الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد6%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182028 / تحميل: 9885
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فَجَعَل الحسن يُعَظِّمُ ذلك عليه ويُعَرِّفه ما في إِخْراجِ الأمْرِ منِ أهْله عليه، فقالَ له المأمون: إِنّي عاهَدْتُ اللّهَ أَنَّني إِنْ ظَفِرْتُ بالمَخْلوع(١) أَخْرَجْتُ الخلافَةَ إِلى أَفَضَلِ آل أَبي طالب، وما أَعْلَمُ أَحَداً أَفْضَلَ من هذا الرجل على وَجْهِ الأرْضَ.

فلمّا رأَى الحسنُ والفضلُ عزيمتَه على ذلك أَمسَكا عن مُعارَضَته فيه، فاَرْسَلَهما إِلى الرضاعليه‌السلام فعَرَضا ذلك عليه فامْتَنَعَ منه، فلم يَزالا به حتى أَجابَ، ورَجَعا إِلى المأمونِ فعَرَّفاه إِجابتَه فَسُرَّ بذلك وجَلَسَ للخاصّة في يوم خميسٍ، وخَرَجَ الفَضْلُ بن سهل فأَعْلَمَ الناسَ برأي المأمون في عليّ بن موسى، وأنٌه قد ولاّه عَهْدَه وسمّاه الرضا، وأَمَرَهم بلبْس الخُضْرةِ والعَوْدِ لبيعته في الخميس الآخر، على أَنْ يَأْخُذُوا رِزْقَ سَنَةٍ.

فلمّا كانَ ذلك اليوم رَكِبَ الناسُ على طبقاتهم من القُوّادِ والحُجّابِ والقُضاة وغيرهم في الخُضْرة، وجَلَسَ المأمون ووَضَعَ للرضا وسادتين عظيمتين حتى لَحِقَ بمجلسه وفَرْشِه، وأَجْلَسَ الرضاعليه‌السلام عليهما في الخُضْرة وعليه عمامةٌ وسَيْف، ثم أَمَرَ ابنَه العبّاس بنَ المأمون يُبايعُ له أَوّلَ الناس، فرَفَعَ الرضاعليه‌السلام يَدَه فتَلَقّى بها وجهَ نَفْسِهِ وبِبَطْنِها وجوههم، فقالَ له المأمون: اُبسُط يَدَك للبيعة، فقالَ الرضاعليه‌السلام : «إِنَّ رسولَ اللهّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هكذا كان يبايعُ » فبايَعَه الناسُ ويَدُه فوقَ أَيْديهم، ووُضِعَت البدَر(٢) وقامَتِ الخطباءُ والشعراء فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ فَضْلَ الرضاعليه‌السلام ، وَما كانَ من المأمونِ في أَمره.

__________________

(١) المخلوع: هو محمد بن هارون الامين.

(٢) البِدَر: جمع بدرة، وهي عشرة آلاف درهم. «الصحاح - بدر - ٢: ٥٨٧».

٢٦١

ثم دَعا أبو عَبّاد بالعباس بن المأمون، فوَثَبَ فدَنا من أَبيه فَقبَّلَ يَدَه، وأَمَرَه بالجلوسِ، ثم نُودِيَ محمّدُ بن جعفر بن محمد وقالَ له الفَضْلُ بن سهل: قُمْ، فقامَ فمشى حتى قَرُبَ من المأمونِ فوَقَفَ ولم يُقبِّل يَدَه، فقيل له: امْضِ فخُذْ جائِزَتَك، وناداه المأمون: ارْجِعْ يا أباجعفر إِلى مَجْلِسِك، فرَجَعَ، ثم جَعَلَ أَبو عبّادٍ يَدْعُو بعَلَوِيّ وعَبّاسِيٍّ فيَقْبضان جوائزَهما حتى نَفِدَت الأموالُ، ثم قالَ المأمون للرضاعليه‌السلام : اُخطُب الناسَ وتَكَلَّمْ فيهم، فحَمدَ اللّهَ واثْنى عليه وقالَ: «إِنَّ لنا عليكم حقّاً برسولِ اللّه، ولكم علينا حقّاً به، فإِذا أَدَّيْتُمْ إِلينا ذلك وَجَبَ علينا الحقُّ لكم » ولم يُذْكَرْ عنه غير هذا في ذلك المجلس.

وأَمَرَ المأمونُ فضُرِبَتْ له الدراهم وطُبِعَ عليها اسمُ الرضاعليه‌السلام ، وزَوَّجَ إِسحاقَ بن موسى بن جعفر بنتَ عمِّه إسحاق بن جعفر ابن محمّد، وأَمَرَه فحجّ بالناس(١) ، وخُطِبَ للرضاعليه‌السلام في كلِّ بلد بولايةِ العَهْدِ(٢) .

فرَوى أَحمدُ بن محمد بن سعيد قالَ: حَدَّثَني يحيى بن الحسن العلوي قالَ: حَدَّثَني من سَمِعَ (عَبْدَ الجبار بن سعيد )(٣) يَخْطُبُ في تلك السنةِ على منبرِ رسولِ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالمدينةِ، فقالَ في الدعاء له: وليُّ عهد المسلمينَ عليُّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن

__________________

(١) في هامش «ش»: فحج بالناس: أي صار أمير الحاج.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٥٦٢ - ٥٦٥، الفصول المهمة: ٢٥٥، اعلام الورى: ٣٢٠، ونقله العلاّمة المجلسي في البحار ٤٩:١٤٥ / ١٣.

(٣) كذا في النسخ، وفي العيون: عبد الجبار بن سعيد بن سليمان المساحقي، وفي البحار عن ألارشاد: عبد الحميد بن سعيد.

٢٦٢

أبي طالبعليهم‌السلام .

ستة اباءٍ هُم ما همُ

أَفضَلُ مَنْ يَشربُ صَوْبَ الغَمامِ(١)

وذَكَر المدائني عن رجاله قالَ: لمّا جَلَسَ الرضا عليُّ بن موسىعليه‌السلام ، في الخِلَعِ بولايةِ العَهْدِ، قامَ بين يديه الخُطباءُ والشُعراءُ وخَفَقَتِ الألوِلَةُ على رَأْسِهِ، فذُكِرَعن بَعْضِ مَنْ حَضَرَممَّن كانَ يَخْتَصُّ بالرضاعليه‌السلام ، أنّه قال: كُنْتُ بين يديه في ذلك اليوم، فنَظَرَ إِليَّ وأَنا مستبشر بما جَرى، فاَوْمَأ إِليَّ أَنْ أدْنُ منّي فدَنَوْتُ منه، فقالَ لي من حيث لا يَسْمَعُه غيري: « لا تَشْغَلْ قَلْبَكَ بهذا الأمْرِولا تَسْتَبْشِرْ به، فإِنّه شيءٌ لا يَتُمُّ »(٢) .

وكانَ فيمَنْ وَرَدَ عليه من الشُعراءِ دِعْبلُ بن عليِّ الخُزاعيّ، فَلمّا دَخَلَ عليه قالَ: إِنّي قد قُلْتُ قَصيدةً وجَعَلْتُ على نفسي ألّا اُنشِدَهَا أَحَداً قبلَك، فأمَرَه بالجلوسِ حتى خفًّ مَجْلِسُه، ثم قالَ له: «هاتِها» قال: فأَنْشَدَه قصيدَتَه التي أَوَّلهُا:

مَدارسُ آياتٍ خَلَتْ مِن تِلاوة

فِي ومَنْزِلُ وَحي مُقْفَرُالعَرَصاتِ

 حتى أَتى على اخِرها(٣) ، فَلمّا فَرَغَ من إِنشاده قامَ الرضاعليه‌السلام فدَخَلَ إِلى حُجْرَتِه وبَعَثَ إِليه خادِماً بخِرْقَةِ خَزٍّ فيها ستمائةُ دينارٍ،

__________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٥٦٥، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٤٥ / ١٤، وفيه: سبعة آباء هم، مناقب آل ابي طالب ٤: ٣٦٤، الفصول المهمة: ٢٥٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ١٤٦، كما ان الشعر هو للنابغة الذبياني، راجع ديوانه: ١١٧، وفيه:خمسة آباء هم، وانظر خزانة الادب ١: ٢٨٨، وفيه: من يثرب صفو المدام.

(٢) الفصول المهمة: ٢٥٦، اعلام الورى: ٣٢١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ١٤٧.

(٣) انظر القصيدة في الديوان: ١٢٤.

٢٦٣

وقالَ لخادِمه: «قُلْ له: اسْتَعِنْ بهذه على سَفَرِك واعذِرْنا» فقال له دِعْبل: لا واللهِّ ما هذا أَرَدْتُ ولا له خَرَجْتُ، ولكن قُلْ له: أكسني ثوباً من أَثوابك، وردها عليه، فردها عليه الرضاعليه‌السلام وقالَ له: «خُذْها» وبَعَثِ إِليه بِجُبَّةٍ من ثيابه.

فخَرَجَ دِعْبِلُ حتى وَرَدَ «قُم » فلما رأَوا الجُبّةَ معه أَعْطَوه بها أَلفَ دينارٍ فأَبى عليهم وقالَ: لا واللّهِ ولا خِرْقَةَ منها بألفِ دينارِ، ثم خَرَجَ من «قُم »، فاتَّبَعوه وقَطَعوا عليه وأَخَذوا الجُبَّةَ، فرَجَعَ إِلى «قُم » وكلَمَهم فيها فقالُوا: ليس إِليها سبيلٌ، ولكن إِنْ شِئْتَ فهذه أَلفُ دينار، قالَ لهم: وخِرقَةٌ منها، فأَعْطَوْه أَلفَ دينار وخِرْقَةً من الجبَّةِ(١) .

وروى عليُّ بن إِبراهيم، عن ياسر الخادم والريّان بن الصَلْت جميعاً قالا: لمّا حَضَرَ العيد وكانَ قد عُقِدَ للرضاعليه‌السلام الأمرُ بولايةِ العهدِ، بَعَثَ اليه المأمونُ في الركوب إِلى العيدِ والصلاةِ بالناسِ والخُطبةِ بهم، فبَعَثَ إِليه الرضاعليه‌السلام : «قد عَلِمْتَ ما كانَ بيني وبينَك من الشروط في دخول الأمرِ، فاعْفني من الصلاةِ بالناسِ » فقالَ له المأمون: إِنّما أريدُ بذلك أَنْ تَطْمَئنَّ قُلوبُ الناس ويَعْرِفُوا فَضْلَكَ، ولم تَزَل الرُسلُ تَرَدّدَ بينهما في ذلك، فلمّا أَلحَّ عليه المَأمونُ أَرْسَلَ إِليه: «إِنْ أعْفَيْتَني فهوأحَبُّ إِليّ، وإنْ لم تُعْفِني خَرَجْتُ كما خَرَجَ رسولُ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وأَميرُ المؤمنين عليُّ بن أَبي طالبعليه‌السلام » فقالَ له المأمونُ: أُخرُجْ كيف شِئْتَ. وأَمَرَ القُوّادَ والناسَ أَن يُبَكِّرُوا إِلى بابِ الرضاعليه‌السلام .

قالَ: فقَعَدَ الناسُ لأبي الحسنعليه‌السلام في الطُرُقاتِ والسُطوحِ،

__________________

(١) رجال الكشي: ٥٠٤ / ٩٧٠، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢٦٣ - ٢٦٥.

٢٦٤

واجْتَمَعَ النساءُ والصبيانُ يَنْتَظِرونَ خُروجَه، وصارَ جميعُ القوّادِ والجُنْدِ إِلى بابه، فوَقَفُوا على دَوابِّهِمْ حتى طَلَعَتِ الشمسُ.

فاغْتَسَلَ أَبو الحسنعليه‌السلام ولَبسَ ثِيابَه وتَعَمَّمَ بعَمامةٍ بيضاءٍ من قُطْنٍ، أَلقى طَرَفاً منها على صَدْرِه وطَرَفاً بين كَتِفَيهِ، ومَسٌَ شَيْئاً من الطيبِ، وأَخَذَ بيدِه عُكّازةً، وقال لمواليه: «إِفْعَلوا مثْلَ ما فَعَلْتُ » فَخَرجُوا بين يديه وهو حافٍ قد شَمَّر سَراويلَه إِلى نصفِ الساقِ وعليه ثيابٌ مشمّرة، فمشى قليلاً ورَفَعَ رَأْسَهُ الى السماءِ وكَبّرَ وكَبَّرَمواليه معه، ثم مَشى حتى وقَفَ على البابِ، فلمّا رآه القُوّاد والجُنْدُ على تلك الحال(١) سَقَطُوا كُلُّهم عن الدوابّ إِلى الأرضِ وكانَ أَحْسَنَهم حالاً من كان معه سِكّينٌ قَطَعَ بها شرّابةَ جاَجيلتهِ ونَزَعَها وتَحَفّى.

وكَبَّرَ الرضاعليه‌السلام على الباب وكَبَّرَ الناسُ معه، فخُيِّل إِلينا أَنّ السماءَ والحيطانَ تُجاوِبُهُ، وتَزَعْزَعَتْ مَرْوُ بالبكاء والضجيج لمّا رَأوْا أَبا الحسنعليه‌السلام وسَمِعوا تَكْبيرهُ.

وبَلَغَ المأمونَ ذلك فقالَ له الفضلُ بن سهل ذو الرئاستين: يا أَميرَ المؤمنينَ، إِنْ بَلَغَ الرضا المُصلّى على هذا السبيل افْتَتَنَ به الناسُ وخِفْنا كلُّنا على دمائِنا، فأَنفذ إِليه أَنْ يَرْجِعَ، فبَعَثَ إِليه المامونُ: قد كَلَفْناك شَطَطاً وأتعَبْناك، ولَسْنا نحِبُّ أَن تَلْحَقَك مَشقَّةٌ فَارْجِعْ وَليصَلِّ بالناس مَنْ كان يُصلّي بهم على رَسْمِه. فدَعا أَبو الحسنعليه‌السلام بخُفَه فَلبسَه ورَكِبَ ورَجَعَ، واخْتَلَفَ أَمْرُ الناس في ذلك اليومِ، ولَمْ يَنْتَظِمَْ في

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: الصورة.

٢٦٥

صلاتهِم(١) .

أخْبرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ ابن إبراهيم، عن ياسر قالَ: لمّا عَزَمَ المأمونُ على الخروجِ مِنْ خراسان إِلى بغداد، خَرَجَ وخَرَجَ معه الفَضْلُ بن سَهْل ذو الرئاستين، وخَرَجْنا مع أَبي الحسن الرضاعليه‌السلام فوَرَدَ على الفَضْلِ بن سَهْل كتابٌ من أَخيه الحسنِ بن سهل ونحنُ في بعض المنازلِ: إنّي نَظَرْت في تحويلِ السنةِ فوَجَدْتُ فيه أَنَّك تَذوقُ في شهرِ كذا وكذا يومَ الأربعاء حَرَّ الحديدِ وحر النارِ، وأَرى أَنْ تَدْخُلَ أَنت وأَمير المؤمنين والرضا الحمّامَ في هذا اليومِ وتَحْتَجِمَ فيه وتصُبَّ على بدنك الدمَ ليزولَ عنك نَحْسُه.

فكَتَبَ ذو الرئاستين إِلى المأمونِ بذلك، فسَألَه أَنْ يَسْأَلَ أَبا الحسنعليه‌السلام ذلك، فكَتَبَ المأْمونُ إِلى أَبي الحسنعليه‌السلام يَسْأَلُه فيه، فأَجابَه أَبو الحسن: «لَسْتُ بداخلِ الحمّام غداً» فأَعادَ عليه الرُقْعَةَ مرّتين فكَتَبَ إِليه أَبو الحسنعليه‌السلام : «لَسْتُ داخلاً الحمّامَ غداً، فإِنّي رَأَيْتُ رسولَ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الليلةِ فقالَ لي: يا عليّ، لا تَدْخلِ الحمّامَ غَداً، فلا أرى لَكَ - يا أميرَ المؤمنين - ولا للفضلِ أَنْ تَدْخلا الحمامَ غدا» فكَتَبَ إليه المأمونُ: صَدَقْتَ - يا أَبا الحسن - وصَدَقَ رَسولُ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لَسْتُ بداخلِ الحمّام غداً، والفضلُ أَعْلَمُ.

__________________

(١) الكافي ١: ٤٠٨ / ٧، وباختلاف يسير في عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٥٠، والفصول المهمة: ٢٦١، وذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٣٧١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ١٣٦.

٢٦٦

قالَ: فقالَ ياسرُ: فلمّا أَمْسَيْنا وغابَتِ الشمسُ، قالَ لنا الرضاعليه‌السلام : «قوُلوا: نَعوُذ باللهِّ مِنْ شَرِّ مايَنْزِلُ في هذه الليلةِ» فلَم نَزَلْ نَقُولُ ذلك، فلمّا صلّى الرضا الصُبحَ قالَ لي: «اِصْعَد السطحَ، استَمِعْ هل تَجِدُ شَيْئاً؟» فلما صعِدْتُ سَمعتُ الضّجّةَ وكَثُرَت وزادَتْ فلم نَشْعُرْ بشيءٍ فإِذا نحنُ بالمأمونِ قد دَخَلَ من الباب الذي كانَ مِنْ دارهِ إِلى دارِ أَبي الحسنعليه‌السلام وهو يَقُولُ: يا سيدي، يا أًبا الحسن، آجَرَك اللّه في الفَضْل، فإِنَّه دَخَلَ الحمّامَ ودَخَلَ عليه قومٌ بالسُّيوفِ فقَتَلُوه، وأُخِذَ ممَّن دَخَلَ عليه ثلاثةُ نفرٍ، أَحَدُهم ابن خاله الفَضْلُ بن ذي القلمين.

قالَ: واجْتَمَعَ الجُنْدُ والقُوّادُ ومَنْ كانَ مِن رجالِ الفَضْل على باب المأمون فقالُوا: هو اغْتالَه، وشَغَبوا(١) عليه وطَلِبوا بدَمِهِ، وجاؤوا بالنيرانِ ليحْرِقوا البابَ، فقالَ المأمونُ لأبي الحسنعليه‌السلام : يا سيدي، نَرى أَنْ تَخْرُجَ إِليهم وتُرفق بهم حتى يتفرقوا، قالَ: «نعم » ورَكِبَ أَبو الحسنعليه‌السلام وقالَ لي: «يا ياسرُ اركَبْ » فرَكِبْتُ فلمّا خَرَجْنا من باب الدارِ نَظَرَ إِلى الناسِ وقد ازْدَحَموا عليه، فقالَ لهم بيده: «تَفَرَّقوا» قالَ ياَسرُ: فأَقْبَلَ الناسُ واللهِّ يَقَعُ بَعْضمهُمْ على بعضٍ، وما أَشارَ إِلى أحَدٍ إِلا رَكَضَ ومَضى لوجهِه(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُبن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن معلّى ابن محمد، عن مسافر قالَ: لمّا أَراد هارونُ بن المسيّب أَنْ يواقعَ محمّدَ بنَ

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: وشَنّعُوا.

(٢) الكافي ١: ٤٠٩ / ٨، وباختلاف يسير في عيون اخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٥٩ / ضمن حديث ٢٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ١٧٠ / ٦.

٢٦٧

جعفر قالَ لي أَبو الحسن الرضاعليه‌السلام : «اِذْهَبْ إِليه وقُلْ له: لا تَخْرُجْ غَداً، فإنك إِنْ خَرَجْتَ غداً هُزمْتَ وقُتِلَ أَصحابُك، فإِن قالَ لك: مِنْ أَينَ عَلِمتَ هذا؟ فقُلْ: رأَيْتُ في النومِ » قالَ: فاَتَيْتُهُ فقُلْتُ له:جُعِلْتُ فداك، لا تَخْرُجْ غداً، فإِنَك إِنْ خَرَجْتَ هُزِمْتَ وقتِلَ أَصحابُك، فقالَ لي: من أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قُلْتُ في النوم، فقالَ: نامَ العبدُ ولم يَغْسِل اسْتَه، ثم خَرَجَ فانْهَزَم وقُتِلَ أَصحابُه(١) .

* * *

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٠ / ٩، مناقب آل ابي طالب ٤: ٣٣٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٥٧ / ٧١.

٢٦٨

باب ذِكْرِ وفاةِ الرضا عليِّ بن موسى عليه السلامُ

وسببها، وطَرَفٍ من الأخبارِ في ذلك

وكانَ الرضا عليُّ بن موسىعليهما‌السلام يَكْثُرُ وَعْظَ المأمونِ إِذا خَلا به ويُخَوِّفُه باللهِ ويقَبِّحُ له ما يَرْتَكِبه من خِلافِه، فكانَ المأموُنُ يظهرُ قَبولَ ذلك منه ويبطِنُ كراهَتَه واستثقالَه.

ودَخَل الرضاعليه‌السلام يوماً عليه فرآه يَتَوَضَّأُ للصلاةِ والغلامُ يَصُبُّ على يدِه الماءَ، فقالَ: «لا تُشْرِكْ - يا أميرَ المؤمنينَ - بعبادةِ ربِّك أحداً» فصَرَفَ المأمونُ الغلامَ وتَوَلّى تمامَ وُضوئه بنفسِهِ وزادَ ذلك في غَيْظِهِ ووَجْدِه.

وكانَعليه‌السلام يُزْري(١) على الحسنِ والفضلِ - ابنَي سهلٍ - عند المأمونِ إذا ذَكَرَهما ويَصِفُ له مَساوِئهما ويَنْهاه عن الإصغاءِ إِلى قولهما، وعَرَفا ذلك منه فجَعَلا يَحْطِبانِ(٢) عليه عند المأمونِ ويَذْكُرانِ له عنه ما يُبْعِده منه ويخَوِّفانِه من حَمْلِ الناسِ عليه، فلم يَزالا كذلك حتى قَلَبا رَأيَه، وعَمِلَ على قَتْلِهِعليه‌السلام ، فاتَّفَقَ أَنّه أَكَلَ هو والمأمونُ يوماً طعاماً، فاعْتَلَّ منه الرضاعليه‌السلام (٣) وأَظْهَرَ المأمونُ تمارضاً.

__________________

(١) الازراء: التهاون بالشيء. « الصحاح - زرى - ٦: ٢٣٦٨».

(٢) في هامش «ش»: حطب فلان واحتطب: جذب عليه شراً.

(٣) في مقاتل الطالبيين: ٥٦٦ بعده: ولم يزل الرضا عليلاً حتى مات.

٢٦٩

فَذَكَرَ محمدُ بن علي بن حمزة، عن منصور بن بشير، عن أخيه عبدالله بن بشير قالَ: أَمَرَني المأمونُ أَنْ أُطوِّلَ أَظْفاري عن العادةِ ولا أُظْهرُ لأحدٍ ذلك ففَعَلْتُ، ثم اسْتَدْعاني فأَخْرَجَ إِليَّ شيئأ شبْهَ التمرِ الهِنْدي وقالَ لي: اعْجِن هذا بيدَيْك جميعاً ففَعَلْت، ثم قامَ وتَرَكَني فدَخَلَ على الرضاعليه‌السلام فقالَ له: ما خَبَرك؟ قالَ: «أَرْجُوأَنْ أَكونَ صالحاً» قالَ له: أَنا اليومَ بحمدِ اللهِ أيضاً صالحٌ، فهل جاءك أحدٌ من المترَفّقِين في هذا اليوم؟ قالَ: «لا» فغَضِبَ المامونُ وصاحَ على غِلْمانِه، ثم قالَ: خُذْ ماءَ الرمانِ الساعةَ، فإِنَّه مما لا يُسْتَغْنى عنه، ثم دَعاني فقالَ: ائْتِنا برُمّانٍ، فأَتَيْتُه به، فقالَ لي: اِعْصرْه بيديك، ففَعَلْتُ وسَقاهُ المأمونُ الرضاعليه‌السلام بيده، فكان ذلك سبَب وفاتِه، فَلم يلبثْ إِلّا يومين حتى ماتَعليه‌السلام .

وذُكِرَ عن أَبي الصلْت الهروي أَنه قالَ: دَخَلْت على الرضاعليه‌السلام وقد خَرَجَ المأمونُ من عنده، فقالَ لي: «يا أَبَا الصلت قد فَعَلُوها» وجَعَلَ يُوَحِّدُ اللّهَ ويمُجّدُه(١) .

ورُوي عن محمد بن الجهم أَنّه قالَ: كانَ الرضاعليه‌السلام يُعْجِبُه العنبُ، فأُخِذَ له منه شيءٌ فجُعِلَ في موضعِ أقْماعِه(٢) الإبرُ أَيّاماً ثم نُزِعَتْ منه، وجِيء به إليه فأَكَلَ منه وهو في عِلَّتهِ التي ذكرناها فقَتَلَه، وذُكِرَ

__________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٥٦٦، اعلام الورى: ٣٢٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٩: ٣٠٨ / ١٨، وذيل الحديث في مناقب آل ابي طالب ٤: ٣٧٤.

(٢) في هامش «ش»: اقماع: جمع قمع وقِمَع، وهوموصل حبة العنب بالعنقود.

٢٧٠

أَنَّ ذلك من لطيف السمومِ(١) .

ولَمّا تُوفِّي الرضاعليه‌السلام كَتَمَ المأمونُ مَوْتَه يوماً وليلة، ثم أَنْفَذَ إِلى محمّد بن جعفر الصادق وجماعة من آل أَبي طالب الّذين كانوا عنده، فلمّا حَضَروه نَعاهُ إليهم وبكى وأَظْهَرَ حُزْناً شديداً وتَوَجُّعاً، وأَراهم إيّاه صحيحَ الجسدِ، وقالَ: يَعز عَلَيَّ يا أَخي أَنْ أراك في هذه الحال، قد كُنْتُ آمُلُ أَنْ أُقَدَّمَ قَبْلك، فأَبَى اللهُ إلّا ما أَرادَ، ثمّ أَمَرَ بغسْلِه وتكْفينه وتَحْنيطه وخَرَجَ مع جنازته يَحْمِلُها حتى انتهى إلى الموضعِ الذي هو مدفونٌ فيه الآن فدَفَنَه. والموضعُ دارُ حُمَيْد بن قَحْطَبة(٢) في قرية يُقالُ لها: «سناباد» على دعوة(٣) من «نوقان »(٤) بأَرضِ طوسٍ، وفيها قبرُ هارونِ الرشيد(٥) ، وقَبْرُ أَبي الحسنعليه‌السلام بين يديه في قِبْلَتِهِ.

ومَضَى الرضا عليُّ بن موسىعليه‌السلام ولم يَتْرُكْ ولَداً نَعْلَمُه إلا ابنَه الإمامَ بَعْدَه أَبا جعفر محمد بن عليّعليهما‌السلام وكانت سنُّه يومَ وفاة أَبيه سبعَ سنين وأَشهراً.

__________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٥٦٧، اعلام الورى: ٣٢٥، مناقب آل ابي طالب ٤: ٣٧٤، ونقله العلّامة المجلسي في البحار ٤٩: ٣٠٨.

(٢) في هامش «ش»: كان قحطبة قد وجهه الخليفة الى بعض الأمور فانجح فقال له: انت قحطبة. فقال: يا أميرالمؤمنين وما معنى ذلك؟ فقال: اردت هبط حق فقلبتُ لئلا يوقف عليه.

(٣) على دعوة: يعني مسافة بلوغ الصوت.

(٤) نوقان: احدى قصبتي طوس، والاخرى طابران «معجم البلدان ٥: ٣١١».

(٥) انظر: مقاتل الطالبيين: ٥٦٧.

٢٧١

٢٧٢

باب ذِكْرِ الإمام بعد أبي الحسن عليِّ بن موسى عليهما السلامُ،

وتاريخ مولدهِ، ودلائلِ إِمامتهِ

وطَرَفٍ من أخباره، ومدّةِ إِمامتِه، ومبلغِ سنه، وذكرِ وفاتِه

وسببها، وموضعِ قَبْرِه، وعددِ أولادِه، ومختصر من أخبارهم

وكان الإمامُ بعد الرضا علي بن موسىعليهما‌السلام ابنَه محمَّدَ بن عليّ المرتضى بالنصِّ عليه والإِشارةِ من أبيه إليه، وتكاملِ الفَضْلِ فيه، وكانَ مولدهعليه‌السلام في شهر رمضان سنةَ خمسٍ وتسعين ومائة، وقُبِضَ ببغداد في ذي القعدة سنةَ عشرين ومائتين وله يومئذٍ خمس وعشرون سنة، وكانت مُدَةُ خلافته لأبيه وِإمامتِه من بعده سبعَ عشرة سنة، وأُمّهُ أُمُّ ولد يُقالُ لها: سَبِيكة، وكانت نوبيةً(١) .

__________________

(١) في هامش «ش»: النوبة: جنس من السمر.

النوب والنوبة، والواحد نوبي: بلاد واسعة للسودان، وأيضاً جبل من السودان: «لسان العرب - نوب - ١: ٧٧٦».

٢٧٣

باب ذكرِ طَرَفٍ من النصّ على أبي جعفر محمد بن عليّ عليهما السلامُ

بالإمامةِ، والإشارةِ بها إليه من أبيه عليهما السلامُ

فممَّن رَوَى النصَّ عن أَبي الحسن الرضا على ابنهِ أَبي جعفرعليهما‌السلام بالإمامةِ: عليُّ بن جعفر بن محمّد الصادق، وصَفوانُ بن يحيى، ومَعمَرُ بن خَلاَد، و ( الحسينُ بن يسار(١) ، وابنُ أَبي نَصْر البَزَنطيّ، ( وابنُ

__________________

(١) كذا في «ش» و «م» وكان اصلهما: بشاراً فصحح بيسار، وفي «ح »: بشار، وهذا الاختلاف يوجد عند ذكر روايته أيضاً، ونسخ الكافي مختلفة هناك أيضاً، وفي رجال الكشي: الحسين بن بشار.

وفي المصادر اختلاف في اسم هذا الرجل، فقد أورده البرقي في اصحاب الامام الجوادعليه‌السلام : ٥٦ بعنوان الحسن بن بشار، لكن في نسخة: بسر أويسار، ويمكن ان يكون الحسن خطأ مطبعياً، اذ أورده في فهرست الكتاب: الحسين بن بشار، وأورده في باب اصحاب الامام الكاظمعليه‌السلام بعنوان: الحسين بن يسار.

وأورده الشيخ في اصحاب الكاظمعليه‌السلام بعنوان الحسين بن بشار، وفي اصحاب الرضا والجوادعليهما‌السلام : الحسين بن يسار على ما في كثيرمن النسخ، كنسخة ابن سراهنك المؤرخة سنة ٥٣٣ وفي بعضها في كلا البابين: بشار، وعبارة الشيخ في أصحاب الرضاعليه‌السلام بعد عنوانه: مدائني، مولى زياد ثقة صحيح، روى عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، وأورده الشيخ في باب اصحاب الجوادعليه‌السلام أيضاً: الحسن بن يسار، فظاهره تغاير الحسين بن يسار مع الحسن بن يسار.

وقد ترجم العلامة الحلي للحسين بن بشار المدائني، وضبط بشار: بالباء المنقطة تحتها والشين المعجمة المشددة. (الخلاصة ٤٩ / ٦ )، وأورده ابن داود بعنوان: الحسن بن بشار - بالباء المفردة والشين المعجمة - (رجال ابن داود ٧٢ / ٤٠٠ ).

والروايات الواردة عن هذا الرجل مختلفة أيضاً، فقد ذكر في اكثرها: الحسين بن بشار، وقد

٢٧٤

قياما الواسطِيّ )(١) ، والحسنُ بن الجَهْم، وأَبو يحيى الصنعانيّ، والخَيْرانيّ(٢) ، ويحيى بن حبيب الزَيّات، في جماعةٍ كثيرة يَطُولُ بذِكْرِهم الكتابُ.

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ ابن إِبراهيم بن هاشم، عن أَبيه و(٣) علي بن محمد القاساني جميعاً عن زكريا ابن يحيى بن النعمان قالَ: سَمِعْتُ علي بن جعفر بن محمد يُحدِّثُ الحسنَ ابن الحسين بن عليّ بن الحسين فقالَ في حديثه: لقد نَصَرَ اللهُ أَبا الحسن الرضاعليه‌السلام لمّا بَغى عليه إِخوتُه وعُمومتُه، وذَكَرَحديثاً طويلاً حتّى انْتَهى إِلى قوله: فقُمتُ وقَبَضْتُ على يَدِ أَبي جعفرمحمد بن عليِّ الرضاعليه‌السلام وقلْتُ له: أَشْهَدُ أَنَّك إِمامٌ(٤) عند اللّهِ، فبَكَى الرضاعليه‌السلام ثم قال: «يا عمّ، أَلم تَسْمَعْ أَبي وهو يَقوُل: قالَ رَسولُ اللّه صلّى اللّهُ عليهِ

__________________

بدّل الحسين في بعضها أو في بعض نسخها بالحسن، وكذلك بدّل بشار بيسار، وقد وصفه في بعض الروايات بالواسطي، وفي رواية بالمدائني، انظر: معجم رجال الحديث ٤: ٢٩٠، ٥: ١١٦ و ٢٠٢ و ٢٠٤، ٦: ١١٥، والكشي رقم ٧٤٧ و ٧٦٦ و ٧٨٦ و ٩٤٢، بصائر الدرجات: ٧١ و ١٩٣ و ٤٤٧، والرجعة: ٢٠٩، واكمال الدين: ١٣٦، وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ١١٨ و ٢: ٢٠٩، والتوحيد: ١٣٦.

والظاهر كون الصواب: الحسين بن بشّار، لكن الجزم به اعتماداً على ضبط العلامة الحلي وتأثره بضبط ابن داود مشكل، لاحتمال اعتمادهما في الضبط على بعض النسخ المصححة بنظرهما.

(١) اثبتناه من هامش «ش» و «م»، وفي هامش «ش» عليه علامة النسخة، ولم يذكروه في متن النسخ، ولعل وجه عدم الاتيان به في بعض النسخ - مع ذكر روايته في ما بعد - كونه واقفياً، والمعهود في الكتاب الاستدلال بروايات الثقات من اصحاب الامام السابق. فتأمل.

(٢) يروي الخيراني النصّ عن أبيه - كما ياتي - وليس هو الراوي بالمباشرة، ولا يعلم توصيف والده بالخيراني في كتب الرجال أيضاً. ويأتي في ص ٢٩٨، ٢٩٩.

(٣) كذا في «م» و «ح»، وفي «ش» وهامش «م»: عن، وهو تصحيف كما يظهر من سائر الاسناد، ومن كلمة (جميعاً) في نفس السند.

(٤) في هامش «ش» و «م»: امامي.

٢٧٥

وآلهِ: بأَبي ابنُ خِيرَةِ الإماء النُوبيّة الطيِّبة، يكُونُ من ولده الطريدُ الشريدُ، المَوْتورُ بأَبيه وجدِّه، صاحبُ الغيبة، فيُقالُ: ماتَ أَو هَلَكَ أيَّ وادٍ سَلَكَ؟» فقلْتُ: صَدَقْتَ جعِلْتُ فداك(١) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد ابن يحيى، عن أَحمدَ بن محمد، عن صفوان بن يحيى قالَ: قُلْت للرضاعليه‌السلام : قد كُنّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنَ يَهَبَ اللّهُ لك أَبا جعفرٍ فكُنْتَ تَقولُ: «يَهَبُ اللهُّ لي غُلاماً» فقد وَهَبهَ اللهُ لك وقَرَّ عُيوُننا به، فلا أَرانا اللهُّ يومَك، فإِن كانَ كونٌ فإلى مَنْ؟ فأَشارَ بيده إِلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه، فقُلْتُ له: جُعِلْتُ فداك، وهذا ابنُ ثلاث سنين، قالَ: «وما يَضُرُّ من ذلك! قد قامَ عيسى بالحجةِ وهو ابنُ أَقل من ثلاث سنين »(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أَحمدَ بن محمد بن عيسى، عن معمربن خلاد قالَ: سَمِعْتُ الرضاعليه‌السلام وذَكَرَ شَيئاً(٣) فقالَ: «ما حاجتكم إِلى ذلك، هذا أَبوجعفر قد أجْلَسْتهُ مجلسي وصَيَّرْتُه مكاني » وقالَ: «إنّا أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوارَثُ أَصاغِرُنا عن أَكابِرِنا القُذَّةُ بالقُذَة(٤) »(٥) .

__________________

(١) الكافي ١: ٢٥٩ / ١٤، اعلام الورى: ٣٣٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢١ / ٧.

(٢) الكافي ١: ٢٥٨ / ١٠، اثبات الوصية:١٨٥، الفصول المهمة:٢٦٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢١ / ٨، وذكر نحوه الخزاز في كفاية الأثر: ٢٧٩.

(٣) قال العلامة المجلسي (ره) في البحار ٥٠: ٢٢: وذكر شيئاً أي من علامات الامام وأشباهه وربما يقرأ على المجهول من باب التفعيل.

(٤) يضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. «النهاية - قذذ - ٤: ٢٨ ».

(٥) الكافي ١: ٢٥٦ / ٢، الفصول المهمة:٢٦٥، اعلام الورى: ٣٣١، ونقله العلامة المجلسي

٢٧٦

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عدّةٍ من أصحابنا، عن أحمدَ بن محمد، عن جعفربن يحيى، عن مالك ابن أشيم، عن الحسين بن يسار(١) قالَ: كَتَبَ ابنُ قياما(٢) إِلى أَبي الحسن الرضاعليه‌السلام كتاباً يقولُ فيه: كيف تَكُونُ إِماماً وليس لك ولدٌ؟ فأجابَه أَبو الحسنعليه‌السلام : «وما عِلْمُك أَنَّه لا يكونُ لي ولدٌ؟! واللّهِ لا تَمضي الأيّامُ والليالي حتّى يَرْزُقَني اللهُ ذَكَراً يُفرِّقُ بين الحقِّ والباطلِ»(٣) .

حَدٌثَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن بعض أَصحابه، عن محمد بن عليّ، عن معاوية بن حكيمِ، عن ابن أبي نصر البزنطي قالَ: قالَ لي ابنُ النجاشي: مَنِ الإمامُ بعدَ صاحبِك؟ فاُحِبُّ أَنْ تَسْأَله حتى أَعلَمَ. فدَخَلْت على الرضاعليه‌السلام فاَخْبَرْته، قال:فقالَ لي: « الإمام: اِبْني » وليس له ولدٌ، ثم قالَ: هل يَجْتَرِئُ أَحَدٌ أَن يَقُولَ: اِبْني، وليسَ له ولد؟! ولم يَكُنْ وُلِدَ أَبوجعفرعليه‌السلام ، فلم تَمْضِ الأيامُ حتّى وُلِدَ صلّى اللّهُ عليهِ(٤) .

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن ( أحمدَ بن محمد )(٥) ، عن محمد بن عليّ، عن ابن قياما الواسطي - وكانَ

__________________

في البحار ٥٠: ٢١ / ٩، وذكر الكليني قطعة منه بطريق آخرعن معمربن خلاد ١: ٢٥٧ / ٦.

(١)كذا في «ش» و «م»، وفي «ح»: بشّار، وقد تقدم الكلام عنه آنفاً.

(٢) في هامش «ش»: ابن قياما الواسطي.

(٣) الكافي ١: ٢٥٧ / ٤، رجال الكشي: ٥٥٣ / ١٠٤٤، اعلام الورى: ٣٣١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٢ / ١٠، وذكر نحوه الطبري في دلائل الامامة: ١٨٩، والمسعوديَ في اثبات الوصية: ١٨٣.

(٤) الكافي ١: ٢٥٧ / ٥، اعلام الورىَ: ٣٣١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٢ / ١١.

(٥) كذا في «م» و «ح » ومثله في السندين الآتيين، وهو الموجود في هامش «ش» في الموارد الثلاثة

٢٧٧

واقِفاً - قالَ: دَخَلْتُ على عليّ بن موسى، فقُلْتُ له: أَيكونُ إِمامان؟ قالَ: «لا، إلا أَنْ يكونَ أحَدُهما صامتاً» فقُلْتُ له: هو ذا أَنت، ليس لك صامتٌ؟ فقالَ لي: «واللهِ ليَجْعَلَنَّ اللهُ منّي ما يُثْبِتُ به الحق وأهْلَه، ويَمْحَقُ(١) به الباطل وأَهْلَه » ولم يَكنْ في الوقت له وَلَدٌ، فولدَ له أَبو جعفرعليه‌السلام بعدَ سنة(٢) .

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن أحمدَ بن محمد(٣) ، عن محمد بن عليّ، عن الحسن بن الجهم قالَ: كُنْتُ مع أَبي الحسنعليه‌السلام جالساً فدعا بابنه وهو صغير فاجْلَسَه في حِجْري وقالَ لي: «جَرِّدْه، اِنْزَع قَميصَه » فنَزَعْتُه فقالَ لي: «اُنْظرْ بين كَتِفَيْه »: فنَظَرْتُ، فإِذا في إِحدى كَتِفَيه شبهُ الخاتَم داخلَ اللحم، ثم قالَ لي: «أَترى هذا؟ مثلُه في هذا الموضعِ كانَ من أَبيعليه‌السلام »(٤) .

__________________

وقد جعل في جنبه هنا علامة النسخة، وفي السندين الأتيين علامة التصحيح، وفي متن «ش»: أحمد بن هارون، وهو أصل نَسخ «م» ثم غيّر وصحّح بأحمد بن محمد.

وهذه الروايات وردت في الكافي ١: ٢٥٧ / ٧ و ٨ و ٩ وسند حديث ٦ هكذا: أحمد بن مهران عن محمد بن علي عن معمر بن خلّاد وسند حديث ٧: أحمد عن محمد بن علي وسند حديث ٨: أحمد عن محمد بن علي وسند حديث ٩: عنه عن محمد بن علي وفي بعض النسخ المعتبرة ( عنه ) في السندين ٧ و ٨ أيضاً.

ولعل الموجود في نسخة الكافي التي عند المصنف ( قده ) في سند الحديث ٦: أحمد بن محمد بدل أحمد بن مهران، فاخذ المفيد سائر الروايات منها، وأرجع الضميرإلى مرجعه أو أضاف ( ابن محمد ) بعد أحمد توضيحاً.

(١) في «ش»:يمحو.

(٢) الكافي ١: ٢٥٧ / ٧ و ٢٨٨ / ١١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٢ / ١٢.

(٣) مرّ آنفاً ما يتعلق به.

(٤) الكافي ١: ٢٥٧ / ٨، اعلام الورى: ٣٣٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠:

٢٧٨

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن أحمدَ بن محمد(١) ، عن محمد بن عليّ، عن أبي يحيى الصنعاني قالَ: كُنْتُ عند أبي الحسنعليه‌السلام فجيءَ بابنه أَبي جعفرٍعليه‌السلام وهو صغيرٌ، فقالَ: «هذا المولود الذي لم يُولَدْ مَوْلُودٌ أَعْظَمُ على شيعتنا بركةً منه »(٢) .

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن ( الحسين بن محمد )(٣) ، عن الخيراني، عن أَبيه قالَ: كنت واقفاً بين يدَيْ أَبي الحسن الرضاعليه‌السلام بخُراسان، فقآلَ قائلٌ: يا سيّدي إِنْ كانَ كَوْنٌ فإِلى مَنْ؟ قالَ: «إِلى أَبي جعفر ابني » فكأَن القائَل استصْغَرَ سنَّ أَبي جعفرعليه‌السلام فقالَ أَبو الحسنعليه‌السلام : « إِنَّ اللّهَ سبحانَه بَعَثَ عيسى بَن مريم رسولاً نبيّاً صاحبَ شريعةٍ مُبْتَدَأةٍ في أصْغَرَمن السنِّ الذي فيه أَبوجعفرعليه‌السلام »(٤) .

أخْبَرَني (أَبو القاسم )(٥) ، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ بن محمد،

__________________

٢٣ / ١٣.

(١) مرّ آنفاً ما يتعلق به.

(٢) الكافي ١: ٢٥٨ / ٩، اعلام الورى: ٣٣٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٣ / ١٤، وذكر المسعودي في اثبات الوصية: ١٨٤، نحوه.

(٣) كذا حكاه في البحار عن الارشاد، وهو الصواب الموافق للكافي وسائر الاسناد. وفي النسخ: الحسن بن محمد.

(٤) الكافي ١: ٢٥٨ / ١٣، اعلام الورى: ٣٣١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٣ / ١٥، وذكره باختلاف الطبري في دلائل الامامة: ٢٠٤، والمسعودي في اثبات الوصية: ١٨٦.

(٥) في «ش» و «م» و «ح »: جعفر بن محمد، لكن جعل عليه في «ش» علامة الزيادة، وضرب عليه خطأ في «م».

٢٧٩

عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يحيى بن حبيب الزيات قالَ: أَخْبَرَني مَنْ كانَ عند أَبي الحسنعليه‌السلام جالساً، فلمّا نَهَضَ القَومُ قالَ لهم أَبو الحسن الرضاعليه‌السلام : «القَوْا أَبا جعفر فسَلِّمُوا عليه وأَجِدُّوا به عَهْداً« فلمّا نَهَضَ القوم الْتَفَتَ إِليَّ فقالَ: «يَرْحَمُ اللّهُ المُفَضَّلَ، إِنّه كانَ لَيَقْنَعُ بدون هذا»(١) .

* * *

__________________

(١) الكافي ١: ٢٥٦ / ١، اعلام الورى: ٣٣٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤ / ١٦، ورواه الكشي في رجاله ٢: ٦٢٠ / ٥٩٣، بسند آخر، عن محمد بن حبيب، باختلاف يسير.

٢٨٠

باب طَرَفٍ من الأخبارِ عن مناقب أَبي جعفر عليه السلامُ

ودلائِلهِ ومُعْجِزاتِه

وكانَ المأمونُ قد شُعِفَ(١) بأَبي جعفرعليه‌السلام لمّا رَأى مِن فضلهِ مع صِغَر سنِّه، وبُلوغِه في العلمِ والحكمةِ والأَدبِ وكمالِ العقلِ ما لم يُساوِه فيه أحدٌ من مشايخ أَهلِ الزمانِ، فزوّجه ابْنَتَه أُمَّ الفضلِ وحَمَلَها معه إِلى المدينةِ، وكان مُتَوَفِّراً على إكرامِه وتعظيمِه وِإجلالِ قَدْرِه.

روى الحسنُ بن محمّد بن سليمان، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أَبيه، عن الريان بن شبيب قالَ: لمّا أَرادَ المأمونُ أَن يُزوِّج ابْنَتَه أمَّ الْفَضْل أَبا جعفر محمد بن عليّعليهما‌السلام بَلَغَ ذلك العباسيّين فغَلُظَ عليهم واسْتَكْبَروه، وخافُوا أَنْ يَنْتَهِيَ الأمرُ معه إِلى ما انتَهى مع الرضاعليه‌السلام فخاضوا في ذلك، واجْتَمَعَ منهم أَهلُ بيته الأدْنَونَ منه فقالوا له: ننشدُك اللّهَ - يا أَميرَ المؤمنين - (أَنْ تُقيمَ )(٢) على هذا الأمرِ الذي قد عَزَمْتَ عليه من تزويج ابن الرضا، فإنّا نخَافُ أَن يَخْرُجَ به عنّا أَمرٌ قد ملَّكَنَاهُ اللّهُ، ويُنْزَعَ مِنّا عزٌّ قد أَلبَسَناه اللهُّ وقد عَرَفْتَ ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاءُ الراشدون قَبْلَكَ من تبعيدهم والتصغيرِ بهم، وقد كُنّا في وَهْلةٍ من عَمَلِك مع الرضا ما عَمِلْتَ، حتى كَفانَا اللّهُ المهمَّ من ذلك، فاللّهَ اللّهَ أَنْ تَرُدَّنا إِلى غمٍّ قد

__________________

(١) شعفت به وبحبه أي غشّى الحبُّ القلب من قوقه. «القاموس - شعف - ٣: ١٥٩ ».

(٢) في هامش «ش»: أي أن لا تقيم.

٢٨١

انْحَسَرَ عنّا، واصْرِفْ رَأْيَك عن ابن الرضا واعْدِلْ إِلى مَنْ تراه من أَهل بيتك يَصْلَحً لذلك دونَ غيره.

فقالَ لهم المأمونُ: أَمّا ما بينكم وبينَ ال أَبي طالب فأَنتُمُ السَبَبُ فيه، ولو أَنْصَفْتُمُ القَوْمَ لكانَ أَولى بكم، وأَمّا ما كان يَفْعَله مَنْ كانَ قبلي بهم فقد كانَ قاطِعاً للرحِم، أَعوذ باللهِّ من ذلك، وواللّهِ ما نَدِمْتُ على ما كانَ منّي من استخلافِ الرضا، ولقد سَألته أنْ يَقوُمَ بالأمْرِ وانزَعُه عن نفسي فأَبى، وكانَ أَمْرُ اللّهِ قَدَراً مَقْدُوراً، وأَمّا أَبوجعفر محمّدُ بن عليّ فقد اخْترْته لتبريزه على كافةِ أَهْلِ الْفَضْلِ في العلمِ والْفَضْلِ مع صِغَرِ سِنِّه، والأعجُوبة فيه بذلك، وأَنا أَرْجُو أَنْ يَظْهَرَ للناسِ ما قد عَرَفْتُه منه فيَعْلَموا أَنّ الرأيَ ما رَأَيْتُ فيه.

فقالوُا: إِنَ هذا الصبي وانْ راقَكَ منه هَدْيُه، فإِنّه صبيٌّ لا معرفةَ له ولا فِقْهَ، فأَمْهِلْه ليتأَدَّبَ ويَتَفَقَّهَ في الدين، ثم اصْنَعْ ما تراه بعد ذلك.

فقالَ لهم: ويحْكُم إِنّني أَعْرَفُ بهذا الفتى منكم، وِانّ هذا من أَهل بَيْتٍ عِلْمُهم من اللّه ومَوادِّه والهامه، لم يَزَلْ آباؤه أَغنياءَ في علمِ الدينِ والأدبِ عن الرعايا الناقصةِ عن حدِّ الكمالِ، فانْ شِئْتُمْ فامْتَحِنُوا أَبا جعفرٍ بما يَتَبَيٌنُ لكم به ما وَصَفْتُ من حالِه.

قالوا له: قد رَضِيْنا لك يا أَميرَ المؤمنين ولانفُسِنا بامْتِحانِه، فخلِّ بيننا وبينه لنَنْصِبَ مَنْ يَسْأله بحَضْرَتِك عن شيءٍ من فِقْه الشريعة، فإِنْ أَصابَ في الجواب عنه لم يَكُنَْ لنا اعتراض في أَمْرِه وظَهَرَ للخاصةِ والعامةِ سَديد رَأْي أَميرِ المؤمنين، وإنْ عَجَزَ عن ذلك فقد كُفْينا الخَطْبَ في معناه.

فقالَ لهم المأمونُ: شأنَكم وذاك متى أَرَدْتُم. فخَرجوا من عنده

٢٨٢

وأَجْمَعَ رَأيهُم على مسألةِ يحيى بن أَكْثَم وهويومئذٍ قاضي القضاة(١) على أَنْ يَسْألَه مسألةً لا يَعْرِفُ الجوابَ فيها، ووَعَدوهُ باَمْوالٍ نفيسةٍ على ذلك، وعادُوا إلى المأمونِ فَسَأَلوه أَنْ يَخْتارَ لهم يوماً للاجتماع، فأَجابَهُم إلى ذلك.

واجْتَمَعُوا في اليوم الذي اتفَقوا عليه، وحَضَرَ معهم يحيى بن أَكْثَم، وأَمَرَ المأمونُ أَنْ يُفْرَشَ لأبي جعفرعليه‌السلام َدست(٢) ، وتُجْعَلَ له فيه مِسْوَرتان(٣) ، ففُعِلَ ذلك، وخَرَجَ أَبو جعفرعليه‌السلام وهويومئذٍ ابنُ تسع سنين وأشهُر، فجَلَسَ بين المِسْوَرتَيْن، وجَلَسَ يحيى بن أكثم بين يديه، وقامَ الناسُ في مَراتبِهِم والمأمونُ جالسٌ في دَست مُتَّصِل بدَست أَبي جعفرعليه‌السلام .

فقالَ يحيى بن أَكثم للمأمونِ: يَأذَنُ لي أَمير المؤمنينَ أَنْ أَسْأَلَ أَبا جعفر؟ فقالَ له المأمونُ: اسْتَأْذِنْه في ذلك، فاَقْبَلَ عليه يحيى بن أَكثم فقالَ: أَتَاْذَنُ لي - جُعِلْتُ فداك - في مَسْألَةٍ؟ فقالَ له أَبوجعفرعليه‌السلام : «سَلْ إِنْ شِئْتَ » قالَ يحيى: ما تَقولُ - جُعِلْتُ فداك - في مُحرِمِ قَتَلَ صَيْداً؟

فقال له أَبو جعفر: «قَتَلَه في حِلٍّ أَو حَرَم؟ عالماً كانَ المُحْرِمُ أَم جاهلاً؟ قَتَلَه عَمْداً أَو خَطَأ؟ حُراً كانَ المُحْرِمُ أَم عَبْدا ً؟ صَغيراً كانَ أَم كبيراً؟ مُبْتَدِئاً بالقتلِ أَمْ مُعيداً؟ مِنْ ذَواتِ الطيرِ كانَ الصيدُ أَمْ من غيرِها؟ مِنْ صِغارِ الصيد كانَ أَم كِبارِها(٤) مصُرّاً على ما فَعَلَ أَو نادِماً؟ في

__________________

(١) في « م» وهامش « ش»: الزمان.

(٢) أي جانب من البيت، وهي فارسية معرّبة.

(٣) في هامش «ش»: المسورة: متكأ من أدَم.

(٤) في «م» وهامش «ش»: كباره.

٢٨٣

الليلِ كانَ قَتْلَهُ للصيدِ أَم نَهاراً؟ مُحْرِماً كانَ بالعُمْرةِ إذْ قَتَلَه أَو بالحجِّ كانَ مُحْرِماً»؟

فتَحَيَّرَيحيى بن أَكثم وبانَ في وجهه الْعَجْزُ والانقطاعُ ولَجْلَجَ حتى عَرَفَ جمَاعَةُ أَهْلِ المجلس أمْرَه، فقالَ المأمونُ: الحمدُ لله على هذه النعمة والتوفيقِ لي في الرأْي. ثم نَظَرَ إِلى أَهْلِ بَيْتِه وقالَ لهم: أَعَرَفتمُ الآنَ ما كُنْتُم تُنْكِرُونَه؟

ثم أَقْبَلَ على أَبي جعفرعليه‌السلام فقالَ له: أَتَخْطُب يا أَبا جعفر؟ قالَ: «نعم يا أميرَ المؤمنين » فقالَ له المأمونُ: اُخْطُبْ، جُعِلْتُ فداكَ لِنَفْسِكَ، فقد رَضيتُكَ لِنَفْسي وأَنا مُزَوِّجُكَ أُمَّ الفَضْل ابَنتي وِان رَغَمَ قومٌ لذلك.

فقال أَبو جعفرعليه‌السلام : «الحمد للهّ إِقراراً بنعمتِه، ولا إِلهَ إلا اللّه إِخْلاصاً لوَحْدانِيتهِ، وصَلىّ اللّهُ على محمّدٍ سيِّدِ بَرِيَّتِه والأصْفياءِ من عترتهِ.

أَمّا بَعْدُ: فقد كانَ من فَضْل اللّه على الأنام أَنْ أَغناهُم بالحلالِ عن الحَرامِ، فقالَ سُبْحانَه:( وَأَنكَحُوا الأيَامىَ مِنْكُمْ وَألصّالحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَليمٌ ) (١) ثمَّ إِنَّ محمّد بن عليّ بن موسى يَخْطُبُ أُمَّ الفَضْلِ بنْتَ عبداللهِّ المأمونِ، وقد بَذَلَ لها من الصداقِ مَهْرَ جَدَّتِه فاطمة بنت محمّدعليهما‌السلام وهو خمسمائة درهم جياداً، فهَلْ زَوَّجْتَه يا أَميرَ المؤمنين بها على هذا الصداقِ المذكور؟ ».

__________________

(١) النور ٢٤: ٣٢.

٢٨٤

قالَ المأمونُ: نعم، قد زَوَجْتُك أَبا جعفرأُم الفضل ابْنَتي على هذا الصداق المذكور، فهل قَبِلْتَ النكاحَ؟

قالَ أًبو جعفرعليه‌السلام : «قد قَبِلْتُ ذلك ورَضِيتُ به».

فاَمَرَ المأمونُ أَنْ يَقْعُدَ الناسُ على مَراتِبهِم في الخاصّةِ والعامّةِ.

قالَ الريان: ولم نَلْبثْ أَنْ سَمِعْنا أَصْواتاً تُشْبِهُ أَصْواتَ المَلاحينَ في مُحاوَراتهم، فإذا الخدم يَجُرُّون سفينةً مَصْنُوعةً من فِضَةٍ مَشْدُودةٍ بالحِبالِ من الإبريسم على عَجلٍ مملؤةً من الغاليةِ(١) ، فأمَرَ المأمونُ أنْ تُخْضَبَ لِحَى الخاصّة من تلك الغاليةِ، ثُمَّ مُدَّت إِلى دارِ العامّة فطُيِّبوا منها، ووُضِعَتِ الموائدُ فأكَلَ الناسُ، وخَرَجَتِ الجوائزُ إِلى كُلِّ قوم على قدرهم، فلما تَفَرَّقَ الناسُ وبَقِيَ من الخاصةِ مَنْ بَقي، قالَ المأمونُ لأبي جعفر: إِنْ رَأيتَ - جُعِلْتُ فداك - أنْ تَذْكُرَ الفِقْهَ فيما فَصلْته من وُجُوه قَتْلِ المُحْرمِ الصيدَ لِنَعْلَمَه ونَسْتَفيدَه.

فقالَ أَبو جعفرعليه‌السلام : «نعم» إِنَ المُحرمَ إذا قَتَلَ صَيْداً في الحِل وكانَ الصَيْدُ من ذواتِ الطَّيْرِ وكانَ من كِبارِها فعليه شاةٌ، فإِنْ كانَ أَصابَه في الحَرَم فعليه الجزاءُ مُضاعَفاً، وإذا قَتَلَ فَرْخاً في الحِلِّ فعليه حَمْل قد فُطِمَ منَ اللبن، وإذا قَتَله في الحرم فعليه الحمْلُ وقيمةُ الفَرْخِ، وان كانَ من الوحْشِ وكانَ حمارَ وَحْشٍ فعليَه بَقَرَةٌ، وِان كانَ نَعامةً فعليه بدنة، وإن كانَ ظَبْياً فعليه شاةٌ، فإِن قَتَلَ شَيئأ من ذلك في الحَرَمِ فعليه الجزاءُ مُضاعَفأ هَدْياً بالغَ الكعبةِ، وِاذا أَصابَ المُحْرِمُ ما يجب عليه

__________________

(١) الغالية: ضرب من الطيب مركب من مسك وعنبر وكافور ودهن البان وعود. «مجمع البحرين - غلا - ١: ٣١٩».

٢٨٥

الهَدْي فيه وكانَ إِحْرامُه للحجِّ نَحَرَه بمنى، وان كانَ إِحرامُه للعُمْرة نَحَرَه بمكّةَ. وجزاءُ الصَيْدِ على العالِم والجاهِل سواء، وفي العَمْدِ له المأثَمُ، وهو موضوعٌ عنه في الخَطَأ، والكفّارةُ على الحرِّ في نفسه، وعلى السيد في عبدِه، والصغيرُ لا كفّارةَ عليه، وهي على الكبير واجبة، والنادِمُ يَسْقُطُ بنَدمِه عنه عقابُ الآخِرَة، والمُصِرُّ يجب عليه العقابُ في الآخِرَةِ».

فقالَ له المأمونُ: أَحْسَنْتَ - أَبا جعفر - أحْسَنَ اللهُ إِليك، فإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَسْألَ يحيى عن مسألةٍ كما سَأَلك.

فقالَ أَبو جعفر ليحيى: «أَسْأَلُك؟».

قالَ: ذلك إِليك - جُعِلْتُ فداك - فإِنْ عَرَفْتُ جوابَ ما تَسْأَلُني عنه وِالا اسْتَفَدْتُه منك.

فقالَ له أَبو جعفرعليه‌السلام : «خَبِّرْني عن رجل نَظَرَ إِلى امْرأةٍ في أَوّل النهارِ فكانَ نَظَرُه إِليها حراماً عليه، فلمّا ارْتَفَعَ النهارُ حَلَتْ له، فلمّا زالَتِ الشمسُ حَرُمَتْ عليه، فلمّا كانَ وَقْتَ العصرِ حَلَّتْ له، فلما غَربتَ الشمسُ حرُمتْ عليه، فلما دَخَلَ عليه وَقْتُ العشاءِ الآخرةِ حَلَّتْ له، فلمّا كانَ انْتِصاف الليلِ حَرُمَتْ عليه، فلما طَلَعَ الفجرُ حَلَّتْ له، ما حالُ هذه المرأة وبماذا حلَتْ له وحَرُمَتْ عليه؟».

فقالَ له يحيى بن أكثم: لا واللهِ ما أَهْتَدي إِلى جواب هذا السؤالِ، ولا أعَرِفُ الوجهَ فيه، فإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُفيدَناه.

فقالَ له أَبوجعفرعليه‌السلام : «هذه أمَةٌ لرجلٍ من الناسِ نَظَرَ إِليها أجنبيٌّ في أَوّل النهارِ فكانَ نَظَرُه إِليها حراماً عليه، فلمّا ارْتَفَعَ النهار

٢٨٦

ابْتاعَها من مولاها فحلَّتْ له، فلمّا كانَ الظهرُ أَعْتَقَها فحَرُمَتْ عليه، فلمّا كانَ وَقْتُ العصرِ تَزوَّجَها فحَلَّتْ له، فلمّا كانَ وَقْتُ المغرب ظاهَرَ منها فَحرُمَتْ عليه، فلمّا كانَ وَقْتُ العشاءِ الآخرةِ كَفَّرَعن الظِهارِ فَحلَتْ له، فلمّا كانَ نصفُ الليل طَلَّقها واحدةً فَحرُمَتْ عليه، فلمّا كانَ عند الفَجْرِ راجَعَها فحلَّتْ له ».

قالَ: فاَقْبَل المأمونُ على مَنْ حَضَرَه من أَهْل بيته فقالَ لهم: هل فيكم أحدٌ يجُيبُ عن هذه المسألةِ بمِثْل هذا الجواب، أَو يَعْرفُ القولَ فيما تَقَدَّم من السؤالِ؟!
قالوُا: لا واللهِ، إن أَميرَ المؤمنين أعْلَمُ وما رَأى.

فقالَ لهم: ويَحْكم، إِنَّ أَهْلَ هذا البيتِ خُصُّوا من الخَلْقِ بما تَرَوْنَ من الْفَضلِ، وإن صِغَرَ السِنِّ فيهم لا يَمْنَعُهُمْ من الكَمالِ، أَما عَلِمْتمْ أَنَّ رسولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله افْتَتَحَ دَعْوَتَه بدعاءِ أَميرِ المؤمنين عليِّ بن أَبي طالبعليه‌السلام وهو ابن عَشْرِ سنينَ، وقَبِلَ منه الإسلامَ وحَكَمَ له به، ولم يَدْعُ أَحَداً في سنِّه غيره. وبايَعَ الحسنَ والحسينَعليهما‌السلام وهما ابنا دونَ الستّ سنين ولُم يبايِعْ صبيّاً غيْرَهما، أَفلا تَعْلَمونَ الأن ما اخْتَصَّ اللهُ به هؤلاءِ القومَ، وأَنهُم ذريّةٌ بَعْضُها من بعضٍ، يَجْري لآخِرِهم ما يَجْري لأوَلِّهم؟!

قالوُا: صَدَقْتَ يا أَميرَ المؤمنين، ثمَّ نَهَضَ القَوْمُ.

فلمّا كانَ من الغدِ اُحْضِرَ الناسُ، وحَضَرَ أَبو جعفرعليه‌السلام ، وصارَ القُوّادُ والحُجّابُ والخاصّةُ والعُمّالُ لتَهْنِئَةِ المأمون وأبي جعفرعليه‌السلام ، فأخْرِجَتْ ثلاثةُ أَطباق من الفِضَّةِ فيها بَنادِقُ مِسكٍ

٢٨٧

وزَعْفَرانٍ معجون، في أجوافِ تلك البَنادِق رِقاع مكتوبةٌ بأَمْوالٍ جزيلةٍ وعطايا سَنِيَّة واِقطاعاتٍ، فأَمَرَ المأمونُ بنَثْرِها على القوم مِنْ خاصَتِهِ، فكانَ كُلُّ من وَقَعَ في يَدِه بُندُقة، أَخْرَجَ الرُقْعَةَ التي فيها والْتَمَسَه فاُطلِقَ له. ووُضِعَتِ البدَر، فنُثِرَ ما فيها على القُوّادِ وغيرِهم، وانْصَرَفَ الناسُ وهم أغنياءُ بالجوَائزِ والعطايا. وتَقََمَ المأْمونُ بالصدَقَةِ على كافةِ المساكين. ولم يَزَلْ مُكْرماً لأبي جعفرعليه‌السلام مُعظِّماً لقَدْرِه مدَّةَ حياتِه، يؤثرهُ على ولده وجماعةِ أَهل بَيْتِهِ(١) .

وقد رَوَى الناسُ: أَنَّ أُمَّ الفَضْلِ بنتَ المأمون كَتَبَتْ إلى أَبيها من المدينةِ تَشْكُو أَبا جعفرعليه‌السلام وتَقُولُ: إِنَه يَتَسَرّى(٢) علي ويغيرُني، فكتَبَ إِليها المأمونُ: يا بُنيّة، إنّا لم نُزَوِّجُك أَبا جعفرلتُحَرِّمي(٣) عليه حلالاً، فلا تُعاوِدي لِذكْرِ ما ذَكَرْتِ بعدَها(٤) .

ولمّا تَوَجَّه أَبو جعفرعليه‌السلام من بغداد منصرِفاً من عند المأمون ومعه أُمُّ الفضلِ قاصداً بها المدينةَ، صارَ إِلى شارع باب الكوفةِ ومعه الناس يُشَيّعونَه، فانْتهَى إِلى دار المُسيّب عند مَغيب الشمس، نَزَلَ ودَخَلَ

__________________

(١) اعلام الورى: ٣٣٥، الاحتجاج: ٤٤٣، مثله، وذكر نحوه القمي في تفسيره ١: ١٨٢، والمسعودي في اثبات الوصية: ١٨٩، والطبري في دلائل الامامة: ٢٠٦، والمصنف في الاختصاص: ٩٨، وابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٦٧.

(٢) السُّرّيّة: الجارية المتخذه للجماع منسوبة الى السر «القاموس ٢:٤٧، لسان العرب ٤: ٣٥٨».

(٣) في «م» وهامش «ش»: لنحرّم.

(٤) مناقب ال ابي طالب ٤: ٣٨٢، الفصول المهمة: ٢٧٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٧٩ / ٥.

٢٨٨

المسْجدَ، وكانَ في صَحْنِه نَبْقَةٌ(١) لم تَحْمِلْ بعدُ، فدعا بكوُزٍ فيه ماءٌ فتَوَضَّأ في أَصْل النَبْقَةِ فصلى بالناسِ صلاةَ المغربِ، فقَرَأَ في الأولى منها الحمد وِإذا جاء نصرُ اللهّ، وقَرَأ في الثانية الحمد وقُلْ هو الله أحد، وقَنَتَ قَبْلَ ركوعِه فيها، وصَلّى الثالثة وتشًهَّدَ وسلَّمَ، ثم جَلَسَ هُنيهَةً يَذْكُرُ اللهَ تعالى، وقامَ من غير تعقيبٍ فصَلى النوافلَ أَربَعَ ركعاتٍ، وعَقَّبَ بَعْدَها وسَجَدَ سَجْدَتَي الشُكر، ثم خَرَجَ. فلمّا انتَهى إِلى النَبْقَةِ رَآها الناسُ وقد حَمَلَتْ حَمْلاً حَسَناً فتَعجّبُوا من ذلك وأَكَلُوا منها فوَجَدُوه نَبْقاً حُلْواً لا عَجْمَ له.

وودَّعُوه ومَضىعليه‌السلام من وَقْتِه إِلى المدينةِ، فلم يَزَلْ بها إِلى أَنْ أَشْخَصَه المُعتصم في أَوّلِ سنةِ عشرين(٢) ومائتين إِلى بغداد، فأَقامَ بها حتى تُوُفّي في اخرِ ذي القعدة من هذه السنةِ، فدُفِنَ في ظَهْرِ جَدِّه أَبي الحسن موسىعليه‌السلام (٣) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن أحمدَ بن إِدريس، عن محمد بن حسّان، عن عليِّ بن خالد قالَ: كُنْتُ بالعَسْكَر(٤) فبَلَغَني أَنَ هناكَ رَجُلاً مَحْبوساً أُتي به من ناحية الشام مَكْبُولاً، وقالُوا: إِنَه تَنَبأ. قالَ: فَأَتَيْتُ البابَ ودارَيْتُ البوابينَ حتى وَصَلْتُ إِليه، فإِذا رَجُلٌ له فَهْمٌ وعَقْلٌ، فقُلْتُ له: يا هذا ما قِصَتُك؟ فقالَ: إِنّي كُنْتُ رَجُلاً بالشام أَعبُدُ اللّهَ في الموضع الذي يُقالُ: إِنّه نُصِبَ فيه رَأْسُ الحسين

__________________

(١) النبقة: النَبق - بفتح النون وكسر الباء، وقد تسكّن: ثمر السدر «النهاية - نبق - ٥: ١٠ ».

(٢) كان في النَسخ: سنة خمس وعشرين، وما أثبتناه هو الصواب بقرينة ما في ص ٢٧٣ و ٢٩ من هذا الجزء؛ وانظر: الكافي ١: ٤١١ و ٤١٦ / ١٢، تاريخ أهل البيت (ع): ٨٥.

(٣) اعلام الورى: ٣٣٨، مناقب ال ابي طالب ٤: ٣٩٠، الفصول المهمة: ٢٧٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٨٩.

(٤) العسكر: سامراء.

٢٨٩

عليه‌السلام ، فبَيْنا أَنا ذات ليلةٍ في موضعي مُقْبلٌ على المحرابِ أَذْكُرُ اللهَّ تعالى، إِذْ رَأَيْتُ شخصاً بين يَدَيَّ، فنَظَرْتُ إِليَه فقال لي: «قُمْ »، فقُمْتُ معه فمَشى بي قليلاً فإِذا أَنَا في مسجد الكوفةِ، فقالَ لي: «أتَعْرِفُ هذا المسجد؟» فقُلْتُ: نعَمْ هذا مسجدُ الكوفة، قالَ: فصَلّى فصَلَّيْتُ معه ثم انْصَرَفَ وانْصرَفْتُ معه، فمَشى قليلاً فإِذا نحن بمسجد الرسولعليه‌السلام فسلّم على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلّى وصلّيت معه، ثمَّ خَرَجِ وخَرَجْتُ فمَشى قليلاً فإِذا أَنا بمكّة، فطافَ بالبيت وطُفْتُ معه، ثم خرَجَ فمَشى قليلاً فإِذا أَنا بموضعي الذي كُنْتُ أَعْبُدُ اللّهَ تعالى فيه بالشام، وغابَ الشخصُ عن عَيني، فبَقيتُ مُتَعَجِّباً حولاً ممّا رَأَيْتُ.

فلمّا كانَ في العام المقبل رَأيْتُ ذلكَ الشخصَ فاسْتَبْشَرْتُ به، ودَعاني فأَجَبْتُه، ففَعَلَ كما فَعَلَ في العام الماضي، فلمّا أَرادَ مُفارقَتي بالشام قُلْتُ له: سأَلْتُكَ بحقّ الذي أَقْدَرَك على ما رَأَيْتُ منك إِلا أَخْبَرتَني مَنْ أَنت؟ فقالَ: «أَنا محمّدُ بن عليّ بن موسى بن جعفرِ».

فَحدّثْتُ مَنْ كانَ يَصيرُإِلَيَّ بخَبَرِه، فرُقِيَ ذلك إِلى محمد بن عبدالملك الزيّات، فبَعَثَ إِلَيَّ فأخَذَني وكَبلَني في الحديد وحَمَلَنيَ إلى العراقِ وحُبِسْتُ كما ترى، وَادُّعِيَ عَلَيَّ المحالُ.

فقُلْتُ له: فأَرْفَعُ عنك قصّةً إِلى محمد بن عبد الملك الزيّات.

فقالَ: افْعَل.

فكَتَبْتُ عنه قصةً شرًحْتُ أَمْرَه فيها ورَفَعْتُها الى محمد بن عبد الملك الزيّات، فوَقَّعَ في ظَهْرِها: قُلْ للَذي أَخْرَجَك من الشام في ليلةٍ إِلى

٢٩٠

الكوفة ومن الكوفة إِلى المدينة ومن المدينة الى مكّة ورَدَّكَ من مكّة إِلى الشام، أَنْ يُخْرِجَكَ من حَبْسِك هذا.

قالَ عليُّ بن خالد: فغَمَّني ذلك من أَمْره ورَققْتُ له وانْصَرَفْتُ مَحْزُوناً عليه. فلمّا كانَ من الغدِ باكَرْتُ الحَبْسَ لأعْلِمَهُ بالحال وآمرُه بالصبرِ والعزاءِ، فوَجَدْتُ الجُنْدَ وأَصحابَ الحَرَسِ وأَصحابَ السجنِ وخَلْقاً عظيماً من الناسِ يُهْرَعونَ، فسَأَلْتُ عن حالِهم فقيلَ لي: المحمول من الشام المُتَنَبِّى افْتُقِدَ البارحةُ من الحَبْسِ، فلا يُدْرى أخُسِفَتْ به الأرض أَو اخْتَطًفَتْه الطيرُ!

وكانَ هذا الرجلُ - أَعْني عليَّ بن خالد - زيديّاً، فقالَ بالإمامةِ لمّا رَأَى ذلك وحَسُنَ اعْتقادُه(١) .

أَخبرني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن محمد بن عليّ، عن محمد بن حمزة، عن محمد بن عليّ الهاشمي قالَ: دخَلْتُ على أَبي جعفرعليه‌السلام صَبيحةَ عُرْسِهِ ببنتِ المأمون، وكُنت تَناوَلت من الليلِ دَواءً، فاوّل مَنْ دَخَلَ عليه في صَبيحتهِ أَنا وقَدْ أَصابَني العَطَشُ، وكَرِهْتُ أَنْ أَدْعُوَ بالماءِ، فنَظَرَ أَبو جعفرعليه‌السلام في وَجْهي وقالَ: «أَراك عَطْشان؟» قُلْتُ: أَجَلْ، قالَ: «يا غلامُ اسْقِنا ماء » فقًلْتُ في نفسي: الساعة يَأْتُونَه بماءٍ مسمومٍ واغْتَمَمْتُ لذلك، فأَقْبَلَ الغلامُ ومعه الماءُ، فتَبَسَّمَ في وَجْهي

__________________

(١) بصائر الدرجات: ٤٢٢ / ١، الكافي ١: ٤١١ / ١، دلائل الامامة: ٢١٤، الاختصاص: ٣٢٠، اعلام الورى: ٣٣٢، الخرائج والجرائح ١:٣٨٠ / ١٠، واخرج نحوه ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٧١، ومختصراً في مناقب آل ابي طالب ٤: ٣٩٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٤٠.

٢٩١

ثمَّ قالَ: «يا غلامُ ناوِلني الماءَ» فتَناوَلَ الماء فشَرِبَ ثمّ ناوَلَني فشَرِبْتُ، وأَطَلْتُ عندَه فعَطِشْتُ، فدَعا بالماءِ ففَعَلَ كما فَعَلَ في المرّة الأولى فشَرِبَ ثم ناوَلني وتَبَسمَ.

قالَ محمّدُ بن حمزة: فقالَ لي محمّد بن عليّ الهاشمي: واللّهِ إنني أَظُنُّ أَنّ أَبا جعفر يَعْلَمُ ما في النفوسِ كما تَقُول الرافِضةُ(١) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عدّةٍ من أَصحابه، عن أَحمدَ بن محمد، عن الحجّال وعمرو بن عثمان، عن رجل من أَهل المدينة، عن المُطَرِّفي قالَ: مَضى أَبو الحسن الرضاعليه‌السلام وَلي عليه أَربعةُ آلاف درهم لم يَكُنْ يَعرِفُها غَيْري وغَيْرُه، فأَرْسَلَ إلي أَبو جعفرعليه‌السلام : «إذا كان في غدٍ فَأْتِني» فأَتَيْتُه من الغدِ فقالَ لي: «مضَى أَبو الحسن ولكَ عليه أَربعةُ الاف درهمٍ؟» فقُلْتُ: نعَمْ، فرَفَعَ المُصَلّى الذي كانَ تحْتَه فإذا تحته دنانير فدَفَعها إلَيّ، فكانَ قيمتُها في الوقت أَربعةَ آلاف درهم(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، [ عن عليّ بن أسباط ](٣) قالَ: خَرَجَ عَلَيَّ أَبو جعفر عليه

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٤ / ٦، دلائل الامامة:٢١٥، الخرائج والجرائح ١: ٣٧٩ / ٩، ورواه بحذف اوله ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٣٩٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٥٤ / ٢٨.

(٢) الكافي ١:٤١٥ / ١١، اعلام الورى: ٣٣٤، وذكره باختلاف يسير ابن شهرآشوب في المناقب ٤: / ٣٩١، ونحوه في الخرائج والجرائح١: ٣٧٨ / ٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٥٤ / ٢٩.

(٣) ما ببن المعقوفتين سقط من السند في النسخ مع انّه الراوي للخبر في المصادر، وقد نقل العلامة المجلسي في البحار الخبرعن الارشاد، وفيه: معلى بن محمد عن ابن اسباط، وهو اختصارعلي ابن اسباط كما هو المعلوم من دأبه.

٢٩٢

السلامُ ( حدثانَ مَوْتِ أَبيه )(١) فنَظَرْتُ إلى قَدِّهِ لأصِفَ قامَتَه لأصْحابي(٢) ، فقَعَدَ ثمَّ قالَ: «يا علي(٣) ، إنَّ اللهّ احْتَجَّ في الإمامةِ بمثل ما احْتَجَّ به في النُبُوَّةِ فقال:( وَآتَينَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً ) (٤) »(٥) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد، عن سهل بن زياد، عن داود بن القاسم الجعفَري قالَ: دَخَلْتُ على أَبي جعفرعليه‌السلام ومعي ثلاثُ رِقاعٍ غير مُعَنْوَنَةٍ واشْتَبَهَتْ عَلَيَّ فاغْتَمَمْتُ فتَناوَلَ إحداها وقالَ: «هذه رقعةُ رَيّان بن شبيب » ثُمَّ تناوَلَ الثانيةَ فقالَ: «هذه رقعةُ فلانٍ » فبُهِتُ أَنْظُرُ إِليه، فتَبَسَّمَ وأَخَذَ الثالثةَ فقالَ: «هذه رُقْعةُ فلان »فقلْتُ: نعَمْ جُعِلْتُ فداك.

فأَعْطاني ثلاث مائة دينار وأَمَرَني أَنْ أَحْمِلَها إِلى بعضِ بني عمّه وقالَ: «أَما إنَّه سَيَقُولُ لك: دُلَّني على حَريفٍ يَشْتَري لي بها مَتاعاً فدُلَّه عليه » قالَ: فأتيته بالدنانير فقالَ لي: يا أَبا هاشم دُلّنِي على حريفٍ يشتري لي بها متاعاً، فقُلْتُ: نعَمْ.

وكَلَّمَني في الطريقِ جَمّالٌ سَأَلَني أَنْ أُخاطِبَهُ في إِدْخالِه مع بَعْضِ

__________________

(١) في هامش «ش»: قريباً من موت ابيه.

(٢) في هامش «ش»: لاصحابنا.

(٣)كذا في «ح » لكن لم يأت فيه بعلي بن اسباط كما مرّ، والمناسب لعدم وجوده هو (يا معلى) وكان في «م» و «ش» في الاصل: يا علي، ثم صحح فيهما بـ (معلّى).

(٤) مريم ١٩: ١٢.

(٥) ذكر الخبر الصفار في بصائر الدرجات: ٢٥٨ / ١٠، والكليني في الكافي ١: ٣١٥ / ٧ و ٤١٣ / ٣، والمسعودي في اثبات الوصية: ١٨٤، والطبرسي في مجمع البيان ٣: ٥٠٦، والراوندي في الخرائج والجرائح ١: ٣٨٤ / ١٤، وابن شهراشوب في المناقب ٤: ٣٨٩، باختلاف يسير، ونقله المجلسي في البحار ٥٠: ٣٧ / ١.

٢٩٣

أَصْحابه في أُمُورِه، فدَخَلْت عليه لأكلَمَهُ فوَجَدْتُه يَأْكُلُ ومعه جماعةٌ، فلَمْ أَتمَكَّن من كلامه، فقالَ: «يا أبا هاشم كُلْ »، ووَضَعَ بين يَدَيَّ ما آكُلُ منه، ثم قالَ ابتداءً من غير مسألةٍ: «يا غلامُ اُنْظُر الجمّالَ الذي أَتانا به أَبو هاشم فضُفَه إِليك ».

قالَ أَبو هاشم: ودَخَلْتُ معه ذاتَ يوم بُسْتاناً، فقُلْتُ له: جُعِلْتُ فدِاك، إِنّي مُولَع بأَكْلِ الطينِ، فادْعُ اللّهَ لي، فسَكَتَ ثمَّ قالَ لي بعدَ أَيامٍ ابتداءً منه: «يا أَبا هاشم، قد أَذهَبَ اللهّ عنك أَكْلَ الطينِ » قالَ أَبوهاشم:فما شيءٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ منه اليومَ(١) .

والأخْبارُ في هذا المعنى كثيرةٌ، وفيما أَثْبَتْناه منها كفايةٌ فيما قَصَدْنا له إِنْ شاءَ اللهُّ.

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٤ / ٥، والطبرسي في اعلام الورى: ٣٣٣ عن كتاب اخبار ابي هاشم ألجعفري، والقطب الراوندي في الخرائج والجرائح ٢: ٦٦٤ - ٦٦٥ / ١ و ٢ و ٣ و ٤، وابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٣٩٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٤١ / ٤، ٥، ٦، ٧.

٢٩٤

باب ذِكْرِ وفاةِ أبي جعفر عليه السلامُ،

ومَوْضِعَ قَبْرهِ، وذِكْرِ ولدهِ

قد تَقَدَّمَ القولُ في مَوْلدِ أَبي جعفرعليه‌السلام وذَكَرْنا أَنّه وُلِدَ بالمدينةِ، وأنه قبِضَ ببغداد.

وكانَ سَبَبُ وُروده إِليها إِشخاصَ المعتصم له من المدينة، فوَردَ بغداد لليلتين بَقِيَتا من المحرَّم من سنة عشرين ومائتين، وتُوُفَيَ بها في ذي القعدة من هذه السنة.
وقيل: إِنَّه مَضى مَسْمُوماً(١) ولم يَثْبُتْ بذلك عندي خبرفأشْهَدُ به.

ودفِنَ في مقابر قُريش في ظَهْرِ جَدِّه أَبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وكانَ له يومَ قُبِضَ خمسٌ وعشرون سنة وأَشْهُر.

وكان منعوتاً بالمْنتَجَب والمرتَضى، وخَلَّفَ بعده من الولد عليّاً ابْنَه الإمام من بعده، وموسى، وفاطمة واُمامة ابنتَيْه، ولم يُخَلِّفْ ذَكَراً غيرَ مَنْ سمّيناه.

__________________

(١) كما في تفسير العياشي ١: ٣٢٠، ونقله ابن شهرآشوب عن ابن عياش في المناقب ٤: ٣٧٩.

٢٩٥

٢٩٦

باب ذِكْرِ الإمام بعد أبي جعفر محمّد بنِ عليّ عليهما السلامُ

وتاريخ مَوْلدِه، ودلائلِ إِمامَتهِ، وطَرَفٍ من أخْبارِه،

ومُدّةِ إِمامَتهِ، ومَبْلَغِ سنِّه، وذِكْرِ وفاتِه وسَببها،

ومَوْضِعِ قَبْرِه، وعَدَدِ أولادهِ، ومُخْتصر من أخْبارِه

وكان الأمامُ بعد أَبي جعفرعليه‌السلام ابنَه أَبا الحسن عليَّ بن محمّد، لاجتماع خصال الإمامة فيه، وتكامل فَضْلِه، وأنه لا وارثَ لمقام أَبيه سواه، وثُبوتِ النصِّ عليه بالإمامةِ والإشارةِ اليه من أَبيه بالخلافةِ.

وكانَ مَولده بِصَريا(١) من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثْنَتَيْ عشرة ومائتين، وتُوُفِّيَ بُسر مَن رَأَى في رجب سنة أَربع وخمسين ومائتين، وله يومئذٍ إِحدى وأَربعون سنة وأشهر. وكانَ المتوكّلُ قد أشْخَصَه مع يحيى بن هَرْثمة بن أَعْيَن من المدينة إِلى سُرَّمَنْ رأى، فأَقامَ بها حتى مَضى لسبيله. وكانَتْ مُدّةُ إِمامتِه ثلاثاً وثلاثين سنة، وأُمُّه أمّ ولدٍ يقالُ لها: سُمَانة.

__________________

(١) صريا: هي قرية اسسها موسى بن جعفرعليه‌السلام على ثلاثة اميال من المدينة. «مناقب آل أبي طالب ٤: ٣٨٢».

٢٩٧

باب طَرَفٍ من الخبر في النصٌ عليه بالإمامةِ والإشارةِ إليه بالخلافةِ

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ ابن إبراهيم، عن أَبيه، عن إسماعيل بن مهران قال: لمّا أُخْرجَ أَبو جعفرعليه‌السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولة من خَرْجَتَيه قُلْت له عند خُروجِه: جُعِلْتُ فداك، إِنّي أَخافُ عليك مِنْ هذا الوجه، فإِلى مَنِ الأمْرُ بعدك؟ قالَ: فكَرَّ بوجهه إِلَيَّ ضاحكاً وقالَ: « ليس حيث(١) ظَنَنْتَ في هذه السنة»، فلمّا اسْتُدْعِيَ به إِلى المعتصم صِرْتُ إليه فقلْتُ له: جُعِلْتُ فداك، أَنت خارج، فإِلى مَنْ هذا الأمرُ من بعدك؟ فبَكى حتى اخْضَلّتْ لِحْيَته ثم الْتَفَتَ إِلَيَّ فقالَ: «عند هذه يُخافُ عَلَيَّ، الأمرُ مِنْ بعدي إِلى ابْني عليّ »(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين(٣) بن محمد، عن الخيراني، عن أَبيه أَنّه قالَ: كُنْتُ أَلزمُ بابَ أَبي جعفرعليه‌السلام للخِدْمَةِ التي وُكِّلْتُ بها، وكان أحمدُ بن محمّد بن

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: كما.

(٢) الكافي ١: ٢٦٠ / ١، اعلام الورى: ٣٣٩، مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠:١١٨ / ٢، وذكر ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٧٧ خروج الامامعليه‌السلام المرة الثانية من المدينة فقط.

(٣) كذا في «ح » وهو محتمل «ش»، وفي «م»: الحسن، والصواب ما أثبتناه موافقاً للكافي.

٢٩٨

عيسى الأشعريّ يجيء في السَحَر من اخِرِ كلِّ ليلة ليَتَعَرَّفَ خَبَرَعِلّةِ أَبي جعفرعليه‌السلام ، وكانَ الرسولُ الذي يَخْتَلِفُ بين أَبي جعفر وبين الخيراني إذا حَضَرَ قامَ أَحمدُ وخَلا به.

قالَ الخيراني: فَخَرَجَ ذاتَ ليلة وقامَ أحمدُ بن محمّد بن عيسى عن المَجْلِس، وخَلا بي الرسول، واسْتَدارَ أحمدُ فوَقَفَ حيثُ يَسْمَعُ الكلامَ، فقالَ الرسول: إِنَّ مولاك يَقْرَأُ عليك السلامَ، ويَقُولُ لك: «إِنّي ماضٍ، والأمْرُ صائِرٌ إلى اِبني عليٍّ، وله عليكم بعدي ما كانَ لي عليكم بعدَ أَبي ».

ثم مَض الرسولُ ورَجَعَ أحمدُ إِلى مَوْضِعهِ، فقالَ لي: ما الَّذي قالَ لك؟ قُلْتُ: خَيْراً، قالَ: قد سَمِعْتُ ما قالَ، وأَعادَ عليٌ ما سَمِعَ، فقُلْتُ له: قد حَرَّمَ اللهُّ عليك ما فَعَلْتَ، لأنَّ اللهَّ تعالى يقولُ:( وَلاَ تَجَسَّسُوا ) (١) فإِذا سَمِعْتَ فاحْفَظِ الشهادةَ لَعَلَّنا نَحْتاجُ إِليها يوماً ما، وايّاك أَنْ تُظهِرَها إِلى وقتها.

قالَ: وأَصْبَحْتُ وكَتَبْتُ نُسّخةَ الرسالة في عَشْر رِقاع، وخَتَمْتُها ودَفَعُتُها إِلى عَشرة من وُجوه أَصحابنا، وقُلْتُ: إِن حَدَث بي حَدَثُ الموت قَبْلَ أَنْ أطالِبكم بها فافْتَحُوها وَاعْمَلوا بما فيها.

فلمّا مَضى أبو جعفرعليه‌السلام لَمْ أَخْرُجْ من مَنْزلي حتى عَرَفْتُ أَنّ رؤساء العصابة قد اجْتَمَعوا عند محمّد بن الفرَج(٢) ، يتفاوَضون في الأمْرِ. وكَتَبَ إلَيَّ محمّدُ بن الفَرج يُعْلِمُني باجْتماعِهم عندَه ويقولُ:

__________________

(١) الحجرات ٤٩: ١٢.

(٢) هو محمد بن الفَرج الرُخجي من اصحاب الرضا والجواد والهاديعليهم‌السلام .

٢٩٩

لولا مخافةُ الشُهرة لَصِرْتُ معهم إليك، فاُحِبّ أَنْ تَرْكَبَ إِلَيَّ. فرَكِبتُ وصِرْتُ إِليه، فوَجَدْتُ القَوْمَ مُجْتَمعينَ عِنْدَه، فتجاريْنا في الباب(١) ، فوَجَدْتُ أَكْثَرَهم قد شَكُّوا، فقُلْتُ لمَنْ عندَه الرِقاعُ - وهم حُضورٌ -:أَخْرِجُوا تلك الرِقاعَ، فاَخْرَجُوها، فقُلْتُ لهم: هذا ما أمرْتُ به.

فقالَ بَعْضهم: قد كُنّا نحِبُّ أَنْ يَكُونَ معك في هذا الأمرِآخَرُ ليتأكَدَ القولُ.

فقُلْتُ لهم: قد أَتاكُم اللهُّ بما تُحِبُّونَ، هذا أَبو جعفرٍ الأشعريّ يَشْهَدُ لي بسماعِ هذه الرسالةِ فاسْأَلُوه، فسَأَلَه القومُ فَتَوَقَّفَ عن الشهادةِ، فدَعَوْتُه إلى المباهَلة، فخافَ منها وقَالَ: قد سَمِعْتُ ذلك، وهي مَكرمةٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لرجلٍ من العربِ، فاَمّا مع المباهَلة فلا طريقَ إلى كتمان الشهادة، فلم يَبْرَحِ القومُ حتى سَلَّموا لأبي الحسنعليه‌السلام (٢) .

والأخبارُ في هذه الباب كثيرةٌ جدّاً إنْ عَمِلْنا على إثباتها طالَ بها الكتابُ، وفي إجماعِ العصابةِ على إمامةِ أَبي الحسنعليه‌السلام ، وعَدَمِ مَنْ يَدَّعيها سواه في وقته مِمَّنْ يَلْتَبِسُ الأمْرُ فيه غنىً عن إيراد الأخْبارِ بالنصوصِ على التفصيلِ.

__________________

(١) في هامش «ش»: الباب: صاحب السرّ الذي يتوصل إلى الامام به.

(٢) الكافي ١: ٢٦٠ / ٢، اعلام الورى:٣٤٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١١٩ / ٣.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563