الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد10%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182046 / تحميل: 9886
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قالتْ فاطمةُ بنتُ الحسينِعليهما‌السلام : فلمّا جلسنا بينَ يَدَيْ يزيدَ رقَّ لنا، فقامَ إِليه رجلٌ من أَهلِ الشّام أحمرُ فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، هَبْ لي هذه الجاريةَ - يَعنيني - وكنتُ جَاريةً وَضيئةَ فأُرْعِدْتُ وظَنَنْتُ أنّ ذلكَ جائزٌ لهم، فأَخذتُ بثيابِ عمّتي زينبَ، وكانتْ تعلمُ أنّ ذلكَ لا يكونُ.

فقالتْ عمتي للشاميِّ: كَذبْتَ واللّهِ ولؤُمْتَ، واللهِّ ما ذلكَ لكَ ولا له.

فغَضِبَ يزيد وقالَ: كذبتِ، إِنَّ ذلكَ لي، ولو شئتُ أن أفعلَ لَفعلتُ.

قالتْ: كلاٌ واللهِّ ما جعلَ اللّهُ لكَ ذلكَ إلاّ أن تَخرجَ من ملّتنا وتدينَ بغيرها.

فاستطارَ يزيدُ غضباً وقالَ: إِيّاي تَستقبلينَ بهذا؟! إِنما خرجَ منَ الدِّينِ أَبوكِ وأَخوكِ.

قالتْ زينبُ: بدينِ اللهِّ ودينِ أبي ودينِ أخي اهتديتَ أنتَ وجدًّكَ وأَبوكَ إِن كنتَ مسلماً.

قالَ: كذبتِ يا عدوّةَ اللهِّ.

قالتْ له: أنتَ أميرٌ، تَشتمُ ظالماً وتَقهرُ بسلطانِكَ ؛

فكأنّه استحيا وسكتَ.

فعادَ الشّاميُّ فقالَ: هَبْ لي هذه الجاريةَ.

فقالَ له يزيدُ: اغرُبْ، وَهَبَ اللّهُ لكَ حَتْفاً قاضياً.

١٢١

ثمّ أَمرَ بالنِّسوةِ أَن يُنْزَلْنَ في دارٍ على حِدَةٍ معهنّ أَخوهُنَ ُ عليّ بنُ الحسينِعليهم‌السلام ، فأُفرِدَ لهم دارٌ تتّصلُ بدارِ يزيدَ، فأَقاموا أَيّاماً، ثمّ ندبَ يزيدُ النُّعمانَ بنَ بشيرٍ وقالَ له: تجهّزْلتخرجَ بهؤلاءِ النِّسوانِ(١) إِلى المدينةِ. ولمّا أَرادَ أَن يُجهِّزَهم، دعا عليَّ بن الحسينعليهما‌السلام فاستخلاه(٢) ثمّ قالَ له: لعنَ اللهُّ ابنَ مرجانةَ، أَمَ واللهِّ لو أَنَي صاحبُ أَبيكَ ما سأَلني خَصلةً أَبداً إلاٌ أَعطيتُه إِيّاها، ولَدفعتُ الحَتْفَ عنه بكلِّ ما استطعتُ، ولكنً اللّهَ قضى ما رَأَيتَ ؛ كاتِبْني منَ المدينةِ وَأنهِ كلَّ حاجةٍ تكونُ لكَ.

وتقدّمَ بكسوته وكسوةِ أَهلِه، وأَنفذَ معَهم في جملةِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رسولاً تَقدّمَ إِليه أن يسيرَبهم في الليلِ، ويكونوا أَمامَه حيثُ لا يفوتونَ طَرْفَه(٣) ، فإِذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرّقَ هو وأَصحابُه حولَهم كهيئةِ الحَرَسِ لهم، وينزل منهم حيثُ إِذا أَرادَ إِنسانٌ من جماعتِهم وضوءاً أَو قضاءَ حاجةٍ لم يَحتشِمْ.

فسارَ معَهم في جملةِ النُّعمانِ، ولم يَزَلْ يُنازلهُم في الطّريقِ ويَرفقُ بهم - كما وصّاه يزيدُ - ويرعونهم حتّى دخلوا المدينةَ.

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: النسوة.

(٢) في «م» وهامش «ش»: فاستخلى به.

(٣) في «ش»: طرفة عين

١٢٢

فصل

ولمّا أَنفذَ ابنُ زيادٍ برأسِ الحسينِعليه‌السلام إِلى يزيدَ، تقدّمَ إِلى عبدِ الملكِ بنِ أَبي الحُدَيثِ السُّلَميِّ فقالَ: انطلقْ حتّى تأْتيَ عَمَرَو بنَ سعيدِ ابنِ العاصِ بالمدينةِ فبَشِّرْه بقتلِ الحسينِ، فقالَ عبد الملكِ: فركبتُ راحلتي وسرتُ نحوَ المدنيةِ، فلقيَني رجلٌ من قُريشٍ(١) فقالَ: ما الخبرُ؟ فقلتُ: الخبرُ عندَ الأميرِتسمعُه، فقالَ: إِنّا للّهِ وإنّا إِليه راجعونَ، قُتِلَ - واللهِ - الحسينُ. ولمّا دخلتُ على عمرِو بنِ سعيدٍ قالَ: ما وراءَكَ؟ فقلتُ: ما سَر الأميرَ، قُتِلَ الحسينُ بنُ عليٍّ ؛ فقالَ: اخرجْ فنادِ بقتلهِ ؛ فناديتُ، فلم أَسمعْ واللهِّ واعيةً قطًّ مثلَ واعيةِ بني هاشمٍ في دورِهم على الحسينِ ابنِ عليٍّعليهما‌السلام حينَ سمعوا النِّداءَ بقتلهِ، فدخلت على عَمرِو بنِ سعيدٍ، فلمّا رآني تبسّمَ إِليَّ ضاحكاً ثمّ أَنشأَ متمثّلاً بقولِ عمرِو بنِ مَعدي كرب:

عَجَّتْ نِسَاءُ بَنِيْ زِيَادٍ عَجَّةً

كَعَجِيْجِ نِسْوَتنَاغَدَاةَ الأرْنَبِ(٢)

ثمّ قالَ عَمرٌو: هذه واعيةٌ بواعيةِ عُثمانَ. ثمّ صعدَ المنبرَ فأَعلمَ النّاسَ قَتْلَ الحسينِ بنِ عليّعليهما‌السلام ودعا ليزيد بن معاويةَ ونزلَ.

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: قيس.

(٢) في هامش «ش» و «م»: (قال ابو الندى الاعرابي: الأرنب: ماء، وروي: الأثأب وهو: شجر). وفي الطبري ٥: ٤٦٦، والكامل ٤: ٩٨: الأرنب: وقعة كانت لبني زُبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب.

١٢٣

ودخلَ بعضُ موالي عبدِاللهِّ بن جعفر بن أَبي طالبٍعليه‌السلام فنعى إليه ابنيه فاسترجعَ، فقالَ أبوالسلاسِلِ مولى عبدِاللهِّ: هذا ما لَقِيْنا منَ الحسينِ بنِ عليِّ ؛ فحذَفه عبدُاللهّ بن جعفرٍ بنعلِه ثمّ قالَ: يا ابنَ اللَخْناءِ، أَلِلحسيَنِ تقولُ هذا؟! واللهِّ لو شَهِدْتُه لأحببْتُ ألا أفارقَه حتّى أُقتلَ معَه، واللّهِ إِنّه لَمِمّا يُسَخِّي بنفسي عنهما ويُعَزِّيني(١) عنِ المُصاب بهما أَنّهما أُصِيبا معَ أَخي وابنِ عمِّي مواسِيَيْنِ له، صابرَينِ معَه. ثمّ أَقبلَ عَلى جُلسائه فقالَ: الحمدُ للهِّ، عزّ عليّ مصرع(٢) الَحسين، إنْ لا أكُنْ(٣) آسيتُ حسيناً بيدي فقد آساه ولدي.

وخرجتْ أمًّ لُقمانَ بنتُ عقيلِ بنِ أبي طالبٍ حينَ سمعتْ نَعْيَ الحسينِعليه‌السلام حاسرة ومعَها أخواتُها: أمُّ هانئ، وأَسماءُ، ورملةُ، وزينبُ، بناتُ عقيلِ بنِ أبي طالبٍ رحمة اللّهِ عليهنّ تبكي قتلاها بالطّفِّ، وهي تَقولُ:

ماذَا تَقُوْلُوْنَ إذْ(٤) قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ:

ماذَا فَعَلتُمْ وَأنتُمْ اخرُ الأممِ

بِعِتْرَتيْ وَبِأَهْليْ بَعْدَ مفْتَقَدِيْ

مِنْهُمْ اسَارَى ومِنهُمْ ضُرِّجُوْا بدَمِ

مَاكَانَ هَذَا جَزَائي إذْنَصَحْتُ لَكُمْ

أَنْ(٥) تَخْلُفُوْنِيْ بِسُوءٍ فِيْ ذَوِيْ رَحِمِي

 فلمّا كانَ الليلُ منْ ذلكَ اليومِ الّذي خَطَبَ فيه عَمروبنُ سعيدٍ بقتلِ الحسينِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام بالمدينةِ، سَمِعَ أَهلُ المدينةِ في جوف الليل مُنادياً ينُادي، يَسمعونَ صوتَه ولا يَرَوْنَ شخصَه:

__________________

(١) في « م » وهامش « ش »:يعزي.

(٢) في نسخنا: بمصرع، وما اثبتناه من نسخة العلامة المجلسي في البحار.

(٣) في «ش» و «م»: ألا أكون، وصحح في هامشهما بما في المتن.

(٤) في «م»:إن.

(٥) في هامش «ش» و «م»: اذ.

١٢٤

ايها القاتلون جهْلاً حُسَيناً

أَبشِرُوا بِالعَذَاب وَالتَنْكِيْلِ

(كُلُّ أَهْلِ )(١) السَّمَاءِ يَدْعُوْ عَلَيْكُمْ

مِنْ نَبي وَملاك وَقبيْلِ(٢)

قَدْ لُعنْتُمْ على لِسَانِ ابْنِ دَاوُوْ

دَ وَموسَى وَصَاحِبِ الإنْجِيْل

 فصل

أَسماء من قُتِلَ معَ الحسينِ بنِ عليٍّعليه‌السلام من أَهلِ بيتهِ بطفِّ كربلاءَ، وهم سبعةَ عشرَنفساً، الحسينُ بنُ عليعليه‌السلام ثامنَ عشرَ منهم: العبّاسُ وعبدُاللّهِ وجعفرٌ وعُثمانُ بنو أَمير المؤمنينَ عليهِ وعليهم السّلامُ، أُمُّهم أُمُّ البنينَ.

وعبداللهِّ(٣) وأَبو بكرٍ ابنا أَميرِ المؤمنينَعليهما‌السلام ، أُمهما ليلى بنتُ مسعودِ الثّقفيّةُ.

وعليٌّ وعبدُاللهِّ ابنا الحسينِ بنِ عليٍّعليهم‌السلام .

والقاسمُ وأَبو بكرٍ وعبدُاللّهِ بنو الحسنِ بنِ عليٍّعليهم‌السلام .

ومحمّدٌ وعونٌ ابنا عبداللهِ بنِ جعفرِبن أَبي طالبٍ رحمةُ اللهِ عليهم.

وعبدُاِللهّ وجعفرٌ وعبدُ الرّحمنِ بنوعقيلِ بنِ أَبي طالبٍ.

__________________

(١) في هامش «ش»: كل من في.

(٢) في هامش «ش»: وقتيل.

(٣) كذا في«ش» و «م» لكن الصحيح عبيدالله كما مضى من المصنف في أولاد أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وهو الموافق لما في المصادر الاخرى.

١٢٥

ومحمّدُ بنُ أَبي سعيدٍ بنِ عقيلِ بنِ أَبي طالبٍ رحمةُ اللّهِ عليهم أجمعينَ.

فهؤلاءِ سبعةَ عشرَنفساً من بني هاشم - رضوانُ اللّهِ عليهم أجمعينَ - إِخوةُ الحسينِ وبنو أَخيه وبنو عمّيه جعفرٍ وعقيلٍ، وهم كلُّهم مدفونونَ ممّا يلي رِجلَي الحسينِعليه‌السلام في مشهدِه حفِرَ لهم حَفِيرةٌ وأُلقُوا فيها جميعاً وسُوِّيَ عليهم التًّرابُ، إلا العبّاسَ بنَ عليٍّ رضوانُ اللّهِ عليه فإنَّه دُفِنَ في موضعِ مَقتلِه على المُسَنَّاةِ بطريقِ الغاضِريّةِ وقبرُه ظاهرٌ، وليسَ لقبورِ إِخوته وأَهلِه الّذينَ سمّيناهم أَثر، وإنّما يزورُهم الزّائرُ من عندِ قبرِ الحسينِعليه‌السلام ويومئ إِلى الأرضِ الّتي نحوَ رِجلَيه بالسّلامِ، وعليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام في جملتِهم، ويقالُ: إِنّه أَقربُهم دفناً إِلى الحسينِعليه‌السلام .

فأَمّا أَصحابُ الحسينِ رحمةُ اللّهِ عليهم الّذينَ قُتِلوا معَه، فإِنّهم دُفِنُوا حولَه ولسنا نُحَصِّلُ لهم أَجْدَاثاً على التّحقيقِ والتّفصيلِ، إلا أَنّا لا نَشُكُّ أَنّ الحائرَ مُحيطٌ بهم رضيَ اللّهُ عنهم وأَرْضَاهم وأَسكنَهم جنّاتِ النّعيمَ.

* * *

١٢٦

باب طرف من فضائلِ الحسينِ عليهِ السّلامُ وفضل زيارتِه وذكر مصيبتهِ

روى سعيدُ بنُ راشدٍ(١) ، عن يعلى بن مُرَّةَ قالَ: سمعتُ رسول اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقولُ: «حسينٌ منِّي وأَنا من حسينٍ ؛ أحبَّ اللهُّ من أَحبَّ حسيناً ؛ حسينٌ سبطٌ منَ الأسباطِ »(٢) .

ورَوى ابنُ لَهِيْعَةَ، عن أَبي عَوانَةَ(٣) رفعَه إِلى النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ: «إِنّ الحسنَ والحسينَ شَنَفَا(٤) العرشِ، وِانّ الجنّةَ قالتْ: يا ربّ أسكنْتَني الضُّعَفاءَ والمساكين ؛ فقالَ اللّه لها: ألا تَرْضَيْنَ أنِّي زَيّنْتُ أَركانَكِ بالحسنِ والحسينِ ؛ قالَ: فماست(٥) كما تَمِيْسُ العروسُ

__________________

(١) في بعض المصادر: سعيد بن ابي راشد، وكلاهما واحد. انظر تهذيب الكمال ١٠: ٤٢٦ / ٢٢٦٧ ومصادره.

(٢) رواه أحمد في مسنده ٤: ١٧٢: ابن ماجة في سننه ١: ٥١ / ١٤٤، والترمذي في سننه ٥: ٦٥٨ / ٣٧٧٥، والحاكم في مستدركه ٣:١٧٧، والذهبي في تلخيصه له، وابن قولويه في كامل الزيارات: ٥٢، ٥٣، وابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام : ٧٩ / ١٢٢، وابن الأثير في اُسد الغابة ٢: ١٩، والحمويني في فرائد السمطين ٢: ١٣٠ / ٤٢٩، والمزّي في تهذيب الكمال ١٠: ٤٢٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧١.

(٣) في تاريخ بغداد وكنز العمال: ابو عُشانة.

(٤) الشنف: قرط يلبس في أعلى الأذن، انظر «الصحاح - شنف - ٤: ١٣٨٣ ».

(٥) الميس: التبختر. «الصحاح - ميس - ٣: ٩٨٠».

١٢٧

فَرَحاً »(١) .

وروى عبدُاللهّ بن ميمون القدّاح، عن جعفرِ بنِ محمّدٍ الصّادقعليه‌السلام قالَ: «اصْطَرَعَ الحسنُ والحسينُعليهما‌السلام بينَ يَدَيْ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالَ رسولُ اللّهِ: إِيهاً(٢) حسنُ، خُذْ حسيناً؟ فقالتْ فاطمةُعليها‌السلام : يا رسولُ اللّهِ، أَتَستَنْهِضُ الكبيرَ على الصّغيرِ؟! فقالَ رسول اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا جَبْرئيْلُعليه‌السلام يقول للحسينِ: إيهاً يا حسينا(٣) ، خُذِ الحسنَ »(٤) .

وروى إِبراهيمُ بن الرّافعي(٥) ، عن أَبيه، عن جدِّه قالَ: رأيتُ الحسنَ والحسينعليهما‌السلام يمشيانِ إِلى الحجِّ، فلم يَمُرّا براكبٍ إلّا نزلَ يمشي، فثقلَ ذلكَ على بعضِهم فقالوا لسعدِ بن أبي وَقّاصٍ: قد ثقلَ علينا المشيُ، ولا نسَتحسنُ أَن نركبَ وهذانِ السّيًّدانِ يَمشيانِ ؛ فقاكَ سعدٌ للحسنعليه‌السلام : يا أبا محمّدٍ، إِنّ المشيَ قد ثقلَ على جماعةٍ ممن معَكَ، والنَّاسُ إِذا رأوْكما تَمشيانِ لم تَطِبْ أَنفسُهم

__________________

(١) ذكر قطعة منه الخطيب في تاريخ بغداد ٢: ٢٣٨، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٢: ١٢١، ونقل الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ١٨٤ قطعة منه بسند آخر، ورواه ابن شهرآشوب في مناقبه ٣: ٣٩٥ ونقله العلامة المجلسي في ألبحار ٤٣: ٢٧٥ / ٤٤.

(٢) كذا في النسخ، ويلاحظ في ذلك. «لسان العرب - أيه - ١٣: ٤٧٤ ».

(٣) في «ش»: حسيناً. وفي «م»: حسين، وما اثبتثاه من هامش «ش».

(٤) قرب الاسناد: ٤٨، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ١٠٥ كتاب سليم بن قيس: ١٧٠، امالي الصدوق: ٣٦١، امالي الطوسي ٢: ١٢٧، تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام -: ١١٦ - ١١٧ و ١٥٤ - ١٥٦، اُسد الغابة ٢: ١٩، الاصابة ١: ٣٣٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧٦ / ٤٥.

(٥) في هامش «ش»: من أولاد ابي رافع الصحابي.

١٢٨

أَن يركبوا، فلو ركبتما؛ فقالَ الحسنُعليه‌السلام : «لا نَركبُ، قد جَعلْنا على أَنفسِنا المشيَ إِلى بيتِ اللهِّ الحرامِ على أَقدامِنا، ولكنّنا نتنكّبُ الطّريقَ » فأَخذا جانباً منَ النّاسِ(١) .

وروى الاوزاعيٌُ، عن عبدِاِللهّ بنِ شدّادٍ(٢) عن أُمِّ الفضلِ بنتِ الحارثِ:أَنّها دخلتْ على رسولِ اللّهِ صلّى لم اللّه عليهِ وآلهِ فقالتْ: يا رسولَ اللهِّ، رأَيتُ الليلةَ حُلماً مُنكَراً؛ قالَ: «وما هو؟» قالتْ: إِنّه شديدٌ ؛ قالَ: «ما هو؟» قالتْ: رأَيتُ كأنَّ قطعةً من جسدِكَ قُطِعَتْ ووُضِعَتْ في حجْري ؛ فقالَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خيراً رأَيتِ، تَلِدُ فاطمةُ غلاماً فيكونُ في حجرِكِ » فولدتْ فاطمةُ الحسينَعليه‌السلام فقالتْ: وكانَ في حجري كما قالَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخلت به يوماً على النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعتُه في حجرِهِ، ثمّ حانتْ منِّي التفاتة فإِذا عَينا رسولِ اللّهِ عليه وآلهِ السّلامُ تُهراقانِ بالدُّموعِ، فقلتُ: بأَبي أَنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِّ، ما لَكَ؟! قالَ: «أَتاني جَبْرئيْلُعليه‌السلام فأَخبرَني أَنّ أُمّتي ستقتلُ ابني هذا، وأَتاني بتربةٍ من تربتهِ حمراءَ»(٣) .

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٣: ٣٩٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧٦ / ٤٦.

(٢) وهو أبن ألهاد، وام الفضل لبانة بنت الحارث الهلالية خالته، توفيت في خلافة عثمان، وتوفي هو سنة ٨١، ٨٢، ٨٣ هـ.

وفي اغلب المصادر والتراجم:ان الأوزاعي يروي عن شداد بن عبدالله ابي عمار مولى معاوية، ولم يذكروا تاريخ وفاته، وهو وعبدالله بن شداد من طبقة واحدة.

والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو، ولد سنة ٨٨ وتوفي سنة ١٥٧، وذكره ابن ابي حاتم الرازي فيمن يرسل، انظر «المراسيل: ١١٢، سير اعلام النبلاء ٧: ١٠٧، ٢: ٣١٤، ٣: ٤٨٨، تهذيب الكمال١٥: ٨١، ١٢: ٣٩٩ ومصادرهما».

(٣) روى الحديث الحاكم في مستدركه ٣: ١٧٦، وابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة

١٢٩

وروى سِماكٌ، عنِ ابنِ مُخارِقٍ، عن أمِّ سلمةَ - رضيَ اللهُّ عنها - قالتْ: بينا رسولُ اللهّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاتَ يومٍ جالسٌ والحسينُعليه‌السلام جالسٌ في حجرِه، إِذ هَمَلَتْ عيناه بالدُّموعِ، فقلتُ له: يا رسولَ اللّهِ، ما لي أَراكَ تبكي، جعِلْت فداك؟! فقالَ: «جاءَني جَبْرَئيْلُعليه‌السلام فعزّاني بابني الحسينِ، وأَخبرَني أَنّ طائفةً من أمّتي تقتلُه، لا أَنالهمُ اللّهُ شفاعتي »(١) .

ورُويَ بإِسنادٍ آخرَ عن أُمِّ سلمةَ - رضيَ اللهُّ عنها - أَنّها قالتْ: خرجَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله من عندِنا ذاتَ ليلةٍ فغابَ عنّا طويلاً، ثمّ جاءَنا وهو أَشعثُ أَغبرُ ويدُه مضمومةٌ، فقلتُ: يا رسولَ اللّهِ، مالي أَراكَ شَعِثاً مُغْبَرّاً؟! فقالَ: «أُسِريَ بي في هذا الوقتِ إِلى موضعٍ منَ العراقِ يقالُ له كربلاءُ، فأُرِيتُ فيه مَصرعَ الحسينِ ابني وجماعةٍ من ولدي وأَهلِ بيتي، فلم أَزَلْ ألْقُطُ دماءهم فها هي في يدي » وبسطَها إِليَّ فقالَ: «خُذِيها واحتفظي بها» فأخذتُها فإِذا هي شِبْة ترابٍ أَحمَر، فوضعتُه في قارورةٍ وسَدَدْت(٢) رأسهَا واحتفظتُ به، فلمّا خرجَ الحسينُعليه‌السلام من مكّةَ متوجِّهاً نحوَ العراقِ، كنتُ أُخرجُ تلكَ القارورةَ في كلِّ يومِ وليلةٍ فأشمُّها وأَنظرُ إِليها ثمّ أَبكي لمصابِه، فلمّا كانَ في اليومِ(٣)

__________________

الامام الحسينعليه‌السلام -: ١٨٣ / ٢٣٢، والطبري في دلائل الامامة: ٧٢، والتستري في احقاق الحق ١١:٣٦٣ عن الخصائص، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٣٣٨ / ٣٠.

(١) اعلام الورى:٢١٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٢٣٩ / ٣١.

(٢) في «م» وهامش «ش»: شددت.

(٣) في «م» وهامش «ش»: يوم.

١٣٠

العاشرِ منَ المحرّمِ - وهو اليومُ الّذي قتِلَ فيهعليه‌السلام - أَخرجتُها في أَوّلِ النّهارِ وهي بحالِها، ثمّ عُدْتُ إِليها آخرَ النّهارِ فإِذا هي دمٌ عبيطٌ، فصِحْتُ في بيتي وبكيتُ وكظمتُ غيظي مخافةَ أَن يسمعَ أَعداؤهم بالمدينةِ فيُسرعوا بالشّماتةِ، فلم أَزلْ حافظةً للوقتِ حتى جاءَ النّاعي ينعاه فحقّقَ ما رأَيت(١) .

ورُويَ:أَنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانَ ذاتَ يومِ جالساً وحولَه عليٌ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُعليهم‌السلام فقالَ لهمَ: «كيفَ بكم إذا كنتم صَرْعَى وقبورُكم شتّى؟ فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : أَنموتُ موتاً أَو نُقتَلُ؟ فقالَ: بل تقتل يا بُنَيَّ ظلماً، ويُقتلُ أَخوكَ ظلماً، وتشَرَّدُ ذراريُّكم فِى الأرض، فقال الحسينُعليه‌السلام : ومن يقتلُنا يا رسولَ اللّهِ؟ قالَ: شِرارُ الَنّاسِ، قالَ: فهل يزورنا بعدَ قتلِنا أحدٌ؟ قالَ: نعم، طائفةٌ من أمّتي يُريدونَ بزيارتِكم بِرِّي وصِلَتي، فإِذا كانَ يومُ القيامةِ جئتُهم(٢) إِلى الموقفِ حتّى آخُذَ (بأَعضادِهم فاخَلِّصَهم )(٣) من أَهوالِه وشدائدِه».

وروى عبدُاللهِ بن شريكٍ العامريّ قالَ: كنتُ أَسمعُ أَصحابَ عليٍّعليه‌السلام إِذا دخلَ عُمَرُ بنُ سعدٍ من بابِ المسجدِ يقولونَ: هذا

__________________

(١) روى اليعقوبي في تاريخه ٢:٢٤٥ - ٢٤٦ مضمون الخبر، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٢: ٣٤٧، وذكره الطبرسي في اعلام الورى: ٢١٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٢٣٩.

(٢) في هامش «ح »: جئتها.

(٣) في «ش»: باعضادها فاخلصها.

١٣١

قاتلُ الحسينِ بنِ عليٍّعليه‌السلام وذلكَ قبلَ قتْلِه(١) بزمانٍ(٢) .

وروى سالمُ بن أَبي حَفْصَةَ قال: قالَ عمرُ بنُ سعدٍ ِللحسينعليه‌السلام : يا أَبا عبداللهِ إِنَّ قِبَلنَا ناساً سُفَهاءَ، يزعمونَ أنيِّ أقتلُكَ، فقالَ له الحسينِعليه‌السلام : «إِنّهم ليسوا بسفهاءَ ولكنّهم حُلَماءُ، أَما إِنّه يُقِر عيني ألا تأَكلَ بُرَّ العراقِ بعدي إلّا قليلاًَ»(٣) .

وروى يوسفُ بنُ عَبْدَةَ قالَ: سمعت محمّدَ بنَ َسيرينَ يقولُ: لم تُرَ هذه الحُمرةُ في السّماءِ إلا بعدَ قتلِ الحسينِعليه‌السلام (٤) .

وروى سعدُ الاسكاف قالَ: قالَ أَبوجعفرٍعليه‌السلام : «كانَ قاتلُ يحيى بن زكريّا ولدَ زِناً، وقاتلُ الحسينِ بنِ عليٍّعليه‌السلام ولد زِناً، ولم تَحْمَرَّالسّماءُ إلا لهما»(٥) .

وروى سُفيانُ بنُ عيَيْنَةَ، عن عليِّ بنِ يزيدَ، عن عليَ بنِ الحسينِعليهما‌السلام قالَ: «خرجْنا معَ الحسينِعليه‌السلام فما نزلَ منزلاً ولا ارتحلَ منه إلاٌ ذَكَرَيحيى بنَ زكريّا وقَتْلَه ؛ وقالَ يوماً: ومِن هوانِ الدُّنيا على اللهِّ أَنّ رأسَ يحيى بن زكريّاعليه‌السلام أُهدِيَ إِلى بَغِيّ من بَغايا بني إِسرائيلَ »(٦) .

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: أن يقتل.

(٢) نقله العلامة ألمجلسي في البحار٤٤: ٢٦٣ / ١٩.

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٢٦٣ / ٢٠.

(٤) ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام -: ٢٤٥ / ٢٩٨، وانظر مصادره.

(٥) رواه ابن قولويه في كامل الزيارات: ٧٧ و ٧٩، عن ابي عبداللهعليه‌السلام .

(٦) مجمع البيان ٣: ٥٠٢.

١٣٢

وتَظاهرتِ الأخبارُ بأَنّه لم يَنْجُ أَحدٌ من قاتلي الحسينِعليه‌السلام وأَصحابِه - رضيَ ّ اللهُ عنهم - من قتل أَو بلاءٍ افْتَضَحَ به قبلَ موتِه.

فصل

ومضى الحسينُعليه‌السلام في يوم السّبتِ العاشرِمنَ المحرّم سنةَ إِحدى وستِّينَ منَ الهجرةِ بعدَ صلاةِ الظُّهرِ منه قتيلاً مظلوماً ظَمآن صابراً مُحتسِباً - على ما شرحْناه - وسِنه يومئذٍ ثمان وخمسونَ سنةً، أَقامَ منها معَ جدِّه رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله سبعَ سنينَ، ومعَ أَبيه أَميرِالمؤمنينَعليه‌السلام ثلاثينَ سنةً، ومعَ أَخيه الحسنِعليهما‌السلام عشرَ سنينَ، وكانتْ مدّةُ خلافتِه بعدَ أَخيه إِحدى عشرةَ سنةً، وكانَعليه‌السلام يخضب بالحِنّاءِ والكَتَمِ(١) ، وقُتِلَعليه‌السلام وقد نَصَلَ الخِضابُ من عارِضيْه.

وقد جاءَتْ رواياتٌ كثيرةٌ في فضلِ زيارتِهعليه‌السلام بل في وجوبها.

فرُوِيَ عنِ الصّادقِ جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام أَنّه قالَ: «زيارةُ الحسينِ بنِ عليٍّعليه‌السلام واجبةٌ على كلِّ من يُقِرُّ للحسينِ بالإمامةِ منَ اللّهِ.عزّ وجلَّ »(٢) .

__________________

(١) الكتم: نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه «القاموس المحيط - كتم - ٤: ١٦٩ »؟ وانظر طبقات ابن سعد٥: ٢١٧.

(٢) رواه ابن قولويه في كامل الزيارات: ١٢١ و ١٥٠ / ذيل ح ١، والصدوق في الفقيه ٢:

١٣٣

وقالَعليه‌السلام : «زيارةُ الحسينِعليه‌السلام تَعْدِلُ مائةَ حجّةٍ مبرورةٍ، ومائةَ عُمرةٍ مُتَقَبَّلةٍ »(١) .

وقالَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارَ الحسينَعليه‌السلام بعدَ موته فله الجنّةُ»(٢) .

والأخبارُ في هذا البابِ كثيرةٌ، وقد أَوردْنا منها جملةً كافيةً في كتابِنا المعروفِ بمنَاسِكِ المزَارِ.

__________________

٣٤٨ / ذيل ح ١٥٩٤، والامالي: ١٢٣ / ١٠، الشيخ في التهذيب ٦: ٤٢ / ذيل ح ١، والمصنف نحوه في المقنعة: ٤٦٨، والمزار: ٣٧ / ١.

(١) كامل الزيارات: ١٤٢، وامالي الصدوق: ١٢٣ / ١١، وتهذيب الاحكام ٦: ٥١ / ١١٩، ومصباح المتهجد: ٦٥٩، باختلاف يسيرفيها.

(٢) كامل الزيارات: ١٠ / ١، تهذيب الاحكام ٦: ٤٠ / ٨٤، ومزار المفيد: ٣٠ / ذح ١.

١٣٤

باب ذكر ولدِ الحسينِ بنِ عليٍّ عليهما السّلامُ

وكانَ للحسينِعليه‌السلام ستّةُ أَولادٍ: عليُّ بنُ الحسينِ الأكبرُ، كنيتهُ أَبو محمدٍ، وأمه شاه زنان بنت كسرى يَزدجرد.

وعليُّ بن الحسينِ الأصغرُ، قُتِلَ معَ أَبيه بالطّفِّ، وقد تقدّمَ ذكرُه فيما سلفَ، وأُمُّه ليلى بنت أَبي مُرّة بن عروة بن مسعودِ الثّقفيّةُ.

وجعفرُ بنُ الحسينِ، لا بقيّةَ له، وأُمُّه قُضاعيّةٌ، وكانتْ وفاتُه في حياةِ الحسينِ.

وعبدُاللّهِ بن الحسينِ، قُتِلَ معَ أَبيه صغيراً، جاءه سهمٌ وهو في حجرِ أَبيه فذبحَه، وقد تقدّمَ ذكره فيما مضى.

وسُكَيْنَةُ بنتُ الحسينِ، وأمها الرَّبابُ بنتُ امرئ القيسِ بنِ عديٍّ، كلبيّةٌ، وهي أُمُّ عبداللهِ بنِ الحسينِ.

وفاطمةُ بنتُ الحسينِ، وأمُّها أُمُّ إِسحاقَ بنتُ طلحةَ بن عُبيدِاللهِّ، تيميٌةُ.

* * *

١٣٥

١٣٦

باب ذِكْر الإمام بعدَ الحسينِ بنِ عليٍّ عليهما السلام

وتأريخ مولدَه، ودلائل إِمامتِه، ومبلغ سنِّه،

ومدّة خلافتِه، ووقت وفاتِه وسببها، وموضع قبرهِ،

وعدد أَولادِه، ومختصرٍ من أَخبارِه

والإمام بعد الحسينِ بنِ عليٍّ ابنهُ أَبو محمّدٍ عليُّ بنُ الحسينِ زينُ العابدينَ صلواتُ اللّه عليهم، وكانَ يُكنى أَيضاً أَبا الحسنِ، وأُمُّه شاه زنان بنتُ يزدجرد بن شهريار بن كسرى، ويُقالُ إِنّ اسمَها (شهربانوا )(١) ، وكانَ أَميرُ المؤمنينعليه‌السلام ولّى حُرَيثَ بنَ جابرٍ الحنفيّ جانباً منَ المشرقِ، فبعثَ إِليه بنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى، فَنَحلَ ابنَه الحسينَعليهما‌السلام شاه زنان منهما فاَولدَها زينَ العابدينَعليه‌السلام ، ونَحلَ الاخرى محمّدَ بنَ أَبي بكرٍ فولدتْ له القاسمَ بنَ محمّدِ ابنِ أَبي بكرٍ، فهما ابنا خالةٍ.

وكانَ مولدُ عليِّ بنِ الحسينِعليه‌السلام بالمدينةِ سنةَ ثمانٍ وثلاثينَ منَ الهجرةِ، فبقي معَ جدِّه أَمير المؤمنينَعليه‌السلام سنتين، ومعَ عمِّه الحسنِ عشرَ سنينَ، ومعَ أَبيه الحسينِعليه‌السلام إِحدى عشرةَ سنةً، وبعد أَبيه أَربعاً وثلاثينَ سنةً. وتُوُفِّيَ بالمدينةِ سنةَ خمسٍ وتسعينَ للهجرةِ، وله يومئذٍ سبعٌ وخمسونَ سنةً.

__________________

(١) كذا في النسخ، وفي هامش «ش»: نُويْه.

١٣٧

وكانتْ إِمامتُه أَربعاً وثلاثينَ سنةً، ودُفِنَ بالبقيعِ معَ عمِّه الحسنِ ابنِ عليٍّعليهما‌السلام ، وثبتتْ له الأمامة من وجوه:

أحدُهما: أَنّه كانَ أَفضلَ خلقِ اللّهِ بعدَ أَبيه علماً وعملاً؛ والأمامةُ للأفضلِ دونَ المفضولِ بدلائلِ العقولِ.

ومنها: أَنّه كانَ أَولى باَبيه الحسينِعليه‌السلام وأَحقَّهم بمقامِه من بعدِه بالفضلِ والنّسب ؛ والأولى بالإمام الماضي أَحقُّ بمقامِه من غيرِه، بدلالةِ آيةِ ذوي الأرحامَ وقصّةِ زكريّاعليه‌السلام .

ومنها: وجوبُ الإمامةِ عقلاً في كلِّ زمانٍ، وفسادُ دعوى كلِّ مدع ِللإمامةِ في أَيّامِ عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام أَو مُدَّعىً له سواه، فثبتتْ فيه، لاستحالةِ خلوِّ الزّمانِ من إِمامِ.

ومنها: ثبوتُ الإمامةِ أَيضاً في العترةِ خاصّةً، بالنّظرِ والخبرِعنِ النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفسادُ قولِ منِ ادّعاها لمحمّدِ بنِ الحنفيّةِ - رضيَ اللهُ عنه - بتعرِّيه منَ النّصِّ عليه بها، فثبتَ أَنّها في عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام ، إِذ لا مُدّعى له الإمامةُ منَ العترةِ سوى محمّدٍ رضيَ اللّهُ عنه وخروجه عنها بما ذكرناه.

ومنها: نصُّ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله بالإمامةِ عليه فيما رُوِيَ من حديثِ اللوحِ - الّذي رواه جابرٌ - عنِ النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورواه محمّدُ بنُ عليٍّ الباقرُعليهما‌السلام عن أَبيه عن جدِّه عن فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِّ صلّى اللهُّ عليهم(١) ؛ ونصُّ جدِّه أَميرِ المؤمنينَ عليهِ

__________________

(١) للتحقق من شهرة حديث اللوح انظر: اثبات الوصجة: ١٤٣، ٢٢٧، ٢٣٠، الكافي ١:

١٣٨

السّلام في حياةِ أَبيه الحسينِعليه‌السلام بما تضمّنَ(١) ذلكَ منَ الأخبار،(٢) ووصيةُ أَبيه الحسينِعليه‌السلام إِليه، وايداعُه أُمَّ سلمةَ رضيَ اللّهُ عنها ما قبضَه عليٌّ من بعدِه، وقد كانَ جعلَ التماسَه من أًمِّ سلمةَ علامةً على إِمامةِ الطّالبِ له منَ الأنامِ(٣) ، وهذا باب يعرفُه من تصفّحَ الأخبارَ، ولم نقصدْ في هذا الكتاب إِلى القولِ في معناه فنستقصيَه على التّمامِ.

__________________

٣ / ٤٤٢، أكمال الدين: ٣١١ / ١، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٤٠ / ١، غيبة النعماني: ٦٢، امالي الطوسي ١: ٢٩٧، غيبة الطوسي: ١٤٣ / ١٠٨، القاب الرسول وعترته صلّى الله عليه وآله: ١٧٠، فرائد السمطين ٢: ١٣٦ / ٤٣٢ - ٤٣٥، والمصنف في الاختصاص: ٢١٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٦: ١٩٢ - ٢٠٣.

(١) في «م»:ضَمِنَ.

(٢) حضره الفقيه ٤: ١٣٩ / ٤٨٤.

(٣) الكافي ١: ٢٤٢ / ٣، غيبة الطوسي: ١٩٥ / ١٥٩.

١٣٩

باب ذكر طرفٍ منَ الأخبارِ لعليِّ بنِ الحسينِ عليهما السّلامُ

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ يحيى قالَ: حدّثَنا جدِّي(١) قالَ: حدّثَني إِدريسُ بنُ محمّدِ بنِ يحيى(٢) بن عبداللهِ بنِ حسنِ بنِ حسنٍ، وأَحمدُ بنُ عبداللهِ بنِ موسى، واسماعيلُ بنُ يعقوبَ جميعاً قالوا: حدّثَنا عبدُاللّهِ بن موسى، عن أَبيه، عن جدِّه قالَ: كانتْ أُمِّي فاطمةُ بنتُ الحسينِعليه‌السلام تأْمرُني أَن أَجلسَ إلى خالي عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام ، فما جلستُ إِليه قطُّ إِلا قمتُ بخيرٍ قد أَفدتُه: إِمّا خشيةٍ للّهِ تَحدثُ في قلبي لمِا أَرى من خشيتِه للّهِ تعالى ؛ أوعلمٍ قدِ استفدتُهُ منه(٣) .

__________________

(١) هويحيى بن الحسن بن جعفربن عبيداللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، أبو الحسين المعروف بالعبيدلي، العالم الفاضل الصدوق، صنف كتباً، منها كتاب نسب آل أبي طالب، كتاب المسجد، وقد روى عنه حفيده الحسن بن محمد بن يحيى، انظررجال النجاشي: ٤٤١ / ١١٨٩.

وستأتي له روايات كثيرة في أبواب أحوال الامامين زين العابدين والباقر عليهما‌السلام وأبواب أحوال الامامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام مصرحة بانها من روايات العبيدلي وبعض ما لم يصرح بالأخذ منه أُخذ منه - كما سياتي ذكر موارد منها - ولا يبعد أخذه من كتابه نسب ال ابي طالب.

(٢) في «ش»: «بحر» بدل «يحيى»، وفي هامشها: يحيى، ولعله تصحيح، وفي «م» و «ت »: يحيى، وهو ما اثبتناه.

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٣ / ٥٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بل إنّ ظاهر كلمات المحققين من النحاة صحة تركيب « هو أولى » و « هما أوليان »، فإنّهم قد صرّحوا بجواز حذف « من ومجرورها » بعد اسم التفضيل، ولهم على ذلك شواهد من الكتاب وأشعار العرب: قال الأزهري: « وقد تحذف من مع مجرورها للعلم بهما، نحو:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) أي من الحياة الدنيا. وقد جاء الإِثبات والحذف في:( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) أي منك. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

وأفعل التفضيل صله أبداً

تقديراً أو لفظاً بمن إنْ جرّدا

وأكثر ما تحذف من مع المفضول إذا كان أفعل خبراً في الحال أو في الأصل، فيشمل خبر المبتدأ وخبر كان وان وثاني مفعولي ظن وثالث مفاعيل أعلم »(١) .

وقال الرضي: « وإذا علم المفضول جاز حذفه غالباً إنْ كان أفعل خبراً كما يقال لك: أنت أسن أم أنا؟ فتجيب بقولك: أنا أسن. ومنه قوله: الله أكبر ويجوز أن يقال في مثل هذه المواضع: إن المحذوف هو المضاف إليه، أي أكبر كلّ شيء ويجوز أن يقال: إن من مع مجرورة محذوف، أي أكبر من كلّ شيء »(٢) .

والأعجب من كل ذلك غفلة الرازي عن صيغة التكبير الذي يفتتح به الصلاة في كل صباح ومساء.

١٣ - وجوه بطلان منع « هو أولى الرجل » .

وأما قول الرازي: « وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد » فيبطله وجوه:

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح ٢ / ١٠٢.

(٢). شرح الكافية: مبحث أفعل التفضيل.

١٦١

الأول: إذا كان ملاك التركيب لدى الرازي هو العقل لا الوضع، فأيّ استحالة عقلية تلزم من هذا التركيب؟

الثاني: إنّ إضافة « أولى » إلى « رجل » و « زيد » جائزة بحسب القاعدة في علم النحو، لأن استعمال اسم التفضيل مضافاً هو أحد طرق استعماله، كما صرح به النحويون بأجمعهم من غير خلاف. فأيّ مانع من إضافة « أولى » وهو اسم تفضيل إلى « زيد » و « الرجل »؟

الثالث: إنه بالاضافة إلى جواز هذا الاستعمال بحسب القاعدة، فقد وقع هذا الاستعمال وورد في حديث نبوي مذكور في الصحيحين،

ففي باب ميراث الولد من أبيه وأمه من كتاب الفرائض من صحيح البخاري:

« حدثنا موسى بن إسماعيل [ قال ] حدّثنا وهيب [ قال ] حدّثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر »(١) .

وقد أخرجه في باب ميراث الجد مع الأب والأخوة(٢) .

وفي باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج(٣) .

وأخرجه مسلم في صحيحه حيث قال: « حدّثنا عبد الأعلى بن حماد - وهو النرسي - [ قال ] نا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.

حدثنا أمية بن بسطام العيشي [ قال ] نا يزيد بن زريع [ قال ] نا روح بن القاسم عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.

____________________

(١). صحيح البخاري ٨ / ١٨٧.

(٢). نفس المصدر ٨ / ١٨٨.

(٣). نفس المصدر ٨ / ١٩٠.

١٦٢

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع - قال إسحاق نا وقال الآخران أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله [ تعالى ] فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر »(١) .

فإن زعم الرازي أنا نمنع إضافته إلى المفرد المعرفة. فنقول: إن لاسم التفضيل عند إضافته معنيين، ولا يجوز إضافته إلى المفرد المعرفة بناءاً على أحدهما دون الآخر، قال ابن الحاجب: « فإذا أضيف فله معنيان، أحدهما - وهو الأكثر - أن تقصد به الزيادة على من أضيف إليه، وشرطه أن يكون منهم، نحو زيد أفضل الناس، ولا يجوز يوسف أحسن أخوته. والثاني: أن تقصد زيادة مطلقة ويضاف للتوضيح ».

وقال الرضي في شرحه: « قوله: والثاني أن يقصد زيادة مطلقة. أي يقصد تفضيله على كل من سواه مطلقاً، لا على المضاف إليه وحده، وإنما تضيفه إلى شيء لمجرد التخصيص والتوضيح، كما تضيف سائر الصفات، نحو: مصارع مصر، وحسن القوم، مما لا تفصيل فيه، فلا يشترط كونه بعض المضاف إليه، فيجوز بهذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو داخل فيهم نحو قولك: نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل قريش، بمعنى أفضل الناس من بين قريش. وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلاً فيهم، كقولك: يوسف أحسن أخوته، فإنّ يوسف لا يدخل في جملة أخوة يوسف، بدليل أنك لو سئلت عن عدد إخوته لم يجز لك عدّه فيهم، بلى يدخل لو قلت: أحسن الأخوة، أو أحسن بني يعقوب. وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو: فلان أعلم بغداد، أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد، لأنّها منشؤه أو مسكنه، وإن قدّرت المضاف أي أعلم أهل بغداد فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم »(٢) .

____________________

(١). صحيح مسلم ٥ / ٥٩ - ٦٠.

(٢). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

١٦٣

أقول: وعلى هذا فمتى أريد من « أولى » التفضيل والزيادة المطلقة - لا الزيادة على من أضيف إليه فقط - جازت إضافته إلى « الرجل » و « زيد »، لأجل مجرد التخصيص والتوضيح.

١٤ - جواب منع « هما مولى رجلين ».

وأما قول الرازي: « هما أولى رجلين، وهم أولى رجال، ولا تقول: « هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال » فهو توهم تدفعه كلمات المحققين الماضية، الدالة على أن الترادف لا يقتضي المساواة في جميع الأحكام.

على أنه لا تلزم أيّة استحالة عقلية من هذا الاستعمال، بناءاً على ما ذكره الرازي من كون مدار الاستعمال والإطلاق هو العقل لا الوضع.

١٥ - منع « هو أولاه » و « هو أولاك » غير مسلّم

وأمّا قوله: « ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك » فغير مسلّم، فإنه إذا كان الغرض هو التفضيل المطلق جاز إضافة اسم التفضيل إلى المفرد المعرفة لمجرد التخصيص والتوضيح، وعليه فلا مانع من إضافته إلى الضمير أيضاً. وقال ابن حجر العسقلاني بشرح « فما بقي فهو لأولى رجل ذكر » نقلاً عن السهيلي: « فإنْ قيل: كيف يضاف « أي أولى » للواحد وليس بجزء منه؟ فالجواب: إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وإنْ لم يكن جزءاً منه، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البر « برّ أمّك ثم أباك ثم أدناك »(١) .

وقد أضيف في هذا الحديث « أدنى » - وهو اسم تفضيل - إلى الضمير.

على أنّ الملاك لدى الرازي هو تجويز العقل كما تقدّم مراراً، ولا استحالة في إضافة اسم التفضيل إلى الضمير عقلاً.

____________________

(١). فتح الباري ١٥ / ١٤.

١٦٤

ثم إنّ الرازي قال في خاتمة كلامه: « وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

فنقول له: أيها المجادل الغفول، الآتي بكل كلام مدخول! إذا كان عندك في هذا الوجه نظر مذكور في الأصول، فلم أتعبت النفس بتزوير هذا الهذر والفضول! الذي يردّه المنقول وتأباه العقول! وتبطله إفادات المحققين الفحول؟!

وبما ذكرنا ظهر بطلان قول ( الدهلوي ): « وهو منكر بالإِجماع ».

على أنّ الرازي قد قال في وجوه إثبات مجيء « الباء » للتبعيض كما هو مذهب الشافعي: « الثاني: النقل المستفيض حاصل بأن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، فوجب أن يكون إقامة حرف « الباء » مقام « من » جائزاً. وعلى هذا التقدير يحصل المقصود ».

فنقول: لا ريب في جواز « فلان مولى لك ». وبناءاً على ما ذكره من أن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، يجب أن يكون إقامة حرف « من » مقام اللام « جائزاً » وأن يستعمل « فلان مولى منك » بدل ( فلان أولى منك ) وعلى هذا التقدير يحصل المقصود.

* * *

١٦٥

١٦٦

وجوه بطلان شبهة

إن قول أبي عبيدة بيانٌ لحاصل معنى الآية

وشبهات أخرى

١٦٧

١٦٨

قوله:

« وأيضاً: فإنّ تفسير أبي عبيدة بيان لحاصل معنى الآية ».

أقول: هذا باطل لوجوه:

١ - لم يقل هذا أحد من أهل العربية

إن ( الدهلوي ) قد نسب هذا القول إلى جمهور أهل العربية، مع أن أحداً منهم لم يقله، بل إنّ الأصل في هذه الشبهة هو الرازي كما سيأتي، وقد ذكر من ترجم للرازي أنه لم يكن له اطلاع في علوم العربية، قال ابن الشحنة: « وكانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربية »(١) .

٢ - لو كان كذلك فلما ذا خطّئوا أبا زيد كما زعم؟

إنه لو أمكن حمل تفسير أبي عبيدة على ما ذكر، فلماذا خطّأ جمهور أهل العربية أبازيد في تفسيره الذي تبع فيه أبا عبيدة - حسب زعم ( الدهلوي ) -؟ ولما ذا

____________________

(١). روضة المناظر - حوادث سنة ٦٠٦.

١٦٩

لم يحملوا تفسيره على هذا المعنى كذلك؟

٣ - لم ينفرد أبو عبيدة بهذا التفسير

إنه وإنْ كان الأصل في هذه الشبهة هو الرازي، لكن الرازي اعترف بأنّ جماعة من أئمة اللغة والتفسير يفسّرون الآية كذلك، وليس أبو عبيدة منفرداً به، قال الرازي بعد عبارته السابقة: « وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أن « المولى » بمعنى « الأولى » فلا حجة لهم، وإنما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين -.

إحداهما: إن أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: أن أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً: الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كل ما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالى:( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) . والقلب بالعقل في قوله( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) . مع أن ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك ههنا »(١) .

لكن ( الدهلوي ) يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة، فيدعي أن جمهور أهل العربية يحملون تفسير أبي عبيدة على انه بيان للمعنى لا تفسير، وكأن أبا عبيدة منفرد بهذا التفسير، وقد رأينا أن مخترع هذه الشبهة - وهو الرازي - يعترف بأن جماعة آخرين يفسرون الآية كذلك.

وأما قول الرازي: « ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق » فساقط جداً. إذ لا طريق لنا إلى معرفة مفاهيم الألفاظ إلّا بتنصيصات أئمة اللغة، فإنْ

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

١٧٠

حملت كلماتهم على التساهل سقطت عن الحجية، وبطلت الاستدلالات والحجج، بل إنّ كلام الرازي هذا خير وسيلة وذريعة للملحدين وجحدة الدين في إنكار حقائق الدين الإسلامي، إذ متى أريد إلزامهم بأمرٍ من أمور الدين استناداً إلى تصريحات اللغويين كان لهم أن يقولوا: « ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق »، بل يكون اعتراضهم أقوى، واعتذارهم عن القبول والتسليم أبلغ، لأنهم يخالفون أئمة اللغة في الدين أيضاً، بخلاف الرازي فإنه وإيّاهم من أهل ملة واحدة وبذلك ينهدم أساس دين الاسلام، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

هذا، ولا عجب من تأييد الرازي للملحدين، فقد عرفت من تصريح الذهبي(١) أن للرازي تشكيكات على دعائم الإسلام، وفي ( لسان الميزان )(٢) عن الرازي أن عنده شبهات عديدة في دين الإسلام، وأنه كان يبذل غاية جهده في تقرير مذاهب المخالفين والمبتدعين، ثم يتهاون ويتساهل في دفعها والجواب عنها.

٤ - الأصل في هذه الدعوى أيضاً هو الرازي

ثم إنّ الأصل في هذه الشبهة أيضاً هو الرازي كما عرفت من كلامه السابق، وقال بتفسير قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ ) ما نصه:

« وفي لفظ « المولى » هاهنا أقوال - أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: إن المولى موضع « الولي » وهو القرب. فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. واعلم: أن هذا الذي قالوه معنىً وليس بتفسير للّفظ، لأنه لو كان « مولى »

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.

(٢). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.

١٧١

و « أولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال: « هذا مولى من فلان » كما يقال: « هذا أولى من فلان » ويصح أن يقال: « هذا أولى فلان » كما يقال: « هذا مولى فلان ». ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير.

وإنما نبّهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقوله [عليه‌السلام ]: « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال: أحد معاني « مولى » أنه « أولى » واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأن مولى معناه أولى. وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إمّا بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً.

وأمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضوع معنىً لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال »(١) .

٥ - خدشة النيسابوري لكلام الرازي

ولكن ما أسلفنا من البحوث كاف لإسقاط وإبطال هذا الكلام، على أنه قد بلغ من السقوط والهوان حدّاً لم يتمكن النيسابوري من السكوت عليه، بالرغم من متابعته للرازي في كثير من المواضع، قال النيسابوري ما نصه: « هي مولاكم قيل: المراد أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل أراد هي أولى بكم، قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم. أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم.

قال في التفسير الكبير: هذا معنى وليس بتفسير اللفظ من حيث اللغة، وغرضه أن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١). تفسير الرازي ٢٩ / ٢٢٧ - ٢٢٨.

١٧٢

من كنت مولاه فهذا علي مولاه، إحتج بقول الأئمة في تفسير الآية: إن « المولى » معناه « الأولى » وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً. قال: وإذا كان قول هؤلاء معنىً لا تفسيراً بحسب اللغة سقط الاستدلال.

قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفى »(١) .

* * *

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٢٧ / ٩٧.

١٧٣

شبهات أخرى

هذا، وقد بقيت شبهات أخرى في هذا المقام، نذكرها مع وجوه دفعها إتماماً للمرام:

١ - عدم ذكر بعض اللغويين هذا المعنى

فالشبهة الأولى: إنه وإنْ ذكر جماعة من أئمة اللغة هذا المعنى، إلّا أنّ بعضهم لم يذكروه. ذكر هذه الشبهة الفخر الرازي حيث قال: « لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة مندفعة بوجوه:

الأول: لا اعتبار بالنفي الصريح في مقابلة الإِثبات، فكيف بعدم الذكر والسكوت؟ إنْ صحت النسبة إلى الخليل؟

والثاني: إنّ كتاب « العين للخليل » موصوف بالاضطراب والتصريف

١٧٤

الفاسد، قال أحمد بن الحسين الجاربردي بعد ذكر بيت جاء فيه لفظة « أمهتي » « والهاء زائدة، لأنّ أما فعل بدليل الأمومة في مصدره وأمات في جمعه » ثم قال بعد بيت جاء فيه لفظة « أمات »: « وأجيب عن ذلك بمنع أن أماً فعل والهاء زائدة، وسنده: إن الهاء يجوز أن يكون أصلاً، لما نقل خليل بن أحمد في كتاب العين من قولهم « تأمهت » بمعنى: إتخذت أماً. هذا يدل على أصالة الهاء ».

ثم قال: « قال في شرح الهادي: الحكم بزيادة الهاء أصح لقولهم: أم بنية الأمومة. وقولهم: « تأمهت » شاذ مسترذل » قال: « في كتاب العين من الاضطراب والتصريف الفاسد ما لا يدفع»(١) .

فإذا كان هذا حال ( كتاب العين ) بالنسبة إلى ما ورد فيه، فكيف يكون عدم ورود معنىً فيه سنداً لإِنكاره؟!

الثالث: إنه بالاضافة إلى ما تقدم فقد قدح طائفة من كبار المحققين في « كتاب العين » كما لا يخفى على من راجع ( المزهر ) و ( كشف الظنون )(٢) .

الرابع: لقد صرح الرازي نفسه بإطباق الجمهور من أهل اللغة على القدح في ( العين ) فقد قال السيوطي في ( المزهر ): « أوّل من صنف في جمع اللغة الخليل ابن أحمد. ألّف في ذلك كتاب العين المشهور. قال الامام فخر الدين الرازي في المحصول: أصل الكتب المصنفة في اللغة كتاب العين، وقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه ».

فالعجب من الرازي يقول هذا ثم يحتج بعدم ذكر الخليل ( الأولى ) في جملة معاني ( المولى ) وإذا كان ذلك رأي الجمهور من أهل اللغة فلا ينفع دفاع السيوطي عن ( العين ).

الخامس: دعواه عدم ذكر أضراب الخليل هذا المعنى للفظ المذكور كذب

____________________

(١). شرح الجار بردي على الشافية لابن الحاجب ١٤٩ - ١٥٠.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٤٤٢.

١٧٥

واضح، فإن ( أبا زيد ) من أضرابه ومعاصريه - بل ذكر المترجمون له تقدّمه على الخليل كما تقدم - قد ذكر ذلك، كما اعترف به الخصوم حتى ( الدهلوي )، وفسر ( أبو عبيدة ) لفظة « المولى » بـ « الأولى » كما اعترف به الجماعة حتى الرازي نفسه، و ( أبو عبيدة ) من أضراب الخليل ومعاصريه، بل أفضل منه كما علم من تراجمه، وكذلك ( الفراء ) من معاصريه وقد فسّر « المولى » بـ « الأولى ».

فثبت كذب الرازي في هذه الدعوى.

السادس: لقد فسر محمد بن السائب الكلبي « المولى » بـ « الأولى »، وقد توفي الكلبي سنة (١٤٦) فهو متقدم على الخليل المتوفى سنة (١٧٥) وقيل (١٧٠) وقيل (١٦٠) كما ذكر السيوطي(١) .

السابع: لقد علمت مما تقدم أن جماعة كبيرة من مشاهير الأئمة الأساطين - غير من ذكرنا - قد أثبتوا مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، واستشهدوا لذلك بشعر لبيد، فعدم ذكر الخليل ذلك - إنْ ثبت - لا يليق للاحتجاج بعد إثبات هؤلاء الأثبات للمعنى المذكور.

الثامن: لقد علمت سابقاً أن البخاري ذكر للمولى خمسة معان، فقال ابن حجر وغيره بأن أهل اللغة يذكرون له معان أخرى غيرها. فمن هنا يظهر أن عدم ذكر البخاري لتلك المعاني لا ينفي ثبوتها، فكذلك عدم ذكر الخليل « الأولى » ضمن معاني « المولى » - على تقدير تسليم ذلك - غير قادح في ثبوته، لأن غيره من الأئمة قد ذكروه.

ثم قال الرازي: « والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى ».

وهذا الكلام فيه كفاية لأهل الدراية.

قال: « مرسلاً غير مسند ».

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٥٦٠.

١٧٦

ويدفعه ما تقدم في دفع دعواه أن ذلك معنىَّ لا تفسير.

قال: « ولم يذكروه في الكتب الأصلية ».

ويدفعه: تصريح ابن الأنباري ومحمد بن أبي بكر الرازي بكون « الأولى بالشيء » من جملة معاني « المولى ». بل ورود تفسيره بهذا المعنى في ( الصحاح للجوهري ) وهو من الكتب الأصلية في اللغة بلا ريب.

وأمّا قوله: « ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة » فيفيد جواز استعمال « المولى » بمعنى « الأولى » مثل استعمال « اليمين » بمعنى « القوة » و « القلب » بمعنى « العقل ».

ثم قال الرازي: ما نصه: « وثانيها: - إن أصل تركيب ( ول ي ) يدل على معنى القرب والدنو، يقال: وليته وأليه والياً، أي دنوت منه، وأوليته إياه: أدنيته، وتباعدنا بعد ولي. ومنه قول علقمة:

وعدت عواد دون وليك تشعب.

وكل مما يليك، وجلست مما يليه، ومنه: الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي، والولية: البرذعة لأنها تلي ظهر الدابة، وولي اليتيم والقتيل وولي البلد، لأن من تولّى الأمر فقد قرب منه. ومنه قوله تعالى:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) من قولهم: ولاه ركبته، أي جعلها مما يليه. وأما ولىّ عني إذا أدبر فهو من باب ما يثقل الحشو فيه للسلب، وقولهم: فلان أولى من فلان أي أحق، أفعل التفضيل من الوالي أو الولي كالأدنى والأقرب من الداني والقريب، وفيه معنى القرب أيضاً، لأن من كان أحق بالشيء كان أقرب إليه، والمولى اسم لموضع الولي، كالمرمى والمبنى لموضع الرمي والبناء ».

أقول: هذه المقدمة لا علاقة لها بمطلوب الرازي الذي هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أصلاً، لأن حاصل هذا الكلام هو كون أصلا تركيب « ولي » دالاً على معنى القرب، وكون « المولى » اسماً لموضع الولي، وهذان الأمران لا دلالة فيهما على نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أبداً، وإلّا لزم أن لا يكون

١٧٧

« المعتق » و « المعتق » وغيرهما من معاني « المولى » أيضاً.

٢ - تفسير أبي عبيدة يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق

ثم قال الرازي: « وإذا ثبت هاتان المقدمتان فلنشرع في التفصيل قوله:

إن أبا عبيدة قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين أحدهما: إن ذلك يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق، إلّا أن النار أحق، لأن ذلك من لوازم أفعل التفضيل وإنه باطل ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة حول تفسير أبي عبيدة يدفعها وجوه:

الأول: إنه يحتمل أن يكون المعنى: نار جهنم أولى بإحراق الكفّار من نار الدنيا، لا أن المراد أولوية النار بهم من الجنة.

الثاني: إنه لمـّا كان زعم الكفار استحقاقهم دخول الجنة، فإنه بهذا السبب يثبت أولوية النار بهم من الجنة أيضاً. قال نجم الأئمة الرضي الاسترآبادي: « ولا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل في المعنى، إمّا تحقيقاً نحو: زيد أحسن من عمرو، أو تقديراً كقول عليعليه‌السلام : « لئن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان ». لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدّرهعليه‌السلام محبوباً إلى نفسه أيضاً، ثم فضّل صوم شعبان عليه، فكأنّه قال: هب أنه محبوب عندي أيضاً، أليس صوم من شعبان أحبّ منه. و قالعليه‌السلام : « اللهم أبدلني بهم خيراً منهم » أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر، فإنّه ليس فيهم خير، « وأبدلهم بي شراً مني » أي في اعتقادهم أيضاً، وإلّا فلم يكن فيهعليه‌السلام شر. ومثل قوله تعالى( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) كأنهم لما اختاروا موجب النار. ويقال في

١٧٨

التهكّم: أنت أعلم من الحمار، فكأنّك قلت: إنْ أمكن أن يكون للحمار علم فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة، بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه من الحمار»(١) .

الثالث: إن المستفاد من الأحاديث العديدة هو أن لكل واحد من المكلّفين مكاناً في الجنّة ومكاناً في النار. وقال الرازي نفسه بتفسير قوله تعالى:( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) « وهاهنا سؤالات - السؤال الأول: لم سمّي ما يجدونه من الثواب والجنة بالميراث، مع أنه سبحانه حكم بأن الجنة حقّهم في قوله:( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ؟ الجواب من وجوه:

الأول: ما روي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو أبين ما يقال فيه: وهو: أنّه لا مكلَّف إلّا أعدّ الله له في النار ما يستحقه إن عصى، وفي الجنة ما يستحقه إنْ أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار [ منزل ] منازل من لم يؤمن كالمنقول، وصار مصيرهم إلى النار الذي لا بدّ معها [ معه ] من حرمان الثواب كموتهم، فسمي ذلك ميراثاً لهذا الوجه »(٢) .

٣ - لو كان الأمر كما ذكر أبو عبيدة لقيل هي مولاتكم

ثم قال الرازي: « ثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا في أن « المولى » هاهنا بمعنى « الأولى » لقيل هي مولاتكم ».

وجوه دفعها

وهذه شبهة أخرى حول تفسير أبي عبيدة، وهي مندفعة بوجوه:

____________________

(١). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

(٢). تفسير الرازي ٢٣ / ٨٢.

١٧٩

الأول: لقد نسي الرازي أو تناسى إصراره على لزوم التساوي بين المترادفين في جميع الاستعمالات، فإنه بناءاً على ذلك لا يبقى مورد لهذه الشبهة، لأنه إذا كان « المولى » بمعنى « الأولى » جاز استعمال كل منهما مكان الآخر، فإذا وقع « الأولى » خبراً لمبتدأ كان المذكر والمؤنث فيه على حد سواء فكذلك « المولى » الذي بمعناه يستوي فيه المذكر والمؤنث في صورة وقوعه خبراً، فالشبهة مندفعة بناءاً على ما ذهب إليه وألحّ عليه.

الثاني: دعوى اختصاص استواء التذكير والتأنيث باسم التفضيل كذب صريح وغلط محض، لثبوت الاستواء المذكور في مواضع اُخر، قال ابن هشام:

« الغالب في « التاء » أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كقائمة وقائم، ولا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان، أحدها: فعول، كرجل صبور بمعنى صابر وامرأة صبور بمعنى صابرة، ومنه:( وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) والثاني: فعيل بمعنى مفعول، نحو رجل جريح وامرأة جريح. والثالث: مفعال كمنحار، يقال رجل منحار وامرأة منحار، وشذ ميقانة. والرابع: مفعيل كمعطير، وشذ امرأة مسكينة، وسمع امرأة مسكين. والخامس: مفعل كمغشم ومدعى »(١) .

الثالث: إنّ تذكير المؤنث بحمل أحدهما على الآخر شائع في الاستعمال كتأنيث المذكر، قال السيوطي: « الحمل على المعنى. قال في الخصائص: إعلم أن هذا الشرح غور من العربية بعيد ومذهب نازح فسيح. وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا وغير ذلك، فمن تذكير المؤنث قوله تعالى:( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد.( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد

____________________

(١). التوضيح في شرح الألفية بشرح الأزهري ٢ / ٢٨٦ - ٢٨٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563