الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد10%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182084 / تحميل: 9887
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

لذلك ودَعا مَسْرُوراً الخادمَ فقالَ له: اُخْرُجْ على البريدِ(١) في هذا الوقتِ إِلى بغداد، وادْخُلْ من فَوْرك على موسى بن جعفر، فإِنْ وَجَدْتَه في دَعَةٍ ورَفاهيةٍ فأَوْصِلْ هذا الكتابَ إِلى العبّاسِ بن محمّد ومُرْهُ بامْتِثالِ ما فيه. وسَلَّمَ إليه كتاباً آخرَ إِلى السِنْدي بن شاهَك يَأْمُرُه فيه بطاعةِ العباس بن محمد.

فقَدِمَ مَسْرُورٌ فَنَزَلَ دارَ الفضل بن يحيى لا يَدْري أَحَدُ ما يُريد، ثَم دَخَلَ على موسى بن جعفرعليه‌السلام فَوَجَدَه على ما بَلَغَ الرَّشيدَ، فَمضَى مِنْ فَوْرِه الى العبّاس بن محمّد والسنديّ بن شاهَكَ فَأَوْصَلَ الْكتابَيْنِ إِليْهِما، فلم يَلْبث الناسُ أَنْ خَرَجَ الرسُولُ يَرْكُضُ إِلى الفضل بن يحيى، فَرَكِبَ معه وخَرَجَ مَشْدُوهاً دَهِشاً حتى دَخَلَ على العباس بن محمد، فدَعا العباسُ بِسِياط وعقَابَينِ(٢) وأَمَرَ بالْفَضْل فجُرِّدَ وضرَبَه السِندي بين يَدَيْه مائةَ سَوْطٍ، وخَرَجَ مُتَغَيِّرَ اللوْنِ خِلافَ ما دَخَلَ، وجَعَلَ يُسلِّمُ على النّاس يَميناً وشِمالاً.

وكَتَبَ مَسْرُورٌ بالخبرِ إِلى الرشيدِ، فأمَرَ بتسليم موسىعليه‌السلام إِلى السِنديّ بن شاهَكَ، وجَلَسَ الرَّشيدُ مَجْلِساً حافِلاً وقالَ: أَيُّها النّاسُ، إِنّ الفضلَ بن يحيى قد عَصاني وخالَفَ طاعَتي، ورأَيْتُ أَنْ أَلعَنَه فالْعنُوه لَعَنَه اللهُّ. فَلَعَنَه النّاسُ مِنَ كُلِّ ناحيةٍ، حتى ارتجَّ البَيْتُ والدارُ بلَعْنِهِ.

وبَلَغَ يحيى بن خالد الخَبَرُ، فَركِبَ إِلى الرشيدِ فَدَخَلَ من غَيْر

__________________

(١) في هامش «ش»: حُمل فلان على البريد، وخرج على البريد: اذا كان رُتّب له في كل مرحلة مركوب فينزل عن المعييٌ الوجع ويركب القارّ المتودع، وكذا في جمع المنازل.

(٢) في هامش «ش»: العقابان: آلة من آلات العقوبة لها طرفان اذا شال احدهما نزل الآخر وبالعكس حتى تأتيا على روحه.

٢٤١

الباب الذي تَدْخُلُ الناسُ منه، حتى جاءهُ مِنْ خَلْفِهِ وهو لا يَشْعُرُ، ثمَّ قالَ لَه: الِتفتْ - يا أَميرَ المؤمنين - إِليٌ، فأَصْغى إِليه فَزِعاً، فقالَ له: إِنَّ الْفَضْلَ حَدَثٌ، وأَنا أَكْفيكَ ما تريد، فانْطَلَقَ وَجْهُهُ وسُرَّ، وأَقبَلَ على النّاسِ فقالَ: إِنَّ الفَضْلَ كانَ قد عَصاني في شيءٍ فَلَعَنْتُه، وقد تابَ وأَنابَ إِلى طاعَتي فَتَوَلّوْهُ. فقالُوا: نَحْنُ أَولياءُ مَنْ والَيْتَ، وأَعداءُ مَنْ عادَيْتَ وقد تَوَليناه.

ثمَّ خَرَجَ يحيى بن خالد على البريدِ حتّى وافى بغداد، فماجَ النّاسُ وأَرجَفُوا بكلِّ شيءٍ، وأَظْهَرَ أَنّه وَرَدَ لتعديِل السَّوادِ والنَّظَرِ في أمْرِ العُمّال، وتَشاغَلَ ببعضِ ذلك أَيّاماً، ثم دَعا السِندي فأَمَرَه فيه بأَمْرهِ فامْتَثَله.

وكانَ الذي تَوَلّى به السِندي قَتْلَهُعليه‌السلام سمّاً جَعَلَهُ في طعامِ قَدَّمَه إِليه، ويقال: انَّه جَعَلَه في رُطَبِ أَكَلَ منه فأَحَسَّ بالسُّمِّ، ولَبثَ ثلاثاً بَعْدَه مَوْعُوكاً منه، ثم ماتَ في اليًوْمِ الثالثِ(١) .

وَلمّا ماتَ موسىعليه‌السلام أَدْخَلَ السندي بن شاهَك عليه الفقهاءَ ووُجُوهَ أَهْل بغداد، وفيهم الهَيْثَم بن عَدِيّ وغَيْرُه، فنَظَرُوا إِليه لا أَثَرَ به من جَراحٍ ولا خَنْقٍ، وأَشْهَدَهُم على أَنّه ماتَ حَتْفَ أَنفِهِ فَشَهدُوا على ذلك.

وأُخْرِجَ ووُضعَ على الجسرِ ببغداد، ونُودِيَ: هذا موسى بن جعفر قد ماتَ فَانْظُرُوا إِليه، فَجَعَلَ النّاسُ يَتَفَرَّسُونِ في وَجْهِهِ وهو

__________________

(١) في هامش «ش»: روي انه أذاب الرصاص فصبّه في حلق الكاظمعليه‌السلام فكان سببَ موته.

٢٤٢

ميِّتٌ، وقد كانَ قَوْمٌ زَعَمُوا في أَيّامِ موسى أَنّه القائمُ المُنْتَظَرُ، وجَعَلَوا حَبْسَه هو الغيبةَ المذكورةَ للقائمِ، فأَمَرَ يحيى بن خالد أَنْ ينادى عليه عِنْدَ مَوْتِه: هذا موسى بن جعفر الذي تَزَعَمُ الرّافِضَةُ أَنّه لا يَمُوتُ فَانْظُرُوا إِليه، فَنَظَرَ النّاسُ إِليه ميِّتاً. ثم حُمِلَ فدُفِنَ في مَقابِرِ قُرَيْشٍ(١) في باب التّبن(٢) ، وكانَتْ هذهِ المَقْبَرةُ لبني هاشمٍ والأشرافِ مِنَ النّاسِ قَديماً.

ورُوِيَ: أنٌهعليه‌السلام لمّا حَضَرَتْهُ الوفاةُ سَأَلَ السنديَّ بن شاهَكَ أَنْ يحُضِرَه مَوْلىً له مَدَنيّاً يَنْزِلُ عِنْدَ دارِ العباسِ بن محمّد في مَشرعَةِ القَصَب(٣) ، ليتوَلّى غُسْلَه وتَكْفينَه، ففَعَلَ ذلك. قالَ السِّنْدي بن شاهَك: وكُنْتُ أَسْأًلُه في الإذْنِ لي في أَنْ أُكَفِّنَهُ فأَبى، وقالَ: «إنّا أَهْلُ بَيْتٍ، مُهورُ نسائنا وحَجُّ صرُورَتِنا وأَكْفانُ موتانا مِنْ طاهِر أَمْوالِنا، وعِنْدي كَفَنٌ، وأُريدُ أَنْ يَتَوَلّى غُسْلي وجَهازي مولايَ فلان » فَتَوَلّى ذلك منه(٤) .

* * *

__________________

(١) مقابر قريش: هي مدينة الكاظمية الحالية.

(٢، ٣) باب التبن ومشرعة القصب من مناطق بغداد في تلك الايام.

(٤) رواه ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: ٥٠١، وقد سقطت منه بعض الفقرات، والشيخ الطوسي في الغيبة: ٢٦ / ٦ مثل ما في الارشاد، وذكره مختصراً الطبرسي في اعلام الورى: ٢٩٩، وابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٣٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ٢٣٤ / ٣٩.

٢٤٣

باب عَدَدِ أَولادِهِ وطرفٍ مِنْ أخْبارِهِمْ

وكانَ لأبي الحسن موسىعليه‌السلام سَبْعَةٌ وثلاثونَ وَلَداً ذَكَراً وأنثى مِنْهم: عليُّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، وابراهيمُ، والعباسُ، والقاسمُ، لأمهاتِ أَولادٍ.

وإسماعيلُ، وجعفرُ، وهارونُ، والحسينُ، لأمّ ولدٍ.

وأَحمدُ، ومحمدُ، وحمزةُ، لأمّ ولدٍ.

وعبدُ اللّهِ، وإسحاقُ، وعُبَيْدُ الله، وزيد، والحسنُ، والفضلُ، وسليمانُ، لأمَّهاتِ أَولادٍ.

وفاطمةُ الكبرى، وفاطمةُ الصغرى، ورُقَيّةُ، وحَكيمةُ، وأُمّ أَبيها، ورُقيّةُ الصُغرى، وكلثم، وأمّ جعفرٍ، ولُبابَةُ، وزينبُ، وخديجةُ، وعُلَيّةُ، وآمِنة، وحَسَنَةُ،، وبريهةُ، وعائشةُ، وأُمُّ سلمة، وميمونةُ، وأُمُّ كلثوم، لأمّهات أَولادٍ.

وكانَ أَفضلَ ولد أَبي الحسن موسىعليهم‌السلام وأنبَهَهُم وأَعْظَمَهُم قَدْراً وأَعلَمَهُمْ وأَجْمعَهم فَضْلاً أَبو الحسن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام .

وكانَ أحمدُ بن موسى كريماً جليلاً وَرِعاً، وكانَ أَبو الحسن موسىعليه‌السلام يُحِبّه ويُقَدِّمه، وَوَهَبَ له ضَيْعَتَه المعروفةَ بالْيَسيرةِ. ويُقالُ: إِنّ

٢٤٤

أحمد بن موسى رَضِيَ اللّهُ عنه أَعْتَقَ أَلفَ مَمْلوك.

أخْبَرَني الشريفُ أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى قالَ: حَدَّثَنا جَدِّي قالَ: سمعت إِسماعيلَ بن موسى يَقُولُ: خَرَجَ أبي بوَلَدِه إِلى بَعْض أَمْوالِه بالمدينةِ - وأَسْمى ذلك المالَ إلا أَنَّ أَبا الحسين يحيى نَسِيَ الاسْمَ - قالَ: فكُنَّا في ذلك المكانِ، وكانَ مع أَحمد بن موسى عشرونَ من خَدَمِ أَبي وحَشَمِهِ، إِنْ قامَ أَحمدُ قاموا معه، وان جَلَسَ جَلَسُوا معه، وأَبي بعد ذلك يَرْعاهُ بِبَصَرِهِ ما يَغْفُلُ عنه، فما انْقَلَبْنا حتى انْشَجّ(١) أحمد بن موسى بيننا(٢) .

وكانَ محمدُ بن موسى من أهلِ الفضلِ والصَّلاحِ. أَخْبَرَني أَبو محمد الحسن بن محمّد بن يحيى قالَ: حَدَّثني جدِّي قالَ: حَدَّثَتْني هاشميةُ مولاة رُقَيَّة بنت موسى قالَتْ: كان محمَّدُ بن موسى صاحبَ وُضوء وصَلاةٍ، وكانَ لَيْلَهُ كلَّه يتوضأ ويُصَلِّي فَنَسْمَعُ سَكْبَ الماءِ والوُضوء ثمَّ يُصَلِّي لَيْلاً ثمَّ يَهْدَأ ساعَةً فيَرقُدُ، ويَقُومُ فَنَسْمَعُ سَكْبَ الماءِ والوضوء ثَم يُصَلِّي ثمَّ يَرْقُد سًويعةً ثمَّ يَقُومُ فَنَسمَعُ سكْبَ الماءِ والوُضوء، ثمَّ يصّلِّي فلا يَزالُ ليلَه كذلك حتى يُصبِحَ، وما رَأيْتهُ قَطُّ إِلا ذَكَرْتُ قَوْلَ اللهِ تعالى:( كَانُوا قَليلاً مِنَ اللَيْلِ مَا يَهْجَعًونَ ) (٣) ،(٤) .

وكان إِبراهيمُ بن موسى سَخِيّاً شجاعاً كَريماً، وتَقَلَّد الإمْرَةَ على

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: أي اصابته مع تلك المراعاة العظيمة اصابته شجٌة.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ٢٨٧ / ٢.

(٣) الذاريات ٥١: ١٧.

(٤) ذكره مختصراً ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٤٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ٢٨٧ / ٣.

٢٤٥

اليمن في أَيّام المأمونِ من قِبَلِ محمد بن زيد(١) بن عليّ بن الحسين بن عليِّ ابن أبي طالبَ الذي بايَعَهُ أَبو السرايا بالكوفةِ، ومَضى إِليها فَفَتَحَها وأَقامَ بها مدّةً إِلى أَنْ كانَ مِنْ أمرِ أَبي السرايا ما كان، فأُخِذَ له الأمانُ مِنَ المَأمونِ.

ولكلِّ واحدٍ من ولد أَبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام فَضْلٌ ومَنْقَبَةٌ مشهورةٌ، وكانَ الرضاعليه‌السلام المقدَّمَ عليهم في الْفَضْلِ حَسَبَ ما ذَكَرْناهُ.

* * *

__________________

(١) هذا نسبة الى الجدّ، وهو محمد بن محمد بن زيد كما صرّح به الطبري في تاريخه ٨: ٥٢٩، والنجاشي في ترجمة علي بن عبيد اللّه بن حسين العلوي: ٢٥٦ / ٦٧١.

٢٤٦

بابُ ذِكْرِ الإِمام القائم بَعْدَ أَبي الحسن موسى عَليه السلامُ

مِنْ ولده، وتاريخِ مَوْلِدِه ودلائلِ إِمامتهِ، ومَبْلَغِ سِنِّهِ،

ومُدَّة خِلافَتِهِ، ووَقْتِ وَفاتِهِ وسَبَبِها، ومَوْضِعِ

قَبْرِه، وعَدَدِ أَوْلادِهِ، ومُخْتَصَرٍ مِنْ أَخْبارِهِ

وكانَ الإمامُ بَعْدَ أَبي الحسن موسى بن جعفر ابنَه أَبا الحسن عليَّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام لِفَضْلهِ على جماعةِ إِخْوَتهِ وأَهْلِ بَيْتِهِ، وظُهورِ عِلْمِهِ وحِلْمِهِ ووَرَعِهِ واجْتهادِهِ، واجْتماعِ الخاصّةِ والعامّةِ على ذلك فيه ومَعْرِفَتِهِمْ به منه، وبِنَصِّ أَبيهِ على إِمامَتِهِعليه‌السلام من بَعْده وأشارته إِليه بذلك دونَ جَماعَةِ إِخْوَتهِ وأَهْلَ بَيْتِهِ.

وكانَ مَوْلدُهُ بالمدينةِ سنةَ ثمانٍ وأَربعينَ ومائة. وقًبضَ بطوسٍ من أَرْضِ خُراسان، في صفر من سنة ثلاثٍ ومائتين، وله يومئذٍ خمسٌ وخمسونَ سنة، وأمُّه أُمُ ولدٍ يُقالُ لها: أُمّ البنين. وكانَتْ مُدَّةُ إِمامَتِهِ وقِيامِهِ بَعْدَ أَبيه في خِلافتهِ عشرين سنةً.

فصل

فممَّنْ رَوَى النَصَّ على الرضا عليِّ بن موسىعليهما‌السلام بالإمامة

٢٤٧

من أَبيه والإشارةِ اليه منه بذلك، من خاصّتهِ وثِقاتِهِ وأَهلِ الوَرَعِ والعِلْمِ والفِقْهِ من شيعته: داودُ بن كَثير الرَقّي، ومحمّدُ بن إِسحاق بن عمّار، وعليُّ ابن يَقْطينَ، ونُعَيمُ القابوسيّ، والحسينُ بن المختار، وزيادُ بن َمروان، والمخَزومي، وداودُ بن سليمان، ونَصر بن قابوس، وداود بن زرَبْيّ، ويزيد ابن سَليط، ومحمّد بن سِنان.

أَخْبَرَني أَبُو القاسم جعفرُ بن محمد بن قولويه، عن محمدِ بن يعقوب، عن أَحمدَ بن مهران، عن محمد بن عليّ، عن محمد بن سنان وإسماعيل بن غياث القصري جميعاً عن داود الرَقّي قالَ: قُلْتُ لأبي إِبراهيمعليه‌السلام : جُعِلْتُ فِداكَ، إِنّي قَدْ كَبُرت سِنِّي فَخُذْ بِيَدِي وأنقِذْني ِمن النارِ، مَنْ صاحِبُنا بَعْدَكَ؟ قالَ: فأَشارَ إِلى ابْنِهِ أَبي الحسن فقالَ: «هذا صاحِبُكم مِنْ بَعْدي »(١) .

أَخْبَرَني أَبُو القاسم ُ جعفر بن محمد، عن محمد يعقوب الكليني، عن الحسين(٢) بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن أَحمد بن محمد بن عبد الله، عن الحسن، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن إسحاق بن عمّار قالَ: قُلْتُ لأبي الحسن الأولعليه‌السلام : أَلا تَدُلني على مَنْ آخُذُ

__________________

(١) الكافي ١: ٢٤٩ / ٣، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢٣ / ٧، غيبة الطوسي: ٣٤ / ٩، الفصول المهمه لابن الصباغ: ٢٤٣، اعلام الورى: ٣٠٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٢٣ / ٣٤.

(٢) في «م»: ظاهره الحسن بن محمد، وهو الموجود في «ش»، وفي «ح »:الحسين، وهو الصواب وفقاً للكافي وهو متكرر في اسناد الكافي، وهو الحسين بن محمد بن عامر الأشعري الذي يروي كتب معلى بن محمد البصري كما في رجال النجاشي: ٤١٨ / ١١١٧، وفهرست الشيخ: ١٦٥ / ٧٣٢، ونظيرهما في رجال الشيخ ٥١٥ / ١٣٢، ومشيخة الصدوق ٤: ١٣٦.

٢٤٨

عنه ديني؟ فقالَ: «هذا ابني علي، إنّ أبي أخَذ بيدَي فأدْخَلَني إلى قبر رَسُول اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالَ لي: يا بُنَيَّ، إِنَّ اللهَّ جَلَ وعَلا قالَ:( إِنْي جَاعِلٌ في الأرْضِ خَليفَةً ً) (١) وإنَّ اللّهَ إذا قالَ قَوْلاً وَفى بِهِ »(٢) .

أَخْبرَني أَبوُ القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أَحمدَ بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين(٣) بن نُعَيمْ الصحّاف قالَ: كُنْتُ أَنا وهُشامُ بن الحكم وعليّ ابن يقطين ببغداد، فقالَ عليُّ بن يقطين: كُنْتُ عند العبدِ الصالحِ فقالَ لي: «يا عليَّ بن يقطين، هذا علي سيدُ ولدي، أما إنّي قد نَحَلْتُهُ كنيتي » وفي روايةٍ أُخْرى «كًتُبي » فَضَرَب هشامُ براحَتِهِ جَبْهَتَه، ثمَّ قالَ: وَيْحَكَ، كَيْفَ قُلْتَ؛ فقالَ عليُّ بن يقطين: سمعتُهُ واللّهِ منه كما قُلْتُ، فقالَ هُشامُ: إِنَّ الأمْرَ واللّهِ فيه من بَعْدِهِ(٤) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عدّةٍ من أَصْحابهِ، عن أحمدَ بن محمد بن عيسى، عن معاوية بن حكيم، عن نُعَيْم القابوسي، عن أَبي الحسن موسىعليه‌السلام قالَ: «ابْني علي أَكْبَرُ ولدي، وأثرهُم عندي، وأَحَبُّهُمْ إِليَّ، وهو يَنْظُر معي في الجَفْرِ، ولم

__________________

(١) البقرة ٢: ٣٠.

(٢) الكافي ١: ٢٤٩ / ٤، غيبة الطوسي: ٣٤ / ١٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٢٤ / ٣٥.

(٣) كذا في «م» وهو الموجود في الكافي، وفي «ش» و «ح »: الحسن، وهو تصحيف كما يعلم من رجال النجاشي: ٥٣ / ١٢٠، وفهرست الشيخ: ٥٦ / ٢١٧، ورجال الشيخ: ٤٦٣ / ١١.

(٤) ‎الكافي ١: ٢٤٨ / ١، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢١ / ٣، غيبة الطوسي: ٣٥ / ١١.‎‎

٢٤٩

يَنْظُرْ فيه إِلا نبيٌّ أَووَصِيُّ نبيٍّ »(١) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن أحمدَ ابن مهران، عن محمد بن عليّ، عن محمد بن سنان، وعليّ بن الحكم - جميعاً - عن الحسين بن المختار قالَ: خَرَجَتْ إِلينا أَلْواحٌ من أبي الحسن موسىعليه‌السلام وهو في الحبس: «عهدي إِلى أكبر ولدي أَن يَفْعَلَ كذا وأَنْ يَفْعَلَ كذا، وفلانٌ لا تُنِلْه شَيْئاً حتى أَلقاكَ أَويَقْضيَ اللهُّ عَلَيَّ الموتَ »(٢) .

وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن مهران، عن محمد بن عليّ، عن (زياد ابن مروان القندي(٣) ، قال: دَخَلت على أَبي إبراهيم وعنده أَبو الحسن ابنُهعليهما‌السلام فقالَ لي: «يا زياد، هذا ابني فلان، كتابُه كتابي، وكلامه كلامي، ورسولُه رسولي، وما قالَ فالقَوْلُ قَوْلي »(٤) .

وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن مهران، عن محمد بن عليّ، عن محمد بن الفُضَيْل قالَ: حَدَّثَني المخزومي - وكانَتْ أُمُّه من ولد جعفر بن أبي طالب -، قالَ: بَعَثَ إِلينا أَبو الحسن موسى فَجَمَعَنا ثم قالَ: «أَتَدْرونَ لِمَ

__________________

(١) الكافي ١: ٢٤٩ / ٢، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣١ / ٢٧، وفيه «واسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري »بدل: «وآثرهم عندي واحبهم الي » غيبة الطوسي: ٣٦ / ١٢، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٣٦٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٢٤ / ٣٦.

(٢) الكافي ١: ٢٥٠ / ٨، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٠ / ٢٣، مختصراً، غيبة الطوسي: ٣٦ / ١٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٢٤ / ٣٧.

(٣) قال الصدوق - رحمة الله عليه - في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ان زياد بن مروان القندي روى هذا الحديث ثم انكره بعد مضي موسىعليه‌السلام ، وقال بالوقف وحبس ما كان عنده من مال موسى بن جعفرعليه‌السلام .

(٤) الكافي ١: ٢٤٩ / ٦، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣١ / ٢٥، غيبة الطوسي: ٣٧ / ١٤، الفصول المهمة: ٢٤٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ١٩ / ٢٣.

٢٥٠

جَمَعُتكُمْ؟ » فقلُنْا: لا، قال: «اشْهَدُوا أَنَّ ابني هذا وَصِّي، والقَيِّمُ بأَمْريَ، وخليفتي من بعدي، مَنْ كان له عندي دَيْنٌ فَلْيَأْخذْه من ابني هذا، ومَنْ كانَتْ له عندي عِدَةٌ فَلْيَتَنَجزْها منه، ومَنْ لم يَكُنْ له بدٌ من لقائي فلا يَلْقَني إلّا بِكتابهِ »(١) .

وبهذا الإسناد عن محمد بن علي، عن أَبي علي الخزاز، عن داود بن سليمان قالَ: قُلْتُ لأبي إبراهيمعليه‌السلام : إنّي أَخافُ أنَ يَحْدُثَ حَدَثٌ ولا أَلقاك، فأَخْبِرْني مَن الإمامُ بعدك؟ فقالَ: «ابني فلانٌ » يعني أَبا الحسنعليه‌السلام (٢) .

وبهذا الإسناد عن ابن مهران، عن محمد بن عليّ، عن سعيد بن أَبي الجهم، عن نصر بن قابوس، قالَ: قُلْتُ لأبي إبراهيمعليه‌السلام : إِنّني سَأَلْتُ أَباك: مَن الذي يكون من بعدك؟ فأَخْبَرَني أَنَّكَ أَنْتَ هُو، فَلَمّا تُوفَي أَبو عبد اللهعليه‌السلام ، ذهب الناسُ يميناً وشمالاً، وقُلْتُ بك أَنا وأَصحابي، فأَخْبرْني مَن الذي يكون بعدك من ولدك؟ قالَ: «ابني فلانٌ »(٣) .

وبهذا الإسناد عن محمد بن علي، عن الضحّاك بن الأشعث، عن

__________________

(١) الكافي ١: ٢٤٩ / ٧، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢٧ / ١٤، غيبة الطوسي: ٣٧ / ١٥، الفصول المهمة: ٢٤٤، ونقله المجلسي في البحار ٤٩٩: ١٦ / ١٢.

(٢) الكافي ١: ٢٥٠ / ١١، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢٣ / ٨، باختلاف يسير، غيبة الطوسي: ٣٨ / ١٦، ونقله المجلسي في البحار ٤٩: ٢٤ / ٣٨.

(٣) الكافي: ١: ٢٥٠ / ١٢، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣١ / ٢٦، وفيه: ابني علي، رجال الكشي: ٤٥١ / ٨٤٩، غيبة الطوسي: ٣٨ / ١٧، ونقله المجلسي في البحار ٤٩:٢٥ / ٣٩.

٢٥١

داود بن زَربِيّ قالَ: جِئْتُ إِلى أَبي إِبراهيمعليه‌السلام بمالٍ، فأَخَذَ بَعْضَه وتَرَكَ بَعْضَه، فقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللّهُ لأيِّ شيءٍ تَرَكْتَه عندي؟ فقالَ: «إِنَّ صاحبَ هذا الأمر يَطْلُبه منك » فَلَمّا جاءَ نَعْيُه بَعَثَ إِليَّ أَبو الحسن الرضاعليه‌السلام فَسَأَلَني ذلكَ المالَ فَدَفَعْتُه إِليه(١) .

وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن مهران، عن محمد بن عليّ، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الله بن إِبراهيم بن عليّ بن عبد الله بن جعفر بن أَبي طالب، عن يزيد بن سليط - في حديث طويل - عن أَبي إِبراهيمعليه‌السلام أَنّه قالَ في السنة التي قُبِضَ عليه فيها: «إِنّي أؤخَذُ في هذه السنة، والأمرُ إِلى ابني عليٍّ سَمِيُّ عليِّ وعليٍّ، فأَمّا علي الأوٌلُ فعَليًّ بن أَبي طالب، وأَمّا علي الآخر فعليّ بن الحسينَ - صلوات اللهّ عليهم - أُعْطِيَ فَهْمَ الأوَّلِ وحِلْمَه ونَصْرَه ووَرَعَه ووِرْدَه ودينَه، ومِحْنَةَ الآخرَ وصَبْرهَ على ما يَكْرَه »(٢) في الحديثِ(٣) بطولهِ.

أَخْبَرَني أَبُو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن علي وعُبَيْدِالله بن المرْزبان، عن ابن سنان قالَ: دَخَلْتُ على أبي الحسن موسىعليه‌السلام من قبل أَن يقْدَمَ العراقَ بسنةٍ، وعلي ابنهُ جالسٌ بين يديه، فنَظَر الَىّ وقالَ: «يا محمّد، إِنّه سَيَكُون في هذه السنة حَرَكَةٌ فلا تَجْزَعْ لذلكَ ».

__________________

(١) الكافي ١: ٢٥٠ / ١٣، غيبة الطوسي: ٩٣ / ١٨، مناقب آل أبي طالب ٤: ٣٦٨، وذكره بإختلاف يسير الكشي في رجاله: ٣١٣ / ٥٦٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩:٢٥ / ٤٠.

(٢) الكافي ١: ٢٥٢ / ذيل الحديث ١٤، غيبة الطوسي: ٤٠ / ١٩.

(٣) في هامش «ش»: يعني المَروي أو الموُرد.

٢٥٢

قال: قلت: وما يكونُ جَعَلَني اللهُ فداك فقد أَقْلَقْتَني؟

قالَ: «أَصيرُ إِلى هذه الطاغية، أَما إِنّه لا يَنْداني(١) منه سوء، ولامِن الذي يكون من بعده ».

قال: قلت: وما يكون، جَعَلَني اللهُ فداك؟

قالَ:( يُضِلُّ اللّهُ الظّاِلمينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ) (٢) .

قالَ: قُلْتُ: وما ذاك، جَعَلَني اللهُ فداك؟

قالَ: «مَنْ ظَلَمَ ابني هذا حَقَّه وجَحَدَه إِمامَته من بعدي، كانَ كمن ظَلَم عليَّ بن أَبي طالبعليه‌السلام إمامَته وجَحَدَه حقَّه بعد رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

قالَ: قُلْتُ: واللهِ لئن مَدَّ اللهّ لي في العمر لأسَلَمَنَّ له حقَّه ولأقِرنّ بإمامته.

قالَ: «صَدَقْتَ - يا محمّد - يَمُدُّ اللهُ في عُمْركَ، وتُسَلّم له حقَّه، وتُقِرّ له بإِمامته وإمامة مَنْ يكونُ من بعده ».

قالَ: قُلْتُ: ومَنْ ذاك؟

قالَ: «ابنُه محمّد».

قالَ: قُلْتُ: له الرّضى والتسليم(٣) .

__________________

(١) في هامش «ش»: لا ينداني: أي لا يصيبني، وهومن حرّ الكَلام.

(٢) ابراهيم ١٤: ٢٧.

(٣) الكافي ١: ٢٥٦ / ١٦، غيبة الطوسي: ٣٢ / ٨، وأورده الصدوق في عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٢ / ٢٩، باختلاف، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٢٢ / ٢٧.

٢٥٣

باب ذكر طرف من دلائله واخباره

أَخْبَرَني جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوبِ، عن محمد بن يحيى، عن أحمدَ بن محمد، عن ابن محبوب، عن هشام بن أَحمر قالَ: قالَ لي أبو الحسن الأوّلُعليه‌السلام : « هل عَلِمتَ أحداً من أَهل المغرب قَدِمَ؟ » قُلْتُ: لا، قالَ: «بلى، قد قَدِمَ رَجُلٌ من أَهلِ المغرب المدينَة، فانَطلِقْ بنا» فرَكِبَ ورَكِبْتُ معه حتى انتهينا إِلى الرجل، فإِذا رجلٌ من أَهلِ المغرب معه رقيقٌ، فقُلْتُ له: إِعرِضْ علينا، فعَرَضَ علينا سبْعَ جَوارٍ كلُّ ذلكَ يَقُولُ أَبو الحسنعليه‌السلام : «لا حاجةَ لي فيها» ثم قالَ: «اعرِضْ علينا» فقالَ: ما عندي إِلا جاريةٌ مريضةٌ، فقالَ له: «ما عليك أن تَعْرِضَها؟» فأَبى عليه، فانْصَرفَ.

ثم أرْسَلَني من الغدِ فقالَ لي: «قُلْ له: كمْ كانَ غايَتُك فيها؟ فإِذا قالَ لك: كذا وكذا، فقُلْ: قد أَخَذْتها» فأَتَيْتُه فقالَ: ما كُنْتُ أُريدُ أَنْ أَنْقُصَها من كذا وكذا، فقُلْتُ: قد أَخَذْتُها. قالَ: هي لك، ولكن أَخْبِرْني مَنْ الرجل الذي كانَ معك بالأمْس؟ قُلْتُ: رَجلٌ من بني هاشم، قال: من أَيّ بني هاشم؟ فقُلْتُ: ما عندي أَكثرمن هذا. فقالَ: أُخْبرك أَنّي اشْتَرَيْتُها من أَقصى المغرب، فلقِيَتْني امرأةٌ من أَهلِ الكتاب فقالَتْ: ما هذه الوصيفةُ معك؟ قُلْتُ: اشتَرَيتُها لنفسي، فقالَتْ: ما يَنْبغيَ أَن تكونَ هذه عند مِثْلِك، إِنَّ هذه الجارية ينبغي أَن تَكُونَ عند خَيْر أَهْلِ

٢٥٤

الأرِضِ، فلا تَلبثُ عنده إلّا قليلاً حتى تَلِدَ غُلاماً لم يوُلَدْ بشرق الأرض ولا غَرْبها مِثلُه. قالَ: فَأَتَيْتُه بها فلم تَلْبثْ عنده إلّا قليلاً حتى وَلَدَتْ الرضاعليه‌السلام (١) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أَحمدَ بن محمد(٢) ، عن صفوان بن يحيى قالَ: لمّا مَضى أَبو إِبراهيمعليه‌السلام وتَكَلَّمَ أَبو الحسن الرضاعليه‌السلام خِفْنا عليه من ذلك، فقيلَ له: إِنّك قد أَظْهَرْتَ أَمْراً عظيماً، وِانّا نخاف عليك هذا الطاغيةَ، فقالَ: «ليَجْهَدْ جَهْدَه فلا سبيلَ له عَلَيَّ »(٣) .

أخْبَرَني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد، عن ابن جمهور، عن إبراهيم بن عبدالله، عن (أحمد بن عبيد الله )(٤) ، عن الغفاري قالَ: كانَ لرجلٍ من الِ أبي رافع - مولى رسول اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله - يقالُ له: فلان، عَلَيَّ حق فتقاضاني وألحَّ علَيّ، فلمّا رَأَيْتُ ذلك صَلّيْتُ الصُبحَ في مسجدِ رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ تَوَجهْتُ نَحْوَ الرضاعليه‌السلام - وهويومئذٍ بالغرَيْضِ(٥) - فلمّا قَربْتُ من

__________________

(١) الكافي ١: ٤٠٦ / ١، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١: ١٧ / ٤، دلائل الامامة:١٧٥، اثبات الوصية: ١٧٠، عيون المعجزات: ١٠٦، الخرائج والجرائح ٢: ٦٥٣ / ٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٨ / ١١.

(٢) في الكافي هنا زيادة: عمّن ذكره ...، وما هنا أوفق بسائر الاسناد.

(٣) الكافي ١: ٤٠٦ / ٢، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢٢٦ / ٤، مناقب آل ابي طالب ٤: ٣٤٠، الفصول المهمة: ٢٤٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ١١٤ / ٣.

(٤) كذا في النسخ الثلاث والبحار، وفي الكافي: أحمد بن عبدالله.

(٥) ذكر صاحب تاريخ قم نقلاً عن بعض الرواة: أنّ العُرَيْض من قرى المدينة على بُعد فرسخ منها، وكانت القرية ملكاً للامام الباقرعليه‌السلام ، وأوصى الامام الصادقعليه‌السلام بهذه القرية الى ولده علي العريضي. تاريخ قم: ٢٢٤.

٢٥٥

بابه إِذا هو قد طَلَعَ على حمارٍ وعليه قَميص ورِداءٌ، فلَمّا نَظَرْتُ إِليه اسْتَحْيَيْتُ منه، فلمّا لَحِقَني وَقَفَ ونَظَرَ إِلَيَّ فسَلَّمْت عليه - وكانَ شهرُ رمضانَ - فقُلْتُ: جعْلْتُ فداك، إِنَّ لمولاك فلان عَليَّ حقّاً، وقد واللهِ شَهَرَني؛ وأَنا أَظُنُّ في نفسي أَنّه يَأْمُرُه بالكفِّ عنّي، وواللّهِ ما قُلْتُ له كَمْ له عليٌ ولا سَمَّيْتُ له شيئاً، فأَمَرَني بالجلوسِ إِلى رجوعِه.

فَلمْ أَزَلْ حتى صَلَّيْتُ المغربَ وأَنا صائمٌ، فضاقَ صَدْري وأَرَدْتُ أَن أَنصرِفَ، فإِذا هو قد طَلَعَ عَلَيَّ وحوله الناسُ، وقد قَعَدَ له السؤّالُ وهو يتصدق عليهم، فمضى فدَخَلَ بَيْتَه ثم خَرَجَ، ودعاني فقُمْتُ إِليه ودَخَلْتُ معه، فَجَلَسَ وجَلَسْتُ معه فجَعلْتُ أحَدِّثُهُ عن ابن المسيّب(١) - وكانَ كثيراً ما أُحَدِّثه عنه - فلمّا فَرَغْت قالَ: «ما أظُنُّك أَفْطَرْتَ بعدُ» قُلْتُ: لا، فدَعا لي بطعامٍ فوضعَ بين يَدَيَ، وأَمَرَ الغلامَ أَن يَاْكُلَ معي، فأَصَبْتُ والغلام من الطعام، فلمّا فَرَغْنا قالَ: «ارفَع الوسادةَ وخذْ ما تحتها» فرَفَعْتُها فإِذا دنانير فأَخَذْتُها ووَضَعْتُها في كُمّي.

وأمر أربعةً من عَبيده أن يكونوا معي حتى يَبْلغوا بي منزلي، فقُلْتُ: جعلت فداك إِنَّ طائفَ(٢) ابن المسيب يَقْعُدُ وأَكْرَهُ أَنْ يَلْقاني ومعي عَبِيدُك، فقالَ لي: «أَصَبْتَ، أَصابَ اللّهُ بك الرشادَ» وأَمَرهُم أَنْ يَنْصَرِفوا إِذا رَدَدْتُهم.

فلمّا قربت من منزلي وأَنِسْتُ رَدَدْتًهم وصِرْتُ إِلى منزلي ودَعَوْتُ السِراجَ ونَظَرْتُ إِلى الدنانير، فإذا هي ثمانيةٌ وأَربعونَ ديناراً، وكانَ حَقُّ الرجلِ عَلَيَّ ثمانيةً وعشرين ديناراً، وكانَ فيها دينارٌ يَلُوحُ فأَعْجَبَني حُسْنُه فأَخَذْتُه

__________________

(١) هو هارون بن المسيب كان والي المدينة.

(٢) الطائف: العاسّ بالليل. «العين - طوف - ٧: ٤٥٨».

٢٥٦

وقَرَّبته من السراجِ فإِذا عليه نقشٌ واضحٌ: «حقّ الرجلِ ثمانيةٌ وعشرونَ ديناراً، وما بقي فهولك » لا واللّه ما كُنْتُ عَرَّفْت ما لَهُ عَلَيَّ على التحديد(١) .

أَخْبرني أَبو القاسمِ جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ ابن إِبراهيم، عن أَبيه، عن بعض أصحابه، عن أَبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه خَرجَ من المدينةِ - في السنة التىِ حجََّ فيها هارونَ - يُريد الحجّ فانتهى الِى جبل على يسار الطريق يُقال له: فارعٌ، فنَظَرَ إِليه أبو الحسنعليه‌السلام ثمّ قالَ: «يا فارع(٢) ، وهادِمُه يًقَطَّعُ اِرْباً ارباً» فلمْ نَدْرِ ما مَعْنى ذلك. فلمّا بَلَغَ هارونُ ذلك المكان(٣) نَزَلَه وصعد جعفرُ بن يحيى الجبَلَ وأَمَرَ أَن يُبْنى له فيه مجلسٌ، فلمّا رَجَعَ من مكة صَعِدَ إِليه وأَمَرَ بهَدْمِه، فلمّا انْصرَفَ إِلى العراقِ قُطِّعَ جعفرُ بن يحيى إِرْباً إرْبا(٤) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن أَحمدَ ابن محمد، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عيسى، عن (محمد بن حمزة ابن الهيثم )(٥) ، عن إِبراهيم بن موسى قالَ: أَلْححْتُ على أبي الحسن

__________________

(١) الكافي ١: ٤٠٧ / ٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٩٧ / ١٢.

(٢) في الكافي والمناقب: باني فارع.

(٣) في «م» وهامش «ش»: الموضع.

(٤) الكافي ١: ٤٠٧ / ٥، مناقب ال ابي طالب ٤: ٣٤٠، ونقله العلّامة المجلسي في البحار ٤٩: ٥٦ / ٧٠.

(٥) كذا في النسخ، والظاهر انّ الصواب محمد بن حمزة بن القاسم، كما في الكافي والاختصاص والبصائر، وفيه: محمد بن حمزة بن القاسم أو عمّن أخبره عنه قال: أخبرني ابراهيم بن موسى، ولا يبعد اتحاده مع محمد بن حمزة بن القاسم الذي عده الشيخ (قده) في اصحاب الامام الرضاعليه‌السلام : ٣٩٢ / ٦٧، والموجود في نقل دلائل الامامة للخبر: محمد بن حمزة الهاشمي، فيحتمل قوياً كونه محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن علي بن أبي طالب، وقد أورد اسمه في المجدي: ٢٢، وذكر ان ابناءه قتلوا مع الكوكبي، والحسين

٢٥٧

الرضاعليه‌السلام في شيءٍ اطلبه منه فكانَ يَعِدُني، فخَرَجَ ذاتَ يوم يَسْتَقْبِلُ والي المدينة وكُنْتُ معه، فجاءَ إِلى قُرْب قَصْرِ فلانٍ فَنَزَلَ عنده تحتَ شَجَراتٍ، ونَزَلْتُ معه وليسَ معنا ثالثٌ فقُلْتُ: جُعِلْتُ فداك، هذا العيدُ قد أظَلَّنا، ولا واللهِّ ما أَمْلِكُ درهماً فما سواه، فحَكَّ بسَوْطِه الأرضَ حَكّاً شديداً، ثم ضرَبَ بيده فتناوَلَ منه سَبيكةَ ذهبٍ ثم قالَ: «اسْتَنْفِعْ بها واكتُمْ ما رَأيْتَ »(١) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلِّى بن محمد، عن مسافر قالَ: كُنْتُ مع أَبي الحسن الرضاعليه‌السلام بمنى فمرَّ يحيى بن خالد فغَطّى وَجْهَه من الغبار، فقالَ الرضاعليه‌السلام : «مساكينُ لا يَدْرُونَ ما يحلُّ بهم في هذه السنة» ثم قالَ: «وأَعْجَبُ من هذا، هارون وأَنا كهاتين » وضَمَّ إِصْبَعَيْه، قالَ مُسافر: فواللهِّ ما عَرَفْت معنى حديثهِ حتّى دَفَنّاه معه(٢) .

__________________

الكوكبي خرج سنة ٢٥٠ كما في مروج الذهب، فيناسب كون والد المقتولين معه من اصحاب الرضاعليه‌السلام .

(١) بصائر الدرجات: ٣٩٤ / ٢، الكافي ١: ٤٠٨ / ٦، دلائل الامامة: ١٩٠، الاختصاص: ٢٧٠، الخرائج والجرائح ١: ٣٣٧ / ٢، بتفصيل، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٤٨.

(٢) الكافي ١: ٤١٠ / ذيل الحديث ٩، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ٢:٢٢٥ / ٢ و ٢٢٦ / ١ و ٢، اعلام الورى: ٣١٢، مناقب آل ابي طالب ٤: ٣٤٠ الى قوله: اصبعيه، الفصول المهمة: ٢٤٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٤٤ / ٥٦.

٢٥٨

فصل

وكانَ المأمونُ قد أَنْفَذَ إِلى جماعةٍ من آل أَبي طالب، فحَمَلَهم إِليه من المدينةِ وفيهم الرضا عليُّ بن موسىعليهما‌السلام ، فأُخِذَ بهم على طريقِ البصرةِ حتى جاؤوه بهم، وكانَ المتولّي لإشْخاصِهم المعروف بالجَلودي(١) ، فقَدِمَ بهم على المأمون فأَنْزَلَهم داراً، وأنزَلَ الرضا عليَّ بن موسىعليهما‌السلام داراً، وأَكْرَمَه وعَظّمَ أَمْرَه، ثم أنْفَذَ إِليه:إِنّي أُريدُ أَنْ أَخْلَعَ نفسي من الخلافةِ وأُقَلِّدك إِيّاها فما رَأيُك في ذلك؟ فأَنْكَرَ الرضاعليه‌السلام هذا الأمرَ وقالَ له: «اُعيذك بالله - يا أمير المؤمنين - من هذا الكلامِ، وأَنْ يَسْمَع به أَحَدٌ « فرَدَّ عليه الرسالةَ: فإِذ أَبَيْتَ ما عَرَضْتُ عليك فلا بُدّ من ولايةِ العهد من بعدي، فأَبى عليه الرضا إِباءاً شديداً، فاسْتَدْعاه إِليه وخَلا به ومعه الفَضْلُ بن سَهْل ذو الرئاستين، ليس في المجلسِ غَيْرهم وقالَ له: إِنّي قد رَأَيْتُ أَنْ أُقَلِّدك أَمْرَ المسلمين، وأَفْسَخَ ما في رَقَبَتي وأَضَعه في رَقَبَتِكَ، فقالَ له الرضاعليه‌السلام : «اللّهَ اللّهَ - يا أمير المؤمنين - إِنّه لا طاقةَ لي بذلك ولا قوّة لي عليه » قالَ له: فأني مُولّيك العهدَ من بعدي، فقالَ له: «أَعْفِني من ذلك يا أَميرَ المؤمنين » فقالَ له المأمون كلاماً فيه كالتهدُّدِ له على الامتناعِ عليه، وقالَ له في كلامه: إِنَّ عمرَ بن الخطّابِ جَعَلَ الشورى في ستّةٍ أحَدهم جَدُّك أَميرُ المؤمنين عليُّ بن أَبي طالب وشَرَطَ فيمن خالَفَ منهم أَن تُضْرَبَ عُنُقُه، ولا بُدَّ من قبولك ما أُريدُه منك،

__________________

(١) هو عيسى بن يزيد الجلودي.

٢٥٩

فإِنَّني لا أجدُ مَحيصاً عنه، فقالَ له الرضاعليه‌السلام : «فإِنّي أجيبُك(١) إِلى ما تُريدُ من ولايةِ العَهْدِ، على أَنّني لا آمُر ولا أَنهى ولا اُفْتي ولا أَقْضي ولا أُوَلّي ولا أَعْزلُ ولا أُغَيِّرُ شَيْئاً ممّا هو قائم » فأَجابَه المأَمونُ إِلى ذلك كلِّه.

أَخْبَرني الشريفُ أبو محمد الحسنُ بن محمد قالَ: حدَّثنا جَدِّي قالَ: حدَّثني(٢) موسى بن سلمة قالَ: كُنْتُ بخراسان مع محمّد بن جعفر، فسَمِعْتُ أَنَّ ذا الرئاستين خَرَجَ ذاتَ يَوْمِ وهو يقولُ: وا عجباه وقد رَأَيْتُ عَجَباً، سَلُوني ما رَأَيْتُ؛ فقالوا: وما رَأَيْت أَصلَحكَ اللهُّ؟ قالَ: رَأَيْتُ المأمون أَميرَ المؤمنينَ يَقولُ لعليّ بن موسى الرضا: قد رَأَيْتُ أَنْ اقلدك أُمورَ المسلمينَ، وأَفْسَخَ ما في رقَبتي وأَجْعَلَه في رَقَبَتِك، ورأَيْتُ عليَّ بن موسى يَقُولُ: «يا أَميرَ المؤمنين لا طاقَة لي بذلك ولا قوّة» فما رَأَيْتُ خلافة قَطُّ كانت أَضْيَعَ منها، إِنّ أَميرَ المؤمنينَ يَتَفَصّى(٣) منها ويَعْرِضُهَا على عَليِّ بن موسى وعَليُّ بن موسى يَرْفُضُها ويأبى(٤) .

وذَكَر جماعةٌ من أَصحاب الأخْبارِ ورُواة السِيَر والآثارِ وأيامِ الخُلفاءِ: أَنَّ المأمون لمّا أَرادَ العقدَ للرضاَ عليِّ بن موسىعليه‌السلام وحَدَّثَ نَفْسَه بذلك، أَحْضَر الفَضْلَ بن سهل فأَعْلَمَه ما قد عَزَمَ عليه من ذلك وأَمَرَه بالاجتماعِ مع أَخيه الحسن بن سهل على ذلك، ففَعَلَ واجْتَمعا بحضرته،

__________________

(١) في «م»:مجيبك.

(٢) في هامش «ش»: حدثنا، وكان في جنبه علامة التصحيح.

(٣) في هامش «ش» و «م»: يتفصّى: اي يتنصّل.

(٤) عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٤١ / ٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ١٣٦ / ١١.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والمماثلة الحقيقية ليست مرادةً ؛ لامتناعها بين الصيد والنَّعَم ، بل المراد من حيث الصورة ، فإنّ النعامة شبه البدنة.

وحَكَم الصحابة في الحيوانات بأمثالها ، فحَكَم عليعليه‌السلام وزيد ابن ثابت وعمر وعثمان وابن عباس ومعاوية في النعامة ببدنة. وحَكَم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة. وحَكَم عمر فيه ببقرة. وحَكَم عليعليه‌السلام في الضبع بشاة(١) ، مع اختلاف الأزمان وتباعد الأمكنة ، ولو كان على وجه القيمة ، لامتنع اتّفاقها في شي‌ء واحد ، وقد حكموا في الحمامة بشاة(٢) ولا تبلغُ الحمامةَ في القيمة.

وما ثبت فيه نصّ مقدّر اتُّبع إمّا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من أحد الأئمةعليهم‌السلام ، ولا يجب استئناف الحكم - وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق وأحمد(٣) - لأنّهم أعرف من غيرهم وأزهد ، فكان قولهم حجّةً.

وقال مالك : يستأنف الحكم ؛ لقوله تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ ) (٤) (٥) .

والجواب : التقدير ثبوت الحكم.

مسألة ٣١٧ : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع ، فمن قتل نعامةً وهو مُحْرم وجب عليه جزور - وبه قال عطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ

____________________

= ٨٢ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٨٦.

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩١ - ٢٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٦) الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣ ، الاُم ٢ : ١٩٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، =

٤٠١

النَّعَمِ ) (١) .

وروى العامّة : أنّ علياعليه‌السلام حكم فيها ببدنة(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي النعامة جزور »(٣) .

وفي حديث آخر : « بدنة »(٤) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد تقدّم(٥) .

ولو لم يجد البدنة ، قوّم البدنة ، وفضّ قيمتها على البرّ ، وأطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ ) (٧) بقراءة الخفض(٨) ، وهو يقتضي أن يكون الجزاء بدلا عن المثل من النّعم ، لأنّ تقديرها : فجزاء بمثل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٩) .

وقال مالك : يقوّم الصيد لا المثل ، لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف‌

____________________

= فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ و ٤٣٨.

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

(٥) تقدّم في المسألة السابقة.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المغني ٣ : ٥٨٨.

(٧) المائدة : ٩٥.

(٨) أي : بالإِضافة.

(٩) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤٠٢

قوّم المتلف كالذي لا مثل له(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يجب المثل ، بل قيمة الصيد ، فإن شاء تصدّق بها ، وإن شاء اشترى شيئاً من النَّعَم التي تجزئ في الأضحية يذبح ، وإن شاء صرفها إلى الطعام ، فأعطى كلّ مسكين نصف صاع من بُرٍّ أو صاعاً من غيره ، أو صام عن كلّ نصف صاع من بُرٍّ أو صاع من غيره يوماً(٢) .

ولو لم يجد الإِطعام ، قوّم الجزور بدراهم والدراهم بطعام على ما قلناه ، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوماً - وبه قال ابن عباس والحسن البصري والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر(٣) - لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٤) .

وقال عطاء : يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً - وبه قال مالك والشافعي ، وعن أحمد روايتان - لأنّ الله تعالى جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين ، فكذا هنا(٥) .

ويبطل بتقديم النصّ على القياس.

مسألة ٣١٨ : واختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد :

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٥٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٩ - ١٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

٤٠٣

فقال بعضهم : إنّها على الترتيب(١) - وبه قال ابن عباس والتوري وابن سيرين ، ونقله أبو ثور عن الشافعي في القديم(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على ذلك - يعني الذبح - قوّم جزاء الصيد وتصدّق بثمنه على المساكين » ثم قال : « فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوماً»(٣) وهو يدلّ على الترتيب.

ولأنّ هدي المتعة على الترتيب ، وهذا آكد منه ، لأنّه فعل محظور.

وقال بعضهم : إنّها على التخيير(٤) - وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان(٥) - وهو المعتمد ، لقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٦) و « أو » للتخيير.

قال ابن عباس : كلّ شي‌ء « أو ، أو » فهو مخيّر ، وأمّا ما كان « فإن لم يجد » فهو الأوّلُ الأوّلُ. رواه العامّة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكلّ شي‌ء في القرآن ( فمن لم يجد فعليه كذا ) فالأول بالخيار »(٨) .

ولأنّها فدية تجب بفعل محظور ، فكان مخيّراً بين ثلاثتها ، كفدية الأذى.

____________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٤ - ٢٨٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٢.

(٤) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣١.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨‌.

(٦) المائدة : ٩٥.

(٧) المغني ٣ : ٥٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

٤٠٤

وقال الشافعي قولاً آخر : إنّه لا إطعام في الكفّارة ، وإنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام ؛ لأنّ مَنْ قَدَر على الإِطعام قَدَر على الذبح ، وهو مروي عن ابن عباس وعن أحمد(١) أيضاً.

وهو خطأ لأنّ الله تعالى سمّى الإِطعام كفّارةً ، ولو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارةً وجعله طعاماً للمساكين ، وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم.

ولأنّه عطف الطعام على الهدي ثم عطف الصوم عليه ، ولو لم تكن إحدى الخصال لم يجز ذلك فيه.

ونمنع أنّ مَنْ قَدَر على الطعام قدر على الهدي ، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما.

مسألة ٣١٩ : لو زادت قيمة الفداء على إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع ، لم يلزمه الزائد ، وأجزأه إطعام الستّين ، ولو نقص عن إطعام الستّين ، لم يجب الإكمال ، بل أجزأه وإن كان ناقصاً.

وكذا لو زاد ثمن الطعام على صيام ستّين يوما لكلّ يوم نصف صاع ، لم يجب عليه صوم الزائد على الستّين ، ولو نقص ، أجزأه الناقص ، ولا يجب عليه إكمال الصوم.

والعامّة لم يعتبروا ذلك ؛ لأنّها كفّارة ، فلا تزيد على إطعام ستّين ولا على صيام ستين ، لأنّها أعلى مراتب الكفّارات.

وقول الصادقعليه‌السلام في مُحْرم قتل نعامةً ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً ، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة »(٢) .

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، وفيه : وهذا قول الشعبي ، بدل الشافعي.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ /٧ ١١٨٥.

٤٠٥

إذا عرفت هذا ، فلو بقي ما لا يعدل يوماً ، كربع الصاع ، كان عليه صيام يوم كامل ، وبه قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض ، والسقوط غير ممكن ؛ لشغل الذمّة ، فيجب إكمال اليوم.

مسألة ٣٢٠ : لو عجز عن البدنة وإطعام ستّين وصوم شهرين ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإِطعام ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإِبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنةً فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام »(٢) .

مسألة ٣٢١ : في فراخ النعامة لعلمائنا قولان :

أحدهما : من صغار الإِبل(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

والثاني : فيه مثل ما في النعامة سواء(٥) ، وبه قال مالك(٦) .

احتجّ الأوّلون : بقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٧) ومثل الصغير صغير.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٥٩ - ٥٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٣) من القائلين به : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣١ و ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢.

(٥) من القائلين به : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٥ والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤.

(٧) المائدة : ٩٥.

٤٠٦

ولأنّ فرخ الحمام يضمن بمثله ، فكذا فرخ النعامة.

واحتجّ الآخرون : بقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (١) ولا يجزئ في الهدي صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام في قوم حجّاج مُحْرمين أصابوا فراخ نعام ، فأكلوا جميعاً ، قال : « عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعاً يشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال »(٢) .

الثاني : كفّارة قتل حمار الوحش وبقرته.

مسألة ٣٢٢ : لو قتل الـمُحْرم حمارَ الوحش ، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا - وبه قال عمر وعروة ومجاهد والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - للمماثلة بين حمار الوحش والبقرة الأهلية.

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقعليه‌السلام : قلت : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « عليه بقرة »(٤) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : عليه بدنة. وهو مروي عن أبي عبيدة وابن عباس ، وبه قال عطاء والنخعي(٥) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد سلف(٦) .

إذا ثبت هذا ، ففي بقرة الوحش بقرة أهلية أيضاً عند علمائنا ، وهو مروي‌

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، الاُم ٢ : ١٩٢ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٦) سلف في صفحة ٣٩٩.

٤٠٧

عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من أبي حنيفة(٢) ؛ لأنّ الصحابة نصّوا فيها على ذلك(٣) . وللمشابهة في الصورة. ولرواية أبي بصير ، الصحيحة ، وقد سلفت(٤) .

مسألة ٣٢٣ : لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته ، قوّم ثمنها بدراهم وفضَّه على الحنطة ، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكيناً ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا.

وقال مالك : إنّما يقوّم الصيد. وقد سلف(٥) البحث معه.

وقد روى أبو عبيدة عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٦) .

وعن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « بقرة » قلت : فإن لم يقدر على بقرة؟ قال : « فليطعم ثلاثين مسكيناً »(٧) .

مسألة ٣٢٤ : لو لم يتمكّن من الإِطعام ، صام ثلاثين يوما كلّ يوم بإزاء نصف صاع ، ولو لم يبلغ الإطعام ذلك ، لم يكن عليه الإِكمال ، ولو فضل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادر قوله في صفحة ٣٩٩ ، الهامش (٧)

(٣) كما في المغني ٣ : ٥٤٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، والمجموع ٧ : ٤٢٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٨٢.

(٤) سلفت في صدر المسألة.

(٥) سلف في المسألة ٣١٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

٤٠٨

لم تجب عليه الزيادة عن ثلاثين ؛ لما تقدم(١) في النعامة.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « لكلّ طعام مسكين يوماً »(٢) .

والخلاف في الترتيب والتخيير هنا كما تقدّم(٣) .

ولو لم يتمكّن من هذه الأصناف ، صام تسعة أيّام ؛ لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يجد(٤) فليطعم ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد(٥) فليصم تسعة أيّام »(٦) .

الثالث : في كفّارة الظبي والثعلب والأرنب.

مسألة ٣٢٥ : لو قتل الـمُحْرم ظبياً ، وجب عليه دم شاة ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وعطاء وعروة وعمر بن الخطّاب والشافعي وأحمد وابن المنذر(٧) ؛ لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة ، ولم يُعلمْ لهم مُخالف ، فكان حجّةً.

وما رواه العامّة عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( وفي الظبي شاة )(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي الظبي شاة »(٩) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ٣١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤.

(٣) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٤و٥) في المصدر : فإن لم يقدر.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٦ و ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢.

(٨) سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٧ / ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٩) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

٤٠٩

وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة. وقد تقدّم(١) البحث معه.

مسألة ٣٢٦ : لو عجز عن الشاة ، قوّم ثمنها دراهم ، وفضَّه على البُرّ ، وأطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، ولو زاد التقويم على ذلك ، لم تجب عليه الزيادة على إطعام العشر ، ولو نقص ، لم يجب عليه الإِكمال ؛ لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين وأذى الحلق وغيرهما.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب الـمُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [ الصيد ](٢) قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٣) .

وسأل أبو بصير الصادقَعليه‌السلام : فإن أصاب ظبياً ما عليه؟ قال : « عليه شاة » قلت : فإن لم يجد شاةً؟ قال : « فعليه إطعام عشرة مساكين »(٤) .

مسألة ٣٢٧ : لو عجز عن الإِطعام ، صام عن كلّ نصف صاع يوماً ، ولو زاد التقويم على خمسة أصْوُعٍ ، لم يكن عليه صوم عن الزائد ، ولو نقص ، لم يكن عليه إلّا بقدر التقويم ؛ لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٥) .

____________________

(١) تقدّم في صفحة ٣٩٩.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤١٠

واعلم أنّ الخلاف هنا في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم(١) .

ولو عجز عن الشاة وإطعام عشرة مساكين وصوم عشرة أيّام ، صام ثلاثة أيّام ؛ لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين ، وكذا في كفارة الأذى ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ(٢) »(٣) .

مسألة ٣٢٨ : وفي الثعلب شاة ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل قتل ثعلباً ، قال : « عليه دم » قلت : فأرنباً؟ قال : « مثل ما في الثعلب »(٤) .

قال الشيخان رحمهما الله تعالى : إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي(٥) . ولم يثبت.

ويمكن الاحتجاج بقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ »(٦) .

إذا عرفت هذا ، ففي الأرنب شاة ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال عطاء(٧) - لأنّه كالثعلب ، فيكون جزاؤه مساوياً لجزائه.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « في الأرنب شاة »(٨) .

____________________

(١) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٢) كلمة « في الحج » لم ترد في المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٨.

(٥) المقنعة : ٦٨ ، النهاية : ٢٢٢ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٨) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٩.

٤١١

وقال ابن عباس : فيه حمل(١) .

وقال الشافعي : فيه عناق(٢) . وهو الاُنثى من ولد المعز في أول سنة ، والذكر جدي.

إذا عرفت هذا ، فقال بعض علمائنا : إنّ فيه مثل ما في الظبي(٣) ؛ لما تقدّم في الثعلب.

الرابع : كسر بيض النعام.

مسألة ٣٢٩ : إذا كسر الـمُحْرم بيض نعامة ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإِبل ، ولا تُشترط الاُنوثة ، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه أن يرسل فحولة الإِبل في إناث منها بعدد البيض ، فالناتج هديٌ لبيت الله تعالى ، ذهب إليه علماؤنا.

لنا : أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة ، فعليه مثله من الإِبل ، ومع عدمه يحتمل الفساد والصحة ، فكان عليه(٤) ما يقابله من إلقاء المني في رحم الاُنثى المحتمل للفساد والصحة.

ولما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كسر بيض نعامة وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : « عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر»(٥) .

وسأل رجلٌ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام : إنّي خرجت مُحرماً ، فوطأَتْ‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٢) الاُم ٢ : ١٩٣ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، وسلّار في المراسم : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٠ - ١٣١.

(٤) في « ن » : فيه.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٨.

٤١٢

ناقتي بيض نعام فكسَرَتْه ، فهل عليَّ كفّارة؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فاسأل ابني الحسن -عليه‌السلام - عنها » وكان بحيث يسمع كلامه ، فتقدّم إليه الرجل ، فسأله ، فقال له : « يجب عليك أن ترسل فحولة الإِبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هديٌ لبيت الله عزّ وجلّ » فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يا بُنيّ كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإِبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟ » فقال : « يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق(١) » فتبسّم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال له : « صدقت يا بُنيّ » ثم تلا( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) (٣) .

وقال الشافعي : يجب عليه قيمة البيض - وبه قال عمر بن الخطّاب وابن مسعود والنخعي والزهري وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّ البيض لا مثل له ، فتجب القيمة.

ولما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( في بيض النعام يصيبه الـمُحْرم : ثمنه )(٤) (٥) .

ونمنع عدم المثل ؛ لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي.

والحديث مرسل لا اعتداد به.

وقال مالك : يجب في البيضة عُشْر قيمة الصيد(٦) .

____________________

(١) مرقت البيضة : إذا فسدت فصار ماءً. لسان العرب ١٠ : ٣٤٠ « مرق ».

(٢) آل عمران : ٣٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٣١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، الاُم ٢ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٣ ، المحلّى ٧ : ٢٣٣ و ٢٣٥.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ - ٣٦٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٤٤١.

٤١٣

وقال داود وأهل الظاهر : لا شي‌ء في البيض(١) .

مسألة ٣٣٠ : لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف ، فكان عليه ضمانه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ما وطأْتَه أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه»(٢) .

والاعتبار في العدد بالإِناث ، فيجب لكلّ بيضة اُنثى ، ولو كان الذكر واحداً أجزأه ؛ لأنّ الإِنتاج مأخوذ من الإِناث.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة »(٣) .

مسألة ٣٣١ : لو لم يتمكّن من الإِبل ، كان عليه عن كلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد ، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يجد ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّها تثبت بدلاً في كفّارات متعدّدة ، فكذا هنا.

ولرواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو مُحْرم ، قال : « يُرسل الفحل في الإِبل على عدد البيض » قلت : فإنّ البيض يفسد كلّه ويصلح كلّه ، قال : « ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء ، فمن لم يجد إبلاً فعليه لكلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو كسر بيضةً فخرج منها فرخ حيّ وعاش ، لم يكن‌

____________________

(١) المحلّى ٧ : ٢٣٣ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢ و ٤٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ ذيل الحديث ٦٨٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

٤١٤

عليه شي‌ء ، ولو مات ، كان فيه ما في صغير النعام.

ولو باض الطير على فراش مُحْرمٍ ، فنقله إلى موضعه فنفر الطير فلم يحضنه ، لزمه الجزاء. وللشافعي قولان(١) .

ولو كسر بيضةً فيها فرخ ميّت ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا لو كان البيض فاسداً.

وقال الشافعي : إن كان بيض نعام ، كان عليه القيمة ؛ لأنّ للقشر قيمةً(٢) .

وليس بمعتمد ؛ لأنّه بمنزلة الحجر والخشب ، ولهذا لو نقب بيضةً فأخرج ما فيها أجمع ، ضمنها ، ولو كسرها آخرٌ بعده ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء »(٣) .

الخامس : كسر بيض القطا والقبج.

مسألة ٣٣٢ : لو كسر الـمُحْرم بيضةً من بيض القطا أو القبج ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضةٍ مخاضٌ من الغنم ، وإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي لبيت الله تعالى.

وقالت العامّة : إنّ عليه القيمة(٤) . وقد تقدّم(٥) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن مُحْرم وطأ بيض القطا فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في مثل‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ - ٤٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

(٤) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢.

(٥) تقدّم في المسألة ٣٢٩.

٤١٥

عدد البيض من الإِبل »(١) .

وأمّا وجوب المخاض للمتحرّك : فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ ، فكان عليه صغير من ذلك النوع ، كما في بيض النعام.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « في كتاب عليعليه‌السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه الـمُحْرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإِبل »(٢) .

مسألة ٣٣٣ : لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها ، قال الشيخرحمه‌الله : كان حكمه حكم بيض النعام سواء(٣) .

و نَقَل عن المفيد أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، ذبح عن كلّ بيضة شاةً ، فإن لم يجد ، أطعم عن كلّ بيضة عشرةَ مساكين ، فإن لم يقدر ، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام(٤) .

والأقرب : أنّ مقصود الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإِطعام ؛ لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه!؟

تنبيه : يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه ، فيتصدّق‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٠٣ / ٦٨٩‌

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ - ٣٩٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٧.

(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٥.

(٤) السرائر : ١٣٢ - ١٣٣ ، وراجع : المقنعة : ٦٨.

٤١٦

به على مساكين الحرم إمّا بأن يُفرّق اللحم ، أو يُملّكهم جملته مذبوحاً ، ولا يجوز أن يُخرجه حيّاً.

وإذا قوّم المثل دراهم ، لم يجز له أن يتصدّق بها ، بل يجعلها طعاماً ، ويتصدّق بها.

ولو صام عن نصف الصاع بقدره فانكسر ، وجب صوم يوم كامل ؛ لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض.

البحث الثاني : فيما لا بدل له على الخصوص‌(١)

مسألة ٣٣٤ : الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته ، ويعبُّ الماء بأن يضع منقاره فيه ، فيكرع كما تكرع الشاة ، ولا يأخذ قطرةً قطرةً بمنقاره ، كما يفعل الدجاج والعصفور.

وقال الكسائي : إنّه كلّ مطوّق(٢) فالحجل حمام ، لأنّه مطوَّق.

ويدخل في الأول : الفواخت والوارشين والقماري والدباسي والقطا.

إذا عرفت هذا ، ففي كلّ حمامة شاة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث ؛ فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة ، وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق(٣) - لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه قضى في الحمام حال الإِحرام‌

____________________

(١) أي : فيما ليس لكفّارته بدل على الخصوص.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، الاُم ٢ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، المحلّى ٧ : ٢٢٩ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٤١٨ / ٨٢٨٥.

٤١٧

بالشاة ، ولم يخالفه أحد من الصحابة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم إذا أصاب حمامةً ففيها شاة »(٢) .

ولأنّها حمامة [ مضمونة ](٣) لحقّ الله تعالى ، فضُمنت بالشاة ، كحمامة الحرم.

ولأنّ الشاة مِثْلٌ لما في الحرم فتكون كذلك في الإِحرام ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٤) .

وقال أبو حنيفة ومالك : فيه القيمة - إلّا أنّ مالكاً وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإِحرام - لأنّ الحمامة لا مثل لها ، فتجب القيمة.

ولأنّ القياس يقتضي القيمة في كلّ الطير ، تركناه في حمام الحرم ؛ لقضاء الصحابة ، فيبقى ما عداه على الأصل(٥) .

وقد بيّنّا أنّ المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة ، بل ما شابهها شرعاً ، وقد بيّنّا أنّ الشارع حَكَم في الحمامة بشاة ، مع قوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٦) فدلّ على ثبوت المماثلة الشرعية بينهما. وهو الجواب عن الثاني.

مسألة ٣٣٥ : الشاة تجب بقتل الـمُحْرم للحمامة ، أمّا الـمُحِلُّ لو قتلها في الحرم ، فإنّه يجب عليه القيمة ، وهي درهم عند علمائنا ، لقول الصادق‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٢٠٥ ، المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٨.

(٣) أضفناها من المغني والشرح الكبير.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧.

(٦) المائدة : ٩٥.

٤١٨

عليه‌السلام : « في الحمامة درهم »(١) .

وسأل عبدُ الرحمن بن الحجّاج الصادقَعليه‌السلام : عن فرخين مسرولين(٢) ذبحتُهما وأنا بمكة مُحِلٌّ ، فقال لي : « لِمَ ذبحتهما؟ » قلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة ، فسألتني أن أذبحهما لها ، فظننت أنّي بالكوفة ، ولم أذكر أنّي بالحرم فذبحتُهما ، فقال : « تصدّق بثمنهما » قلت : كم ثمنهما؟ قال : « درهم خيرٌ من ثمنهما »(٣) .

ولو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص ، فالأقرب : الغرم ؛ عملاً بالنصوص ، والأحوط : وجوب الأزيد من الدرهم والقيمة.

مسألة ٣٣٦ : لو كان القاتل للحمام مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة ودرهم ؛ لأنّه يهتك حرمةَ الحرم والإِحرام ، فكان عليه فداؤهما.

ولأنّ الشاة تجب على الـمُحْرم في الحِلّ ، والدرهم يجب على الـمُحِلّ في الحرم ، فالـمُحْرم في الحرم يجب عليه الأمران ؛ لأنّه اجتمع فيه الوصفان :

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم قتل حمامةً من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : « عليه شاة » قلت : فإن(٤) قتلها في جوف الحرم؟ قال : « عليه شاة وقيمة الحمامة » قلت : فإن(٥) قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : « عليه ثمنها ليس غيره »(٦) .

مسألة ٣٣٧ : لو قتل فرخاً من فراخ الحمام ، وجب عليه حمل قد فُطم ورعى الشجر إن كان مُحْرماً ؛ لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء والصيد ، ومثل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٢) أي : في رجليهما ريش. مجمع البحرين ٥ : ٣٩٦ « سرول ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨١.

(٤ و ٥) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّه. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٧ / ١٢٠٣.

٤١٩

الصغير صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن »(١) .

ولو كان القاتل للفرخ مُحِلاً في الحرم ، وجب عليه نصف درهم ، ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب حملٌ ونصفُ درهم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض رُبْع درهم »(٢) .

مسألة ٣٣٨ : لو كسر الـمُحْرم بيض الحمام ولم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم ، وإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل ، هذا إن كان في الحلّ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن وطأ الـمُحْرم بيضةً فكسرها فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق به بمكة ومنى ، وهو قول الله تعالى :( تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ ) (٣) »(٤) .

ولو كان الكاسر مُحلاً في الحرم ، فعليه لكلّ بيضة رُبْع درهم ؛ لقولهعليه‌السلام : « وفي البيض رُبْع درهم »(٥) .

ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهمٌ ورُبْعٌ.

مسألة ٣٣٩ : لا فرق بين حمام الحرم والأهلي في القيمة إذا قُتل في الحرم ، إلّا أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه ، والأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين ، عند العلماء ، إلّا داود ؛ فإنّه قال : لا جزاء في صيد الحرم(٦) ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٣) المائدة : ٩٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٣.

(٥) المصادر في الهامش (٢)

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، المسألة ٢٧٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563