الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد10%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182003 / تحميل: 9882
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسَنَ، وكانَ جليلَ القدرِ كريمَ الطّبعِ ظَلِفَ النّفسِ(١) ثيرَ البِرِّ، ومدحَه الشّعراءُ وقصدَه النّاسُ منَ الآفاقِ لطلبِ فضلهِ.

فذكرَ أصحابُ السِّيرِة: أنّ زيدَ بنَ الحسنِ كانَ يلي صدقاتِ رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا وُلِّيَ سليمانُ بنُ عبدِ الملكِ كتبَ إِلى عاملِه بالمدينةِ: أمّا بعدُ فإِذا جاءَكَ كتابي هذا، فاعزِلْ زيداً عن صدقاتِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وادفَعْها إِلى فلانِ ابنِ فلانٍ - رجل من قومِه - وأعِنْه على ما استعانَكَ عليهِ، والسّلامُ.

فلما استُخْلِفَ عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ إِذا كتابٌ قد جاءَ(٢) منه: أمّا بعدُ فإنّ زيدَ بنَ الحسنِ شريفُ بني هاشمٍ وذوسِنِّهم، فإِذا جاءَكَ كتابي هذا فاردُدْ اليه صدقاتِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله واعِنْه على ما استعانَكَ عليه، والسّلامُ(٣) .

وفي زيدِ بنِ الحسنِ يقولُ محمّدُ بنُ بَشيرٍ الخارِجيُّ:

إِذَا نَزَلَ ابْنُ المُصْطَفَى بَطْنَ تَلْعَةٍ(٤)

نَفَى جَدْبَهَا وَاخْضَرَّ بِالنَّبْتِ عُوْدُهَا

وَزيدٌ رَبِيْعُ النَّاسِ فيْ كُلِّ شَتْوة

إِذَا أخْلـفَتْ أنـوَاؤُهَا(٥) وَرُعوْدُهـا

__________________

(١) ظلف النفس: عزيزها. «الصحاح - ظلف - ٤: ١٣٩٩».

وفي «م»! وهامش «ش»: ظريف النفس.

(٢) في هامش «ش» و «م»: ورد.

(٣) ذكر الذهبي استخلاف عمر بن عبد العزيز لزيد بن الحسن على الصدقات. انظر سير اعلام النبلاء ٤: ٤٨٧ / ١٨٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٦٣ / ٢.

(٤) التلعة: مسيل ماء من أعلى الأرض الى بطن الوادي «الصحاح - تلع - ٣: ١١٩٢ ».

(٥) الأنواء: جمع نوء، وهوسقوط نجم وطلوع نجم، وكانت العرب تنسب المطر الى الأنواء، فتقول: مطرنا بنوء كذا. «مجمع البحرين - نوأ - ١: ٤٢٣ ». وفي هامش «ش»: »:

٢١

حَمُوْلٌ لأشْنَاقِ(١) الدِّيَاتِ كَأنَّهُ

سِرَاجُ الدُّجَىِ إِذْ قَارَنته سُعُوْدُهَا(٢)

وماتَ زيد وله تسعونَ سنة، فرثَاه جماعةٌ منَ الشُّعراءِ وذكروا مآثره وبكَوا فضلَه، فممّن رثاه قُدامةُ بنُ موسى الجُمَحِيّ فقالَ:

فَإِنْ يَكُ زَبْدٌ غَالَتِ الأرْضُ شَخْصَهُ

فَقَدْ بَانَ مَعْرُوْف هُنَاكَ وَجُوْدُ

وانْ يك أمسى رهنَ رَمْسٍ فقد ثَوَى

بهِ وَهْوَ مَحموْدُ الْفعَالِ فَقِيْدُ

سَمِيْعٌ إِلىَ المُعْتَرّ يَعْلَمُ أنَهُ

سًيَطْلُبُهُ اْلمَعْرُوْفَ ثُمَّ يَعُوْدُ

وَلَيْسَ بِقَوَّالٍ وَقَد ْحَطَّ رَحْلَه

لِمُلْتَمِسِ اْلمَعْرُوْفِ أيْنَ تُرِيْدُ

إِذَا قَصَّرَ الْوَغْد الدَّنيُّ نَمَا بِهِ

إِلَى اْلمَجْدِ ابَاءٌ لَهُ وَجدُوْدُ

مَبَاذِيْلُ لِلْمَوْلىَ مَحَاشِيْدُ لَلْقِرَى

وَفي الرَّوْعِ عِنْدَ النَّائِبَاتِ أُسُودُ

إِذَا انْتُحِلَ الْعِزُّالطَّرِيْفُ فَإِنَّهُمْ

لَهُم إِرْثُ مَجْدٍ مَا يُرَامُ تَلِيْدُ

إِذَا مَاتَ مِنْهًمْ سَيِّدٌ قَامَ سَيِّدٌ

كَرِيْمٌ يُبَنِّيْ بَعْدَهُ ويَشِيْدُ(٣)

في أمثالِ هذا ممّا يطولُ به الكتاب.

وخرجَ زيدُ بنُ الحسنِ رضيَ اللهُ عنه منَ الدُّنيا ولم يدَعِ الأمامةَ، ولا ادَّعاها له مُدَّعٍ منَ الشِّيعةِ ولا غيرهم، وذلكَ أنَّ الشِّيعةَ رجلانِ: إِمامّي

__________________

الأنواء منازل القمر.

(١) في هامش «ش» و «م»: الاشناق: ما دون الديات، مثل أروش الجراحات، والشنق أيضاً في الزكاة: ما دون النصاب.

(٢) ذكره البلاذري في أنساب الأشراف ٣: ٧٢ / ٨٤ عدا البيت الاول.

(٣) ذكر البلاذري البيت الأول فقط ٣: ٧٢ و ٧٣، وذكر محقق أنساب الأشراف الشيخ المحمودي عن تاريخ دمشق لابن عساكرج ٦: ٣٠٢ ب القصيدة كاملة.

٢٢

وزيديّ، فالأماميُّ يَعتمدُ في الإِمامةِ النُّصوصَ، وهي معدومة في ولدِ الحسنِعليه‌السلام باتِّفاق، ولم يدَّعِ ذلكَ أحدٌ منهم لنفسهِ فيقع فيه ارتيابٌ.

والزّيديُّ يُراعي في الأمامةِ بعدَ عليٍّ والحسنِ والحسينِعليهم‌السلام الدعوةَ والجهادَ، وزيدُ بن الحسنِ رحمةُ اللهِ عليهِ كانَ مُسالِماً لبني أُميّةَ ومُتقلِّداً من قِبَلِهم الأعمالَ، وكان رأْيُه التّقيَّةَ لأعدائه والتألُّفَ لهم والمداراةَ، وهذا يُضادُّ عندَ الزّيديّةِ علاماتِ الأمامةِ كما حَكَيْناه.

فأمّا الحَشْويّة فإِنّها تَدينُ بامِامةِ بني أُمَّيَةَ، ولا ترى لولدِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامةً على حالٍ.

والمُعتزلةُ لا ترى الأمامةَ إلاٌ فيمن كانَ على رأيِها في الاعتزالِ، ومن تَوَلَّوا - هم - العقدَ له بالشورى والاختيار، وزيدٌ على ما قدّمْنا ذكرَه خارج عن هذه الأحوال.

والخوارجُ لا ترى إِمامةَ من تولىّ أميرَ المؤمنينَ عليَّ بنَ أبي طالبٍعليه‌السلام ، وزيدٌ كانَ متولِّياً أباه وجدّه بلا اختلافٍ.

فصل

فأمّا الحسنُ بنُ الحسنِ فكانَ جليلاً رئيساً فاضلاً وَرِعاً، وكانَ يَلي صدقاتِ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام في وقتِه، وله معَ الحَجَّاجِ خبرٌ رواه الزُّبيرُ بنُ بكّارٍ قالَ: كانَ الحسنُ بنُ الحسنِ والياً صدقاتِ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام في عصرِه، فسايرَ يوماً الحَجَّاجَ بنَ يوسفَ في موكبِه - وهو إِذْ ذاكَ أمير المدينةِ - فقالَ له الحَجَّاجُ: أدْخِلْ

٢٣

عُمَرَ بنَ عليٍّ معَكَ في صدقةِ أبيه، فإِنّه عمُكَ وبقيّةُ أهلِكَ، فقالَ له الحسنُ: لا أُغيّرُشرطَ عليٍّ ولا أُدْخِلُ فيها من لمِ يُدْخِلْ، فقالَ له الحَجَّاجُ: إِذاً أُدْخِله أنا معَكَ.

فنكصَ الحسنُ بنُ الحسنِ عنه ( حتّى غفلَ )(١) الحَجَّاجُ، ثمّ توجّهَ إِلى عبدِ الملكِ حتّى قَدِمَ عليه فوقفَ ببابهِ يَطلُبُ الإذن، فمرّ به يحيى بن أُمِّ الحَكَمِ فلمّا رآه يَحيى مالَ إِليه وسلّمَ عليه وسألَه عن مَقدَمِه وخبرِه، ثمَّ قالَ: إِنِّي سأنفعُكَ عندَ أميرِ المؤمنينَ - يعني عبدَ الملكِ - فلمّا دخلَ الحسنُ ابنُ الحسنِ على عبدِ الملكِ رَحّبَ به وأحسنَ مُسَاءَلَتَه، وكانَ الحسنُ قد أسرعَ إليه الشَّيبُ، ويَحيى بن أُمِّ الحكمِ في المجلسِ، فقالَ له عبدُ الملكِ: لقد أسرعَ إليكَ إليكَ الشيبُ يا با محمّدٍ، فقالَ يَحيى: وما يمنعُه يا أمير المؤمنينَ؟ شيَّبَه أمانيُّ أهلِ العراقِ، يَفِدُ(٢) عليه الرّكبُ يُمَنُّونَه الخلافةَ. فأقبلَ عليه الحسنُ فقالَ: بئْسَ والله الرِّفدُ رَفَدْتَ، لست(٣) كما قلتَ، ولكنّا أهلُ بيتٍ يُسرعُ إِليناَ الشَّيبُ. وعبدُ الملكِ يَسمعُ، فأقبلَ عليه عبدُ الملكِ فقالَ: هلّم بما(٤) قدمتَ له، فاخبرهَ بقولِ الحجّاج فقالَ: ليس ذلكَ له، أكْتُبُ إِليه كتاباً لا يتجاوزه. فكتبَ إِليه ووصلَ الحسنَ بنَ الحسنِ فأحسنَ صِلَتَه.

فلمّا خرجَ من عندِه لَقِيَه يَحيى بن أُمِّ الحكمِ، فعاتبَه الحسن على

__________________

(١) كذا في النسخ الثلاث، لكن في هامش «ح » والبحار: حين غفل، والظاهر ان الصحيح: حتى قفل - بالقاف - أي رجع. انظر مختصر تاريخ دمشق ٦: ٣٣٠.

(٢) في «م» وهامش «ش»: يغدو.

(٣) في هامش «ش»: ليس.

(٤) في «م» وهامش «ش»: ما.

٢٤

سوء مَحْضَرِه وقالَ له: ما هذا الّذي وعدْتَني به؟ فقالَ له يَحيى: إِيهاً عنكَ، فواللهِ لا يَزالُ يَهابُكَ، ولولا هَيْبَتُكَ ما قضى لكَ حاجةً، وما ألَوْتُكَ رِفْداً(١) .

وكانَ الحسنُ بنُ الحسنِ حضرَمعَ عمِّه الحسينِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام الطّفَّ، فلما قُتِلَ الحسينُ وأسِرَ الباقونَ من أهلِه، جاءه أسماءُ بنُ خارِجةَ فانتزعَه من بينِ الأسرى وقالَ: واللّهِ لا يُوصَلُ إِلى ابن خَوْلَةَ أبداً، فقالَ عُمَرُ بنُ سعدٍ: دَعُوا لأبي حَسَّان ابنَ أُختِه. ويُقالُ إِنّه أُسِرَ وكانَ به جِراح قد أشفى منها.

ورُويَ:أنّ الحسنَ بنَ الحسنِ خطبَ إلى عمِّه الحسينِعليه‌السلام إحدى ابنتيه، فقالَ له الحسينُ: «اختَرْ يا بُنيَّ أحبَّهُما إِليكَ » فاستحيا الحسنُ ولم يُحرْ جواباً، فقالَ الحسينُعليه‌السلام : «فإِنِّي قدِ اخترتُ لكَ ابنتي فاطَمةَ، وهي أكثرُهما شبهاً بأُمِّي فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِما»(٢) .

وقُبضَ الحسنُ بنُ الحسنِ رضوانَ اللهِ عليه وله خمسُ وثلاثونَ سنةً وأخَوه زيدُ بنُ الحسنِ حيُّ، ووصّى إِلى أخيه من أُمِّه إِبراهيم بن محمّدِ بنِ طلحةَ.

__________________

(١) وذكر البلاذري في انساب الاشراف ٣: ٧٣ / ٨٥ الخبر مختصراً، وكذا الذهبي في سير أعلام النبلاء ٤: ٤٨٥، وفي هامش السير نقله عن مصعب الزبيري في نسب قريش: ٤٦، ٤٧، وتاريخ دمشق لابن عساكر ٤: ٢١٨ آ، ب، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٦٦.

(٢) مقاتل الطالبيين: ١٨٠، الأغاني ٢١: ١١٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٦٧ / ٣.

٢٥

ولمّا ماتَ الحسنُ بنُ الحسنِ رحمةُ اللهِّ عليه ضَرَبَتْ زوجتُه فاطمةُ بنتُ الحسينِ على قبرِه فسطاطاً، وكانتْ تقومُ الليلَ وتصومُ النّهارَ، وكانتْ تُشبَّهُ بالحورِ العينِ لجمالِها، فلمّا كانَ رأسُ السّنةِ قالتْ لمواليها: إِذا أظلمَ الليلُ فقَوِّضُوا هذا الفسطاطَ، فلمّا أظلمَ الليلُ سَمِعَتْ قائلاً يقول هَلْ وَجَدُوا ما فَقَدُوا؟ فاجابَه آخرُ: بَلْ يَئِسُوْا فانْقَلَبُوْا.

ومضى الحسنُ بنُ الحسنِ ولم يَدَّعِ الأمامةَ ولا ادّعاها له مُدَّعٍ، كما وصفْناه من حالِ أخيه زيدٍ رحمةُ اللّهِ عليهما.

وأمّا عَمْروٌ والقاسمُ وعبدُ اللهِ بنو الحسنِ بنِ عليّ رضوانُ اللهِ عليهم فإِنَّهم استُشْهِدُوا بينَ يَدَيْ عمِّهم الحسينِعليه‌السلام بالطّفِّ رضيَ الله عنهم وأرضاهم وأحسنَ عن الدِّينِ والإسلام وأهلهِ جَزاءهم.

وعبدُ الرّحمن بن الحسنِ رضيَ اللهُ عنه خرجَ معَ عمِّه الحسينِعليه‌السلام إِلى الحجِّ فتُوفِّيَ بالأبواءِ وهومُحْرِمٌ.

والحسينُ بنُ الحسنِ المعروفُ بالأثرم كانَ له فضلٌ ولم يكنْ له ذِكر في ذلك.

وطلحةُ بنُ الحسنِ كانَ جَواداً.

٢٦

باب ذكر الأمام بعدَ الحسنِ بنِ عليّ عليهما السّلامُ

وتارَيخ مولدِه، ودلائل إمامتهِ،

ومبلغ سنِّه، ومدّة خلافتِه، ووقت وفاتِه وسببها،

وموضع قبرِه، وعدد أولادِه، ومختصر من أخبارِه

والأمامُ بعدَ الحسنِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام أخوه الحسينُ بنُ عليٍّ، ابنُ فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلّى اللّهُ عليهم بنصِّ أبيه وجَدِّه عليه، ووصيّةِ أخيه الحسنِ إِليه.

كنيتهُ أبو عبدِاللهِّ. وُلِدَ بالمدينةِ لخمسِ ليالٍ خَلَوْنَ من شَعبانَ سنةَ أربعٍ منَ الهجرةِ، وجاءتْ به أُمُّه فاطمةُعليهما‌السلام إِلى جَدِّهِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستبشرَ به وسمّاه حُسَيْنَاً وعَقَّ عنه كبشاً ؛ وهو وأخوه بشهادةِ الرّسولِ صلّى اللّهُ عليهِ وعليهما سيِّدا شبابِ أهل الجنّةِ، وبالاتِّفاقِ الّذي لا مِرْيَةَ فيه سِبطا نبيِّ الرّحمةِ.

وكانَ الحسنُ بنُ عليّعليهما‌السلام يُشبَّهُ بالنّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله من صدرِه إِلى رأْسِه، والحسينُ يُشبَّهُ به من صدرِه إِلى رجليه، وكانا حبيبَيْ رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بينِ جميعِ أهلهِ وولدِه.

روى زَاذانُ عن سلمانَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله يقولُ في الحسنِ والحسينِعليهما‌السلام :

٢٧

«اللّهمَّ إِنِّي أُحِبُّهما فأحِبَّهما ( وأحِبَّ من أحبّهما )(١) »(٢) .

وقالَ عليهِ وآلهِ السّلامُ: «مَنْ أحَبَّ الحسنَ والحسينَ -عليهما‌السلام - أحْبَبْتُهُ، ومن أحْبَبْتُهُ أحبّه اللهُّ، ومن أحَبَّه اللهّ عزّ وجلّ أدْخَلَه الجنّةَ، ومن أبْغَضَهما أبْغَضْتُهُ، ومن أبْغَضْتُهُ أبْغَضَه اللهُ، ومن أبْغَضَهُ اللّهُ خَلَّدَه في النّارِ»(٣) .

وقالَ عليهِ وآلهِ السّلامُ: «إِنّ ابنيَّ هذينِ رَيحانتايَ مِنَ الدُّنيا»(٤) .

وروى زرُّ بنُ حُبَيْشٍ، عنِ ابنِ مسعودٍ قالَ: كانَ النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصُلِّي فجاءه الحسنُ والحسينُعليهما‌السلام فارْتَدَفاه، فلمّا رَفعَ رأسَه أخذَهما أخذاً رفيقاً، فلمّا عَادَ عادَا، فلما انصرفَ أجلسَ هذا على فخذِه وهذا على فخذِه، وقالَ: «مَنْ أحَبَّني فَلْيُحِبَّ هذينِ »(٥) .

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: وأحبب من يحبهما.

(٢) رواه الترمذي في سننه ٥: ٦٥٦ / ذح ٣٧٦٩ عن اسامة بن زيد، وابن الأثير في أُسد الغابة ٢: ١١، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٣: ٦٦٦ / ٣٧٦٩٧، ورواه ابن عساكر عن مسند حصين بن عوف الخثعمي في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام -: ٩٥ بدون جملة (وأحب من احبهما) فراجع هوامش الكتاب.

(٣) ذكره الحاكم النيسابوري في مستدركه ٣: ٦٦٦ باختلاف يسير، وابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام -: ٩٧ / ١٣١ و ٩٨ / ١٣٢، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٢٢، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٢: ١١٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧٥ / ٤٢.

(٤) ذكره البخاري في الصحاح ٥: ٣٣، باختلاف يسير، والترمذي في سننه ٥: ٦٥٦ / ٣٧٧٠، وابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسينعليه‌السلام -: ٣٨ - ٣٩ / ٥٨ - ٦٠، وابن الأثير في اُسد الغابة ٢: ١٩، وابن الصباغ في الفصول المهمة: ١٥٤، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٢: ١١٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧٥ / ٤٢.

(٥) روى نحوه البيهقي في سننه ٢: ٢٦٣، وابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة الامام

٢٨

وكاناعليهما‌السلام حجّةَ اللهِ تعالى لنبيِّه عليهِ وآلهِ السّلامُ في المُباهلةِ، وحجّةَ اللّهِ من بعد أبيهما أميرِ المؤمنينَ عليهِ وعليهما السّلامُ على الأمّةِ في الدِّينِ والأسلامِ والملّةِ.

وروى محمّدُ بنُ أبي عُمَيْرٍ، عن رجالهِ، عن أبي عبدِاللهّعليه‌السلام قالَ: «قالَ الحسنُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام لأصحابِه: إِنّ للّهِ تعالى مدينتينِ: إِحداهما في المشرقِ، والأخرى في المغرب، فيهما خَلْق للّهِ عزّ وجلّ لم يَهُمُّوا بمعصيةٍ له قطُّ، واللهِّ مافيهما وَما بينَهما حجّةٌ للهِّ على خلقِه غيري وغيرُ أخي الحسينِ »(١) .

وجاءتِ الرِّوايةُ بمثلِ ذلكَ عن الحسينِعليه‌السلام أنّه قالَ لأصحابِ ابنِ زيادٍ: « ما بالُكم »(٢) تَناصَرونَ عليَّ؟! أمَ واللهِ لَئنْ قتلتموني لَتَقتُلُنَ حجّةَ اللهِّ عليكم، لا واللهِ ما بينَ جَابَلْقَا وجَابَرْسَا ابنُ نبيٍّ احتجَّ اللّهُ به عليكم غيري »(٣) يَعني بَجابَلْقَا وجَابَرْسَا المدينتينِ اللتينِ ذكرَهما الحسنُ أخوهعليه‌السلام .

وكانَ من برهانِ كمالِهما وحجّةِ اختصاصِ اللهِ لهما - بعدَ الّذي ذكرْناه من مُباهلةِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما - بيعةُ رسولِ اللهِ لهما، ولم يُبايِعْ صبيّاً في ظاهرِ الحالِ غيرَهما، ونزولُ القرآنِ بإِيجابِ

__________________

الحسينعليه‌السلام -: ٨٣ / ١١٦، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ١٣١ و ١٣٢، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٢: ١٢١ مختصرأ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٧٥ / ٤٣.

(١) أورد نحوه الصفار في بصائر الدرجات: ٣٥٩ / ٤ و ٥، والكليني في الكافي ١: ٣٨٤ / ٥.

(٢) في «م» وهامش «ش»: ما لكم.

(٣) انظر نحوه في الطبري ٣: ٣١٩، الكامل ٤: ٦٢.

٢٩

ثواب الجنّةِ لهما على عملِهما معَ ظاهر الطّفوليّةِ فيهما، ولم ينزلْ بذلكَ في مثلِهماَ، قالَ اللّهُ عزّ اسمُه في سورةِ هل أتى:( وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْنَاً ويَتِيْمَاً وأسِيْرَاً* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيْدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوْرَاً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمَاً عَبُوْسَاً قَمْطَرِيْرَاً * فَوَقَاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوْرَاً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوْا جَنَّةً وَحَرِيْر ) (١) فعمَّهما هذا القولُ معَ أبيهما وأمِّهماعليهم‌السلام ، وتضمَّنَ الخبرُ نُطقَهما في ذلكَ وضميرَهما الدّالّينِ على الآيةِ الباهرةِ فيهما، والحجّةِ العُظمى على الخلقِ بهما، كما تضمَّنَ الخبر عن نُطقِ المسيحعليه‌السلام في المهدِ وكانَ حُجَّةً لنًبُوَّته، واختصاصِه منَ اللّهِ بالكرامةِ الدّالّةِ على محلِّه عندَه في الفضلِ ومكانِه.

وقد صرّحَ رسول اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنّصِّ على إِمامتهِ وامامةِ أخيه من قبلهِ بقولهِ: « ابناي هذانِ إِمامانِ قاما أوقعدا» ودَلّت وصيّةُ الحسنِعليه‌السلام إِليه على إِمامتِه، كما دَلّتْ وصيّةُ أميرِ المؤمنينَ إِلى الحسنِ على إِمامتهِ، بحسبِ ما دَلّتْ وصيّةُ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله إِلى أميرِ المؤمنينَ على إِمامتهِ من بعدِه.

فصل

فكانتْ إِمامةُ الحسينِعليه‌السلام بعدَ وفاةِ أخيه بما قدّمناه ثابتةً، وطاعتُه - لجَميعِ الخلقِ - لازمة، وِإن لم يَدْعُ إِلى نفسِهعليه‌السلام

__________________

(١) الانسان ٧٦: ٨ - ١٢.

٣٠

للتّقيّةِ الّتي كانَ عليها، والهُدنةِ الحاصلة بينَه وبينَ معاوية بن أبي سفيانَ فالتزمَ الوفاءَ بها، وجرى في ذلكَ مجرى أَبيهِ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام وثبوتِ إِمامتهِ بعدَ النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله معَ الصّموتِ، وِامامةِ أخيه الحسنِعليه‌السلام بعدَ الهُدنةِ معَ الكفِّ والسُّكوتِ، وكانوا في ذلكَ على سنَن نبيِّ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الشِّعب محصورٌ، وعندَ خروجِه مهاجِرأ من مكّةَ مستخفِياً في الغار وهو من أعدائه مستورٌ.

فلمّا ماتَ معاويةُ وانقضتْ مُدَّةُ الهُدنةِ الّتي كانتْ تمنعُ الحسينَ ابنَ عليِّعليهما‌السلام منَ الدّعوةِ إِلى نفسه، أظهرَ أمرَه بحسب الأمكاَنِ، وأبانَ عن حقه للجاهلينَ به حالاً بحالٍ، إِلى أنِ اجتمع لهَ في الظاهر الأنصارُ. فدعاعليه‌السلام إِلى الجهادِ وشمّرَ(١) للقتالِ، وتوجّه بولدِه وأهلِ بيتهِ من حرَمِ اللّهِ وحرَمِ رسولهِ نحوَ العراقِ، للاستنصارِ بمن دعاه من شيعتهِ على الأعداءِ. وقدّمَ أمَامَهُ ابنَ عمِّه مُسلِمَ بنَ عقيلٍ - رضيَ اللهُ عنه وأرضاه - للدّعوةِ إِلى اللهِّ والبيعةِ له على الجهادِ، فبايَعه أهلُ الكوفةِ على ذلكَ وعاهدوه، وضَمِنُوا له النّصرةَ والنصّيحةَ ووَثَّقوا له في ذلكَ وعاقدوه، ثمّ لم تطُلِ المُدّةُ بهم حتّى نكثوا بيعتَه وخذلوه وأسلموه، فقُتِلَ بينهم ولم يمنعوه، وخرجوا إِلى الحسينعليه‌السلام فحصروه ومنعوه المسيرَفي بلادِ اللّهِ، واضطرُّوه إِلى حيث لا يَجِدُ ناصراً ولا مَهْرباً منهم، وحالوا بينَه وبينَ ماءِ الفُراتِ حتّى تمكَّنوا منه وقتلوه، فمضىعليه‌السلام ظَمآنَ مجاهداً صابراً

__________________

(١) في هامش «ش»: وتشمر.

٣١

محتسباً مظلوماً، قد نُكِثَتْ بيعتُه، واستُحِلَّتْ حرمتُه، ولم يُوفَ له بعهدٍ، ولا رُعيَتْ(١) فيه ذِمَّةُ عَقْدٍ، شهيداً على ما مضى عليه أبوه وأخوه عليهما أَفضل الصّلاةِ والرّحمةِ والتّسليمِ.

فصل

فمن مختصر الأخبارِ الّتي جاءتْ بسبب دعوتهعليه‌السلام وما أخذَه
على النّاسِ في الجهادِ من بيعتِه، وذكرِ جملةٍ منَ أمرِه وخروجِه ومقتلِه.

ما رواه الكَلبيُّ والمدائنيُّ وغيرُهما من أصحاب السِّيرةِ قالوا: لمّا ماتَ الحسنُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام تحرّكتِ الشِّيعةُ بالعراقِ وكتبوا إِلى الحسينِعليه‌السلام في خلعِِ معاويةَ والبيعةِ له، فامتنعَ عليهم وذكرَ أنّ بينَه وبينَ معاويةَ عهداً وعقداَ لا يجوزُ له نقضُه حتّى تمضِيَ المُدّةُ، فإِن ماتَ معاويةُ نظرَ في ذلكَ.

فلمّا ماتَ معاويةُ - وذلكَ للنِّصفِ(٢) من رجب سنة ستِّينَ منَ الهجرةِ - كتبَ يزيدُ إِلى الوليدِ بنِ عُتْبة بن أبي سفيانَ - وكانَ على المدينةِ من قِبَلِ معاويةَ - أن يأْخذَ الحسينَعليه‌السلام بالبيعةِ له، ولا يُرخِّصَ له في التّأخُّرِعن ذلكَ. فأنفذَ الوليدُ إِلى الحسينِعليه‌السلام في الليلِ فاستدعاه، فعَرفَ الحسينُ الّذي أرادَ فدعا جماعةً من مواليه وأمرَهم بحملِ السِّلاحِ، وقالَ لهم: « إِنّ الوليدَ قد

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: روعيت.

(٢) في هامش«ش» و «م»: في النصف.

٣٢

استدعاني في هذا الوقتِ، ولستُ آمَنُ أن يُكلِّفني فيه أمراً لا أُجيبُه إليه، وهو غيرُ مأْمونٍ، فكونوا معي، فإِذا دخلتُ إِليه فاجلِسوا على البابِ، فإِن سمعتم صوتي قد علا فادخُلوا عليه لتمنعوه منِّي.

فصارَ الحسينُعليه‌السلام إلى الوليدِ فوجدَ عندَه مروانَ بنَ الحكمِ، فنعى الوليدُ إِليه معاويةَ فاسترجعَ الحسينُعليه‌السلام ، ثم قرأ كتابَ يزيدَ وما أمرَه فيه من أخذِ البيعةِ منه له، فقالَ له الحسينُ: «إِنِّي لا أراكَ تَقنعُ ببيعتي ليزيدَ سرّاً حتّى أُبايعَه جهراً، فيعرف الناسُ ذلكَ » فقالَ الوليدُ له: أجل، فقالَ الحسينُعليه‌السلام : «فتصبحُ وترى ريكَ في ذلكَ » فقالَ له الوليدُ: انصرفْ على اسمِ اللّهِ حتّى تأْتينا معَ جماعةِ النّاسِ. فقالَ له مروانُ: واللهِ لئن فارقَكَ الحسينُ السّاعةَ ولم يُبايعْ لا قَدرت منه على مثلِها أبداً حتّى يكثرَ القتلى بينَكم وبينَه، احبسِ الرّجلَ فلا يخرج من عندِكَ حتّى يبايعَ أوتضربَ عنقَه. فوثبَ عندَ ذلكَ الحسينُعليه‌السلام وقالَ: «أنتَ - يا ابنَ الزّرقاءِ - تَقتلني أو هو؟! كذبتَ واللّهِ وأثمتَ » وخرجَ (يمشي ومعَه )(١) مواليه حتّى اتى منزلَه.

فقالَ مروان للوليد ِ: عصيتَني، لا واللهِ لا يُمكِّنكَ مثلَها مِن نفسِه أبداً، فقالَ الوليدُ: (الويح لغيرك )(٢) يا مروانُ إِنَّكَ اخترتَ لي الّتي فيها هلاكُ ديني، واللّهِ ما أُحِبُّ أنّ لي ما طلعتْ عليه الشّمسُ وغربتْ عنه من مالِ الدُّنيا وملكِها وأنّي قتلتُ حسيناً، سبحانَ اللهِّ! أقتلُ حسيناً أنْ

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: فمشى معه.

(٢) في هامش «ش» و «م»: ويح غيرك، وما أثبتناه من «ش» و «م» و «ح». قال العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٣٦٠: قال هذا تعظيماً له، أي لا اقول لك ويحك بل أقول لغيرك.

٣٣

قالَ لا أُبايعُ؟! واللهِ إنَي لأظنُّ أنّ امراً يُحاسبُ بدمِ الحسينِ خفيفُ الميزانِ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ. فقالَ له مروانُ: فإِذا كانَ هذا رأيك فقد أصبتَ فيما صنعتَ ؛ يقولُ هذا وهوغيرُ الحامدِ له في رأْيِه(١) .

فأقامَ الحسينُعليه‌السلام في منزلهِ تلكَ الليلَة، وهي ليلةُ السبتِ لثلاثٍ بَقِيْنَ من رجبِ سنةَ ستَينَ. واشتغلَ الوليدُ بنُ عُتْبةَ بمراسلةِ ابنِ الزُّبيرِ في البيعةِ ليزَيدَ وامتناعِه عليه. وخرجَ ابنُ الزُبيرِمن ليلتِه عنِ إلمدينةِ متوجِّهاً إِلى مكّةَ، فلمّا أصبحَ الوليدُ سرّحَ في أثرِه الرِّجالَ، فبعثَ راكباً من موالي بني أُمّيةَ في ثمانينَ راكباً، فطلبوه فلم يُدرِكوه فرجعوا.

فلمّا كانَ آخر (نهارِ يوم )(٢) السّبتِ بعثَ الرِّجالَ إِلى الحسينِ بنِ عليِّعليهما‌السلام ليحضرَ فيبايعِ الوليدَ ليزيد بن معاويةَ، فقالَ لهم الحسَينُ: «أصبِحوا ثمّ تَرَوْن ونرَى» فكفُّوا تلكَ الليلةَ عنه ولم يُلِحُّوا عليه. فخرجَعليه‌السلام من تحتِ ليلتِه - وهي ليلةُ الأحدِ ليومين بَقِيا من رجبٍ - متوجِّهاً نحوَ مكّةَ ومعَه بنوه واخوتُه وبنوأخيه وجُلُّ أهلِ بيتهِ إلّا محمّدَ بنَ الحنفيّةِ - رضوان اللهِ عليه - فإِنّه لمّا علمَ عزمَه على الخروجِ عنِ المدينةِ لَم يدْرِ أينَ يتوجّهُ، فقالَ له: يا أخي أنتَ أحبُّ النّاس إِليَّ وأعزُّهم عليَّ ولستُ أَدّخِرُ النّصيحةَ لأحدٍ منَ الخلقِ إِلا لكَ وأَنتَ أحقُّ بها، تَنَحَّ ببيعتِكَ عن يزيد بن معاويةَ وعنِ الأمصارِ ما استطعتَ، ثمّ ابعثْ رُسُلَكَ إِلى النّاسِ فادعُهم إِلى نفسِكَ، فإِن تابَعَكَ النّاسُ وبايَعوا لكَ حمدتَ اللهَّ على ذلكَ، وإن

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٣٣٩.

(٢) في هامش «ش»: النهار من يوم.

٣٤

أجمعَ النّاسُ على غيرِكَ لم يَنْقُصِ اللّهُ بذلكَ دينَكَ ولا عقلَكَ ولا تَذْهَب به مروءتُكَ ولا فضلُكَ ؛ إِنّي أخافُ أن تَدخلَ مصراً من هذه الأمصارِ فيختلف النّاسُ بينَهم فمنهم طائفةٌ معَكَ وأُخرى عليكَ، فيقتَتِلونَ فتكونُ أنتَ لأوّلِ الأسِنَّةِ، فإِذا خيرُهذه الأُمّةِ كلِّها نفساً وأباً وأُمّاً أضيعُها دماً وأذلُّها أهلاً، فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : «فأينَ أذهبُ يا أخي؟» قالَ: انزلْ مكّةَ فإِنِ اطمأنّتْ بكَ الدّارُ بها فسبيلُ ذلكَ، وِإن ( نَبَت بك )(١) لحقتَ بالرِّمالِ وشَعَفِ الجبالِ وخرجتَ من بلدٍ إِلى بلدٍ، حتّى تنظرَ ( ما يصيرُأمرُ النّاسِ إِليه )(٢) ، فإِنّكَ أصوبُ ما تكونُ رأياً حينَ تستقبَلُ الأمرَ استقبالاً. فقالَ: «يا أخي قد نصحتَ وأشفَقْتَ، وأرجو أن يكونَ رأْيُكَ سديداً موفّقاً».

فسارَ الحسينُعليه‌السلام إلى مكّةَ وهو يقرأ:( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفَاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّني مِنَ الْقَوْم الظَالِميْنَ ) (٣) ولزمَ الطّريقَ الأعظمَ، فقالَ له أهلُ بيتِه: لوتنكّبْتَ الطَّريقَ الأَعظمَ كما صنعَ(٤) اَبنُ الزُّبيرِلئلاّ يلحقَكَ الطّلبُ، فقالَ: «لا واللّهِ لا أُفارقُه حتّى يقضيَ اللّهُ ما هوقاضٍ ».

ولمّا دخلَ الحسينُ مكّةَ كانَ دُخُولُه إِليها(٥) ليلةَ الجمعةِ لثلاث مَضَيْنَ من شعبانَ، دخلهَا وهو يقرأُ:( وَلَمِّا تَوَجَّههَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قالَ

__________________

(١) نبت بك: أي لم تجد بها قراراً، ولم تطمئن عليها «انظر لسان العرب - نبا - ١٥: ٣٠٢».

(٢) في هامش «ش»: الى ما يصير امر الناس.

(٣) القصص ٢٨: ٢١.

(٤) في هامش «ش» و «م»: فعل.

(٥) في هامش «ش»: أياها.

٣٥

عَسَى رَبِّيْ أنْ يَهْدِيَنيْ سَوَاءَ السَّبِيْل ) (١) ثمّ نزلَها وأقبلَ أهلُها يختلفونَ إِليه، ومن كانَ بها من المعتمرينَ وأَهل الآفَاقِ، وابنُ الزُّبيرِ بها قد لزمَ جانبَ الكعبةِ فهو قائمٌ يصلِّي عندَها ويطوفُ، وياْتي الحسينَعليه‌السلام فيمن ياْتيه، فيأْتيه اليومينِ المتواليينِ وياْتيه بينَ كلِّ يومينِ مرّةً، وهو أثقلُ خلقِ اللهِّ على ابنِ الزُبيرِ، قد عرفَ أنّ أهلَ الحجازِ لا يُبايعونَه ما دامَ الحسينُعليه‌السلام في البلدِ(٢) ، وأنّ الحسينَ أطوعُ في النّاس منه وأجلُ.

وبلغَ أهل الكُوفةِ هلاك معاويةَ فأرجفوا بيزيدَ، وعَرفوا خبرَ الحسينِعليه‌السلام وامتناعَه من بيعتهِ، وما كانَ من ابنِ الزُّبيرِ في ذلكَ، وخروجهما إِلى مكّةَ، فاجتمعتِ الشِّيعةُ بالكوفةِ في منزلِ سُليمان ابن صُرَد، فذكروا هلاكَ معاويةَ فحمدوا اللهَ عليه، فقالَ سليمانُ: إِنّ معاويةَ قد هلكَ، وانّ حُسَيناً قد تَقَبَّضَ(٣) على القوم ببيعتِه، وقد خرجَ إِلى مكّةَ، وأنتم شيعتُه وشيعةُ أبيه، فإِن كنتم تعَلمونَ أنّكم ناصِروه ومجاهِدو عَدوِّه ( فاعلموه، وان خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل في نفسه، قالوا: لا، بل نقاتل عدوه، ونقتل انفسنا دونه، قال: )(٤) ؛ فكَتَبُوا:

بسمَ اللّهِ الرّحمنِ الرّحيمِ

للحسينِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام من سُليمان بن صُرد، والمسَيَّبِ

__________________

(١) القصص ٢٨: ٢٢.

(٢) في «م» وهامش «ش»: بالبلد.

(٣) تقبّض ببيعته: انزوى بها ولم يعطهم اياها «لسان العرب - قبض - ٧: ٢١٣».

(٤) في «ش» و «م»: بدل ما بين القوسين: ونقتل أنفسنا دونه.

٣٦

ابن نَجَبَةَ، ورِفاعة بن شدّادٍ، وحبيبِ بنِ مُظاهِر(١) ، وشيعتِه من المؤمنينَ والمسلمينَ من أهلِ الكوفةِ:

سلامٌ عليك، فإِنّا نحمدُ إِليكَ اللهَ الّذي لا إِلهَ إلّا هو.

أمّا بعدُ: فالحمدُ للّهِ الّذي قصمَ عدوَّكَ الجبّارَ العنيدَ، الّذي انتزى على هذهِ الأمّةِ فابتَزَها أمرَها، وغصبَها فيئَها، وتأمّرَ عليها بغيرِ رضىً منها، ثمّ قتلَ خيارَها واستبقى شِرارَها، وجعلَ مالَ اللّهِ دُوْلةً بينَ (جبابرتِها وأغنيائها )(٢) ، فبعُداً له كما بَعدَتْ ثمودُ. إِنّه ليسَ علينا إِمامٌ، فأقبِلْ لعلّ اللّهَ أن يجمعَنا بكَ على الحقِّ ؛ والنُّعمانُ بنُ بشيرٍ في قصرِ الأمارة لسْنا نجَمِّعُ معَه في جمعةٍ ولا نخرجُ معَه إِلى عيدٍ، ولوقد بَلَغَنا أنّكَ أَقبلتَ إِلينا أخرَجْناه حتّى نُلحقَه بالشّامِ إِن شاءَ اللّهُ.

ثمّ سرّحوا الكتابَ(٣) معَ عبدِاللهِ بنِ مِسْمَعٍ الهَمْدانيّ وعبدِاللّهِ ابنِ والٍ، وأمروهما بالنّجاءِ(٤) ، فخرجا مُسرِعَيْنِ حتّى قدما على الحسينِعليه‌السلام بمكّةَ(٥) ، لعشرٍ مَضَيْنَ من شهرِ رمضانَ.

(ولبثَ أهلُ الكُوفةِ يومينِ بعدَ تسريحِهم )(٦) بالكتاب، وأنفذوا قيسَ بنَ مُسْهِرٍ الصَّيْداويّ و (عبدَ الرّحمن بن عبدِ الله الأرحبّي )(٧) وعمارةَ

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: مظهَر.

(٢) في هامش «ش» و «م»: عتاتها واغنيائها.

(٣) في هامش «ش»: بالكتاب.

(٤) النجاء: السرعة « القاموس المحيط - نجو - ٤: ٣٩٣».

(٥) في «م» وهامش «ش»: مكة.

(٦) في «م» وهامش «ش»: ثم كتب أهل الكوفة بعد تسريحهم.

(٧) في النسخ الخطية: عبدالله بن شداد الأرحبي، وبعده بأسطر ذكره باسم عبد الرحمن

٣٧

ابنَ عبدٍ السّلوليّ إِلى الحسينِعليه‌السلام ومعَهم نحوٌ من مائةٍ وخمسينَ صحيفةً منَ الرّجلِ والاثنينِ والأربعةِ.

ثمّ لبثوا يومينِ آخرينِ وسرّحوا إِليه هانئ بنَ هانئ السّبيعيّ وسعيدَ بنَ عبدِاللهِّ الحنفيّ، وكتبوا إِليه: بسمِ اللهِّ الرّحمنِ الرّحيمِ، للحسينِ بنِ عليٍّ من شيعتهِ منَ المؤمنينَ والمسلمينَ.

أمّا بعدُ: فحيَّ هلا، فإِنّ النّاسَ ينتظرونَكَ، لا رأيَ لهم غيركَ، فالعجلَ العجلَ، ثمّ العجلَ العجلَ، والسلامُ.

وكتبَ شَبَثُ بنُ رِبعيّ وحجَّارُ بنُ أبجرَ ويزيدُ بنً الحارثِ بنِ رُوَيمٍ و (عروةُ بنُ قيسٍ )(١) ، وعمروبنُ الحجّاجِ الزّبيديّ و (محمّد بنُ عمرو التّيميّ )(٢) : أمّا بعدُ: فقد اخضرَّ الجَناب وأينعتِ الثِّمارُ، فإِذا شئتَ فاقدمْ على جُندٍ لكَ مجنَّدٍ، والسّلامُ.

وتلاقتِ الرُسّلُ كلًّها عندَه، فقرأ الكُتُبَ وسألَ الرّسلَ عنِ النّاسِ، ثمّ كتبَ معَ هانئ بنِ هانئ وسعيدِ بنِ عبدِاللّهِ وكانا آخرَ الرُّسُلَ:

__________________

ابن عبدالله الارحبي والمصادر مجمعة عليه انظر، (تاريخ الطبري ٥: ٣٥٢، انساب الاشراف للبلاذري ٣: ١٥٨، الفتوح لابن اعثم ٥: ٣٢، وقعة الطف لابي مخنف: ٩٢، تذكرة الخواص: ٢٢٠، وفي الاخبار الطوال: ٢٢٩: ابن عبيد.

(١) لم نجد في كتب الرجال عروة بن قيس، والظاهر ان الصحيح عزرة بن قيس، انظر تاريخ الطبري ٥: ٣٥٣، انساب الاشراف ٣: ١٥٨، وهو عزرة بن قيس بن عزية الاحمس البجلي الدهني الكوفي.

(٢) كذا في النسخ الخطية، ولم نجد له في كتب الرجال ترجمة، والظاهر ان الصحيح محمد بن عمير التميمي، انظر تاريخ ألطبري ٥: ٣٥٣، انساب الاشراف ٣: ١٥٨، وهو محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب الدارمي التميمي الكوفي، كان من اشراف أهل الكوفة، لسان الميزان ٣٣٠:٥، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ١٥١.

٣٨

« بسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحيمِ

منَ الحسينِ بنِ عليٍّ إِلى الملإِ منَ المسلمينَ والمؤمنينَ.

أمّا بعد: فإِنّ هانئاً وسعيداً قَدِما عليَّ بكتبكم، وكانا آخرَ من قدمَ عليَّ من رسلِكم، وقد فهمت كلَّ الّذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جُلِّكم: أنّه ليسَ علينا إِمامٌ فأقبلْ لعلّ اللّهَ أن يجمعَنا بكَ على الهدى والحقِّ. وإِنِّي باعثٌ إِليكم أخي وابنَ عمِّي وثقتي من أهلِ بيتي، فإِن كتبَ إِليَّ أنّه قدِ اجتمعَ رأيُ مَلَئِكم وذوي الحِجا والفضلِ (١) منكم على مثلِ ما قدمتْ به رُسُلُكم وقرأتُ في كُتُبِكم، أقدم عليكم وشيكاً إِن شاءَ اللّهُ. فَلعَمري ما الأمامُ إلأ الحاكمُ بالكتاب، القائمُ بالقسطِ، الدّائنُ بدينِ الحقِّ، الحابسُ نفسَه على ذَاتِ اللّهِ، والسّلامُ ».

ودعا الحسينُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام مسلمَ بنَ عقيلِ بنِ أَبي طالبِ رضيَ اللهُّ عنه فسرَّحَه معَ قيسِ بنِ مُسْهِرِ الصّيداويّ وعُمارة بن عبدٍ السَّلوليّ وعبدِ الرّحمنِ بنِ عبدِاللّهِ الأَرحبي، وأَمرَه بتقوى اللهِّ وكتمانِ أمرِه واللطفِ، فإِنْ رأَى النّاسَ مجتمعينَ مُسْتوسِقِينَ عَجَّلَ إِليه بذلكَ.

فأقبلَ مسلمٌ حتّى أَتى المدينةَ فصلّى في مسجدِ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وودعِ من أَحبَّ من أَهلِه ثمّ استأْجرَ دليلينِ من قيس،

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: الفضيلة.

٣٩

فأقبلا به يتنكّبانِ الطّريقَ، فضلاّ وأصابَهم عطشٌ شديدٌ فعجزا عنِ السّيرِ، فأومئا له إِلى سَنَنِ الطّريقِ بعدَ أنْ لاحَ لهما ذلكَ، فسلكَ مسلمٌ ذلكَ السَّنَنَ وماتَ الدّليلانِ عطشاً.

فكتبَ مسلم بنُ عقيلٍرحمه‌الله منَ الموضعِ المعروفِ بالمضيقِ معَ قيسِ بنِ مُسْهِرٍ: أمّا بعدُ: فإِنّني أقبلتُ منَ المدينةِ معَ دليلينِ لي فجارَا عنِ الطّريقِ فضلاّ واشتدَّ علينا(١) ، العطشُ فلم يلبثا أن ماتا، وأقبلْنا حتّى انتهينا إِلى الماءِ فلم نَنْجُ إلاّ بحُشاشةِ أَنفسِنا، وذلكَ الماءُ بمكانٍ يدعى المضيقَ من بطنِ الخَبْتِ(٢) ، وقد تطيَّرتُ من وجهي هذا، فإِنْ رأَيتَ أَعفيتَني منه وبعثتَ غيري، والسّلامُ.

فكتبَ إِليه الحسينُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام :

«أمّا بعدُ: فقد خَشيتُ (٣) أن لا يكونَ حَمَلَكَ على الكتابِ إِليَّ في الاستعفاءِ منَ الوجهِ الّذي وجّهتُك له إلاّ الجُبْنُ، فامضِ لوجهِكَ الّذي وجّهتُكَ له، والسّلامُ ».

فلمّا قرأَ مسلمٌ الكتابَ قالَ: أَمّا هذا فلستُ أتخوّفُه على نفسي. فأَقبلَ حتّى مرَّ بماءٍ لِطَيءٍ فنزلَ به ثمّ ارتحلَ منه، فإِذا رجلٌ يرمي الصّيدَ فنظرَ إِليه قد رمى ظَبْياً حينَ أشرفَ(٤) له

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: عليهما.

(٢) الخبت: ماء لقبيلة كلب «معجم البلدان - خبت - ٢: ٣٤٣».

(٣) في هامش «ش» و «م»: حسبت.

(٤) في هامش «ش» و «م»: اشرأبّ. ومعناه: مدّ عنقه لينظر. «الصحاح - شرب - ١: ١٥٤ ».

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

مطلقاً.

( الثاني ) قوله: « وإني قائد الناس طرّاً إلى الاسلام من عرب وعجم » فيه دلالة واضحة على أنهعليه‌السلام هو السبب في إسلام جميع الناس من عرب وعجم، فهو إذن أفضلهم مطلقاً.

( الثالث ) قوله: « وقاتل كل صنديد رئيس وجبار من الكفار ضخم » فيه دلالة على أفضليته، لأن من عمدة أسباب قوة الدين قتل الكفار والمعاندين، وهوعليه‌السلام قاتلهم باعتراف جميع المخالفين.

( الرابع ) قوله: « وفي القرآن ألزمهم ولائي وأوجب طاعتي فرضاً بعزم » فيه دلالة صريحة على وجوب اتّباعه وأطاعته والانقياد له، فهوعليه‌السلام إمام الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمرٍ من الله تعالى من القرآن الكريم، لأن من وجبت طاعته فهو الامام كما اعترف بذلك ( الدهلوي ).

( الخامس ) قوله: « فمن منكم يعادلني بسهمي وإسلامي وسابقتي ورحمي؟ » فيه دلالة صريحة على أفضليتهعليه‌السلام .

ثم إن استماع كبار الصحابة لهذه الأشعار - كما في رواية الواحدي - وتقريرهم لما قالهعليه‌السلام من أقوى الشواهد على ما نذهب إليه من دلالة حديث الغدير على الإِمامة، وبذلك تذهب تأويلات أتباع أولئك الأصحاب أدراج الرياح.

ترجمة الميبدي شارح ديوان الامام

والحسين الميبدي من مشاهير علماء أهل السنة، قد أطروه وأثنوا عليه الثناء البالغ في كتبهم، كما لا يخفى على من راجعها. وممن أثنى عليه: غياث الدين المدعو بخواند أمير في تاريخه ( حبيب السير ). كما نقل عن شرحه للديوان: محمود ابن سليمان الكفوي في طبقاته للحنفية المسمى بـ ( كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ).

٣٢١

وفي ( كشف الظنون ): « ديوان علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقد شرحه حسين بن معين الدين الميبدي اليزدي المتوفى سنة ٨٧٠ بالفارسية ».

* * *

٣٢٢

(٦)

نزول قوله تعالى:

سأل سائل بعذابٍ واقع

٣٢٣

٣٢٤

ونزل قوله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) بحق ( الحارث بن نعمان ) الذي قال ما قال بعد ما سمع كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في غدير خم.

وهذا دليل قطعي آخر على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ذكر من روى ذلك

وقد روى حديث نزول الآية المباركة في هذا الشأن جماعة كبيرة من أكابر أعلام أهل السنة وهم:

١ - أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري.

٢ - شمس الدين سبط ابن الجوزي.

٣ - إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي. ؛

٤ - محمّد بن يوسف الزرندي المدني.

٥ - شهاب الدين بن شمس الدين الدولت آبادي.

٦ - نور الدين علي بن عبد الله السمهودي.

٣٢٥

٧ - نور الدين علي بن محمّد بن الصبّاغ.

٨ - عطاء الله بن فضل الله المحدّث الشيرازي.

٩ - شمس الدين عبد الرءوف المنّاوي.

١٠ - شيخ بن عبد الله العيدروس.

١١ - محمود بن محمّد الشيخاني القادري المدني.

١٢ - نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي.

١٣ - أحمد بن الفضل باكثير المكي.

١٤ - محمّد محبوب عالم.

١٥ - محمّد صدر عالم.

١٦ - محمّد بن إسماعيل بن صلاح الأمير.

١٧ - أحمد بن عبد القادر العجيلي.

١٨ - السيد مؤمن بن حسن الشبلنجي.

(١)

رواية الثعلبي

قال أبو إسحاق الثعلبي: « سئل سفيان بن عيينة عن قول الله عز وجل:( سَأَلَ سائِلٌ ) فيمن نزلت؟ فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك.

حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه: لمـّا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله على ناقة حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته فأناخها

٣٢٦

وعقلها، ثم أتى النبي وهو في ملأ من أصحابه فقال:

يا محمد! أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله، فقبلناه منك. وأمرتنا أن نصلّي خمساً، فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلناه، وأمرتنا أن نصوم شهر رمضان فقبلناه منك، وأمرتنا بالحج فقبلناه. ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضّلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه!! فهذا شيء منك أم من الله عزّ وجلّ؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله.

فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إنْ كان ما يقوله محمّد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.

فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله. وأنزل الله عز وجل:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) »(١) .

ترجمة أبي إسحاق الثعلبي

١ - ياقوت الحموي: بترجمة الواحدي: « وقال أبو الحسن الواحدي في مقدمة البسيط: وأظنني لم آل جهداً في إحكام أصول هذا العلم [ على ] حسب ما يليق بزماننا [ بزمننا ] هذا وتسعه سنو عمري على قلة أعدادها، فقد وفق الله [ تعالى ] وله الحمد حتى اقتبست كلّما احتجت إليه فيه هذا الباب في مظانه وأخذته من معادنه.

أما اللغة فقد درستها على الشيخ أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الله بن يوسف العروضيرحمه‌الله حتى عاتبني شيخيرحمه‌الله يوماً وقال: إنك لم تبق ديواناً من الشعر إلّا قضيت حقه، أما آن لك أن تتفرّغ لتفسير كتاب الله

____________________

(١). تفسير الثعلبي - مخطوط.

٣٢٧

العزيز، تقرأه على هذا الرجل الذي يأتيه البعداء من أقاصي البلاد وتتركه أنت على قرب ما بيننا من الجوار - يعني الأستاذ الامام أحمد بن محمّد بن ابراهيم الثعلبي -؟!

فقلت: يا أبت إنما أتدرّج بهذا إلى ذلك الذي تريد، وإذا المرء أحكم الأدب بجدٍ وتعبٍ رمى في غرض التفسير من كثب. ثم لم أغبّ زيارته يوماً من الأيام حتى حال بيننا قدر الحمام

ثم فرغت للاستاذ أبي اسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبيرحمه‌الله ، وكان خير العلماء بل بحرهم، ونجم الفضلاء بل بدرهم، وزين الأئمة بل فخرهم، وأوحد الأئمة بل صدرهم. وله التفسير الملقّب بالكشف والبيان عن تفسير القرآن، الذي رفعت به المطايا في السهل والأوعار، وسارت به الفلك في البحار، وهبّ هبوب الريح في الأقطار، وسار مسير الشمس في كلّ بلدة، وهب هبوب الريح في البر والبحر، وأصفقت عليه كافة الأمة على اختلاف نحلهم، وأقروا بالفضيلة في تصنيفه ما لم يسبق إلى مثله، فمن أدركه وصحبه علم أنه كان منقطع القرين، ومن لم يدركه فلينظر في مصنفاته ليستدل لها أنه كان بحراً لا ينزف وغمراً لا يسبر، وقرأت عليه من مصنفاته أكثر من خمسمائة جزء، منها تفسيره الكبير، وكتابه المعنون بالكامل في علم القرآن وغيرهما »(١) .

ترجمة العروضي مادح الثعلبي

وأبو الفضل العروضي الذي نقل عنه الواحدي مدحه للثعلبي من كبار مشايخ علماء أهل السنة في اللغة والأدب، وقد ترجموا له في معاجم الرجال:

قالجلال الدين السيوطي: « أحمد بن محمّد بن عبد الله بن يوسف بن محمد النهشلي، الأديب، أبو الفضل العروضي الصفار الشافعي. قال عبد الغافر: هو

____________________

(١). معجم الأدباء ١٢ / ٢٦٢.

٣٢٨

شيخ أهل الأدب في عصره، حدّث عن الأصم وأبي منصور الأزهري والطبقة. وتخرّج به جماعة من الأئمة منهم الواحدي. وقال الثعالبي: إمام في الأدب، خنّق التسعين في خدمة الكتب، وأنفق عمره على مطالعة العلوم وتدريس مؤدبي نيسابوري. ولد سنة ٣٣٤ ومات بعد سنة ٤١٦ »(١) .

٢ - ابن خلكان: « أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي. النيسابوري، المفسر المشهور، كان أوحد أهل زمانه في علم التفسير. وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وغير ذلك. ذكره السمعاني وقال: يقال له الثعلبي والثعالبي، وهو لقب له وليس بنسب قاله بعض العلماء.

وقال أبو القاسم القشيري: رأيت رب العزة عز وجل في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الرب تعالى اسمه: أقبل الرجل الصالح. فالتفتّ فإذا أحمد الثعلبي مقبل.

وذكره عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في كتاب سياق تاريخ نيسابور وأثنى عليه وقال: هو صحيح النقل موثوق به، حدّث عن أبي طاهر بن خزيمة، والامام أبي بكر بن مهران المقري، وكان كثير الحديث كثير الشيوخ، توفي سنة ٤٢٧، وقال غيره: توفي في محرم سنة ٤٢٧. وقال غيره: توفي يوم الأربعاء لسبع بقين من المحرم سنة ٤٣٧ رحمه الله تعالى »(٢) .

٣ - الذهبي: « وفيها توفي أبو إسحاق الثعلبي وكان حافظاً واعظاً، رأساً في التفسير والعربية، متين الديانة، توفي في المحرم »(٣) .

٤ - ابن الوردي: « صحيح النقل، روى عن جماعة »(٤) .

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٣٦٩.

(٢). وفيات الأعيان ١ / ٦١ - ٦٢.

(٣). العبر - حوادث ٤٢٧.

(٤). تتمة المختصر حوادث ٤٢٧.

٣٢٩

٥ - الصفدي: « روى عن جماعة، وكان حافظاً عالماً بارعاً في العربية موثقاً » ثم ذكر منام القشيري وكلام عبد الغافر المذكورين(١) .

٦ - اليافعي: « المفسّر المشهور، وكان حافظاً واعظاً رأساً في التفسير والعربية والدين والديانة، فاق تفسيره الكبير سائر التفاسير »(٢) .

٧ - ابن الشحنة: « كان واحد زمانه في علم التفسير، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء وهو صحيح النقل »(٣) .

٨ - ابن قاضي شهبة: « أخذ عنه أبو الحسن الواحدي، روى عن أبي القاسم القشيري قال الذهبي: وكان حافظاً رأساً في التفسير والعربية متين الديانة »(٤) .

٩ - السيوطي: « كان كبيراً إماماً حافظاً للغة بارعاً في العربية »(٥)

١٠ - وذكره ولي الله الدهلوي - الذي عدّه ولده ( الدهلوي ) آية من آيات الله ومعجزة من المعاجز النبوية، وطالما استند إلى أقواله، ووصفه الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي بـ « عمدة المحدثين وقدوة العارفين » ووصفه المولوي حيدر علي الفيض آبادي بـ « خاتم العارفين وقاصم المخالفين، سيد المحدّثين سند المتكلّمين، حجة الله على العالمين » في كلام له في ( إزالة الخفاء ) في بيان كون الخلفاء الراشدين وسائط بين النبي والأمة - ذكر أبا إسحاق الثعلبي من جملة علماء التفسير الذين كانوا وسائط في حفظ الدين المبين، وإيصال الشريعة المطهّرة، إلى الأمة، وإن القرون المتأخرة أخذت علم التفسير منهم.

وذكر أن الثعلبي إمام المفسرين ومقتداهم، كما أن أبا حنيفة إمام الحنفية،

____________________

(١). الوافي بالوفيات ٨ / ٣٣ وفيه السهلي.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٤٢٧.

(٣). روض المناظر حوادث ٤٢٧.

(٤). طبقات الشافعية ١ / ٢٠٧.

(٥). بغية الوعاة ١ / ٣٥٦.

٣٣٠

والشافعي إمام الشافعية وأن ما ذكره الثعلبي في تفسيره مأخوذ من السلف الصالح لأهل السنة، وأنه بمنزلة اللوح، وكأنه اللوح المحفوظ من المحو والإثبات والمصون من تطرّق الأغلاط والشبهات إليه، إلى غير ذلك من الأوصاف الحميدة التي ذكرها للثعلبي وتفسيره.

رواية القوم لتفسير الثعلبي

وتفسير الثعلبي من الكتب المعروفة المعتمدة لدى القوم، وهم يروونه بأسانيدهم عن مؤلفه، وينقلون عنه رواياته ويعتمدون اليها، فقد ذكره عز الدين ابن الأثير في الفصل الذي ذكر فيه أسانيد الكتب التي خرّج منها الأحاديث في صدر تلك الكتب حيث قال: « فصل نذكر فيه أسانيد الكتب التي خرجت منها الأحاديث وغيرها، وتركت ذكرها في الكتاب لئلّا يطول الاسناد، ولا أذكر في أثناء الكتاب إلّا اسم المصنف وما بعده فليعلم ذلك:

تفسير القرآن المجيد لأبي إسحاق الثعلبي. أخبرنا به أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي علي بن مهدي الزرزاري الشيخ الصالح رحمه الله تعالى قال: أخبرنا الرئيس مسعود بن الحسن بن القاسم الاصبهاني وأبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي قالا: أخبرنا أحمد بن خلف الشيرازي قال: أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي بجميع كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن، سمعت عليه من أول الكتاب الى آخر سورة النساء. وأما من أول سورة المائدة الى آخر الكتاب فانه حصل لي بعضه سماعاً وبعضه اجازة واختلط السماع بالاجازة، فأنا أقول فيه أخبرنا به إجازة ان لم يكن سماعاً، فاذا قلت أخبرنا أحمد باسناده إلى الثعلبي فهو بهذا الاسناد »(١) .

ثم إنه ذكر أسانيد الكتب الأخرى ومنها الصحاح والمسانيد.

____________________

(١). أسد الغابة ١ / ٨.

٣٣١

وقال أبو محمّد بن محمّد الأمير في ( رسالة أسانيده ): « تفسير الثعلبي وسائر مؤلفاته بسند صاحب المنح من طريق ابن البخاري عن منصور بن عبد المنعم وعبد الله بن عمر الصفار والمؤيد بن محمّد الطريثيثي كلهم عن أبي محمّد العباس بن محمّد بن أبي منصور الطوسي عن أبي سعيد بن محمّد عن أبي اسحاق أحمد بن محمد النيسابوري الثعلبي وهو لقب وليس بنسب توفي سنة ٤٢٧».

اعتماد القوم على تفسير الثعلبي

ولقد كثر نقل علماء القوم عن تفسير الثعلبي وغيره من مؤلفاته واستشهادهم برواياته واعتمادهم عليها، ونحن نذكر موارد من ذلك من باب التمثيل:

قال القرطبي بتفسير قوله تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ ) : « ذكر الثعلبي وغيره: أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبلّ خمارها. وذكر أن سودة قيل لها: لم لا تحجّين ولا تعتمرين كما تفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله أن أقرّ في بيتي. قال الراوي: فو الله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها، رضوان الله عليها»(١) .

وفيه بتفسير( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ) : « وقال الثعلبي: واسم أم موسى: لوخا بنت هاند بن لاوي بن يعقوب »(٢) .

وقال النووي بترجمة آدمعليه‌السلام : « قال الامام أبو إسحاق الثعلبي في قول الله عزّ وجلّ إخباراً عن إبليس( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) قال الحكماء: أخطأ عدو الله في تفضيله النار على الطين، لأن الطين أفضل منه من أوجه »(٣) .

____________________

(١). تفسير القرطبي ١٤ / ١٨٠ - ١٨١.

(٢). المصدر نفسه ١٣ / ٢٥٠.

(٣). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٩٦.

٣٣٢

وقد نقل عنه النووي في مواضع أخر مع وصفه بـ « الامام ».

وقال كمال الدين الدميري: « وقال محمّد الباقررضي‌الله‌عنه : كان أصحاب الكهف صياقلة، واسم الكهف حيوم، والقصة طويلة في كتب التفاسير والقصص، وقد وقفت على جمل من ذلك في كتب التفاسير والقصص مطوّلاً ومختصراً، فمن ذلك ما ساقه الامام أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي، في كتابه الكشف والبيان في تفسير القرآن »(١) .

وقال نور الدين الحلبي في ( السيرة ): « وفي العرائس: إن فرعون لمـّا أمر بذبح أبناء بني إسرائيل جعلت المرأة، أي بعض النساء كما لا يخفى، إذا ولدت الغلام انطلقت به سرّاً إلى واد أو غار فأخفته ».

وقال الحسين الديار بكري في مقدّمة تاريخه: « هذه مجموعة من سير سيد المرسلين انتخبتها من الكتب المعتمدة تحفةً للاخوان البررة وهي: التفسير الكبير، والكشاف، وحاشيته للجرجاني الشريف، والكشف، والوسيط، ومعالم التنزيل والعرائس للثعلبي، وسحّ السحابة، وأصول الصفار، والبحر العميق وسرّ الأدب، والانسان الكامل، وسمّيتها بالخميس في أحوال النفس النفيس ».

وقال محمّد بن معتمد خان البدخشي: « وأخرج العلّامة أبو إسحاق أحمد ابن محمّد بن إبراهيم الثعلبي المفسّر النيسابوري في تفسيره، عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما أنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) .

وقال أحمد بن باكثير المكي: « وروى الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الأعراف موضع عال من الصراط، عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر

____________________

(١). حياة الحيوان « الكلب ».

(٢). مفتاح النجا - مخطوط.

٣٣٣

ذو الجناحين، يعرفون محبّهم ببياض الوجه ومبغضهم بسواد الوجه »(١) .

(٢)

رواية سبط ابن الجوزي

وقال سبط ابن الجوزي: « اتفق علماء السير أن قصة الغدير بعد رجوع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث. نصّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإِشارة. وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسير بإسناده: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا قال ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار، وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري »(٢) .

ترجمة السبط والثناء عليه

١ - الذهبي: « وابن الجوزي العلّامة الواعظ المؤرّخ، شمس الدين أبو المظفر، يوسف بن قزعلي التركي ثم البغدادي العوني الهبيري، الحنفي، سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي، أسمعه جدّه منه ومن ابن كلبي وجماعة، وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها، وحصل له القبول العظيم، للطف شمائله وعذوبة وعظه، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلّدا، وشرح الجامع الكبير، وجمع مجلّداً في مناقب أبي حنيفة، ودرّس وأفتى، وكان في شبيبته حنبليّاً.

____________________

(١). وسيلة المآل - مخطوط.

(٢). تذكرة خواص الأمة: ٣٠.

٣٣٤

توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجّة، وكان وافر الحرمة عند الملوك »(١) .

٢ - ابن الوردي: « وفيها توفي الشيخ شمس الدين يوسف، سبط جمال الدين ابن الجوزي: واعظ فاضل، له مرآة الزمان تاريخ جامع. قلت: وله تذكرة الخواص من الأمة في ذكر مناقب الأئمة. والله أعلم »(٢) .

(٣)

رواية الوصابي

ورواه إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي عن « الامام الثعلبي في تفسيره » كذلك.

اعتماد العلماء على كتاب الاكتفاء

وكتاب ( الإِكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء ) لليمني الوصابي من الكتب المشهورة لدى القوم، فقد نقل عنه محمّد محبوب في مواضع من تفسيره ( تفسير شاهي ) منها قوله: « و في الاكتفاء عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه قال: وقع بيني وبين العباس مفاخرة، ففخر عليّ العباس بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أنهما له، قال علي فقلت: ألآن أخبرك بمن هو خير من هذا كله!، الذي قرع خراطيمكم بالسيف وقادكم إلى الإِسلام. فعزّ ذلك على العباسرضي‌الله‌عنه ، فأنزل عزّ وجلّ:( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) يعني علياًرضي‌الله‌عنه »(٣) .

____________________

(١). العبر في خبر من غبر حوادث ٦٥٦.

(٢). تتمة المختصر حوادث ٦٥٦.

(٣). تفسير شاهي. بتفسير الآية.

٣٣٥

ومنها: « في الإِكتفاء عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه قال: لمـّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يغزو تبوك، دعا جعفر بن أبي طالب، فأمره أن يتخلّف على المدينة فقال: لا أتخلّف بعدك يا رسول الله. فعزم عليَّ لمـّا تخلّفت قبل أن أتكلّم فبكيت، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يبكيك يا علي؟ قال: يا رسول الله يبكيني خصال غير واحد، تقول قريش غداً ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمه وخذله، وتبكيني خصلة أخرى، كنت أريد أن أتعرّض للجهاد في سبيل الله »(١) .

ونقل شهاب الدين أحمد بن عبد القادر العجيلي عن ( أسنى المطالب في فضائل علي بن أبي طالب ) وهو الكتاب الرابع من ( الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء )(٢) .

(٤)

رواية الزرندي

وروى محمّد بن يوسف الزرندي حديث نزول الآية المباركة المذكورة في شأن الحارث بن النعمان الفهري، عن الثعلبي واصفاً إياه بـ « الامام » عن سفيان ابن عيينة كما تقدّم(٣) .

ترجمة الزرندي والاعتماد على كتبه

وقال ابن حجر العسقلاني بترجمة الزرندي: « محمّد بن يوسف بن الحسن

____________________

(١). المصدر.

(٢). ذخيرة المآل - مخطوط.

(٣). معارج الوصول - مخطوط - نظم درر السمطين ٩٣.

٣٣٦

ابن محمّد بن محمود بن الحسن، الزرندي المدني الحنفي، شمس الدين، أخو نور الدين علي. قرأت في مشيخة الجنيد البلياني تخريج الحافظ شمس الدين الجزري الدمشقي نزيل شيراز أنه كان عالماً، وأرّخ مولده سنة ٦٩٣ ووفاته بشيراز سنة بضع وخمسين وسبعمائة. وذكر أنه صنف درر السمطين في مناقب السبطين. وبغية المرتاح جمع فيها أربعين حديثاً بأسانيدها وشرحها »(١) .

وفي ( الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ): « حكى شيخ الاسلام العلّامة المحدّث بالحرم الشريف النبوي، جمال الدين محمّد بن يوسف الزرندي، في كتابه المسمى بدرر السمطين في فضل المصطفى والمرتضى والسبطين: أن الامام المعظم والحبر المكرم، أحد الأئمة المتّبعين المقتدى بهم في أمور الدين، محمّد بن إدريس الشافعي المطّلبي -رضي‌الله‌عنه وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه - لما صرّح بمحبّة أهل البيت وأنه من شيعتهم، قيل فيه هذا وهو السيد الجليل، فقال مجيبا عن ذلك بأبيات:

إذا نحن فضّلنا علياً فإننا

روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل

إلى آخر الأشعار »(٢) .

ووصفه شهاب الدين أحمد عند النقل عنه بـ: « الامام المحدّث بالحرم الشريف النبوي المحمدي»(٣) .

وقد ذكر الكاتب الجلبي كتابيه ( نظم درر السمطين ) و ( بغية المرتاح ) في ( كشف الظنون)(٤) .

____________________

(١). الدرر الكامنة ٤ / ٢٩٥.

(٢). الفصول المهمة: ٢١.

(٣). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٤). كشف الظنون ١ / ٧٤٧ باسم: درر السمطين و ٢٥٠١.

٣٣٧

كما عدَّ الديار بكري كتابه ( الإِعلام ) ضمن مصادر كتابه ( الخميس ).

وقال السمهودي: « وقال الحافظ جمال الدين المذكور: وقال أبو الليث عبد السلام بن صالح الهروي: كنت مع علي بن موسى الرضا - وقد دخل نيسابور وهو على بغله شهباء - فغدا في طلبه العلماء من أهل البلد وقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك. فقال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر وقال: حدثني أبي جعفر الصادق ابن محمّد قال: حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمّد بن علي قال: حدثني أبي سيّد العابدين علي بن الحسين قال: حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي قال: سمعت أبي سيد العرب علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الإِيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.

قال الامام أحمد بن حنبلرحمه‌الله : لو قرأت هذا الاسناد على مجنون لبرئ من حينه.

وروى بعضهم أن المستملي لهذا الحديث أبو زرعة الرازي ومحمّد بن أسلم الطوسي »(١) .

وهكذا نقل عنه في مواضع عديدة واصفاً إياه بـ « الحافظ ».

(٥)

رواية الدولت آبادي

وروى ملك العلماء شهاب الدين بن شمس الدين الدولت آبادي حديث نزول قوله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) في واقعة حديث الغدير قوله: « وفي

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٣٣٨

الزاهدية عند قوله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) :في تفسير الثعلبي نزولا: أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوماً . من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج، فجاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد هذا من عندك أو من عند الله؟ فقال: هذا من عند الله. فخرج الكافر من المسجد وقام على عتبة الباب وقال: إنْ كان ما يقوله حقاً فأنزل عليّ حجراً من السماء قال: فنزل حجر ورضخ رأسه. فنزلت السورة »(١) .

ترجمة الدولت آبادي

وشهاب الدين الدولت آبادي من أعلام علماء أهل السنة، فقد ذكره غلام علي آزاد قائلاً: « مولانا القاضي شهاب الدين بن شمس الدين ابن عمر الزاولي الدولت آبادي نوّر الله ضريحه. ولد بدولت آباد دهلي، وتلمّذ على القاضي عبد المقتدر الدهلوي، ومولانا خواجكي الدهلوي وهو من تلامذة مولانا معين الدين العمراني رحمهم ‌الله تعالى. وفاق أقرانه وسبق إخوانه. وكان القاضي عبد المقتدر يقول في حقه: يأتيني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه علم.

... وألّف كتباً سارت بها ركبان العرب والعجم، وأذكى سرجاً أهدى من النار الموقدة على العلم.

توفي لخمس بقين من رجب المرجب، سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ودفن بجو نفور في الجانب الجنوبي من مسجد السلطان إبراهيم الشرقي »(٢) .

كما ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي وأثنى عليه الثناء البالغ(٣) .

____________________

(١). هداية السعداء. الجلوة الثانية من الهداية الثامنة.

(٢). سبحة المرجان في آثار هندوستان: ٣٩.

(٣). أخبار الأخيار: ١٧٣.

٣٣٩

وذكر كاشف الظنون أحد كتب شهاب الدين الدولت آبادي وهو ( الارشاد في النحو ) ووصف مؤلفه بـ « الشيخ الفاضل » والكتاب بقوله: « وهو متن لطيف، تعمّق في تهذيبه كل التعمق، وتأنق في ترتيبه حق التأنق ».

وكذا مدح ولي الله الدهلوي مؤلفات الدولت آبادي في كتابه ( المقدمة السنية في الانتصار للفرقة السنية ).

وقد عدّ رشيد الدين الدهلوي ملك العلماء في عداد عظماء العلماء من أهل السنة، الذين ألّفوا كتباً ورسائل في مناقب الأئمة الطاهرين من أهل البيتعليهم‌السلام .

وهذا المقدار يكفي لبيان كون الدولت آبادي من علماء أهل السنة، المعتمدين الموثوقين لديهم.

(٦)

رواية السمهودي

وروى نور الدين لي بن عبد الله السمهودي الشافعي، حديث نزول الآية الشريفة في حق الحارث في الواقعة المذكورة، عن الثعلبي أيضاً، حيث قال:

« وروى الامام الثعلبي في تفسيره: إنّ سفيان بن عيينةرحمه‌الله سئل عن قول الله عز وجل:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) فيمن نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليرضي‌الله‌عنه وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث ابن النعمان الفهري، فأتى رسول الله على ناقة، فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها وقال:

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563