الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد10%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182027 / تحميل: 9884
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قالتْ فاطمةُ بنتُ الحسينِعليهما‌السلام : فلمّا جلسنا بينَ يَدَيْ يزيدَ رقَّ لنا، فقامَ إِليه رجلٌ من أَهلِ الشّام أحمرُ فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، هَبْ لي هذه الجاريةَ - يَعنيني - وكنتُ جَاريةً وَضيئةَ فأُرْعِدْتُ وظَنَنْتُ أنّ ذلكَ جائزٌ لهم، فأَخذتُ بثيابِ عمّتي زينبَ، وكانتْ تعلمُ أنّ ذلكَ لا يكونُ.

فقالتْ عمتي للشاميِّ: كَذبْتَ واللّهِ ولؤُمْتَ، واللهِّ ما ذلكَ لكَ ولا له.

فغَضِبَ يزيد وقالَ: كذبتِ، إِنَّ ذلكَ لي، ولو شئتُ أن أفعلَ لَفعلتُ.

قالتْ: كلاٌ واللهِّ ما جعلَ اللّهُ لكَ ذلكَ إلاّ أن تَخرجَ من ملّتنا وتدينَ بغيرها.

فاستطارَ يزيدُ غضباً وقالَ: إِيّاي تَستقبلينَ بهذا؟! إِنما خرجَ منَ الدِّينِ أَبوكِ وأَخوكِ.

قالتْ زينبُ: بدينِ اللهِّ ودينِ أبي ودينِ أخي اهتديتَ أنتَ وجدًّكَ وأَبوكَ إِن كنتَ مسلماً.

قالَ: كذبتِ يا عدوّةَ اللهِّ.

قالتْ له: أنتَ أميرٌ، تَشتمُ ظالماً وتَقهرُ بسلطانِكَ ؛

فكأنّه استحيا وسكتَ.

فعادَ الشّاميُّ فقالَ: هَبْ لي هذه الجاريةَ.

فقالَ له يزيدُ: اغرُبْ، وَهَبَ اللّهُ لكَ حَتْفاً قاضياً.

١٢١

ثمّ أَمرَ بالنِّسوةِ أَن يُنْزَلْنَ في دارٍ على حِدَةٍ معهنّ أَخوهُنَ ُ عليّ بنُ الحسينِعليهم‌السلام ، فأُفرِدَ لهم دارٌ تتّصلُ بدارِ يزيدَ، فأَقاموا أَيّاماً، ثمّ ندبَ يزيدُ النُّعمانَ بنَ بشيرٍ وقالَ له: تجهّزْلتخرجَ بهؤلاءِ النِّسوانِ(١) إِلى المدينةِ. ولمّا أَرادَ أَن يُجهِّزَهم، دعا عليَّ بن الحسينعليهما‌السلام فاستخلاه(٢) ثمّ قالَ له: لعنَ اللهُّ ابنَ مرجانةَ، أَمَ واللهِّ لو أَنَي صاحبُ أَبيكَ ما سأَلني خَصلةً أَبداً إلاٌ أَعطيتُه إِيّاها، ولَدفعتُ الحَتْفَ عنه بكلِّ ما استطعتُ، ولكنً اللّهَ قضى ما رَأَيتَ ؛ كاتِبْني منَ المدينةِ وَأنهِ كلَّ حاجةٍ تكونُ لكَ.

وتقدّمَ بكسوته وكسوةِ أَهلِه، وأَنفذَ معَهم في جملةِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رسولاً تَقدّمَ إِليه أن يسيرَبهم في الليلِ، ويكونوا أَمامَه حيثُ لا يفوتونَ طَرْفَه(٣) ، فإِذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرّقَ هو وأَصحابُه حولَهم كهيئةِ الحَرَسِ لهم، وينزل منهم حيثُ إِذا أَرادَ إِنسانٌ من جماعتِهم وضوءاً أَو قضاءَ حاجةٍ لم يَحتشِمْ.

فسارَ معَهم في جملةِ النُّعمانِ، ولم يَزَلْ يُنازلهُم في الطّريقِ ويَرفقُ بهم - كما وصّاه يزيدُ - ويرعونهم حتّى دخلوا المدينةَ.

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: النسوة.

(٢) في «م» وهامش «ش»: فاستخلى به.

(٣) في «ش»: طرفة عين

١٢٢

فصل

ولمّا أَنفذَ ابنُ زيادٍ برأسِ الحسينِعليه‌السلام إِلى يزيدَ، تقدّمَ إِلى عبدِ الملكِ بنِ أَبي الحُدَيثِ السُّلَميِّ فقالَ: انطلقْ حتّى تأْتيَ عَمَرَو بنَ سعيدِ ابنِ العاصِ بالمدينةِ فبَشِّرْه بقتلِ الحسينِ، فقالَ عبد الملكِ: فركبتُ راحلتي وسرتُ نحوَ المدنيةِ، فلقيَني رجلٌ من قُريشٍ(١) فقالَ: ما الخبرُ؟ فقلتُ: الخبرُ عندَ الأميرِتسمعُه، فقالَ: إِنّا للّهِ وإنّا إِليه راجعونَ، قُتِلَ - واللهِ - الحسينُ. ولمّا دخلتُ على عمرِو بنِ سعيدٍ قالَ: ما وراءَكَ؟ فقلتُ: ما سَر الأميرَ، قُتِلَ الحسينُ بنُ عليٍّ ؛ فقالَ: اخرجْ فنادِ بقتلهِ ؛ فناديتُ، فلم أَسمعْ واللهِّ واعيةً قطًّ مثلَ واعيةِ بني هاشمٍ في دورِهم على الحسينِ ابنِ عليٍّعليهما‌السلام حينَ سمعوا النِّداءَ بقتلهِ، فدخلت على عَمرِو بنِ سعيدٍ، فلمّا رآني تبسّمَ إِليَّ ضاحكاً ثمّ أَنشأَ متمثّلاً بقولِ عمرِو بنِ مَعدي كرب:

عَجَّتْ نِسَاءُ بَنِيْ زِيَادٍ عَجَّةً

كَعَجِيْجِ نِسْوَتنَاغَدَاةَ الأرْنَبِ(٢)

ثمّ قالَ عَمرٌو: هذه واعيةٌ بواعيةِ عُثمانَ. ثمّ صعدَ المنبرَ فأَعلمَ النّاسَ قَتْلَ الحسينِ بنِ عليّعليهما‌السلام ودعا ليزيد بن معاويةَ ونزلَ.

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: قيس.

(٢) في هامش «ش» و «م»: (قال ابو الندى الاعرابي: الأرنب: ماء، وروي: الأثأب وهو: شجر). وفي الطبري ٥: ٤٦٦، والكامل ٤: ٩٨: الأرنب: وقعة كانت لبني زُبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب.

١٢٣

ودخلَ بعضُ موالي عبدِاللهِّ بن جعفر بن أَبي طالبٍعليه‌السلام فنعى إليه ابنيه فاسترجعَ، فقالَ أبوالسلاسِلِ مولى عبدِاللهِّ: هذا ما لَقِيْنا منَ الحسينِ بنِ عليِّ ؛ فحذَفه عبدُاللهّ بن جعفرٍ بنعلِه ثمّ قالَ: يا ابنَ اللَخْناءِ، أَلِلحسيَنِ تقولُ هذا؟! واللهِّ لو شَهِدْتُه لأحببْتُ ألا أفارقَه حتّى أُقتلَ معَه، واللّهِ إِنّه لَمِمّا يُسَخِّي بنفسي عنهما ويُعَزِّيني(١) عنِ المُصاب بهما أَنّهما أُصِيبا معَ أَخي وابنِ عمِّي مواسِيَيْنِ له، صابرَينِ معَه. ثمّ أَقبلَ عَلى جُلسائه فقالَ: الحمدُ للهِّ، عزّ عليّ مصرع(٢) الَحسين، إنْ لا أكُنْ(٣) آسيتُ حسيناً بيدي فقد آساه ولدي.

وخرجتْ أمًّ لُقمانَ بنتُ عقيلِ بنِ أبي طالبٍ حينَ سمعتْ نَعْيَ الحسينِعليه‌السلام حاسرة ومعَها أخواتُها: أمُّ هانئ، وأَسماءُ، ورملةُ، وزينبُ، بناتُ عقيلِ بنِ أبي طالبٍ رحمة اللّهِ عليهنّ تبكي قتلاها بالطّفِّ، وهي تَقولُ:

ماذَا تَقُوْلُوْنَ إذْ(٤) قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ:

ماذَا فَعَلتُمْ وَأنتُمْ اخرُ الأممِ

بِعِتْرَتيْ وَبِأَهْليْ بَعْدَ مفْتَقَدِيْ

مِنْهُمْ اسَارَى ومِنهُمْ ضُرِّجُوْا بدَمِ

مَاكَانَ هَذَا جَزَائي إذْنَصَحْتُ لَكُمْ

أَنْ(٥) تَخْلُفُوْنِيْ بِسُوءٍ فِيْ ذَوِيْ رَحِمِي

 فلمّا كانَ الليلُ منْ ذلكَ اليومِ الّذي خَطَبَ فيه عَمروبنُ سعيدٍ بقتلِ الحسينِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام بالمدينةِ، سَمِعَ أَهلُ المدينةِ في جوف الليل مُنادياً ينُادي، يَسمعونَ صوتَه ولا يَرَوْنَ شخصَه:

__________________

(١) في « م » وهامش « ش »:يعزي.

(٢) في نسخنا: بمصرع، وما اثبتناه من نسخة العلامة المجلسي في البحار.

(٣) في «ش» و «م»: ألا أكون، وصحح في هامشهما بما في المتن.

(٤) في «م»:إن.

(٥) في هامش «ش» و «م»: اذ.

١٢٤

ايها القاتلون جهْلاً حُسَيناً

أَبشِرُوا بِالعَذَاب وَالتَنْكِيْلِ

(كُلُّ أَهْلِ )(١) السَّمَاءِ يَدْعُوْ عَلَيْكُمْ

مِنْ نَبي وَملاك وَقبيْلِ(٢)

قَدْ لُعنْتُمْ على لِسَانِ ابْنِ دَاوُوْ

دَ وَموسَى وَصَاحِبِ الإنْجِيْل

 فصل

أَسماء من قُتِلَ معَ الحسينِ بنِ عليٍّعليه‌السلام من أَهلِ بيتهِ بطفِّ كربلاءَ، وهم سبعةَ عشرَنفساً، الحسينُ بنُ عليعليه‌السلام ثامنَ عشرَ منهم: العبّاسُ وعبدُاللّهِ وجعفرٌ وعُثمانُ بنو أَمير المؤمنينَ عليهِ وعليهم السّلامُ، أُمُّهم أُمُّ البنينَ.

وعبداللهِّ(٣) وأَبو بكرٍ ابنا أَميرِ المؤمنينَعليهما‌السلام ، أُمهما ليلى بنتُ مسعودِ الثّقفيّةُ.

وعليٌّ وعبدُاللهِّ ابنا الحسينِ بنِ عليٍّعليهم‌السلام .

والقاسمُ وأَبو بكرٍ وعبدُاللّهِ بنو الحسنِ بنِ عليٍّعليهم‌السلام .

ومحمّدٌ وعونٌ ابنا عبداللهِ بنِ جعفرِبن أَبي طالبٍ رحمةُ اللهِ عليهم.

وعبدُاِللهّ وجعفرٌ وعبدُ الرّحمنِ بنوعقيلِ بنِ أَبي طالبٍ.

__________________

(١) في هامش «ش»: كل من في.

(٢) في هامش «ش»: وقتيل.

(٣) كذا في«ش» و «م» لكن الصحيح عبيدالله كما مضى من المصنف في أولاد أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وهو الموافق لما في المصادر الاخرى.

١٢٥

ومحمّدُ بنُ أَبي سعيدٍ بنِ عقيلِ بنِ أَبي طالبٍ رحمةُ اللّهِ عليهم أجمعينَ.

فهؤلاءِ سبعةَ عشرَنفساً من بني هاشم - رضوانُ اللّهِ عليهم أجمعينَ - إِخوةُ الحسينِ وبنو أَخيه وبنو عمّيه جعفرٍ وعقيلٍ، وهم كلُّهم مدفونونَ ممّا يلي رِجلَي الحسينِعليه‌السلام في مشهدِه حفِرَ لهم حَفِيرةٌ وأُلقُوا فيها جميعاً وسُوِّيَ عليهم التًّرابُ، إلا العبّاسَ بنَ عليٍّ رضوانُ اللّهِ عليه فإنَّه دُفِنَ في موضعِ مَقتلِه على المُسَنَّاةِ بطريقِ الغاضِريّةِ وقبرُه ظاهرٌ، وليسَ لقبورِ إِخوته وأَهلِه الّذينَ سمّيناهم أَثر، وإنّما يزورُهم الزّائرُ من عندِ قبرِ الحسينِعليه‌السلام ويومئ إِلى الأرضِ الّتي نحوَ رِجلَيه بالسّلامِ، وعليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام في جملتِهم، ويقالُ: إِنّه أَقربُهم دفناً إِلى الحسينِعليه‌السلام .

فأَمّا أَصحابُ الحسينِ رحمةُ اللّهِ عليهم الّذينَ قُتِلوا معَه، فإِنّهم دُفِنُوا حولَه ولسنا نُحَصِّلُ لهم أَجْدَاثاً على التّحقيقِ والتّفصيلِ، إلا أَنّا لا نَشُكُّ أَنّ الحائرَ مُحيطٌ بهم رضيَ اللّهُ عنهم وأَرْضَاهم وأَسكنَهم جنّاتِ النّعيمَ.

* * *

١٢٦

باب طرف من فضائلِ الحسينِ عليهِ السّلامُ وفضل زيارتِه وذكر مصيبتهِ

روى سعيدُ بنُ راشدٍ(١) ، عن يعلى بن مُرَّةَ قالَ: سمعتُ رسول اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقولُ: «حسينٌ منِّي وأَنا من حسينٍ ؛ أحبَّ اللهُّ من أَحبَّ حسيناً ؛ حسينٌ سبطٌ منَ الأسباطِ »(٢) .

ورَوى ابنُ لَهِيْعَةَ، عن أَبي عَوانَةَ(٣) رفعَه إِلى النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ: «إِنّ الحسنَ والحسينَ شَنَفَا(٤) العرشِ، وِانّ الجنّةَ قالتْ: يا ربّ أسكنْتَني الضُّعَفاءَ والمساكين ؛ فقالَ اللّه لها: ألا تَرْضَيْنَ أنِّي زَيّنْتُ أَركانَكِ بالحسنِ والحسينِ ؛ قالَ: فماست(٥) كما تَمِيْسُ العروسُ

__________________

(١) في بعض المصادر: سعيد بن ابي راشد، وكلاهما واحد. انظر تهذيب الكمال ١٠: ٤٢٦ / ٢٢٦٧ ومصادره.

(٢) رواه أحمد في مسنده ٤: ١٧٢: ابن ماجة في سننه ١: ٥١ / ١٤٤، والترمذي في سننه ٥: ٦٥٨ / ٣٧٧٥، والحاكم في مستدركه ٣:١٧٧، والذهبي في تلخيصه له، وابن قولويه في كامل الزيارات: ٥٢، ٥٣، وابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام : ٧٩ / ١٢٢، وابن الأثير في اُسد الغابة ٢: ١٩، والحمويني في فرائد السمطين ٢: ١٣٠ / ٤٢٩، والمزّي في تهذيب الكمال ١٠: ٤٢٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧١.

(٣) في تاريخ بغداد وكنز العمال: ابو عُشانة.

(٤) الشنف: قرط يلبس في أعلى الأذن، انظر «الصحاح - شنف - ٤: ١٣٨٣ ».

(٥) الميس: التبختر. «الصحاح - ميس - ٣: ٩٨٠».

١٢٧

فَرَحاً »(١) .

وروى عبدُاللهّ بن ميمون القدّاح، عن جعفرِ بنِ محمّدٍ الصّادقعليه‌السلام قالَ: «اصْطَرَعَ الحسنُ والحسينُعليهما‌السلام بينَ يَدَيْ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالَ رسولُ اللّهِ: إِيهاً(٢) حسنُ، خُذْ حسيناً؟ فقالتْ فاطمةُعليها‌السلام : يا رسولُ اللّهِ، أَتَستَنْهِضُ الكبيرَ على الصّغيرِ؟! فقالَ رسول اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا جَبْرئيْلُعليه‌السلام يقول للحسينِ: إيهاً يا حسينا(٣) ، خُذِ الحسنَ »(٤) .

وروى إِبراهيمُ بن الرّافعي(٥) ، عن أَبيه، عن جدِّه قالَ: رأيتُ الحسنَ والحسينعليهما‌السلام يمشيانِ إِلى الحجِّ، فلم يَمُرّا براكبٍ إلّا نزلَ يمشي، فثقلَ ذلكَ على بعضِهم فقالوا لسعدِ بن أبي وَقّاصٍ: قد ثقلَ علينا المشيُ، ولا نسَتحسنُ أَن نركبَ وهذانِ السّيًّدانِ يَمشيانِ ؛ فقاكَ سعدٌ للحسنعليه‌السلام : يا أبا محمّدٍ، إِنّ المشيَ قد ثقلَ على جماعةٍ ممن معَكَ، والنَّاسُ إِذا رأوْكما تَمشيانِ لم تَطِبْ أَنفسُهم

__________________

(١) ذكر قطعة منه الخطيب في تاريخ بغداد ٢: ٢٣٨، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٢: ١٢١، ونقل الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ١٨٤ قطعة منه بسند آخر، ورواه ابن شهرآشوب في مناقبه ٣: ٣٩٥ ونقله العلامة المجلسي في ألبحار ٤٣: ٢٧٥ / ٤٤.

(٢) كذا في النسخ، ويلاحظ في ذلك. «لسان العرب - أيه - ١٣: ٤٧٤ ».

(٣) في «ش»: حسيناً. وفي «م»: حسين، وما اثبتثاه من هامش «ش».

(٤) قرب الاسناد: ٤٨، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ١٠٥ كتاب سليم بن قيس: ١٧٠، امالي الصدوق: ٣٦١، امالي الطوسي ٢: ١٢٧، تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام -: ١١٦ - ١١٧ و ١٥٤ - ١٥٦، اُسد الغابة ٢: ١٩، الاصابة ١: ٣٣٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧٦ / ٤٥.

(٥) في هامش «ش»: من أولاد ابي رافع الصحابي.

١٢٨

أَن يركبوا، فلو ركبتما؛ فقالَ الحسنُعليه‌السلام : «لا نَركبُ، قد جَعلْنا على أَنفسِنا المشيَ إِلى بيتِ اللهِّ الحرامِ على أَقدامِنا، ولكنّنا نتنكّبُ الطّريقَ » فأَخذا جانباً منَ النّاسِ(١) .

وروى الاوزاعيٌُ، عن عبدِاِللهّ بنِ شدّادٍ(٢) عن أُمِّ الفضلِ بنتِ الحارثِ:أَنّها دخلتْ على رسولِ اللّهِ صلّى لم اللّه عليهِ وآلهِ فقالتْ: يا رسولَ اللهِّ، رأَيتُ الليلةَ حُلماً مُنكَراً؛ قالَ: «وما هو؟» قالتْ: إِنّه شديدٌ ؛ قالَ: «ما هو؟» قالتْ: رأَيتُ كأنَّ قطعةً من جسدِكَ قُطِعَتْ ووُضِعَتْ في حجْري ؛ فقالَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خيراً رأَيتِ، تَلِدُ فاطمةُ غلاماً فيكونُ في حجرِكِ » فولدتْ فاطمةُ الحسينَعليه‌السلام فقالتْ: وكانَ في حجري كما قالَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخلت به يوماً على النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعتُه في حجرِهِ، ثمّ حانتْ منِّي التفاتة فإِذا عَينا رسولِ اللّهِ عليه وآلهِ السّلامُ تُهراقانِ بالدُّموعِ، فقلتُ: بأَبي أَنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِّ، ما لَكَ؟! قالَ: «أَتاني جَبْرئيْلُعليه‌السلام فأَخبرَني أَنّ أُمّتي ستقتلُ ابني هذا، وأَتاني بتربةٍ من تربتهِ حمراءَ»(٣) .

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٣: ٣٩٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧٦ / ٤٦.

(٢) وهو أبن ألهاد، وام الفضل لبانة بنت الحارث الهلالية خالته، توفيت في خلافة عثمان، وتوفي هو سنة ٨١، ٨٢، ٨٣ هـ.

وفي اغلب المصادر والتراجم:ان الأوزاعي يروي عن شداد بن عبدالله ابي عمار مولى معاوية، ولم يذكروا تاريخ وفاته، وهو وعبدالله بن شداد من طبقة واحدة.

والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو، ولد سنة ٨٨ وتوفي سنة ١٥٧، وذكره ابن ابي حاتم الرازي فيمن يرسل، انظر «المراسيل: ١١٢، سير اعلام النبلاء ٧: ١٠٧، ٢: ٣١٤، ٣: ٤٨٨، تهذيب الكمال١٥: ٨١، ١٢: ٣٩٩ ومصادرهما».

(٣) روى الحديث الحاكم في مستدركه ٣: ١٧٦، وابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة

١٢٩

وروى سِماكٌ، عنِ ابنِ مُخارِقٍ، عن أمِّ سلمةَ - رضيَ اللهُّ عنها - قالتْ: بينا رسولُ اللهّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاتَ يومٍ جالسٌ والحسينُعليه‌السلام جالسٌ في حجرِه، إِذ هَمَلَتْ عيناه بالدُّموعِ، فقلتُ له: يا رسولَ اللّهِ، ما لي أَراكَ تبكي، جعِلْت فداك؟! فقالَ: «جاءَني جَبْرَئيْلُعليه‌السلام فعزّاني بابني الحسينِ، وأَخبرَني أَنّ طائفةً من أمّتي تقتلُه، لا أَنالهمُ اللّهُ شفاعتي »(١) .

ورُويَ بإِسنادٍ آخرَ عن أُمِّ سلمةَ - رضيَ اللهُّ عنها - أَنّها قالتْ: خرجَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله من عندِنا ذاتَ ليلةٍ فغابَ عنّا طويلاً، ثمّ جاءَنا وهو أَشعثُ أَغبرُ ويدُه مضمومةٌ، فقلتُ: يا رسولَ اللّهِ، مالي أَراكَ شَعِثاً مُغْبَرّاً؟! فقالَ: «أُسِريَ بي في هذا الوقتِ إِلى موضعٍ منَ العراقِ يقالُ له كربلاءُ، فأُرِيتُ فيه مَصرعَ الحسينِ ابني وجماعةٍ من ولدي وأَهلِ بيتي، فلم أَزَلْ ألْقُطُ دماءهم فها هي في يدي » وبسطَها إِليَّ فقالَ: «خُذِيها واحتفظي بها» فأخذتُها فإِذا هي شِبْة ترابٍ أَحمَر، فوضعتُه في قارورةٍ وسَدَدْت(٢) رأسهَا واحتفظتُ به، فلمّا خرجَ الحسينُعليه‌السلام من مكّةَ متوجِّهاً نحوَ العراقِ، كنتُ أُخرجُ تلكَ القارورةَ في كلِّ يومِ وليلةٍ فأشمُّها وأَنظرُ إِليها ثمّ أَبكي لمصابِه، فلمّا كانَ في اليومِ(٣)

__________________

الامام الحسينعليه‌السلام -: ١٨٣ / ٢٣٢، والطبري في دلائل الامامة: ٧٢، والتستري في احقاق الحق ١١:٣٦٣ عن الخصائص، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٣٣٨ / ٣٠.

(١) اعلام الورى:٢١٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٢٣٩ / ٣١.

(٢) في «م» وهامش «ش»: شددت.

(٣) في «م» وهامش «ش»: يوم.

١٣٠

العاشرِ منَ المحرّمِ - وهو اليومُ الّذي قتِلَ فيهعليه‌السلام - أَخرجتُها في أَوّلِ النّهارِ وهي بحالِها، ثمّ عُدْتُ إِليها آخرَ النّهارِ فإِذا هي دمٌ عبيطٌ، فصِحْتُ في بيتي وبكيتُ وكظمتُ غيظي مخافةَ أَن يسمعَ أَعداؤهم بالمدينةِ فيُسرعوا بالشّماتةِ، فلم أَزلْ حافظةً للوقتِ حتى جاءَ النّاعي ينعاه فحقّقَ ما رأَيت(١) .

ورُويَ:أَنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانَ ذاتَ يومِ جالساً وحولَه عليٌ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُعليهم‌السلام فقالَ لهمَ: «كيفَ بكم إذا كنتم صَرْعَى وقبورُكم شتّى؟ فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : أَنموتُ موتاً أَو نُقتَلُ؟ فقالَ: بل تقتل يا بُنَيَّ ظلماً، ويُقتلُ أَخوكَ ظلماً، وتشَرَّدُ ذراريُّكم فِى الأرض، فقال الحسينُعليه‌السلام : ومن يقتلُنا يا رسولَ اللّهِ؟ قالَ: شِرارُ الَنّاسِ، قالَ: فهل يزورنا بعدَ قتلِنا أحدٌ؟ قالَ: نعم، طائفةٌ من أمّتي يُريدونَ بزيارتِكم بِرِّي وصِلَتي، فإِذا كانَ يومُ القيامةِ جئتُهم(٢) إِلى الموقفِ حتّى آخُذَ (بأَعضادِهم فاخَلِّصَهم )(٣) من أَهوالِه وشدائدِه».

وروى عبدُاللهِ بن شريكٍ العامريّ قالَ: كنتُ أَسمعُ أَصحابَ عليٍّعليه‌السلام إِذا دخلَ عُمَرُ بنُ سعدٍ من بابِ المسجدِ يقولونَ: هذا

__________________

(١) روى اليعقوبي في تاريخه ٢:٢٤٥ - ٢٤٦ مضمون الخبر، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٢: ٣٤٧، وذكره الطبرسي في اعلام الورى: ٢١٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٢٣٩.

(٢) في هامش «ح »: جئتها.

(٣) في «ش»: باعضادها فاخلصها.

١٣١

قاتلُ الحسينِ بنِ عليٍّعليه‌السلام وذلكَ قبلَ قتْلِه(١) بزمانٍ(٢) .

وروى سالمُ بن أَبي حَفْصَةَ قال: قالَ عمرُ بنُ سعدٍ ِللحسينعليه‌السلام : يا أَبا عبداللهِ إِنَّ قِبَلنَا ناساً سُفَهاءَ، يزعمونَ أنيِّ أقتلُكَ، فقالَ له الحسينِعليه‌السلام : «إِنّهم ليسوا بسفهاءَ ولكنّهم حُلَماءُ، أَما إِنّه يُقِر عيني ألا تأَكلَ بُرَّ العراقِ بعدي إلّا قليلاًَ»(٣) .

وروى يوسفُ بنُ عَبْدَةَ قالَ: سمعت محمّدَ بنَ َسيرينَ يقولُ: لم تُرَ هذه الحُمرةُ في السّماءِ إلا بعدَ قتلِ الحسينِعليه‌السلام (٤) .

وروى سعدُ الاسكاف قالَ: قالَ أَبوجعفرٍعليه‌السلام : «كانَ قاتلُ يحيى بن زكريّا ولدَ زِناً، وقاتلُ الحسينِ بنِ عليٍّعليه‌السلام ولد زِناً، ولم تَحْمَرَّالسّماءُ إلا لهما»(٥) .

وروى سُفيانُ بنُ عيَيْنَةَ، عن عليِّ بنِ يزيدَ، عن عليَ بنِ الحسينِعليهما‌السلام قالَ: «خرجْنا معَ الحسينِعليه‌السلام فما نزلَ منزلاً ولا ارتحلَ منه إلاٌ ذَكَرَيحيى بنَ زكريّا وقَتْلَه ؛ وقالَ يوماً: ومِن هوانِ الدُّنيا على اللهِّ أَنّ رأسَ يحيى بن زكريّاعليه‌السلام أُهدِيَ إِلى بَغِيّ من بَغايا بني إِسرائيلَ »(٦) .

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: أن يقتل.

(٢) نقله العلامة ألمجلسي في البحار٤٤: ٢٦٣ / ١٩.

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٢٦٣ / ٢٠.

(٤) ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام -: ٢٤٥ / ٢٩٨، وانظر مصادره.

(٥) رواه ابن قولويه في كامل الزيارات: ٧٧ و ٧٩، عن ابي عبداللهعليه‌السلام .

(٦) مجمع البيان ٣: ٥٠٢.

١٣٢

وتَظاهرتِ الأخبارُ بأَنّه لم يَنْجُ أَحدٌ من قاتلي الحسينِعليه‌السلام وأَصحابِه - رضيَ ّ اللهُ عنهم - من قتل أَو بلاءٍ افْتَضَحَ به قبلَ موتِه.

فصل

ومضى الحسينُعليه‌السلام في يوم السّبتِ العاشرِمنَ المحرّم سنةَ إِحدى وستِّينَ منَ الهجرةِ بعدَ صلاةِ الظُّهرِ منه قتيلاً مظلوماً ظَمآن صابراً مُحتسِباً - على ما شرحْناه - وسِنه يومئذٍ ثمان وخمسونَ سنةً، أَقامَ منها معَ جدِّه رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله سبعَ سنينَ، ومعَ أَبيه أَميرِالمؤمنينَعليه‌السلام ثلاثينَ سنةً، ومعَ أَخيه الحسنِعليهما‌السلام عشرَ سنينَ، وكانتْ مدّةُ خلافتِه بعدَ أَخيه إِحدى عشرةَ سنةً، وكانَعليه‌السلام يخضب بالحِنّاءِ والكَتَمِ(١) ، وقُتِلَعليه‌السلام وقد نَصَلَ الخِضابُ من عارِضيْه.

وقد جاءَتْ رواياتٌ كثيرةٌ في فضلِ زيارتِهعليه‌السلام بل في وجوبها.

فرُوِيَ عنِ الصّادقِ جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام أَنّه قالَ: «زيارةُ الحسينِ بنِ عليٍّعليه‌السلام واجبةٌ على كلِّ من يُقِرُّ للحسينِ بالإمامةِ منَ اللّهِ.عزّ وجلَّ »(٢) .

__________________

(١) الكتم: نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه «القاموس المحيط - كتم - ٤: ١٦٩ »؟ وانظر طبقات ابن سعد٥: ٢١٧.

(٢) رواه ابن قولويه في كامل الزيارات: ١٢١ و ١٥٠ / ذيل ح ١، والصدوق في الفقيه ٢:

١٣٣

وقالَعليه‌السلام : «زيارةُ الحسينِعليه‌السلام تَعْدِلُ مائةَ حجّةٍ مبرورةٍ، ومائةَ عُمرةٍ مُتَقَبَّلةٍ »(١) .

وقالَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارَ الحسينَعليه‌السلام بعدَ موته فله الجنّةُ»(٢) .

والأخبارُ في هذا البابِ كثيرةٌ، وقد أَوردْنا منها جملةً كافيةً في كتابِنا المعروفِ بمنَاسِكِ المزَارِ.

__________________

٣٤٨ / ذيل ح ١٥٩٤، والامالي: ١٢٣ / ١٠، الشيخ في التهذيب ٦: ٤٢ / ذيل ح ١، والمصنف نحوه في المقنعة: ٤٦٨، والمزار: ٣٧ / ١.

(١) كامل الزيارات: ١٤٢، وامالي الصدوق: ١٢٣ / ١١، وتهذيب الاحكام ٦: ٥١ / ١١٩، ومصباح المتهجد: ٦٥٩، باختلاف يسيرفيها.

(٢) كامل الزيارات: ١٠ / ١، تهذيب الاحكام ٦: ٤٠ / ٨٤، ومزار المفيد: ٣٠ / ذح ١.

١٣٤

باب ذكر ولدِ الحسينِ بنِ عليٍّ عليهما السّلامُ

وكانَ للحسينِعليه‌السلام ستّةُ أَولادٍ: عليُّ بنُ الحسينِ الأكبرُ، كنيتهُ أَبو محمدٍ، وأمه شاه زنان بنت كسرى يَزدجرد.

وعليُّ بن الحسينِ الأصغرُ، قُتِلَ معَ أَبيه بالطّفِّ، وقد تقدّمَ ذكرُه فيما سلفَ، وأُمُّه ليلى بنت أَبي مُرّة بن عروة بن مسعودِ الثّقفيّةُ.

وجعفرُ بنُ الحسينِ، لا بقيّةَ له، وأُمُّه قُضاعيّةٌ، وكانتْ وفاتُه في حياةِ الحسينِ.

وعبدُاللّهِ بن الحسينِ، قُتِلَ معَ أَبيه صغيراً، جاءه سهمٌ وهو في حجرِ أَبيه فذبحَه، وقد تقدّمَ ذكره فيما مضى.

وسُكَيْنَةُ بنتُ الحسينِ، وأمها الرَّبابُ بنتُ امرئ القيسِ بنِ عديٍّ، كلبيّةٌ، وهي أُمُّ عبداللهِ بنِ الحسينِ.

وفاطمةُ بنتُ الحسينِ، وأمُّها أُمُّ إِسحاقَ بنتُ طلحةَ بن عُبيدِاللهِّ، تيميٌةُ.

* * *

١٣٥

١٣٦

باب ذِكْر الإمام بعدَ الحسينِ بنِ عليٍّ عليهما السلام

وتأريخ مولدَه، ودلائل إِمامتِه، ومبلغ سنِّه،

ومدّة خلافتِه، ووقت وفاتِه وسببها، وموضع قبرهِ،

وعدد أَولادِه، ومختصرٍ من أَخبارِه

والإمام بعد الحسينِ بنِ عليٍّ ابنهُ أَبو محمّدٍ عليُّ بنُ الحسينِ زينُ العابدينَ صلواتُ اللّه عليهم، وكانَ يُكنى أَيضاً أَبا الحسنِ، وأُمُّه شاه زنان بنتُ يزدجرد بن شهريار بن كسرى، ويُقالُ إِنّ اسمَها (شهربانوا )(١) ، وكانَ أَميرُ المؤمنينعليه‌السلام ولّى حُرَيثَ بنَ جابرٍ الحنفيّ جانباً منَ المشرقِ، فبعثَ إِليه بنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى، فَنَحلَ ابنَه الحسينَعليهما‌السلام شاه زنان منهما فاَولدَها زينَ العابدينَعليه‌السلام ، ونَحلَ الاخرى محمّدَ بنَ أَبي بكرٍ فولدتْ له القاسمَ بنَ محمّدِ ابنِ أَبي بكرٍ، فهما ابنا خالةٍ.

وكانَ مولدُ عليِّ بنِ الحسينِعليه‌السلام بالمدينةِ سنةَ ثمانٍ وثلاثينَ منَ الهجرةِ، فبقي معَ جدِّه أَمير المؤمنينَعليه‌السلام سنتين، ومعَ عمِّه الحسنِ عشرَ سنينَ، ومعَ أَبيه الحسينِعليه‌السلام إِحدى عشرةَ سنةً، وبعد أَبيه أَربعاً وثلاثينَ سنةً. وتُوُفِّيَ بالمدينةِ سنةَ خمسٍ وتسعينَ للهجرةِ، وله يومئذٍ سبعٌ وخمسونَ سنةً.

__________________

(١) كذا في النسخ، وفي هامش «ش»: نُويْه.

١٣٧

وكانتْ إِمامتُه أَربعاً وثلاثينَ سنةً، ودُفِنَ بالبقيعِ معَ عمِّه الحسنِ ابنِ عليٍّعليهما‌السلام ، وثبتتْ له الأمامة من وجوه:

أحدُهما: أَنّه كانَ أَفضلَ خلقِ اللّهِ بعدَ أَبيه علماً وعملاً؛ والأمامةُ للأفضلِ دونَ المفضولِ بدلائلِ العقولِ.

ومنها: أَنّه كانَ أَولى باَبيه الحسينِعليه‌السلام وأَحقَّهم بمقامِه من بعدِه بالفضلِ والنّسب ؛ والأولى بالإمام الماضي أَحقُّ بمقامِه من غيرِه، بدلالةِ آيةِ ذوي الأرحامَ وقصّةِ زكريّاعليه‌السلام .

ومنها: وجوبُ الإمامةِ عقلاً في كلِّ زمانٍ، وفسادُ دعوى كلِّ مدع ِللإمامةِ في أَيّامِ عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام أَو مُدَّعىً له سواه، فثبتتْ فيه، لاستحالةِ خلوِّ الزّمانِ من إِمامِ.

ومنها: ثبوتُ الإمامةِ أَيضاً في العترةِ خاصّةً، بالنّظرِ والخبرِعنِ النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفسادُ قولِ منِ ادّعاها لمحمّدِ بنِ الحنفيّةِ - رضيَ اللهُ عنه - بتعرِّيه منَ النّصِّ عليه بها، فثبتَ أَنّها في عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام ، إِذ لا مُدّعى له الإمامةُ منَ العترةِ سوى محمّدٍ رضيَ اللّهُ عنه وخروجه عنها بما ذكرناه.

ومنها: نصُّ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله بالإمامةِ عليه فيما رُوِيَ من حديثِ اللوحِ - الّذي رواه جابرٌ - عنِ النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورواه محمّدُ بنُ عليٍّ الباقرُعليهما‌السلام عن أَبيه عن جدِّه عن فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِّ صلّى اللهُّ عليهم(١) ؛ ونصُّ جدِّه أَميرِ المؤمنينَ عليهِ

__________________

(١) للتحقق من شهرة حديث اللوح انظر: اثبات الوصجة: ١٤٣، ٢٢٧، ٢٣٠، الكافي ١:

١٣٨

السّلام في حياةِ أَبيه الحسينِعليه‌السلام بما تضمّنَ(١) ذلكَ منَ الأخبار،(٢) ووصيةُ أَبيه الحسينِعليه‌السلام إِليه، وايداعُه أُمَّ سلمةَ رضيَ اللّهُ عنها ما قبضَه عليٌّ من بعدِه، وقد كانَ جعلَ التماسَه من أًمِّ سلمةَ علامةً على إِمامةِ الطّالبِ له منَ الأنامِ(٣) ، وهذا باب يعرفُه من تصفّحَ الأخبارَ، ولم نقصدْ في هذا الكتاب إِلى القولِ في معناه فنستقصيَه على التّمامِ.

__________________

٣ / ٤٤٢، أكمال الدين: ٣١١ / ١، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٤٠ / ١، غيبة النعماني: ٦٢، امالي الطوسي ١: ٢٩٧، غيبة الطوسي: ١٤٣ / ١٠٨، القاب الرسول وعترته صلّى الله عليه وآله: ١٧٠، فرائد السمطين ٢: ١٣٦ / ٤٣٢ - ٤٣٥، والمصنف في الاختصاص: ٢١٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٦: ١٩٢ - ٢٠٣.

(١) في «م»:ضَمِنَ.

(٢) حضره الفقيه ٤: ١٣٩ / ٤٨٤.

(٣) الكافي ١: ٢٤٢ / ٣، غيبة الطوسي: ١٩٥ / ١٥٩.

١٣٩

باب ذكر طرفٍ منَ الأخبارِ لعليِّ بنِ الحسينِ عليهما السّلامُ

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ يحيى قالَ: حدّثَنا جدِّي(١) قالَ: حدّثَني إِدريسُ بنُ محمّدِ بنِ يحيى(٢) بن عبداللهِ بنِ حسنِ بنِ حسنٍ، وأَحمدُ بنُ عبداللهِ بنِ موسى، واسماعيلُ بنُ يعقوبَ جميعاً قالوا: حدّثَنا عبدُاللّهِ بن موسى، عن أَبيه، عن جدِّه قالَ: كانتْ أُمِّي فاطمةُ بنتُ الحسينِعليه‌السلام تأْمرُني أَن أَجلسَ إلى خالي عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام ، فما جلستُ إِليه قطُّ إِلا قمتُ بخيرٍ قد أَفدتُه: إِمّا خشيةٍ للّهِ تَحدثُ في قلبي لمِا أَرى من خشيتِه للّهِ تعالى ؛ أوعلمٍ قدِ استفدتُهُ منه(٣) .

__________________

(١) هويحيى بن الحسن بن جعفربن عبيداللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، أبو الحسين المعروف بالعبيدلي، العالم الفاضل الصدوق، صنف كتباً، منها كتاب نسب آل أبي طالب، كتاب المسجد، وقد روى عنه حفيده الحسن بن محمد بن يحيى، انظررجال النجاشي: ٤٤١ / ١١٨٩.

وستأتي له روايات كثيرة في أبواب أحوال الامامين زين العابدين والباقر عليهما‌السلام وأبواب أحوال الامامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام مصرحة بانها من روايات العبيدلي وبعض ما لم يصرح بالأخذ منه أُخذ منه - كما سياتي ذكر موارد منها - ولا يبعد أخذه من كتابه نسب ال ابي طالب.

(٢) في «ش»: «بحر» بدل «يحيى»، وفي هامشها: يحيى، ولعله تصحيح، وفي «م» و «ت »: يحيى، وهو ما اثبتناه.

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٣ / ٥٩.

١٤٠

فصل

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد

(أحدها) أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بايدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لا نحل علمنا الاجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات إلى العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلا والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد ساير الامارات غير المعتبرة

______________________________

الوحي وانتهاء التشريع كان ذلك ظاهرا في الاستمرار والامتداد فلاحظ (قوله: احدها انه يعلم اجمالا) يكفي في صدق هذه الدعوى ملاحظة بعض فوائد الوسائل المتضمنة لذكر القرائن على صحة الكتب الاربعة فلاحظ (قوله: بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار) يمكن تصوير العلم الاجمالي في المقام على وجوه (الاول) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار مرددة بين جميع الاخبار المودعة في كتب اصحابنا (رض) كما نعلم بانشاء أحكام الزامية في جميع ما هو محتمل الطريقية كالخبر والشهرة وغيرهما بحيث يحتمل انطباق جميع ما هو معلوم من الاحكام على مؤديات تلك الاخبار المعلومة بالاجمال، ولازم ذلك أن لو علم تفصيلا بتلك الاخبار الصادرة لم يبق لنا علم اجمالي بتكليف الزامي غير مؤدياتها وان كان يحتمل، ولا ريب في هذه الصورة في انحلال العلم الاجمالي بالتكليف بالعلم الاجمالي بالاخبار الصادرة فلا يجب الاحتياط في اطراف الاول ويجب الاحتياط في اطراف الثاني كما لو شهدت البينة بنجاسة اناء من اواني زيد وشهدت بينة اخرى بنجاسة اناء ابيض من اواني زيد فلا يجب الاحتياط حينئذ الا بالاواني البيض لزيد لا غير (الثاني) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما ذكر سابقا ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية اكثر عددا من الاخبار الصادرة المعلومة اجمالا بحيث لا يحتمل انطباقها بتمامها على مؤديات تلك

١٤١

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع

______________________________

الاخبار وان احتمل انطباق مقدار مساو للاخبار وبقاء مقدار آخر مردد بين الاخبار التي هي اطراف العلم الاجمالي بصدور الأخبار وبين غيرها من محتمل الطريقية، ولازم ذلك أن لو عزلنا مقدارا مساويا للاخبار المعلومة الصدور اجمالا كان العلم الاجمالي بالتكليف فيما عدا ذلك المقدار المعزول باقيا بحاله وان كان نفس المعلوم حينئذ أقل من المعلوم الاصلي قبل العزل ولا ينبغي التأمل في مثل ذلك في وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالتكليف ولا يكفي الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالاخبار وان احتمل انطباق تمام المعلوم الاول على اطرافه إذ لا يكفي هذا المقدار في الانحلال بل لابد فيه من احتمال انطباق تمام المعلوم باحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر، وهو غير حاصل لاختلاف المقدار، ونظيره ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في غنم زيد البيض وشهدت بينة اخرى بوجود شاتين موطوءتين في مطلق غنم زيد مرددتين بين البيض والسود فيجب الاحتياط في البيض والسود معا ولا يكفي الاحتياط في البيض فقط (الثالث) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما سبق ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية مساوية لها في المقدار إلا انها موصوفة بصفة محتملة الثبوت والعدم في مؤديات الاخبار الصادرة فعلى تقدير وجود الصفة في مؤديات الأخبار أمكن انطباق الاحكام عليها، وعلى تقدير العدم امتنع الانطباق وهذا كالأول في انحلال العلم الثاني بالأول فلا يجب الاحتياط الا في اطرافه ومثله ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في قطعة خاصة من غنم زيد وشهدت بينة اخرى بوجود شاة موطوءة بيضاء في غنم زيد مطلقا بحيث كانت مرددة بين جميع افراد غنمه، ولا يجب الاحتياط في مثله الا في القطعة الخاصة لاحتمال انطباق المعلوم الثاني على المعلوم المردد في تلك القطعة والمصنف (ره) قرر الاستدلال على النحو الأول والشيخ (ره) في رسائله قرره على الوجه الثاني، واورد عليه اولا بان اللازم وجوب الاحتياط بالعمل في جميع الامارات ولا يختص بالأخبار كما سيشير إليه المصنف (ره) (قوله: ولازم ذلك لزوم)

١٤٢

الأخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل يثبت له من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق الثاني بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال (وفيه) أنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم وان كان

______________________________

للعلم بوجوب العمل بالخبر الصادر فيجب العمل بكل ما هو محتمل الصدور من الأخبار (قوله: الاخبار المثبتة) لأن العلم الموجب للاحتياط هو العلم بصدور الخبر المثبت لأنه علم بالتكليف الالزامي اما العلم بصدور الخبر النافي فلا يترتب عليه اثر لعدم تعقله بالتكليف نعم يجوز العمل بالخبر النافي لو لم يكن هناك مانع كما لو كان اصل يقتضي الاحتياط كقاعدة الاشتغال أو مثبت للتكليف كاستصحاب التكليف، وكون الاستصحاب لم تثبت حجيته الا بالخبر غير المعلوم الحجية لا يقدح في منعه عن العمل بالخبر بالنافي لأن العمل بالاستصحاب عمل بالخبر المثبت (قوله: بناء على جريانه في اطراف) يعني إنما يمنع الاستصحاب المثبت عن العمل بالخبر النافي لو بنينا على حجيته في اطراف الشبهة المحصورة وأن العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة غير قادح في جريانه مطلقا وانما يقدح إذا كان العلم مثبتا للتكليف والاستصحاب نافيا أما إذا بنينا على قدح العلم الاجمالي مطلقا من جهة لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما أشرنا إليه في مبحث الموافقة الالتزامية ويجيئ بيانه في محله فمخالفة الاستصحاب للخبر النافي غير مانعة من العمل بالخبر لعدم حجيته فيختص المانع عنه بقاعدة الاشتغال فقط، ثم إن المناسب لهذا الاستدراك من المصنف (ره) أن الاستصحاب المثبت مطلقا مبتلى بعلم اجمالي على خلافه هو غير ظاهر (قوله: من عموم أو اطلاق) هذا على طريقة

١٤٣

يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات لا في خصوص الروايات لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينها بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالاجمال فتأمل جيدا (ثانيها) ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر وهو أنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ولا سيما بالاصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث نقطع بخروج حقايق هذه الأمور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فانما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان انتهى، وأورد عليه أولا بان العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره فاللازم حينئذ إما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شئ أو شرطيته (قلت): يمكن أن يقال: إن العلم الاجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار إلا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم - عليهم السلام - بقدر الكفاية بين تلك الطائفة أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم كما مرت إليه الاشارة في تقريب الوجه الاول. اللهم إلا أن يمنع عن ذلك وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره

______________________________

اللف والنشر المرتب (قوله: يسلم عما أورد عليه) قد عرفت الاشارة إلى أن هذا الايراد من الشيخ في رسائله انما صدر من جهة تقريره العلم الاجمالي على الوجه الثاني كما يظهر من ملاحظة كلامه في تقريب الايراد فليلحظ (قوله: وأورد عليه أولا) المورد شيخنا العلامة في رسائله (قوله: المشروطة بما ذكر) يعني كونه موجودا في الكتب المعتمدة وعمل جمع به من غير رد ظاهر (قوله: إما الاحتياط أو العمل) عبارة الرسائل هكذا. فاللازم حينئذ اما الاحتياط

١٤٤

أو ادعي العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها فتأمل (وثانيا) بان قضيته إنما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار النافية لهما، والاولى أن يورد عليه بان قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم دليل أو إطلاقه لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا كما لا يخفى (ثالثها) ما أفاده بعض المحققين بما ملخصه أنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة فان تمكنا من الرجوع اليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلابد من الرجوع اليهما كذلك والا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة

______________________________

والعمل بكل خبر دل على جزئية شئ أو شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية. انتهى، والمراد منها ظاهرا أن العلم الاجمالي بموافقة جملة من الاخبار الدالة على الجزئية ونحوها يوجب الاحتياط بالعمل بكل خبر دل على ذلك ومع تعذره أو لزوم الحرج ينتقل إلى الظن بالصدور كما يأتي بيانه في دليل الانسداد (قوله: أو ادعي العلم بصدور) لا يحتاج إلى دعوى العلم بصدور اخبار اخر في غير ما جمع الشرائط المذكورة بل يكفي في وجوب الاحتياط دعوى العلم الاجمالي بصدور مقدار من الاخبار اكثر من المقدار المعلوم بالاجمال في خصوص ما جمع الشرائط وان لم يعلم بوجوده في غير ما جمع الشرائط كما ذكرنا (قوله: فيما لم تقم حجة معتبرة) إذ مع قيام الحجة المعتبرة على نفي التكليف لا تجري اصالة الاحتياط في العمل الخبر المثبت له كما لو قامت البينة على طهارة أحد اطراف الشبهة المحصورة، ثم إن هذا التقييد في كلام المصنف (ره) هو الفارق بينه وبين ايراد شيخه (ره) (قوله: بعض المحققين) هو الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم (قوله: إلى الكتاب والسنة) إن كان المراد بالسنة قول المعصوم وفعله وتقريره فدعوى الاجماع والضرورة منه على

١٤٥

هذا التكليف فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلابد من التنزل إلى

______________________________

وجوب الرجوع إليها في محله، لكن لا يحسن قوله: فان تمكنا من الرجوع.. الخ، إذ لا يعتبر في جواز الرجوع إلى الكتاب والسنة بذلك المعنى حصول العلم بالحكم إن أمكن والا كفى الظن به، مع ان هذا لا يرتبط باثبات حجية خبر الواحد الا بتوسط مثل الوجه الاول بان نقول: يجب الرجوع إلى السنة ونعلم بحصولها في جملة من الاخبار التي بايدينا فيجب العمل بالجميع من باب الاحتياط، وان كان المراد بها الخبر الحاكي عن السنة بالمعنى الأول فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها بهذا المعني ايضا في محلها إلا انه يرد عليه الاشكال السابق من عدم لزوم حصول العلم منها وعدم اقتضائه حجية الخبر الا بضميمة الوجه الاول فيكون هذا الوجه هو الوجه الاول بعينه لأن الاخبار الصادرة عن الأئمة - عليهم السلام - هي الاخبار الحاكية عن السنة. وان كان المراد بها مطلق الخبر الحاكي عن السنة ولو لم يعلم ذلك فتكون عين الاخبار المدونة في الكتب، فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها مطلقا ممنوع، سوى ما حكي عن الشيخ وغيره من دعوى الاجماع في الجملة كما استشكله بذلك شيخنا (ره) في رسائله. مع أنه لو كان هذا هو المراد لم يحتج إلى إطالة الكلام بالنقض والابرام، ولا جعل دعوى الاجماع والضرورة من مقدمات الاستدلال بل كان راجعا إلى دعوى الاجماع والضرورة على حجية الخبر. ومن هنا حمل المصنف - رحمه الله - كلامه على ارادة دعوى الضرورة والاجماع على وجوب الرجوع إلى السنة بالمعنى الثالث لا مطلقا، بل في الجملة بنحو القضية المهملة كما سيصرح به المصنف (ره) في آخر عبارته وإذا ثبت ذلك فان أمكن الرجوع اليهما بنحو يحصل القطع بالحكم الواقعي للقطع بالصدور والدلالة أو ما بحكم القطع به للقطع بالاعتبار فهو والا فلابد من الرجوع اليهما بنحو يحصل الظن بالحكم فإذا لم يقم دليل على اعتبار الخبر لابد من الرجوع إليه لافادته الظن بالحكم (قوله: هذا التكليف) يعني التكليف بالرجوع إلى السنة (قوله: فلو لم يتمكن من القطع) تفصيل لما بينه في تقرير الدليل

١٤٦

* الظن باحدهما (وفيه) أن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الأخبار الحاكية للسنة كما صرح بانها المراد منها في ذيل كلامه - زيد في علو مقامه - إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار فان وفى وإلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالاضافة لو كان والا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره وذلك للتمكن من الرجوع علما تفصيلا أو إجمالا فلا وجه مع من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره. هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة بذاك المعنى فيمما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع وأما الايراد عليه برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالي بتكاليف واقعية وإما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بايدينا من الاخبار ففيه أن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

______________________________

فان صورة التمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار هي صورة حصول العلم بالحكم أو ما بحكم العلم (قوله: انما هي الاقتصار في الرجوع) الظاهر أن هذا مما اعترف به المستدل بقوله: فان تمكنا.. الخ وقوله (ره): فلو لم يتمكن. الخ إلا أن استدلاله المذكور مبني على عدم الدليل على حجية نوع خاص من السنة وبالجملة: المقدار المتيقن الاعتبار مطلقا أو بالاضافة داخل بقوله - رحمه الله -: فان تمكنا، وقوله: فلو لم يتمكن.. الخ واستدلاله مبني على عدم ذلك إذ هو مقتضي كونه دليلا في قبال غيره من الادلة (قوله: بنحو عرفت) يعني ما ذكره في الايراد على الوجه الثاني بقوله: والاولى ان يورد عليه... الخ (قوله: واما الايراد عليه برجوعه) المورد شيخنا العلامة (ره) في رسائله (قوله: فراجع تمام كلامه) لا يحضرني الآن كلامه لأراجعه إلا أن الذي في بالي ان كلامه مضطرب جدا، والله سبحانه

١٤٧

فصل

(في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن)

وهي أربعة (الاول) أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم أما الصغرى فلان الظن بوجوب شئ أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المضنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح

______________________________

أعلم (قوله: بناء على تعبية) قيد لقوله: أو الظن بالمفسدة، يعني أن الظن بالمفسدة بمني على القول المذكور (قوله: والمفاسد) يعني في متعلقات الأحكام (قوله: ولو لم نقل بالتحسين) قد عرفت سابقا أن وجوب دفع الضرر ليس من الأحكام العقلية بل هو من الفطريات التي جبلت عليها النفوس إذ لا ريب في بناء من له أدنى شعور وادراك على الفرار من الاضرار حتى الحيوانات والاطفال في مبدأ نشوئهم وإدراكهم، والوجدان أقوى شاهد عليه، والظاهر أنه لا فرق بين دفع الضرر وجلب النفع في ذلك، والمراد من كونه من الفطريات أنه إذا ادرك الفاعل المختار الضرر في شئ رجح عدمه على وجوده وتعلقت كراهته به فيفر عنه من دون توسط ادراك العقل حسن الفرار عن الضرر، وكذا إذا أدرك المنفعة في شئ رجح وجوده على عدمه وتعلقت ارادته به من دون توسط حكم العقل بحسنه، فادراك الضرر أو النفع في شئ موجب للفرار عنه أو السعي إليه من دون توقف على حكم عقله بحسنه أو قبحه فوجوب الفرار أو السعي انما هو بملاك وجوب تحصيل الغرض حيث أن الغرض دفع الضرر أو جلب النفع لا بملاك الحسن أو القبح العقليين، ومن هنا يظهر أنه لا يحسن تعبير المصنف (ره) بقوله:

١٤٨

* مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله ولذا أطبق العقلاء عليه مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح فتدبر جيدا. والصواب في الجواب هو منع الصغرى أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته وإنما الملازمة بين خصوص معصيته واستحقاق العقوبة عليها لا بين مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ومجرد الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به كي يكون مخالفته عصيانه

______________________________

فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم.. الخ إذ لو لم نقل بالحسن والقبح العقليين لا يكون ذلك من المستقلات العقلية أصلا بل فطريا محضا، وان قلنا بالحسن والقبح العقليين يكون من المستقلات العقلية ايضا كما كان من الفطريات، لكنه يبتني على القول بالحسن والقبح العقليين، وبالجملة: وجوب الدفع من الفطريات وكونه من المستقلات العقلية يتوقف على القول بالحسن والقبح العقليين. فتأمل (قوله: مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه) يعني كما أن العقل إذا أدرك حسن فعل بناء عليه يكون إدراكه ذلك موجبا لترجحه وتعلق الارادة به من دون توسط حكم عقلي بوجوب فعل الحسن كذلك الحال في المقام - كما عرفت - فتأثير الضرر أو النفع في ترجح الوجود أو العدم نظير تأثير الحسن والقبح العقليين بناء عليهما في ذلك، وكما أن الثاني من الفطريات والجبليات فكذلك الأول (قوله: أما العقوبة فلضرورة) يعني انه إذا كانت الملازمة بين التكليف الواقعي وبين العقوبة كان الظن بالتكليف موجبا للظن بالعقوبة التي هي الضرر لأن الظن باحد المتلازمين مسلتزم للظن بالآخر أما إذا لم تكن الملازمة كذلك بل كانت بين المعصية وبين استحقاق العقوبة فالظن بالتكليف لا يسلتزم الظن بالعقوبة ولا باستحقاقها على تقدير مخالفة الظن فانه مع الشك في حجية الظن لا تكون مخالفته معصية، وإذا علم بانتفائها علم بانتفاء لازمها وهو العقوبة فمع الظن بالتكليف المشكوك الحجية يقطع بعدم الضرر (قوله: واستحقاق العقوبة) يعني لا فعلية العقوبة إذ

١٤٩

* إلا أن يقال: إن العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته الا انه لا يستقل ايضا بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظون قريبة جدا

______________________________

المعصية لا توجب فعلية العقوبة كما هو ظاهر (قوله: إلا أن يقال ان العقل) هذا استدراك على الجواب وحاصله: أن العقل وان لم يحكم بالملازمة بين التكليف الواقعي واستحقاق العقوبة الا انه لا يحكم بانتفائها على تقدير ثبوت التكليف واقعا وحينئذ فمع الظن بالتكليف يشك في العقاب، وكما يجب دفع الضرر المظنون يجب دفع المشكوك فلا تجوز مخالفة الظن فرارا عن الضرر المشكوك الواجب الدفع هذا ولكن لا يخفي أنه ان أراد القائل بذلك منع قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيدعي جواز العقاب على التكليف الواقعي ولو لم يكن الظن حجة فذلك مما لا ينبغي التأمل في بطلانه فان قبح العقاب بلا بيان كاد أن يكون من الواضحات التي لا مجال لتطرق الريب والتردد فيها. وان أراد دعوى ان احتمال حجية الظن كاف في حسن العقاب على الواقع لأن احتمال الحجية مساوق لاحتمال وجود البيان على الواقع. ففيه أن البيان المصحح للعقاب هو خصوص البيان الواصل إلى المكلف، ومجرد كون الظن حجة في نفس الأمر والواقع ما لم يعلم به المكلف لا يصحح العقاب هذا كله مضافا إلى أن عموم ادلة الترخيص مع الشك في التكليف موجبة للقطع بعدم العقاب لامتناع العقاب في ظرف الترخيص وتقدم قاعدة وجوب دفع الضرر على أدلة البراءة الشرعية لا تقتضيه القواعد لأن قاعدة وجوب دفع الضرر لا يوجب علما بالتكليف أو ما هو بمنزلته فتأمل جيدا (قوله: ودعوى استقلاله) يعني أن ما ذكر وان لم يوجب تمامية صغرى الدليل لكن يوجب ثبوت صغرى اخرى وهو الشك في الضرر وهي لا تنطبق عليها كبرى الدليل لكن لا يبعد ثبوت كبرى اخرى وهو وجوب دفع الضرر المشكوك فتكون مع الصغري المتقدمة دليلا على المطلوب. ثم إنه يمكن أن يجاب عن الدليل المذكور (اولا) بناء على

١٥٠

لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا يخفى وأما المفسدة فلانها وان كان الظن

______________________________

ارادة العقوبة من الضرر بانه لا يثبت المدعي بل ينافيه وذلك لان المقصود منه اثبات حجية الظن بمعنى كونه يصح لأجله العقاب، وهذا الدليل إنما اقتضى وجوب العمل على وفق الظن من جهة ترتب العقاب على مخالفته وهو عكس المطلوب وبعبارة أخرى المقصود من الحجية في المقام ما يكون علة للعقاب والثابت بالدليل ما يكون معلولا له كما هو ظاهر (وثانيا) بأن القاعدة المذكورة إذا كانت من القواعد الفطرية بملاك وجوب تحصيل الغرض فانطباقها واقعا تابع لنظر الفاعل المدرك، فقد يكون الضرر بلا مزاحم فيفر عنه، وقد يكون مزاحما بضرر أهم أو نفع كذلك فالأثر - اعني الترجيح - تابع لنظر الفاعل، فقد يكون العمل على طبق الظن مما يترتب عليه في نظره ضرر أهم أو فوات نفع كذلك، فلا بد أن يكون الاثر مستندا إليه، ولا مجال للتحكم على الفاعل بلزوم الفرار عن ضرر مخالفة الظن إذا كان يرى في نظره انه مزاحم بالأهم، ولذا ترى العصاة مع علمهم بالضرر في مخالفة العلم بالوجوب يقدمون عليه لمزاحمته بالاضرار أو المنافع الشهوية، وليس ذلك لبنائهم على عدم وجوب دفع الضرر المقطوع، بل لبنائهم على وجوب دفع الضرر الأهم وتحصيل النفع الأهم ولو لزم الوقوع في الضرر المهم، فالظان بالتكليف وان كان ظانا بالضرر في المخالفة من العقوبة والمفسدة إلا أنه إذا أقدم على مخالفة ذلك الظن لمزاحمة بالأهم عنده لا يكون ذلك مخالفا لقاعدة وجوب دفع الضرر المظنون، بل كان ذلك الاقدام منه اعمالا لها وجريا على مقتضاها. وبالجملة: القاعدة المذكورة مما يمتنع ان تكون من دواعي الترجيح لأن جميع الدواعي موضوعات لها بل ليس الغرض من جعل التكاليف المولوية الا تنقيح موضوع القاعدة المذكورة حيث أنها تكون منشأ للضرر في المخالفة على تقدير العلم بها فيكون ذلك الضرر موضوعا للقاعدة المذكورة، ولابد من التأمل التام في المقام (قوله: لاسيما إذا كان هو العقوبة) بناء على كون قاعدة وجوب دفع الضرر من القواعد العقلية فلا ريب في استقلال العقل بوجوب دفع

١٥١

بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه الا انها ليست بضرر على كل حال ضرورة ان كلما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه اصلا كما لا يخفى، وأما تفويت المصلحة فلا شبهة في انه ليس فيه مضرة بل ربما يكون في استيفائها المضرة كما في الاحسان بالمال هذا مع منع كون الأحكام تابعه للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها بل إنما هي تابعة لمصالح فيها

______________________________

الضرر الموهوم إذا كان اخرويا فضلا عن المشكوك، كيف وكل واحد من اطراف الشبهة المحصورة وموارد قاعدة الاشتغال والأصول المثبتة للتكليف بل وسائر موارد الحجج الدالة على التكليف من هذا القبيل غالبا كما هو ظاهر بأدنى تأمل (قوله: يوجب الظن بالوقوع) لأن المفسدة ملزومة للتكليف والظن باللازم يوجب الظن بالملزوم (قوله: ليست بضرر على) إذ لا ريب ان مفهوم المفسدة ليس عين مفهوم الضرر إذ المفسدة عبارة عن الجهة المقبحة في العقل التي صارت باعثا على كراهته تشريعا أو تكوينا وليس من لوازم العناوين المقبحة ان تكون ضررا فان عنوان العبث جهة مقبحة في الفعل وليس من سنخ الضرر أصلا، بل لو سلم انها عين الضرر لكن لا يلزم ان يكون راجعا إلى الفاعل فان مفسدة العدوان على مال الغير لو كانت راجعة إلى الضرر لكنها ليست راجعة إلى ضرر الفاعل بل ضرر غيره وقاعدة وجوب دفع الضرر مختصة بضرر الفاعل لا غيره. ثم إن غاية مقتضي الجواب المذكور أنه لا ملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالضرر، لكن لا مانع من احتمال الضرر فإذا بني على وجوب دفع الضرر المشكوك كما تقدم منه (قدس سره) لم يجز مخالفة الظن لانها اقدام على محتمل الضرر. الا ان يقال: ان ترخيص الشارع في الاقدام يدل على تدارك الضرر المظنون أو المحتمل فيتوقف على اثبات البراءة الشرعية كما افاده شيخنا الأعظم (ره) في رسائله في المقام وفى بحث الشبهة الموضوعية. لكن اورد عليه المصنف (ره) بان المفسدة الواقعية الحاصلة بالفعل

١٥٢

* كما حققناه في بعض فوائدنا. وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الاحكام بمضرة وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه، ولعمري هذا أوضح من ان يخفى

______________________________

المنهي عنه على تقدير القول بها لا تتداركها مصلحة الترخيص لأنها قائمة بنفس الترخيص لا بالفعل فالفعل باق على ما هو عليه قبل الترخيص من حيث كونه ذا مفسدة فاحتمال الضرر غير المتدارك حاصل فيه. نعم هذا الاشكال لا يتأتى فيما لو كان الضرر المحتمل هو العقاب لان الترخيص ولو عن مصلحة فيه يمنع من ترتب العقاب كما عرفت فلو فرض احتمال العقاب لعدم حكم العقل بقبحه مع الظن بالتكليف فعموم أدلة البراءة الشرعية موجب للأمن منه والقطع بعدمه إلا أن يدعى عدم مجئ أدلة البراءة لحكومة القاعدة عليها، لكن عرفت ان قاعدة التحكيم تقتضي العكس لتوقف مجئ القاعدة على احتمال الضرر وادلة البراءة نافية له ولا يصح العكس لان القاعدة لا توجب علما بالتكليف كما هو ظاهر فلا توجب انتفاء موضوعها الموجب لانتفائها. فتأمل جيدا (قوله: كما حققناه في بعض فوائدنا) لا يخفى أن الذي حققه في بعض فوائده الذي رأيته هو كونها تابعة للمصالح والمفساد في متعلقاتها حيث قال فيها: فهنا دعويان الأولى عدم لزوم الالزام شرعا بما الزم به عقلا.. إلى ان قال: الثانية لزوم أن لا يلزم شرعا إلا بما الزم به عقلا وذلك لان الطلب الحقيقي والبعث الجدي الالزامي لا يكاد يكون الا بملاك يكون في المطلوب والمبعوث إليه... إلى أن اورد على نفسه بقوله: ان قلت: يكفي حسن التكليف وثبوت المصلحة في نفس الطلب والالزام من دون أن يكون مصلحة أو مفسدة في الواجب أو الحرام كما هو كذلك في غير مورد، ثم عد الأوامر الامتحانية والواجبات والمستحبات العبادية والاوامر والنواهي الظاهرية واوامر التقية. ثم قال: قلت: الطلب الحقيقي والالزام الجدي والبعث الواقعي لا يكاد

١٥٣

فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون ها هنا أصلا ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة فافهم (الثاني) أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح (وفيه) أنه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما مع عدم امكان الجمع بينهما عقلا أو عدم وجوبه شرعا ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه ولا يكاد يدور الامر بينهما الا بمقدمات دليل الانسداد وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الاشخاص أو الاحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال (الثالث) ما عن السيد الطباطبائي - قدس سره - من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل

______________________________

أن يتعلق بشئ ما لم يكن فيه بذاته أو بالوجوه والاعتبارات الطارية عليه خصوصية موافقة للغرض داعية إلى تعلق الطلب به حقيقة وإلا كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا بلا مرجح، وهذا واضح... الخ، فهذا كله صريح في كونها تابعة لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد فلاحظ، ولعل مراده غير هذا المقام مما لم اعثر عليه والله سبحانه اعلم (قوله: فلا مجال لقاعدة دفع) بل عرفت ان التحقيق انه لا مجال للتمسك بها والعمدة هو الجواب الثاني المطرد في العقوبة وغيرها فلاحظه وتأمل (قوله: ولا استقلال للعقل) دفع لما يتوهم من أن الظن بالتكليف وان لم يستلزم الظن بالضرر لكنه مستلزم للظن بالمفسدة أو المصلحة ويكفي ذلك في وجوب العمل بالظن لاستقلال العقل بقبح ارتكاب ما فيه احتمال المفسدة أو ترك المصلحة، وحاصل الدفع: منع استقلال العقل بذلك (قوله: أو غيرهما) مثل الاستصحاب أو فتوى المجتهد (قوله: على حسب اختلاف الاشخاص) وذلك لاختلافهم في التمكن من الرجوع إلى العلم أو العلمي لاختلافهم في الاستظهار من الأدلة المتقدمة فإذا اتفق ثبوت ذلك لبعض لم يجز له الرجوع إلى الظن للتمكن

١٥٤

* الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لانه عسر أكيد وحرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات لان الجمع على غير هذا الوجه باخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشوكات والموهومات باطل إجماعا، ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فانه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ومعه لا يكون دليل آخر بل ذاك الدليل (الرابع) دليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس (اولاها) انه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة (ثانيتها) أنه قد انسد علينا باب العلم

______________________________

من العلمي ولو كان الاحتياط ممكنا في حقه أو كان يرى جواز الرجوع إلى الأصل فلابد في الأخذ بالظن من ثبوت المقدمات الآتية (قوله: ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس) اما توقف استقلاله بذلك على ثبوت المقدمة الأولى فغير ظاهر إذ لو فرض كون التكاليف الواقعية محتملة ودار الأمر بين اهمالها، والاحتياط فيها، والرجوع إلى الأصل في كل مسألة بالنظر إليها، والتقليد، والاطاعة الوهمية والشكية دون الظنية وعكس ذلك وبطل ما عدا الأخير بالمقدمات الأربع تعين الأخير نعم يمكن أن تنفع في اثبات المقدمة الثالثة وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة الذي تتكفله الرابعة لكن على هذا التقدير تكون من مقدمات تينك المقدمتين لا في عرضهما كما هو ظاهر، واما المقدمة الثالثة فيغني عنها المقدمة الرابعة فانه إذا لم يجز الرجوع إلى الأصول في كل مسألة كيف يجوز الاهمال وعدم التعرض للاحكام المحتملة بالمرة ؟ ومجرد الاختلاف مفهوما بالقصد أو نحوه لا يكفي في جعلهما مقدمتين متقابلتين يتوقف الاستنتاج على اثبات كل واحدة منهما مستقلا وان شئت قلت: لو قال في المقدمة الرابعة: يجب الأخذ بالاحتياط في موارد

١٥٥

والعلمي إلى كثير منها (ثالثتها) أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا (رابعتها) أنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ولا إلى فتوى العالم بحكمها (خامستها) أنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة وإلا لزم بعد

______________________________

الأصول النافية في الجملة لأغنى عن المقدمة الثالثة. فلا حظ وتأمل، وأما المقدمة الخامسة فالاحتياج إليها يتوقف على تعيين كون المانع من الرجوع إلى الاصل الجاري في كل مسألة مسألة مستقلا هو الاجماع أو العلم بالاهتمام أو انه العلم الاجمالي، فعلى الأخيرين يكون محتاجا إليها فانه لا موجب لتعيين الاحتياط في خصوص المظنونات الا تلك المقدمة أما إذا كان المستند في المنع هو الاجماع فيمكن دعوى عدم الحاجة إليها لقيام الاجماع من أول الأمر على لزوم الاحتياط في خصوص المظنونات. اللهم إلا أن يدعى عدم قيام الاجماع على ذلك وانما معقد الاجماع لزوم الاحتياط في الجملة فيحتاج في تعيينه إلى المقدمة المذكورة فإذا لابد من النظر فيه وسيجيئ في المقدمة الرابعة بيان بعض ما ذكرنا في كلام المصنف (ره) (قوله: والعلمي) المراد به مطلق الامارات المعتبرة (قوله: بل لا يجوز في الجملة) يعني إذا كان موجبا لاختلال النظام. ثم انه لا ينبغي أن يذكر هذا في المقدمات إذ يكفي عدم وجوب الاحتياط وعدم جوازه في الجملة وان كان حقا الا أنه لا يتوقف عليه الاستنتاج (قوله: واحتياط) المراد به اصالة الاحتياط الجارية في المسألة مع قطع النظر عن غيرها، وبذلك يفترق عن الاحتياط في قوله: لا يجب علينا الاحتياط، فان المراد به الاحتياط في كل مسألة وإن كان على خلاف الأصل فيها. ثم انه لا يتوقف الاستنتاج على المنع من العمل باصالة الاحتياط الجاري في المسألة من حيث هي وانما يتوقف على عدم جواز العمل بغيره من الاصول ومقصود المصنف - رحمه الله - ذلك كما يظهر بأدنى تأمل (قوله: ولا إلى فتوى) لا ينبغي

١٥٦

انسداد باب العلم والعلمي بها إما إهمالها، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها، وإما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن العلم بها أو التقليد فيها أو الاكتفاء بالاطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية والفرض بطلان كل واحد منها (أما المقدمة الاولى) فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين - عليهم السلام - التي تكون فيما بايدينا من الروايات في الكتب المعتبرة ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات وهو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ولا إجماع على عدم وجوبه ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال (وأما المقدمة الثانية) فاما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد، وأما بالنسبة إلى العلمي فالظاهر أنها

______________________________

ذكر هذا في هذه المقدمة لأن فتوى المجتهد من قبيل الامارات العلمية والمتعرض لنفي ذلك هو المقدمة الثانية (قوله: قد عرفت انحلال) تقدم بيان ذلك في الدليل الأول من الأدلة العقلية (قوله: ومعه لا موجب للاحتياط) يعني مع هذا الانحلال يسقط العلم الاجمالي بثبوت التكاليف الكثيرة عن اقتضاء الاحتياط في كل ما هو محتمل التكليف ويكون الاثر للعلم بالاخبار الصادرة فيجب الاحتياط في أطرافه لا غير. وحينئذ لا مانع عن الاحتياط في اطرافه لعدم الحرج في ذلك ولا اجماع على عدم وجوبه فيجب الاحتياط في أطرافه ولا موجب للرجوع إلى الظن بل لا يجوز إذا كان مخالفا للاحتياط المذكور. ثم إنك عرفت ان المقدمة الأولى لا يتوقف عليها الدليل المذكور ويكفي مجرد احتمال التكاليف فيرجع هذا الاشكال في الحقيقة إلى انه لابد أن تتكفل المقدمة الرابعة عدم وجوب التبعيض في الاحتياط بالنحو المذكور أعني الاحتياط في موارد النصوص والرجوع إلى الأصل في غيرها كما تكفلت عدم وجوب الاحتياط مطلقا وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة مسألة (قوله: ولو سلم الاجماع) لو وصلية يعني لو سلمنا الاجماع على

١٥٧

غير ثابتة لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقه وهو - بحمد الله - واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى (وأما الثالثة) فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام حسب ما يأتي وذلك لان إهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام مما يقطع بانه مرغوب عنه شرعا ومما يلزم تركه إجماعا (إن قلت): إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض الاطراف كما أشير إليه فهل كان العقاب على المخالفة في ساير الاطراف حينئذ على

______________________________

عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم الاجمالي بالتكاليف غير منحل فلا نسلم الاجماع على عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم المذكور منحلا (قوله: غير ثابتة لما عرفت) وعليه فتختلف هذه المقدمة باختلاف أنظار الباحثين عن حجية الخبر وغيره فان ثبت ما به الكفاية بحيث يحتمل انطباق تمام المعلوم بالاجمال عليه لم تتم هذه المقدمة لانحلال العلم الاجمالي المذكور، والا كانت تامة (قوله: أو فيما جاز أو وجب) هذان معطوفان على قوله: مطلقا، ومفسران له: والمراد بما جاز أو وجب العلم الاجمالي الذي جاز الاقتحام في بعض أطرافه أو وجب ذلك، (قوله: كما في المقام) فان العلم فيه مما يجب الاقتحام في بعض أطرافه لكون الاحتياط التام مما يوجب اختلال النظام المحرم شرعا (قوله: حسب ما يأتي) يعني في تنبيهات العلم الاجمالي بالتكليف حيث ذكر هناك: ان العلم الاجمالي إذا قام دليل على جواز الاقدام على مخالفته في بعض أطرافه لم يجب الاحتياط عقلا في الباقي، وحاصل ما ذكر - كما أشار إليه هنا بقوله: ان قلت... الخ -: ان الدليل الدال على جواز الاقدام موجب لانقلاب العلم بالتكليف إلى الشك به ومعه يكون العقاب على مخالفة التكليف في الباقي عقابا بلا بيان قبيحا في نظر العقل ويأتي انشاء الله توضيحه وتوضيح ما فيه في ذلك المقام (قوله: وذلك لأن) تعليل لقوله: فهي قطعية (قوله: فهل كان العقاب) هذا اشارة إلى ما

١٥٨

تقدير المصادفة إلا عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليها الا مؤاخذة بلا برهان ؟ (قلت): هذا انما يلزم لو لم يعلم بايجاب الاحتياط وقد علم به بنحو اللم حيث علم اهتمام الشارع بمراعات تكاليفه بحيث ينافيه عدم ايجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعات ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال في هذا الحال وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان كما حققناه في البحث وغيره (وأما المقدمة الرابعة) فهي بالنسة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النظام وأما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط وذلك لما حققناه في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين

______________________________

ذكرناه من وجه عدم لزوم الاحتياط في الباقي بعد ارتكاب ما يندفع به الحرج، (قوله: بنحو اللم) يعني استدلالا على المعلول بوجود العلة فان الاهتمام علة لجعل وجوب الاحتياط في ظرف الشك فإذا علم بالاهتمام علم بجعل وجوب الاحتياط فيكون العلم بوجوب الاحتياط حجة في نظر العقل على وجوبه فيجب عقلا كما لو كان عليه دليل سمعي (قوله: ولو كان بالالتزام) ضمير كان راجع إلى الاحتياط يعني ولو كان الاحتياط بالعمل ببعض المحتملات ولم يكن تاما موجبا لحصول اليقين بالواقع (قوله: مع صحة دعوى) هذا وجه آخر لاستكشاف وجوب الاحتياط وهو الاجماع، وعلى كلا الوجهين فالاحتياط مستند إلى جعل الشارع للحجة المستكشفة باحد الطريقين. هذا هو القول بانكشف وسيجيئ في كلام المصنف (ره) التعرض له (قوله: فيما لا يوجب فمحل) يعني إذا لم يكن الاحتياط موجبا لاختلال النظام بل كان موجبا للحرج فعدم وجوبه محل نظر بل منع (قوله: لما حققناه في معنى ما دل) اعلم ان دليل نفي الضرر والحرج ونحوهما يحتمل فيه معان كثيرة إلا الأظهر عند شيخنا الاعظم (ره) في

١٥٩

بما يعمهما

______________________________

رسائله كونه من قبيل نفي السبب بلسان نفي مسببه فالمعني نفي الحكم الذي يأتي من قبله الضرر والحرج، والأظهر عند المصنف (ره) كونه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه فالمعنى نفي الحكم الذي يكون للموضوع الحرجي أو الضرري ويختص بما في رفعه امتنان، وقد فرع المصنف (ره) على الاختلاف بين المعنيين صحة تطبيق قاعدة نفي الحرج في المقام وعدمه إذ لا ريب في أن الأحكام الواقعية في حال الجهل بها موجبة للحرج كما أن موضوعاتها ليست حرجية. فعلى الاول يصح تطبيق القاعدة لرفع تلك الأحكام بعد ما كانت موجبة للحرج، وعلى الثاني لا يصح بعد ما لم تكن موضوعاتها حرجية (فان قلت): الأحكام الواقعية انما تقتضي حفظ وجود موضوعاتها فإذا لم تكن موضوعاتها حرجية كيف تكون موجبة للحرج (قلت): الامر كما ذكرت إلا أن موضوعاتها إذا كانت مرددة بين اطراف يكون مجموعها حرجيا فقد اقتضت حفظ كل واحد من تلك المحتملات فيكون مقتضاها حرجيا ولو بالعرض من جهة الجهل، (فان قلت): فلم لا نقول ان موضوعاتها حرجية (قلت): مع تردد الموضوع بين الاطراف الكثيرة لا يصح دعوى ثبوت الحكم للمجموع بل موضوع الحكم ليس الا الموضوع الواقعي وهو ليس بحرجي ولا تلازم بين اقتضاء ذلك الحكم لفعل جميع المحتملات في ظرف الشك وعدم كونها موضوعا له كما هو ظاهر هذا ويمكن الخدشة فيه (أولا) بالمعنى الذي ذكره خلاف الظاهر جدا وسيأتي انشاء الله بيانه في قاعدة الضرر (وثانيا) بالفرق بين لسان أدلة الحرج ولسان أدلة الضرر ولا يصح قياس أحدهما على الآخر فان قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) صريح في نفي جعل الحرج على العباد تشريعا وليس مثل: (لا ضرر ولا ضرار) مما هو ظاهر في نفي الموضوع فان دعوى ظهور الثاني فيما ذكر لا تلازم دعوى ظهور الأول فيه كما هو ظاهر جدا بأدنى تأمل، قوله: بما يعمهما) الضمير في (يعمها) راجع إلى الضرر والحرج وفي (نفيهما) إلى

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563