَبِ، وتحريم الجَمعِ بين المرأةِ وخالَتِها (193) .

وقد اختلف فقهاء المسلمين حول تَخصِيص عموم القرآن بخَبَرِ الواحد، وحُكم الزيادة على القرآن.

والجَدير بالذِكر، أنّ اختلاف المَباني سوف يُؤثّر على الحُكم على بعض الأحاديث، بالتَعارض أو عدم التعارض مع القرآن، ولذلك سوف يكون البحث في النقاط التالية:

1 - هل أن خبر الواحد يخصص عموم القرآن؟

صَرَّح فقهاء الحَنفيّة بأنّهم لا يُجِيزون تَخصيص عموم القرآن بخَبَرِ الآحاد؛ لأنّ عموم القرآن قَطعي، وخَبَر الواحد ظنّي، ولا يُمكِن تخصيص القَطعي بالظنّي، أمّا الخبر المُتواتر، فقد أجمعَ المسلمون على جواز تَخصيص الكتاب به، قال أحد فقهاء الحنفية: (العامُّ من الكتاب والسُنّة المُتواترة لا يحتمل الخصوص، أي لا يجوز تَخصِيصَه بخَبَر الواحد والقياس؛ لأنّهما ظنِّيّان، فلا يجوز تخصيص القَطعي بهما) (194) .

وقال السَرخَسِي: (ولأنّ الكتابَ مُتَيَقَّنٌ به، وفي اتّصال الخَبَرِ الواحد برسول الله (ص) شُبْهة، فعند تَعذّر الأخذ بهما لابُدَّ من أنْ يُؤخَذ بالمُتَيَقَّن ويُترَك ما فيه شُبهة، والعامّ والخاصّ في هذا سواء) (195) .

وخَالفهم الجمهور، فقالوا بتخصيص عامِّ الكتاب بخَبَرِ الواحد، كما يُخصِّصه الخَبر المُتواتر (إنّ خَبر الواحد يَخصّ عامّ الكتاب، كما يخصّه المُتواتر) (196) .

٧٤

أمّا عند الشيعة، فقد ادّعى الشيخ الأنصاري الإجماع على تخصيص العامّ بخَبَرِ الواحد: (قام الإجماعُ من الأصحاب على العَمل بأخبارِ الآحاد، في قِبال العامّ الكتابي... بل وذلك مّما يُقطَع به في زمن الصَحابة والتابِعين، فإنّهم كانوا يَتَمَسَّكون بالأخبار في قِبال العُمومات الكتابيّة، ولم يُنكَر ذلك عليهم، وهذه سِيرة مُستَمرّة إلى زمن الأئمّة (عليهم السلام)) (197) .

والحقّ أنّ الإجماع الّذي نَسَبَه الشيخُ إلى الشيعة لم يَثبُت، فهذا الشيخ المُفيد يُنكِر أن يكون خبر الواحد مُخصِّصاً للقرآن، قال: (ولا يجوز تخصيص العامّ بخَبر الواحد؛ لأنّه لا يُوجِب عِلماً ولا عَملاً) (198) .

وقال الشيخ الطوسي بعد أن بَيَّنَ مَذاهب الفقهاء في تخصيص عموم الكتاب بالسُنّة: (والّذي ذُهِبَ إليه، أنّه لا يجوز تخصيص العموم بها على كلِّ حال، سواء خُصَّ أم لم يُخصَّ، بدليلٍ مُتّصل أم مُنفصِل، وكيف كان.

والّذي يدلّ على ذلك، أنّ عمومَ القرآن يُوجِب العِلم، وخبر الواحد يُوجِب الظنّ، ولا يجوز أن يُترَك العِلم للظنِّ على حال، فوَجَبَ لذلك أن لا يُخَصّ العموم به) (199) .

ونتج عن هذا الاختلاف في المباني، قبول بعض الأخبار عند عامّة الفقهاء، باعتبارها تَبيِين للقرآن، في حين رَفضَها فقهاء الحَنفيّة وغيرهم، باعتبارها تُعارِض القرآن، ويُمكِن ذِكر بعض الأمثلة، منها:

أ - يرى أهل الرأي، أنّ المُسلِم إذا ترك التَسمِية على الذَبيحة عامِداً لا تَحلّ الذَبيحة؛ أخذاً بعموم قوله تعالى: ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ) (200) ، ورَفضوا الحديث الوارِد عن رسول الله (ص): (المُسلِم يَذبحُ على اسم الله، سَمَّ أو لَم يُسَمِّ)؛ باعتباره مُخالِفاً لعُموم القرآن، وقَبِلَه الجمهور (201) .

ب - يرى أصحاب الرأي أنّ مُباحَ الدَمِ بردَّة أو زِنى أو قصاص، إذا التَجأ إلى الحَرَمِ

٧٥

يكون آمِناً؛ تَمَسّكاً بقوله تعالى: ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) (202) ، واعتبروا الحديث المَروِي عن رسول الله (ص)، الّذي يقول: (الحَرَمُ لا يُعِيذ عاصِياً، ولا مارّاً بدَم) معارِضَاً لعُموم الآية، لا مُخصِّصاً لها، وقَبِلَه الجمهور (203) .

ج - رَدَّ أصحابُ الرأيِ الحديث الوارِد عن رسول الله (ص)، الّذي يُحرِّم فيه أكل كلّ ذِي مَخلَب من الطير؛ لأنّه يُعارِض الآية الكريمة: ( قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ) (204) .

ولابُدَّ من الإشارة إلى أنّ مَذهبَ مالِك ردّ الحديث الّذي يُعارِض عموم القرآن، إذا لم يَعضُده شي‏ء آخر، إذ مَشهور مَذهبِه إباحة أكلِ الطيور، ولو كانت ذات مَخلَب (205) .

والجدير بالذِكر، أنّ الّذين يرفضون تخصيص عامّ الكتاب بخَبَرِ الواحد، يشترطون أن لا يكون الخبر مَشهوراً، أو مُجمَعاً عليه، ولذلك فقد قَبلوا كثيراً من الأحاديث، مع مُخالَفتها للقرآن، فقد رَدَّ الشيخ الطوسي، في جوابه على مَن قال إنّ الصحابة قد خصّتْ عموم القرآن بخَبَرِ الواحد - كالخبر الّذي رُوي عن النبي (ص): (إنّ القاتِل لا يَرِث)، الّذي خصَّ آية المَواريث -، فقال: (إنّهم تركوا عموم آية الميراث بالخبرِ الّذي تَضَمّن أنّ القاتِل لا يَرِث؛ لأنّهم أجْمَعوا على صحّته) (206) .

وقد أجاب الحنفيّة على الإشكال الّذي يقول: إنّ الصَحابة خَصّوا قوله تعالى: ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ... ) بقوله (ص): (لا مِيرَاث لقَاتِل...)، وخَصّوا قوله تعالى: ( وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ ) بقوله (ص): (لا تُنْكَح المَرأة على عَمَّتِها)، فقالوا: إنّ هذه الأحاديث مَشهورة، يجوز الزِيادة بمِثلها على الكتاب، ولا كلام فيها (207) .

٧٦

2 - حُكْمُ الزِيادَة على القُرآن.

ومن الاختلافات بين أصحاب الرأي وأصحاب الحديث، المُؤثِّرة في كونِ الحديث مُعارِضاً للقرآن أو مُبيِّناً له، هي: حُكم الزيادة الحاصِلة من أقوال النبي (ص)، والّتي لا يُوجَد عَينها في القرآن، قال البزدوي - أحد فقهاء الحنفية -: (إنّ الزيادة المُتأخّرة عن النَصِّ المَزيد عليه، تكون نَسخُ مَعنى، لا تَخصيص لهذا النَصّ) (208) .

ومن المَعلوم أنّ نَسخَ القرآن بخَبَرِ الواحد مَرفوض عند الجميع، فيكون الحديث حينئذٍ مُعارِضاً للقرآن، وقد خَالَفهم الجُمهور في ذلك، قال ابن القَيِّم - بعد أن بيَّن مَنزلة السُنّة من القرآن، وأنّها على ثلاثة وجوه، الثالث منها -: (أنْ تكون مُوجِبة لحُكمٍ سَكَتَ القرآنُ عن إيجابه، أو مُحرِّمة لما سكتَ عن تحريمه، فما كان منها زائداً على القرآن فهو تشريع مُبتدأ من النبي (ص) تَجِبُ طاعته فيه، ولا تَحلّ مَعصيَته.

وليس هذا تقديماً لها على كتاب الله، بل امتثال لِما أمر الله به من طاعةِ رسوله، ولو كان رسول الله (ص) لا يُطاع في هذا القسم، لم يكن لِطاعَته مَعنىً) (209) .

وقد فصَّلَ الشيخ المُفيد والسيّد المُرتضى والطوسي في ذلك، فقال الشيخ الطوسي: إنّه إذا كانت الزيادة مُغيِّرة لحُكمِ المَزيد عليه، بحيث لو فعلَ بعد الزيادة على الخَبَرِ الّذي كان يُفعَل قَبلها، لم يكن مُجزياً وَوَجبَ إعادته، فذلك يُوجِب نَسخ المَزيد، أمّا إذا كان مُجزِياً فلا يُوجِب نَسخ المَزيد عليه.

وضرب مثلاً في الثاني، وهو النَفي على حَدِّ الزاني للبِكرِ، وزيادة الرَجمِ على حَدِّ المُحصَن (210) .

وترتيب الاختلاف في هذه المَباني ما يَلي:

أ - تغريب الزاني غير المُحصَن.

ذهبَ أهل الرأي إلى أنّ حَدَّ الزاني غير المُحصَن الجَلْد فقط، ولم يُجيزوا تَغريبه؛ أخذاً بعموم قوله تعالى: ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ... ) (211)؛ لأنّ

٧٧

هذا الحديث الّذي يَتَضمَّن الزيادة على القرآن يُعتَبَر ناسِخاً للقرآن، ومعارِضاً له، وخالَفهم أهل الحديث وعامّة الفقهاء في هذا الأمر (212) .

ب - القضاءُ بالشَاهِد واليَمين.

ذهبَ أهل الرأي إلى أنّه لا يجوز القضاء بالشاهدِ واليَمين، واعتبروا الأحاديث زيادة ناسِخة للقرآن، ومُخالِفة للآية: ( وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء... ) .

وخالفهم الجمهور، فأجازوا القَضاء بالشاهِدِ واليَمين؛ أخذاً بما وَرَدَ عن الرسول (ص) (213) .

المَبحث الرابع: أحاديث العَرْضِ على الكتابِ عند الشِيعَة

وَرَدَتْ أحاديث كثيرة تأمُر بعرضِ الحديث على القرآن، وطرحِ ما يُخالِفه، وَصَفَها بعضُ المُحقِّقين بأنّها مُتواترة معنى (214) ، ويُمكِن تقسيمها إلى عدِّة أقسام:

1 - تقسيم الشيخ الأنصاري لأخبار العَرض.

قسّمَ الشيخ الأنصاري أخبار العَرضِ إلى مَجموعتَين:

أ - ما دلَّ على طَرْحِ الخَبَرِ المُخالِف للقرآن.

منها: (ما جَاءَكم مِن حَدِيثٍ لا يُصَدِّقه كتاب الله، فهوَ باطِل) (215) ، وقوله (عليه السلام): (لا تَقْبَلوا علينا خِلاف القرآن، فإنّا إنْ حَدَّثنا حَدَّثنا بمُوافقَة القرآن، ومُوافقَة السُنّة) (216) .

وهذه الأخبار على قِسمَين أيضاً:

أوّلاً : منها ما يدلّ على عدمِ صدورِ الخَبرِ المُخالِف للكتابِ والسُنّة عنهم (‏عليهم السلام)، وأنّ المُخالِف لهما باطِل وليس بحَدِيثِهم.

ثانياً : ومنها ما يدلّ على عدمِ جواز تصديقِ الخَبرِ المُخالِف للكتاب والسُنّة عنهم‏ (عليهم السلام).

٧٨

ب - ما دَلّ على طَرْحِ ما لا شَاهِد عليه مِن الكِتاب والسُنَّة.

وهي على طائفتين أيضاً:

أوّلاً : ما يدلّ على بطلانِ ما لا يُوافِق الكتاب، وأنّه باطل وزُخرُف.

ثانياً : ما يدلّ على عدمِ جواز تصديق ما لا يُوجَد عليه شاهِد من الكتاب.

وهي كثيرة منها: صحيحة هِشام بن الحَكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال: (لا تَقبلوا علينا حَدِيثاً إلاّ ما وافَق الكِتاب والسُنَّة، أو تَجِدون معه شاهِداً مِن أحاديثِنا المُتَقدِّمة) (217) .

والفَرقُ بين الطائِفة (أ) و (ب) هي أنّ الطائفةَ الأُولى من الأخبار - الأخبار الّتي تدلّ على طَرحِ ما يُخالِف الكتاب - لا تَمنَع من الأخْذِ بالخَبر الّذي لا يُوجَد مَضمونه في الكتاب؛ لعدم صِدقِ المُخالَفة حينئذٍ، بل تَمنع من الأخذ بالأخبار المُخالِفة لمَضمُون الكتاب، ولذلك قال: (وأمّا الطائفة الأُولى، فلا تدلّ على المَنْعِ عن الخَبرِ الّذي لا يُوجَد مَضمونه في الكتاب والسُنّة) (218) .

أمّا الطائفة الثانية من الأخبار، فتشمل مُطلَق الأخبار، سواءٌ كان مَضمونها موجوداً في الكتاب وخَالَفَها الخَبَر، أم لا؛ لصِدق عدم المُوافَقة في كلتا الحالَتَين.

وقد أجاب الشيخ على الإشكال القائِل بأنّ المُراد من المُخالَفة هنا ليست بمعنى التَباين الكُلّي، بل بمَعنى مُطلَق المُخالَفة؛ وذلك لأنّ حَملَها على التَباين الكُلّي حَملٌ على الفَردِ النادرِ، فقال: (إنّ ذلك يستلزم المَحذور، وهو رَدّ أخبار كثيرة صادرة عن الأئمّة قَطعاً، واعتبارها مُخالِفة للكتاب، وإلاّ لعُدّت الأخبار الصادِرة يَقيناً عن الأئمّة (عليهم السلام) المُخالِفة لعُمومات الكتاب والسُنّة مُخالِفة للكتاب والسُنّة) (219) .

وإجمالاً، يُمكِن الخروج بعدَّة نتائج، من خلال بحثِ الشيخ الأنصاري حول أخبار العَرْضِ:

1 - إنّ أخبار العَرْضِ مُتواترة معنىً.

٧٩

2 - إنّ أخبار العرضِ على قِسمَين، منها ما يدلّ على طَرحِ ما لا يُوافِق الكتاب، ومنها ما يدلّ على طرحِ ما لا شاهِد عليه في الكِتاب.

3 - إنّ الطائفة الأُولى لا تدلّ على طَرحِ ما لا يُوجَد مَضمُونه في الكتاب وخَالَفه الخَبَر، على عَكس الطائفة الثانية.

4 - إنّ مَعنى المُخالَفة هنا، هي المُخالَفة بنَحو التَبايُن الكُلِّي، وليس بمعنى الخاصّ والعامّ، والمُطلَق والمُقيَّد.

5 - إنَّ أخبار الطائفة الأُولى يُمكِن حمل بعضها على الأخبار الوارِدة في أُصول الدِّين، وبعضها الآخر على صُورة تَعارض الخَبرَين.

6 - إنّ أخبار الطائفة الثانية يُمكِن حمل بعضها على الأخبار الواردة في أُصول الدِّين، أو على صورةِ التَعارضِ، أو على أخبارِ غيرِ الثُقات.

2 - تَقسِيم الشَهيد الصَدر لأخبار العَرضِ.

قَسَّمَ الشهيدُ الصَدر أخبارَ العَرضِ إلى ثلاثِ طوائف (220) :

أ - ما وَرَدَ بلسان الاستِنكار، والتَحاشِي عن صدور ما يُخالِف الكتاب من المَعصومين‏ (عليهم السلام)، مثل ما وردَ عن أيّوب بن الحُرّ، قال: ( سمعتُ أبا عبد الله‏ (عليه السلام) يقول: كُلّ حديث مَردُود إلى الكتابِ والسُنّة، وكُلّ شي‏ءٍ لا يُوافِق الكتاب فهو زُخرُف) (221) .

وفي رواية أُخرى عن هشام بن الحَكَم، قال: ( خَطَبَ رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا أيّها الناس، ما جاءَكم عنِّي يُوافِق كتابَ الله فأنا قُلتُه، وما جاءَكم يُخالِف كتابَ الله فلَمْ أقُلْه) (222) .

وفي رواية أُخرى، وَصَفَتْ الحديث الّذي لا يُشبه كتاب الله بأنّه باطِل.

ب - الطائفة الثانية من الروايات، وهو إناطَة العَملِ بالرواياتِ بأنْ يكون مُوافِقاً

٨٠