الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد6%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181964 / تحميل: 9879
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

باب ذكر الإمامِ بعدَ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ

وتاريخَ مولدِه، ودلائل إمامتهِ، ومدّةِ خلافتِه، ووقتِ

وفاتِه، وموضعِ قبرِه، وعددِ أولادِه، وطرفٍ من أخبارِه

والإمامُ بعدَ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام ابنهُ الحسنُ ابنُ سيدةِ نساءِ العالمينَ فاطمةَ بنتِ محمّد سيدِ المرسلينَصلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرينَ.

كنيتُه أبومحمّدٍ. ولدَ بالمدينةِ ليلةَ النِّصفِ من شهر رمضانَ سنةَ ثلاثٍ منَ الهجرة، وجاءتْ به فاطمةُ إلى النّبيِّ عليه وآلهِ السلام يومَ السابعِ من مولدِه في خرقةٍ من حريرِالجنّةِ كانَ جَبْرَئِيْلعليه‌السلام نزلَ بها إِلى رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمّاه حسناً وعَقَّ عنه كبشاً، روى ذلكَ جماعةٌ، منهم أحمدُ بنُ صالحٍ التميميّ، عن عبدِاللهِ بنِ عيسى، عن جعفرِبنِ محمّدٍعليهما‌السلام (١) .

وكانَ الحسنُ أشبهَ الناسِ برسولِ اللهِ صلّى الله عليهِما خَلْقاً(٢) وسُؤدداً وهَدياً. روى ذلكَ جماعةٌ منهم معمر، عنِ الزُّهريِّ، عن أنسِ ابن مالكٍ قالَ: لم يكنْ أحدٌ أشبهَ برسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٦ / ٢٥٠.

(٢) في هامش «ش» و «م»: خُلُقاً.

٥

منَ الحسنِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام (١) .

وروى إِبراهيمُ بنُ عليِّ الرافعي(٢) ، عن أبيه، عن جدّتِه زينبَ بنتِ أبي رافعٍ قالَ(٣) : أتتْ فاطمَةُ بابنيها الحسنِ والحسينِ إِلى رسولِ اللّهِ

__________________

(١) صحيح البخاري ٥: ٣٣، سنن الترمذي ٥: ٦٥٩ / ٣٧٧٦، تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسنعليه‌السلام -: ٢٨ / ٤٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٣٣٨ / ١٠.

(٢) في «ش» و «م»: الرافقي، واضاف في هامش «ش»: « الرافقة بلدة مما يلي المصر» وفيه دلالة على التفات الناسخ الى هذهِ الكلمة واختياره لها. الا ان الصواب ما في «ح» وهوما اثبتناه في المتن. فقد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله (١٤٦ / ٦٥) قائلاً: ابراهيم بن علي بن الحسن بن علي بن ابي رافع المدني. وفي تاريخ بغداد (٦: ١٣١): ابراهيم بن علي بن حسن بن علي بن ابي رافع المدني حدّث عن ابيه علي روى عنه ابراهيم بن حمزة الزبيري. وهذا الخبرمذكور في عدة مصادر مع بعض الاختلاف، ففي الخصال (١: ٧٧) ذكره باسناده عن ابراهيم بن حمزة الزبيري عن ابراهيم بن علي الرافعي عن ابيه عن جدته بنت ابي رافع، وبهذا الاسناد في تاريخ ابن عساكرمسنداً الى ابن منده، وكذا في اُسد الغابة (١: ٤١) عن ابن مندة وابي نعيم، الا انه اسقط منه (عن ابيه)، لكن اورد الخبر في الاصابة وقال: اخرجه ابن مندة من رواية ابراهيم بن حمزة الزبيري عن ابراهيم بن حسن بن علي الرافعي عن ابيه، ونظيره في كفاية الطالب عن حلية الاولياء. والظاهر وقوع التحريف فيه اما بسقوط (بن علي ) بعد ابراهيم او بتقديم وتاخير. فتأمل.

(٣) النسخ ههنا مشوشة غاية التشويش، ففي «ش»: عن جدّته زينب وشبيب بن أبي رافع قال وجعل فوق (وشبيب) علامة الزيادة، فيصير المتن: عن جدّته زينب بن ابي رافع قال وفيه اشكال من ناحية تذكيركلمتي (بن ) و (قال )، وفي هامش «ش» أشار الى ثلاث نسخ احداهن: جدهّ وشبيب، والثانية: زينب بنت أبي، والثالثة:عمّن حدثه، وبعد هذه النسخة علامة: ج. ونسخة «م» أكثرتشويشاً، ففيها قد غيرت العبارة وذكر في هامشها نسخاً وكأنّ فيها نفس النسخ أيضاً، وفي هامشها: صوّب نسخة ( عن جده وشبيب بن أبي رافع قال ) وهذه النسخة هي الموجودة في «ح » وعلى أي حال فالنسخ متفقة على اثبات كلمة قال بصيغة التذكير ويمكن توجيهه بارجاع الضمير الى أبي رافع، وان كان الاظهر غفلة النساخ عن تصحيح هذه الكلمة بعد تصحيح اسم الراوي. وفي بعض

٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله في شكواه الّتي تُوفِّيَ فيها فقالتْ: «يا رسولَ اللّهِ، هذانِ ابناكَ ورِّثْهما(١) شيئاً» فقالَ: «أمّا الحسنُ فإنّ له هَدْيي وسؤددي، وأمّا الحسينُ فإِنّ له جودي وشَجاعتي »(٢) .

وكانَ الحسنُ بنُ عليٍّ وصيَّ أبيهِ أمير المؤمنينَ صلواتُ اللهِ عليهما على أهلِه وولده وأصحابِه، ووصّاه بالنّظرِ في وُقُوفه وصَدَقاتِه، وكتبَ له(٣) عهداً مشهوراً ووصيّةً ظاهرةً في معالمِ الدِّينِ وعُيونِ الحكمةِ والادابِ، وقد نقلَ هذهِ الوصيّةَ جمهورُ العلماءِ، واستبصرَ بها في دينهِ ودنياه كثيرٌ منَ الفقهاءِ.

ولمّا قُبضَ أميرُ المؤمنينَعليه‌السلام خطبَ النّاسَ الحسنُعليه‌السلام وذكرَحقَّه، فبايَعَه أصحابُ أبيه على حرب مَنْ حارَبَ وسِلْمِ مَنْ سالَمَ.

وروى أبو مخنف لوطُ بنُ يحيى قالَ: حدّثَني أشعثُ بنُ سوّار(٤) ، عن أبي إِسحاقَ السَّبيعي وغيرِه قالوا: خطبَ الحسنُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام صبيحةَ اللَيلةِ الّتي قُبِضَ فيها أميرُ المؤمنينَ عليهِ

__________________

النسخ المعتبرة والبحار: زينب بنت أبي رافع، ثم ان مصادر الحديث مختلفة أيضاً، وذكر الخبر في ترجمة زينب بنت أبي رافع لا يرفع الاشكال في المسألة.

(١) في هامش «ش» و «م»: فورّثهما.

(٢) ذكره الصدوق في الخصال: ٧٧ / ١٢٢، والخوارزمي في مقتل الحسينعليه‌السلام ١: ١٠٥، وابن عساكر في تاريخ دمشق ضمن ترجمة الامام الحسنعليه‌السلام : ١٢٣، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٢٤، وابن حجر في الاصابة ٤: ٣١٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٤: ٢٦٣ / ١٠.

(٣) في « ش » وهامش « م »: اليه.

(٤) كذا في «م» و «ح »، وفي «ش»: سوّاد، وهو تصحيف.

٧

السّلامُ فحمدَ اللّهَ وأثنى عليه، وصلّى على رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال: «لقد قُبِضَ في هذِه الليلةِ رجلٌ لم يَسبِقْه الأوّلونَ بعملٍ، ولا يُدرِكُه الآخِرونَ بعملٍ، لقد كانَ يُجاهِدُ معَ رسولِ اللهِّ فَيقِيهِ بنفسِه، وكانَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله يُوجِّههُ برايتهِ فيَكنُفُه جَبْرَئيْلُ عن يمينهِ وميكائيلُ عن يسارِه، فلا يَرجعُ حتّى يفتحَ اللهُ على يديهِ. ولقد تُوُفِّيَعليه‌السلام في الليلةِ الّتي عُرِجَ فيها بعيسى بن مريمعليه‌السلام ، وفيها قُبِضَ يُوْشَعُ بنُ نونٍ وصيُّ موسى، وما خلّفَ صفراءَ ولا بيضاءَ إلاّ سبعمائةِ دِرْهمٍ فضلَتْ من عطائه، أرادَ أنْ يبتاعَ بها خادِماً لأهلِه » ثمّ خنقتْه العبرةُ فبكى وبكى النّاسُ معَه.

ثمّ قالَ: «أنا ابنُ البشيرِ، أنا ابنُ النّذيرِ، أنا ابنُ الدّاعي إِلى اللهِ بإِذنهِ، أنا ابنُ السِّراجِ المنيرِ، أنا من أهلِ بيتٍ أذهبَ اللهُ عنهم الرِّجسَ وطهّرَهم تطهيراً، أنا من أهلِ بيتٍ افترضَ اللهُ حبَّهم في كتابهِ فقالَ عزّ وجلّ:( قُلْ لا أسْثَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرَاً إلا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرف حَسَنَةً نَزِدْ لهُ فِيْهَا حُسْنَاً ) (١) فالحسنةُ مودَّتُنا أهلَ البيتِ ».

ثمّ جلسَ فقامَ عبدُاللهِ بن عبّاسٍ رحمة اللهِّ عليهما بينَ يديه فقالَ: معاشرَ النّاسِ، هذا ابنُ نبيِّكم ووصيُّ إِمامِكم فبايعُوه. فاستجابَ له النّاسُ وقالوا: ما أحبَّه إِلينا! وأوجبَ حقَّه عَلينا!

__________________

(١) الشورى ٤٢: ٢٣.

٨

و تَبادَروا إِلى البيعةِ له بالخلافةِ(١) ، وذلكَ في يومِ الجمعةِ الحادي والعشرينَ من شهرِ رمضانَ سنةَ أربعينَ منَ الهجرةِ. فرتّبَ العُمآَلَ وأمر الامراءَ، وأنفذَ عبدَاللّه بن العبّاسِ رضيَ اللهُّ عنه إِلى البصرةِ، ونظرَ في الأمورِ.

ولمّا بلغَ معاويةَ بنَ أبي سُفيانَ وفاةُ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام وبيعةُ النّاسِ الحسنَعليه‌السلام دَسَّ رجلاًَ من حِمْيَر إِلى الكوفةِ، ورجلاً من بَلقَين(٢) إِلى البصرةِ، ليكتُبا إِليه بالأخبارِ ويُفسِدا على الحسنِعليه‌السلام الأمورَ. فَعرَفَ ذلكَ الحسنُعليه‌السلام فأمرَ باستخراجِ الحِميريِّ من عندِ حَجّامٍ بالكوفةِ فأُخرِجَ فأمرَ بضربِ عنقهِ، وكتبَ إِلى البصرةِ فاستخرج القَيْنيّ من بني سُلَيْم وضرِبَتْ عنقه.

وكتبَ الحسنُعليه‌السلام إِلى معاويةَ:

«أما بعد فإنكَ دسست الرجال للاحتيال والاغتيال، وأرصدت العيون كأنك تُحب اللقاء، (وما أوشَكَ ذلك (٣) !فتوقّعه إن شاء الله. وبلغني أَنّك شمّتَ بما لا يشمت به ذوو الحجى، وإنما مثلك في ذلك كما قال الاوّل:

__________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٥١، شرح ابن ابي الحديد ١٦: ٣٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٣٦٢، وأخرج قطعاً منه اكثرأهل السير.

(٢) بلقين: أصله بنوالقين والنسبة قيني احدى قبائل العرب. انظر «القاموس المحيط - قين - ٤: ٢٦٢».

(٣) في هامش «ش»: وما اشك في ذلك.

٩

فقُلْ للذِي يَبْنِيْ خِلاَفَ الّذِي مَضـىَ

تَجَهَزْ لأخْرَى مِثْلِهَا فَكَأنْ قَدِ

فإِنّا وَمَنْ قَدْ مَاتَ مِنَّا لَكَالَّذِيْ

يَرُوْحُ َفيُمسِي في المَبِيْتِ لَيَغْتَدِيْ »

فأجابَه معاويةُ عن كتابِه بما لا حاجةَ بنا إِلى ذكرِه(١) .

و كانَ بينَ الحسنِعليه‌السلام وبينَه بعدَ ذلكَ مُكاتباتٌ ومُراسلاتٌ واحتجاجاتٌ للحسنِعليه‌السلام فِى استحقاقِه الأمرَ، وَتَوَثُّب من تقدَّمَ على أبيهعليهما‌السلام وابتزازِه سُلطان ابنِ عمِّه رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وتحقُقِّهم به دونَه، وأشياء يطولُ ذكرُها.

وسارَ معاويةً نحوَ العراقِ ليَغلِبَ عليه، فلمّا بلغَ جسرَ مَنْبِجَ(٢) تحرّكَ الحسنُعليه‌السلام وبعثَ حُجْرَ بنَ عَدِيٍّ فأمَر العُمّالَ بالمسيرِ، واستنفرَ النّاسَ للجهادِ فتثاقلوا عنه، ثمّ خفَّ معَه أخلاطٌ منَ النّاسِ بعضُهم شيعةٌ له ولأبيهعليهما‌السلام ، وبعضُهم ُمحكِّمةٌ(٣) يُؤثرونَ قتالَ معاويةَ بكلِّ حيلةٍ، وبعضُهم أصحابُ فتنِ وطمعٍ في الغنائمِ، وبعضُهم شُكّاكٌ، وبعضُهم أصحابُ عصبيّةٍ اتَّبعوا رؤساءَ قبائلِهم لا يَرجعونَ إِلى دين.

__________________

(١) رواه ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: ٥٣ وكذا ما بعده مفصلاً الى آخر الفصل، وابن أبي الحديد في شرحه ١٦: ٣١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٤٥ / ٥.

(٢) منبج: بلد بالشام. «معجم البلدان ٥: ٢٠٥ ».

(٣) المحكمة: الخوارج. انظر «الملل والنحل ١: ١٠٦ » و «القاموس المحيط - حكم - ٤: ٩٨».

١٠

فسارَ حتّى أتى حَمّامَ عُمرَ(١) ، ثمّ أخذَ على دَيرِكَعْبٍ، فنزلَ سَاباط دون القَنطرةِ وباتَ هناكَ، فلمّا أصبحَ أرَادَعليه‌السلام أن يَمتحِنَ أصحابَه ويَستبرئَ أحوالَهم في الطّاعةِ له، ليتميّزَ بذلكَ أولياؤه من أعدائه، ويكونَ على بصيرِة في لقاءِ معاويةَ وأهلِ الشّامِ، فأمرَ أن يُناديَ في النّاسِ بالصّلاةِ جامعةً، فاجتمعَوا فصعدَ المنبرَ فخطبَهم فقالَ: «الحمدُ للهِّ بكلِّ ما حَمِدَه حامِدٌ، وأشهدُ أن لا إِلهَ إِلاّ اللهُ كلَّما شهدَ له شاهدٌ، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدُه ورسولُه، أرسلَه بالحقِّ وائتمنَه على الوحيِصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أ مّا بعدُ: فوَاللهِ إِنِّي لأرجو أن أكونَ قد أصبحتُ - بحمدِ اللهِ َومنِّهِ - وأنا أنصحُ خلقِ اللهِ لخلقهِ، وما أصبحتُ محتملاً على مسلم ضغِيْنةً ولا مُريداً له بسوءٍ ولا غَائلةٍ، ألا واِنَّ ما تَكرهُونَ في الجماعةِ خير لكم ممّا تحبُّونَ في الفُرقةِ، ألا وَانِّي ناظرٌ لكم خيراً من نَظرِكم لأنفسِكم فلا تُخالِفوا أمري، ولا تَرُدُّوا عليَّ رأيي، غفرَ اللهُ لي ولكم وأرشَدَنِي ِوايّاكم لما فيه المحبّةُ والرِّضا»(٢) .

قالَ: فنظرَ النّاسُ بعضُهم إِلى بعض وقالوا: ما تَرَوْنَه يرُيدُ بما قالَ؟ قالوا: نَظُنُّه - واللهِّ - يرُيدُ أن يُصالحَ معاويةَ ُويُسَلِّمَ الأمر إليه، فقالوا: كفرَ - واللهِ - الرّجلُ، ثمّ شدُّوا على فُسْطَاطِه فانتهبوه، حتّى أخذوا مُصلاّه من تحتهِ، ثمّ شدَّ عليه عبدُ الرحمن بن عبدِاللّهِ بنِ جِعَالٍ الأزْديّ فنزعَ مِطْرَفَه(٣) عن عَاتِقهِ، فبقيَ جالساً متقلِّداً السّيفَ بغير

__________________

(١) حَمّام عمر: هي قرية، كذا في هامش «ش» و «م».

(٢) مقاتل الطالبيين: ٦٣.

(٣) المطرف: رداء من خز. «الصحاح - طرف - ٤: ١٣٩٤».

١١

رداءٍ.

ثمّ دَعَا بفرسِه فرَكِبَه، وأحْدَقَ به طَوَائفُ مِن خاصّتِه وشيعتِه ومنعوا مِنه مَنْ أرادَه، فقالَ: «ادعُوا إِليَّ(١) رَبيْعةَ وهَمْدانَ » فدُعُوا له فأطافوا به ودفعوا النّاسَ عنه. وسارَو معَه شوبٌ(٢) منَ النّاسِ، فلمّا مرَّ في مُظلمِ ساباط بَدَرَ إِليه رجلٌ من بني أسد يُقالُ له: الجَرّاحُ بنُ سِنان، فأخذَ بلجامِ بغلتهِ وبيدِه مِغْوَلٌ(٣) وقالَ: اللهُ أكبرُ، أشركتَ - يا حسنُ - كما أشركَ أبوكَ من قبلُ، ثمّ طعنَه في فخذِه فشقَّه حتّى بلغَ العظمَ، فاعتنقَه الحسنُعليه‌السلام وَخَرّا جميعاً إِلى الأرضِ، فوثبَ إِليه رجلٌ من شيعةِ الحسنِعليه‌السلام يقُالُ له: عبدُالله بن خَطَلٍ الطّائي، فانتزعَ المغولَ من يدِه وخَضْخَضَ به جوفَه، وأكبَ عليهِ آخر يُقالُ له: ظَبْيَانُ بنُ عُمارةَ، فقطعَ أنفَه، فهلكَ من ذلكَ. وأُخِذَ آخرُ كانَ معَه فقُتِلَ.

وحُمِلَ الحسنُعليه‌السلام على سريرٍ إِلى المدائنِ، فاُنزلَ به على سعدِ بنِ مسعودٍ الثّقفيّ، وكانَ عاملَ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام بها فأقرَّه الحسنُعليه‌السلام على ذلكَ، واشتغلَ بنفسِه يعُالِجُ جُرْحَه.

وكتبَ جماعةٌ من رؤساءِ القبائلِ إِلى معاويةَ بالطّاعةِ له في السِّرِّ، واستحثّوه على السّيرِ نحوَهم، وضَمِنُوا له تسليمَ الحسنِعليه‌السلام إِليه عندَ دُنُوِّهم من عسكرِه أو الفتكَ به، وبلغَ الحسنَ ذلكَ. ووردَ

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: لي.

(٢) الشوب: الخليط - من الناس -. « الصحاح - شوب - ١: ١٥٨ ».

(٣) المغول: سيف دقيق له قفا يكون غمده كالسوط. «الصحاح - غول - ٥: ١٧٨٦ ».

١٢

عليه كتابُ قيسِ بنِ سعدٍ رضيَ اللهُ عنه وكانَ قد أنفذَه مع عُبيدِاللهِ بنِ العبّاسِ عندَ مسيرِه منَ الكوفةِ، ليَلقى معاويةَ فيَرُدَّه عنِ العراق، وجعلَه أميراً على الجماعةِ وقالَ: «إِنْ أُصبتَ فالأميرُ قيسُ بنُ سعدٍ» فوصلَ كتابُ ابنِ سعدٍ يُخبِرهُ أنّهم نازَلوا معاويةَ بقريةٍ يُقالُ لها الحَبُونيّة ُ(١) بإزاءِ مَسْكِنَ(٢) ، وأنّ معاويةَ أرسلَ إِلى عبيدِاللهِ بنِ العبّاس يُرَغِّبًه في المصيرِ إليه، وضَمِنَ له ألفَ ألفِ دِرْهمٍ، يُعجِّلُ له منها النًّصفَ، يُعطيه النِّصفَ الآخرَ عندَ دخوله الكوفةَ، فانسلّ عُبيدُالله بن العبّاسِ في الليلِ إِلى مُعسكر(٣) معاويةَ في خاصّتِه، وأصبجَ النّاسُ قد فَقَدُوا أميرَهم، فصلّى بهم قيسٌ رضيَ اللهُ عنه ونظر َفي أُمورِهم.

فازدادتْ بصيرةُ الحسنِعليه‌السلام بخذلانِ القوم له، وفسادِ نيّاتِ المُحكِّمةِ فيه بما أظهروه له من السّبَّ والتكفيرِ واستحَلالِ دمِه ونهب أموالهِ، ولم يبقَ معَه من يَاْمَنُ غوائلَه إِلاّ خاصّة من شيعتهِ وشيعَةِ أبيه أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام ، وهم جماعةٌ لا تقومُ لأجنادِ الشّام.

فكَتبَ إِليه معاويةُ في الهُدْنةِ والصُّلحِ، وأنفذَ إِليه بكُتُبِ أصحابِه التّي ضَمِنوا له فيها الفتكَ به وتسليمَه إِليه، واشترط له على نفسِه في إِجابتهِ إِلى صلحِه شروطاً كثيرةً وعقدَ له عُقوداً كانَ في الوفاءِ بها مصالحٌ

__________________

(١) كذا وردت في النسخ والصحيح: «الأخنونية» كما في تاريخ بغداد ١: ٢٠٨، وقال في معجم البلدان ١: ١٢٥: موضع من أعمال بغداد، قيل هي حَرْبى، وفي ج ٢: ٢٣٧ حَرْبى: بليدة في أقصى دُجيل بين بغداد وتكريت مقابل الحظيرة.

(٢) مسكن: موضع قريب من أوانا على نهر دُجيل «معجم البلدان ٥: ١٢٧».

(٣) في «م» و «ح » وهامش «ش»: عسكر.

١٣

شاملةٌ ، فلم يَثِقْ به الحسنُعليه‌السلام وعلمَ احتيالَه بذلكَ واغتيالَه، غيرَ انّه لم يَجِدْ بدّاً من إِجابتهِإِلى ما التمسَ ( من ترك )(١) الحربِ وِانفاذِ الهدنةِ، لمِا كانَ عليه أصحابُه ممّا وصفْناه من ضعفِ البصائرِ في حقِّه والفسادِ عليه والخُلْفِ منهم له، وما انطوى كثيرٌ منهم عليهِ فيا ستحلالِ دمِه وتسليمهِ إِلى خصمِه، وما كانَ في خذلانِ ابن عمِّه له ومصيرهِ إِلى عدوِّه، وميلِ الجُمهورِمنهم إِلى العاجلةِ وزهدِهم في الآجلةِ.

فتوثّقَعليه‌السلام لنفسِه من معاويةَ لتأكيدِ الحجّةِ عليه، والإعذارِ فيما بينَه وبينَه عندَ اللهِ عزّ وجلّ وعند كافَّةِ المسلمينَ، واشترطَ عليه تركَ سبِّ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام والعدولَ عنِ القُنوتِ عليه في الصّلواتِ، وأنْ يُؤمنَ شيعتَه رضيَ اللهُ عنهم ولايتعرّضَ لأحدٍ منهم بسوءٍ، ويُوصِلَ إِلى كلِّ ذي حقٍّ منهم حقَّه. فأجابَه معاويةُ إِلى ذلكَ كلِّه، وعاهدَه عليه وحَلفَ له بالوفاءِ به.

فلمّا استتمّتِ الهُدنةُ على ذلكَ، سارَ معاويةُ حتّى نزلَ بالنُّخَيْلةِ(٢) ، وكانَ ذلكَ يومَ جمعةٍ فصلّى بالنّاسِ ضحى النّهارِ، فخطَبَهُم وقالَ في خطبتهِ: إِنِّي واللهِّ ما قاتلتُكم لتُصلُّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكُّوا، إِنّكم لتفعلونَ ذلكَ، ولكنِّي قاتلتُكم لأتأمّرَ عليكم، وقد أعطاني اللهُّ ذلكَ وأنتم له كارِهونَ. ألا ِوانِّي كنتُ منَّيتُ الحسنَ وأعطيتُه أشياءَ، وجَمِيعُها تحتَ قَدَمَيَّ لا أفي بشيءٍ منها له.

__________________

(١) في «ش»: منه وترك.

(٢) النخيلة: موضع قرب الكوفة «معجم البلدان ٥: ٢٧٨».

١٤

ثم سار حتّى دخل الكوفة فأقام بها أيّاماً، فلما استتمّت البيعة له من أهلها، صعد المنبر فخطب النّاس، وذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام فنال منه ونال من الحسن، وكان الحسن والحسين صلوات الله عليهما حاضرين، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ بيده الحسن فأجلسه ثمّ قام فقال: « أيّها الذاكر عليّاً، أنا الحسن وأبي عليّ، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمّي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك حرب، وجدّتي خديجة وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً، وشرنا قدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً» فقال طوائف من أهل المسجد: آمين آمين.

ولمّا استقرّ الصلح بين الحسن صلوات الله عليه وبين معاوية على ما ذكرناه، خرج الحسنعليه‌السلام إلى المدينة فأقام بها كاظماً غيظه، لازماً منزله، منتظراً لأمر ربّه جل ّ اسمه، إلى أن تمّ لمعاوية عشر سنين من إمارته وعزم على البيعة لابنه يزيد، فدسّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس - وكانت زوجة الحسنعليه‌السلام - من حملها على سمّه، وضمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد، وأرسل إليها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السّمّ، فبقيعليه‌السلام مريضاً أربعين يوماً، ومضىعليه‌السلام لسبيله في صفر سنة خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمان وأربعون سنة، فكانت خلافته عشر سنين، وتولّى أخوه ووصيّه الحسينعليه‌السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم ٍ بن عبد منافٍ رحمة الله عليها بالبقيعِ.

١٥

فصل

فمن الأخبار التي جاءت بسبب وفاة الحسنعليه‌السلام وما ذكرناه من سمّ معاوية له، وقصّة دفنه وما جرى من الخوض في ذلك والخطاب:

ما رواه عيسى بن مهران قال: حدّثنا عبيدالله بن الصّباح قال: حدّثنا جرير، عن مغيرة قال: أرسل معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس: أنّي مزوّجك (يزيد ابني )(١) ، على أن تسمّي الحسن، وبعث إليها مائة ألف درهم، ففعلت وسمّت الحسنعليه‌السلام فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيّروهم وقالوا: يا بني مسمّة الأزواج(٢) .

وروى عيسى بن مهران قال: حدّثني عثمان بن عمر قال: حدّثنا ابن عون، عن عمر بن إسحاق قال: كنت مع الحسن والحسينعليهما‌السلام في الدّار، فدخل الحسنعليه‌السلام المخرج(٣) ثم خرج قال: « لقد سقيت السّمّ مراراً، ما سقيته مثل هذه المرة، لقد لفظت قطعة من كبدي، فجعلت أقلّبها بعود معي » فقال له الحسين

__________________

(١) في هامش «ش»: من ابني يزيد.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٧٣، شرح ابن ابي الحديد ١٦: ٤٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٥٥ / ٢٥.

(٣) المخرج: الكنيف أو المرحاض. «مجمع البحرين ٢: ٢٩٤».

١٦

عليه‌السلام : «ومن سقاكَه؟» فقالَ: «وما تُريدُ منه؟ أتريدَ قتلَه، إن يكنْ هوهو فاللّهُ أشدُّ نقمةً منكَ، وِإن لم يكنْ هو فما أحِبُّ أن يُؤخذَ بي بريءٌ »(١) .

وروى عبدُاللّهِ بن إبراهيمَ عن زيادٍ المخارقي قالَ: لمّا حضرتِ الحسنَعليه‌السلام الوفاةُ استدعى الحسينَ بنَ عليٍّعليهما‌السلام فقالَ: «يا أَخي، إنِّي مُفارقًكَ ولاحق بربِّي جلّ وعزّ وقد سُقيتُ السّمَّ ورَمَيْتُ بكبدي في الطّستِ، وِإنّي لَعارفٌ بمن سقاني السّمَّ، ومن أينَ دُهِيْتُ، وأنا أُخاصِمُه إِلى اللهِ تعالى، فبحقّي عليكَ إِن تكلّمتَ في ذلكَ بشيءٍ، وانتظِرْ ما يُحدِثُ اللهُ عزّ ذكرُه فيَّ، فإذا قضيتُ فَغمِّضْني وغَسِّلني وكفَنِّي واحمِلْني على سريري إِلى قبر ِجدِّي رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله لأجدِّدَ به عهداً، ثمّ رُدَّني إِلى قبرِ جَدَّتي فاطمةَ بنتِ أسدٍ رحمةُ اللهِ عليها فادفنِّي هناكَ.

وستعلمُ يا ابنَ أُمّ أنّ القومَ يظنُّون أنّكم تريدونَ دفني عندَ رسوِلِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فَيُجْلِبُونَ في منعِكم عن ذلكَ، وباللهِ أُقسمُ عليكَ أن تُهريقَ في أمري مِحجمةَ دمٍ » ثمّ وصّىعليه‌السلام إِليه باهلهِ وولدِه وتركاتِه، وما كانَ وصّى به إِليه أميرُ المؤمنينَعليه‌السلام حينَ استخلفَه وأهَّلَه لمقامِه، ودلَّ شيعتَه على استخلافِه ونصبِه لهم عَلَماً من بعدِه.

__________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٧٤، شرح ابن ابي الحديد ١٦: ٤٩، وذكره المسعودي في مروج الذهب ٢: ٤٢٧ باختلاف في الفاظه، وانظر ترجمة الامام الحسنعليه‌السلام ضمن تاريخ دمشق: ٢٠٧ - ٢٠٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٥٦.

١٧

فلمّا مضىعليه‌السلام لسبيلِه غسّلَه الحسينعليه‌السلام وكفّنَه وحملَه على سريرِه، ولم يَشُكَّ مروانُ ومن معَه من بني أُميّةَ أنَّهم سيدفنونَه عندَ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فَتَجَمَّعوا له ولبسوا السِّلاحَ، فلمّا توجّهَ به الحسينُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام إلى قبرِ جدِّه رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ليُجدِّدَ به عَهداً أقبلوا إليهم في جمعِهم، ولَحِقَتْهم عائشةُ على بغلٍ وهي تقولُ: مالي ولكم تُريدونَ أن تُدخِلوا بيتي من لا أُحِبُّ. وجعَل مروانُ يقولُ:

يَارُبَّ هَيْجَا هِيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَة

أ يدفَنُ عثمانُ في أقصى المدينةِ، ويُدفَنُ الحسن معَ النّبي؟! لا يكونُ ذلكَ أبداً وأنا أحْمِلُ السّيفَ.

وكادتِ الفتنةُ تقعُ بينَ بني هاشمٍ وبني أُميَّةَ، فبادرَ ابنُ عبّاسٍ إِلى مروانَ فقالَ له: ارجعْ يا مروانُ من حيثُ جئتَ، فإنّا ما نريدَ (أنْ نَدفِنَ صاحبَنا )(١) عندَ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله لكِنَّا نريدُ أن نُجدِّدَ به عهداً بزيارتِه، ثم نَردَّه إِلى جدّتِه فاطمَةعليها‌السلام فنَدفِنَه عندَها بوصيَّتهِ بذلكَ، ولوكانَ وصَّى بدفنِه معَ النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلمتَ أنّكَ أقصرُ باعاً من رَدِّنا عن ذلكَ، لكِنَّهعليه‌السلام كانَ أعلمَ باللهِ ورسوله وبحرمةِ قبرِه من أن يُطَرِّقَ عليه هَدْماً كما طَرّقَ ذلكَ غيرُه، ودَخَلَ بيتَه بغيرِ إِذنِه.

ثمّ أقبلَ على عائشةَ فقالَ لها: واسوأتاه! يوماً على بغلٍ ويوماً على جملٍ، تريدينَ أن تُطفِئي نورَ اللهِ، وتُقاتلينَ أولياءَ اللهِ، ارجِعي

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: دفن صاحبنا.

١٨

فقد كُفِيْتِ الّذي تَخافينَ وبلغتِ ما تُحبِّينَ، والله تعالى مُنتصر لأهلِ هذا البيتِ ولوبعدَ حينٍ(١) .

وقالَ الحسينُعليه‌السلام : «واللهِ لَولا عهدُ الحسنِ إِليَّ بحقن الدِّماءِ، وأن لا أُهريقَ في أمرِه محجمةَ دمِ، لَعلمتُم كيفَ تَأْخذُ سُيوفُ اللهِّ منكم مَأْخذَها، وقد نَقَضْتُمُ العهَدَ بَينَنا وبينَكم، وأبطلتُم ما اشترطْنا عليكم لأنفسِنا».

ومَضَوا بالحسنِعليه‌السلام فَدَفَنُوه بالبقيعِ عندَ جدّتِه فاطمةَ بنتِ أسدِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مَنافٍ رضيَ اللهُ عنها وأسكنَها جنّاتِ النعيمَ(٢) .

__________________

(١) في هامش «ح »: فقال لها ايضاً:

تجملت تبغلت

ولو عشت تفيلت

لك الثمن من التسع

وفي الكل تطمعت

  وفي الخرائج والجرائح: قال ابن عباس لعائشة: واسوأتاه! يوماً على بغل ويوماً على جمل، وفي رواية: يوماً تجملت وبوماً تبغلت وان عشت تفيلت، فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال:

يا بنتَ أبي بكر

لاكانَ ولاكُنتِ

لِك التسع من الثُمن

وبالكلّ تملّكت

تجملتِ تبغّلتِ

وان عشتِ تفيّلت

(٢) هذا الخبر روته العامة والخاصة بتغير ببعض عباراته كل بحسب مذهبه، انظر دلائل الامامة: ٦١، ومقاتل الطالبيين: ٧٤، شرح النهج الحديدي ١٦: ٤٩ - ٥١، والخرائج والجرائح ١: ٢٤٢ / ٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٥٦.

١٩

باب ذكر ولد الحسنِ بنِ عليّ عليهما

السّلامُ وعددِهم وأسمائهم وطرفٍ من أخبارِهم

أولادُ الحسنِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام خمسةَ عشرَ ولداً ذكراً وأُنثى: زيدُ بنُ الحسنِ وأُختاه أّمّ الحسنِ وأُمّ الحسينِ أُمُّهم أُمُّ بَشيرٍ بنتُ أبي مسعودٍ عُقْبة بن عمرو بنِ ثعلبةَ الخزرجيّةُ.

والحسنُ بنُ الحسنِ أُمُّه خَوْلةُ بنتُ منظورٍ الفَزاريّةُ.

وعَمْرُو بنُ الحسنِ وأخَواه القاسمُ وعبدُاللهِ ابنا الحسنِ أمُّهم أُمُّ ولدٍ.

وعبدُ الرحمن بن الحسنِ أُمُّه أُمُّ ولدٍ.

والحسين بنُ الحسنِ الملقّب بالأثرم وأخوه طلحةُ بنُ الحسنِ وأُختُهما فاطمةُ بنتُ الحسن، أُمهم أُمُّ إِسحَاقَ بنتُ طلحةَ بن عبيدِاللهِ التّيميِّ.

وأُمُّ عبدِاللهِ وفاطمةُ وأُمُّ سَلَمَةَ ورُقيّةُ بناتُ الحسنِعليه‌السلام لأمهاتِ أولادٍ شتّى.

فصل

فأمّا زيدُ بنُ الحسنِ رضيَ اللّه عنه فكانَ على صدقاتِ رسولِ اللهِ

٢٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسَنَ، وكانَ جليلَ القدرِ كريمَ الطّبعِ ظَلِفَ النّفسِ(١) ثيرَ البِرِّ، ومدحَه الشّعراءُ وقصدَه النّاسُ منَ الآفاقِ لطلبِ فضلهِ.

فذكرَ أصحابُ السِّيرِة: أنّ زيدَ بنَ الحسنِ كانَ يلي صدقاتِ رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا وُلِّيَ سليمانُ بنُ عبدِ الملكِ كتبَ إِلى عاملِه بالمدينةِ: أمّا بعدُ فإِذا جاءَكَ كتابي هذا، فاعزِلْ زيداً عن صدقاتِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وادفَعْها إِلى فلانِ ابنِ فلانٍ - رجل من قومِه - وأعِنْه على ما استعانَكَ عليهِ، والسّلامُ.

فلما استُخْلِفَ عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ إِذا كتابٌ قد جاءَ(٢) منه: أمّا بعدُ فإنّ زيدَ بنَ الحسنِ شريفُ بني هاشمٍ وذوسِنِّهم، فإِذا جاءَكَ كتابي هذا فاردُدْ اليه صدقاتِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله واعِنْه على ما استعانَكَ عليه، والسّلامُ(٣) .

وفي زيدِ بنِ الحسنِ يقولُ محمّدُ بنُ بَشيرٍ الخارِجيُّ:

إِذَا نَزَلَ ابْنُ المُصْطَفَى بَطْنَ تَلْعَةٍ(٤)

نَفَى جَدْبَهَا وَاخْضَرَّ بِالنَّبْتِ عُوْدُهَا

وَزيدٌ رَبِيْعُ النَّاسِ فيْ كُلِّ شَتْوة

إِذَا أخْلـفَتْ أنـوَاؤُهَا(٥) وَرُعوْدُهـا

__________________

(١) ظلف النفس: عزيزها. «الصحاح - ظلف - ٤: ١٣٩٩».

وفي «م»! وهامش «ش»: ظريف النفس.

(٢) في هامش «ش» و «م»: ورد.

(٣) ذكر الذهبي استخلاف عمر بن عبد العزيز لزيد بن الحسن على الصدقات. انظر سير اعلام النبلاء ٤: ٤٨٧ / ١٨٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٦٣ / ٢.

(٤) التلعة: مسيل ماء من أعلى الأرض الى بطن الوادي «الصحاح - تلع - ٣: ١١٩٢ ».

(٥) الأنواء: جمع نوء، وهوسقوط نجم وطلوع نجم، وكانت العرب تنسب المطر الى الأنواء، فتقول: مطرنا بنوء كذا. «مجمع البحرين - نوأ - ١: ٤٢٣ ». وفي هامش «ش»: »:

٢١

حَمُوْلٌ لأشْنَاقِ(١) الدِّيَاتِ كَأنَّهُ

سِرَاجُ الدُّجَىِ إِذْ قَارَنته سُعُوْدُهَا(٢)

وماتَ زيد وله تسعونَ سنة، فرثَاه جماعةٌ منَ الشُّعراءِ وذكروا مآثره وبكَوا فضلَه، فممّن رثاه قُدامةُ بنُ موسى الجُمَحِيّ فقالَ:

فَإِنْ يَكُ زَبْدٌ غَالَتِ الأرْضُ شَخْصَهُ

فَقَدْ بَانَ مَعْرُوْف هُنَاكَ وَجُوْدُ

وانْ يك أمسى رهنَ رَمْسٍ فقد ثَوَى

بهِ وَهْوَ مَحموْدُ الْفعَالِ فَقِيْدُ

سَمِيْعٌ إِلىَ المُعْتَرّ يَعْلَمُ أنَهُ

سًيَطْلُبُهُ اْلمَعْرُوْفَ ثُمَّ يَعُوْدُ

وَلَيْسَ بِقَوَّالٍ وَقَد ْحَطَّ رَحْلَه

لِمُلْتَمِسِ اْلمَعْرُوْفِ أيْنَ تُرِيْدُ

إِذَا قَصَّرَ الْوَغْد الدَّنيُّ نَمَا بِهِ

إِلَى اْلمَجْدِ ابَاءٌ لَهُ وَجدُوْدُ

مَبَاذِيْلُ لِلْمَوْلىَ مَحَاشِيْدُ لَلْقِرَى

وَفي الرَّوْعِ عِنْدَ النَّائِبَاتِ أُسُودُ

إِذَا انْتُحِلَ الْعِزُّالطَّرِيْفُ فَإِنَّهُمْ

لَهُم إِرْثُ مَجْدٍ مَا يُرَامُ تَلِيْدُ

إِذَا مَاتَ مِنْهًمْ سَيِّدٌ قَامَ سَيِّدٌ

كَرِيْمٌ يُبَنِّيْ بَعْدَهُ ويَشِيْدُ(٣)

في أمثالِ هذا ممّا يطولُ به الكتاب.

وخرجَ زيدُ بنُ الحسنِ رضيَ اللهُ عنه منَ الدُّنيا ولم يدَعِ الأمامةَ، ولا ادَّعاها له مُدَّعٍ منَ الشِّيعةِ ولا غيرهم، وذلكَ أنَّ الشِّيعةَ رجلانِ: إِمامّي

__________________

الأنواء منازل القمر.

(١) في هامش «ش» و «م»: الاشناق: ما دون الديات، مثل أروش الجراحات، والشنق أيضاً في الزكاة: ما دون النصاب.

(٢) ذكره البلاذري في أنساب الأشراف ٣: ٧٢ / ٨٤ عدا البيت الاول.

(٣) ذكر البلاذري البيت الأول فقط ٣: ٧٢ و ٧٣، وذكر محقق أنساب الأشراف الشيخ المحمودي عن تاريخ دمشق لابن عساكرج ٦: ٣٠٢ ب القصيدة كاملة.

٢٢

وزيديّ، فالأماميُّ يَعتمدُ في الإِمامةِ النُّصوصَ، وهي معدومة في ولدِ الحسنِعليه‌السلام باتِّفاق، ولم يدَّعِ ذلكَ أحدٌ منهم لنفسهِ فيقع فيه ارتيابٌ.

والزّيديُّ يُراعي في الأمامةِ بعدَ عليٍّ والحسنِ والحسينِعليهم‌السلام الدعوةَ والجهادَ، وزيدُ بن الحسنِ رحمةُ اللهِ عليهِ كانَ مُسالِماً لبني أُميّةَ ومُتقلِّداً من قِبَلِهم الأعمالَ، وكان رأْيُه التّقيَّةَ لأعدائه والتألُّفَ لهم والمداراةَ، وهذا يُضادُّ عندَ الزّيديّةِ علاماتِ الأمامةِ كما حَكَيْناه.

فأمّا الحَشْويّة فإِنّها تَدينُ بامِامةِ بني أُمَّيَةَ، ولا ترى لولدِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامةً على حالٍ.

والمُعتزلةُ لا ترى الأمامةَ إلاٌ فيمن كانَ على رأيِها في الاعتزالِ، ومن تَوَلَّوا - هم - العقدَ له بالشورى والاختيار، وزيدٌ على ما قدّمْنا ذكرَه خارج عن هذه الأحوال.

والخوارجُ لا ترى إِمامةَ من تولىّ أميرَ المؤمنينَ عليَّ بنَ أبي طالبٍعليه‌السلام ، وزيدٌ كانَ متولِّياً أباه وجدّه بلا اختلافٍ.

فصل

فأمّا الحسنُ بنُ الحسنِ فكانَ جليلاً رئيساً فاضلاً وَرِعاً، وكانَ يَلي صدقاتِ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام في وقتِه، وله معَ الحَجَّاجِ خبرٌ رواه الزُّبيرُ بنُ بكّارٍ قالَ: كانَ الحسنُ بنُ الحسنِ والياً صدقاتِ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام في عصرِه، فسايرَ يوماً الحَجَّاجَ بنَ يوسفَ في موكبِه - وهو إِذْ ذاكَ أمير المدينةِ - فقالَ له الحَجَّاجُ: أدْخِلْ

٢٣

عُمَرَ بنَ عليٍّ معَكَ في صدقةِ أبيه، فإِنّه عمُكَ وبقيّةُ أهلِكَ، فقالَ له الحسنُ: لا أُغيّرُشرطَ عليٍّ ولا أُدْخِلُ فيها من لمِ يُدْخِلْ، فقالَ له الحَجَّاجُ: إِذاً أُدْخِله أنا معَكَ.

فنكصَ الحسنُ بنُ الحسنِ عنه ( حتّى غفلَ )(١) الحَجَّاجُ، ثمّ توجّهَ إِلى عبدِ الملكِ حتّى قَدِمَ عليه فوقفَ ببابهِ يَطلُبُ الإذن، فمرّ به يحيى بن أُمِّ الحَكَمِ فلمّا رآه يَحيى مالَ إِليه وسلّمَ عليه وسألَه عن مَقدَمِه وخبرِه، ثمَّ قالَ: إِنِّي سأنفعُكَ عندَ أميرِ المؤمنينَ - يعني عبدَ الملكِ - فلمّا دخلَ الحسنُ ابنُ الحسنِ على عبدِ الملكِ رَحّبَ به وأحسنَ مُسَاءَلَتَه، وكانَ الحسنُ قد أسرعَ إليه الشَّيبُ، ويَحيى بن أُمِّ الحكمِ في المجلسِ، فقالَ له عبدُ الملكِ: لقد أسرعَ إليكَ إليكَ الشيبُ يا با محمّدٍ، فقالَ يَحيى: وما يمنعُه يا أمير المؤمنينَ؟ شيَّبَه أمانيُّ أهلِ العراقِ، يَفِدُ(٢) عليه الرّكبُ يُمَنُّونَه الخلافةَ. فأقبلَ عليه الحسنُ فقالَ: بئْسَ والله الرِّفدُ رَفَدْتَ، لست(٣) كما قلتَ، ولكنّا أهلُ بيتٍ يُسرعُ إِليناَ الشَّيبُ. وعبدُ الملكِ يَسمعُ، فأقبلَ عليه عبدُ الملكِ فقالَ: هلّم بما(٤) قدمتَ له، فاخبرهَ بقولِ الحجّاج فقالَ: ليس ذلكَ له، أكْتُبُ إِليه كتاباً لا يتجاوزه. فكتبَ إِليه ووصلَ الحسنَ بنَ الحسنِ فأحسنَ صِلَتَه.

فلمّا خرجَ من عندِه لَقِيَه يَحيى بن أُمِّ الحكمِ، فعاتبَه الحسن على

__________________

(١) كذا في النسخ الثلاث، لكن في هامش «ح » والبحار: حين غفل، والظاهر ان الصحيح: حتى قفل - بالقاف - أي رجع. انظر مختصر تاريخ دمشق ٦: ٣٣٠.

(٢) في «م» وهامش «ش»: يغدو.

(٣) في هامش «ش»: ليس.

(٤) في «م» وهامش «ش»: ما.

٢٤

سوء مَحْضَرِه وقالَ له: ما هذا الّذي وعدْتَني به؟ فقالَ له يَحيى: إِيهاً عنكَ، فواللهِ لا يَزالُ يَهابُكَ، ولولا هَيْبَتُكَ ما قضى لكَ حاجةً، وما ألَوْتُكَ رِفْداً(١) .

وكانَ الحسنُ بنُ الحسنِ حضرَمعَ عمِّه الحسينِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام الطّفَّ، فلما قُتِلَ الحسينُ وأسِرَ الباقونَ من أهلِه، جاءه أسماءُ بنُ خارِجةَ فانتزعَه من بينِ الأسرى وقالَ: واللّهِ لا يُوصَلُ إِلى ابن خَوْلَةَ أبداً، فقالَ عُمَرُ بنُ سعدٍ: دَعُوا لأبي حَسَّان ابنَ أُختِه. ويُقالُ إِنّه أُسِرَ وكانَ به جِراح قد أشفى منها.

ورُويَ:أنّ الحسنَ بنَ الحسنِ خطبَ إلى عمِّه الحسينِعليه‌السلام إحدى ابنتيه، فقالَ له الحسينُ: «اختَرْ يا بُنيَّ أحبَّهُما إِليكَ » فاستحيا الحسنُ ولم يُحرْ جواباً، فقالَ الحسينُعليه‌السلام : «فإِنِّي قدِ اخترتُ لكَ ابنتي فاطَمةَ، وهي أكثرُهما شبهاً بأُمِّي فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِما»(٢) .

وقُبضَ الحسنُ بنُ الحسنِ رضوانَ اللهِ عليه وله خمسُ وثلاثونَ سنةً وأخَوه زيدُ بنُ الحسنِ حيُّ، ووصّى إِلى أخيه من أُمِّه إِبراهيم بن محمّدِ بنِ طلحةَ.

__________________

(١) وذكر البلاذري في انساب الاشراف ٣: ٧٣ / ٨٥ الخبر مختصراً، وكذا الذهبي في سير أعلام النبلاء ٤: ٤٨٥، وفي هامش السير نقله عن مصعب الزبيري في نسب قريش: ٤٦، ٤٧، وتاريخ دمشق لابن عساكر ٤: ٢١٨ آ، ب، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٦٦.

(٢) مقاتل الطالبيين: ١٨٠، الأغاني ٢١: ١١٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٦٧ / ٣.

٢٥

ولمّا ماتَ الحسنُ بنُ الحسنِ رحمةُ اللهِّ عليه ضَرَبَتْ زوجتُه فاطمةُ بنتُ الحسينِ على قبرِه فسطاطاً، وكانتْ تقومُ الليلَ وتصومُ النّهارَ، وكانتْ تُشبَّهُ بالحورِ العينِ لجمالِها، فلمّا كانَ رأسُ السّنةِ قالتْ لمواليها: إِذا أظلمَ الليلُ فقَوِّضُوا هذا الفسطاطَ، فلمّا أظلمَ الليلُ سَمِعَتْ قائلاً يقول هَلْ وَجَدُوا ما فَقَدُوا؟ فاجابَه آخرُ: بَلْ يَئِسُوْا فانْقَلَبُوْا.

ومضى الحسنُ بنُ الحسنِ ولم يَدَّعِ الأمامةَ ولا ادّعاها له مُدَّعٍ، كما وصفْناه من حالِ أخيه زيدٍ رحمةُ اللّهِ عليهما.

وأمّا عَمْروٌ والقاسمُ وعبدُ اللهِ بنو الحسنِ بنِ عليّ رضوانُ اللهِ عليهم فإِنَّهم استُشْهِدُوا بينَ يَدَيْ عمِّهم الحسينِعليه‌السلام بالطّفِّ رضيَ الله عنهم وأرضاهم وأحسنَ عن الدِّينِ والإسلام وأهلهِ جَزاءهم.

وعبدُ الرّحمن بن الحسنِ رضيَ اللهُ عنه خرجَ معَ عمِّه الحسينِعليه‌السلام إِلى الحجِّ فتُوفِّيَ بالأبواءِ وهومُحْرِمٌ.

والحسينُ بنُ الحسنِ المعروفُ بالأثرم كانَ له فضلٌ ولم يكنْ له ذِكر في ذلك.

وطلحةُ بنُ الحسنِ كانَ جَواداً.

٢٦

باب ذكر الأمام بعدَ الحسنِ بنِ عليّ عليهما السّلامُ

وتارَيخ مولدِه، ودلائل إمامتهِ،

ومبلغ سنِّه، ومدّة خلافتِه، ووقت وفاتِه وسببها،

وموضع قبرِه، وعدد أولادِه، ومختصر من أخبارِه

والأمامُ بعدَ الحسنِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام أخوه الحسينُ بنُ عليٍّ، ابنُ فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلّى اللّهُ عليهم بنصِّ أبيه وجَدِّه عليه، ووصيّةِ أخيه الحسنِ إِليه.

كنيتهُ أبو عبدِاللهِّ. وُلِدَ بالمدينةِ لخمسِ ليالٍ خَلَوْنَ من شَعبانَ سنةَ أربعٍ منَ الهجرةِ، وجاءتْ به أُمُّه فاطمةُعليهما‌السلام إِلى جَدِّهِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستبشرَ به وسمّاه حُسَيْنَاً وعَقَّ عنه كبشاً ؛ وهو وأخوه بشهادةِ الرّسولِ صلّى اللّهُ عليهِ وعليهما سيِّدا شبابِ أهل الجنّةِ، وبالاتِّفاقِ الّذي لا مِرْيَةَ فيه سِبطا نبيِّ الرّحمةِ.

وكانَ الحسنُ بنُ عليّعليهما‌السلام يُشبَّهُ بالنّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله من صدرِه إِلى رأْسِه، والحسينُ يُشبَّهُ به من صدرِه إِلى رجليه، وكانا حبيبَيْ رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بينِ جميعِ أهلهِ وولدِه.

روى زَاذانُ عن سلمانَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله يقولُ في الحسنِ والحسينِعليهما‌السلام :

٢٧

«اللّهمَّ إِنِّي أُحِبُّهما فأحِبَّهما ( وأحِبَّ من أحبّهما )(١) »(٢) .

وقالَ عليهِ وآلهِ السّلامُ: «مَنْ أحَبَّ الحسنَ والحسينَ -عليهما‌السلام - أحْبَبْتُهُ، ومن أحْبَبْتُهُ أحبّه اللهُّ، ومن أحَبَّه اللهّ عزّ وجلّ أدْخَلَه الجنّةَ، ومن أبْغَضَهما أبْغَضْتُهُ، ومن أبْغَضْتُهُ أبْغَضَه اللهُ، ومن أبْغَضَهُ اللّهُ خَلَّدَه في النّارِ»(٣) .

وقالَ عليهِ وآلهِ السّلامُ: «إِنّ ابنيَّ هذينِ رَيحانتايَ مِنَ الدُّنيا»(٤) .

وروى زرُّ بنُ حُبَيْشٍ، عنِ ابنِ مسعودٍ قالَ: كانَ النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصُلِّي فجاءه الحسنُ والحسينُعليهما‌السلام فارْتَدَفاه، فلمّا رَفعَ رأسَه أخذَهما أخذاً رفيقاً، فلمّا عَادَ عادَا، فلما انصرفَ أجلسَ هذا على فخذِه وهذا على فخذِه، وقالَ: «مَنْ أحَبَّني فَلْيُحِبَّ هذينِ »(٥) .

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: وأحبب من يحبهما.

(٢) رواه الترمذي في سننه ٥: ٦٥٦ / ذح ٣٧٦٩ عن اسامة بن زيد، وابن الأثير في أُسد الغابة ٢: ١١، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٣: ٦٦٦ / ٣٧٦٩٧، ورواه ابن عساكر عن مسند حصين بن عوف الخثعمي في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام -: ٩٥ بدون جملة (وأحب من احبهما) فراجع هوامش الكتاب.

(٣) ذكره الحاكم النيسابوري في مستدركه ٣: ٦٦٦ باختلاف يسير، وابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام -: ٩٧ / ١٣١ و ٩٨ / ١٣٢، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٢٢، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٢: ١١٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧٥ / ٤٢.

(٤) ذكره البخاري في الصحاح ٥: ٣٣، باختلاف يسير، والترمذي في سننه ٥: ٦٥٦ / ٣٧٧٠، وابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام -: ٣٨ - ٣٩ / ٥٨ - ٦٠، وابن الأثير في اُسد الغابة ٢: ١٩، وابن الصباغ في الفصول المهمة: ١٥٤، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٢: ١١٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧٥ / ٤٢.

(٥) روى نحوه البيهقي في سننه ٢: ٢٦٣، وابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة الامام

٢٨

وكاناعليهما‌السلام حجّةَ اللهِ تعالى لنبيِّه عليهِ وآلهِ السّلامُ في المُباهلةِ، وحجّةَ اللّهِ من بعد أبيهما أميرِ المؤمنينَ عليهِ وعليهما السّلامُ على الأمّةِ في الدِّينِ والأسلامِ والملّةِ.

وروى محمّدُ بنُ أبي عُمَيْرٍ، عن رجالهِ، عن أبي عبدِاللهّعليه‌السلام قالَ: «قالَ الحسنُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام لأصحابِه: إِنّ للّهِ تعالى مدينتينِ: إِحداهما في المشرقِ، والأخرى في المغرب، فيهما خَلْق للّهِ عزّ وجلّ لم يَهُمُّوا بمعصيةٍ له قطُّ، واللهِّ مافيهما وَما بينَهما حجّةٌ للهِّ على خلقِه غيري وغيرُ أخي الحسينِ »(١) .

وجاءتِ الرِّوايةُ بمثلِ ذلكَ عن الحسينِعليه‌السلام أنّه قالَ لأصحابِ ابنِ زيادٍ: « ما بالُكم »(٢) تَناصَرونَ عليَّ؟! أمَ واللهِ لَئنْ قتلتموني لَتَقتُلُنَ حجّةَ اللهِّ عليكم، لا واللهِ ما بينَ جَابَلْقَا وجَابَرْسَا ابنُ نبيٍّ احتجَّ اللّهُ به عليكم غيري »(٣) يَعني بَجابَلْقَا وجَابَرْسَا المدينتينِ اللتينِ ذكرَهما الحسنُ أخوهعليه‌السلام .

وكانَ من برهانِ كمالِهما وحجّةِ اختصاصِ اللهِ لهما - بعدَ الّذي ذكرْناه من مُباهلةِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما - بيعةُ رسولِ اللهِ لهما، ولم يُبايِعْ صبيّاً في ظاهرِ الحالِ غيرَهما، ونزولُ القرآنِ بإِيجابِ

__________________

الحسينعليه‌السلام -: ٨٣ / ١١٦، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ١٣١ و ١٣٢، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٢: ١٢١ مختصرأ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧٥ / ٤٣.

(١) أورد نحوه الصفار في بصائر الدرجات: ٣٥٩ / ٤ و ٥، والكليني في الكافي ١: ٣٨٤ / ٥.

(٢) في «م» وهامش «ش»: ما لكم.

(٣) انظر نحوه في الطبري ٣: ٣١٩، الكامل ٤: ٦٢.

٢٩

ثواب الجنّةِ لهما على عملِهما معَ ظاهر الطّفوليّةِ فيهما، ولم ينزلْ بذلكَ في مثلِهماَ، قالَ اللّهُ عزّ اسمُه في سورةِ هل أتى:( وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْنَاً ويَتِيْمَاً وأسِيْرَاً* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيْدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوْرَاً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمَاً عَبُوْسَاً قَمْطَرِيْرَاً * فَوَقَاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوْرَاً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوْا جَنَّةً وَحَرِيْر ) (١) فعمَّهما هذا القولُ معَ أبيهما وأمِّهماعليهم‌السلام ، وتضمَّنَ الخبرُ نُطقَهما في ذلكَ وضميرَهما الدّالّينِ على الآيةِ الباهرةِ فيهما، والحجّةِ العُظمى على الخلقِ بهما، كما تضمَّنَ الخبر عن نُطقِ المسيحعليه‌السلام في المهدِ وكانَ حُجَّةً لنًبُوَّته، واختصاصِه منَ اللّهِ بالكرامةِ الدّالّةِ على محلِّه عندَه في الفضلِ ومكانِه.

وقد صرّحَ رسول اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنّصِّ على إِمامتهِ وامامةِ أخيه من قبلهِ بقولهِ: « ابناي هذانِ إِمامانِ قاما أوقعدا» ودَلّت وصيّةُ الحسنِعليه‌السلام إِليه على إِمامتِه، كما دَلّتْ وصيّةُ أميرِ المؤمنينَ إِلى الحسنِ على إِمامتهِ، بحسبِ ما دَلّتْ وصيّةُ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله إِلى أميرِ المؤمنينَ على إِمامتهِ من بعدِه.

فصل

فكانتْ إِمامةُ الحسينِعليه‌السلام بعدَ وفاةِ أخيه بما قدّمناه ثابتةً، وطاعتُه - لجَميعِ الخلقِ - لازمة، وِإن لم يَدْعُ إِلى نفسِهعليه‌السلام

__________________

(١) الانسان ٧٦: ٨ - ١٢.

٣٠

للتّقيّةِ الّتي كانَ عليها، والهُدنةِ الحاصلة بينَه وبينَ معاوية بن أبي سفيانَ فالتزمَ الوفاءَ بها، وجرى في ذلكَ مجرى أَبيهِ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام وثبوتِ إِمامتهِ بعدَ النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله معَ الصّموتِ، وِامامةِ أخيه الحسنِعليه‌السلام بعدَ الهُدنةِ معَ الكفِّ والسُّكوتِ، وكانوا في ذلكَ على سنَن نبيِّ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الشِّعب محصورٌ، وعندَ خروجِه مهاجِرأ من مكّةَ مستخفِياً في الغار وهو من أعدائه مستورٌ.

فلمّا ماتَ معاويةُ وانقضتْ مُدَّةُ الهُدنةِ الّتي كانتْ تمنعُ الحسينَ ابنَ عليِّعليهما‌السلام منَ الدّعوةِ إِلى نفسه، أظهرَ أمرَه بحسب الأمكاَنِ، وأبانَ عن حقه للجاهلينَ به حالاً بحالٍ، إِلى أنِ اجتمع لهَ في الظاهر الأنصارُ. فدعاعليه‌السلام إِلى الجهادِ وشمّرَ(١) للقتالِ، وتوجّه بولدِه وأهلِ بيتهِ من حرَمِ اللّهِ وحرَمِ رسولهِ نحوَ العراقِ، للاستنصارِ بمن دعاه من شيعتهِ على الأعداءِ. وقدّمَ أمَامَهُ ابنَ عمِّه مُسلِمَ بنَ عقيلٍ - رضيَ اللهُ عنه وأرضاه - للدّعوةِ إِلى اللهِّ والبيعةِ له على الجهادِ، فبايَعه أهلُ الكوفةِ على ذلكَ وعاهدوه، وضَمِنُوا له النّصرةَ والنصّيحةَ ووَثَّقوا له في ذلكَ وعاقدوه، ثمّ لم تطُلِ المُدّةُ بهم حتّى نكثوا بيعتَه وخذلوه وأسلموه، فقُتِلَ بينهم ولم يمنعوه، وخرجوا إِلى الحسينعليه‌السلام فحصروه ومنعوه المسيرَفي بلادِ اللّهِ، واضطرُّوه إِلى حيث لا يَجِدُ ناصراً ولا مَهْرباً منهم، وحالوا بينَه وبينَ ماءِ الفُراتِ حتّى تمكَّنوا منه وقتلوه، فمضىعليه‌السلام ظَمآنَ مجاهداً صابراً

__________________

(١) في هامش «ش»: وتشمر.

٣١

محتسباً مظلوماً، قد نُكِثَتْ بيعتُه، واستُحِلَّتْ حرمتُه، ولم يُوفَ له بعهدٍ، ولا رُعيَتْ(١) فيه ذِمَّةُ عَقْدٍ، شهيداً على ما مضى عليه أبوه وأخوه عليهما أَفضل الصّلاةِ والرّحمةِ والتّسليمِ.

فصل

فمن مختصر الأخبارِ الّتي جاءتْ بسبب دعوتهعليه‌السلام وما أخذَه
على النّاسِ في الجهادِ من بيعتِه، وذكرِ جملةٍ منَ أمرِه وخروجِه ومقتلِه.

ما رواه الكَلبيُّ والمدائنيُّ وغيرُهما من أصحاب السِّيرةِ قالوا: لمّا ماتَ الحسنُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام تحرّكتِ الشِّيعةُ بالعراقِ وكتبوا إِلى الحسينِعليه‌السلام في خلعِِ معاويةَ والبيعةِ له، فامتنعَ عليهم وذكرَ أنّ بينَه وبينَ معاويةَ عهداً وعقداَ لا يجوزُ له نقضُه حتّى تمضِيَ المُدّةُ، فإِن ماتَ معاويةُ نظرَ في ذلكَ.

فلمّا ماتَ معاويةُ - وذلكَ للنِّصفِ(٢) من رجب سنة ستِّينَ منَ الهجرةِ - كتبَ يزيدُ إِلى الوليدِ بنِ عُتْبة بن أبي سفيانَ - وكانَ على المدينةِ من قِبَلِ معاويةَ - أن يأْخذَ الحسينَعليه‌السلام بالبيعةِ له، ولا يُرخِّصَ له في التّأخُّرِعن ذلكَ. فأنفذَ الوليدُ إِلى الحسينِعليه‌السلام في الليلِ فاستدعاه، فعَرفَ الحسينُ الّذي أرادَ فدعا جماعةً من مواليه وأمرَهم بحملِ السِّلاحِ، وقالَ لهم: « إِنّ الوليدَ قد

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: روعيت.

(٢) في هامش«ش» و «م»: في النصف.

٣٢

استدعاني في هذا الوقتِ، ولستُ آمَنُ أن يُكلِّفني فيه أمراً لا أُجيبُه إليه، وهو غيرُ مأْمونٍ، فكونوا معي، فإِذا دخلتُ إِليه فاجلِسوا على البابِ، فإِن سمعتم صوتي قد علا فادخُلوا عليه لتمنعوه منِّي.

فصارَ الحسينُعليه‌السلام إلى الوليدِ فوجدَ عندَه مروانَ بنَ الحكمِ، فنعى الوليدُ إِليه معاويةَ فاسترجعَ الحسينُعليه‌السلام ، ثم قرأ كتابَ يزيدَ وما أمرَه فيه من أخذِ البيعةِ منه له، فقالَ له الحسينُ: «إِنِّي لا أراكَ تَقنعُ ببيعتي ليزيدَ سرّاً حتّى أُبايعَه جهراً، فيعرف الناسُ ذلكَ » فقالَ الوليدُ له: أجل، فقالَ الحسينُعليه‌السلام : «فتصبحُ وترى ريكَ في ذلكَ » فقالَ له الوليدُ: انصرفْ على اسمِ اللّهِ حتّى تأْتينا معَ جماعةِ النّاسِ. فقالَ له مروانُ: واللهِ لئن فارقَكَ الحسينُ السّاعةَ ولم يُبايعْ لا قَدرت منه على مثلِها أبداً حتّى يكثرَ القتلى بينَكم وبينَه، احبسِ الرّجلَ فلا يخرج من عندِكَ حتّى يبايعَ أوتضربَ عنقَه. فوثبَ عندَ ذلكَ الحسينُعليه‌السلام وقالَ: «أنتَ - يا ابنَ الزّرقاءِ - تَقتلني أو هو؟! كذبتَ واللّهِ وأثمتَ » وخرجَ (يمشي ومعَه )(١) مواليه حتّى اتى منزلَه.

فقالَ مروان للوليد ِ: عصيتَني، لا واللهِ لا يُمكِّنكَ مثلَها مِن نفسِه أبداً، فقالَ الوليدُ: (الويح لغيرك )(٢) يا مروانُ إِنَّكَ اخترتَ لي الّتي فيها هلاكُ ديني، واللّهِ ما أُحِبُّ أنّ لي ما طلعتْ عليه الشّمسُ وغربتْ عنه من مالِ الدُّنيا وملكِها وأنّي قتلتُ حسيناً، سبحانَ اللهِّ! أقتلُ حسيناً أنْ

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: فمشى معه.

(٢) في هامش «ش» و «م»: ويح غيرك، وما أثبتناه من «ش» و «م» و «ح». قال العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٣٦٠: قال هذا تعظيماً له، أي لا اقول لك ويحك بل أقول لغيرك.

٣٣

قالَ لا أُبايعُ؟! واللهِ إنَي لأظنُّ أنّ امراً يُحاسبُ بدمِ الحسينِ خفيفُ الميزانِ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ. فقالَ له مروانُ: فإِذا كانَ هذا رأيك فقد أصبتَ فيما صنعتَ ؛ يقولُ هذا وهوغيرُ الحامدِ له في رأْيِه(١) .

فأقامَ الحسينُعليه‌السلام في منزلهِ تلكَ الليلَة، وهي ليلةُ السبتِ لثلاثٍ بَقِيْنَ من رجبِ سنةَ ستَينَ. واشتغلَ الوليدُ بنُ عُتْبةَ بمراسلةِ ابنِ الزُّبيرِ في البيعةِ ليزَيدَ وامتناعِه عليه. وخرجَ ابنُ الزُبيرِمن ليلتِه عنِ إلمدينةِ متوجِّهاً إِلى مكّةَ، فلمّا أصبحَ الوليدُ سرّحَ في أثرِه الرِّجالَ، فبعثَ راكباً من موالي بني أُمّيةَ في ثمانينَ راكباً، فطلبوه فلم يُدرِكوه فرجعوا.

فلمّا كانَ آخر (نهارِ يوم )(٢) السّبتِ بعثَ الرِّجالَ إِلى الحسينِ بنِ عليِّعليهما‌السلام ليحضرَ فيبايعِ الوليدَ ليزيد بن معاويةَ، فقالَ لهم الحسَينُ: «أصبِحوا ثمّ تَرَوْن ونرَى» فكفُّوا تلكَ الليلةَ عنه ولم يُلِحُّوا عليه. فخرجَعليه‌السلام من تحتِ ليلتِه - وهي ليلةُ الأحدِ ليومين بَقِيا من رجبٍ - متوجِّهاً نحوَ مكّةَ ومعَه بنوه واخوتُه وبنوأخيه وجُلُّ أهلِ بيتهِ إلّا محمّدَ بنَ الحنفيّةِ - رضوان اللهِ عليه - فإِنّه لمّا علمَ عزمَه على الخروجِ عنِ المدينةِ لَم يدْرِ أينَ يتوجّهُ، فقالَ له: يا أخي أنتَ أحبُّ النّاس إِليَّ وأعزُّهم عليَّ ولستُ أَدّخِرُ النّصيحةَ لأحدٍ منَ الخلقِ إِلا لكَ وأَنتَ أحقُّ بها، تَنَحَّ ببيعتِكَ عن يزيد بن معاويةَ وعنِ الأمصارِ ما استطعتَ، ثمّ ابعثْ رُسُلَكَ إِلى النّاسِ فادعُهم إِلى نفسِكَ، فإِن تابَعَكَ النّاسُ وبايَعوا لكَ حمدتَ اللهَّ على ذلكَ، وإن

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٣٣٩.

(٢) في هامش «ش»: النهار من يوم.

٣٤

أجمعَ النّاسُ على غيرِكَ لم يَنْقُصِ اللّهُ بذلكَ دينَكَ ولا عقلَكَ ولا تَذْهَب به مروءتُكَ ولا فضلُكَ ؛ إِنّي أخافُ أن تَدخلَ مصراً من هذه الأمصارِ فيختلف النّاسُ بينَهم فمنهم طائفةٌ معَكَ وأُخرى عليكَ، فيقتَتِلونَ فتكونُ أنتَ لأوّلِ الأسِنَّةِ، فإِذا خيرُهذه الأُمّةِ كلِّها نفساً وأباً وأُمّاً أضيعُها دماً وأذلُّها أهلاً، فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : «فأينَ أذهبُ يا أخي؟» قالَ: انزلْ مكّةَ فإِنِ اطمأنّتْ بكَ الدّارُ بها فسبيلُ ذلكَ، وِإن ( نَبَت بك )(١) لحقتَ بالرِّمالِ وشَعَفِ الجبالِ وخرجتَ من بلدٍ إِلى بلدٍ، حتّى تنظرَ ( ما يصيرُأمرُ النّاسِ إِليه )(٢) ، فإِنّكَ أصوبُ ما تكونُ رأياً حينَ تستقبَلُ الأمرَ استقبالاً. فقالَ: «يا أخي قد نصحتَ وأشفَقْتَ، وأرجو أن يكونَ رأْيُكَ سديداً موفّقاً».

فسارَ الحسينُعليه‌السلام إلى مكّةَ وهو يقرأ:( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفَاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّني مِنَ الْقَوْم الظَالِميْنَ ) (٣) ولزمَ الطّريقَ الأعظمَ، فقالَ له أهلُ بيتِه: لوتنكّبْتَ الطَّريقَ الأَعظمَ كما صنعَ(٤) اَبنُ الزُّبيرِلئلاّ يلحقَكَ الطّلبُ، فقالَ: «لا واللّهِ لا أُفارقُه حتّى يقضيَ اللّهُ ما هوقاضٍ ».

ولمّا دخلَ الحسينُ مكّةَ كانَ دُخُولُه إِليها(٥) ليلةَ الجمعةِ لثلاث مَضَيْنَ من شعبانَ، دخلهَا وهو يقرأُ:( وَلَمِّا تَوَجَّههَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قالَ

__________________

(١) نبت بك: أي لم تجد بها قراراً، ولم تطمئن عليها «انظر لسان العرب - نبا - ١٥: ٣٠٢».

(٢) في هامش «ش»: الى ما يصير امر الناس.

(٣) القصص ٢٨: ٢١.

(٤) في هامش «ش» و «م»: فعل.

(٥) في هامش «ش»: أياها.

٣٥

عَسَى رَبِّيْ أنْ يَهْدِيَنيْ سَوَاءَ السَّبِيْل ) (١) ثمّ نزلَها وأقبلَ أهلُها يختلفونَ إِليه، ومن كانَ بها من المعتمرينَ وأَهل الآفَاقِ، وابنُ الزُّبيرِ بها قد لزمَ جانبَ الكعبةِ فهو قائمٌ يصلِّي عندَها ويطوفُ، وياْتي الحسينَعليه‌السلام فيمن ياْتيه، فيأْتيه اليومينِ المتواليينِ وياْتيه بينَ كلِّ يومينِ مرّةً، وهو أثقلُ خلقِ اللهِّ على ابنِ الزُبيرِ، قد عرفَ أنّ أهلَ الحجازِ لا يُبايعونَه ما دامَ الحسينُعليه‌السلام في البلدِ(٢) ، وأنّ الحسينَ أطوعُ في النّاس منه وأجلُ.

وبلغَ أهل الكُوفةِ هلاك معاويةَ فأرجفوا بيزيدَ، وعَرفوا خبرَ الحسينِعليه‌السلام وامتناعَه من بيعتهِ، وما كانَ من ابنِ الزُّبيرِ في ذلكَ، وخروجهما إِلى مكّةَ، فاجتمعتِ الشِّيعةُ بالكوفةِ في منزلِ سُليمان ابن صُرَد، فذكروا هلاكَ معاويةَ فحمدوا اللهَ عليه، فقالَ سليمانُ: إِنّ معاويةَ قد هلكَ، وانّ حُسَيناً قد تَقَبَّضَ(٣) على القوم ببيعتِه، وقد خرجَ إِلى مكّةَ، وأنتم شيعتُه وشيعةُ أبيه، فإِن كنتم تعَلمونَ أنّكم ناصِروه ومجاهِدو عَدوِّه ( فاعلموه، وان خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل في نفسه، قالوا: لا، بل نقاتل عدوه، ونقتل انفسنا دونه، قال: )(٤) ؛ فكَتَبُوا:

بسمَ اللّهِ الرّحمنِ الرّحيمِ

للحسينِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام من سُليمان بن صُرد، والمسَيَّبِ

__________________

(١) القصص ٢٨: ٢٢.

(٢) في «م» وهامش «ش»: بالبلد.

(٣) تقبّض ببيعته: انزوى بها ولم يعطهم اياها «لسان العرب - قبض - ٧: ٢١٣».

(٤) في «ش» و «م»: بدل ما بين القوسين: ونقتل أنفسنا دونه.

٣٦

ابن نَجَبَةَ، ورِفاعة بن شدّادٍ، وحبيبِ بنِ مُظاهِر(١) ، وشيعتِه من المؤمنينَ والمسلمينَ من أهلِ الكوفةِ:

سلامٌ عليك، فإِنّا نحمدُ إِليكَ اللهَ الّذي لا إِلهَ إلّا هو.

أمّا بعدُ: فالحمدُ للّهِ الّذي قصمَ عدوَّكَ الجبّارَ العنيدَ، الّذي انتزى على هذهِ الأمّةِ فابتَزَها أمرَها، وغصبَها فيئَها، وتأمّرَ عليها بغيرِ رضىً منها، ثمّ قتلَ خيارَها واستبقى شِرارَها، وجعلَ مالَ اللّهِ دُوْلةً بينَ (جبابرتِها وأغنيائها )(٢) ، فبعُداً له كما بَعدَتْ ثمودُ. إِنّه ليسَ علينا إِمامٌ، فأقبِلْ لعلّ اللّهَ أن يجمعَنا بكَ على الحقِّ ؛ والنُّعمانُ بنُ بشيرٍ في قصرِ الأمارة لسْنا نجَمِّعُ معَه في جمعةٍ ولا نخرجُ معَه إِلى عيدٍ، ولوقد بَلَغَنا أنّكَ أَقبلتَ إِلينا أخرَجْناه حتّى نُلحقَه بالشّامِ إِن شاءَ اللّهُ.

ثمّ سرّحوا الكتابَ(٣) معَ عبدِاللهِ بنِ مِسْمَعٍ الهَمْدانيّ وعبدِاللّهِ ابنِ والٍ، وأمروهما بالنّجاءِ(٤) ، فخرجا مُسرِعَيْنِ حتّى قدما على الحسينِعليه‌السلام بمكّةَ(٥) ، لعشرٍ مَضَيْنَ من شهرِ رمضانَ.

(ولبثَ أهلُ الكُوفةِ يومينِ بعدَ تسريحِهم )(٦) بالكتاب، وأنفذوا قيسَ بنَ مُسْهِرٍ الصَّيْداويّ و (عبدَ الرّحمن بن عبدِ الله الأرحبّي )(٧) وعمارةَ

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: مظهَر.

(٢) في هامش «ش» و «م»: عتاتها واغنيائها.

(٣) في هامش «ش»: بالكتاب.

(٤) النجاء: السرعة « القاموس المحيط - نجو - ٤: ٣٩٣».

(٥) في «م» وهامش «ش»: مكة.

(٦) في «م» وهامش «ش»: ثم كتب أهل الكوفة بعد تسريحهم.

(٧) في النسخ الخطية: عبدالله بن شداد الأرحبي، وبعده بأسطر ذكره باسم عبد الرحمن

٣٧

ابنَ عبدٍ السّلوليّ إِلى الحسينِعليه‌السلام ومعَهم نحوٌ من مائةٍ وخمسينَ صحيفةً منَ الرّجلِ والاثنينِ والأربعةِ.

ثمّ لبثوا يومينِ آخرينِ وسرّحوا إِليه هانئ بنَ هانئ السّبيعيّ وسعيدَ بنَ عبدِاللهِّ الحنفيّ، وكتبوا إِليه: بسمِ اللهِّ الرّحمنِ الرّحيمِ، للحسينِ بنِ عليٍّ من شيعتهِ منَ المؤمنينَ والمسلمينَ.

أمّا بعدُ: فحيَّ هلا، فإِنّ النّاسَ ينتظرونَكَ، لا رأيَ لهم غيركَ، فالعجلَ العجلَ، ثمّ العجلَ العجلَ، والسلامُ.

وكتبَ شَبَثُ بنُ رِبعيّ وحجَّارُ بنُ أبجرَ ويزيدُ بنً الحارثِ بنِ رُوَيمٍ و (عروةُ بنُ قيسٍ )(١) ، وعمروبنُ الحجّاجِ الزّبيديّ و (محمّد بنُ عمرو التّيميّ )(٢) : أمّا بعدُ: فقد اخضرَّ الجَناب وأينعتِ الثِّمارُ، فإِذا شئتَ فاقدمْ على جُندٍ لكَ مجنَّدٍ، والسّلامُ.

وتلاقتِ الرُسّلُ كلًّها عندَه، فقرأ الكُتُبَ وسألَ الرّسلَ عنِ النّاسِ، ثمّ كتبَ معَ هانئ بنِ هانئ وسعيدِ بنِ عبدِاللّهِ وكانا آخرَ الرُّسُلَ:

__________________

ابن عبدالله الارحبي والمصادر مجمعة عليه انظر، (تاريخ الطبري ٥: ٣٥٢، انساب الاشراف للبلاذري ٣: ١٥٨، الفتوح لابن اعثم ٥: ٣٢، وقعة الطف لابي مخنف: ٩٢، تذكرة الخواص: ٢٢٠، وفي الاخبار الطوال: ٢٢٩: ابن عبيد.

(١) لم نجد في كتب الرجال عروة بن قيس، والظاهر ان الصحيح عزرة بن قيس، انظر تاريخ الطبري ٥: ٣٥٣، انساب الاشراف ٣: ١٥٨، وهو عزرة بن قيس بن عزية الاحمس البجلي الدهني الكوفي.

(٢) كذا في النسخ الخطية، ولم نجد له في كتب الرجال ترجمة، والظاهر ان الصحيح محمد بن عمير التميمي، انظر تاريخ ألطبري ٥: ٣٥٣، انساب الاشراف ٣: ١٥٨، وهو محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب الدارمي التميمي الكوفي، كان من اشراف أهل الكوفة، لسان الميزان ٣٣٠:٥، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ١٥١.

٣٨

« بسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحيمِ

منَ الحسينِ بنِ عليٍّ إِلى الملإِ منَ المسلمينَ والمؤمنينَ.

أمّا بعد: فإِنّ هانئاً وسعيداً قَدِما عليَّ بكتبكم، وكانا آخرَ من قدمَ عليَّ من رسلِكم، وقد فهمت كلَّ الّذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جُلِّكم: أنّه ليسَ علينا إِمامٌ فأقبلْ لعلّ اللّهَ أن يجمعَنا بكَ على الهدى والحقِّ. وإِنِّي باعثٌ إِليكم أخي وابنَ عمِّي وثقتي من أهلِ بيتي، فإِن كتبَ إِليَّ أنّه قدِ اجتمعَ رأيُ مَلَئِكم وذوي الحِجا والفضلِ (١) منكم على مثلِ ما قدمتْ به رُسُلُكم وقرأتُ في كُتُبِكم، أقدم عليكم وشيكاً إِن شاءَ اللّهُ. فَلعَمري ما الأمامُ إلأ الحاكمُ بالكتاب، القائمُ بالقسطِ، الدّائنُ بدينِ الحقِّ، الحابسُ نفسَه على ذَاتِ اللّهِ، والسّلامُ ».

ودعا الحسينُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام مسلمَ بنَ عقيلِ بنِ أَبي طالبِ رضيَ اللهُّ عنه فسرَّحَه معَ قيسِ بنِ مُسْهِرِ الصّيداويّ وعُمارة بن عبدٍ السَّلوليّ وعبدِ الرّحمنِ بنِ عبدِاللّهِ الأَرحبي، وأَمرَه بتقوى اللهِّ وكتمانِ أمرِه واللطفِ، فإِنْ رأَى النّاسَ مجتمعينَ مُسْتوسِقِينَ عَجَّلَ إِليه بذلكَ.

فأقبلَ مسلمٌ حتّى أَتى المدينةَ فصلّى في مسجدِ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وودعِ من أَحبَّ من أَهلِه ثمّ استأْجرَ دليلينِ من قيس،

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: الفضيلة.

٣٩

فأقبلا به يتنكّبانِ الطّريقَ، فضلاّ وأصابَهم عطشٌ شديدٌ فعجزا عنِ السّيرِ، فأومئا له إِلى سَنَنِ الطّريقِ بعدَ أنْ لاحَ لهما ذلكَ، فسلكَ مسلمٌ ذلكَ السَّنَنَ وماتَ الدّليلانِ عطشاً.

فكتبَ مسلم بنُ عقيلٍرحمه‌الله منَ الموضعِ المعروفِ بالمضيقِ معَ قيسِ بنِ مُسْهِرٍ: أمّا بعدُ: فإِنّني أقبلتُ منَ المدينةِ معَ دليلينِ لي فجارَا عنِ الطّريقِ فضلاّ واشتدَّ علينا(١) ، العطشُ فلم يلبثا أن ماتا، وأقبلْنا حتّى انتهينا إِلى الماءِ فلم نَنْجُ إلاّ بحُشاشةِ أَنفسِنا، وذلكَ الماءُ بمكانٍ يدعى المضيقَ من بطنِ الخَبْتِ(٢) ، وقد تطيَّرتُ من وجهي هذا، فإِنْ رأَيتَ أَعفيتَني منه وبعثتَ غيري، والسّلامُ.

فكتبَ إِليه الحسينُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام :

«أمّا بعدُ: فقد خَشيتُ (٣) أن لا يكونَ حَمَلَكَ على الكتابِ إِليَّ في الاستعفاءِ منَ الوجهِ الّذي وجّهتُك له إلاّ الجُبْنُ، فامضِ لوجهِكَ الّذي وجّهتُكَ له، والسّلامُ ».

فلمّا قرأَ مسلمٌ الكتابَ قالَ: أَمّا هذا فلستُ أتخوّفُه على نفسي. فأَقبلَ حتّى مرَّ بماءٍ لِطَيءٍ فنزلَ به ثمّ ارتحلَ منه، فإِذا رجلٌ يرمي الصّيدَ فنظرَ إِليه قد رمى ظَبْياً حينَ أشرفَ(٤) له

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: عليهما.

(٢) الخبت: ماء لقبيلة كلب «معجم البلدان - خبت - ٢: ٣٤٣».

(٣) في هامش «ش» و «م»: حسبت.

(٤) في هامش «ش» و «م»: اشرأبّ. ومعناه: مدّ عنقه لينظر. «الصحاح - شرب - ١: ١٥٤ ».

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563