الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد6%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181996 / تحميل: 9882
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

أَبوجعفرٍعليه‌السلام عنِ القائمِ بعدَه، فضرَبَ بيدِه على أَبي عبدِاللهِ وقالَ: «هذا واللهِّ قائمُ آلِ محمّدٍعليهم‌السلام »(١) .

وروى عليُّ بنُ الحَكَم، عن طاهرٍ - صاحب أبي جعفرٍعليه‌السلام - قالَ: كنتُ عندَه فأَقبلَ جعفرٌعليه‌السلام فقالَ أَبوجعفرٍعليه‌السلام : «هذا خيرُ البريّةِ»(٢) .

وروى يونسُ بنُ عبدِ الرّحمن، عن عبدِ الأعلى مولى آلِ سامٍ، عن أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام قالَ: «إِنَّ أَبيعليه‌السلام استودَعَني ما هناكَ، فلمّا حضرَتْه الوفاةُ قالَ: ادْعُ لي شهوداً، فدعوتُ أَربعةً من قُريشٍ، فيهم نافعٌ مولى عبدِاللهِ بنِ عمرَ، قالَ: اكتبْ: هذا ما أَوصى به يعقوبُ بنيه:( يَا بَنيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّيْنَ فلا تَمُوتُنَّ إِلاٌ وَأنْتمْ مُسْلِمُوْنَ ) (٣) وأَوصى محمّد بنُ عليٍّ إِلى جعفرٍ بنِ محمّدٍ وأَمرَه أَن يُكفِّنَه في بُردِهِ الّذي كانَ يُصلِّي فيه يومَ الجمعةِ، وأن يُعمِّمَهُ بِعِمامَتهِ، وأَن يُربِّعَ قبرَه ويرفعَه أَربعَ أَصابعَ، وأَن يَحُلَّ عنه أطمارَه(٤) عندَ دفنهِ، ثمّ قالَ للشُّهودِ: انصرفوا رحمَكم اللهُ، فقلتُ له: يا أَبت، ما كانَ في هذا بأَنْ يُشْهَدَ عليه؟ فقالَ: يا بُنِّي، كَرِهْتُ أَن تغْلَبَ، وأَن يُقالَ: لم يُوصَ إليه، فأَردتُ أَن تكونَ لكَ الحجّةُ »(٥) .

__________________

(١) الكافي ١: ٢٤٤ / ٧، واشار المسعودي اليه في اثبات الوصية: ١٥٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ١٣ / ٦.

(٢) الكافي ١: ٢٤٤ / ٤، ٥، الامامة والتبصرة: ١٩٩ / ٥٥، واشار اليه المسعودي في اثبات الوصية:١٥٥، عن فضيل بن يسار، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ١٣٠ / ٦.

(٣) البقرة ٢: ١٣٢.

(٤) في هامش «ش»: اطمار جمع طمر، وهو ثوب خلق.

(٥) الكافي ١: ٢٤٤ / ٨، مناقب ابن شهر آشوب ٤: ٢٧٨، الفصول المهمة: ٢٢٢، ونقله

١٨١

وأشباهُ هذا الحديثِ في معناه كثيرٌ، وقد جاءتِ الرِّوايةُ التي قدّمْنا ذِكرَها في خبرِ اللوحِ بالنّصِّ عليه منَ اللهِ تعالى بالإمامةِ(١) .

ثمّ الّذي قدّمْناه - من دلائلِ العقولِ على أَنّ الإمامَ لا يكونُ إِلّا الافضل(٢) - يدلُّ على إِمامتهِعليه‌السلام لظهورِ فضلِه في العلمِ والزُّهدِ والعملِ على كافّةِ إِخوتهِ وبني لم عَمِّه وسائرِ النّاسِ من أَهلِ عصره.

ثَم الّذيَ يَدلُ على فسادِ إِمامةِ مَنْ ليسَ بمعصومٍ كعصمةِ الأَنبياءِعليهم‌السلام وليسَ بكاملٍ في العلمِ، وظهور تعرِّي مَنْ سواه ممّنِ ادّعِيَ له الإمامةُ في وقتهِ عنِ العصمةِ، وقصورِهم عنِ الكمالِ في علمِ الدِّينِ ؛ يَدًلُّ على إِمامتهِعليه‌السلام ، إِذ لا بدَّ من إِمام معصومٍ في كلِّ زمانٍ، حَسَبَ ما قدّمْناه ووصفْناه(٣) .

وقد روى النّاسُ من اياتِ اللهِ الظاهرةِ على يدِه(٤) عليه‌السلام ما يَدلّ على إِمامتهِ وحقِّه، وبطلانِ مقالِ منِ ادّعى الإمامةَ لغيرهِ.

فمن ذلكَ ما رواه نقلةُ الآثارِ(٥) من خبرِه عليه وآبائه السّلامُ معَ المنصورِ لمّا أمرَ الرَّبِيعَ باحضارِ أَبي عبدِاللهِعليه‌السلام فأَحضرَه، فلمّا بَصُرَ به المنصورُ قالَ له: قتلَني اللهُ إن لم أَقتلْكَ، أَتلحِدُ في سلطاني

__________________

المجلسي في البحار ٤٧: ١٣ / ٩.

(١) تقدم في باب ذكر الامام علي بن الحسينعليه‌السلام - دلائل امامته - وكذا باب ذكر الامام الباقرعليه‌السلام - دلائل امامته - فراجع.

(٢ و ٣) تقدم في باب ذكر الامام علي بن الحسينعليه‌السلام ، دلائل امامته.

(٤) في هامش «ش»: يديه.

(٥) في «م» وهامش «ش»: الاخبار.

١٨٢

وتبغِيني الغوائلَ؟!

فقالَ له أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «واللهِ ما فعلتُ ولا أَردتُ، فإِن كانَ بلغَكَ فمن كاذب، (ولوكنتُ )(١) فعلت لقد ظُلِمَ يوسفُ فغَفرَ، وابتُليَ أَيّوبُ فصَبرَ، وأعطِيَ سليمانُ فشَكرَ، فهؤلاءِ أَنبياءُ اللهِ أليهم يرجعُ نَسبُكَ ».

فقالَ له المنصورُ: أجل، ارتفِعْ هاهنا، فارتفعَ ؛ فقالَ له: إِنّ فلانَ ابنَ فلانٍ أَخبرَني عنكَ بما ذكرتُ.

فقالَ: «أحضِرْه - يا أميرَ المؤمنينَ - ليوُاقِفَني على ذلكَ » فأُحضِرَ الرجل المذكورُ.

فقالَ له المنصورُ: أَنتَ سمعتَ ما حكيتَ عن جعفرٍ؟

قالَ: نعم ؛ فقالَ له أَبوعبدِاللهِعليه‌السلام : «فاستحلِفْه على ذلكَ ».

فقالَ له المنصورً: أَتَحْلِفُ؟

قالَ: نعم ؛ وابتدأ باليمينِ.

فقالَ له أبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «دَعْني - يا أميرَ المؤمنينَ - أُحَلِّفه أنا».

فقالَ له: افعَلْ.

فقالَ أَبو عبدِاللهِ للسّاعي: «قلْ: بَرِئْتُ مِنْ حَولِ اللهِ وقوّتهِ، والتجأْتُ إِلى حَولي وقوّتي، لقد فعلَ كذا وكذا جعفرٌ، وقالَ كذا وكذا جعفرٌ». فامتنعَ منها هُنَيْهةً ثمّ حلفَ بها، فما برحَ حتّى ضَرَبَ برِجلِه.

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: وان كنت.

١٨٣

فقالَ أَبوجعفرٍ: جًرُّوا برِجلِه، فأَخْرِجوه لعنَه اللهُ.

قالَ الرّبيعُ: وكنت رأَيتَ جعفرَ بنَ محمّدٍعليهما‌السلام حينَ دخلَ على المنصور يحرِّكُ شَفَتَيْه، فكلَّما حرّكَهما سكنَ غضبُ المنصور، حتّى أَدناه منه وقد رضيَ عنه. فلمّا خرجَ أبو عبدِاللهِعليه‌السلام من عندِ أَبي جعفرٍ اتّبعتهُ فقلتُ: إنّ هذا الرّجلَ كان من أَشدِّ النّاس غضباً عليك، فلمّا دخلتَ عليه دخلتَ وأَنتَ تُحرِّكُ شَفَتَيْكَ، وكلَما حرّكْتَهما سكنَ غضبهُ، فبأَيَ. شيءٍ كنتَ تحرِّكُهما؟ قالَ: «بدعاءِ جدِّي الحسينِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام » قلتُ: جُعلت فداكَ، وما هذا الدُّعاءُ؟ قالَ: «يا عُدّتي (عندَ شدّتي )(١) ، ويا غَوْثي عندَ كُربتي، احْرُسْني بعينِكَ الّتي لا تَنامُ، واكنُفْني برُكنِكَ الّذي لا يُرامُ ».

قالَ الرّبيع: فحفظتُ هذا الدُّعاءَ، فما نزلتْ بي شِدّةٌ قطُّ إِلا دعوتُ به ففُرِّجَ عنِّي.

قالَ: وقلتُ لجعفرِ بنِ محمّدٍ: لِمَ مَنَعْتَ السّاعيَ أَن يَحلفَ باللهِّ؟ قالَ: «كَرِهتُ أَنْ يَراهُ اللهّ يُوَحِّدهُ ويُمجِّدهُ فيَحلُم عنه ويُؤَخِّرَ عقوبتَه، فاستحلفتهُ بما سمعتَ فأَخذَه اللهُ أخذةً رابية »(٢) .

وروي أَنّ داوُدَ بنَ عليِّ بنِ عبدِاللهِ بن عبّاسٍ قَتلَ المُعلّى بن خُنَيْسٍ - مولى جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام - وأَخَذَ مالَه، فدخلَ عليه جعفرٌ وهو

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: في شدّتي.

(٢) رواه ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٢٥، باختلاف يسير، واشار الى الواقعة باختصار سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٣٠٩، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٥٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ١٧٤ / ٢١.

١٨٤

يَجُرُّ رداءه فقالَ له: «قتلتَ مولاي وأَخذتَ مالي، أَما علمتَ أَنّ الرّجلَ يَنامُ على الثُّكلِ ولا يَنامُ على الحَرب، أَما واللهِ لأدْعُوَنَّ الله عليكَ » فقالَ له داوُدُ: أَتَتَهدّدُنا(١) بدعائكَ؟ كالمستهَزئ بقولهِ. فرجعَ أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام إلى دارِه، فلم يَزلْ ليلَه كلَّه قائماً وقاعداً، حتّى إِذا كانَ السّحرُ سُمعَ وهو يقولُ في مُناجاتِه: «ياِذا القوة القوية، وياِذا المحال الشّديدِ، وياذا العزّةِ الّتي كلُّ خلقِكَ لها ذليلٌ، اكْفِني هذا الطّاغيةَ وانتقِمْ لي منه » فما كانَ إِلا ساعة حتّى ارتفعتِ الأصواتُ بالصِّياحِ وقيلَ: قد ماتَ داوُدُ ابنُ عليٍّ السّاعةَ(٢) .

وروى أَبو بصير قالَ: دخلتُ المدينةَ وكانتْ معي جويرية لي فأَصبت منها، ثمّ خرجتُ إِلى الحمّام فلقيتُ أَصحابَنا الشِّيعةَ وهم متوجِّهونَ إِلى جعفرِ ابنُ محمّدٍعليهما‌السلام فخِفتُ أَن يَسبقوني ويفوتَني الدُّخولُ إِليه، فمشيتُ معَهم حتّى دخلتُ الدّارَ، فلمّا مثلتُ بينَ يَدَيْ أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام نظرَ إِليَّ ثمّ قالَ: «يا أَبا بصيرٍ، أَما علمتَ أَنّ بيوتَ الأنبياءِ وأَولاد الأنبياءِ لا يَدخلُهُا الجُنُبُ » فاستحيَيْتُ وقلتُ له: يا ابنَ رسولِ اللهِّ، إِنِّيَ لقيتُ أَصحابَنا فخشيتُ أَن يفوتَني الدُّخولُ معَهم، ولن أَعودَ إِلى مثلِها ؛ وخرجتُ(٣) .

وجاءَتِ الرِّوايةُ عنه مُستفيضةً بمثلِ ما ذكرْناه منَ الآياتِ والإخبارِ بالغُيوب ممّا يطولُ تعدادُه.

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: أتُهدّدنا.

(٢) رواه مختصراً ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٢٦، وأشار الى نحوه الكليني في الكافي ٢: ٣٧٢ / ٥، وابن شهراشوب في المناقب ٤: ٢٣٠، والراوندي في الخرائج ٢: ٦١١ / ٧.

(٣) روى نحوه الصفار في بصائره: ٢٦١ / ٢٣، والطبري في دلائل الامامة: ١٣٧، وابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ٢٢٦.

١٨٥

وكانَ يقولُ عليه وعلى آبائه السّلامُ: «عِلْمُنا غابِرٌ ومزبور، ونَكْتٌ في القلوبِ، نَقرٌ في الأَسماعِ ؛ وانّ عندَنا الجَفْرَ الأحمرَ والجَفْرَ الأبيضَ ومُصحَفَ فاطمةَعليها‌السلام ، وانّ عندَنا الجامعةَ فيها جميعُ ما يَحتاجُ الناسُ إِليه ».

فسئلَ عن تفسيرهذا الكلام فقالَ: «أَمّا الغابرُ فالعلمُ بما يكونُ، وأَمّا المزبورُ فالعلمُ بما كانَ، وأمّا النّكتُ في القلوبِ فهوالإلهامُ، والنَقرُ في الأسماع حديث الملائكةِ، نَسمعُ كلامَهم ولا نرى أَشخاصَهم، وأَمّا الجفرُ الأَحمر فوعاء فيه سلاح رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ولن يظهرَ(١) حتّى يقوم قائمنا اهل البيتِ، وأَمّا الجفرُ الابيضُ فوعاءٌ فيه توراةُ موسى وإِنجيل عيسى وزبورُ داودَ وكُتُبُ اللهِ الأولى، وأَمّا مُصحَفُ فاطمةَعليها‌السلام ففيه ما يكونُ كل حادثٍ وأَسماءُ كلِّ من يَملكُ(٢) إِلى أَن تقومَ الساعة ؟ أَمّا ألجامعةُ فهي كتابٌ طولهُ سبعونَ ذراعاً، املاءُ رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله من َفلْقِ فِيْه وخطُّ عليِّ بنِ أَبي طالبٍعليه‌السلام بيدِه، فيه - واللهِّ - جميعُ ما يَحتاجُ النّاسُ إِليه إِلى يوم القيامةِ، حتّى انّ فيه أَرْش الخَدْشِ والجَلْدةَ ونصفَ الجَلْدة»(٣) .

وكانَ عليه وآبائه السّلامُ يقولُ: «حديثي حديثُ أَبي، وحديثُ أَبي حديثُ جدِّي، وحديثُ جدِّي حديثُ علي بنِ أَبي طالبٍ أَميرِ المؤمنينَ، وحديث علي أميرِ المؤمنينَ حديث رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: يخرج.

(٢) في هامش «ش» و «م»: ملك.

(٣) رواه مختصراً ألكليني في الكافي ١:٢٠٧ / ٣، والصفار في بصائر الدرجات: ٣٣٨ / ٢.

١٨٦

وحديثُ رسولِ اللهِ قولُ اللهِ عزّ وجلَّ »(١) .

وروى أَبو حمزةَ الثُّماليُّ، عن أَبي عبدِاللهِّ جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام قالَ: سمعتُه يقولُ: «أَلواحُ موسىعليه‌السلام عندَنا، وعصا موسى عندَنا، ونحن وَرَثَةُ النّبيِّينَ »(٢) .

وروى معاويةُ بنُ وهبِ، عن سعيدٍ السّمّانِ قالَ: كنت عندَ أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام إِذْ دخلً عليه رجلانِ منَ الزّيديّةِ فقالا له: أَفيكم إِمامٌ مفتَرَضٌ طاعته؟ قالَ: فقالَ: «لا» قالَ: فقالا له: قد أَخْبَرَنا عنكَ الثِّقاتُ أَنّكَ تقولُ به - وسمَوْا قوماً - وقالوا: هم أَصحاب وَرَعٍ وتشمير(٣) وهم ممّن لا يَكذِبُ؛ فغضبَ أَبو عبدِاللهِّعليه‌السلام وقالَ: «ما أَمرتُهم بهذا» فلمّا رأَيا الغضبَ في وجهِه خَرَجا.

فقالَ لي: «أتعرفُ هذينِ؟» قلت: نعم، هما منِ أَهلِ سُوقِنا، وهما منَ الزّيديّةِ وهما يَزعمانِ أَنّ سيفَ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله عندَ عبدِاللهِ بنِ الحسنِ بنِ الحسنِ فقالَ: «كذبا لعنَهما اللهُ، واللهِ ما راه عبدُالله ابن الحسنِ بعينيه ولا بواحدةٍ من عينيه، ولا راه أَبوه، اللهمَّ إِلا أَن يكونَ رآه عندَ عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام ، فإن كانا صادقينِ فما علامةٌ في مقبضهِ؟ وما أَثرُ في مضربِه؟ فإِنّ عندي لسيفَ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ عندي لدرعَ رسولِ اللهِ، وإنّ عندي لرايةَ رسولِ اللهِ ولامتَه ومغفره، فإِن كانا صادقَينِ فما علامةٌ في درعِ رسولِ اللهِ؟ وِانّ

__________________

(١) الكافي ١: ٤٢: ١٤.

(٢) الكافي ١: ١٨٠ / ٢، بصائر الدرجات: ٢٠٣ / ٣٢، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٧٦.

(٣) التشمير: الجدّ في الشيّء «الصحاح - شمر - ٢: ٧٠٣». وفي «ش» وهامش «م»: التمييز.

١٨٧

عندي لرايةَ رسولِ اللهِ المُغَلِّبةَ(١) ، وانّ عندي ألواحَ موسى وعصاه وِانّ عندي لخاتمَ سليمان بن داوُدَ، وِان عندي الطّستَ التي كانَ موسى يُقرِّب فيها القربانَ، وانّ عندي الاسمَ الّذي كانَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله إِذا وضعَه بينَ المسلمينَ والمشركينَ لم تَصِلْ منَ المشركينَ إِلى المسلمينَ نُشّابةٌ، وانّ عندي لمثلَ الّذي جاءتْ به الملائكة ؛ ومثلُ السِّلاح فينا كمثلِ التّابوتِ(٢) في بني إِسرائيلَ، كانتْ بنو إِسرائيلَ في أَيِّ بيتٍ وُجِدَ التّابوتُ على أَبواَبهم أُوتوا النُبوّةَ، ومَنْ صارَ إِليه السلاحُ منّا أُوتيَ الإمامةَ، ولقد لبسَ أَبَي درعَ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فَخطّتْ عليه الأرضَ خَطِيطاً ولبستُها أنا فكانت وكانتْ، وقائمُنا مَنْ إذا لبسَها ملأها إن شاءَ اللهُ »(٣) .

وروى عبدُ الأعلى بن أَعيَنَ قالَ: سمعتُ أبا عبدِاللهِّعليه‌السلام يقولُ: «عندي سلاحُ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله لا أُنازَعُ فيه ؛ ثمّ قالَ: إِنّ السلاحَ مدفوعٌ عنه(٤) ، لو وُضِعَ عندَ شرِّ خلقِ اللهِ كانَ خيرَهم. ثمّ قالَ: إِنّ هذا الأمرَ يصيرُ إِلى مَنْ يًلْوى له الحَنَكُ(٥) ، فإِذا كانتْ منَ اللهِ فيه المشيئةُ خرجَ، فيقولُ النّاسُ: ما هذا الّذي كانَ؟!

__________________

(١) ضبطناها كما في نسخة «ش» و «م»، وفي مرآة العقول: «المغلبة» اسم آلة من الغلبة كانها اسم احدى راياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٢) في هامش «ش»: قال الشيخ المفيدرحمه‌الله : يعني التابوت الذي جاءت به الملائكة الى طالوت.

(٣) الكافي ١: ١٨١ / ١، بصائر الدرجات: ١٩٤ / ٢.

(٤) في مرآة العقول: أي تدفع عنه الآفات.

(٥) في هامش «ش» و «م»: اي يُستحقر.

١٨٨

ويضعُ اللهُّ له يداً على رأْسِ رعيّتهِ »(١) .

وروى عُمَرُ بنُ أَبان قالَ: سأَلتُ أَبا عبدِاللهِعليه‌السلام عمّا يتحدّثُ النّاسُ أَنّه دُفِعَ إِلى أُمِّ سلمةَ - رضيَ اللهُ عنها - صحيفةٌ مختومةٌ فقالَ: «إِنّ رسولَ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قُبضَ ورثَ عليٌّعليه‌السلام علمَه وسلاحَه وما هناكَ، ثمّ صارَ إِلى الحسنَ، ثمّ صارَ إِلى الحسينِعليهما‌السلام ».

قالَ: فقلتُ: ثمّ صارَ إِلى علي بنِ الحسينِ، ثمّ إلى ابنهِ، ثمّ انتهى إليكَ؟
قالَ: «نعم »(٢) .

والأخبارُ في هذا المعنى كثيرةٌ، وفيما أَثبتْناه منها كفايةٌ في الغرضِ الّذي نَؤُمُّه إِن شاءَ اللهُّ.

__________________

(١) الكافي ١: ١٨٢ / ٢، بصائر الدرجات: ٢٠٤ / ٣٩.

(٢) الكافي ١: ١٨٣ / ٨، بصائر الدرجات: ٢٠٦ / ٤٥.

١٨٩

باب ذكر طرفٍ من أَخبارِ أَبي عبدِاللهِ جعفرِ بنِ محمّدٍ الصّادِقِ عليه السلامُ

وكلامهِ

وجدتُ، بخطّ أَبي الفرجِ عليِّ بنِ الحسينِ بنِ محمّدٍ الأصفهانيِّ في أَصلِ كتابِه المعروفِ بمقاتلِ الطّالبيِّينَ:

أَخبرَني عمر بنُ عبدِاللهِ العَتَكيّ قالَ: حدّثَنا عُمَرُ بنُ شبّةَ قالَ: حدّثَني الفضلُ بنُ عبدِالرّحمن الهاشميّ وابنُ داحةَ.

قالَ أَبو زيدٍ(١) ، وحدّثَني عبدُ الرّحمن بن عمرو بنِ جَبَلَةَ قالَ: حدّثَني الحسنُ بنُ أَيُّوبَ - مولى بني نُميرٍ - عن عبدِ الأَعلى بن أَعَينَ.

قالَ: وحدّثَني إِبراهيمُ بنُ محمّدِ بنِ أَبي الكرامِ الجعفريّ، عن أَبيه.

قالَ: وحدّثَني محمّدُ بنُ يحيى، عن عبدِاللهِّ بنِ يحيى.

قالَ: وحدّثَني عيسى بن عبدِاللهِّ بنِ محمّدِ بنِ عمر بن عليٍّ، عن أَبيه، وقد دخلَ حديثُ بعضِهم في حديثِ الآخرينَ:

أَنّ جماعةً من بني هاشمٍ اجتمعوا بالأبواءِ، وفيهم إِبراهيمُ بنُ محمّدِ بنِ عليِّ بنِ عبدِاللهِ بنِ العبّاسِ، وأَبو جعفرٍ المنصورُ، وصالحُ بنُ

__________________

(١) أبو زيد: هو عمر بن شبة كما في هامش «ش»، وقد عنونه في تاريخ بغداد ١١: ٢٠٨ وذكر ولادته في اول رجب سنة ١٧٣ ووفاته في جمادى الآخرة سنة ٢٦٢ هـ.

١٩٠

عليّ، وعبدُاللهِ بن الحسنِ، وابناه محمّدٌ وإبراهيمُ، ومحمّدُ بنُ عبدِالله بن عمرِوبنِ عُثمانَ ؛ فقالَ صالحُ بنُ عليٍّ: قد علمتم أَنّكم الّذين يَمدُّ النّاسُ إِليهم(١) أَعينَهم، وقد جمعَكم اللهُ في هذا الموضعِ، فاعقدوا بيعةً لرجلٍ منكم تُعطونَه إِيّاها من أَنفسِكم، وتَواثَقوا على ذلكَ حتّى يفتحَ اللهُ وهو خيرُ الفاتحينَ.

فحمدَ اللهَ عبدُالله بن الحسنِ وأثنى عليه ثمّ قالَ: قد علمتم أنّ ابني هذا هو المهديُّ، فهلَمّ فلنبايعْه.

قالَ أبو جعفر: لأيِّ شيءٍ تخدعونَ أنفسَكم؟ واللهِ لقد علمتم ما النّاسُ إِلى أحدٍ أصور(٢) أعناقاً ولا أسرع إِجابةً منهم إِلى هذا الفتى - يريد به محمّدَ بنَ عبدِاللهِ -.
قالوا: قد - واللهِ - صدقتَ، إِنّ هذا الّذي نعلمُ.

فبايعوا محمّداً جميعاً ومسحوا على يدِه.

قالَ عيسى: وجاءَ رسولُ عبدِاللهِ بنِ حسنٍ إِلى أبي: أنِ ائتِنا فإِنّا مجتمعونَ لأمرٍ، وأرسلَ بذلكَ إلى جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام .

وقالَ غير عيسى(٣) : إِنّ عبدَاللهِ بن الحسنِ قالَ لمن حضرَ: لا تُريدوا جعفراً، فإنّا نخافُ أن يُفسِدَ عليكم أمرَكم.

قالَ عيسى بن عبدِاللهِ بنِ محمّدٍ: ( فأرسلَني أبي أنظرُ ما اجتمعوا له، فجئتُهم )(٤) ومحمّدُ بنُ عبدِاللهِ يُصلِّي على طنفسةِ رحلٍ مَثْنيّةٍ فقلتُ لهم:

__________________

(١) في «ح » وهامش «ش»: اليكم.

(٢) الصّوَر: الميل. «الصحاح - صور - ٢: ٧١٦ ».

(٣) هو عبدالله الاعلى، كما صرح به في مقاتل الطالبيين.

(٤) في مقاتل الطالبيين هكذا: انظر الى ما اجتمعوا عليه، وارسل جعفر بن محمدعليه‌السلام ،

١٩١

أرسلَني أبي إِليكم أسأَلُكم لأيِّ شيءٍ اجتمعتم؟

فقالَ عبدُاللهِ: اجتمعْنا لنبايعَ المهديَ محمّدَ بنَ عبدِاللهِ.

قالَ: وجاءَ جعفرُ بنُ محمّدٍ فأَوسعَ له عبدُاللهِّ بن حسن إِلى جنبِه، فتكلّمَ بمثلِ كلامِه.

فقالَ جعفرٌ: «لا تَفْعلوا، فإِنّ هذا الامرَ لم يأْتِ بَعدُ، إِن كنتَ ترى - يعني عبدَاللهِ - أنّ ابنَكَ هذا هو المهديّ، فليسَ به ولا هذا أوانهُ، وان كنتَ إِنّما تريدُ أَن تخرِجَه غضباً للهِ وليأْمرَ بالمعروفِ وينهى عنِ المنكرِ، فإِنّا واللهِ لا نَدَعُكَ - وأنتَ شيخُنا - ونبايع ابنَكَ فَي هذا الأمرِ».

فغضبَ عبدُاللهِ وقالَ: لقد علمتُ خلافَ ما تقولُ، وواللهِ ما أَطْلَعَكَ الله على غيبِه، ولكنّه يَحْمِلُكَ على هذا الحسد لابْني.

فقالَ: «واللهِّ ما ذاكَ يَحمِلُني، ولكنْ هذا وِاخوتُه وأَبناؤهم دونَكمِ » وضربَ بيدِه على ظهرِ (أبي العبّاسِ )(١) ثمّ ضربَ بيدِه على كتفِ عبدِاللهِّ ابن حسنٍ وقالَ: «إِنّها - والله - ما هي إِليكَ ولا إِلى ابنَيْكَ ولكنّها لهم، وِانّ ابنيْكَ لمَقتولانِ » ثمّ نهضَ وتوكّأ على يدِ عبدِ العزيزِ بنِ عِمْرانَ الزُّهْريِّ فقالَ: «أَرأَيتَ صاحبَ الرِّداءِ الأصفرِ؟» يعني (أَبا جعفر )(٢) فقالَ له: نعم، فقالَ: «إِنّا واللهِّ نَجِدُه يَقتله» قالَ له عبدُ العزيزِ: أَيَقتِلُ محمّداً؟ قالَ: «نعم ».

فقلتُ في نفسي: حَسَدَه وربِّ الكعبةِ! قالَ: ثُمَّ واللهِ ما خرجتُ

__________________

محمد بن عبدالله الارقط بن علي بن الحسين فجئناهم الخ.

(١) في هامش «ش»: كأنه أبو العباس السفاح.

(٢) هو أبو جعفر المنصور.

١٩٢

منَ الدُّنيا حتّى رأَيتُه قَتَلَهما.

قالَ: فلمّا قالَ جعفرٌ ذلكَ ونهضَ القومُ وافترقوا، تَبعَه عبدُ الصّمدِ وأَبو جعفرٍ فقالا: يا أَبا عبدِاللهِ أَتقولُ هذا؟ قالَ: «نعم، أقولُه - واللهِ - وأَعْلَمُه ».

قالَ أَبو الفرج: وحدّثَني عليُّ بنُ العبّاسِ المَقانعيّ قالَ: أَخبرَنا بكّارُ بنُ أَحمدَ قالَ: حدّثَنا حسنُ بنُ حسينٍ(١) عن (عَنْبَسَة بن بجادٍ )(٢) العابدِ قالَ: كانَ جعفرُ بنُ محمّدٍعليهما‌السلام إِذا رأَى محمّدَ بنَ عبداللهِ ابن حسنٍ تَغَرْ غَرَتْ عيناه، ثمّ يقولُ: «بنفسي هو، إِنّ النّاسَ لَيقولونَ فيه، وإِنّه لَمقتولٌ، ليسَ هو في كتابِ عليٍّ من خلفاءِ هذه الأمّةِ»(٣) .

فصل

وهذا حديثٌ مشهورٌ كالّذي قبلَه، لا يَختلفُ العلماء بالأخبار في صحّتِهما، وهما ممّا يَدُلاّنِ على إمامةِ أبي عبدِاللهِ الصّادقِعليه‌السلام وأنّ المعجزاتِ كانتْ تظهرُ على يدِه لإخبارِه بالغائباتِ والكائناتِ قبلَ كونِها، كما كانَ يُخبرُ الأنبياءُعليهم‌السلام فيكونُ ذلكَ من اياتِهم وعلاماتِ

__________________

(١) كذا في «ش» و «ح »، وحكاه. في هامش «م» عن نسخة، وفي متنه: حسن، ومثله هامش «ش» وعليه علامة (س)، وهو تصحيف، والمراد منه هو الحسن بن الحسين العرني الذي مر في ص ١٧١ برواية بكّار بن أحمد عنه، انظر ترجمة العرني في رجال النجاشي: ٥١ / ١١١.

(٢) أثبتناه من «م» وهامش «ش» وهو محتمل «ح»، وفي «ش»: نجاد، وهو تصحيف، انظر ايضاح الاشتباه: ٢٤٧ / ٥٠١، رجال العلامة: ١٢٩ / ٣، رجال ابن دارد: ١٤٧ / ١١٥٤.

(٣) مقاتل الطالبيين: ٢٠٥ - ٢٠٨، ورواه مرة اخرى في ص ٢٥٣ - ٢٥٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٨٧ / ٥٣ و ٤٧: ٢٧٦ / ١٨.

١٩٣

نبوّتِهم وصدقهِم على ربِّهم عزَّ وجلَّ.

أَخبرَني أَبو القاسمِ جعفرُ بنً محمّدِ بنِ قولويه، عن محمّدِ بنِ يعقوبَ الكُليْنيَ، عن عليِّ بنِ إِبراهيم بن هاشمٍ، عن أَبيه، (عن جماعةٍ من رجالهِ )(١) ، عن يونس بن يعقوبَ قالَ: كنتُ عندَ أَبي عبدِاللهِ الصادقِعليه‌السلام فوردَ عليه رجلٌ من أَهلِ الشّام فقالَ له: إِنِّي رجلٌ صاحبُ كلامٍ وفقهٍ وفرائضَ، وقد جئت لمناظرةِ أَصحابِكَ؛ فقالَ له أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «كلامُكَ هذا من كلام رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله أَو من عندِكَ؟» فقالَ: من كلام رسولِ اللهِ بعضُه، ومن عندي بعضُه؛ فقالَ له أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «فأَنتَ إِذنْ شريكُ رسولِ اللهِ؟!» فقالَ: لا؛ قالَ: «فسمعت الوحيَ عنِ اللهِ؟ »قالَ: لا، قلَ: «فتَجبُ طاعتكَ كما تجَبُ طاعةُ رسولِ اللهِ؟ » قالَ: لا؟ فالتفتَ أَبوعبدِاللهِّعليه‌السلام إِليَّ فقالَ: «يا يونسَ بنَ يعقوبَ، هذا قد خَصَمَ نَفْسَه قبلَ أَن يتكلّمَ ».

ثمّ قالَ: «يا يونسُ، لوكنتَ تُحْسِنُ الكلامَ لكلّمْتَه ».

قالَ يونسُ: فيالهَا من حَسرة؛ ثمّ قلتُ:جُعِلْتُ فداكَ، سمعتُكَ تَنْهى عنِ الكلام وتقولُ: «ويلٌ لأصحابِ الكلام، يَقولونَ هذا يَنْقادُ وهذا لا يَنْقادُ، وهذاَ ينساق وهذا لا يَنْساقُ، وهذا نَعقِلُه وهذا لا نَعْقِلُه ».

فقالَ أَبو عبدِاللهِّعليه‌السلام : «إِنمّا قلتُ: ويلٌ لقومٍ تركوا قولي وذهبوا إِلى ما يُريدونَ ؛ ثمّ قالَ: اخرُجْ إِلى البابِ فانظُرْ مَنْ ترى منَ المتكلِّمينَ فأَدْخِلْه ».

__________________

(١) في الكافي: عمّن ذكره.

١٩٤

قالَ: فخرجتُ فوجدتُ حُمرانَ بنَ أَعْينَ - وكانَ يُحْسِنُ الكلامَ - ومحمّدَ بنَ النًّعمانِ الأحْوَلَ(١) - وكان متكلِّماً - وهِشامَ بنَ سالمٍ وقيسَ الماصرَ - وكانا متكلِّمَيْنِ - فأَدخلْتُهم عليه، فلمّا استقرَّ بنا المجلس - وكنّا في خيمةٍ لأبي عبدِاللهِعليه‌السلام على طرفِ جبلٍ في طرفِ الحرمِ، وذلكَ قبلَ الحجِّ بأَيّامٍ - أَخرجَ أَبو عبدِاللهِ رأْسَه منَ الخيمةِ، فإِذا هو ببعيرٍ يَخُبُ(٢) فقالَ: «هشامٌ وربِّ الكعبةِ».

قالَ: فظننّا أَنّ هِشاماً رجلٌ من ولدِ عقيلٍ كانَ شديدَ المحبّةِ لأبي عبدِاللهِ، فإِذا هشامُ بنُ الحكمِ قد وردَ، وهو أَوّل ما اختطّتْ لحيتُه، وليسَ فينا إِلّا من هوأَكبرُسنّاً منه، قالَ: فوسّعَ له أَبوعبدِاللهِعليه‌السلام وقالَ: « ناصِرُنا بقلبِه ولسانِه ويدِه ».

ثمّ قالَ لحُمرانَ: «كلِّم الرّجلَ » يعني الشّاميَّ، فكلّمَه حُمرانُ فظَهَرعليه.

ثمّ قالَ: «يا طاقيُّ كلِّمْه » فكلّمَه فظَهَرعليه محمّدُ بنُ النُّعمانِ.

ثمّ قالَ: «يا هشامَ بنَ سالمٍ كلِّمْه » فتعارفا.

ثمّ قالَ لقيسٍ الماصرِ: «كلِّمْه » فكلّمَه، وأَقبل أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام يتبسّمُ من، كلامِهما، وقدِ استخذلَ الشّاميُّ في يدِه.

ثمّ قالَ للشّاميِّ: «كلِّمْ هذا الغلامَ » يعني هشامَ بنَ الحكمِ.

فقالَ: نعم، ثمّ قالَ الشّاميُّ لهشامٍ: يا غلامُ، سَلْني في إِمامةِ

__________________

(١) في هامش «ش»: يعني مؤمن الطاق.

(٢) الخبب: ضرب من العدو، وخب الفرس إذا راوح بين يديه ورجليه. «الصحاح - خبب - ١: ١١٧».

١٩٥

هذا - يعني أَبا عبدِاللهِعليه‌السلام - فغَضبَ هشامٌ حتّى ارتعدَ(١) ثمّ قالَ له: أَخبِرْني يا هذا، أَربُكَ أَنظَرُ لخلقِه أَم هم لأنفسِهم؟

فقالَ الشّاميُ: بل ربّي أَنظرلخلقِه.

قالَ: ففعلَ بنظرِه لهم في دينِهم ماذا؟

قالَ: كلّفهم وأَقامَ لهم حجّةً ودليلاً على ما كلّفهم، وأَزاح في ذلكَ عللهم.

فقالَ له هشامٌ: فما الدّليلُ الّذي نَصَبَه لهم؟

قالَ الشّاميُّ: هو رسول اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قالَ له هشامٌ: فبعدَ رسولِ اللهِ مَنْ؟

قالَ: الكتابُ والسُّنّةُ.

قالَ له هشامٌ: فهل نَفَعَنا اليومَ الكتابُ والسُّنّةُ فيما اختلفْنا فيه، حتّى رفعَ عنّا الاختلاف ومَكّننا منَ الاتّفاقِ؟

قالَ الشّاميُّ: نعم.

قالَ له هِشامُ: فَلِم اخْتَلَفْنا نحن وأَنتَ، وجئتَنا منَ الشّامِ تُخالِفُنا وتزعمُ أَنّ الرّأْيَ طريقُ الدِّينِ، وأَنتَ مُقِرٌ بأنّ الرّأْيَ لا يَجمعُ على القولِ الواحدِ المُختلفين؟

فسكتَ الشّاميُّ كالمفكِّر.

__________________

(١) في «ش»: اُرْعِدَ، وما أثبتناه من «م» وهامش «ش» وهو موافق للكافي والاحتجاج ونسخة البحار.

١٩٦

فقالَ له أَبوعبدِاللهِّعليه‌السلام : «ما لَكَ لا تتكلّمُ؟»

قالَ: إن قلتُ إنّا ما اختلفْنا كابرتُ، وإن قلتُ إنّ الكتابَ والسُّنّةَ يَرْفَعانِ عنّا الاختلافَ أَبْطَلْتُ، لأنّهما يحتملانِ الوجوهَ، ولكن لي عليه مثل ذلكَ.

فقالَ أَبوعبدِاللهِ: «سَلْه تَجِدْه مَلِيّاً».

فقالَ الشّاميُّ لهشامٍ: مَنْ أَنْظَرُ للخلقِ، ربُّهم أَم أَنفسهم؟

فقالَ هشامٌ: بل ربُّهم أَنظرُ لهم.

فقالَ الشّاميُّ: فهل أَقامَ لهم من يَجمَعُ كلِمَتَهَم، ويَرفَعُ اختلافَهم، ويُبِّينُ لهم حقَهم من باطلِهم؟.

قال هشام: نعم.

قالَ الشّاميُّ: مَنْ هو؟

قالَ هشامٌ: أمّا في ابتداءِ الشّريعةِ فرسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأَمّا بعدَ النّبيِّعليه‌السلام فغيرهُ.

قالَ الشّاميُّ: ومَنْ هو غير النّبيِّعليه‌السلام القائمُ مَقامَه في حجّتِه؟

قالَ هشامٌ: في وقِتنا هذا أَم قبلَه؟

قالَ الشّاميُّ: بل في وقتِنا هذا.

قالَ هشامٌ: هذا الجالسُ - يعني أَبا عبدِاللهِّعليه‌السلام - الّذي تشدَّ إِليه الرِّحالُ، ويُخبرنُا بأَخبارِ السّماءِ، وراثةً عن أَبٍ عن جدٍّ.

١٩٧

قالَ الشّاميُّ: وكيفَ لي بعلمِ ذلكَ؟

قالَ هشامٌ: سَلَهْ عمّا بدا لكَ.

قالَ الشّاميُّ: قطعتَ عُذْري، فعليَّ السُّؤالُ.

فقالَ أبو عبدِاللهعليه‌السلام : «أَنا أكفِيكَ المسألةَ يا شاميُّ، أخبِركَ عن مسيركَ وسفرِكَ، خرجتَ يومَ كذا، وكانَ طريقُكَ كذا، ومررتَ على كذا، ومرَّ بكَ كذا».

فأَقبلَ الشّاميُّ كلّما وَصفَ له شيئأ من أَمرِه يقولُ: صدقتَ واللهِّ.

ثمّ قالَ له الشّاميُّ: أَسلمتُ للهِ السّاعةَ.

فقالَ له أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «بل آمنتَ باللهِّ السّاعةَ، إِنَ الإسلامَ قبلَ الإيمانِ، وعليه يتوارثونَ ويتناكحونَ، والإيمان عليه يُثابونَ ».

قالَ الشّاميُ: صدقتَ، فأَنا السّاعةَ أَشهدُ أَن لا إِلهَ إلا اللهُ وأَنّ محمّداً رسولُ اللهِ وأنكَ وصيُّ الأوصياءِ.

قالَ: فأَقبلَ أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام على حُمران بن أَعيَنَ فقالَ: «يا حُمرانُ، تُجْرِي الكلامَ على الأثَرِ فتُصيبُ ».

والتفَت إِلى هِشامِ بنِ سالمٍ فقالَ: «تُريدُ الأثَرَ ولا تَعْرِفُ ».

ثمّ التفتَ إِلى الأحولِ فقالَ: «قَيّاسٌ رَوّاغٌ(١) ، تَكسرُ باطلاًً بباطلٍ، إِلا أَنّ باطلَكَ أَظهرُ».

__________________

(١) راغ الثعلب: ذهب يمنةً ويسرةً في سرعة خديعةً، فهولا يستقرفي جهة «مجمع البحرين - راغ - ٥: ١٠».

١٩٨

ثمّ التفتَ إِلى قَيْسٍ الماصِر فقالَ: «تُكَلِّمُ وأَقربُ ما تكونُ منَ الخبرِعنِ الرّسولِصلى‌الله‌عليه‌وآله أَبعدُ ما تكونُ منه، تَمْزِجُ الحقَّ بالباطلِ، وقليلُ الحقِّ يكفي من كثيرِ الباطلِ، أَنتَ والأحولُ قَفّازانِ حاذقانِ ».

قالَ يونسُ بنُ يعقوبَ: فظننتُ واللهِ أَنّه يقولُ لهشامٍ قريباً ممّا قالَ لهما، فقالَ: «يا هشامُ، لا تكاد تَقَع، تَلْوِي رجلَيْكَ، إِذا هَمَمْتَ بالأرضِ طِرْتَ، مثلُكَ فليُكَلِّمِ النّاسَ، اتّقِ الزّلّةَ، والشّفاعةُ من ورائكَ »(١) .

فصل

وهذا الخبرُمعَ ما فيه من إثباتِ حجّةِ النّظر ودلالةِ الإمامةِ، يتضمنُ منَ المعجزِ لأبي عبدِاللهِعليه‌السلام بالخبرِ عنِ الغائبِ مثلَ الّذي تضمّنَه الخبرانِ المتقدِّمانِ، ويوافقُهما في معنى البرهان.

أخبرَني أَبو القاسمِ جعفرُ بنُ محمّدٍ القميّ، عن محمّدِ بنِ يعقوبَ الكُلينيِّ، عن عليِّ بن إِبراهيمِ بن هاشمٍ، عن أَبيهِ، عنِ العبّاسِ بنِ عمرٍو(٢) الفقيميِّ: أَنَّ ابنَ أَبي العوجاءِ وابنَ طالوتَ وابنَ الأعمى وابنَ

__________________

(١) الكافي ١: ١٣٠ / ٤، وذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٢٤٣، وروى الطبرسي في الاحتجاج: ٣٦٤، مثله ؟ ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ٢٠٣ / ٧.

(٢) كذا في نسخة البحار والمطبوع، وفي النسخ الثلاث: عُمَرَ بدل عمرو، وفي «م»: العباس عن عمر الفقيمي، والظاهر صحة ما اثبتناه، انظر: توحيد الصدوق: ٦٠، ١٠٤، ١٤٤، ١٦٩، ٢٤٣، ٢٩٣، معاني الأخبار: ٨، ٢٠، الكافي ١: ٨٠، ١٠٨، وان كان في ص ١٦٨ منه: العباس بن عمر الفقيمي، لكن حكى عن الطبعة القديمة (ابن عمرو). لاحظ معجم رجال الحديث ٩: ٢٣٧.

١٩٩

المقفع، في نفرٍ منَ الزنادقةِ، كانوا مجتمعينَ في الموسمِ بالمسجدِ الحرامِ، وأَبو عبدالله جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام فيه إِذ ذاكَ يُفتي النّاسَ، ويُفسِّرُ لهم القرآن، ويجيبُ عنِ المسائل بالحججِ والبيِّناتِ.

فقالَ القومُ لابنِ أَبي العوجاءِ: هل لكَ في تغليطِ هذا الجالسِ وسؤاله عمّا يفضحُه عندَ هؤلاءِ المحيطينَ به؟ فقد ترى فتنةَ النّاسِ به، وهو عَلامةُ زمانهِ، فقالَ لهم ابنُ أبي العوجاءِ: نعم؛ ثمّ تقدّمَ ففرّقَ النّاسَ وقالَ: أَبا عبدِاللهِ، إِنّ المجالسَ أَماناتٌ، ولا بدَّ لكلِّ مَنْ كانَ به سُعالٌ أَن يَسْعَلَ؛ فتأْذن في السُّؤالِ؟

فقالَ له أَبوعبدِاللهِعليه‌السلام : «سَلْ إِن شئتَ ».

فقالَ له ابنُ أَبي العوجاءِ:إِلى كم تَدُوسونَ هذا البَيْدَرَ، وتَلوذونَ بهذا الحَجَر، وتَعبدونَ هذا البيتَ المرفوعَ بالطُّوْب والمَدَرِ، وتُهَرْولونَ حولَه هَرْوَلَةَ البعيرِ إِذا نفرَ؟! من فكّرَ في ذلكَ(١) وقَدّر، عَلِمَ أَنّه فعلُ غيرِ حكيمٍ ولا ذي نظرٍ؛ فقُلْ فإِنّكَ رأْسُ هذا الأمرِ وسنامُه، وأَبوك أُسُّه ونظامُه.

فقالَ له الصّادقُ عليهِ وآبائه السلامُ: «إِنّ مَنْ أضلَّه اللهُ وأَعمى قلبَه استوْخَمَ الحقَّ فلم يَسْتَعْذِبْه، وصارَ الشّيطانُ وليَّه وربٌه، يُورِده مَناهلَ الهَلَكةِ، وهذا بيتٌ استعبدَ اللهُّ به خلقه ليختبرَ طاعتَهم في إتيانه، فحثَّهم على تعظيمِه وزيارتِه، وجعلَه قبلةً للمصلِّينَ له، فهو شُعبةٌ من رضوانِه، وطريقٌ يؤدِّي إِلى غُفرانهِ، منصوبٌ على استواءِ الكمالِ ومجمع العظمةِ والجلالِ، خَلقَه قبلَ دَحْوِ الأرضِ بأَلْفَيْ عامٍ، فأَحقُّ مَنْ

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: هذا.

٢٠٠

أُطِيعَ فيما أَمرَ وانْتُهِيَ عمّا زَجَرَ، اللهًّ عزَّ وجلَّ المنشىءُ للأرواحِ والصُّورِ».

فقالَ له ابنُ أَبي العوجاءِ: ذكرتَ - أَبا عبدِاللهِّ - فأَحَلْتَ على غائِبٍ.

فقالَ الصّادقُعليه‌السلام : «كيفَ يكونُ - يا ويلَكَ - عَنَّا غائباً من هو معَ خلقِه شاهدٌ، وِاليهم أقربُ من حبلِ الوريدِ؟! يسمعً كلامَهم ويعلمُ اسرارَهم، لا يخلو منه مكانٌ، ولا يشتغل به مكانٌ، ولا يكونُ إِلى مكانٍ أَقربَ من مكانٍ، تشهدُ له بذلكَ آثارُه، وتدلُّ عليه أَفعالهُ، والّذي بعثَه بالآياتِ المُحكَمةِ والبراهينِ الواضحةِ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله جاءَنا بهذه العبادةِ، فإِن شككتَ في شيءٍ من أَمرِه فاسأَل عنه أُوْضِحْه لكَ ».

قالَ: فأَبلسَ ابنُ أَبي العوجاءِ ولم يَدرِ ما يقولُ، فانصرفَ من بينِ يديه، وقالَ لأصحابه: سأَلتكُم أَن تلتمسوا لي خُمرة فالقَيتموني على جَمرةٍ، قالوا له: اسكَتْ، فواللهِّ لقد فَضَحْتَنا بِحَيْرتِكَ وانقطاعِكَ، وما رأَيْنا أحقرَ مِنكَ اليومَ في مجلسِه ؛ فقالَ: أَلي تَقولونَ هذا؟! إِنه ابنُ من حلقَ رؤوسَ من تَرَوْنَ، وأَومأ بيدِه إِلى أَهلِ الموسم(١) .

وُرويَ: أنّ أبا شاكرِ الدّيصانيّ وقفَ ذاتَ يومٍ في مجلسِ أَبي عبدِاللهِعليه‌السلام فقالَ له: إِنّكَ لأحدُ النجُّومِ الزّواهرِ، وكانَ آباؤكَ بُدوراً بَواهِرَ، وأُمّهاتكَ عقيلاتٍ عَباهِرَ(٢) ، وعُنصرُكَ من أَكرمِ العناصرِ، وإذا

__________________

(١) روى الكليني قطعة منه في الكافي ٤: ١٩٧ / ١، والصدوق في الامالي: ٤٩٣ / ٤، والعلل: ٤٠٣ / ٤، والطبرسي في الاحتجاج: ٣٣٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ١٠: ٢٠٩ / ١١.

(٢) ألعبهرة:هي المرأة التى جمعت الحُسْن والجسم والخُلق «لسان العرب - عبهر - ٤: ٥٣٦».

٢٠١

ذُكِرَ العلماءُ فبكَ ثَنْيُ الخناصِرِ(١) خَبِّرنا أَيُّها البحرُ الزّاخرُ، ما الدّليل على حدوث(٢) العالم َ؟

فقالَ أَبو عبدِاللهِّعليه‌السلام : «مِنْ أقرب الدّليلِ على ذلكَ ما أَذكرهُ لكَ ؛ ثمّ دعا ببيضةٍ فوضعَها في راحتهِ وقالَ: هذا حصنٌ مَلمومٌ، داخله غِرْقيءٌ(٣) ، رقيقٌ، تُطيفُ به كالفضّةِ السّائلةِ والذّهبةِ المائعةِ، أَتشكُّ في ذلكَ؟

قالَ أَبو شاكرٍ: لا شكَّ فيه.

قالَ أَبوعبدِاللهِّعليه‌السلام : «ثمّ إِنّه يَنْفَلقُ عن صورةٍ كالطّاووسٍ، أَدَخَلَه شيءٌ غيرُما عرفتَ؟».

قالَ: لا.

قالَ: «فهذا الدّليلُ على حَدَثِ العالمِ ».

فقالَ أَبو شاكرٍ: دَلَلْتَ - أَبا عبدِاللهِّ - فأَوضحتَ، وقلتَ فأحسنتَ، وذكرتَ فأَوجزتَ، وقد علمتَ أَنّا لا نَقبلُ إِلّا ما أَدركْناه بأَبصارِنا، أَو سمعْناه بآذانِنا، أَوذقناه بأَفواهِنا، أَو شممنْاه بأُنوفِنا، أَو لمسْناه ببشرتِنا.

فقالَ أَبو عبدِاللهِّعليه‌السلام : «ذكرتَ الحواسَّ الخمسَ وهي لا

__________________

(١) ثني الخناصر: بفلان تثنى الخناصر أي تُبتدأ به اذا ذكر أشكاله. «لسان العرب - خنصر - ٤: ٢٦١ ».

(٢) في «ش» و «م»: حَدَثَ، وما في المتن من نسخة «ح ».

(٣) الغرقئ: قشر ألبيض الرقيق الذي تحت القشر الصلب «الصحاح - غرقا - ١: ٦١ ».

٢٠٢

تنفعُ فِى الاستنباطِ إِلّا بدليلٍ، كما لا تقطعُ الظُّلمةُ بغيرِ مصباح »(١) يُريدُعليه‌السلام أَنّ الحواسَّ بغيرِعقلٍ لا تُوصِلُ إِلى معرفةِ الغائباتِ، وأَنّ الّذي أراه من حُدوثِ الصُّورةِ معقولٌ ِبنيَ العلمُ به على محسوسٍ.

فصل

وممّا حُفِظَ عنهعليه‌السلام في وجوبِ المعرفةِ باللهِّ تعالى وبدينهِ، قولُه: «وجدتُ علمَ النّاسِ كلِّهم في أَربعٍ: أَوّلها: أَنْ تَعرفَ ربَّكَ ؛ والثّاني: أَن تَعرفَ ما صَنعَ بكَ ؛ والثّالثُ: أَن تَعرفَ ما أَرادَ منكَ ؛ والرّابعُ: أَن تعرفَ ما يُخرجًكَ عن دينكَ »(٢) .

وهذه أقسامٌ تُحيط بالمفروضِ منَ المعارفِ، لأنه أَوِّلُ ما يجبُ على العبدِ معرفةُ ربَه - جلَّ جلالُه - فإِذا علمَ أَنّ له إِلهاً، وجبَ أَن يَعرفَ صُنعَه إِليه، فإِذا عرفَ صُنعَه عرفَ به نعمتَه، فاذا عِرفَ نعمتَه وجبَ عليه شكرُه، فإِذا أَراد تأْديةَ شُكرِه، وجبَ عليه معرفةُ مُرادِه ليُطِيعَه بفعلِه، واذا وجبَ عليه طاعته، وجبَ عليه معرفةُ ما يخرجه من دينهِ ليجتنبَه فتَخْلُص له طاعة ربِّه وشُكرُ إِنعامِه.

__________________

(١) رواه الصدوق في التوحيد: ٢٩٢ / ١، باختلاف يسير، وروى الكليني قطعة منه في الكافي ١: ٦٣ / ذيل ح ٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ١٠: ٢١١ / ١٢.

(٢) الكافي ١: ٤٠ / ١١، الخصال: ٢٣٩ / ٨٧.

٢٠٣

فصل

وممّا حفظ عنهعليه‌السلام في التّوحيدِ ونفيِ التّشبيهِ قولهُ لهشام بنِ الحكمِرحمه‌الله : «إِنَّ اللهَّ لا يشبهُ شيئاً ولا يُشْبِهُه شيءٌ، وكلُّ ماوقعَ في الوهمِ فهو بخلافهِ »(١) .

فصل

وممّا حفِظُ عنهعليه‌السلام من موجزِ القولِ في العدلِ قولُه لزُرارة بن أَعْينَرحمه‌الله : «يا زرارةُ، أُعطيكَ جملةً في القضاءِ والقَدَرِ».

قالَ له زرارة: نعم، جُعِلْتُ فداكَ.

قالَ له: «إِنّه إِذا كانَ يومُ القيامةِ وجمعَ اللهُّ الخلائقَ سأَلهم عمّا عَهِدَ إِليهم ولم يسأَلْهم عمّا قضى عليهم »(٢) .

فصل

وممّا حُفِظَ عنهعليه‌السلام في الحكمةِ والموعظةِ قولُه: «ما كُلُّ مَنْ

__________________

(١) توحيد الصدوق: ٨٠ / ذح ٣٦، عن المفضل بن عمر.

(٢) توحيد الصدوق: ٣٦٥ / ٢، إعتقادات الصدوق: ٧١، وفيهما من قوله: اذا كان يوم

٢٠٤

نَوى شيئاً قَدرَعليه، ولا كل مَنْ قَدرَ على شيءٍ وُفقَ له، ولا كلّ مَنْ وُفِّقَ أصابَ له مَوْضِعاً، فإِذا اجتمعتِ النِّيّةُ والقُدرةُ والتّوفيق والإصابةُ فهنالكَ تمّتِ السّعادةُ»(١) .

فصل

وممّا حُفِظَ عنهعليه‌السلام في الحثِّ على النّظرِ في دينِ الله، والمعرفةِ لأولياءِ اللهِ، قولُهعليه‌السلام : «أحسِنوا النّظرَ فيما لا يَسَعُكم جَهْلهُ، وانْصَحُوا لأنفسِكم وجاهِدوها(٢) في طلب معرفةِ ما لا عُذْرَ لكم في جهلهِ، فإِنّ لدينِ اللهِ أركاناً لا يَنفعُ مَنْ جَهِلَهَا شِدّةُ اجتهادِه في طلب ظاهرِ عبادتِه، ولا يَضُرُّ مَنْ عَرفَها فدانَ بها حسنُ اقتصادِه، ولا سبيلَ لأحدٍ إِلى ذلكَ إِلا بعونٍ منَ اللهِّ عزَ وجلَّ »(٣) .

فصل

وممّا حُفِظَ عنهعليه‌السلام في الحثِّ على التّوبةِ قولُه: «تاْخيرُ التّوبةِ اغترارٌ، وطولُ التّسويفِ حَيْرَةٌ، والاعتلالُ على اللهِ هلكة، والإصرارُ على الذّنبِ أَمن لمكرِ اللهِ، ولا يأْمنُ مكرَ الله إلا القومُ

__________________

القيامة ...

(١) الفصول المهمة لابن الصباغ: ٢٢٨.

(٢) في هامش «ش» و «م»: وجاهدوا.

(٣) كنز الفوائد ٢: ٣٣.

٢٠٥

الخاسرون »(١) .

والأخبارُ فيما حُفِظَ عنهعليه‌السلام منَ العلمِ والحكمةِ والبيانِ والحجّةِ والزهدِ والموعظةِ وفنونِ العلمِ كلِّه، أكثرُمن أَن تُحصى بالخطاب أَو تُحْوى بالكتاب، وفيما أَثبتْناه منه كفايةٌ في الغرضِ الّذي قصدْناه، واللهُ الموفِّقُ للصّوابِ.

فصل

وفيهعليه‌السلام يقولُ السّيِّدُ ابنُ محمّدٍ الحِمْيرَيّرحمه‌الله وقد رجعَ عن قولهِ بمذهب الكيْسانيةِ(٢) ، لمّا بلغَه إِنكارُ أبي عبدِاللهعليه‌السلام مقالَه، ودعاؤه له إِلى القولِ بنظام الإمامةِ:

يَا رَاكِباً نَحْوَ المَدِيْنَةِ جَسْرَةً(٣)

عُذَافِرَةً(٤) (يَطويْ بهَا)(٥) كُلّ سَبْسَب(٦)

إِذا مَا هَدَاكَ اللهُ عَايَنْت جَعْفَراً

فَقُلْ لِوَليِّ اللهِ وابْنِ المُهَذَّبِ

أَلا يَا وَليّ اللهِّ وابْنَ وَلِيِّه

أَتُوْبُ إِلَى الرحْمانِ ثُم تأوّبيْ

إِلَيْكَ مِنً الذَّنْبِ الّذِيْ كُنْتُ مُطْنِبَاً

أجَاهِدُ فِيْهِ دَائِبَاً كُلّ مُعْرِبِ

__________________

(١) الفصول المهمة: ٢٢٨.

(٢) الكيسانية: هم القائلون بامامة محمد بن الحنفية، وانه وصي الامام علي بن أبي طالبعليه‌السلام . «فرق الشيعة: ٢٣ ».

(٣) الجسرة: العظيمة من الابل. «الصحاح - جسر - ٢: ٦١٣».

(٤) العذافرة: العظيمة الشديدة من الابل. «الصحاح - عذفر - ٢: ٧٤٢».

(٥) في هامش «ش»: تطوي له.

(٦) السبسب: المفازة أو البادية «الصحاح - سبب - ١: ١٤٥ ».

٢٠٦

وَمَا كانَ قَوليْ في (ابْنِ خَوْلَة)(١) دَائِبَاً

مُعَانَدَةً مِنِّيْ لِنَسْلِ المُطيّبِ

وَلكِنْ رَوَيْنَاَ عَنْ وَصِيِّ مُحمَّدٍ

وَلَمْ يَكُ فِيْمَا قَالَ بالْمُتَكَذّبِ

بِأنَّ وَليَّ الأمْرِ يُفْقدُ لا يُرى

سنِيْنَ كَفِعْلِ الخائف المُتَرَقًّب

فَتُقْسَمُ اَمْوَالُ الْفَقِيْد كأنَّمَا

تَغَيُّبَه(٢) بَيْنَ الصفيح المُنَصَّبَ

فَإِنْ قُلْتَ: لا، فَالْحَقُّ قوْلُكَ وَالَّذِيْ

تَقُوْلُ فَحَتْمٌ غَيْرُ مَا مُتَغَضّبِ(٣)

وُأشْهِد رَبِّيْ أَنَ قوْلَكَ حُجَّةٌ

عَلَى الْخَلقِ طُرَّاً مِنْ مُطِيْعٍ وُمُذْنِبِ

بأَنَّ وَلِيَّ الأمْرِ وَالْقَائِمَ الَّذِيْ

تَطَلُّعُ نَفْسِيْ نَحْوَهُ وَتَطَربيْ

لهُ غَيْبَةٌ لا بُد أَنْ سيغيبها

فَصلَّى عَلَيْهِ اللهُّ مِنْ مُتَغَيِّب

فَيَمْكُثُ حِيْنَاً ثُمّ يَظْهَرُ أَمْرُهُ

فَيَمْلأ عَدْلا كُلَّ شرقٍ وَمَغْرِبِ(٤)

وفي هذا الشَعرِ دليلٌ على رجوعِ السّيِّدِرحمه‌الله عن مذهبِ

__________________

(١) في هامش «ش»: محمد بنِ الحنفية - رحمة الله عليه -.

(٢) في هامش «ش» و «م»: نغيّبه.

(٣) في هامش «ش»: متعصّب.

(٤) روى الصدوق هذه القصيدة في إكمال الدين: ٣٤، باضافة خمسة ابيات بعد قوله: تغيبه بين الصفيح المنصب:

فيمكث حيَناً ثم ينبع نبعةً

كنبعة جدي من الافق كوكب

يسير بنصر الله من بيت ربه

على سؤدد منه وأمر مسبب

يسير الى اعدائه بلوائه

فيقتلهم قتلاً كحران مغضب

فلما رَوى ان ابن خولة غائب

صرفنا اليه ‌قولنا لم نكذب

وقلنا هوالمهدي والقائم الذي

يعيش به من عدله كل مجدب

وفي اخر القصيدة زاد آخر:

بذاك أدين الله سراً وجهرة

ولست وان عوتبت فيه بمعتب

٢٠٧

الكَيْسانيّةِ، وقولهِ بإِمامةِ الصّادقِعليه‌السلام ووجودِ الدّعوةِ ظاهرةً منَ الشَيعةِ في أَيّام أَبي عبدِاللهِعليه‌السلام إِلى إِمامتهِ والقولِ بغيبةِ صاحب الزّمانِعليه‌السلام ، وأنّها إِحدى علاماتهِ، وهو صريحُ قولِ الإماميّةَ الأثنَى عشريّة.

٢٠٨

باب ذكر أَولادِ أَبي عبدِاللهِ عليه السلامُ

وعددِهم وأَسمائهم وطرفٍ من أَخبارِهم

وكان لأبي عبدِاللهِّعليه‌السلام عشرةُ أَولادٍ: إسماعيلُ وعبدُاللهِّ وأُمُّ فَرْوَةَ، أُمّهم فاطمةُ بنت الحسينِ بنِ عليِّ بنِ الحسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍعليهم‌السلام (١) .

وموسى واسحاقُ ومحمّدٌ، لأمِّ ولدٍ.

والعبّاسُ وعليٌّ وأَسماءُ وفاطمةُ، لأمّهاتِ أَولادٍ شتّى.

وكانَ إِسماعيلُ أَكبرَ إِخوتهِ، وكانَ أَبوهعليه‌السلام شديدَ المحبّةِ له والبرِّ به والإشفاقِ عليه، وكانَ قومٌ منَ الشِّيعةِ يظَنُون أَنّه القائمُ بعدَ أبيه والخليفةُ له من بعدِه، إِذْ كانَ أكبرَ إِخوتهِ سِنّاً، ولميلِ أَبيه إِليه وِاكرامِه له ؛ فماتَ في حياةِ أَبيه بالعُرَيْض(٢) ، وحُمِلَ على رقاب الرِّجال إِلى أَبيه بالمدينةِ حتّى دُفِنَ بالبقيع.

ورُويَ:أَنّ أَبا عبدِاللهِّعليه‌السلام جَزعَ عليه جَزَعاً شديداً، وحَزِنَ عليه حُزْناً عظيما، وتقدم سريره بلا(٣) ، حِذاءٍ ولارِداءٍ، وأمَرَ بوضع سريرِه على الأرضِ قبلَ دفنهِ مِراراً كثيرةً، وكان يَكْشِفُ عن وجهِه وينَظُرُ إِليه،

__________________

(١) ذكر في عمدة الطالب (ص ٢٣٣) انها: فاطمة بنت الحسين الاثرم بن الامام الحسن بن علي ابن ابي طالبعليهم‌السلام ، والظاهر انه هو الصواب.

(٢) العريض: واد بالمدينة فيه بساتين نخل، انظر «معجم البلدان ٤: ١١٤ ».

(٣) في «م» وهامش «ش»: بغير.

٢٠٩

يُريدعليه‌السلام بذلكَ تحقيقَ أمر وفاتهِ عندَ الظّانِّينَ خلافتَه له من بعدِه، وازالةَ الشُّبهةِ عنهم في حياتهِ(١) .

ولمّا ماتَ إِسماعيلُ رضيَ الله عنه انصرفَ عنِ القولِ بإِمامتهِ بعدَ أبيه من كانَ يَظُنُّ ذلكَ فيعتقدُه من أصحاب أبيهعليه‌السلام ، وأقامَ على حياتِه شِرذمةٌ لم تكنْ من خاصّةِ أبيه ولا منَ الرُّواةِ عنَه، وكانوا منَ الأباعدِ والأطرافِ.

فلمّا ماتَ الصّادقُعليه‌السلام انتقلَ فريقٌ منهم إِلى القولِ بإِمامةِ موسى بن جعفرٍعليه‌السلام بعدَ أبيه، وافترقَ الباقونَ فريقينِ: فريقٌ منهم رجعوا عن حياةِ إِسماعيلَ وقالوا بإِمامةِ ابنهِ محمّدِ بنِ إِسماعيلَ، لظنِّهم أَنّ الإمامةَ كانتْ في أَبيه وأَنّ الابنَ أَحقًّ بمقامِ الإمامةِ منَ الأخ ؛ وفريقٌ ثبتوا على حياةِ إِسماعيلَ، وهم اليومَ شُذّاذٌ لا يُعرَفُ منهم أحدٌ يومَأُ إِليه. وهذان الفريقانِ يُسَمَّيانِ بالإسماعيليّةِ، والمعروفُ منهم الانَ من يزعمُ أَنّ الأمامةَ بعدَ إِسماعيلَ في ولدِه وولدِ ولدِه إِلى اخرِ الزّمانِ.

فصل

وكانَ عبدُاللهِ بن جعفرٍ أكبرَ إِخوته بعدَ إِسماعيلَ، ولم تكنْ منزلتُه عندَ أَبيه منزلةَ غيرِه من ولدِه في الإكرام، وكانِ مُتّهَماً بالخلافِ على أَبيه في الاعتقادِ، ويُقالُ أَنّه كانَ يُخالِط الحًشْويّةَ(٢) ، ويَميلُ إِلى مذاهبِ

__________________

(١) حكاه الطبرسي في اعلام الورى: ٢٨٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ٢٤٢.

(٢) الحشوية: هم القائلون ان علياً وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم وأن المصيبين هم الذين قعدوا عنهم، وأنهم يتولونهم جميعاً ويتبرؤون من حربهم ويردون امرهم الى الله عز وجل

٢١٠

المُرْجِئةِ (١) ، وادّعى بعدَ أبيه الأمامة، واحتَجٌ بأَنّه أكبرُ إِخوته الباقينَ، فاتّبعه على قوله جماعةٌ من أَصحاب أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام ثمّ رجعَ أكثرُهم بعدَ ذلكَ إِلى القولِ بإِمامةَِ أخيه موسىعليه‌السلام لمّا تبيّنوا ضعفَ دعواه، وقوّةَ أمرِ أبي الحسنِعليه‌السلام ودلالة حَقِّه وبراهين إِمامتِه؛ وأقامَ نفرٌ يسير منهم على أَمرِهم ودانوا بإِمامةِ عبدِاللهِّ، وهم الطّائفةُ الملقّبةُ بالفطحِيّة، وأنّما لزمَهم هذا اللقبُ لقولهم بإِمامةِ عبدِاللهِ وكانَ أفَطحَ الرِّجْلين، ويُقالُ إِنّهم لُقِّبوا بذلكَ لأنّ داعِيَتَهم إِلى إِمامةِ عبدِاللهِ كانَ يُقالُ له عبدُاللهِّ بنَ أفطحَ.

وكانَ إِسحاقُ بنُ جعفرٍ من أَهلِ الفضلِ والصّلاحِ والوَرَع وِالاجتهادِ، وروى عنه النّاسُ الحديثَ والآثارَ، وكانَ ابن كاسبٍ إِذا حَدَّثَ عنه يقولُ: حدّثَني الثِّقةُ الرّضِيُ إِسحاقُ بنُ جعفرٍ. وكانَ إِسحاقُ يقولُ بإِمامةِ أَخيهِ موسى بن جعفرٍعليه‌السلام ، وروى عن أَبيه النّصَّ بالإمامةِ على أَخيه موسىعليه‌السلام (٢) .

وكانَ محمّدُ بنُ جعفرٍ شجاعاً سخيّاً، وكانَ يصومُ يوماً ويُفْطِرُ يوماً، ويَرى رأْيَ الزّيديّةِ في الخروجِ بالسّيفِ.

ورُوُيَ عن زوجتهِ خديجةَ بنتِ عبدِاللهِ بنِ الحسينِ أَنّها قالتْ: ما

__________________

«فرق الشيعة: ١١٥ ».

(١) المرجئة: هم القائلون بأن أهل القبلة كلهم مؤمنون باقرارهم الظاهر بالايمان، ويؤخرون العمل عن النية ويرجون المغفرة للمؤمن العاصي. «فرق الشيعة: ٦».

(٢) حكاه الطبرسي في اعلام الورى: ٢٩٠، وياتي هنا في باب النص على الامام موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

٢١١

خَرجَ من عندِنا محمّدٌ يوماً قطُّ في ثوبٍ فرجعَ حتّى يكسُوَه(١) ، وكانَ يَذبَحَ في كل يومٍ كَبْشاً لأضيافِه.

وخرجَ على المأْمونِ في سنةِ تسع وتسعينَ ومائةٍ بمكّةَ، واتّبَعَتْه الزّيديّةُ الجاروديّةً، فخرجَ لقتالِه عيسى الجَلوديُّ ففرّقَ جمعَه وأَخذَه وأَنفذَه إِلى المأْمونِ، فلمّا وصلَ إِليه أكرمَه المأْمونُ وأَدنى مجلسَه منه ووَصَلَه وأَحسنَ جائزتَه، فكانَ مُقيماً معَه بخراسانَ يركبُ إِليه في موكبٍ من بني عمّه، وكانَ الماْمونُ يحَتملُ منه ما لا يَحتملُه السُلطان من رعيّتهِ.

وروي:أَنّ المأْمونَ أنكرَ ركوبَه إِليه في جماعةٍ منَ الطّالبيِّينَ الذينَ خرجوا على المأْمونِ في سنة المِائَتَيْنِ فآمَنَهم، فخرجَ التّوقيعُ إِليهم: لا تَركبوا معَ محمّدِ ابنِ جعفرٍ واركَبوا مع عُبَيْداللهِ بنِ الحسينِ، فاَبَوْا أَن يَركبوا ولزِموا منازلَهم، فخرجَ التّوقيعُ: اركَبوا معَ من أَحببتم ؛ فكانوا يَركبونَ معَ محمّدِ بنِ جعفرٍ إذا رَكِبَ إِلى المأْمونِ ويَنصرفونَ بانصرافِه(٢) .

وذُكِرَ عن موسى بن سَلمةَ أنّه قالَ: أُتِيَ إِلى محمّدِ بنِ جعفرفقيلَ له: إِنّ غلمانَ ذي الرٌئاستينِ قد ضَربوا غلمانَكَ على حَطَبِ اشترَوْه، فخرج مُؤتزِراً ببُردتينِ معَه هِراوة وهو يَرتجزُ ويقولُ:

الْمَوتُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ عَيْشٍ بِذلّ

__________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٥٣٨، تاريخ بغداد ٢: ١١٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ٢٤٣.

(٢) اشار الى ذلك ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: ٥٣٧، وحكاه الطبرسي في اعلام الورى:٢٨٥.

٢١٢

وتَبِعَه النّاس حتّى ضَربَ غلمانَ ذي الرِّئاستينِ وأَخذَ الحَطَبَ منهم. فرُفِعَ الخبرُ إِلى المأْمونِ، فبَعثَ إِلى ذي الرِّئاستينِ فقالَ له: ائتِ محمّدَ بنِ جعفرٍ فاعْتَذِرْ إِليه، وحَكِّمْه في غِلمانِكَ. قالَ: فخرَجَ ذو الرئاستينِ إِلى محمّدِ بنِ جعفرِ. قال موسى بن سَلَمَةَ: فكنت عندَ محمّدِ بن جعفرٍ جالساً حتّى أُتيَ فقيلَ له: هذا ذو الرِّئاستينِ، فقالَ: لا يجلسُ إلّا على الأرض ؛ وتَناولَ بَساطاً كانَ في البيتِ فرَمى به هو ومن معَه ناحيةً، ولم يبق في البيتِ إِلّا وسادة جلسَ عليها محمّدُ بنُ جعفرٍ، فلمّا دخلَ عليه ذو الرِّئاستينِ وسّعَ له محمّدٌ على الوسادةِ فأَبى أَن يَجلسَ عليها وجلسَ على الأرضِ، فاعتذرَ إِليه وحَكَّمَه في غلمانِه(١) .

وتُوفِّي محمّدُ بنُ جعفرٍ بخُراسانَ معَ المأمونِ، فرَكِبَ المأمونُ ليَشْهَدَه فَلقِيَهم وقد خرجوا به، فلمّا نظرَ إِلى السّرير ِنزلَ فترجَّلَ ومشى حتّى دخلَ بينَ العمودَيْنِ، فلم يَزَلْ بينَهما حتّى وُضِعَ فتقدّمَ وصلّى ثمّ حملَه حتّى بلغَ به القبرَ، ثمّ دخلَ قبرَه فلم يَزَلْ فيه حتّى بُنيَ عليه، ثمّ خرجَ فقامَ على القبر حتّى دُفِنَ، فقال له عًبيدُالله بن الحسينِ ودعا له: يا أميرَالمؤمنينَ، إنّكَ قد تعبتَ فلو رَكِبْتَ ؛ فقالَ المأمونُ: إِنّ هذه رحم قُطِعَتْ من مِائَتَيْ سنةٍ.

ورُوِيَ عن إِسماعيلِ بنِ محمّدِ بنِ جعفرِأَنّه قالَ: قلتُ لأخي - وهو إِلى جنبي والمأمونُ قائم على القبر -: لو كلّمناه في دَينِ الشّيخِ، فلا نَجِدُه أقربَ منه في وقتِه هذا؛ فابتدأنَا المأمونُ فقالَ: كمْ تركَ أَبوجعفرمنَ الدَّينِ؟ فقلتُ: خمسةً وعشرينَ أَلفَ دينارٍ؛ فقالَ: قد قَضى اللهُ عنه دينَه ؛ إِلى مَنْ أَوصى؛ قلنا: إلى ابنٍ له يقالُ له يحيى بالمدينةِ؛ فقالَ: ليس

__________________

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ٢٤٤.

٢١٣

هوبالمدينةِ، وهوبمصرَ، وقد عَلِمْنا بكونه فيها، ولكنْ كَرِهْنا أَن نُعْلِمَه بخروجِه منَ المدينةِ لئلا يسوءه ذلكَ لعلمِه بكراهتِنا لخروجِه عنها(١) .

وكانَ عليُّ بنُ جعفرٍ - رضيَ اللهُ عنه - راويةً للحديثِ، سديدَ الطّريقِ، شديدَ الوِرَعَِ، كثيرَ الفضلِ؛ ولزمَ أَخاه موسىعليه‌السلام وروى عنه شيئاً كثيراً.

وكانَ العبّاسُ بنُ جعفرٍ - رضيَ اللهُّ عنه - فاضلاً نبيلاً.

وكانَ موسى بن جعفرٍعليه‌السلام أَجلَّ ولدِ أَبي عبدِاللهِعليه‌السلام قَدْراً وأَعظمهَم محلاً، وأَبعدَهم في النّاسِ صِيْتاً، ولم يرَ في زمانِه أسخى منه ولا أَكرمُ نفساً وعِشْرةً، وكانَ أَعبدَ أَهلِ زمانِه وأَورعَهم وأَجلَّهم وأفقهَهم، واجتمعَ جمهورُ شيعةِ أبيه على القولِ بامامتِه والتّعظيمِ لحقِّه والتسليمِ لأمرِه.

ورووا عن أَبيهعليه‌السلام نصوصاً عليه بالإمامةِ، واشاراتٍ إِليه بالخلافةِ، وأَخذوا عنه معالِمَ دينِهم، ورَوَوْا عنه منَ الآياتِ والمُعجزات ما يُقْطَعُ به على حجّتهِ وصوابِ القولِ بإِمامتِه.

__________________

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ٢٤٤.

٢١٤

باب ذكر الإمامِ القائمِ بعدَ أَبي عبدِاللهِ جعفرِ بنِ محمّد عليهما السّلامُ

من ولدِه، وتاريخ مولدِه، ودلالِ إمامتِه، ومبلغ سنِّه،

ومدّة خلافتهِ، ووقت وفاتِه وسببها، وموضع

قبرِه، وعدد أَولادِه، ومختصر من أَخبارِه

وكانَ الإمامُ - كما قَدّمْناه - بعدَ أَبي عبدِاللهِ ابنَه أَبا الحسنِ موسى ابنَ جعفرٍ العبدَ الصّالحَعليه‌السلام ، لاجتماع خِلالِ الفضلِ فيه والكمالِ، ولنصِّ أَبيه بالإمامةِ عليه وإشارتهِ بها إِليه.

وكانَ مولدهعليه‌السلام بالأبواء ِ(١) سنةَ ثمانٍ وعشرينَ ومائةٍ.

وقُبِضَعليه‌السلام ببغدادَ في حَبْسِ السِّنْديِّ بنِ شَاهَكَ لستٍّ خَلَوْنَ من رجبٍ سنةَ ثلاثٍ وثمانينَ ومائةٍ، وله يومئذٍ خمسٌ وخمسونَ سنةً.

وأُمًّه أُمُّ ولد يقالُ لها: حُمَيْدَةُ البَرْبَريّةُ.

وكانتْ مُدّةُ خلافتِه ومقامه في الإمامةِ بعدَ أبيهعليهما‌السلام خمساً وثلاثينَ سنةً.

وكان يُكنى أَبا إبراهيمَ وأَبا الحسنِ وأَبا عليٍّ، ويُعرَفُ بالعبدِ

__________________

(١) الأبواء: قرية من اعمال الفُرْع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً «معجم البلدان١: ٧٩».

٢١٥

الصّالحِ، وُينْعَتُ أَيضاً بالكاظِمِ.

فصل في النّصِّ عليه بالإمامةِ من أَبيه عليهما السّلامُ

فمِمَّن روى صريحَ النّصِّ بالإمامةِ من أَبي عبدِاللهِ الصّادقِعليه‌السلام على ابنهِ أَبي الحسنِ موسىعليه‌السلام من شيوخ أَصحاب أَبي عبدِاللهِ وخاصّتهِ وبطانتهِ وثِقاتِه الفقهاءِ الصّالحينَ - رضوانُ اللهِّ عليهم - المُفَضَّلُ بنُ عُمَرَ الجُعْفِيّ، ومَعاذُ بنُ كثيرٍ، وعبدُ الرحمن بن الحجّاجِ، والفَيْضُ بنُ المختارِ، ويعقوبُ السَرّاجُ، وسليمانُ بنً خالدٍ، وصَفْوانُ الجمّال، وغيرهم ممّن يطولُ بذكرِهم الكتابُ(١) .

وقد رَوى ذلكَ من إِخوتهِ إِسحاقُ وعليّ ابنا جعفرٍ وكانا منَ الفضلِ والوَرَعِ على ما لا يَختلفُ فيه اثنان.

فروى موسى الصّيْقلُ، عنِ المُفَضّلِ بنِ عُمَر َرحمه‌الله قالَ: كنتُ عندَ أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام فدخلَ أَبو إِبراهيمَ موسىعليه‌السلام - وهوغلامٌ - فقالَ لي أَبو عبدِاللهِّ: «استَوْصِ به، وضَعْ أَمرَه عندَ من تَثِقُ به من

__________________

(١) ياتي تفصيل روايات هؤلاء بنفس الترتيب المذكور هنا، لكن قد ذكر بعد رواية الفيض ابن المختار رواية منصور بن حازم وعيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن ابي طالب وطاهربن محمد، ثم يذكر رواية يعقوب السراج وغيره ممن ذكروا هنا، والمناسب ذكر منصور بن حازم ومن بعده هنا كما هو المعهود في سائر الابواب، ولا يبعد وقوع سهو هنا في عدم ذكرهم.

٢١٦

أَصحابِكَ »(١) .

وروى ثُبيت، عن معاذِ بنِ كثيرٍ، عن أَبي عبدِاللهِعليه‌السلام قالَ: قلتُ: أَسأَل اللهَ الّذي رزقَ أَباكَ منكَ هذه المنزلَة، أَنْ يَرزُقَكَ من عَقِبكَ قبلَ المماتِ مثلَها، فقالَ: « قد فعلَ الله ذلكَ » قلتُ: من هوجُعِلْت فداكَ؟ فأَشارَ إِلى العبدِ الصّالحِ وهو راقدٌ، قالَ: « هذا الرّاقدُ» وهو يومئذٍ غلامٌ(٢) .

وروى أَبو عليٍّ الأرجانيُّ عن عبدِ الرحمن بنِ الحجّاجِ قالَ: دخلتُ على جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام في منزلِه، فإِذا هوفي بيتِ كذا من دارِه في مسجدٍ له، وهو يدعو وعلى يمينهِ موسى بن جعفرٍعليهما‌السلام يُؤَمِّنُ على دعائه، فقلتُ له: جعلَني اللهُّ فداكَ، قد عرفتَ انقطاعي إِليكَ وخدمتي لكَ، فمن وليًّ الأمرِ بعدكَ؟ قال: «يا عبدَ الرحمن، إِنّ موسى قد لبسَ الدِّرعَ واستوتْ عليه » فقلت له: لا أَحتاجُ بعدَها إِلى شيءٍ(٣) .

وروى عبدُ الأعلى، عنِ الفيضِ بنِ المختارِ قالَ: قلتُ لأبي عبدِاللهِعليه‌السلام : خُذْ بيدي منَ النّارِ، مَنْ لنا بعدَك؟ قالَ: فدخلَ أَبو إِبراهيمَ - وهو يومئذٍ غلامٌ - فقالَ: «هذا صاحبُكم فتمسك به »(٤) .

__________________

(١) الكافي ١: ٢٤٦ / ٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ١٧ / ١٣.

(٢) الكافي ١: ٢٤٥ / ٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ١٧ / ١٥.

(٣) الكافي ١: ٢٤٥ / ٣، الفصول المهمة: ٢٣١، ونقله المجلسي في البحار ٤٨: ١٧ / ١٧.

(٤) الكافي ١: ٢٤٥ / ١، الفصول المهمة: ٢٣١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ١٨ / ١٨.

٢١٧

وروى ابنُ أَبي نَجرانَ، عن منصورِ بنِ حازم قالَ: قلتُ لأبي عبدِاللهعليه‌السلام : بأَبي أَنتَ وأُمِّي، إِنّ الأنفسَ يُغدى عليها ويُراحُ، فإِذا كانَ ذلكَ فمَنْ؟ فقالَ أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «إِذا كانَ ذلكَ فهو صاحبُكم » وضربَ على مَنْكِب أَبي الحسنِ الأيمن، وهو فيما أعلمُ يومئذٍ خماسيٌّ، وعبدُاللهِّ بن جعفرٍ جاَلسٌ معَنا(١) .

وروى ابن أَبي نَجرانَ، عن عيسى بن عبدِاللهِ بنِ محمّدِ بنِ عمر بن عليِّ بنِ أَبي طالبِ، عن أَبي عبدِاللهِعليه‌السلام ؛ قالَ: قلتُ له: إن كانَ كَوْنٌ - ولا أَراني اللهُ ذلكَ - فبمن أئتمُّ؟ قالَ: فأَوما إِلى ابنهِ موسى، قلتُ: فإِن حَدَثَ بموسى حَدَثٌ، فبمن أَئتمُّ؟ قالَ: «بولدِه » قلتُ: فإِن حَدَثَ بولدِه حَدَثٌ؟ قالَ: «بولدِه » قلتُ: وإن حَدَثَ به حَدَثٌ وتركَ أَخاً كبيراً وابناً صغيراً؟ قال: «بولدِه، ثمّ هكذا أَبداً»(٢) .

وروى الفضلُ، عن طاهرِ بنِ محمّدٍ، عن أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام ، قالَ: رأَيتُه يلومُ عبدَاللهِ ابنَه ويَعِظُه ويقولُ له: «ما يَمنعُكَ أَن تكونَ مثلَ أخيكَ؟! فواللهِ إِنِّي لأعرف النُّورَ في وجهِه » فقالَ عبدُاللهِ: وكيفَ؟ أَليس أَبي وأبوه واحداً، وأَصلي وأَصلهُ واحداً؟ فقالَ له أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «إِنّه من نفسي وأَنتَ ابني »(٣) .

__________________

(١) الكافي ١: ٦ / ٢٤٦، الفصول المهمة: ٢٣٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ١٨ / ٢٠.

(٢) الكافي ١: ٢٤٦ / ٧، وباختلاف يسير في كمال الدين: ٣٤٩ / ٤٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ١٦ / ١١.

(٣) الكافي ١: ٢٤٧ / ١٠، الامامة والتبصرة: ٢١٠ / ٦٣، وفيهما: فضيل، عن طاهر، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ١٨ / ٢٢.

٢١٨

وروى محمّدُ بنُ سِنانٍ، عن يعقوبَ السّرّاجِ قالَ: دخلتُ على أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام وهو واقفٌ على رأْسِ أَبي الحسنِ موسى وهو في المهدِ، فجعلَ يُسارُّه طويلاً، فجلستُ حتّى فرغَ فقمتُ إِليه، فقالَ لي: «ادنُ إِلى مولاكَ فسلِّمْ عليه » فدنوتُ فسلّمتُ عليه، فردَّ عَلَيَّ بلسانٍ فصيحٍ ثمّ قالَ لي: «اذهَبْ فغيِّرِ اسمَ ابنتِكَ الّتي سمَّيْتَها أَمسِ، فإنّه اسمٌ يُبغضه اللهُ » وكانتْ وُلدتْ لي بنتٌ فسمّيْتُها بالحُمَيراءِ، فقالَ أَبو عبدِاللهِ: «انْتَهِ إِلى أَمره تَرْشدْ» فغيّرتُ اسمها(١) .

وروى ابنُ مًسْكانَ، عن سُليمان بن خالدٍ قالَ: دعا أَبو عبدِاللهِ أَبا الحسنِعليهما‌السلام يوماً ونحن عندَه فقالَ لنا: «عليكم بهذا بعدي، فهو واللهِ صاحبُكم بعدي »(٢) .

وروى الوَشاءُ، عن عليِّ بنِ الحسينِ، عن صَفوانَ الجّمالِ قالَ: سأَلتُ أَبا عبدِاللهِّعليه‌السلام عن صاحب هذا الأَمرِ فقالَ: «صاحبُ هذا الأمرِ لا يَلهو ولا يَلعبُ » فأَقبلَ أَبو الحسنَعليه‌السلام ومعَه بَهْمَةٌ(٣) له، وهو يقولُ لها: «اسجُدي لربِّكِ » فأَخذَه أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام وضمَّه إِليه وقالَ: «بأَبي وأُمِّي، من لا يَلهو ولا يَلعبُ »(٤) .

وروى يعقوبُ بنُ جعفرٍ الجعفريّ قالَ: حدّثَني إِسحاقُ بنُ جعفر

__________________

(١) الكافي ١: ٢٤٧ / ١١، دلائل الامامة: ١٦١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨:١٩ / ٢٤.

(٢) الكافي ١: ٢٤٧ / ١٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ١٩ / ٢٥.

(٣) يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها - من الضان والمعز جميعاً، ذكراً كان أو أنثى -: سخلة ثم هيّ البَهْمة. «لسان العرب - بهم - ١٢: ٥٦ ».

(٤) الكافي ١: ٥٤٨ / ١٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ١٩ / ٢٧.

٢١٩

الصّادقِ قالَ: كنتُ عندَ أبي يوماً فسأَلهَ عليُّ بنُ عمر بن عليٍّ فقالَ: جُعِلْتُ فِداكَ، إِلى مَنْ نَفْزَعُ ويَفزعُ النّاس بعدَك؟ فقالَ: «إِلى صاحب هذَيْنِ الثّوبينِ الأصفرينِ والغَدِيرتَينِ(١) ، وهو الطّالعُ عليكَ منَ الباب » قال: فما لَبِثْنا أَن طَلعَتْ علينا كفّانِ آخِذتانِ بالبابينِ حتّى انفتَحا، ودخَلَ علينا أبو إِبراهيمَ موسىعليه‌السلام وهو صبيٌّ وعليه ثوبانِ أَصفرانِ(٢) .

وروى محمّد بن الوَليدِ قالَ: سمعتُ عليَّ بنَ جعفرِ بنِ محمّدٍ الصّادقِعليه‌السلام يقولُ: سمعت أَبي - جعفرَ بنَ محمّدٍ - يقولُ لجماعةٍ من خاصتهِ وأَصحابِه: «استَوْصُوْا بابني موسى خيراً، فإِنّه أَفضلُ ولدي ومن أُخلِّفُ من بعدي، وهو القائمُ مَقامي، والحجّةُ للّهِ تعالى على كافّةِ خلقِه من بعدي »(٣) .

وكانَ عليُّ بنُ جعفرٍ شديدَ التّمسُّكِ بأَخيه موسى والانقطاعِ إِليه والتّوفّرِ على أَخْذِ معالمِ الدَينِ منه، وله مسائلُ مشهورةٌ عنه وجواباتٌ رواها سماعاً منه.

والأخبارُ فيما ذكرْناه أَكثرُ من أَن تُحصى على ما بيّنّاه ووصفْناه.

__________________

(١) الغديرة: الذؤابة التي تسقط على الصدر. «لسان العرب - غدر - ٥: ١٠ » والذؤابة: هي العقيصة والمضفور من شعر الرأس. «لسان العرب - ذأب - ١: ٣٧٩».

(٢) الكافي ١: ٢٤٦ / ٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ٢٠ / ٢٩.

(٣) حكاه الطبرسي في إعلام الورى: ٢٩١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ٢٠ / ٣٠.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563