الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد10%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182086 / تحميل: 9887
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

باب طَرَفٍ من الأخبارِ عن مناقب أَبي جعفر عليه السلامُ

ودلائِلهِ ومُعْجِزاتِه

وكانَ المأمونُ قد شُعِفَ(١) بأَبي جعفرعليه‌السلام لمّا رَأى مِن فضلهِ مع صِغَر سنِّه، وبُلوغِه في العلمِ والحكمةِ والأَدبِ وكمالِ العقلِ ما لم يُساوِه فيه أحدٌ من مشايخ أَهلِ الزمانِ، فزوّجه ابْنَتَه أُمَّ الفضلِ وحَمَلَها معه إِلى المدينةِ، وكان مُتَوَفِّراً على إكرامِه وتعظيمِه وِإجلالِ قَدْرِه.

روى الحسنُ بن محمّد بن سليمان، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أَبيه، عن الريان بن شبيب قالَ: لمّا أَرادَ المأمونُ أَن يُزوِّج ابْنَتَه أمَّ الْفَضْل أَبا جعفر محمد بن عليّعليهما‌السلام بَلَغَ ذلك العباسيّين فغَلُظَ عليهم واسْتَكْبَروه، وخافُوا أَنْ يَنْتَهِيَ الأمرُ معه إِلى ما انتَهى مع الرضاعليه‌السلام فخاضوا في ذلك، واجْتَمَعَ منهم أَهلُ بيته الأدْنَونَ منه فقالوا له: ننشدُك اللّهَ - يا أَميرَ المؤمنين - (أَنْ تُقيمَ )(٢) على هذا الأمرِ الذي قد عَزَمْتَ عليه من تزويج ابن الرضا، فإنّا نخَافُ أَن يَخْرُجَ به عنّا أَمرٌ قد ملَّكَنَاهُ اللّهُ، ويُنْزَعَ مِنّا عزٌّ قد أَلبَسَناه اللهُّ وقد عَرَفْتَ ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاءُ الراشدون قَبْلَكَ من تبعيدهم والتصغيرِ بهم، وقد كُنّا في وَهْلةٍ من عَمَلِك مع الرضا ما عَمِلْتَ، حتى كَفانَا اللّهُ المهمَّ من ذلك، فاللّهَ اللّهَ أَنْ تَرُدَّنا إِلى غمٍّ قد

__________________

(١) شعفت به وبحبه أي غشّى الحبُّ القلب من قوقه. «القاموس - شعف - ٣: ١٥٩ ».

(٢) في هامش «ش»: أي أن لا تقيم.

٢٨١

انْحَسَرَ عنّا، واصْرِفْ رَأْيَك عن ابن الرضا واعْدِلْ إِلى مَنْ تراه من أَهل بيتك يَصْلَحً لذلك دونَ غيره.

فقالَ لهم المأمونُ: أَمّا ما بينكم وبينَ ال أَبي طالب فأَنتُمُ السَبَبُ فيه، ولو أَنْصَفْتُمُ القَوْمَ لكانَ أَولى بكم، وأَمّا ما كان يَفْعَله مَنْ كانَ قبلي بهم فقد كانَ قاطِعاً للرحِم، أَعوذ باللهِّ من ذلك، وواللّهِ ما نَدِمْتُ على ما كانَ منّي من استخلافِ الرضا، ولقد سَألته أنْ يَقوُمَ بالأمْرِ وانزَعُه عن نفسي فأَبى، وكانَ أَمْرُ اللّهِ قَدَراً مَقْدُوراً، وأَمّا أَبوجعفر محمّدُ بن عليّ فقد اخْترْته لتبريزه على كافةِ أَهْلِ الْفَضْلِ في العلمِ والْفَضْلِ مع صِغَرِ سِنِّه، والأعجُوبة فيه بذلك، وأَنا أَرْجُو أَنْ يَظْهَرَ للناسِ ما قد عَرَفْتُه منه فيَعْلَموا أَنّ الرأيَ ما رَأَيْتُ فيه.

فقالوُا: إِنَ هذا الصبي وانْ راقَكَ منه هَدْيُه، فإِنّه صبيٌّ لا معرفةَ له ولا فِقْهَ، فأَمْهِلْه ليتأَدَّبَ ويَتَفَقَّهَ في الدين، ثم اصْنَعْ ما تراه بعد ذلك.

فقالَ لهم: ويحْكُم إِنّني أَعْرَفُ بهذا الفتى منكم، وِانّ هذا من أَهل بَيْتٍ عِلْمُهم من اللّه ومَوادِّه والهامه، لم يَزَلْ آباؤه أَغنياءَ في علمِ الدينِ والأدبِ عن الرعايا الناقصةِ عن حدِّ الكمالِ، فانْ شِئْتُمْ فامْتَحِنُوا أَبا جعفرٍ بما يَتَبَيٌنُ لكم به ما وَصَفْتُ من حالِه.

قالوا له: قد رَضِيْنا لك يا أَميرَ المؤمنين ولانفُسِنا بامْتِحانِه، فخلِّ بيننا وبينه لنَنْصِبَ مَنْ يَسْأله بحَضْرَتِك عن شيءٍ من فِقْه الشريعة، فإِنْ أَصابَ في الجواب عنه لم يَكُنَْ لنا اعتراض في أَمْرِه وظَهَرَ للخاصةِ والعامةِ سَديد رَأْي أَميرِ المؤمنين، وإنْ عَجَزَ عن ذلك فقد كُفْينا الخَطْبَ في معناه.

فقالَ لهم المأمونُ: شأنَكم وذاك متى أَرَدْتُم. فخَرجوا من عنده

٢٨٢

وأَجْمَعَ رَأيهُم على مسألةِ يحيى بن أَكْثَم وهويومئذٍ قاضي القضاة(١) على أَنْ يَسْألَه مسألةً لا يَعْرِفُ الجوابَ فيها، ووَعَدوهُ باَمْوالٍ نفيسةٍ على ذلك، وعادُوا إلى المأمونِ فَسَأَلوه أَنْ يَخْتارَ لهم يوماً للاجتماع، فأَجابَهُم إلى ذلك.

واجْتَمَعُوا في اليوم الذي اتفَقوا عليه، وحَضَرَ معهم يحيى بن أَكْثَم، وأَمَرَ المأمونُ أَنْ يُفْرَشَ لأبي جعفرعليه‌السلام َدست(٢) ، وتُجْعَلَ له فيه مِسْوَرتان(٣) ، ففُعِلَ ذلك، وخَرَجَ أَبو جعفرعليه‌السلام وهويومئذٍ ابنُ تسع سنين وأشهُر، فجَلَسَ بين المِسْوَرتَيْن، وجَلَسَ يحيى بن أكثم بين يديه، وقامَ الناسُ في مَراتبِهِم والمأمونُ جالسٌ في دَست مُتَّصِل بدَست أَبي جعفرعليه‌السلام .

فقالَ يحيى بن أَكثم للمأمونِ: يَأذَنُ لي أَمير المؤمنينَ أَنْ أَسْأَلَ أَبا جعفر؟ فقالَ له المأمونُ: اسْتَأْذِنْه في ذلك، فاَقْبَلَ عليه يحيى بن أَكثم فقالَ: أَتَاْذَنُ لي - جُعِلْتُ فداك - في مَسْألَةٍ؟ فقالَ له أَبوجعفرعليه‌السلام : «سَلْ إِنْ شِئْتَ » قالَ يحيى: ما تَقولُ - جُعِلْتُ فداك - في مُحرِمِ قَتَلَ صَيْداً؟

فقال له أَبو جعفر: «قَتَلَه في حِلٍّ أَو حَرَم؟ عالماً كانَ المُحْرِمُ أَم جاهلاً؟ قَتَلَه عَمْداً أَو خَطَأ؟ حُراً كانَ المُحْرِمُ أَم عَبْدا ً؟ صَغيراً كانَ أَم كبيراً؟ مُبْتَدِئاً بالقتلِ أَمْ مُعيداً؟ مِنْ ذَواتِ الطيرِ كانَ الصيدُ أَمْ من غيرِها؟ مِنْ صِغارِ الصيد كانَ أَم كِبارِها(٤) مصُرّاً على ما فَعَلَ أَو نادِماً؟ في

__________________

(١) في « م» وهامش « ش»: الزمان.

(٢) أي جانب من البيت، وهي فارسية معرّبة.

(٣) في هامش «ش»: المسورة: متكأ من أدَم.

(٤) في «م» وهامش «ش»: كباره.

٢٨٣

الليلِ كانَ قَتْلَهُ للصيدِ أَم نَهاراً؟ مُحْرِماً كانَ بالعُمْرةِ إذْ قَتَلَه أَو بالحجِّ كانَ مُحْرِماً»؟

فتَحَيَّرَيحيى بن أَكثم وبانَ في وجهه الْعَجْزُ والانقطاعُ ولَجْلَجَ حتى عَرَفَ جمَاعَةُ أَهْلِ المجلس أمْرَه، فقالَ المأمونُ: الحمدُ لله على هذه النعمة والتوفيقِ لي في الرأْي. ثم نَظَرَ إِلى أَهْلِ بَيْتِه وقالَ لهم: أَعَرَفتمُ الآنَ ما كُنْتُم تُنْكِرُونَه؟

ثم أَقْبَلَ على أَبي جعفرعليه‌السلام فقالَ له: أَتَخْطُب يا أَبا جعفر؟ قالَ: «نعم يا أميرَ المؤمنين » فقالَ له المأمونُ: اُخْطُبْ، جُعِلْتُ فداكَ لِنَفْسِكَ، فقد رَضيتُكَ لِنَفْسي وأَنا مُزَوِّجُكَ أُمَّ الفَضْل ابَنتي وِان رَغَمَ قومٌ لذلك.

فقال أَبو جعفرعليه‌السلام : «الحمد للهّ إِقراراً بنعمتِه، ولا إِلهَ إلا اللّه إِخْلاصاً لوَحْدانِيتهِ، وصَلىّ اللّهُ على محمّدٍ سيِّدِ بَرِيَّتِه والأصْفياءِ من عترتهِ.

أَمّا بَعْدُ: فقد كانَ من فَضْل اللّه على الأنام أَنْ أَغناهُم بالحلالِ عن الحَرامِ، فقالَ سُبْحانَه:( وَأَنكَحُوا الأيَامىَ مِنْكُمْ وَألصّالحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَليمٌ ) (١) ثمَّ إِنَّ محمّد بن عليّ بن موسى يَخْطُبُ أُمَّ الفَضْلِ بنْتَ عبداللهِّ المأمونِ، وقد بَذَلَ لها من الصداقِ مَهْرَ جَدَّتِه فاطمة بنت محمّدعليهما‌السلام وهو خمسمائة درهم جياداً، فهَلْ زَوَّجْتَه يا أَميرَ المؤمنين بها على هذا الصداقِ المذكور؟ ».

__________________

(١) النور ٢٤: ٣٢.

٢٨٤

قالَ المأمونُ: نعم، قد زَوَجْتُك أَبا جعفرأُم الفضل ابْنَتي على هذا الصداق المذكور، فهل قَبِلْتَ النكاحَ؟

قالَ أًبو جعفرعليه‌السلام : «قد قَبِلْتُ ذلك ورَضِيتُ به».

فاَمَرَ المأمونُ أَنْ يَقْعُدَ الناسُ على مَراتِبهِم في الخاصّةِ والعامّةِ.

قالَ الريان: ولم نَلْبثْ أَنْ سَمِعْنا أَصْواتاً تُشْبِهُ أَصْواتَ المَلاحينَ في مُحاوَراتهم، فإذا الخدم يَجُرُّون سفينةً مَصْنُوعةً من فِضَةٍ مَشْدُودةٍ بالحِبالِ من الإبريسم على عَجلٍ مملؤةً من الغاليةِ(١) ، فأمَرَ المأمونُ أنْ تُخْضَبَ لِحَى الخاصّة من تلك الغاليةِ، ثُمَّ مُدَّت إِلى دارِ العامّة فطُيِّبوا منها، ووُضِعَتِ الموائدُ فأكَلَ الناسُ، وخَرَجَتِ الجوائزُ إِلى كُلِّ قوم على قدرهم، فلما تَفَرَّقَ الناسُ وبَقِيَ من الخاصةِ مَنْ بَقي، قالَ المأمونُ لأبي جعفر: إِنْ رَأيتَ - جُعِلْتُ فداك - أنْ تَذْكُرَ الفِقْهَ فيما فَصلْته من وُجُوه قَتْلِ المُحْرمِ الصيدَ لِنَعْلَمَه ونَسْتَفيدَه.

فقالَ أَبو جعفرعليه‌السلام : «نعم» إِنَ المُحرمَ إذا قَتَلَ صَيْداً في الحِل وكانَ الصَيْدُ من ذواتِ الطَّيْرِ وكانَ من كِبارِها فعليه شاةٌ، فإِنْ كانَ أَصابَه في الحَرَم فعليه الجزاءُ مُضاعَفاً، وإذا قَتَلَ فَرْخاً في الحِلِّ فعليه حَمْل قد فُطِمَ منَ اللبن، وإذا قَتَله في الحرم فعليه الحمْلُ وقيمةُ الفَرْخِ، وان كانَ من الوحْشِ وكانَ حمارَ وَحْشٍ فعليَه بَقَرَةٌ، وِان كانَ نَعامةً فعليه بدنة، وإن كانَ ظَبْياً فعليه شاةٌ، فإِن قَتَلَ شَيئأ من ذلك في الحَرَمِ فعليه الجزاءُ مُضاعَفأ هَدْياً بالغَ الكعبةِ، وِاذا أَصابَ المُحْرِمُ ما يجب عليه

__________________

(١) الغالية: ضرب من الطيب مركب من مسك وعنبر وكافور ودهن البان وعود. «مجمع البحرين - غلا - ١: ٣١٩».

٢٨٥

الهَدْي فيه وكانَ إِحْرامُه للحجِّ نَحَرَه بمنى، وان كانَ إِحرامُه للعُمْرة نَحَرَه بمكّةَ. وجزاءُ الصَيْدِ على العالِم والجاهِل سواء، وفي العَمْدِ له المأثَمُ، وهو موضوعٌ عنه في الخَطَأ، والكفّارةُ على الحرِّ في نفسه، وعلى السيد في عبدِه، والصغيرُ لا كفّارةَ عليه، وهي على الكبير واجبة، والنادِمُ يَسْقُطُ بنَدمِه عنه عقابُ الآخِرَة، والمُصِرُّ يجب عليه العقابُ في الآخِرَةِ».

فقالَ له المأمونُ: أَحْسَنْتَ - أَبا جعفر - أحْسَنَ اللهُ إِليك، فإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَسْألَ يحيى عن مسألةٍ كما سَأَلك.

فقالَ أَبو جعفر ليحيى: «أَسْأَلُك؟».

قالَ: ذلك إِليك - جُعِلْتُ فداك - فإِنْ عَرَفْتُ جوابَ ما تَسْأَلُني عنه وِالا اسْتَفَدْتُه منك.

فقالَ له أَبو جعفرعليه‌السلام : «خَبِّرْني عن رجل نَظَرَ إِلى امْرأةٍ في أَوّل النهارِ فكانَ نَظَرُه إِليها حراماً عليه، فلمّا ارْتَفَعَ النهارُ حَلَتْ له، فلمّا زالَتِ الشمسُ حَرُمَتْ عليه، فلمّا كانَ وَقْتَ العصرِ حَلَّتْ له، فلما غَربتَ الشمسُ حرُمتْ عليه، فلما دَخَلَ عليه وَقْتُ العشاءِ الآخرةِ حَلَّتْ له، فلمّا كانَ انْتِصاف الليلِ حَرُمَتْ عليه، فلما طَلَعَ الفجرُ حَلَّتْ له، ما حالُ هذه المرأة وبماذا حلَتْ له وحَرُمَتْ عليه؟».

فقالَ له يحيى بن أكثم: لا واللهِ ما أَهْتَدي إِلى جواب هذا السؤالِ، ولا أعَرِفُ الوجهَ فيه، فإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُفيدَناه.

فقالَ له أَبوجعفرعليه‌السلام : «هذه أمَةٌ لرجلٍ من الناسِ نَظَرَ إِليها أجنبيٌّ في أَوّل النهارِ فكانَ نَظَرُه إِليها حراماً عليه، فلمّا ارْتَفَعَ النهار

٢٨٦

ابْتاعَها من مولاها فحلَّتْ له، فلمّا كانَ الظهرُ أَعْتَقَها فحَرُمَتْ عليه، فلمّا كانَ وَقْتُ العصرِ تَزوَّجَها فحَلَّتْ له، فلمّا كانَ وَقْتُ المغرب ظاهَرَ منها فَحرُمَتْ عليه، فلمّا كانَ وَقْتُ العشاءِ الآخرةِ كَفَّرَعن الظِهارِ فَحلَتْ له، فلمّا كانَ نصفُ الليل طَلَّقها واحدةً فَحرُمَتْ عليه، فلمّا كانَ عند الفَجْرِ راجَعَها فحلَّتْ له ».

قالَ: فاَقْبَل المأمونُ على مَنْ حَضَرَه من أَهْل بيته فقالَ لهم: هل فيكم أحدٌ يجُيبُ عن هذه المسألةِ بمِثْل هذا الجواب، أَو يَعْرفُ القولَ فيما تَقَدَّم من السؤالِ؟!
قالوُا: لا واللهِ، إن أَميرَ المؤمنين أعْلَمُ وما رَأى.

فقالَ لهم: ويَحْكم، إِنَّ أَهْلَ هذا البيتِ خُصُّوا من الخَلْقِ بما تَرَوْنَ من الْفَضلِ، وإن صِغَرَ السِنِّ فيهم لا يَمْنَعُهُمْ من الكَمالِ، أَما عَلِمْتمْ أَنَّ رسولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله افْتَتَحَ دَعْوَتَه بدعاءِ أَميرِ المؤمنين عليِّ بن أَبي طالبعليه‌السلام وهو ابن عَشْرِ سنينَ، وقَبِلَ منه الإسلامَ وحَكَمَ له به، ولم يَدْعُ أَحَداً في سنِّه غيره. وبايَعَ الحسنَ والحسينَعليهما‌السلام وهما ابنا دونَ الستّ سنين ولُم يبايِعْ صبيّاً غيْرَهما، أَفلا تَعْلَمونَ الأن ما اخْتَصَّ اللهُ به هؤلاءِ القومَ، وأَنهُم ذريّةٌ بَعْضُها من بعضٍ، يَجْري لآخِرِهم ما يَجْري لأوَلِّهم؟!

قالوُا: صَدَقْتَ يا أَميرَ المؤمنين، ثمَّ نَهَضَ القَوْمُ.

فلمّا كانَ من الغدِ اُحْضِرَ الناسُ، وحَضَرَ أَبو جعفرعليه‌السلام ، وصارَ القُوّادُ والحُجّابُ والخاصّةُ والعُمّالُ لتَهْنِئَةِ المأمون وأبي جعفرعليه‌السلام ، فأخْرِجَتْ ثلاثةُ أَطباق من الفِضَّةِ فيها بَنادِقُ مِسكٍ

٢٨٧

وزَعْفَرانٍ معجون، في أجوافِ تلك البَنادِق رِقاع مكتوبةٌ بأَمْوالٍ جزيلةٍ وعطايا سَنِيَّة واِقطاعاتٍ، فأَمَرَ المأمونُ بنَثْرِها على القوم مِنْ خاصَتِهِ، فكانَ كُلُّ من وَقَعَ في يَدِه بُندُقة، أَخْرَجَ الرُقْعَةَ التي فيها والْتَمَسَه فاُطلِقَ له. ووُضِعَتِ البدَر، فنُثِرَ ما فيها على القُوّادِ وغيرِهم، وانْصَرَفَ الناسُ وهم أغنياءُ بالجوَائزِ والعطايا. وتَقََمَ المأْمونُ بالصدَقَةِ على كافةِ المساكين. ولم يَزَلْ مُكْرماً لأبي جعفرعليه‌السلام مُعظِّماً لقَدْرِه مدَّةَ حياتِه، يؤثرهُ على ولده وجماعةِ أَهل بَيْتِهِ(١) .

وقد رَوَى الناسُ: أَنَّ أُمَّ الفَضْلِ بنتَ المأمون كَتَبَتْ إلى أَبيها من المدينةِ تَشْكُو أَبا جعفرعليه‌السلام وتَقُولُ: إِنَه يَتَسَرّى(٢) علي ويغيرُني، فكتَبَ إِليها المأمونُ: يا بُنيّة، إنّا لم نُزَوِّجُك أَبا جعفرلتُحَرِّمي(٣) عليه حلالاً، فلا تُعاوِدي لِذكْرِ ما ذَكَرْتِ بعدَها(٤) .

ولمّا تَوَجَّه أَبو جعفرعليه‌السلام من بغداد منصرِفاً من عند المأمون ومعه أُمُّ الفضلِ قاصداً بها المدينةَ، صارَ إِلى شارع باب الكوفةِ ومعه الناس يُشَيّعونَه، فانْتهَى إِلى دار المُسيّب عند مَغيب الشمس، نَزَلَ ودَخَلَ

__________________

(١) اعلام الورى: ٣٣٥، الاحتجاج: ٤٤٣، مثله، وذكر نحوه القمي في تفسيره ١: ١٨٢، والمسعودي في اثبات الوصية: ١٨٩، والطبري في دلائل الامامة: ٢٠٦، والمصنف في الاختصاص: ٩٨، وابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٦٧.

(٢) السُّرّيّة: الجارية المتخذه للجماع منسوبة الى السر «القاموس ٢:٤٧، لسان العرب ٤: ٣٥٨».

(٣) في «م» وهامش «ش»: لنحرّم.

(٤) مناقب ال ابي طالب ٤: ٣٨٢، الفصول المهمة: ٢٧٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٧٩ / ٥.

٢٨٨

المسْجدَ، وكانَ في صَحْنِه نَبْقَةٌ(١) لم تَحْمِلْ بعدُ، فدعا بكوُزٍ فيه ماءٌ فتَوَضَّأ في أَصْل النَبْقَةِ فصلى بالناسِ صلاةَ المغربِ، فقَرَأَ في الأولى منها الحمد وِإذا جاء نصرُ اللهّ، وقَرَأ في الثانية الحمد وقُلْ هو الله أحد، وقَنَتَ قَبْلَ ركوعِه فيها، وصَلّى الثالثة وتشًهَّدَ وسلَّمَ، ثم جَلَسَ هُنيهَةً يَذْكُرُ اللهَ تعالى، وقامَ من غير تعقيبٍ فصَلى النوافلَ أَربَعَ ركعاتٍ، وعَقَّبَ بَعْدَها وسَجَدَ سَجْدَتَي الشُكر، ثم خَرَجَ. فلمّا انتَهى إِلى النَبْقَةِ رَآها الناسُ وقد حَمَلَتْ حَمْلاً حَسَناً فتَعجّبُوا من ذلك وأَكَلُوا منها فوَجَدُوه نَبْقاً حُلْواً لا عَجْمَ له.

وودَّعُوه ومَضىعليه‌السلام من وَقْتِه إِلى المدينةِ، فلم يَزَلْ بها إِلى أَنْ أَشْخَصَه المُعتصم في أَوّلِ سنةِ عشرين(٢) ومائتين إِلى بغداد، فأَقامَ بها حتى تُوُفّي في اخرِ ذي القعدة من هذه السنةِ، فدُفِنَ في ظَهْرِ جَدِّه أَبي الحسن موسىعليه‌السلام (٣) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن أحمدَ بن إِدريس، عن محمد بن حسّان، عن عليِّ بن خالد قالَ: كُنْتُ بالعَسْكَر(٤) فبَلَغَني أَنَ هناكَ رَجُلاً مَحْبوساً أُتي به من ناحية الشام مَكْبُولاً، وقالُوا: إِنَه تَنَبأ. قالَ: فَأَتَيْتُ البابَ ودارَيْتُ البوابينَ حتى وَصَلْتُ إِليه، فإِذا رَجُلٌ له فَهْمٌ وعَقْلٌ، فقُلْتُ له: يا هذا ما قِصَتُك؟ فقالَ: إِنّي كُنْتُ رَجُلاً بالشام أَعبُدُ اللّهَ في الموضع الذي يُقالُ: إِنّه نُصِبَ فيه رَأْسُ الحسين

__________________

(١) النبقة: النَبق - بفتح النون وكسر الباء، وقد تسكّن: ثمر السدر «النهاية - نبق - ٥: ١٠ ».

(٢) كان في النَسخ: سنة خمس وعشرين، وما أثبتناه هو الصواب بقرينة ما في ص ٢٧٣ و ٢٩ من هذا الجزء؛ وانظر: الكافي ١: ٤١١ و ٤١٦ / ١٢، تاريخ أهل البيت (ع): ٨٥.

(٣) اعلام الورى: ٣٣٨، مناقب ال ابي طالب ٤: ٣٩٠، الفصول المهمة: ٢٧٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٨٩.

(٤) العسكر: سامراء.

٢٨٩

عليه‌السلام ، فبَيْنا أَنا ذات ليلةٍ في موضعي مُقْبلٌ على المحرابِ أَذْكُرُ اللهَّ تعالى، إِذْ رَأَيْتُ شخصاً بين يَدَيَّ، فنَظَرْتُ إِليَه فقال لي: «قُمْ »، فقُمْتُ معه فمَشى بي قليلاً فإِذا أَنَا في مسجد الكوفةِ، فقالَ لي: «أتَعْرِفُ هذا المسجد؟» فقُلْتُ: نعَمْ هذا مسجدُ الكوفة، قالَ: فصَلّى فصَلَّيْتُ معه ثم انْصَرَفَ وانْصرَفْتُ معه، فمَشى قليلاً فإِذا نحن بمسجد الرسولعليه‌السلام فسلّم على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلّى وصلّيت معه، ثمَّ خَرَجِ وخَرَجْتُ فمَشى قليلاً فإِذا أَنا بمكّة، فطافَ بالبيت وطُفْتُ معه، ثم خرَجَ فمَشى قليلاً فإِذا أَنا بموضعي الذي كُنْتُ أَعْبُدُ اللّهَ تعالى فيه بالشام، وغابَ الشخصُ عن عَيني، فبَقيتُ مُتَعَجِّباً حولاً ممّا رَأَيْتُ.

فلمّا كانَ في العام المقبل رَأيْتُ ذلكَ الشخصَ فاسْتَبْشَرْتُ به، ودَعاني فأَجَبْتُه، ففَعَلَ كما فَعَلَ في العام الماضي، فلمّا أَرادَ مُفارقَتي بالشام قُلْتُ له: سأَلْتُكَ بحقّ الذي أَقْدَرَك على ما رَأَيْتُ منك إِلا أَخْبَرتَني مَنْ أَنت؟ فقالَ: «أَنا محمّدُ بن عليّ بن موسى بن جعفرِ».

فَحدّثْتُ مَنْ كانَ يَصيرُإِلَيَّ بخَبَرِه، فرُقِيَ ذلك إِلى محمد بن عبدالملك الزيّات، فبَعَثَ إِلَيَّ فأخَذَني وكَبلَني في الحديد وحَمَلَنيَ إلى العراقِ وحُبِسْتُ كما ترى، وَادُّعِيَ عَلَيَّ المحالُ.

فقُلْتُ له: فأَرْفَعُ عنك قصّةً إِلى محمد بن عبد الملك الزيّات.

فقالَ: افْعَل.

فكَتَبْتُ عنه قصةً شرًحْتُ أَمْرَه فيها ورَفَعْتُها الى محمد بن عبد الملك الزيّات، فوَقَّعَ في ظَهْرِها: قُلْ للَذي أَخْرَجَك من الشام في ليلةٍ إِلى

٢٩٠

الكوفة ومن الكوفة إِلى المدينة ومن المدينة الى مكّة ورَدَّكَ من مكّة إِلى الشام، أَنْ يُخْرِجَكَ من حَبْسِك هذا.

قالَ عليُّ بن خالد: فغَمَّني ذلك من أَمْره ورَققْتُ له وانْصَرَفْتُ مَحْزُوناً عليه. فلمّا كانَ من الغدِ باكَرْتُ الحَبْسَ لأعْلِمَهُ بالحال وآمرُه بالصبرِ والعزاءِ، فوَجَدْتُ الجُنْدَ وأَصحابَ الحَرَسِ وأَصحابَ السجنِ وخَلْقاً عظيماً من الناسِ يُهْرَعونَ، فسَأَلْتُ عن حالِهم فقيلَ لي: المحمول من الشام المُتَنَبِّى افْتُقِدَ البارحةُ من الحَبْسِ، فلا يُدْرى أخُسِفَتْ به الأرض أَو اخْتَطًفَتْه الطيرُ!

وكانَ هذا الرجلُ - أَعْني عليَّ بن خالد - زيديّاً، فقالَ بالإمامةِ لمّا رَأَى ذلك وحَسُنَ اعْتقادُه(١) .

أَخبرني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن محمد بن عليّ، عن محمد بن حمزة، عن محمد بن عليّ الهاشمي قالَ: دخَلْتُ على أَبي جعفرعليه‌السلام صَبيحةَ عُرْسِهِ ببنتِ المأمون، وكُنت تَناوَلت من الليلِ دَواءً، فاوّل مَنْ دَخَلَ عليه في صَبيحتهِ أَنا وقَدْ أَصابَني العَطَشُ، وكَرِهْتُ أَنْ أَدْعُوَ بالماءِ، فنَظَرَ أَبو جعفرعليه‌السلام في وَجْهي وقالَ: «أَراك عَطْشان؟» قُلْتُ: أَجَلْ، قالَ: «يا غلامُ اسْقِنا ماء » فقًلْتُ في نفسي: الساعة يَأْتُونَه بماءٍ مسمومٍ واغْتَمَمْتُ لذلك، فأَقْبَلَ الغلامُ ومعه الماءُ، فتَبَسَّمَ في وَجْهي

__________________

(١) بصائر الدرجات: ٤٢٢ / ١، الكافي ١: ٤١١ / ١، دلائل الامامة: ٢١٤، الاختصاص: ٣٢٠، اعلام الورى: ٣٣٢، الخرائج والجرائح ١:٣٨٠ / ١٠، واخرج نحوه ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٧١، ومختصراً في مناقب آل ابي طالب ٤: ٣٩٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٤٠.

٢٩١

ثمَّ قالَ: «يا غلامُ ناوِلني الماءَ» فتَناوَلَ الماء فشَرِبَ ثمّ ناوَلَني فشَرِبْتُ، وأَطَلْتُ عندَه فعَطِشْتُ، فدَعا بالماءِ ففَعَلَ كما فَعَلَ في المرّة الأولى فشَرِبَ ثم ناوَلني وتَبَسمَ.

قالَ محمّدُ بن حمزة: فقالَ لي محمّد بن عليّ الهاشمي: واللّهِ إنني أَظُنُّ أَنّ أَبا جعفر يَعْلَمُ ما في النفوسِ كما تَقُول الرافِضةُ(١) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عدّةٍ من أَصحابه، عن أَحمدَ بن محمد، عن الحجّال وعمرو بن عثمان، عن رجل من أَهل المدينة، عن المُطَرِّفي قالَ: مَضى أَبو الحسن الرضاعليه‌السلام وَلي عليه أَربعةُ آلاف درهم لم يَكُنْ يَعرِفُها غَيْري وغَيْرُه، فأَرْسَلَ إلي أَبو جعفرعليه‌السلام : «إذا كان في غدٍ فَأْتِني» فأَتَيْتُه من الغدِ فقالَ لي: «مضَى أَبو الحسن ولكَ عليه أَربعةُ الاف درهمٍ؟» فقُلْتُ: نعَمْ، فرَفَعَ المُصَلّى الذي كانَ تحْتَه فإذا تحته دنانير فدَفَعها إلَيّ، فكانَ قيمتُها في الوقت أَربعةَ آلاف درهم(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، [ عن عليّ بن أسباط ](٣) قالَ: خَرَجَ عَلَيَّ أَبو جعفر عليه

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٤ / ٦، دلائل الامامة:٢١٥، الخرائج والجرائح ١: ٣٧٩ / ٩، ورواه بحذف اوله ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٣٩٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٥٤ / ٢٨.

(٢) الكافي ١:٤١٥ / ١١، اعلام الورى: ٣٣٤، وذكره باختلاف يسير ابن شهرآشوب في المناقب ٤: / ٣٩١، ونحوه في الخرائج والجرائح١: ٣٧٨ / ٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٥٤ / ٢٩.

(٣) ما ببن المعقوفتين سقط من السند في النسخ مع انّه الراوي للخبر في المصادر، وقد نقل العلامة المجلسي في البحار الخبرعن الارشاد، وفيه: معلى بن محمد عن ابن اسباط، وهو اختصارعلي ابن اسباط كما هو المعلوم من دأبه.

٢٩٢

السلامُ ( حدثانَ مَوْتِ أَبيه )(١) فنَظَرْتُ إلى قَدِّهِ لأصِفَ قامَتَه لأصْحابي(٢) ، فقَعَدَ ثمَّ قالَ: «يا علي(٣) ، إنَّ اللهّ احْتَجَّ في الإمامةِ بمثل ما احْتَجَّ به في النُبُوَّةِ فقال:( وَآتَينَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً ) (٤) »(٥) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد، عن سهل بن زياد، عن داود بن القاسم الجعفَري قالَ: دَخَلْتُ على أَبي جعفرعليه‌السلام ومعي ثلاثُ رِقاعٍ غير مُعَنْوَنَةٍ واشْتَبَهَتْ عَلَيَّ فاغْتَمَمْتُ فتَناوَلَ إحداها وقالَ: «هذه رقعةُ رَيّان بن شبيب » ثُمَّ تناوَلَ الثانيةَ فقالَ: «هذه رقعةُ فلانٍ » فبُهِتُ أَنْظُرُ إِليه، فتَبَسَّمَ وأَخَذَ الثالثةَ فقالَ: «هذه رُقْعةُ فلان »فقلْتُ: نعَمْ جُعِلْتُ فداك.

فأَعْطاني ثلاث مائة دينار وأَمَرَني أَنْ أَحْمِلَها إِلى بعضِ بني عمّه وقالَ: «أَما إنَّه سَيَقُولُ لك: دُلَّني على حَريفٍ يَشْتَري لي بها مَتاعاً فدُلَّه عليه » قالَ: فأتيته بالدنانير فقالَ لي: يا أَبا هاشم دُلّنِي على حريفٍ يشتري لي بها متاعاً، فقُلْتُ: نعَمْ.

وكَلَّمَني في الطريقِ جَمّالٌ سَأَلَني أَنْ أُخاطِبَهُ في إِدْخالِه مع بَعْضِ

__________________

(١) في هامش «ش»: قريباً من موت ابيه.

(٢) في هامش «ش»: لاصحابنا.

(٣)كذا في «ح » لكن لم يأت فيه بعلي بن اسباط كما مرّ، والمناسب لعدم وجوده هو (يا معلى) وكان في «م» و «ش» في الاصل: يا علي، ثم صحح فيهما بـ (معلّى).

(٤) مريم ١٩: ١٢.

(٥) ذكر الخبر الصفار في بصائر الدرجات: ٢٥٨ / ١٠، والكليني في الكافي ١: ٣١٥ / ٧ و ٤١٣ / ٣، والمسعودي في اثبات الوصية: ١٨٤، والطبرسي في مجمع البيان ٣: ٥٠٦، والراوندي في الخرائج والجرائح ١: ٣٨٤ / ١٤، وابن شهراشوب في المناقب ٤: ٣٨٩، باختلاف يسير، ونقله المجلسي في البحار ٥٠: ٣٧ / ١.

٢٩٣

أَصْحابه في أُمُورِه، فدَخَلْت عليه لأكلَمَهُ فوَجَدْتُه يَأْكُلُ ومعه جماعةٌ، فلَمْ أَتمَكَّن من كلامه، فقالَ: «يا أبا هاشم كُلْ »، ووَضَعَ بين يَدَيَّ ما آكُلُ منه، ثم قالَ ابتداءً من غير مسألةٍ: «يا غلامُ اُنْظُر الجمّالَ الذي أَتانا به أَبو هاشم فضُفَه إِليك ».

قالَ أَبو هاشم: ودَخَلْتُ معه ذاتَ يوم بُسْتاناً، فقُلْتُ له: جُعِلْتُ فدِاك، إِنّي مُولَع بأَكْلِ الطينِ، فادْعُ اللّهَ لي، فسَكَتَ ثمَّ قالَ لي بعدَ أَيامٍ ابتداءً منه: «يا أَبا هاشم، قد أَذهَبَ اللهّ عنك أَكْلَ الطينِ » قالَ أَبوهاشم:فما شيءٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ منه اليومَ(١) .

والأخْبارُ في هذا المعنى كثيرةٌ، وفيما أَثْبَتْناه منها كفايةٌ فيما قَصَدْنا له إِنْ شاءَ اللهُّ.

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٤ / ٥، والطبرسي في اعلام الورى: ٣٣٣ عن كتاب اخبار ابي هاشم ألجعفري، والقطب الراوندي في الخرائج والجرائح ٢: ٦٦٤ - ٦٦٥ / ١ و ٢ و ٣ و ٤، وابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٣٩٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٤١ / ٤، ٥، ٦، ٧.

٢٩٤

باب ذِكْرِ وفاةِ أبي جعفر عليه السلامُ،

ومَوْضِعَ قَبْرهِ، وذِكْرِ ولدهِ

قد تَقَدَّمَ القولُ في مَوْلدِ أَبي جعفرعليه‌السلام وذَكَرْنا أَنّه وُلِدَ بالمدينةِ، وأنه قبِضَ ببغداد.

وكانَ سَبَبُ وُروده إِليها إِشخاصَ المعتصم له من المدينة، فوَردَ بغداد لليلتين بَقِيَتا من المحرَّم من سنة عشرين ومائتين، وتُوُفَيَ بها في ذي القعدة من هذه السنة.
وقيل: إِنَّه مَضى مَسْمُوماً(١) ولم يَثْبُتْ بذلك عندي خبرفأشْهَدُ به.

ودفِنَ في مقابر قُريش في ظَهْرِ جَدِّه أَبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وكانَ له يومَ قُبِضَ خمسٌ وعشرون سنة وأَشْهُر.

وكان منعوتاً بالمْنتَجَب والمرتَضى، وخَلَّفَ بعده من الولد عليّاً ابْنَه الإمام من بعده، وموسى، وفاطمة واُمامة ابنتَيْه، ولم يُخَلِّفْ ذَكَراً غيرَ مَنْ سمّيناه.

__________________

(١) كما في تفسير العياشي ١: ٣٢٠، ونقله ابن شهرآشوب عن ابن عياش في المناقب ٤: ٣٧٩.

٢٩٥

٢٩٦

باب ذِكْرِ الإمام بعد أبي جعفر محمّد بنِ عليّ عليهما السلامُ

وتاريخ مَوْلدِه، ودلائلِ إِمامَتهِ، وطَرَفٍ من أخْبارِه،

ومُدّةِ إِمامَتهِ، ومَبْلَغِ سنِّه، وذِكْرِ وفاتِه وسَببها،

ومَوْضِعِ قَبْرِه، وعَدَدِ أولادهِ، ومُخْتصر من أخْبارِه

وكان الأمامُ بعد أَبي جعفرعليه‌السلام ابنَه أَبا الحسن عليَّ بن محمّد، لاجتماع خصال الإمامة فيه، وتكامل فَضْلِه، وأنه لا وارثَ لمقام أَبيه سواه، وثُبوتِ النصِّ عليه بالإمامةِ والإشارةِ اليه من أَبيه بالخلافةِ.

وكانَ مَولده بِصَريا(١) من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثْنَتَيْ عشرة ومائتين، وتُوُفِّيَ بُسر مَن رَأَى في رجب سنة أَربع وخمسين ومائتين، وله يومئذٍ إِحدى وأَربعون سنة وأشهر. وكانَ المتوكّلُ قد أشْخَصَه مع يحيى بن هَرْثمة بن أَعْيَن من المدينة إِلى سُرَّمَنْ رأى، فأَقامَ بها حتى مَضى لسبيله. وكانَتْ مُدّةُ إِمامتِه ثلاثاً وثلاثين سنة، وأُمُّه أمّ ولدٍ يقالُ لها: سُمَانة.

__________________

(١) صريا: هي قرية اسسها موسى بن جعفرعليه‌السلام على ثلاثة اميال من المدينة. «مناقب آل أبي طالب ٤: ٣٨٢».

٢٩٧

باب طَرَفٍ من الخبر في النصٌ عليه بالإمامةِ والإشارةِ إليه بالخلافةِ

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ ابن إبراهيم، عن أَبيه، عن إسماعيل بن مهران قال: لمّا أُخْرجَ أَبو جعفرعليه‌السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولة من خَرْجَتَيه قُلْت له عند خُروجِه: جُعِلْتُ فداك، إِنّي أَخافُ عليك مِنْ هذا الوجه، فإِلى مَنِ الأمْرُ بعدك؟ قالَ: فكَرَّ بوجهه إِلَيَّ ضاحكاً وقالَ: « ليس حيث(١) ظَنَنْتَ في هذه السنة»، فلمّا اسْتُدْعِيَ به إِلى المعتصم صِرْتُ إليه فقلْتُ له: جُعِلْتُ فداك، أَنت خارج، فإِلى مَنْ هذا الأمرُ من بعدك؟ فبَكى حتى اخْضَلّتْ لِحْيَته ثم الْتَفَتَ إِلَيَّ فقالَ: «عند هذه يُخافُ عَلَيَّ، الأمرُ مِنْ بعدي إِلى ابْني عليّ »(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين(٣) بن محمد، عن الخيراني، عن أَبيه أَنّه قالَ: كُنْتُ أَلزمُ بابَ أَبي جعفرعليه‌السلام للخِدْمَةِ التي وُكِّلْتُ بها، وكان أحمدُ بن محمّد بن

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: كما.

(٢) الكافي ١: ٢٦٠ / ١، اعلام الورى: ٣٣٩، مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠:١١٨ / ٢، وذكر ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٧٧ خروج الامامعليه‌السلام المرة الثانية من المدينة فقط.

(٣) كذا في «ح » وهو محتمل «ش»، وفي «م»: الحسن، والصواب ما أثبتناه موافقاً للكافي.

٢٩٨

عيسى الأشعريّ يجيء في السَحَر من اخِرِ كلِّ ليلة ليَتَعَرَّفَ خَبَرَعِلّةِ أَبي جعفرعليه‌السلام ، وكانَ الرسولُ الذي يَخْتَلِفُ بين أَبي جعفر وبين الخيراني إذا حَضَرَ قامَ أَحمدُ وخَلا به.

قالَ الخيراني: فَخَرَجَ ذاتَ ليلة وقامَ أحمدُ بن محمّد بن عيسى عن المَجْلِس، وخَلا بي الرسول، واسْتَدارَ أحمدُ فوَقَفَ حيثُ يَسْمَعُ الكلامَ، فقالَ الرسول: إِنَّ مولاك يَقْرَأُ عليك السلامَ، ويَقُولُ لك: «إِنّي ماضٍ، والأمْرُ صائِرٌ إلى اِبني عليٍّ، وله عليكم بعدي ما كانَ لي عليكم بعدَ أَبي ».

ثم مَض الرسولُ ورَجَعَ أحمدُ إِلى مَوْضِعهِ، فقالَ لي: ما الَّذي قالَ لك؟ قُلْتُ: خَيْراً، قالَ: قد سَمِعْتُ ما قالَ، وأَعادَ عليٌ ما سَمِعَ، فقُلْتُ له: قد حَرَّمَ اللهُّ عليك ما فَعَلْتَ، لأنَّ اللهَّ تعالى يقولُ:( وَلاَ تَجَسَّسُوا ) (١) فإِذا سَمِعْتَ فاحْفَظِ الشهادةَ لَعَلَّنا نَحْتاجُ إِليها يوماً ما، وايّاك أَنْ تُظهِرَها إِلى وقتها.

قالَ: وأَصْبَحْتُ وكَتَبْتُ نُسّخةَ الرسالة في عَشْر رِقاع، وخَتَمْتُها ودَفَعُتُها إِلى عَشرة من وُجوه أَصحابنا، وقُلْتُ: إِن حَدَث بي حَدَثُ الموت قَبْلَ أَنْ أطالِبكم بها فافْتَحُوها وَاعْمَلوا بما فيها.

فلمّا مَضى أبو جعفرعليه‌السلام لَمْ أَخْرُجْ من مَنْزلي حتى عَرَفْتُ أَنّ رؤساء العصابة قد اجْتَمَعوا عند محمّد بن الفرَج(٢) ، يتفاوَضون في الأمْرِ. وكَتَبَ إلَيَّ محمّدُ بن الفَرج يُعْلِمُني باجْتماعِهم عندَه ويقولُ:

__________________

(١) الحجرات ٤٩: ١٢.

(٢) هو محمد بن الفَرج الرُخجي من اصحاب الرضا والجواد والهاديعليهم‌السلام .

٢٩٩

لولا مخافةُ الشُهرة لَصِرْتُ معهم إليك، فاُحِبّ أَنْ تَرْكَبَ إِلَيَّ. فرَكِبتُ وصِرْتُ إِليه، فوَجَدْتُ القَوْمَ مُجْتَمعينَ عِنْدَه، فتجاريْنا في الباب(١) ، فوَجَدْتُ أَكْثَرَهم قد شَكُّوا، فقُلْتُ لمَنْ عندَه الرِقاعُ - وهم حُضورٌ -:أَخْرِجُوا تلك الرِقاعَ، فاَخْرَجُوها، فقُلْتُ لهم: هذا ما أمرْتُ به.

فقالَ بَعْضهم: قد كُنّا نحِبُّ أَنْ يَكُونَ معك في هذا الأمرِآخَرُ ليتأكَدَ القولُ.

فقُلْتُ لهم: قد أَتاكُم اللهُّ بما تُحِبُّونَ، هذا أَبو جعفرٍ الأشعريّ يَشْهَدُ لي بسماعِ هذه الرسالةِ فاسْأَلُوه، فسَأَلَه القومُ فَتَوَقَّفَ عن الشهادةِ، فدَعَوْتُه إلى المباهَلة، فخافَ منها وقَالَ: قد سَمِعْتُ ذلك، وهي مَكرمةٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لرجلٍ من العربِ، فاَمّا مع المباهَلة فلا طريقَ إلى كتمان الشهادة، فلم يَبْرَحِ القومُ حتى سَلَّموا لأبي الحسنعليه‌السلام (٢) .

والأخبارُ في هذه الباب كثيرةٌ جدّاً إنْ عَمِلْنا على إثباتها طالَ بها الكتابُ، وفي إجماعِ العصابةِ على إمامةِ أَبي الحسنعليه‌السلام ، وعَدَمِ مَنْ يَدَّعيها سواه في وقته مِمَّنْ يَلْتَبِسُ الأمْرُ فيه غنىً عن إيراد الأخْبارِ بالنصوصِ على التفصيلِ.

__________________

(١) في هامش «ش»: الباب: صاحب السرّ الذي يتوصل إلى الامام به.

(٢) الكافي ١: ٢٦٠ / ٢، اعلام الورى:٣٤٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١١٩ / ٣.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والمماثلة الحقيقية ليست مرادةً ؛ لامتناعها بين الصيد والنَّعَم ، بل المراد من حيث الصورة ، فإنّ النعامة شبه البدنة.

وحَكَم الصحابة في الحيوانات بأمثالها ، فحَكَم عليعليه‌السلام وزيد ابن ثابت وعمر وعثمان وابن عباس ومعاوية في النعامة ببدنة. وحَكَم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة. وحَكَم عمر فيه ببقرة. وحَكَم عليعليه‌السلام في الضبع بشاة(١) ، مع اختلاف الأزمان وتباعد الأمكنة ، ولو كان على وجه القيمة ، لامتنع اتّفاقها في شي‌ء واحد ، وقد حكموا في الحمامة بشاة(٢) ولا تبلغُ الحمامةَ في القيمة.

وما ثبت فيه نصّ مقدّر اتُّبع إمّا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من أحد الأئمةعليهم‌السلام ، ولا يجب استئناف الحكم - وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق وأحمد(٣) - لأنّهم أعرف من غيرهم وأزهد ، فكان قولهم حجّةً.

وقال مالك : يستأنف الحكم ؛ لقوله تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ ) (٤) (٥) .

والجواب : التقدير ثبوت الحكم.

مسألة ٣١٧ : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع ، فمن قتل نعامةً وهو مُحْرم وجب عليه جزور - وبه قال عطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ

____________________

= ٨٢ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٨٦.

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩١ - ٢٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٦) الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣ ، الاُم ٢ : ١٩٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، =

٤٠١

النَّعَمِ ) (١) .

وروى العامّة : أنّ علياعليه‌السلام حكم فيها ببدنة(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي النعامة جزور »(٣) .

وفي حديث آخر : « بدنة »(٤) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد تقدّم(٥) .

ولو لم يجد البدنة ، قوّم البدنة ، وفضّ قيمتها على البرّ ، وأطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ ) (٧) بقراءة الخفض(٨) ، وهو يقتضي أن يكون الجزاء بدلا عن المثل من النّعم ، لأنّ تقديرها : فجزاء بمثل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٩) .

وقال مالك : يقوّم الصيد لا المثل ، لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف‌

____________________

= فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ و ٤٣٨.

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

(٥) تقدّم في المسألة السابقة.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المغني ٣ : ٥٨٨.

(٧) المائدة : ٩٥.

(٨) أي : بالإِضافة.

(٩) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤٠٢

قوّم المتلف كالذي لا مثل له(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يجب المثل ، بل قيمة الصيد ، فإن شاء تصدّق بها ، وإن شاء اشترى شيئاً من النَّعَم التي تجزئ في الأضحية يذبح ، وإن شاء صرفها إلى الطعام ، فأعطى كلّ مسكين نصف صاع من بُرٍّ أو صاعاً من غيره ، أو صام عن كلّ نصف صاع من بُرٍّ أو صاع من غيره يوماً(٢) .

ولو لم يجد الإِطعام ، قوّم الجزور بدراهم والدراهم بطعام على ما قلناه ، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوماً - وبه قال ابن عباس والحسن البصري والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر(٣) - لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٤) .

وقال عطاء : يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً - وبه قال مالك والشافعي ، وعن أحمد روايتان - لأنّ الله تعالى جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين ، فكذا هنا(٥) .

ويبطل بتقديم النصّ على القياس.

مسألة ٣١٨ : واختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد :

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٥٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٩ - ١٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

٤٠٣

فقال بعضهم : إنّها على الترتيب(١) - وبه قال ابن عباس والتوري وابن سيرين ، ونقله أبو ثور عن الشافعي في القديم(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على ذلك - يعني الذبح - قوّم جزاء الصيد وتصدّق بثمنه على المساكين » ثم قال : « فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوماً»(٣) وهو يدلّ على الترتيب.

ولأنّ هدي المتعة على الترتيب ، وهذا آكد منه ، لأنّه فعل محظور.

وقال بعضهم : إنّها على التخيير(٤) - وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان(٥) - وهو المعتمد ، لقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٦) و « أو » للتخيير.

قال ابن عباس : كلّ شي‌ء « أو ، أو » فهو مخيّر ، وأمّا ما كان « فإن لم يجد » فهو الأوّلُ الأوّلُ. رواه العامّة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكلّ شي‌ء في القرآن ( فمن لم يجد فعليه كذا ) فالأول بالخيار »(٨) .

ولأنّها فدية تجب بفعل محظور ، فكان مخيّراً بين ثلاثتها ، كفدية الأذى.

____________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٤ - ٢٨٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٢.

(٤) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣١.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨‌.

(٦) المائدة : ٩٥.

(٧) المغني ٣ : ٥٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

٤٠٤

وقال الشافعي قولاً آخر : إنّه لا إطعام في الكفّارة ، وإنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام ؛ لأنّ مَنْ قَدَر على الإِطعام قَدَر على الذبح ، وهو مروي عن ابن عباس وعن أحمد(١) أيضاً.

وهو خطأ لأنّ الله تعالى سمّى الإِطعام كفّارةً ، ولو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارةً وجعله طعاماً للمساكين ، وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم.

ولأنّه عطف الطعام على الهدي ثم عطف الصوم عليه ، ولو لم تكن إحدى الخصال لم يجز ذلك فيه.

ونمنع أنّ مَنْ قَدَر على الطعام قدر على الهدي ، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما.

مسألة ٣١٩ : لو زادت قيمة الفداء على إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع ، لم يلزمه الزائد ، وأجزأه إطعام الستّين ، ولو نقص عن إطعام الستّين ، لم يجب الإكمال ، بل أجزأه وإن كان ناقصاً.

وكذا لو زاد ثمن الطعام على صيام ستّين يوما لكلّ يوم نصف صاع ، لم يجب عليه صوم الزائد على الستّين ، ولو نقص ، أجزأه الناقص ، ولا يجب عليه إكمال الصوم.

والعامّة لم يعتبروا ذلك ؛ لأنّها كفّارة ، فلا تزيد على إطعام ستّين ولا على صيام ستين ، لأنّها أعلى مراتب الكفّارات.

وقول الصادقعليه‌السلام في مُحْرم قتل نعامةً ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً ، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة »(٢) .

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، وفيه : وهذا قول الشعبي ، بدل الشافعي.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ /٧ ١١٨٥.

٤٠٥

إذا عرفت هذا ، فلو بقي ما لا يعدل يوماً ، كربع الصاع ، كان عليه صيام يوم كامل ، وبه قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض ، والسقوط غير ممكن ؛ لشغل الذمّة ، فيجب إكمال اليوم.

مسألة ٣٢٠ : لو عجز عن البدنة وإطعام ستّين وصوم شهرين ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإِطعام ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإِبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنةً فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام »(٢) .

مسألة ٣٢١ : في فراخ النعامة لعلمائنا قولان :

أحدهما : من صغار الإِبل(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

والثاني : فيه مثل ما في النعامة سواء(٥) ، وبه قال مالك(٦) .

احتجّ الأوّلون : بقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٧) ومثل الصغير صغير.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٥٩ - ٥٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٣) من القائلين به : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣١ و ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢.

(٥) من القائلين به : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٥ والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤.

(٧) المائدة : ٩٥.

٤٠٦

ولأنّ فرخ الحمام يضمن بمثله ، فكذا فرخ النعامة.

واحتجّ الآخرون : بقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (١) ولا يجزئ في الهدي صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام في قوم حجّاج مُحْرمين أصابوا فراخ نعام ، فأكلوا جميعاً ، قال : « عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعاً يشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال »(٢) .

الثاني : كفّارة قتل حمار الوحش وبقرته.

مسألة ٣٢٢ : لو قتل الـمُحْرم حمارَ الوحش ، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا - وبه قال عمر وعروة ومجاهد والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - للمماثلة بين حمار الوحش والبقرة الأهلية.

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقعليه‌السلام : قلت : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « عليه بقرة »(٤) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : عليه بدنة. وهو مروي عن أبي عبيدة وابن عباس ، وبه قال عطاء والنخعي(٥) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد سلف(٦) .

إذا ثبت هذا ، ففي بقرة الوحش بقرة أهلية أيضاً عند علمائنا ، وهو مروي‌

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، الاُم ٢ : ١٩٢ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٦) سلف في صفحة ٣٩٩.

٤٠٧

عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من أبي حنيفة(٢) ؛ لأنّ الصحابة نصّوا فيها على ذلك(٣) . وللمشابهة في الصورة. ولرواية أبي بصير ، الصحيحة ، وقد سلفت(٤) .

مسألة ٣٢٣ : لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته ، قوّم ثمنها بدراهم وفضَّه على الحنطة ، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكيناً ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا.

وقال مالك : إنّما يقوّم الصيد. وقد سلف(٥) البحث معه.

وقد روى أبو عبيدة عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٦) .

وعن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « بقرة » قلت : فإن لم يقدر على بقرة؟ قال : « فليطعم ثلاثين مسكيناً »(٧) .

مسألة ٣٢٤ : لو لم يتمكّن من الإِطعام ، صام ثلاثين يوما كلّ يوم بإزاء نصف صاع ، ولو لم يبلغ الإطعام ذلك ، لم يكن عليه الإِكمال ، ولو فضل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادر قوله في صفحة ٣٩٩ ، الهامش (٧)

(٣) كما في المغني ٣ : ٥٤٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، والمجموع ٧ : ٤٢٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٨٢.

(٤) سلفت في صدر المسألة.

(٥) سلف في المسألة ٣١٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

٤٠٨

لم تجب عليه الزيادة عن ثلاثين ؛ لما تقدم(١) في النعامة.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « لكلّ طعام مسكين يوماً »(٢) .

والخلاف في الترتيب والتخيير هنا كما تقدّم(٣) .

ولو لم يتمكّن من هذه الأصناف ، صام تسعة أيّام ؛ لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يجد(٤) فليطعم ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد(٥) فليصم تسعة أيّام »(٦) .

الثالث : في كفّارة الظبي والثعلب والأرنب.

مسألة ٣٢٥ : لو قتل الـمُحْرم ظبياً ، وجب عليه دم شاة ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وعطاء وعروة وعمر بن الخطّاب والشافعي وأحمد وابن المنذر(٧) ؛ لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة ، ولم يُعلمْ لهم مُخالف ، فكان حجّةً.

وما رواه العامّة عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( وفي الظبي شاة )(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي الظبي شاة »(٩) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ٣١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤.

(٣) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٤و٥) في المصدر : فإن لم يقدر.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٦ و ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢.

(٨) سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٧ / ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٩) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

٤٠٩

وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة. وقد تقدّم(١) البحث معه.

مسألة ٣٢٦ : لو عجز عن الشاة ، قوّم ثمنها دراهم ، وفضَّه على البُرّ ، وأطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، ولو زاد التقويم على ذلك ، لم تجب عليه الزيادة على إطعام العشر ، ولو نقص ، لم يجب عليه الإِكمال ؛ لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين وأذى الحلق وغيرهما.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب الـمُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [ الصيد ](٢) قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٣) .

وسأل أبو بصير الصادقَعليه‌السلام : فإن أصاب ظبياً ما عليه؟ قال : « عليه شاة » قلت : فإن لم يجد شاةً؟ قال : « فعليه إطعام عشرة مساكين »(٤) .

مسألة ٣٢٧ : لو عجز عن الإِطعام ، صام عن كلّ نصف صاع يوماً ، ولو زاد التقويم على خمسة أصْوُعٍ ، لم يكن عليه صوم عن الزائد ، ولو نقص ، لم يكن عليه إلّا بقدر التقويم ؛ لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٥) .

____________________

(١) تقدّم في صفحة ٣٩٩.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤١٠

واعلم أنّ الخلاف هنا في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم(١) .

ولو عجز عن الشاة وإطعام عشرة مساكين وصوم عشرة أيّام ، صام ثلاثة أيّام ؛ لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين ، وكذا في كفارة الأذى ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ(٢) »(٣) .

مسألة ٣٢٨ : وفي الثعلب شاة ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل قتل ثعلباً ، قال : « عليه دم » قلت : فأرنباً؟ قال : « مثل ما في الثعلب »(٤) .

قال الشيخان رحمهما الله تعالى : إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي(٥) . ولم يثبت.

ويمكن الاحتجاج بقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ »(٦) .

إذا عرفت هذا ، ففي الأرنب شاة ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال عطاء(٧) - لأنّه كالثعلب ، فيكون جزاؤه مساوياً لجزائه.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « في الأرنب شاة »(٨) .

____________________

(١) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٢) كلمة « في الحج » لم ترد في المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٨.

(٥) المقنعة : ٦٨ ، النهاية : ٢٢٢ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٨) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٩.

٤١١

وقال ابن عباس : فيه حمل(١) .

وقال الشافعي : فيه عناق(٢) . وهو الاُنثى من ولد المعز في أول سنة ، والذكر جدي.

إذا عرفت هذا ، فقال بعض علمائنا : إنّ فيه مثل ما في الظبي(٣) ؛ لما تقدّم في الثعلب.

الرابع : كسر بيض النعام.

مسألة ٣٢٩ : إذا كسر الـمُحْرم بيض نعامة ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإِبل ، ولا تُشترط الاُنوثة ، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه أن يرسل فحولة الإِبل في إناث منها بعدد البيض ، فالناتج هديٌ لبيت الله تعالى ، ذهب إليه علماؤنا.

لنا : أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة ، فعليه مثله من الإِبل ، ومع عدمه يحتمل الفساد والصحة ، فكان عليه(٤) ما يقابله من إلقاء المني في رحم الاُنثى المحتمل للفساد والصحة.

ولما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كسر بيض نعامة وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : « عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر»(٥) .

وسأل رجلٌ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام : إنّي خرجت مُحرماً ، فوطأَتْ‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٢) الاُم ٢ : ١٩٣ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، وسلّار في المراسم : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٠ - ١٣١.

(٤) في « ن » : فيه.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٨.

٤١٢

ناقتي بيض نعام فكسَرَتْه ، فهل عليَّ كفّارة؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فاسأل ابني الحسن -عليه‌السلام - عنها » وكان بحيث يسمع كلامه ، فتقدّم إليه الرجل ، فسأله ، فقال له : « يجب عليك أن ترسل فحولة الإِبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هديٌ لبيت الله عزّ وجلّ » فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يا بُنيّ كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإِبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟ » فقال : « يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق(١) » فتبسّم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال له : « صدقت يا بُنيّ » ثم تلا( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) (٣) .

وقال الشافعي : يجب عليه قيمة البيض - وبه قال عمر بن الخطّاب وابن مسعود والنخعي والزهري وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّ البيض لا مثل له ، فتجب القيمة.

ولما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( في بيض النعام يصيبه الـمُحْرم : ثمنه )(٤) (٥) .

ونمنع عدم المثل ؛ لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي.

والحديث مرسل لا اعتداد به.

وقال مالك : يجب في البيضة عُشْر قيمة الصيد(٦) .

____________________

(١) مرقت البيضة : إذا فسدت فصار ماءً. لسان العرب ١٠ : ٣٤٠ « مرق ».

(٢) آل عمران : ٣٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٣١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، الاُم ٢ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٣ ، المحلّى ٧ : ٢٣٣ و ٢٣٥.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ - ٣٦٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٤٤١.

٤١٣

وقال داود وأهل الظاهر : لا شي‌ء في البيض(١) .

مسألة ٣٣٠ : لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف ، فكان عليه ضمانه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ما وطأْتَه أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه»(٢) .

والاعتبار في العدد بالإِناث ، فيجب لكلّ بيضة اُنثى ، ولو كان الذكر واحداً أجزأه ؛ لأنّ الإِنتاج مأخوذ من الإِناث.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة »(٣) .

مسألة ٣٣١ : لو لم يتمكّن من الإِبل ، كان عليه عن كلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد ، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يجد ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّها تثبت بدلاً في كفّارات متعدّدة ، فكذا هنا.

ولرواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو مُحْرم ، قال : « يُرسل الفحل في الإِبل على عدد البيض » قلت : فإنّ البيض يفسد كلّه ويصلح كلّه ، قال : « ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء ، فمن لم يجد إبلاً فعليه لكلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو كسر بيضةً فخرج منها فرخ حيّ وعاش ، لم يكن‌

____________________

(١) المحلّى ٧ : ٢٣٣ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢ و ٤٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ ذيل الحديث ٦٨٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

٤١٤

عليه شي‌ء ، ولو مات ، كان فيه ما في صغير النعام.

ولو باض الطير على فراش مُحْرمٍ ، فنقله إلى موضعه فنفر الطير فلم يحضنه ، لزمه الجزاء. وللشافعي قولان(١) .

ولو كسر بيضةً فيها فرخ ميّت ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا لو كان البيض فاسداً.

وقال الشافعي : إن كان بيض نعام ، كان عليه القيمة ؛ لأنّ للقشر قيمةً(٢) .

وليس بمعتمد ؛ لأنّه بمنزلة الحجر والخشب ، ولهذا لو نقب بيضةً فأخرج ما فيها أجمع ، ضمنها ، ولو كسرها آخرٌ بعده ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء »(٣) .

الخامس : كسر بيض القطا والقبج.

مسألة ٣٣٢ : لو كسر الـمُحْرم بيضةً من بيض القطا أو القبج ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضةٍ مخاضٌ من الغنم ، وإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي لبيت الله تعالى.

وقالت العامّة : إنّ عليه القيمة(٤) . وقد تقدّم(٥) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن مُحْرم وطأ بيض القطا فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في مثل‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ - ٤٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

(٤) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢.

(٥) تقدّم في المسألة ٣٢٩.

٤١٥

عدد البيض من الإِبل »(١) .

وأمّا وجوب المخاض للمتحرّك : فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ ، فكان عليه صغير من ذلك النوع ، كما في بيض النعام.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « في كتاب عليعليه‌السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه الـمُحْرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإِبل »(٢) .

مسألة ٣٣٣ : لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها ، قال الشيخرحمه‌الله : كان حكمه حكم بيض النعام سواء(٣) .

و نَقَل عن المفيد أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، ذبح عن كلّ بيضة شاةً ، فإن لم يجد ، أطعم عن كلّ بيضة عشرةَ مساكين ، فإن لم يقدر ، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام(٤) .

والأقرب : أنّ مقصود الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإِطعام ؛ لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه!؟

تنبيه : يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه ، فيتصدّق‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٠٣ / ٦٨٩‌

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ - ٣٩٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٧.

(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٥.

(٤) السرائر : ١٣٢ - ١٣٣ ، وراجع : المقنعة : ٦٨.

٤١٦

به على مساكين الحرم إمّا بأن يُفرّق اللحم ، أو يُملّكهم جملته مذبوحاً ، ولا يجوز أن يُخرجه حيّاً.

وإذا قوّم المثل دراهم ، لم يجز له أن يتصدّق بها ، بل يجعلها طعاماً ، ويتصدّق بها.

ولو صام عن نصف الصاع بقدره فانكسر ، وجب صوم يوم كامل ؛ لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض.

البحث الثاني : فيما لا بدل له على الخصوص‌(١)

مسألة ٣٣٤ : الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته ، ويعبُّ الماء بأن يضع منقاره فيه ، فيكرع كما تكرع الشاة ، ولا يأخذ قطرةً قطرةً بمنقاره ، كما يفعل الدجاج والعصفور.

وقال الكسائي : إنّه كلّ مطوّق(٢) فالحجل حمام ، لأنّه مطوَّق.

ويدخل في الأول : الفواخت والوارشين والقماري والدباسي والقطا.

إذا عرفت هذا ، ففي كلّ حمامة شاة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث ؛ فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة ، وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق(٣) - لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه قضى في الحمام حال الإِحرام‌

____________________

(١) أي : فيما ليس لكفّارته بدل على الخصوص.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، الاُم ٢ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، المحلّى ٧ : ٢٢٩ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٤١٨ / ٨٢٨٥.

٤١٧

بالشاة ، ولم يخالفه أحد من الصحابة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم إذا أصاب حمامةً ففيها شاة »(٢) .

ولأنّها حمامة [ مضمونة ](٣) لحقّ الله تعالى ، فضُمنت بالشاة ، كحمامة الحرم.

ولأنّ الشاة مِثْلٌ لما في الحرم فتكون كذلك في الإِحرام ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٤) .

وقال أبو حنيفة ومالك : فيه القيمة - إلّا أنّ مالكاً وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإِحرام - لأنّ الحمامة لا مثل لها ، فتجب القيمة.

ولأنّ القياس يقتضي القيمة في كلّ الطير ، تركناه في حمام الحرم ؛ لقضاء الصحابة ، فيبقى ما عداه على الأصل(٥) .

وقد بيّنّا أنّ المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة ، بل ما شابهها شرعاً ، وقد بيّنّا أنّ الشارع حَكَم في الحمامة بشاة ، مع قوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٦) فدلّ على ثبوت المماثلة الشرعية بينهما. وهو الجواب عن الثاني.

مسألة ٣٣٥ : الشاة تجب بقتل الـمُحْرم للحمامة ، أمّا الـمُحِلُّ لو قتلها في الحرم ، فإنّه يجب عليه القيمة ، وهي درهم عند علمائنا ، لقول الصادق‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٢٠٥ ، المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٨.

(٣) أضفناها من المغني والشرح الكبير.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧.

(٦) المائدة : ٩٥.

٤١٨

عليه‌السلام : « في الحمامة درهم »(١) .

وسأل عبدُ الرحمن بن الحجّاج الصادقَعليه‌السلام : عن فرخين مسرولين(٢) ذبحتُهما وأنا بمكة مُحِلٌّ ، فقال لي : « لِمَ ذبحتهما؟ » قلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة ، فسألتني أن أذبحهما لها ، فظننت أنّي بالكوفة ، ولم أذكر أنّي بالحرم فذبحتُهما ، فقال : « تصدّق بثمنهما » قلت : كم ثمنهما؟ قال : « درهم خيرٌ من ثمنهما »(٣) .

ولو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص ، فالأقرب : الغرم ؛ عملاً بالنصوص ، والأحوط : وجوب الأزيد من الدرهم والقيمة.

مسألة ٣٣٦ : لو كان القاتل للحمام مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة ودرهم ؛ لأنّه يهتك حرمةَ الحرم والإِحرام ، فكان عليه فداؤهما.

ولأنّ الشاة تجب على الـمُحْرم في الحِلّ ، والدرهم يجب على الـمُحِلّ في الحرم ، فالـمُحْرم في الحرم يجب عليه الأمران ؛ لأنّه اجتمع فيه الوصفان :

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم قتل حمامةً من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : « عليه شاة » قلت : فإن(٤) قتلها في جوف الحرم؟ قال : « عليه شاة وقيمة الحمامة » قلت : فإن(٥) قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : « عليه ثمنها ليس غيره »(٦) .

مسألة ٣٣٧ : لو قتل فرخاً من فراخ الحمام ، وجب عليه حمل قد فُطم ورعى الشجر إن كان مُحْرماً ؛ لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء والصيد ، ومثل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٢) أي : في رجليهما ريش. مجمع البحرين ٥ : ٣٩٦ « سرول ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨١.

(٤ و ٥) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّه. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٧ / ١٢٠٣.

٤١٩

الصغير صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن »(١) .

ولو كان القاتل للفرخ مُحِلاً في الحرم ، وجب عليه نصف درهم ، ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب حملٌ ونصفُ درهم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض رُبْع درهم »(٢) .

مسألة ٣٣٨ : لو كسر الـمُحْرم بيض الحمام ولم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم ، وإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل ، هذا إن كان في الحلّ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن وطأ الـمُحْرم بيضةً فكسرها فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق به بمكة ومنى ، وهو قول الله تعالى :( تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ ) (٣) »(٤) .

ولو كان الكاسر مُحلاً في الحرم ، فعليه لكلّ بيضة رُبْع درهم ؛ لقولهعليه‌السلام : « وفي البيض رُبْع درهم »(٥) .

ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهمٌ ورُبْعٌ.

مسألة ٣٣٩ : لا فرق بين حمام الحرم والأهلي في القيمة إذا قُتل في الحرم ، إلّا أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه ، والأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين ، عند العلماء ، إلّا داود ؛ فإنّه قال : لا جزاء في صيد الحرم(٦) ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٣) المائدة : ٩٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٣.

(٥) المصادر في الهامش (٢)

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، المسألة ٢٧٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563