الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد10%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182045 / تحميل: 9886
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بل إنّ ظاهر كلمات المحققين من النحاة صحة تركيب « هو أولى » و « هما أوليان »، فإنّهم قد صرّحوا بجواز حذف « من ومجرورها » بعد اسم التفضيل، ولهم على ذلك شواهد من الكتاب وأشعار العرب: قال الأزهري: « وقد تحذف من مع مجرورها للعلم بهما، نحو:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) أي من الحياة الدنيا. وقد جاء الإِثبات والحذف في:( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) أي منك. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

وأفعل التفضيل صله أبداً

تقديراً أو لفظاً بمن إنْ جرّدا

وأكثر ما تحذف من مع المفضول إذا كان أفعل خبراً في الحال أو في الأصل، فيشمل خبر المبتدأ وخبر كان وان وثاني مفعولي ظن وثالث مفاعيل أعلم »(١) .

وقال الرضي: « وإذا علم المفضول جاز حذفه غالباً إنْ كان أفعل خبراً كما يقال لك: أنت أسن أم أنا؟ فتجيب بقولك: أنا أسن. ومنه قوله: الله أكبر ويجوز أن يقال في مثل هذه المواضع: إن المحذوف هو المضاف إليه، أي أكبر كلّ شيء ويجوز أن يقال: إن من مع مجرورة محذوف، أي أكبر من كلّ شيء »(٢) .

والأعجب من كل ذلك غفلة الرازي عن صيغة التكبير الذي يفتتح به الصلاة في كل صباح ومساء.

١٣ - وجوه بطلان منع « هو أولى الرجل » .

وأما قول الرازي: « وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد » فيبطله وجوه:

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح ٢ / ١٠٢.

(٢). شرح الكافية: مبحث أفعل التفضيل.

١٦١

الأول: إذا كان ملاك التركيب لدى الرازي هو العقل لا الوضع، فأيّ استحالة عقلية تلزم من هذا التركيب؟

الثاني: إنّ إضافة « أولى » إلى « رجل » و « زيد » جائزة بحسب القاعدة في علم النحو، لأن استعمال اسم التفضيل مضافاً هو أحد طرق استعماله، كما صرح به النحويون بأجمعهم من غير خلاف. فأيّ مانع من إضافة « أولى » وهو اسم تفضيل إلى « زيد » و « الرجل »؟

الثالث: إنه بالاضافة إلى جواز هذا الاستعمال بحسب القاعدة، فقد وقع هذا الاستعمال وورد في حديث نبوي مذكور في الصحيحين،

ففي باب ميراث الولد من أبيه وأمه من كتاب الفرائض من صحيح البخاري:

« حدثنا موسى بن إسماعيل [ قال ] حدّثنا وهيب [ قال ] حدّثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر »(١) .

وقد أخرجه في باب ميراث الجد مع الأب والأخوة(٢) .

وفي باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج(٣) .

وأخرجه مسلم في صحيحه حيث قال: « حدّثنا عبد الأعلى بن حماد - وهو النرسي - [ قال ] نا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.

حدثنا أمية بن بسطام العيشي [ قال ] نا يزيد بن زريع [ قال ] نا روح بن القاسم عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.

____________________

(١). صحيح البخاري ٨ / ١٨٧.

(٢). نفس المصدر ٨ / ١٨٨.

(٣). نفس المصدر ٨ / ١٩٠.

١٦٢

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع - قال إسحاق نا وقال الآخران أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله [ تعالى ] فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر »(١) .

فإن زعم الرازي أنا نمنع إضافته إلى المفرد المعرفة. فنقول: إن لاسم التفضيل عند إضافته معنيين، ولا يجوز إضافته إلى المفرد المعرفة بناءاً على أحدهما دون الآخر، قال ابن الحاجب: « فإذا أضيف فله معنيان، أحدهما - وهو الأكثر - أن تقصد به الزيادة على من أضيف إليه، وشرطه أن يكون منهم، نحو زيد أفضل الناس، ولا يجوز يوسف أحسن أخوته. والثاني: أن تقصد زيادة مطلقة ويضاف للتوضيح ».

وقال الرضي في شرحه: « قوله: والثاني أن يقصد زيادة مطلقة. أي يقصد تفضيله على كل من سواه مطلقاً، لا على المضاف إليه وحده، وإنما تضيفه إلى شيء لمجرد التخصيص والتوضيح، كما تضيف سائر الصفات، نحو: مصارع مصر، وحسن القوم، مما لا تفصيل فيه، فلا يشترط كونه بعض المضاف إليه، فيجوز بهذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو داخل فيهم نحو قولك: نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل قريش، بمعنى أفضل الناس من بين قريش. وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلاً فيهم، كقولك: يوسف أحسن أخوته، فإنّ يوسف لا يدخل في جملة أخوة يوسف، بدليل أنك لو سئلت عن عدد إخوته لم يجز لك عدّه فيهم، بلى يدخل لو قلت: أحسن الأخوة، أو أحسن بني يعقوب. وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو: فلان أعلم بغداد، أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد، لأنّها منشؤه أو مسكنه، وإن قدّرت المضاف أي أعلم أهل بغداد فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم »(٢) .

____________________

(١). صحيح مسلم ٥ / ٥٩ - ٦٠.

(٢). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

١٦٣

أقول: وعلى هذا فمتى أريد من « أولى » التفضيل والزيادة المطلقة - لا الزيادة على من أضيف إليه فقط - جازت إضافته إلى « الرجل » و « زيد »، لأجل مجرد التخصيص والتوضيح.

١٤ - جواب منع « هما مولى رجلين ».

وأما قول الرازي: « هما أولى رجلين، وهم أولى رجال، ولا تقول: « هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال » فهو توهم تدفعه كلمات المحققين الماضية، الدالة على أن الترادف لا يقتضي المساواة في جميع الأحكام.

على أنه لا تلزم أيّة استحالة عقلية من هذا الاستعمال، بناءاً على ما ذكره الرازي من كون مدار الاستعمال والإطلاق هو العقل لا الوضع.

١٥ - منع « هو أولاه » و « هو أولاك » غير مسلّم

وأمّا قوله: « ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك » فغير مسلّم، فإنه إذا كان الغرض هو التفضيل المطلق جاز إضافة اسم التفضيل إلى المفرد المعرفة لمجرد التخصيص والتوضيح، وعليه فلا مانع من إضافته إلى الضمير أيضاً. وقال ابن حجر العسقلاني بشرح « فما بقي فهو لأولى رجل ذكر » نقلاً عن السهيلي: « فإنْ قيل: كيف يضاف « أي أولى » للواحد وليس بجزء منه؟ فالجواب: إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وإنْ لم يكن جزءاً منه، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البر « برّ أمّك ثم أباك ثم أدناك »(١) .

وقد أضيف في هذا الحديث « أدنى » - وهو اسم تفضيل - إلى الضمير.

على أنّ الملاك لدى الرازي هو تجويز العقل كما تقدّم مراراً، ولا استحالة في إضافة اسم التفضيل إلى الضمير عقلاً.

____________________

(١). فتح الباري ١٥ / ١٤.

١٦٤

ثم إنّ الرازي قال في خاتمة كلامه: « وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

فنقول له: أيها المجادل الغفول، الآتي بكل كلام مدخول! إذا كان عندك في هذا الوجه نظر مذكور في الأصول، فلم أتعبت النفس بتزوير هذا الهذر والفضول! الذي يردّه المنقول وتأباه العقول! وتبطله إفادات المحققين الفحول؟!

وبما ذكرنا ظهر بطلان قول ( الدهلوي ): « وهو منكر بالإِجماع ».

على أنّ الرازي قد قال في وجوه إثبات مجيء « الباء » للتبعيض كما هو مذهب الشافعي: « الثاني: النقل المستفيض حاصل بأن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، فوجب أن يكون إقامة حرف « الباء » مقام « من » جائزاً. وعلى هذا التقدير يحصل المقصود ».

فنقول: لا ريب في جواز « فلان مولى لك ». وبناءاً على ما ذكره من أن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، يجب أن يكون إقامة حرف « من » مقام اللام « جائزاً » وأن يستعمل « فلان مولى منك » بدل ( فلان أولى منك ) وعلى هذا التقدير يحصل المقصود.

* * *

١٦٥

١٦٦

وجوه بطلان شبهة

إن قول أبي عبيدة بيانٌ لحاصل معنى الآية

وشبهات أخرى

١٦٧

١٦٨

قوله:

« وأيضاً: فإنّ تفسير أبي عبيدة بيان لحاصل معنى الآية ».

أقول: هذا باطل لوجوه:

١ - لم يقل هذا أحد من أهل العربية

إن ( الدهلوي ) قد نسب هذا القول إلى جمهور أهل العربية، مع أن أحداً منهم لم يقله، بل إنّ الأصل في هذه الشبهة هو الرازي كما سيأتي، وقد ذكر من ترجم للرازي أنه لم يكن له اطلاع في علوم العربية، قال ابن الشحنة: « وكانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربية »(١) .

٢ - لو كان كذلك فلما ذا خطّئوا أبا زيد كما زعم؟

إنه لو أمكن حمل تفسير أبي عبيدة على ما ذكر، فلماذا خطّأ جمهور أهل العربية أبازيد في تفسيره الذي تبع فيه أبا عبيدة - حسب زعم ( الدهلوي ) -؟ ولما ذا

____________________

(١). روضة المناظر - حوادث سنة ٦٠٦.

١٦٩

لم يحملوا تفسيره على هذا المعنى كذلك؟

٣ - لم ينفرد أبو عبيدة بهذا التفسير

إنه وإنْ كان الأصل في هذه الشبهة هو الرازي، لكن الرازي اعترف بأنّ جماعة من أئمة اللغة والتفسير يفسّرون الآية كذلك، وليس أبو عبيدة منفرداً به، قال الرازي بعد عبارته السابقة: « وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أن « المولى » بمعنى « الأولى » فلا حجة لهم، وإنما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين -.

إحداهما: إن أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: أن أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً: الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كل ما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالى:( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) . والقلب بالعقل في قوله( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) . مع أن ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك ههنا »(١) .

لكن ( الدهلوي ) يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة، فيدعي أن جمهور أهل العربية يحملون تفسير أبي عبيدة على انه بيان للمعنى لا تفسير، وكأن أبا عبيدة منفرد بهذا التفسير، وقد رأينا أن مخترع هذه الشبهة - وهو الرازي - يعترف بأن جماعة آخرين يفسرون الآية كذلك.

وأما قول الرازي: « ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق » فساقط جداً. إذ لا طريق لنا إلى معرفة مفاهيم الألفاظ إلّا بتنصيصات أئمة اللغة، فإنْ

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

١٧٠

حملت كلماتهم على التساهل سقطت عن الحجية، وبطلت الاستدلالات والحجج، بل إنّ كلام الرازي هذا خير وسيلة وذريعة للملحدين وجحدة الدين في إنكار حقائق الدين الإسلامي، إذ متى أريد إلزامهم بأمرٍ من أمور الدين استناداً إلى تصريحات اللغويين كان لهم أن يقولوا: « ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق »، بل يكون اعتراضهم أقوى، واعتذارهم عن القبول والتسليم أبلغ، لأنهم يخالفون أئمة اللغة في الدين أيضاً، بخلاف الرازي فإنه وإيّاهم من أهل ملة واحدة وبذلك ينهدم أساس دين الاسلام، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

هذا، ولا عجب من تأييد الرازي للملحدين، فقد عرفت من تصريح الذهبي(١) أن للرازي تشكيكات على دعائم الإسلام، وفي ( لسان الميزان )(٢) عن الرازي أن عنده شبهات عديدة في دين الإسلام، وأنه كان يبذل غاية جهده في تقرير مذاهب المخالفين والمبتدعين، ثم يتهاون ويتساهل في دفعها والجواب عنها.

٤ - الأصل في هذه الدعوى أيضاً هو الرازي

ثم إنّ الأصل في هذه الشبهة أيضاً هو الرازي كما عرفت من كلامه السابق، وقال بتفسير قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ ) ما نصه:

« وفي لفظ « المولى » هاهنا أقوال - أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: إن المولى موضع « الولي » وهو القرب. فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. واعلم: أن هذا الذي قالوه معنىً وليس بتفسير للّفظ، لأنه لو كان « مولى »

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.

(٢). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.

١٧١

و « أولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال: « هذا مولى من فلان » كما يقال: « هذا أولى من فلان » ويصح أن يقال: « هذا أولى فلان » كما يقال: « هذا مولى فلان ». ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير.

وإنما نبّهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقوله [عليه‌السلام ]: « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال: أحد معاني « مولى » أنه « أولى » واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأن مولى معناه أولى. وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إمّا بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً.

وأمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضوع معنىً لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال »(١) .

٥ - خدشة النيسابوري لكلام الرازي

ولكن ما أسلفنا من البحوث كاف لإسقاط وإبطال هذا الكلام، على أنه قد بلغ من السقوط والهوان حدّاً لم يتمكن النيسابوري من السكوت عليه، بالرغم من متابعته للرازي في كثير من المواضع، قال النيسابوري ما نصه: « هي مولاكم قيل: المراد أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل أراد هي أولى بكم، قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم. أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم.

قال في التفسير الكبير: هذا معنى وليس بتفسير اللفظ من حيث اللغة، وغرضه أن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١). تفسير الرازي ٢٩ / ٢٢٧ - ٢٢٨.

١٧٢

من كنت مولاه فهذا علي مولاه، إحتج بقول الأئمة في تفسير الآية: إن « المولى » معناه « الأولى » وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً. قال: وإذا كان قول هؤلاء معنىً لا تفسيراً بحسب اللغة سقط الاستدلال.

قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفى »(١) .

* * *

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٢٧ / ٩٧.

١٧٣

شبهات أخرى

هذا، وقد بقيت شبهات أخرى في هذا المقام، نذكرها مع وجوه دفعها إتماماً للمرام:

١ - عدم ذكر بعض اللغويين هذا المعنى

فالشبهة الأولى: إنه وإنْ ذكر جماعة من أئمة اللغة هذا المعنى، إلّا أنّ بعضهم لم يذكروه. ذكر هذه الشبهة الفخر الرازي حيث قال: « لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة مندفعة بوجوه:

الأول: لا اعتبار بالنفي الصريح في مقابلة الإِثبات، فكيف بعدم الذكر والسكوت؟ إنْ صحت النسبة إلى الخليل؟

والثاني: إنّ كتاب « العين للخليل » موصوف بالاضطراب والتصريف

١٧٤

الفاسد، قال أحمد بن الحسين الجاربردي بعد ذكر بيت جاء فيه لفظة « أمهتي » « والهاء زائدة، لأنّ أما فعل بدليل الأمومة في مصدره وأمات في جمعه » ثم قال بعد بيت جاء فيه لفظة « أمات »: « وأجيب عن ذلك بمنع أن أماً فعل والهاء زائدة، وسنده: إن الهاء يجوز أن يكون أصلاً، لما نقل خليل بن أحمد في كتاب العين من قولهم « تأمهت » بمعنى: إتخذت أماً. هذا يدل على أصالة الهاء ».

ثم قال: « قال في شرح الهادي: الحكم بزيادة الهاء أصح لقولهم: أم بنية الأمومة. وقولهم: « تأمهت » شاذ مسترذل » قال: « في كتاب العين من الاضطراب والتصريف الفاسد ما لا يدفع»(١) .

فإذا كان هذا حال ( كتاب العين ) بالنسبة إلى ما ورد فيه، فكيف يكون عدم ورود معنىً فيه سنداً لإِنكاره؟!

الثالث: إنه بالاضافة إلى ما تقدم فقد قدح طائفة من كبار المحققين في « كتاب العين » كما لا يخفى على من راجع ( المزهر ) و ( كشف الظنون )(٢) .

الرابع: لقد صرح الرازي نفسه بإطباق الجمهور من أهل اللغة على القدح في ( العين ) فقد قال السيوطي في ( المزهر ): « أوّل من صنف في جمع اللغة الخليل ابن أحمد. ألّف في ذلك كتاب العين المشهور. قال الامام فخر الدين الرازي في المحصول: أصل الكتب المصنفة في اللغة كتاب العين، وقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه ».

فالعجب من الرازي يقول هذا ثم يحتج بعدم ذكر الخليل ( الأولى ) في جملة معاني ( المولى ) وإذا كان ذلك رأي الجمهور من أهل اللغة فلا ينفع دفاع السيوطي عن ( العين ).

الخامس: دعواه عدم ذكر أضراب الخليل هذا المعنى للفظ المذكور كذب

____________________

(١). شرح الجار بردي على الشافية لابن الحاجب ١٤٩ - ١٥٠.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٤٤٢.

١٧٥

واضح، فإن ( أبا زيد ) من أضرابه ومعاصريه - بل ذكر المترجمون له تقدّمه على الخليل كما تقدم - قد ذكر ذلك، كما اعترف به الخصوم حتى ( الدهلوي )، وفسر ( أبو عبيدة ) لفظة « المولى » بـ « الأولى » كما اعترف به الجماعة حتى الرازي نفسه، و ( أبو عبيدة ) من أضراب الخليل ومعاصريه، بل أفضل منه كما علم من تراجمه، وكذلك ( الفراء ) من معاصريه وقد فسّر « المولى » بـ « الأولى ».

فثبت كذب الرازي في هذه الدعوى.

السادس: لقد فسر محمد بن السائب الكلبي « المولى » بـ « الأولى »، وقد توفي الكلبي سنة (١٤٦) فهو متقدم على الخليل المتوفى سنة (١٧٥) وقيل (١٧٠) وقيل (١٦٠) كما ذكر السيوطي(١) .

السابع: لقد علمت مما تقدم أن جماعة كبيرة من مشاهير الأئمة الأساطين - غير من ذكرنا - قد أثبتوا مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، واستشهدوا لذلك بشعر لبيد، فعدم ذكر الخليل ذلك - إنْ ثبت - لا يليق للاحتجاج بعد إثبات هؤلاء الأثبات للمعنى المذكور.

الثامن: لقد علمت سابقاً أن البخاري ذكر للمولى خمسة معان، فقال ابن حجر وغيره بأن أهل اللغة يذكرون له معان أخرى غيرها. فمن هنا يظهر أن عدم ذكر البخاري لتلك المعاني لا ينفي ثبوتها، فكذلك عدم ذكر الخليل « الأولى » ضمن معاني « المولى » - على تقدير تسليم ذلك - غير قادح في ثبوته، لأن غيره من الأئمة قد ذكروه.

ثم قال الرازي: « والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى ».

وهذا الكلام فيه كفاية لأهل الدراية.

قال: « مرسلاً غير مسند ».

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٥٦٠.

١٧٦

ويدفعه ما تقدم في دفع دعواه أن ذلك معنىَّ لا تفسير.

قال: « ولم يذكروه في الكتب الأصلية ».

ويدفعه: تصريح ابن الأنباري ومحمد بن أبي بكر الرازي بكون « الأولى بالشيء » من جملة معاني « المولى ». بل ورود تفسيره بهذا المعنى في ( الصحاح للجوهري ) وهو من الكتب الأصلية في اللغة بلا ريب.

وأمّا قوله: « ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة » فيفيد جواز استعمال « المولى » بمعنى « الأولى » مثل استعمال « اليمين » بمعنى « القوة » و « القلب » بمعنى « العقل ».

ثم قال الرازي: ما نصه: « وثانيها: - إن أصل تركيب ( ول ي ) يدل على معنى القرب والدنو، يقال: وليته وأليه والياً، أي دنوت منه، وأوليته إياه: أدنيته، وتباعدنا بعد ولي. ومنه قول علقمة:

وعدت عواد دون وليك تشعب.

وكل مما يليك، وجلست مما يليه، ومنه: الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي، والولية: البرذعة لأنها تلي ظهر الدابة، وولي اليتيم والقتيل وولي البلد، لأن من تولّى الأمر فقد قرب منه. ومنه قوله تعالى:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) من قولهم: ولاه ركبته، أي جعلها مما يليه. وأما ولىّ عني إذا أدبر فهو من باب ما يثقل الحشو فيه للسلب، وقولهم: فلان أولى من فلان أي أحق، أفعل التفضيل من الوالي أو الولي كالأدنى والأقرب من الداني والقريب، وفيه معنى القرب أيضاً، لأن من كان أحق بالشيء كان أقرب إليه، والمولى اسم لموضع الولي، كالمرمى والمبنى لموضع الرمي والبناء ».

أقول: هذه المقدمة لا علاقة لها بمطلوب الرازي الذي هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أصلاً، لأن حاصل هذا الكلام هو كون أصلا تركيب « ولي » دالاً على معنى القرب، وكون « المولى » اسماً لموضع الولي، وهذان الأمران لا دلالة فيهما على نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أبداً، وإلّا لزم أن لا يكون

١٧٧

« المعتق » و « المعتق » وغيرهما من معاني « المولى » أيضاً.

٢ - تفسير أبي عبيدة يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق

ثم قال الرازي: « وإذا ثبت هاتان المقدمتان فلنشرع في التفصيل قوله:

إن أبا عبيدة قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين أحدهما: إن ذلك يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق، إلّا أن النار أحق، لأن ذلك من لوازم أفعل التفضيل وإنه باطل ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة حول تفسير أبي عبيدة يدفعها وجوه:

الأول: إنه يحتمل أن يكون المعنى: نار جهنم أولى بإحراق الكفّار من نار الدنيا، لا أن المراد أولوية النار بهم من الجنة.

الثاني: إنه لمـّا كان زعم الكفار استحقاقهم دخول الجنة، فإنه بهذا السبب يثبت أولوية النار بهم من الجنة أيضاً. قال نجم الأئمة الرضي الاسترآبادي: « ولا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل في المعنى، إمّا تحقيقاً نحو: زيد أحسن من عمرو، أو تقديراً كقول عليعليه‌السلام : « لئن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان ». لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدّرهعليه‌السلام محبوباً إلى نفسه أيضاً، ثم فضّل صوم شعبان عليه، فكأنّه قال: هب أنه محبوب عندي أيضاً، أليس صوم من شعبان أحبّ منه. و قالعليه‌السلام : « اللهم أبدلني بهم خيراً منهم » أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر، فإنّه ليس فيهم خير، « وأبدلهم بي شراً مني » أي في اعتقادهم أيضاً، وإلّا فلم يكن فيهعليه‌السلام شر. ومثل قوله تعالى( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) كأنهم لما اختاروا موجب النار. ويقال في

١٧٨

التهكّم: أنت أعلم من الحمار، فكأنّك قلت: إنْ أمكن أن يكون للحمار علم فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة، بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه من الحمار»(١) .

الثالث: إن المستفاد من الأحاديث العديدة هو أن لكل واحد من المكلّفين مكاناً في الجنّة ومكاناً في النار. وقال الرازي نفسه بتفسير قوله تعالى:( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) « وهاهنا سؤالات - السؤال الأول: لم سمّي ما يجدونه من الثواب والجنة بالميراث، مع أنه سبحانه حكم بأن الجنة حقّهم في قوله:( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ؟ الجواب من وجوه:

الأول: ما روي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو أبين ما يقال فيه: وهو: أنّه لا مكلَّف إلّا أعدّ الله له في النار ما يستحقه إن عصى، وفي الجنة ما يستحقه إنْ أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار [ منزل ] منازل من لم يؤمن كالمنقول، وصار مصيرهم إلى النار الذي لا بدّ معها [ معه ] من حرمان الثواب كموتهم، فسمي ذلك ميراثاً لهذا الوجه »(٢) .

٣ - لو كان الأمر كما ذكر أبو عبيدة لقيل هي مولاتكم

ثم قال الرازي: « ثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا في أن « المولى » هاهنا بمعنى « الأولى » لقيل هي مولاتكم ».

وجوه دفعها

وهذه شبهة أخرى حول تفسير أبي عبيدة، وهي مندفعة بوجوه:

____________________

(١). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

(٢). تفسير الرازي ٢٣ / ٨٢.

١٧٩

الأول: لقد نسي الرازي أو تناسى إصراره على لزوم التساوي بين المترادفين في جميع الاستعمالات، فإنه بناءاً على ذلك لا يبقى مورد لهذه الشبهة، لأنه إذا كان « المولى » بمعنى « الأولى » جاز استعمال كل منهما مكان الآخر، فإذا وقع « الأولى » خبراً لمبتدأ كان المذكر والمؤنث فيه على حد سواء فكذلك « المولى » الذي بمعناه يستوي فيه المذكر والمؤنث في صورة وقوعه خبراً، فالشبهة مندفعة بناءاً على ما ذهب إليه وألحّ عليه.

الثاني: دعوى اختصاص استواء التذكير والتأنيث باسم التفضيل كذب صريح وغلط محض، لثبوت الاستواء المذكور في مواضع اُخر، قال ابن هشام:

« الغالب في « التاء » أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كقائمة وقائم، ولا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان، أحدها: فعول، كرجل صبور بمعنى صابر وامرأة صبور بمعنى صابرة، ومنه:( وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) والثاني: فعيل بمعنى مفعول، نحو رجل جريح وامرأة جريح. والثالث: مفعال كمنحار، يقال رجل منحار وامرأة منحار، وشذ ميقانة. والرابع: مفعيل كمعطير، وشذ امرأة مسكينة، وسمع امرأة مسكين. والخامس: مفعل كمغشم ومدعى »(١) .

الثالث: إنّ تذكير المؤنث بحمل أحدهما على الآخر شائع في الاستعمال كتأنيث المذكر، قال السيوطي: « الحمل على المعنى. قال في الخصائص: إعلم أن هذا الشرح غور من العربية بعيد ومذهب نازح فسيح. وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا وغير ذلك، فمن تذكير المؤنث قوله تعالى:( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد.( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد

____________________

(١). التوضيح في شرح الألفية بشرح الأزهري ٢ / ٢٨٦ - ٢٨٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

باب ذِكْرِ طَرَفٍ من دلائلِ أبي الحسن عليِّ بن محمد عليهما السلامُ

وأخبارِه وبراهينهِ وبيّناتِه

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن الوشّاء، عن خَيران الأسباطي، قالَ: قَدِمْتُ على أَبي الحسن عليَ بن محمّدعليهما‌السلام المدينةَ فقالَ لي: «ما خَبَرُ الواثق عندك؟» قُلْتُ: جُعِلْتُ فداك خَلفْتُه في عافيةٍ، أَنا مِنْ أقْرَب الناس عهداً به، عَهْدي به مُنْذُ عشرةِ أَيّام. قالَ: فقالَ لي: «إنَ أَهلَ المدَينة يَقولونَ: إِنه ماتَ » فقُلْتُ: أَنا أقْرَبُ الناسِ به عَهْداً. قالَ: فقالَ لي: «إِنَ الناسَ يَقولون:إِنّه ماتَ» فلمّا قالَ لي: إِنَّ الناسَ يَقُولونَ، عَلِمْتُ أَنَّه يَعْني نَفْسَه.

ثم قالَ لي: «ما فَعَلَ جعفر؟» قُلْتُ تَرَكْتُه أسْوأ الناسِ حالاً في السجنِ، قالَ: فقالَ: (أَما إِنه صاحبُ الأمْرِ، ما فَعَلَ ابنُ الزيّات؟» قُلْتُ: الناسُ معه والأمْرُ أَمْرُه، فقالَ: «أَما إِنَّه شُؤْمٌ عليه ».

قالَ: ثمَّ سَكَتَ وقالَ لي: «لا بُدّ أَنْ تَجْرِيَ مقاديرُ اللهِ وأَحكامُه، يا خَيرانُ ماتَ الواثقُ، وقد قَعَدَ المتوكلُ جعفرُ، وقد قُتِلَ ابنُ الزيّات» قُلْتُ: متى جُعِلْتُ فداك؟ قالَ: «بَعْدَ خُروجِكَ بستّةِ أَيّامٍ »(١) .

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٦ / ١، اعلام الورى: ٣٤١، ونقله باختلاف يسير ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٤١٠، والراوندي في الخرائج والجرائح ١: ٤٠٧ / ١٣، وابن الصباغ في الفصول المهمة:

٣٠١

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن (عليّ بن محمد، عن إِبراهيم بن محمد الطاهري )(١) قالَ: مَرِضَ المتوكّلُ من خراج(٢) خَرَجَ به فأَشْرَفَ منه على الموت، فلم يَجْسُرْ أَحدٌ أَن يَمَسَّه بحديدةٍ، فنَذَرَتْ أُمّه إِن عُوفيَ أَنْ تَحمِلَ إِلى أَبي الحسن عليّ بنِ محمّد مالاً جليلاً من مالها.

وقالَ له الفتحُ بن خاقان: لَوْ بَعَثْتَ إِلى هذا الرجلِ - يَعْني أَبا الحسن - فسأَلته فإنَّه ربّما كانَ عِنْدَه صفةُ شيءٍ يُفرج اللهُ به عنك. فقالَ: ابْعَثُوا إليه. فمَضىَ الرسولُ ورَجَعَ فقالَ: خُذُوا كُسْبَ(٣) الغَنَم فديفُوه بماء وَرْدٍ، وضُعوه على الخُراجِ، فإنَّه نافعٌ بإذن الله. فجَعَلَ مَنْ بحَضْرة المتوكّل يَهزَأ من قوله، فقالَ لهم الفتحُ: وما يضُر من تَجْرِبة ما قال، فواللهِ إنّي لأرْجُو الصلاحَ به، فاُحْضِرَ الكُسْبُ وديفَ بماءِ الوَرْدِ ووُضِعَ على الخراجِ، فانْفَتَحَ وخرَجَ ما كان فيه.

__________________

٢٧٩ ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٥٨ / ٤٨.

(١) كذا نقل العلامة المجلسي في البحار عن نسخة الارشاد، وهو الموجود في الكافي الذي هو مصدر الحديث، والنسخ هنا مشوشة، فقد ورد في «ش» و «م»: علي بن ابراهيم بن محمد، وفي «ح »: علي بن ابراهيم عن ابراهيم بن محمد، والظاهر صحة ما أثبتناه فقد يأتي في متن الحديث: قال ابراهيم بن محمد.

ثم ان عمدة الاختلاف في النسخ في لقب ابراهيم بن محمد، ففي «ش»: الطاهي وكتب في ذيله: هكذا، وفي هامش «ش»: الطائفي ع صح، وأيضاً في هامش «ش» نسخة اخرى: الطاهري وجعل فوقه علامة التصحيح وكتب تحته: لا غير، وفي «م»: الطائفي وفوقه علامة التصحيح وجعل (الطاهري ) في هامشه نسخة، وفي «ح » غير واضحة مردّدة بين الطاهي والطائفي.

(٢) الخُراج: ما يخرج في البدن من القروح. «الصحاح - خرج - ١: ٣٠٩».

(٣) في هامش «ش» و «م»: يعني الكُسْبَ الذي يُعلِفه الغنم.

٣٠٢

فبُشرِّتْ أُمّ المتوكّل بعافيتهِ فحَمَلَتْ إِلى أَبي الحسنعليه‌السلام عشرةَ آلاف دينار تحتَ خَتْمها، واسْتَقَلَّ المتوكّلُ من عِلّتهِ.

فلمّا كانَ بعدَ أَيام سَعى البَطْحاني بابي الحسنعليه‌السلام إِلى المتوكلِ وقالَ: عندَه سِلاحٌ وأمْوالٌ، فتَقَدَّمَ المتوكّلُ إِلى سعيد الحاجب أَنْ يَهْجُمَ ليلاً عليه، وياْخُذَ ما يَجِدُ عِنْدَه من الأمْوالِ والسِلاحِ ويحْمِلَه إِليه.

قالَ إِبراهيمُ بن محمّد: فقالَ لي سعيدُ الحاجب: صِرْتُ إِلى دارِ أَبي الحسنعليه‌السلام بالليل، ومَعي سُلَّمٌ فصَعِدْتُ منه إِلى السَطْحِ، ونَزَلْتُ من الدَرَجةِ إلى بَعْضِها في الظلمة، فلم أَدْرِ كَيْفَ أَصِلُ إلى الدارِ، فناداني أَبو الحسنعليه‌السلام من الدارِ: «يا سعيدُ، مكانَك حتى يَاْتُوكَ بشَمْعةٍ» فلَمْ أَلْبثْ أَنْ أَتَوْني بشَمْعَةٍ، فَنزَلْتُ فوَجَدْتُ عليه جُبَّة صُوفٍ وقَلَنسُوَة منها وسَجّادَتُه على حصير بين يديه وهو مُقْبِلٌ على القِبْلَة. فقالَ لي: «دونَك البيوتَ» فدَخَلْتُها وفَتّشْتًها فلم أَجِدْ فيها شيئاً، ووَجَدْتُ البَدْرَة مختومةً بخاتَم أُمِّ المتوكل وكِيْساً مَخْتوماً معها، فقالَ لي أَبو الحسنعليه‌السلام : «دونكَ المصلّى» فرَفَعْتُه فوَجَدْتُ سَيْفاً في جَفْنٍ مَلْبوسٍ.

فاَخَذْتُ ذلك وصِرْتُ إليه، فلمّا نَظَرَ إِلى خاتَمِ أُمِّهِ على البَدْرَة بَعَثَ إِليها فَخرَجَتْ إِليه، فسَألَها عن البَدْرَة. فاَخْبَرَني بعضُ خَدَم الخاصّة أَنّها قالَتْ: كُنْتُ نَذَرْتُ في عِلَّتِك إنْ عُوفيتَ أَن أحملَ إِليه من مالي عشرةَ آلاف دينار، فحَمَلْتُها إليه، وهذا خاتَمُك(١) على الكِيس ما حَركَه، وفَتَحَ الكيسَ

__________________

(١) هكذا في النسخ الخطية ونقل العلامة المجلسي عنه، والظاهر ان الصحيح: خاتمي، كما في الكافي واعلام الورى.

٣٠٣

الآخَرَ فإِذا فيه أَربعُمائة دينارٍ، فأمَرَ أَنْ يُضَم إِلى البَدْرَة بَدْرةٌ أُخْرى، وقالَ لي: اِحْملْ ذلك إِلى أَبي الحسن، واردُدْ عليه السيفَ والكيسَ بما فيه.

فحَمَلْتُ ذلك إليه واسْتَحْيَيْتُ منه، فقُلْتُ له: يا سيدي، عزَّ عليّ بدخولِ دارِك بغير إذْنِك ولكنّي مَأْمورٌ، فقالَ لي:( سَيَعْلمُ الَذِينَ ظَلَمُوا أيّ مُنْقَلبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (١) »(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبدالله، عن عليّ بن محمد النوفلي قالَ: قالَ لي محمدُ بن الفرج الرُخَّجي: إِنَّ ابا الحسنعليه‌السلام كَتَبَ إِليه: «يا محمد، أَجمِعْ أَمْرَكَ وخُذْ حِذْرَكَ ».

قالَ: فأَنا في جَمْعِ أَمْري لَسْتُ أَدْري ما المرادُ(٣) بما كَتَبَ به إِلَيَّ، حتى وَرَدَ عَلَيَّ رسولُ حَمَلَني من مصرمُصَفداً بالحديد، وضَرَبَ على كُلِّ ما أمْلِكُ، فمَكَثْتُ في السجنِ ثمانيَ سنين ثم وَرَد عَلَيَّ كتابي منه وأَنا ني السجنِ: «يا محمَدَ بن الفَرَج، لا تَنْزِلْ في ناحية الجانب الغَربيّ » فقَرَأْتُ الكتابَ وقُلْتُ في نفسي: يَكْتُبُ أَبو الحسن إِليٌَ بهذا وأَنا في السجنِ! إِنَ هذا لعَجَبٌ. فما مَكَثْتُ إلا أَيّاماً يَسيرةً حتى أُفْرِجَ عنّي وحُلتْ قُيودي وخلّيَ سبيلي.

__________________

(١) الشعراء ٢٦: ٢٢٧.

(٢) الكافي ١: ٤١٧ / ٤، اعلام الورى: ٣٤٤، دعوات الراوندي: ٢٠٢ / ٥٥٥، الخرائج والجرائح ١: ٦٧٦ / ٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٩٨ / ١٠، وذكره باختلاف يسير ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٨١، وذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٤١٥.

(٣) في «م» وهامش «ش»: ما الذي أراد.

٣٠٤

قالَ: فكَتَبْتُ إِليه بعد خُروجي أَسْأَلُه أَنْ يَسْأَلَ اللّهَ أَنْ يَردّ علي ضِياعي، فكَتَبَ إِلَيَّ: «سوف تُرَد عليك، وما يَضُرُّك أَلّا تُرَدّ عليك ».

قالَ عليُّ بن محمّد النوفلي: فلمّا شَخَصَ محمّدُ بن الفرج الرُخَّجِي الى العَسْكَر، كُتِبَ له بردِّ ضياعِه، فلم يَصِلِ الكتابُ حتى ماتَ(١) .

قالَ: عليُّ بن محمد النَوْفَليّ: وكَتَبَ عليُّ بن الخصيب(٢) إِلى محمّد بن الفَرَج بالخروجِ إِلى العَسْكَرِ، فكَتَبَ إِلى أَبي الحسنعليه‌السلام يُشاوِرُه، فكَتَبَ إِليه أَبو الحسنعليه‌السلام : «أُخْرُجْ فإِنَّ فيه فَرَجَك إِن شاءَ اللهُ » فخرَجَ فلَمْ يَلْبثْ إلّا يسيراً حتى ماتَ(٣) .

ورَوى (أحمدُ بن عيسى )(٤) قالَ: أَخْبَرَني (أَبويعقوب )(٥) قالَ: رَأَيْتُ

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٨ / ٥، اعلام الورى: ٣٤١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٤١، وذكره بحذف آخره المسعودي في اثبات الوصية: ١٩٦، والقطب الراوندي في الخرائج والجرائح ٢: ٦٧٩ / ٩، وابن شهرآشوب في مناقب آل ابي طالب ٤: ٤١٤.

(٢) كذا في النسخ وفي ما نقله الطبرسي في اعلام الورى عن الكافي، وقد جعله العلامة المجلسي في البحار عن الارشاد: نسخة، وفي مطبوعة الكافي: أحمد بن الخضيب وفي بعض نسخه المعتبرة: أحمد بن الخصيب، وهو الوارد في متن البحار، والظاهر صحته. فقد ذكره في اصحاب الامام الهاديعليه‌السلام الشيخ في رجاله: ٤٠٩ / ٥، والبرقي: ٦٠ وفيه وفي بعض نسخ رجال الشيخ: الخضيب، ثم انّه يأتي ذكرأحمد بن الخصيب في بعض الأحاديث الآتية، وهو الوزير أبو العباس وزير المنتصر وبعده للمستعين، ثم نفاه المستعين الى المغرب، وتوفي سنة ٢٦٥، انظر ترجمته في سير اعلام النبلاء ١٢: ٥٥٣ / ٢١١ ومصادره.

(٣) الكافي ١: ٤١٨ / ذيل الحديث ٥، اعلام الورى: ٣٤٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار٥٠: ١٤١.

(٤) كذا في النسخ، لكن ذكرالخبر وما بعده الطبرسي في اعلام الورى عن أحمد بن محمد ابن عيسى، وكذلك حكاه العلامة المجلسي في البحار عنه وعن الارشاد، وسند الكافي للخبرين: الحسين بن محمد عن رجل عن أحمد بن محمد قال أخبرني أبو يعقوب.

(٥) نقل في هامش «ش» عن نسخة: ابن يعقوب.

٣٠٥

محمّدَ بن الفَرَج قَبْلَ مَوْته بالعَسْكرِ في عَشِيَّةٍ من العشايا، وقد اسْتَقْبَلَ أَبا الحسنعليه‌السلام فنَظَرَ إِليه نظراً شافياً، فاعْتَلَّ محمّدُ بن الفَرَج من الغدِ، فدَخَلْتُ عليه عائداً بَعْدَ أَيّامٍ من عِلَّته، فحدَّثَني أَنَّ أَبا الحسنعليه‌السلام قد أَنْفَذَ إِليه بثوبٍ وأَرانيه مدْرَجاً تَحْتَ رَأْسِه، قالَ: فكُفِّنَ فيه والله(١) .

وذَكَرَ أَحمد بن عيسى قالَ: حَدَّثَني أَبو يعقوب قالَ: رَأَيْتُ أَبا الحسنعليه‌السلام مع أحمد بن الخصيب يتسايران، وقد قَصَرَأَبو الحسنعليه‌السلام عنه، فقالَ له ابنُ الخصيب: سِرْ جُعِلْتُ فداك، فقالَ أَبو الحسن: «أًنتَ المقدَّمُ » فما لَبِثْنا إِلّا أَربعةَ أَيّامٍ حتى وُضِعَ الدهقُ(٢) على ساق ابن الخصيب (وقُتِل )(٣) .

قالَ: وأَلَحَّ عليه ابنُ الخصيب في الدارِ التي كان قد نَزَلها وطاَلبَه بالانتقالِ منها وتَسْليمِها إِليه، فبَعَثَ إِليه أَبو الحسنعليه‌السلام : «لأقعُدَنَّ بك من اللهِ مَقْعَداً لا يَبْقى لك معه باقيةٌ»، فأَخَذَه اللهُ في تلك الأيامِ(٤) .

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٩ / ٦، باختلاف يسير، اعلام الورى: ٣٤٢، ومختَصرَاً في مناقب آل ابي طالب ٤: ٤١٤.

(٢) الدهق: نوع من التعذيب « الصحاح - دهق - ٤: ١٤٧٨.»

(٣) كذا في نسخة «ش» و «م» وهو الموجود في اعلام الورى، وفي الكافي بدله: ثم نُعيَ، وقد خلت نسخة «ح » منه وهو الصواب، فان أحمد بن الخصيب مات سنة٢٦٥ أي بعد وفاة الامام الهاديعليه‌السلام باحدى عشرة سنة، والظاهر ان الخبر ناظر الى نفيه فقط. فقد نفاه المستعين الى المغرب في جمادى الآخرة سنة ٢٤٨ والظاهر انّه المراد من: (فاخذه الله) في الخبر الآتي أيضاً.

(٤) الكافي ١: ٤١٩ / ذيل الحديث ٦، باختلاف يسير، اعلام الورى: ٣٤٢، الخرائج والجرائح ٢: ٦٨١ / ١١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٣٩ / ٢٣.

٣٠٦

ورَوى الحسينُ بن الحسن الحسني قالَ: حَدَّثَني أَبو الطيب يعقوبُ ابن ياسر، قالَ: كانَ المتوكّلُ يقولُ: َويحكُم قد أَعْياني أَمرُ (ابن الرضا )(١) وجَهَدْتُ أَنْ يَشْرَبَ معي وأَنْ يُنادِمَني فامْتَنَع، وجَهَدْتُ أَنْ اَجِدَ فُرصةً في هذا المعنى فلَمْ أَجِدْها. فقالَ له بَعْضُ مَنْ حَضَرَ: إِنْ لم تجِدْ من ابن الرضا ما تريدُه من هذه الحال، فهذا أَخوه موسى قَصّاف عَزّاف(٢) يأَكلُ ويَشْرَبُ ويَعْشَقُ ويَتَخالَعُ فأَحْضِرْه واشْهَره، فإِنَّ الخبَرَ يَشيعُ عن ابن الرضا بذلك ولا يُفَرِّقُ الناسُ بَيْنَه وبين أَخيه، ومَنْ عَرَفَه اتَّهَمَ أَخاه بمثل فَعاله.

فقالَ: اكْتُبُوا بإِشْخاصِه مكْرَماً. فأُشْخِصَ مُكْرَماً فتَقَدَّمَ المتوكلُ أَنْ يَتَلَقّاه جميعُ بني هاشم والقوّادُ وسائرُ الناسِ، وعَمِلَ على أَنّه إِذا وافى أَقْطَعَه قطيعةً وبنى له فيها وحَوَّل إِليها الخمّارين والقِيان(٣) ، وتَقَدَّمَ بصلَتِه وبِرِّه، وأَفْرَدَ له منزلاً سَرِيّاً(٤) يَصْلَحُ أَنْ يَزُورَه هو فيه.

فلمّا وافى موسى تَلَقّاه أَبو الحسنعليه‌السلام في قَنْطرة وصيفٍ - وهوموضعٌ يُتَلَقّى فيه القادمون - فسَلَّمَ عليه ووَفّاه حَقَّه ثم قال له: «إِنَّ هذا الرجل قد أحْضَرَك ليَهْتِكَك ويَضَعَ منك، فلا تُقِرّ له أَنّك شَربْتَ نبيذاً قطّ، واتَقِ اللهَ يا أَخي أَنْ تَرْتَكِبَ محظوراً» فقالَ له موسى: إِنّما دعاني لهذا فما حيلتي؟ قالَ: «فلا تَضَعْ من قَدْرِك، ولاتَعْصِ رَبَك، ولا

__________________

(١) المراد به أبو الحسن الثالثعليه‌السلام ، واطلاقه على أبي جعفر الجواد وابي محمد العسكريعليهما‌السلام صحيح ايضاً.

(٢) في هامش «ش»: القصف: اللهو واللعب، والعزف: أيضاً اللعب.

(٣) القيان: الاماء المغنيات. «مجمع البحرين - قين - ٦: ٣٠١».

(٤) في هامش «ش»: السرو: الكرم، سرياً: كريماً.

٣٠٧

تَفْعَلْ ما يَشِينك، فما غَرَضه إِلا هَتْكُك ». فأبى عليه موسى، فكرّرَعليه أَبو الحسنعليه‌السلام القولَ والوَعْظَ، وهو مُقيمٌ على خلافه، فلمّا رَأَى أَنه لا يُجيبُ قالَ له: أَما إِنّ المجلسَ الذي تُريدُ الاجتماعَ معه عليه لا تَجْتَمعُ عليه أَنت وهوأَبداً.

قالَ: فاَقامَ موسى ثلاثَ سنين يُبَكِّر كلّ يوم إِلى باب المتوكّلِ، فيُقالُ له: قد تَشاغلَ اليوم، فيَرُوحُ، فيقالُ له: قد سَكِرَ، فيُبَكِّرُ فيقالُ له: قد شَرِبَ دواءً. فما زالَ على هذا ثلاث سنين حتى قُتِلَ المتوكّل، ولم يَجْتَمِعْ معه على شراب(١) .

ورَوى محمّدُ بن عليّ قالَ: أَخْبَرَني زيدُ بن عليّ بن الحسين بن زيد قالَ: مَرِضْتُ فدَخَلَ الطبيبُ عَلَيَّ ليلاً ووَصَفَ لي دواءً آخُذُه في السحرِ كذا وكذا يوماً، فلم يُمكنٌي تحصليهُ من الليل، وخَرَجَ الطبيبُ من الباب، ووَرَدَ صاحبُ أَبي الحسنعليه‌السلام في الحال ومعه صُرّةٌ فيها ذلك الدواءُ بعينه، فقالَ لي: أَبو الحسن يُقْرِئُك السلامَ ويَقولُ: «خُذْ هذا الدواءَ كذا وكذا يوماً» فأَخَذْتُه فشرِبْتُ فَبرَأْتُ.

قالَ محمّدُ بن عليّ: فقالَ لي زيدُ بن عليّ: يا محمد، أَين الغلاةُ عن هذا الحديثِ(٢) ؟!

__________________

(١) الكافي ١: ٤٢٠ / ٨، باختلاف يسير وكذا اعلام الورى: ٣٤٥، ومختصراً في مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٣ / ٦.

(٢) الكافي ١:٤٢٠ / ٩، باختلاف يسير، الخرائج والجرائح ١: ٤٠٦ / ١٢، وذكره الخصيبي في الهداية: ٣١٤ بتفصيل، وبحذف آخره في مناقب ال ابي طالب ٤: ٤٠٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٥ / ٣٦.

٣٠٨

باب ذِكْرِ ورود أبي الحسن عليه السلامُ

من المدينة إِلى العسكرِ، ووفاتِه بها

وسببِ ذلك، وعَدَدِ أولادِه، وطَرَفٍ من أخبارِه

وكانَ سَبَبُ شخوص أبي الحسنعليه‌السلام إلى سُرّ مَنْ رأى: أنّ عبدالله بن محمّد كانَ يتولىَّ الحَرْبَ والصلاةَ في مدينةِ الرسولعليه‌السلام فسَعى بأَبي الحسنعليه‌السلام إِلى المتوكّلِ، وكانَ يَقْصُدُه بالأذى، وبَلَغَ أَبا الحسن سِعايتُه به، فكَتَبَ إِلى المتوكّل يَذْكُرُ تَحافلَ عبدِالله بن محمّد ويكذٌبه فيما سعى به، فتَقَدَّمَ المتوكل بإجابتهِ عن كتابه ودُعائه فيه إِلى حُضور العسكرِعلى جَميلٍ من الفِعْلِ والقَوْلِ، فخَرَجَتْ نُسخة الكتاب وهي:

بسم الله الرحمن الرحيم

أَمّا بعدُ: فإِنَّ أَميرَ المؤمنينَ عارفٌ بقَدْرِكَ، راعٍ لِقَرابتكَ، موُجِبٌ لحقِّكَ، مُؤْثرٌ من الأمور فيك وفي أَهل بيتك ما يُصْلِحُ اللهُ به حالَك وحالَهم، ويُثبِتُ به عِزَّك وعِزَّهم، ويُدْخِلُ الأمْنَ عليك وعليهم، يَبْتَغي بذلك رضى ربِّه وأداءَ ما اْفتُرِضَ عليه فيك وفيهم، وقد رَأى أميرُالمؤمنين صَرْفَ عبدلله بن محمد عمّا كان يَتَوَلاّه من الحربِ والصلاةِ بمدينةِ الرسولِصلى‌الله‌عليه‌وآله إِذ كانَ على ما ذَكَرْتَ من جَهالتهِ بحقِّك

٣٠٩

واستخفافهِ بقَدْرك، وعندما قَرَفَك(١) به ونسبكَ إِليه من الأمر الذي عَلِمَ أَميرُ المؤمنين براءَتك منه، وصِدْقَ نِيَّتك في بِرِّك وقَوْلك، وأنّكَ لم تُؤَهِّلْ نَفْسَك لما قُرِفْتَ بطَلَبِه، وقد وَلّى أَميرُالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمّدَ ابن الفَضْل، وأَمَرَه بإِكرامِك وتَبْجيلِكَ والانتهاءِ إِلى أَمْرِك ورأيِك، والتقرّب إِلى اللهِ والى أميرِ المؤمنين بذلك.

وأَميرُ المؤمنين مُشْتاقٌ إِليك، يُحِبُّ إِحْداثَ العَهْدِ بك والنظَرَ إليك، فإِنْ نَشِطْتَ لزيارته والمُقام قِبَلَه ما أَحْبَبْتَ شَخَصْتَ ومَن اخْتَرْتَ من أَهْل بيتك ومَواليك وحَشَمِك، على مُهلَةٍ وطُمَأْنينَةٍ، تَرْحَلُ إِذا شِئْتَ وتنزِلُ إذا شِئْتَ وتَسيرُ كيف شِئْتَ، وإنْ أحْبَبْتَ أنْ يَكُونَ يحيى بن هَرْثَمةَ مولى أَمير المؤمنين ومن معه من الجُنْدِ يَرْتَحِلونَ برَحيلكَ ويَسيرونَ بسَيْرك فالأمرُ في ذلك إِليك، وقد تَقَدَّمْنا إِليه بطاعَتِك، فاسْتَخرِ اللهَ حتى تُوافيَ أميرَ المؤمنين، فما أَحَدٌ من إِخوته وولدِه وأَهلِ بيته وخاصّتهِ أَلْطَفَ منه مَنْزِلةً، ولا أحْمدَ لَه أثَرة، ولا هو لهم أَنْظَرَ، وعليهم أشْفَقَ، وبهم أبَرَّ، وإليهم أَسْكَنَ، منه إِليك. والسلامُ عليك ورحمة الله وبركاته.

وكَتَبَ إِبراهيم بن العباس في شهر كذا من سنة ثلاث وأَربعين ومائتين(٢) .

فلمّا وَصَلَ الكتابُ إِلى أَبي الحسنعليه‌السلام تَجَهَّزَ للرحيل،

__________________

(١)قرفك: اتهمك «الصحاح - قرف - ٤: ١٤١٥ ».

(٢) الكافي ١: ٤١٩ / ٧، عن محمد بن يحيى، عن بعض اصحابنا قال: اخذت نسخة كتاب المتوكل الى ابي الحسن الثالثعليه‌السلام من يحيى بن هرثمة في سنة ثلاث واربعين ومائتين

٣١٠

وَخَرَجَ معه يحيى بن هرثمة حتى وَصَلَ إلى سُرَّ من رأى، فلمّا وَصَلَ إليها تَقَدَّمَ المتوكّلُ بأَن يُحْجَبَ عنه في يومه، فنَزَلَ في خانٍ يُعْرَفُ بخانِ الصَعاليك وأَقامَ فيه يومَه، ثم تَقَدَّمَ المتوكّلُ بإِفرادِ دارٍ له فانْتًقَلَ إِليها.

أَخْبَرَني جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن أحمدَ بن محمد بن عبدالله، عن محمد بن يحيى، عن صالح بن سعيد قالَ: دَخَلْتُ على أَبي الحسنعليه‌السلام يومَ وُروده فقلت له: جُعِلْت فداك، في كلِّ الأمور أرادوا إِطْفاءَ نورك والتقصيرَ بك، حتى أَنْزَلوكَ هذا الخانَ الأشْنعَ خانَ الصَعاليك. فقالَ: «هاهنا أَنْتَ يا بْنَ سعيد!» ثم أَوْمَأَ بيده فإِذا بَرْوضاتٍ أُنُفاتٍ(١) ، وأَنهارٍ جارياتٍ، وجِنانٍ فيها خيراتٌ عَطِراتٌ، ووِلْدانٌ كاَنَّهُنَّ اللؤلؤُ المكنونُ، فحارَ بَصَري وكثُرَ تَعَجُّبي، فقالَ لي: «حيثُ كُنّا فهذا لنا - يا ابن سعيد - لَسْنا في خانِ الصعاليك »(٢) .

وأقامَ أبو الحسنعليه‌السلام مُدّةَ مقامه بسُرّ مَنْ رأى مُكْرَماً في ظاهرحاله، يَجْتَهِدُ المتوكّل في إِيقاعِ حيلةٍ به فلا يَتَمَكَّنُ من ذلك. وله معه أحاديثٌ يَطولُ بذكرها الكتابُ، فيها آياتٌ له وبيّناتٌ، إِنْ قَصَدْنا لإيراد ذلك خَرَجْنا عن الغرض فيما نحوناه.

وتُوُفِّي أبو الحسنعليه‌السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودُفِنَ في داره بسُرَّمَنْ رأَى، وخَلَّفَ من الولد أَبا محمد الحسنَ ابنَه وهو

__________________

(١) في هامش «ش»: أنيقات.

الروض الأنُف: هو الروض الذي لم يَرْعَه أحد. «الصحاح - انف - ٤: ١٣٣٢ ».

(٢) الكافي ١: ٤١٧ / ٢، اعلام الورى: ٣٤٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٠٢.

٣١١

الإمام من بَعْدِه، والحسينَ، ومحمّداً، وجعفراً، وابنَته عائشة.

وكان مُقامه بسُرَّ مَنْ رَأى إلى أنْ قُبِضَ عَشْرَ سنين وأشهراً. وتوفِّيَ وسِنُّه يومئذٍ على ما قَدَّمناه إحدى وأربعون سنة.

* * *

٣١٢

باب ذِكْرِ الإمام القائمِ بَعْدَ أبي الحسن عليِّ ابن محمد عليهماَ السلامُ

وتاريخِ مَوْلِدِه، ودلائِلإمامتِه،

والنصِّ عليه من أبيهِ، ومَبْلَغِ سنَه ومُدَّةِ خلافتِه،

وذِكْرِ وفاتِه ومَوْضِعِ قَبْرِه، وطَرَفٍ من أخْبارِه

وكانَ الأمامُ بعد أَبي الحسن عليِ بن محمدعليهما‌السلام ابْنَه أَبا محمد الحسن بن عليّ لاجْتماعِ خِلالِ الفَضْلِ فيه، وتَقَدُّمِه على كافّةِ أَهلِ عَصْرِه فيما يُوجِبُ له الإمامةَ ويَقْتَضي له الرئاسةَ، من العلمِ والزهدِ وكمالِ العقلِ والعِصْمَةِ والشُجاعةِ والكَرَمِ وكَثْرَةِ الأعْمالِ المُقَربَة إلى اللهِ، ثمَّ لِنَصِّ أَبيهعليه‌السلام عليه وإشارته بالخلافةِ إِليه.

وكانَ مَوْلدُه بالمدينة في شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.

وقُبِضَعليه‌السلام يَوْمَ الجمعةِ لثمانِ ليالٍ خَلَوْنَ من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، وله يومئذٍ ثمان وعشرون سنة، ودُفِنَ في دارِه بسُرَّمَنْ رأى في البيت الذي دُفِنَ فيه أَبوعليه‌السلام .

وأُمُّه أُمُّ ولدٍ يُقالُ لها: حَدِيث.

وكانت مدَّةُ خلافتِه ستَّ سنين.

* * *

٣١٣

باب ذِكْرِ طَرَفٍ من الخبرِ الواردِ بالنصِّ عليه من أبيه عليهما السلامُ

والإشارةِ إِليه بالإمامةِ من بَعْدِه

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ ابن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن (يحيى بن يسار الَعنبري )(١) قالَ: أَوْصى أَبو الحسن عليُّ بن محمّد إِلى ابنه الحسنعليهما‌السلام قَبْلَ مُضيِّه بأَربعة أشهر، وأَشارَ إِليه بالأمْرِ من بعده، وأَشْهَدَني على ذلك وجماعةً من الموالي(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ ابن محمد، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن (يسار بن أحمد البصري )(٣) ، عن عليِّ بن عمرو(٤) النوفلي قالَ: كُنْت مع أَبي الحسنعليه‌السلام في صحن داره فَمرَّ بنا محمّدُ ابنُه فقُلْتُ: جُعِلْتُ فداك، هذا صاحِبُنا

__________________

(١) في مطبوعة الكافي واعلام الورى: القنبري، لكن في عدة من النسخ المعتبرة من الكافي: العنبري، وكذا في نسخ الارشاد، وفي غيبة الطوسي: بشار بدل يسار.

(٢) الكافي ١: ٢٦١ / ١، غيبة الطوسي: ٢٠٠ / ١٦٦، اعلام الورى: ٣٥١، الفصول المهمة: ٢٨٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٦ / ٢١.

(٣) في الكافي واعلام الورى هنا وفي السند الآتي: بشار، لكن في بعض النسخ المعتبرة من الكافي في السند الآتي: يسار، وفي غيبة الطوسي: سيار بن محمد البصري.

(٤) في مطبوعة الكافي: عمر، وفي بعض نسخه: عمرو كما هنا.

٣١٤

بَعْدَك؟ فقالَ: «لا، صاحِبُكم بعدي الحسنُ »(١) .

وبهذا الاسنادِ عن يسار بن أحمد، عن عبدالله بن محمد الأصبهاني قالَ: قالَ أَبو الحسنعليه‌السلام : «صاحِبُكم بعدي الذي يُصَلِّي عَلَيَّ » قالَ: ولم نكُنْ نَعْرِفُ أَبا محمّد قَبْلَ ذلك، قالَ: فَخَرَجَ أَبو محمّد بَعْدَ وفاتِه فصَلَّى عليهِ(٢) .

وبهذا الإسنادِ عن (يسار بن أَحمد )(٣) ، عن موسى بن جعفر بن وهب، عن عليِّ بن جعفر قالَ: كُنْتُ حاضراً أبا الحسنعليه‌السلام لَمّا تُوُفِّيَ ابْنُه محمّدُ فقالَ للحسن: «يا بني، أَحْدِثْ للهِ شُكراً فقد أحْدَثَ فيك أمْراً»(٤) .

__________________

(١) الكافي ١: ٢٦٢ / ٢، وعنه اعلام الورى: ٣٥٠، غيبة الطوسي: ١٩٨ / ١٦٣، ونقله ١٣ / العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٣٤٣ / ١٣.

(٢) الكافي ١: ٢٦٢ / ٣، وعنه اعلام الورى: ٣٥٠، مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٢٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٤ / ٢٤٣.

(٣) أورد الخبرمع الخبرين المتقدمين في الكافي ١: ٢٦٢ / ٢ و ٣ و ٤، ونص سند الحديث ٢: علي ابن محمد عن جعفر بن محمد الكوفي عن بشار بن أحمد البصري وسند الحديث ٣: عنه، عن بشار (يسارخ ل) بن أحمد عن عبدالله بن محمد الاصفهاني وسند الحديث ٤: عنه، عن موسى بن جعفر بن وهب وكان المصنف (قده) أرجع الضميرالى يساربن أحمد، والى مثله ذهب الطبرسي في اعلام الورى، لكن الظاهر وحدة مرجع الضمير في السندين ٣ و ٤، وأنّه جعفر بن محمد الكوفي.

وقد وقع نظيرالسند في الكافي ١: ٣٤١ / ٢٢ وصورته: علي بن محمد عن جعفر بن محمد عن موسى بن جعفر البغدادي، وروى جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن موسى بن جعفر ابن وهب في غيبة النعماني: ٢٥٢.

(٤) الكافي ١: ٢٦٢ / ٤، اعلام الورى: ٣٥٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٤ / ١٥، ونحوه في الغيبة للشيخ الطوسي: ٢٠٣ / ١٧٠.

٣١٥

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن أحمدَ بن محمد بن عبدالله بن مروان الأنباري قالَ: كُنْتُ حاضراً عند مُضِيِّ أَبي جعفر محمّد بن عليّعليه‌السلام ، فجاءَ أَبوالحسنعليه‌السلام فوُضِعَ له كُرْسِيٌّ فجَلَسَ عليه، وحَوْله أَهلُ بيته وأَبومحمّد ابنُه قائمٌ في ناحية، فلمّا فَرَغَ من أَمْرِ أَبي جعفر الْتَفَتَ إِلى أَبي محمدعليه‌السلام فقالَ: «يا بُنَيّ، أحْدِثْ للهِ شُكْراً، فقد أحْدَثَ فيك أَمْراً»(١) .

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ ابن محمد، عن محمد بن أحمد القلانسي، عن عليّ بن الحسين بن عمرو، عن عليّ بن مهزيار، قالَ: قُلْتُ لأبي الحسنعليه‌السلام : إِن كانَ كَوْنٌ - وأَعُوذُ بالله - فإِلى مَنْ؟ قالَ: «عَهْدي إِلى الأكْبَرِ من ولدي» يعني الحسنعليه‌السلام (٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ بن محمد الأسترابادي(٣) ، عن عليّ بن عمرو العطّار، قالَ: دَخَلْتُ على أَبي الحسنعليه‌السلام وابْنُه أَبوجعفر يُحيّا وأَنا أَظُنُّ أَنّه هو الخَلَفُ من بَعْدِه، فقُلْتُ له: جُعِلْتُ فداك، مَنْ أَخُصًّ من ولدك؟ فقالَ: «لا تَخُصُّوا أحَداً حتى يَخْرجَ إليكم أمْري » قال: فكَتَبْتُ إليه بَعْدُ: في مَنْ يكُونُ

__________________

(١) بصائر الدرجات: ٤٩٢ / ١٣، الكافي ١: ٢٦٢ / ٥، اعلام الورى: ٣٥٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤١ / ٦.

(٢) الكافي ١: ٢٦٢ / ٦، اعلام الدين: ٣٥٠، ونقله العلامه المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٤ / ١٦.

(٣) كذا في نسخة الكتاب، وفي المطبوعة السابقة واعلام الورى: عن علي بن محمد عن أبي محمد الاسترآبادي، وكذا حكاه العلامة المجلسي (قده) عن الارشاد.

٣١٦

هذا الأمرُ؟ قالَ: فكَتَبَ إِلَيَّ: « في الأكْبَرِمن ولدي » قالَ: وكان أَبو محمدعليه‌السلام أكبرمن جعفر(١) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، وغيره، عن سعد بن عبدالله، عن جماعة من بني هاشم منهم (الحسن بن الحسين الأفطس )(٢) : أَنَهم حَضَرُوا يَوْمَ تُوُفَيَ محمّدُ بن عليّ بن محمّد دارَ

__________________

(١) الكافي ١: ٢٦٢ / ٧، اعلام الورى: ٣٥٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٤ / ١٧.

(٢) في الكافي: الحسن بن الحسن الافطس، والأفطس هو الحسن بن علي بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب على المشهور في كتب الانساب، لكن البخاري قال: وبعض الناس يقول: إنّ الأفطس هو الحسين بن الحسن بن علي لا الحسن بن علي والحسن الافطس أراد قتل الصادقعليه‌السلام ، وقد جزّاهعليه‌السلام بإِيصاء شيء له صلة للرحم، وله أولاد:

منهم الحسين المعروف بابن الافطس: ظهر بمكة أيام أبي السرايا وأخذ مال الكعبة (المجدي: ٢١٣، عمدة الطالب: ٣٣٧، مروج الذهب ٣: ٤٤٠ )

ومنهم الحسن المكفوف: غلب على مكة أيام ابي السرايا وأخرجه من مكة الى الكوفة ورقاء ابن يزيد، كذا ذكره في المجدي: ٢١٥، وعمدة الطالب: ٣٣٨، لكن خروج أبي السرايا في سنة ١٩٩ وقتله في سنة ٢٠٠، ويبعد في النظر ظهور كلا الأخوين في هذه المدة القصيرة في مكة، ويحتمل وقوع خلط هنا، فليحقق.

وكيف كان، يبعد بقاء هذين الأخوين الى ان يروي عن احدهما سعد بن عبدالله (المتوفى في حدود سنة ٣٠٠ ) ولا يبعد كون الصواب الحسين بن الحسن الافطس وقد وقع في نسبه اختصار، وهو أبو الفضل الحسين بن الحسن بن الحسين بن الحسن الافطس، وقد ذكر في ترجمة تاريخ قم: ٢٢٨: أن أبا الفضل الحسين جاء من الحجاز الى قم وتوفي بها وكان من الفقهاء الذين رووا عن الحسن بن عليعليه‌السلام .

فيناسب رواية سعد بن عبدالله القمي عنه وهو قد هنّأ الامام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام بولادة ابنه المهدي عجل الله تعالى فرجه كما في تاريخ قم: ٢٠٥، وغيبة الشيخ: ٢٣٠ وفيه: أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي، وص ٢٥١ وفي نسبه سقط. اكمال الدين باب ٤٣ وفيه: أبو الفضل الحسن بن الحسين العلوي، وهوتصحيف، وقد ذكره في المنتقلة: ٢٥٥ وأخوه علي الدينوري ذكره في عمدة الطالب: ٣٣٨ وقال: كان أبوجعفر محمد الجواد قد

٣١٧

أبي الحسنعليه‌السلام وقد بُسِطَ له في صَحْنِ دارِه، والناسُ جُلوسٌ حَوْلَه، فقالُوا: قَدٌرْنا أَنْ يَكُونَ حَوْلَه من آل أَبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مَواليه وسائرِ الناسِ، إِذْ نَظَرَ إِلى الحسن بن عليّعليهما‌السلام وقد جاءَ مشقوقَ الجَيْب حتى قامَ عن يمينه ونَحْنُ لا نَعْرِفُه، فَنَظَرَ إِليه أَبو الحسنعليه‌السلام بَعْدَ ساعةٍ من قيامِهِ، ثمَّ قالَ له: «يا بُنَيَّ، أَحْدِثْ للهِ شُكْراً، فقد أَحْدَثَ فيك أَمرْاً» فبَكَى الحسنُعليه‌السلام واسْتَرْجَعَ فقالَ: « الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وإيّاه أَسأَلُ تمامَ نِعَمه علينا، إنا لله وإنّا إليه راجعونَ ».

فسَألْنا عنه، فقيلَ لنا: هذا الحسنُ ابنُه، فقَدَّرْنا له في ذلك الوقتِ عشرين سنة ونَحْوها، فيَوْمئِذٍ عَرَفْناه وعَلِمْنا أَنّه قد أَشارَ إِليه بالإمامةِ وأَقامَه مقامَه(١) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى قالَ: دَخَلْتُ على أَبي الحسنعليه‌السلام بعد مُضِيِّ أَبي جعفر - ابْنِه - فعَزَّيْتُه عنه، وأَبو محمّد جالسٌ، فبَكى أَبو محمّد، فأَقْبَلَ عليه أَبو الحسنعليه‌السلام فقالَ: « إِنَ الله تعالى قد جَعلَ فيك خَلَفاً منه فاحْمدِ اللهَ عزَّ وجل»(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد، عن إِسحاق بن محمد، عن أَبي هاشم الجعفري قالَ: كُنْتُ عند أَبي الحسن

__________________

أمره ان يحلّ بالدينور، ففعل.

(١) الكافي ١: ٢٦٢ / ٨، اعلام الورى: ٣٥١، ونقله العلامة المجلسي في البحار٥٠: ٢٤٥ / ١٨.

(٢) الكافي ١: ٢٦٣ / ٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٦ / ٢٠.

٣١٨

عليه‌السلام بعدما مَضى ابْنُه أَبوجعفر، وانّي لاُفكّرُ في نفسي أُريدُ أَنْ أَقولَ: كأنّهما - أعني أَبا جعفر وأَبا محمد - في هذا الوقتِ كأَبي الحسن موسى وِاسماعيل ابنَيْ جعفرِ بن محمّدعليهما‌السلام وِانَّ قِصَّتَهما كقِصَّتِهما، فاَقْبَلَ عَلَيَّ أَبو الحسن قَبْلَ أَنْ أنْطِقَ فقالَ: «نعَمْ - يا أبا هاشم - بدا للهِ في أَبي محمّد بعد أَبي جعفر ما لم يَكنْ يُعْرَفُ له، كما بَدا له في موسى بعد مُضِيِّ إِسماعيل ما كُشِفَ به عن حالِه، وهوكما حَدَّثَتْكَ نَفْسُك وِانْ كَرِهَ المُبْطِلونَ؛ أَبومحمّد - ابني - الخَلَف من بعدي، عنده عِلْمُ ما يُحْتاجُ إِليه، ومعه آلةُ الإمامةِ»(١) .

وبهذا الإسنادِ عن إِسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى بن رئاب(٢) ، عن أَبي بكرٍ الفَهْفَكي قالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أبو الحسنعليه‌السلام : «أَبو محمّد ابني أَصحُّ آلِ محمد غريزةً، وأَوْثَقُهُمْ حجّةً، وهو الأكبرُ من ولدي وهو الخَلَفُ، وِاليه تنْتهي عُرَى الإمامةِ وأحكامُها، فما كنْتَ سائِلي عنه فاسْأَلْه عنه، فعِنْدَه ما تَحتْاجُ إِليه »(٣) .

وبهذا الإسناد عن إِسحاق بن محمد، عن شاهوية(٤) بن عبدالله

__________________

(١) الكافي ١: ٢٦٣ / ١٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤١ / ٧، وذكره باختلاف الشيخ الطوسي في غيبته: ٢٠٠ / ١٦٧.

(٢) هكذا في النسخ، وفي الكافي هنا وفي الحديث الاسبق محمد بن يحيى بن درياب وبه ذكره الشيخ في رجاله في باب أصحاب الامام الهاديعليه‌السلام : ٤٢٤ / ٣٠.

(٣) الكافي ١: ٢٦٣ / ١١، اعلام الورى: ٣٥١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٥ / ١٩.

(٤) قد وضعت نقطتان على الهاء في النسخ الثلاث بوضوح، لكن الموجود في الكافي والمعهود من امثال هذا التركيب كسيبويه ونفطويه وقولويه هو الهاء لا التاء.

٣١٩

قالَ: كَتَبَ إِلَيَ أَبو الحسنعليه‌السلام في كتاب: «أَرَدْتَ أنْ تَسْأَلَ عن الخَلَفِ بَعْدَ أَبي جعفر وقَلِقْتَ لذِلك، فلا تَقْلَقْ فإِنَّ اللهَ لا يُضِلُّ قوماً بَعْدَ إِذْ هَداهمْ حتّى يُبَيِّنَ لهم ما يَتَّقونَ، صاحِبك أَبي محمّد ابني، وعِنْدَه ما تَحتاجُونَ إِليه، يقدِّمُ اللهُ ما يشاء ويؤخرُ مايشاء و( مَانَنْسَخْ مِنْ ايَةٍ اوننْسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْمِثْلِهَا ) (١) »(٢) .

وفي هذا بيانٌ وِاقْناع لذي عَقْلٍ يَقْظان.

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ ابن محمد، عن رجل ذَكَرَه، عن محمد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري قالَ: سَمِعْتُ أَبا الحسنعليه‌السلام يَقُولُ: «الخَلَفُ من بعدي الحسنُ، فكيف لكم بالخَلَفِ من بَعْدِ الخَلَفِ!» فقُلْتُ: ولم؟ جَعَلَني الله فداك!؟ فقالَ: «إِنّكم لا تَرَوْنَ شَخْصَه، ولا يَحِلُّ لكم ذِكْرُه باسْمِه » فقلْتُ: فكيف نَذْكُرُه؟ فقالَ: «قولوا الحجَّةُ من الِ محمّدعليه‌السلام وعليهم »(٣) .

والأخْبارُ في هذا الباب كثيرةٌ يَطولُ بها الكتابُ.

* * *

__________________

(١) البقرة ٢: ١٠٦.

(٢) الكافي ١: ٢٦٣ / ١٢، غيبة الطوسي: ٢٠٠ / ١٦٨، ومختصراً فِى اعلام الورى: ٣٥١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٣.

(٣) الكافي ١: ٢٦٤ / ١٣، إكمال الدين: ٣٨١ / ٥ و ٦٤٨ / ٤، علل الشرائع: ٢٤٥ / ٥، اثبات الوصية: ٢٢٤، كفاية الأثر: ٢٨٨، غيبة الطوسي: ٢٠٢ / ١٦٩، اعلام الورى: ٣٥١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٠ / ٥. إلأ أنّه في العلل واثبات الوصية وكفاية الأثر وإكمال الدين: والخلف من بعدي «ابني» الحسن.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563