الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد13%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181978 / تحميل: 9881
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وسأل علي بن جعفر أخاه الكاظمعليه‌السلام : يلبس المـُحرم الثوب المشبع بالعُصفر؟ فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس »(١) .

ويكره الثياب السود ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفّن به الميّت»(٢) .

مسألة ١٧٩ : يكره المعصفر إذا كان مشبعاً ، ولا يكره إذا لم يكن مشبعاً عند علمائنا‌ - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( ولتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب من معصفر أو خزّ )(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبان بن تغلب عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الثوب يكون مصبوغاً بالعُصفر ثم يغسل ألبسه وأنا مُحرم؟ قال : « نعم ليس العُصفر من الطيب ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك به الناس »(٥) .

وقال أبو حنيفة : العُصفر طيب تجب به الفدية على المـُحرم ، كالورس والزعفران(٦) .

وهو ممنوع ، وقد نصّ الصادقعليه‌السلام على أنّه ليس بطيب(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١٣ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٨٣ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١٤.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٦٦ / ١٨٢٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٢ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٨٦ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٤ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤١.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣.

(٧) الكافي ٤ : ٣٤٢ / ١٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٩٠ ، التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٤ ، الاستبصار =

٢٤١

مسألة ١٨٠ : يجوز الإِحرام في الممتزج من الحرير وغيره ؛ لخروجه عن اسم الابريسم بالمزج.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن الخميصة(١) سُداها إبريسم ولُحمتها من غَزل ، قال : « لا بأس بأن يحرم فيها ، إنّما يكره الخالص منه(٢) »(٣) .

وكذا يجوز الإِحرام في ثوب قد أصابه طيب إذا غسل وذهبت رائحته - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ الرائحة المقصودة من الطيب قد زالت بالغسل أو طول المكث أو بتجديد صبغ آخر عليه فزال الترفّه.

ولأنّ الكاظمعليه‌السلام سُئل عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله واُحرم فيه؟ قال : « لا بأس به»(٥) .

وسأل إسماعيل بن الفضل الصادقَعليه‌السلام عن المـُحرم غسل الثوب قد أصابه الطيب ، فقال : « إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه »(٦) .

ولو أصاب ثوبه شي‌ء من خلوق الكعبة وزعفرانها ، لم يكن به بأس وإن لم يغسله ؛ لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقعليه‌السلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المـُحرم ، قال : « لا بأس به ولا يغسله فإنّه طهور »(٧) .

ويكره النوم على الفُرش المصبوغة ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « يكره‌

____________________

= ٢ : ١٦٥ / ٥٤١.

(١) الخميصة : كساءٌ أسودٌ مربّعٌ له علمان ، فإن لم يكن معلماً فليس بخميصة. الصحاح ٣ : ١٠٣٨ « خمص ».

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : « منها » وما أثبتناه من الكافي والتهذيب.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٥ ، وبتفاوت يسير في الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٢.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٩٩ - ١٠٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٨.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٣ / ١٩ ، التهذيب ٥ : ٦٨ - ٦٩ / ٢٢٣ بتفاوت يسير.

(٧) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٥.

٢٤٢

للمُحرم أن ينام على الفراش الأصفر والمِرفقة(١) الصفراء »(٢) .

ويكره الإِحرام في الثياب الوسخة قبل الغسل ؛ لاستحباب التنظيف ، وقد تقدّم.

وسئل أحدهماعليهما‌السلام عن الثوب الوسخ يُحرم فيه المـُحرم ، فقال : « لا ، ولا أقول : إنّه حرام ، لكن تطهيره أحبّ إليّ ، وطهره غسله »(٣) .

مسألة ١٨١ : ولا يلبس ثوباً يزرّه ولا مدرعة ولا خُفّين ولا سراويل ، كما يحرم عليه لُبس المخيط ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تلبس وأنت تريد الإِحرام ثوباً تزرّه ولا مدرعة ، ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخُفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان »(٤) .

ولا بأس بلُبس الطيلسان ، ولا يزرّه على نفسه ؛ لأنّه بمنزلة الرداء ، وإنّما لا يزرّه ؛ لأنّه حينئذٍ يتنزّل منزلة المخيط ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في المـُحرم يلبس الطيلسان المزرور ، قال : « نعم في كتاب عليعليه‌السلام : ولا تلبس طيلساناً حتى تحلّ أزراره » وقال : « إنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه ، فأمّا الفقيه فلا بأس بلُبسه »(٥) .

وأمّا السراويل فهي مخيطة يحرم لُبسها على المـُحرم إلّا أن لا يجد إزاراً ، فيجوز له لُبسها ، ولا فدية عليه - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لما رواه العامة‌

____________________

(١) المرفقة : أي المخدّة. مجمع البحرين ٥ : ١٧٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢١.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٦٩ - ٧٠ / ٢٢٧ بتفاوت يسير.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٥.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ و ٢٥٩ و ٢٦٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٢ - ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١.

٢٤٣

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( إذا لم يجد المـُحرم نعلين لبس خُفّين ، وإذا لم يجد إزاراً لبس سراويل )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار »(٢) .

وقال أبو حنيفة ومالك : إذا لبس السراويل ، وجب عليه الفدية ؛ لأنّ ما وجب بلبسه الفدية مع وجود الإِزار وجب للُبسه الفدية مع عدمه كالقميص(٣) .

والفرق : أنّ القميص يمكنه أن يستر به عورته ولا يلبسه وإنّما يأتزر به ، وهذا يجب عليه لُبسه ليستر عورته ، ولا يمكنه ستر عورته إلّا بلبسه على صفته.

مسألة ١٨٢ : ويحرم عليه لُبس القباء بالإِجماع ؛ لأنّه مخيط ، فإن لم يجد ثوباً ، جاز له أن يلبس القباء مقلوباً ، ولا يُدخل يديه في يدي القباء ، ولا فدية عليه حينئذٍ - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّه لو توشّح بالقميص لم تجب الفدية فكذا القباء.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا اضطرّ المـُحرم إلى القباء ولم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً ، ولا يُدخل يديه في يدي القباء »(٥) .

وقال الشافعي ومالك وأحمد : يجب الفداء ؛ لأنّه مُحرم لبس مخيطا على العادة في لبسه ، فوجبت عليه الفدية(٦) .

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٥٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٢٨ / ٥٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٩ - ٧٠ / ٢٢٧.

(٣) المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥.

(٤) المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٢٨.

(٦) الوجيز ١ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥ ، =

٢٤٤

ونمنع لُبسه على العادة.

ولو أدخل كتفيه في القباء ولم يُدخل يديه في كُمّيه ولم يلبسه مقلوباً ، كان عليه الفداء - وبه قال الشافعي(١) - لعموم ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قولهعليه‌السلام : ( لا يلبس المـُحرم القميص ولا الأقبية )(٢) خرج منه ما لو لبسه مقلوباً ؛ للضرورة ، وعملاً بما تقدّم ، فيبقى الباقي على المنع.

وقال أبو حنيفة : لا شي‌ء عليه(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : متى توشّح به كالرداء لا شي‌ء عليه بلا خلاف(٤) .

قال ابن إدريس : ليس المراد من القلب جعل ظاهره إلى باطنه وبالعكس ، بل المراد منه النكس بأن يجعل ذيله فوق أكتافه(٥) .

وهو حسن ؛ لما روي عن الصادقعليه‌السلام : « من اضطرّ إلى ثوب وهو مُحْرم وليس معه إلّا قباء فلينكّسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه »(٦) .

مسألة ١٨٣ : يجوز للمُحْرم أن يلبس النعلين ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ للضرورة الداعية إليه.

ولو لم يجد النعلين ، لبس الخُفّين ، ويقطعهما إلى ظاهر القدم ، كالشمشكين ، ولا يجوز له لُبْسهما قبل القطع - وبه قال الشافعي ومالك وأبو‌

____________________

= المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(١) كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩.

(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٨ ذيل المسألة ٧٩ ، وانظر : سنن الدار قطني ٢ : ٢٣٢ / ٦٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ٥٠.

(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩.

(٥) السرائر : ١٢٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٧ / ٥.

٢٤٥

حنيفة(١) - لما رواه العامّة عن النبيعليه‌السلام : ( فإن لم يجد نعلين فليلبس خُفّين ، وليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام في المـُحْرم يلبس الخُفّ إذا لم يكن له نعل ، قال : « نعم ولكن يشقّ ظهر القدم »(٣) .

وقال بعض أصحابنا : يلبسهما صحيحين(٤) - وبه قال أحمد وعطاء بن أبي رباح - لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( السراويل لمن لا يجد إزاراً ، والخُفّ لمن لا يجد نعلين )(٥) (٦) .

ولأنّ فاقد الإِزار يلبس السراويل من غير فتق فكذا الخُفّ.

ولا منافاة في الحديث لقولنا ، واللُّبْس مع الفتق غير ممكن في السراويل.

ويجوز أيضاً أن يلبس الجُرْمُوقين إذا لم يجد النعلين ؛ لقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله رفاعة عن المـُحْرم يلبس الجوربين ، قال : « نعم والخفّين إذا اضطرّ إليهما »(٧) .

ولو وجد النعلين ، لم يجز له لُبس الخُفّين المقطوعين ولا الجُرْمُوقين ولا الشمشكين ؛ لأنّهعليه‌السلام شرط في لُبْسهما عدم وجدان النعلين.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٩٧ ، المجموع ٧ : ٢٦١ و ٢٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، المغني ٣ : ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٦٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٨ / ٢٩٣٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٢٩ / ٥٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٦ ذيل الحديث ٨٣٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٧.

(٤) قال به ابن إدريس في السرائر : ١٢٧.

(٥) سنن النسائي ٥ : ١٣٢ - ١٣٣ وفيه : ( الخُفّين ).

(٦) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٦.

(٧) الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٦.

٢٤٦

وقال بعض الشافعية : يجوز(١) . وهو غلط.

وكذا لا يجوز له لُبْس القباء مقلوباً مع وجود الإِزار.

ولو لم يجد رداءً ، لم يجز له لُبْس القميص.

ولو عدم الإِزار ، جاز له التوشّح بالقميص وبالقباء المقلوب ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكّسه »(٢) .

مسألة ١٨٤ : يجوز أن يلبس المـُحْرم أكثر من ثوبين يتّقي بذلك الحَرّ أو البرد ، وأن يُغيّرهما ، لأنّ الحلبي سأل الصادقعليه‌السلام عن الثوبين يرتدي بهما ، قال : « نعم والثلاثة يتّقي بها الحَرَّ والبرد» وسأله عن المـُحْرم يُحوّل ثيابه ، قال : « نعم » وسأله : يغسلها إن أصابها شي‌ء ، قال : « نعم إذا احتلم فيها فليغسلها »(٣) .

ويكره للمُحْرم أن يغسل ثوبي إحرامه إلّا إذا أصابهما نجاسة ؛ لقول أحدهماعليهما‌السلام : « لا يغسل الرجل ثوبه الذي يُحْرم فيه حتى يحلّ وإن توسّخ ، إلّا أن تصيبه جنابة أو شي‌ء فيغسله »(٤) .

إذا ثبت هذا ، فقد بيّنّا أنّه يجوز له تبديل ثيابه ، لكن يستحب له أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما ؛ لأنّهما وقعت ابتداء العبادة فيهما فيستحب استدامتها فيهما.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بأن يُغيّر المـُحْرم ثيابه ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما ، وكره أن يبيعهما »(٥) .

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، المغني ٣ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٢٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٣٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٨٠ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ / ١٠٠٠ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٣.

٢٤٧

مسألة ١٨٥ : يجوز الإِحرام في الثياب المعلمة ، واجتنابه أفضل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يُحْرم الرجل في الثوب المعلم ، ويدعه أحبّ إليَّ إذا قدر على غيره »(١) .

ويكره بيع الثوب الذي أحرم فيه ؛ لقول معاوية بن عمّار - في الصحيح - : كان الصادقعليه‌السلام يكره للمُحْرم أن يبيع ثوباً أحرم فيه(٢) .

ولو أحرم وعليه قميص ، نزعه ولا يشقّه ، وهو قول أكثر العلماء(٣) ؛ لما روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أتاه رجل فقال : يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جُبّة بعد ما تضمّخ بطيب؟ فنظر إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ساعة ثم سكت فجاءه الوحي ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أمّا الطيب الذي بك فاغسله ، وأمّا الجبّة فانزعها ثم أصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام في رجل أحرم وعليه قميصه ، فقال : « ينزعه(٥) ولا يشقّه ، وإن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه وأخرجه ممّا يلي رجليه »(٦) .

قال الشيخرحمه‌الله : إذا لبسه بعد ما أحرم ، وجب عليه أن يشقّه ، ويُخْرجه من قدميه ؛ للرواية السابقة وغيرها(٧) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٨٦ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٦ ، وفيه مضمراً.

(٣) المغني ٣ : ٢٦٧ ، معالم السنن - للخطّابي - ٢ : ٣٤٣.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٧ / ٨.

(٥) في النسخ الخطّية والحجرية : « يدعه » وما أثبتناه هو الموافق للمصدر.

(٦) التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٨.

(٧) التهذيب ٥ : ٧٢ ذيل الحديث ٢٣٦.

٢٤٨

النظر الثالث : في التلبيات‌

مسألة ١٨٦ : التلبيات الأربع واجبة وشرط في إحرام المتمتّع والمـُفْرِد ، فلا ينعقد إحرامهما إلّا بها ، والأخرس يُشير بها ويعقد قلبه بها ، وأمّا القارن : فإنّه ينعقد إحرامه بها أو الإِشعار أو التقليد لما يسوقه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(١) ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) (٢) .

قال ابن عباس : الإِهلال(٣) .

وعن عطاء وطاوس وعكرمة : هو التلبية(٤) .

وما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أتاني جبرئيل فأمرني أن آمر أصحابي أو مَنْ معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإِهلال )(٥) وظاهر الأمر الوجوب.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقُمْ وامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشياً كُنْتَ أو راكباً فلَبِّ »(٦) الحديث.

وقال أصحاب مالك : إنّها واجبة يجب بتركها الدم(٧) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٦١ ، تحفة الفقهاء ١ : ٤٠٠ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٠٢ ، المجموع ٧ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٧.

(٢) البقرة : ١٩٧.

(٣ و ٤ ) المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ - ٢٦٥.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ١٩١ - ١٩٢ / ٨٢٩ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٠٦ / ٧٩٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٩١ / ٣٠٠.

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٠٧ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤.

٢٤٩

وقال الشافعي : إنّها مستحبّة ليست واجبةً ، وينعقد الإِحرام بالنيّة ، ولا حاجة الى التلبية - وبه قال أحمد والحسن بن صالح بن حي - لأنّ التلبية ذكر ، فلا يجب في الحجّ ، كسائر الأذكار(١) .

وليس بجيّد ، لما يأتي من بيان الوجوب.

مسألة ١٨٧ : والتلبيات الأربع هي الواجبة ؛ للإِجماع على عدم وجوب الزائد عليها ؛ لما رواه الشافعي عن الصادقعليه‌السلام عن الباقرعليه‌السلام عن جابر ، قال : تلبية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لبّيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( خُذُوا عنّي مناسككم )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « فإذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقُمْ وامش هنيئة فاذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ ، والتلبية أن تقول : لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك لبّيك ذا المعارج لبّيك لبّيك داعياً الى دار السلام ، لبّيك لبّيك غفّار الذنوب ، لبّيك لبّيك أهل التلبية ، لبّيك لبّيك ذا الجلال والإِكرام ، لبّيك لبّيك تبدئ والمعاد إليك ، لبّيك لبّيك تستغني ويفتقر إليك ، لبّيك لبّيك مرهوبا ومرغوبا إليك ، لبّيك لبّيك إله الخلق ، لبّيك لبّيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل ، لبّيك لبّيك كشّاف الكروب ، لبّيك لبّيك عبدك وابن عبديك ، لبّيك لبّيك يا كريم لبّيك ».

____________________

(١) المجموع ٧ : ٢٢٥ و ٢٤٥ و ٢٤٦ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤.

(٢) الاُم ٢ : ١٥٥ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٠٤ / ٧٩٠.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

٢٥٠

« تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك ، وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت واجهر بها ، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير أنّ تمامها أفضل ».

« واعلم أنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربع التي كُنّ في أول الكلام هي الفريضة ، وهي التوحيد، وبها لبّى المرسلون ، وأكثر من ذي المعارج فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكثر منها ، وأوّل مَنْ لبّى إبراهيمعليه‌السلام ، قال : إن الله يدعوكم الى أن تحجّوا بيته ، فأجابوه بالتلبية ، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلّا أجاب بالتلبية »(١) .

ولأنّها عبادة لها تحليل وتحريم ، فكان فيها نطق واجب ، كالصلاة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الزائد على الأربع مستحب - وبه قال أصحاب أبي حنيفة(٢) - لما تقدّم.

وقال الشافعي : إنّه غير مستحب. وبه قال أحمد(٣) - وقال بعضهم : إنّ الزائد مكروه(٤) - لما رواه الشافعي عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام عن جابر - وقد تقدّم(٥) - وما داوم عليه النبيعليه‌السلام أولى.

ونحن نقول : إنّما فَعَلهعليه‌السلام بياناً للواجب ، فلهذا لم يزد.

ويستحب الإِكثار من ذكر « ذي المعارج ».

مسألة ١٨٨ : يستحب رفع الصوت بالتلبية - وهو قول العلماء‌ - لأنّ « جبرئيل قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مُرْ أصحابك بالعجّ والثجّ ، والعجّ :

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٩١ - ٩٢ / ٣٠٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٦٣.

(٣) الأم ٢ : ٢٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٣ ، المغني ٣ : ٢٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤.

(٤) انظر : المجموع ٧ : ٢٤٥.

(٥) تقدّم في صفحة ٢٤٩.

٢٥١

رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ : نحر البُدْن »(١) والأمر هنا ليس للوجوب ؛ لأصالة براءة الذمّة.

ويستحب الجهر بها كلّما ركب أو هبط وادياً أو علا أكمةً(٢) ، وبالأسحار ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « واجهر بها كلّما ركبت وكلّما نزلت وكلّما هبطت وادياً أو علوت أكمةً أو لقيت راكباً ، وبالأسحار »(٣) .

وقال الباقر والصادقعليهما‌السلام : « قال جابر بن عبد الله : ما مشى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الروحاء(٤) حتى بُحّت أصواتنا »(٥) .

ولأنّه من شعائر العبادة ، فأشبه الأذان ، ولاشتمال الإِجهار على تنبيه الغافلين.

وليس على النساء إجهار بالتلبية ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على النساء جهر بالتلبية»(٦) .

والأخرس يُشير إلى التلبية بإصبعه وتحريك لسانه وعقد قلبه بها ؛ لقول عليعليه‌السلام : « تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه »(٧) .

ولا يجوز التلبية إلّا بالعربية مع القدرة - خلافاً لأبي حنيفة(٨) - لأنّه المأمور به ، ولأنّه ذكر مشروع ، فلا يجوز بغير العربية ، كالأذان.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٦٠ ، التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٢.

(٢) الأكمة : تلّ صغير. مجمع البحرين ٦ : ٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١.

(٤) الروحاء : موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلاً من المدينة. القاموس المحيط ١ : ٢٢٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٢.

(٦) الكافي ٤ : ٣٣٦ - ٣٣٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٤.

(٧) الكافي ٤ : ٣٣٥ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٥.

(٨) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١.

٢٥٢

احتجّ : بالقياس على التكبير(١) .

ونمنع الأصل.

مسألة ١٨٩ : لا يشترط في التلبية الطهارة من الحدثين إجماعاً ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام قال لعائشة حين حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن تلبّي وأنت على غير طهور وعلى كلّ حال »(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « لا بأس أن يلبّي الجنب »(٤) .

مسألة ١٩٠ : يستحب أن يذكر في تلبيته ما يُحْرم به من حجّ أو عمرة‌ - وبه قال أحمد(٥) - لما رواه العامة في حديث أنس ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً )(٦) .

وقال ابن عباس : قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه وهُمْ يُلبّون بالحجّ(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في التلبية : « لبّيك‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٩٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٩٠ / ١٠٠٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٦٢ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١١ / ٩٦٣.

(٥) المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٠٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، و ٩١٥ / ٢١٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٧ / ١٧٩٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٧) سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٦٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

٢٥٣

بحجّة تمامها عليك »(١) .

وقال الشافعي : لا يستحب(٢) ؛ لما رواه جابر قال : ما سمّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلبيته حجّاً ولا عمرةً(٣) .

وسمع ابن عمر رجلاً يقول : لبّيك بعمرة ، فضرب صدره وقال : تعلمه ما في نفسك(٤) .

وحديَث جابر معارض بما رواه العامّة عنه قال : كنّا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نقول : لبّيك بالحجّ(٥) . وبغيره من الروايات.

وقول ابن عمر ليس حجّةً ، خصوصاً مع معارضته لأحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إذا عرفت هذا ، فيستحب أن يذكر في تلبيته الحجّ والعمرة معاً ، فإن لم يمكنه ؛ للتقية أو غيرها ، اقتصر على ذكر الحجّ ، فإذا دخل مكة ، طاف وسعى وقصّر ، وجعلها عمرةً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام عن رجل لبّى بالحجّ مُفرداً ثم دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : « فليحلّ ، وليجعلها متعةً ، إلّا أن يكون ساق الهدي ، فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه »(٦) .

مسألة ١٩١ : يستحب تكرار التلبية والإِكثار منها على كلّ حال عند الإِشراف والهبوط وأدبار الصلوات وتجدّد الأحوال واصطدام الرفاق والأسحار‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ٢٢٧ ، المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٣ و ٤) سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٦ / ١٢١٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ - ٢٦٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦ وفيها : قدمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

(٦) التهذيب ٥ : ٨٩ / ٢٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٧٤ / ٥٧٥.

٢٥٤

بإجماع العلماء ، إلّا مالكاً ، فإنّه قال : لا يلبّي عند اصطدام الرفاق(١) .

والحقّ ما قلناه ؛ لما روى العامة عن جابر : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يلبّي في حجّه إذا لقي راكباً أو علا أكَمَةً أو هبط وادياً وفي أدبار الصلوات المكتوبة ومن آخر الليل(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام وقد ذكر التلبيات : « تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة وحين ينهض بك بعيرك وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك وبالأسحار »(٣) .

مسألة ١٩٢ : يقطع المتمتّع التلبية إذا شاهد بيوت مكة ؛ لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المتمتّع إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية »(٤) .

وأمّا المـُفْرد والقارن فإنّهما يقطعان التلبية يوم عرفة عند الزوال ؛ لرواية معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا دخلت مكة(٥) وأنت متمتّع فنظرت الى بيوت مكة [ فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكة ](٦) التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيين فاقطع التلبية ، وعليك بالتكبير والتهليل والثناء على الله ما استطعت ، وإن كنت قارناً(٧) بالحجّ فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة الى زوال الشمس ، وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم »(٨) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٧.

(٢) أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢١٣ ، والرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٦٠ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٦١ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٥ - ٣٣٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩١ / ٣٠٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣٠٧ ، الاستبصار ٢ : ١٧٦ / ٥٨١.

(٥) في النسخ الخطية والحجرية : بيوت مكة وما أثبتناه موافق للمصدر.

(٦) أضفناها من المصدر.

(٧) في النسخ الخطية والحجرية : مقرناً. وما أثبتناه هو الموافق للمصدر.

(٨) التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣٠٩.

٢٥٥

قال الشيخرحمه‌الله : المعتمر عمرة مفردة إن كان أحرم من خارج مكة ، قَطَع التلبية إذا دخل الحرم ، وإن كان ممّن خرج من مكة للإِحرام ، قَطَعها إذا شاهد الكعبة(١) .

وقيل بالتخيير بينها من غير تفصيل(٢) .

قال الصادقعليه‌السلام : « مَنْ دَخَل مكة مفرداً للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإِبل أخفافها في الحرم »(٣) .

وسأل يونس بن يعقوب الصادقعليه‌السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال : « إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية »(٤) .

وروى عمر بن يزيد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ومن خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة »(٥) .

مسألة ١٩٣ : يستحب لمن حجّ على طريق المدينة أن يرفع صوته بالتلبية‌ إذا علت راحلته البيداء إن كان راكباً ، وإن كان ماشياً فحيث يُحْرم ، وإن كان على غير طريق المدينة ، لبّى من موضعه إن شاء ، وإن مشى خطوات ثم لبّى ، كان أفضل ، وبه قال مالك(٦) .

وللشافعي قولان :

قال في القديم : يستحب(٧) أن يُهلّ خلف الصلاة نافلةً كانت أو فريضةً. وبه قال أبو حنيفة وأحمد.

____________________

(١) النهاية : ٢١٦ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

(٢) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٤٨ ، وراجع : الفقيه ٢ : ٢٧٧ ذيل الحديث ١٣٥٦.

(٣) الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٦ ، التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٣ ، وليس فيه « مكة ».

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٧ / ١٣٥٤ ، التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٤ ، الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٧.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٦ - ٢٧٧ / ١٣٥٠ ، التهذيب ٥ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٥ ، الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٨.

(٦) انظر : المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦١ ، والمجموع ٧ : ٢٢٣.

(٧) في « ن » : المستحب.

٢٥٦

والجديد : أن يلبّي إذا انبعثت به راحلته إن كان راكباً ، وإذا أخذ في السير إن كان راجلاً(١) .

لنا : ما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : اغتسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم لبس ثيابه ، فلمـّا أتى ذا الحليفة صلّى ركعتين ثم قعد على بعيره ، فلمـّا استوى به على البيداء أحرم بالحجّ(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يلبّي حتى يأتي(٣) البيداء »(٤) .

وأما التفصيل : فيدلّ عليه قول الصادقعليه‌السلام : « إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فالمراد استحباب الإِجهار بالتلبية عند البيداء ، وبينها وبين ذي الحليفة ميل ، ولا يجوز مجاوزة الميقات بغير إحرام ، وإنّما ينعقد الإِحرام بالتلبية ، فيجب إيقاعها في ذي الحليفة ، ويستحب الإِجهار بها بالبيداء.

مسألة ١٩٤ : لا يلبّي في مسجد عرفة - وبه قال مالك(٦) - لما بيّنّاه من أنّ التلبية تُقطع يوم عرفة قبل الزوال.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨١ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٧ ، المغني ٣ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٥.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٢١٩ - ٢٢٠ / ٢١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : لم يكن يكبّر حتى أتى. وما أثبتناه هو الموافق للمصدر.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٤ / ٢٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٧٠ / ٥٦١.

(٥) التهذيب ٥ : ٨٥ / ٢٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٧٠ - ١٧١ / ٥٦٣.

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٢ ، المسألة ٧٠ ، وانظر : المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٤.

٢٥٧

وقال الشافعي : إنّه مستحب(١) .

وليس بمعتمد.

وكذا لا يلبّي في حال الطواف - وبه قال الشافعي وسالم بن عبد الله وابن عيينة(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عمر قال : لا يلبّي الطائف(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلّوا ، وإذا لبّوا أحرموا ، فلا يزال يحلّ ويعقد حتى يخرج إلى منى بلا حجّ ولا عمرة »(٤) .

ولأنّا بيّنّا أنّ المتمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة.

مسألة ١٩٥ : قد بيّنّا أنّ الإِحرام إنّما ينعقد بالتلبيات الأربع في حقّ المتمتّع والمـُفْرد ، وأمّا القارن فإنّه يتخيّر بين أن يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع أو بالإِشعار أو التقليد أيّها فَعَل انعقد إحرامه به ، وكان الباقي مستحباً.

والإِشعار : أن يشقّ سنام البعير من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بالدم ليعلم أنّه صدقة ، وهو مختص بالإِبل.

والتقليد : أن يجعل في رقبة الهدي نعلا قد صلّى فيه ، أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو سيراً وما أشبههما ليعلم أنّه صدقة ، وهو مشترك بين الأنعام الثلاثة.

وهذا هو المشهور ، ذهب اليه الشيخ(٥) رحمه‌الله وأتباعه(٦) .

____________________

(١) الوجيز ١ : ١١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٠ - ٢٦١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٣ ، المجموع ٧ : ٢٤٥ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٢ ، المسألة ٧٠.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٣ ، المجموع ٧ : ٢٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨١ ، المغني ٣ : ٢٦٤. الشرح الكبير ٣ : ٢٦٨.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٦٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١ - ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٥٦ / ٥١١.

(٥) النهاية : ٢١٤.

(٦) منهم : القاضي ابن البراج في المهذّب ١ : ٢١٤ - ٢١٥.

٢٥٨

وقال السيد المرتضى وابن إدريس من علمائنا : لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلّا بالتلبية(١) .

والوجه : ما قاله الشيخ ؛ لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال: « يوجب الإِحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإِشعار والتقليد ، فإذا فَعَل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فينبغي أن تُشعر البُدْن وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن ، وتُنحر - وهي قائمة - من قِبَل الأيمن ؛ لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادقعليه‌السلام عن البدن كيف تشعر؟ فقال : «تُشعر وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن ، وتُنحر - وهي قائمة - من قِبَل الأيمن »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو كانت البُدْن كثيرةً وأراد إشعارها ، دخل بين كلّ بدنتين ، وأشعر إحداهما من الجانب الأيمن والاُخرى من الأيسر ، للرواية عن الصادقعليه‌السلام (٤) ، وللتخفيف.

مسألة ١٩٦ : إذا عقد نيّة الإِحرام ولبس ثوبيه ثم لم يلبّ ولم يشعر ولم يقلّد ، جاز له أن يفعل ما يحرم على المـُحْرم فعله ، ولا كفّارة عليه ، فإن لبّى أو أشعر أو قلّد إن كان قارناً ، حرم عليه ذلك ، ووجبت عليه الكفّارة بفعله ؛ لأنّ الإِحرام إنّما ينعقد بأحد الثلاثة ، فإذا لم يفعلها لم يكن محرماً ، لأنّ حفص بن البختري سأل الصادقعليه‌السلام عمّن عقد الإِحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي ، قال : « ليس عليه شي‌ء »(٥) .

مسألة ١٩٧ : يستحب لمن أراد الإِحرام أن يشترط على ربّه‌ عند عقد‌

____________________

(١) الانتصار : ١٠٢ ، السرائر ١٢٤ - ١٢٥‌

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣ - ٤٤ / ١٢٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣ / ١٢٨‌

(٥) الفقيه ٢ : ٢٠٨ / ٩٤٦.

٢٥٩

الإحرام : إن لم تكن حجّةً فعمرة ، وأن يُحلّه حيث حبسه ، سواء كان حجّه تمتّعاً أو قراناً أو إفراداً ، وكذا في إحرام العمرة - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر بن الخطّاب وابن مسعود وعمّار وعلقمة وشريح وسعيد بن المسيّب وعكرمة والشافعي وأبو حنيفة وأحمد(١) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ ضُباعة أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : يا رسول الله إنّي اُريد الحجّ فكيف أقول؟ قال : ( قُولي : لبّيك اللّهم لبّيك ومحلّي من الأرض حيث تحبسني ، فإنّ لك على ربّك ما استثنيت )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت الإِحرام والتمتّع فقُلْ : اللّهم إنّي اُريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة الى الحجّ ، فيسِّر لي ذلك وتقبّله منّي وأعنّي عليه وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب ، وإن شئت قلت حين ينهض بك بعيرك ، وإن شئت فأخّره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة »(٣) .

وعن الفضيل بن يسار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يُحلّه حيث حبسه ، ومُفرد الحج يشترط على ربّه إن لم تكن حجّةً فعمرة »(٤) .

وأنكره [ ابن ](٥) عمر وطاوس وسعيد بن جبير والزهري ومالك ؛ لأنّ ابن‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٤٨ - ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٣ ، المحلّى ٧ : ١١٤.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٢٧٨ / ٩٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥١ - ١٥٢ / ١٧٧٦ ، سنن النسائي ٥ : ١٦٨ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٤٩ - ٢٥٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٣٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٩ / ٢٦٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٥ / ١٥ ، التهذيب ٥ : ٨١ - ٨٢ / ٢٧١.

(٥) اضفناها من المصادر ولاقتضاء السياق ، ولكن قال البيهقي في سننه الكبرى ٥ : ٢٢٣ : وعندي أنّ أبا عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب لو بلغه حديث ضباعة بنت الزبير لصار إليه ولم ينكر الاشتراط كما لم ينكره أبوه.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

باب ذِكْرِ طَرَفٍ من دلائلِ أبي الحسن عليِّ بن محمد عليهما السلامُ

وأخبارِه وبراهينهِ وبيّناتِه

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن الوشّاء، عن خَيران الأسباطي، قالَ: قَدِمْتُ على أَبي الحسن عليَ بن محمّدعليهما‌السلام المدينةَ فقالَ لي: «ما خَبَرُ الواثق عندك؟» قُلْتُ: جُعِلْتُ فداك خَلفْتُه في عافيةٍ، أَنا مِنْ أقْرَب الناس عهداً به، عَهْدي به مُنْذُ عشرةِ أَيّام. قالَ: فقالَ لي: «إنَ أَهلَ المدَينة يَقولونَ: إِنه ماتَ » فقُلْتُ: أَنا أقْرَبُ الناسِ به عَهْداً. قالَ: فقالَ لي: «إِنَ الناسَ يَقولون:إِنّه ماتَ» فلمّا قالَ لي: إِنَّ الناسَ يَقُولونَ، عَلِمْتُ أَنَّه يَعْني نَفْسَه.

ثم قالَ لي: «ما فَعَلَ جعفر؟» قُلْتُ تَرَكْتُه أسْوأ الناسِ حالاً في السجنِ، قالَ: فقالَ: (أَما إِنه صاحبُ الأمْرِ، ما فَعَلَ ابنُ الزيّات؟» قُلْتُ: الناسُ معه والأمْرُ أَمْرُه، فقالَ: «أَما إِنَّه شُؤْمٌ عليه ».

قالَ: ثمَّ سَكَتَ وقالَ لي: «لا بُدّ أَنْ تَجْرِيَ مقاديرُ اللهِ وأَحكامُه، يا خَيرانُ ماتَ الواثقُ، وقد قَعَدَ المتوكلُ جعفرُ، وقد قُتِلَ ابنُ الزيّات» قُلْتُ: متى جُعِلْتُ فداك؟ قالَ: «بَعْدَ خُروجِكَ بستّةِ أَيّامٍ »(١) .

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٦ / ١، اعلام الورى: ٣٤١، ونقله باختلاف يسير ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٤١٠، والراوندي في الخرائج والجرائح ١: ٤٠٧ / ١٣، وابن الصباغ في الفصول المهمة:

٣٠١

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن (عليّ بن محمد، عن إِبراهيم بن محمد الطاهري )(١) قالَ: مَرِضَ المتوكّلُ من خراج(٢) خَرَجَ به فأَشْرَفَ منه على الموت، فلم يَجْسُرْ أَحدٌ أَن يَمَسَّه بحديدةٍ، فنَذَرَتْ أُمّه إِن عُوفيَ أَنْ تَحمِلَ إِلى أَبي الحسن عليّ بنِ محمّد مالاً جليلاً من مالها.

وقالَ له الفتحُ بن خاقان: لَوْ بَعَثْتَ إِلى هذا الرجلِ - يَعْني أَبا الحسن - فسأَلته فإنَّه ربّما كانَ عِنْدَه صفةُ شيءٍ يُفرج اللهُ به عنك. فقالَ: ابْعَثُوا إليه. فمَضىَ الرسولُ ورَجَعَ فقالَ: خُذُوا كُسْبَ(٣) الغَنَم فديفُوه بماء وَرْدٍ، وضُعوه على الخُراجِ، فإنَّه نافعٌ بإذن الله. فجَعَلَ مَنْ بحَضْرة المتوكّل يَهزَأ من قوله، فقالَ لهم الفتحُ: وما يضُر من تَجْرِبة ما قال، فواللهِ إنّي لأرْجُو الصلاحَ به، فاُحْضِرَ الكُسْبُ وديفَ بماءِ الوَرْدِ ووُضِعَ على الخراجِ، فانْفَتَحَ وخرَجَ ما كان فيه.

__________________

٢٧٩ ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٥٨ / ٤٨.

(١) كذا نقل العلامة المجلسي في البحار عن نسخة الارشاد، وهو الموجود في الكافي الذي هو مصدر الحديث، والنسخ هنا مشوشة، فقد ورد في «ش» و «م»: علي بن ابراهيم بن محمد، وفي «ح »: علي بن ابراهيم عن ابراهيم بن محمد، والظاهر صحة ما أثبتناه فقد يأتي في متن الحديث: قال ابراهيم بن محمد.

ثم ان عمدة الاختلاف في النسخ في لقب ابراهيم بن محمد، ففي «ش»: الطاهي وكتب في ذيله: هكذا، وفي هامش «ش»: الطائفي ع صح، وأيضاً في هامش «ش» نسخة اخرى: الطاهري وجعل فوقه علامة التصحيح وكتب تحته: لا غير، وفي «م»: الطائفي وفوقه علامة التصحيح وجعل (الطاهري ) في هامشه نسخة، وفي «ح » غير واضحة مردّدة بين الطاهي والطائفي.

(٢) الخُراج: ما يخرج في البدن من القروح. «الصحاح - خرج - ١: ٣٠٩».

(٣) في هامش «ش» و «م»: يعني الكُسْبَ الذي يُعلِفه الغنم.

٣٠٢

فبُشرِّتْ أُمّ المتوكّل بعافيتهِ فحَمَلَتْ إِلى أَبي الحسنعليه‌السلام عشرةَ آلاف دينار تحتَ خَتْمها، واسْتَقَلَّ المتوكّلُ من عِلّتهِ.

فلمّا كانَ بعدَ أَيام سَعى البَطْحاني بابي الحسنعليه‌السلام إِلى المتوكلِ وقالَ: عندَه سِلاحٌ وأمْوالٌ، فتَقَدَّمَ المتوكّلُ إِلى سعيد الحاجب أَنْ يَهْجُمَ ليلاً عليه، وياْخُذَ ما يَجِدُ عِنْدَه من الأمْوالِ والسِلاحِ ويحْمِلَه إِليه.

قالَ إِبراهيمُ بن محمّد: فقالَ لي سعيدُ الحاجب: صِرْتُ إِلى دارِ أَبي الحسنعليه‌السلام بالليل، ومَعي سُلَّمٌ فصَعِدْتُ منه إِلى السَطْحِ، ونَزَلْتُ من الدَرَجةِ إلى بَعْضِها في الظلمة، فلم أَدْرِ كَيْفَ أَصِلُ إلى الدارِ، فناداني أَبو الحسنعليه‌السلام من الدارِ: «يا سعيدُ، مكانَك حتى يَاْتُوكَ بشَمْعةٍ» فلَمْ أَلْبثْ أَنْ أَتَوْني بشَمْعَةٍ، فَنزَلْتُ فوَجَدْتُ عليه جُبَّة صُوفٍ وقَلَنسُوَة منها وسَجّادَتُه على حصير بين يديه وهو مُقْبِلٌ على القِبْلَة. فقالَ لي: «دونَك البيوتَ» فدَخَلْتُها وفَتّشْتًها فلم أَجِدْ فيها شيئاً، ووَجَدْتُ البَدْرَة مختومةً بخاتَم أُمِّ المتوكل وكِيْساً مَخْتوماً معها، فقالَ لي أَبو الحسنعليه‌السلام : «دونكَ المصلّى» فرَفَعْتُه فوَجَدْتُ سَيْفاً في جَفْنٍ مَلْبوسٍ.

فاَخَذْتُ ذلك وصِرْتُ إليه، فلمّا نَظَرَ إِلى خاتَمِ أُمِّهِ على البَدْرَة بَعَثَ إِليها فَخرَجَتْ إِليه، فسَألَها عن البَدْرَة. فاَخْبَرَني بعضُ خَدَم الخاصّة أَنّها قالَتْ: كُنْتُ نَذَرْتُ في عِلَّتِك إنْ عُوفيتَ أَن أحملَ إِليه من مالي عشرةَ آلاف دينار، فحَمَلْتُها إليه، وهذا خاتَمُك(١) على الكِيس ما حَركَه، وفَتَحَ الكيسَ

__________________

(١) هكذا في النسخ الخطية ونقل العلامة المجلسي عنه، والظاهر ان الصحيح: خاتمي، كما في الكافي واعلام الورى.

٣٠٣

الآخَرَ فإِذا فيه أَربعُمائة دينارٍ، فأمَرَ أَنْ يُضَم إِلى البَدْرَة بَدْرةٌ أُخْرى، وقالَ لي: اِحْملْ ذلك إِلى أَبي الحسن، واردُدْ عليه السيفَ والكيسَ بما فيه.

فحَمَلْتُ ذلك إليه واسْتَحْيَيْتُ منه، فقُلْتُ له: يا سيدي، عزَّ عليّ بدخولِ دارِك بغير إذْنِك ولكنّي مَأْمورٌ، فقالَ لي:( سَيَعْلمُ الَذِينَ ظَلَمُوا أيّ مُنْقَلبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (١) »(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبدالله، عن عليّ بن محمد النوفلي قالَ: قالَ لي محمدُ بن الفرج الرُخَّجي: إِنَّ ابا الحسنعليه‌السلام كَتَبَ إِليه: «يا محمد، أَجمِعْ أَمْرَكَ وخُذْ حِذْرَكَ ».

قالَ: فأَنا في جَمْعِ أَمْري لَسْتُ أَدْري ما المرادُ(٣) بما كَتَبَ به إِلَيَّ، حتى وَرَدَ عَلَيَّ رسولُ حَمَلَني من مصرمُصَفداً بالحديد، وضَرَبَ على كُلِّ ما أمْلِكُ، فمَكَثْتُ في السجنِ ثمانيَ سنين ثم وَرَد عَلَيَّ كتابي منه وأَنا ني السجنِ: «يا محمَدَ بن الفَرَج، لا تَنْزِلْ في ناحية الجانب الغَربيّ » فقَرَأْتُ الكتابَ وقُلْتُ في نفسي: يَكْتُبُ أَبو الحسن إِليٌَ بهذا وأَنا في السجنِ! إِنَ هذا لعَجَبٌ. فما مَكَثْتُ إلا أَيّاماً يَسيرةً حتى أُفْرِجَ عنّي وحُلتْ قُيودي وخلّيَ سبيلي.

__________________

(١) الشعراء ٢٦: ٢٢٧.

(٢) الكافي ١: ٤١٧ / ٤، اعلام الورى: ٣٤٤، دعوات الراوندي: ٢٠٢ / ٥٥٥، الخرائج والجرائح ١: ٦٧٦ / ٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٩٨ / ١٠، وذكره باختلاف يسير ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٨١، وذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٤١٥.

(٣) في «م» وهامش «ش»: ما الذي أراد.

٣٠٤

قالَ: فكَتَبْتُ إِليه بعد خُروجي أَسْأَلُه أَنْ يَسْأَلَ اللّهَ أَنْ يَردّ علي ضِياعي، فكَتَبَ إِلَيَّ: «سوف تُرَد عليك، وما يَضُرُّك أَلّا تُرَدّ عليك ».

قالَ عليُّ بن محمّد النوفلي: فلمّا شَخَصَ محمّدُ بن الفرج الرُخَّجِي الى العَسْكَر، كُتِبَ له بردِّ ضياعِه، فلم يَصِلِ الكتابُ حتى ماتَ(١) .

قالَ: عليُّ بن محمد النَوْفَليّ: وكَتَبَ عليُّ بن الخصيب(٢) إِلى محمّد بن الفَرَج بالخروجِ إِلى العَسْكَرِ، فكَتَبَ إِلى أَبي الحسنعليه‌السلام يُشاوِرُه، فكَتَبَ إِليه أَبو الحسنعليه‌السلام : «أُخْرُجْ فإِنَّ فيه فَرَجَك إِن شاءَ اللهُ » فخرَجَ فلَمْ يَلْبثْ إلّا يسيراً حتى ماتَ(٣) .

ورَوى (أحمدُ بن عيسى )(٤) قالَ: أَخْبَرَني (أَبويعقوب )(٥) قالَ: رَأَيْتُ

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٨ / ٥، اعلام الورى: ٣٤١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٤١، وذكره بحذف آخره المسعودي في اثبات الوصية: ١٩٦، والقطب الراوندي في الخرائج والجرائح ٢: ٦٧٩ / ٩، وابن شهرآشوب في مناقب آل ابي طالب ٤: ٤١٤.

(٢) كذا في النسخ وفي ما نقله الطبرسي في اعلام الورى عن الكافي، وقد جعله العلامة المجلسي في البحار عن الارشاد: نسخة، وفي مطبوعة الكافي: أحمد بن الخضيب وفي بعض نسخه المعتبرة: أحمد بن الخصيب، وهو الوارد في متن البحار، والظاهر صحته. فقد ذكره في اصحاب الامام الهاديعليه‌السلام الشيخ في رجاله: ٤٠٩ / ٥، والبرقي: ٦٠ وفيه وفي بعض نسخ رجال الشيخ: الخضيب، ثم انّه يأتي ذكرأحمد بن الخصيب في بعض الأحاديث الآتية، وهو الوزير أبو العباس وزير المنتصر وبعده للمستعين، ثم نفاه المستعين الى المغرب، وتوفي سنة ٢٦٥، انظر ترجمته في سير اعلام النبلاء ١٢: ٥٥٣ / ٢١١ ومصادره.

(٣) الكافي ١: ٤١٨ / ذيل الحديث ٥، اعلام الورى: ٣٤٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار٥٠: ١٤١.

(٤) كذا في النسخ، لكن ذكرالخبر وما بعده الطبرسي في اعلام الورى عن أحمد بن محمد ابن عيسى، وكذلك حكاه العلامة المجلسي في البحار عنه وعن الارشاد، وسند الكافي للخبرين: الحسين بن محمد عن رجل عن أحمد بن محمد قال أخبرني أبو يعقوب.

(٥) نقل في هامش «ش» عن نسخة: ابن يعقوب.

٣٠٥

محمّدَ بن الفَرَج قَبْلَ مَوْته بالعَسْكرِ في عَشِيَّةٍ من العشايا، وقد اسْتَقْبَلَ أَبا الحسنعليه‌السلام فنَظَرَ إِليه نظراً شافياً، فاعْتَلَّ محمّدُ بن الفَرَج من الغدِ، فدَخَلْتُ عليه عائداً بَعْدَ أَيّامٍ من عِلَّته، فحدَّثَني أَنَّ أَبا الحسنعليه‌السلام قد أَنْفَذَ إِليه بثوبٍ وأَرانيه مدْرَجاً تَحْتَ رَأْسِه، قالَ: فكُفِّنَ فيه والله(١) .

وذَكَرَ أَحمد بن عيسى قالَ: حَدَّثَني أَبو يعقوب قالَ: رَأَيْتُ أَبا الحسنعليه‌السلام مع أحمد بن الخصيب يتسايران، وقد قَصَرَأَبو الحسنعليه‌السلام عنه، فقالَ له ابنُ الخصيب: سِرْ جُعِلْتُ فداك، فقالَ أَبو الحسن: «أًنتَ المقدَّمُ » فما لَبِثْنا إِلّا أَربعةَ أَيّامٍ حتى وُضِعَ الدهقُ(٢) على ساق ابن الخصيب (وقُتِل )(٣) .

قالَ: وأَلَحَّ عليه ابنُ الخصيب في الدارِ التي كان قد نَزَلها وطاَلبَه بالانتقالِ منها وتَسْليمِها إِليه، فبَعَثَ إِليه أَبو الحسنعليه‌السلام : «لأقعُدَنَّ بك من اللهِ مَقْعَداً لا يَبْقى لك معه باقيةٌ»، فأَخَذَه اللهُ في تلك الأيامِ(٤) .

__________________

(١) الكافي ١: ٤١٩ / ٦، باختلاف يسير، اعلام الورى: ٣٤٢، ومختَصرَاً في مناقب آل ابي طالب ٤: ٤١٤.

(٢) الدهق: نوع من التعذيب « الصحاح - دهق - ٤: ١٤٧٨.»

(٣) كذا في نسخة «ش» و «م» وهو الموجود في اعلام الورى، وفي الكافي بدله: ثم نُعيَ، وقد خلت نسخة «ح » منه وهو الصواب، فان أحمد بن الخصيب مات سنة٢٦٥ أي بعد وفاة الامام الهاديعليه‌السلام باحدى عشرة سنة، والظاهر ان الخبر ناظر الى نفيه فقط. فقد نفاه المستعين الى المغرب في جمادى الآخرة سنة ٢٤٨ والظاهر انّه المراد من: (فاخذه الله) في الخبر الآتي أيضاً.

(٤) الكافي ١: ٤١٩ / ذيل الحديث ٦، باختلاف يسير، اعلام الورى: ٣٤٢، الخرائج والجرائح ٢: ٦٨١ / ١١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٣٩ / ٢٣.

٣٠٦

ورَوى الحسينُ بن الحسن الحسني قالَ: حَدَّثَني أَبو الطيب يعقوبُ ابن ياسر، قالَ: كانَ المتوكّلُ يقولُ: َويحكُم قد أَعْياني أَمرُ (ابن الرضا )(١) وجَهَدْتُ أَنْ يَشْرَبَ معي وأَنْ يُنادِمَني فامْتَنَع، وجَهَدْتُ أَنْ اَجِدَ فُرصةً في هذا المعنى فلَمْ أَجِدْها. فقالَ له بَعْضُ مَنْ حَضَرَ: إِنْ لم تجِدْ من ابن الرضا ما تريدُه من هذه الحال، فهذا أَخوه موسى قَصّاف عَزّاف(٢) يأَكلُ ويَشْرَبُ ويَعْشَقُ ويَتَخالَعُ فأَحْضِرْه واشْهَره، فإِنَّ الخبَرَ يَشيعُ عن ابن الرضا بذلك ولا يُفَرِّقُ الناسُ بَيْنَه وبين أَخيه، ومَنْ عَرَفَه اتَّهَمَ أَخاه بمثل فَعاله.

فقالَ: اكْتُبُوا بإِشْخاصِه مكْرَماً. فأُشْخِصَ مُكْرَماً فتَقَدَّمَ المتوكلُ أَنْ يَتَلَقّاه جميعُ بني هاشم والقوّادُ وسائرُ الناسِ، وعَمِلَ على أَنّه إِذا وافى أَقْطَعَه قطيعةً وبنى له فيها وحَوَّل إِليها الخمّارين والقِيان(٣) ، وتَقَدَّمَ بصلَتِه وبِرِّه، وأَفْرَدَ له منزلاً سَرِيّاً(٤) يَصْلَحُ أَنْ يَزُورَه هو فيه.

فلمّا وافى موسى تَلَقّاه أَبو الحسنعليه‌السلام في قَنْطرة وصيفٍ - وهوموضعٌ يُتَلَقّى فيه القادمون - فسَلَّمَ عليه ووَفّاه حَقَّه ثم قال له: «إِنَّ هذا الرجل قد أحْضَرَك ليَهْتِكَك ويَضَعَ منك، فلا تُقِرّ له أَنّك شَربْتَ نبيذاً قطّ، واتَقِ اللهَ يا أَخي أَنْ تَرْتَكِبَ محظوراً» فقالَ له موسى: إِنّما دعاني لهذا فما حيلتي؟ قالَ: «فلا تَضَعْ من قَدْرِك، ولاتَعْصِ رَبَك، ولا

__________________

(١) المراد به أبو الحسن الثالثعليه‌السلام ، واطلاقه على أبي جعفر الجواد وابي محمد العسكريعليهما‌السلام صحيح ايضاً.

(٢) في هامش «ش»: القصف: اللهو واللعب، والعزف: أيضاً اللعب.

(٣) القيان: الاماء المغنيات. «مجمع البحرين - قين - ٦: ٣٠١».

(٤) في هامش «ش»: السرو: الكرم، سرياً: كريماً.

٣٠٧

تَفْعَلْ ما يَشِينك، فما غَرَضه إِلا هَتْكُك ». فأبى عليه موسى، فكرّرَعليه أَبو الحسنعليه‌السلام القولَ والوَعْظَ، وهو مُقيمٌ على خلافه، فلمّا رَأَى أَنه لا يُجيبُ قالَ له: أَما إِنّ المجلسَ الذي تُريدُ الاجتماعَ معه عليه لا تَجْتَمعُ عليه أَنت وهوأَبداً.

قالَ: فاَقامَ موسى ثلاثَ سنين يُبَكِّر كلّ يوم إِلى باب المتوكّلِ، فيُقالُ له: قد تَشاغلَ اليوم، فيَرُوحُ، فيقالُ له: قد سَكِرَ، فيُبَكِّرُ فيقالُ له: قد شَرِبَ دواءً. فما زالَ على هذا ثلاث سنين حتى قُتِلَ المتوكّل، ولم يَجْتَمِعْ معه على شراب(١) .

ورَوى محمّدُ بن عليّ قالَ: أَخْبَرَني زيدُ بن عليّ بن الحسين بن زيد قالَ: مَرِضْتُ فدَخَلَ الطبيبُ عَلَيَّ ليلاً ووَصَفَ لي دواءً آخُذُه في السحرِ كذا وكذا يوماً، فلم يُمكنٌي تحصليهُ من الليل، وخَرَجَ الطبيبُ من الباب، ووَرَدَ صاحبُ أَبي الحسنعليه‌السلام في الحال ومعه صُرّةٌ فيها ذلك الدواءُ بعينه، فقالَ لي: أَبو الحسن يُقْرِئُك السلامَ ويَقولُ: «خُذْ هذا الدواءَ كذا وكذا يوماً» فأَخَذْتُه فشرِبْتُ فَبرَأْتُ.

قالَ محمّدُ بن عليّ: فقالَ لي زيدُ بن عليّ: يا محمد، أَين الغلاةُ عن هذا الحديثِ(٢) ؟!

__________________

(١) الكافي ١: ٤٢٠ / ٨، باختلاف يسير وكذا اعلام الورى: ٣٤٥، ومختصراً في مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٣ / ٦.

(٢) الكافي ١:٤٢٠ / ٩، باختلاف يسير، الخرائج والجرائح ١: ٤٠٦ / ١٢، وذكره الخصيبي في الهداية: ٣١٤ بتفصيل، وبحذف آخره في مناقب ال ابي طالب ٤: ٤٠٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٥ / ٣٦.

٣٠٨

باب ذِكْرِ ورود أبي الحسن عليه السلامُ

من المدينة إِلى العسكرِ، ووفاتِه بها

وسببِ ذلك، وعَدَدِ أولادِه، وطَرَفٍ من أخبارِه

وكانَ سَبَبُ شخوص أبي الحسنعليه‌السلام إلى سُرّ مَنْ رأى: أنّ عبدالله بن محمّد كانَ يتولىَّ الحَرْبَ والصلاةَ في مدينةِ الرسولعليه‌السلام فسَعى بأَبي الحسنعليه‌السلام إِلى المتوكّلِ، وكانَ يَقْصُدُه بالأذى، وبَلَغَ أَبا الحسن سِعايتُه به، فكَتَبَ إِلى المتوكّل يَذْكُرُ تَحافلَ عبدِالله بن محمّد ويكذٌبه فيما سعى به، فتَقَدَّمَ المتوكل بإجابتهِ عن كتابه ودُعائه فيه إِلى حُضور العسكرِعلى جَميلٍ من الفِعْلِ والقَوْلِ، فخَرَجَتْ نُسخة الكتاب وهي:

بسم الله الرحمن الرحيم

أَمّا بعدُ: فإِنَّ أَميرَ المؤمنينَ عارفٌ بقَدْرِكَ، راعٍ لِقَرابتكَ، موُجِبٌ لحقِّكَ، مُؤْثرٌ من الأمور فيك وفي أَهل بيتك ما يُصْلِحُ اللهُ به حالَك وحالَهم، ويُثبِتُ به عِزَّك وعِزَّهم، ويُدْخِلُ الأمْنَ عليك وعليهم، يَبْتَغي بذلك رضى ربِّه وأداءَ ما اْفتُرِضَ عليه فيك وفيهم، وقد رَأى أميرُالمؤمنين صَرْفَ عبدلله بن محمد عمّا كان يَتَوَلاّه من الحربِ والصلاةِ بمدينةِ الرسولِصلى‌الله‌عليه‌وآله إِذ كانَ على ما ذَكَرْتَ من جَهالتهِ بحقِّك

٣٠٩

واستخفافهِ بقَدْرك، وعندما قَرَفَك(١) به ونسبكَ إِليه من الأمر الذي عَلِمَ أَميرُ المؤمنين براءَتك منه، وصِدْقَ نِيَّتك في بِرِّك وقَوْلك، وأنّكَ لم تُؤَهِّلْ نَفْسَك لما قُرِفْتَ بطَلَبِه، وقد وَلّى أَميرُالمؤمنين ما كان يلي من ذلك محمّدَ ابن الفَضْل، وأَمَرَه بإِكرامِك وتَبْجيلِكَ والانتهاءِ إِلى أَمْرِك ورأيِك، والتقرّب إِلى اللهِ والى أميرِ المؤمنين بذلك.

وأَميرُ المؤمنين مُشْتاقٌ إِليك، يُحِبُّ إِحْداثَ العَهْدِ بك والنظَرَ إليك، فإِنْ نَشِطْتَ لزيارته والمُقام قِبَلَه ما أَحْبَبْتَ شَخَصْتَ ومَن اخْتَرْتَ من أَهْل بيتك ومَواليك وحَشَمِك، على مُهلَةٍ وطُمَأْنينَةٍ، تَرْحَلُ إِذا شِئْتَ وتنزِلُ إذا شِئْتَ وتَسيرُ كيف شِئْتَ، وإنْ أحْبَبْتَ أنْ يَكُونَ يحيى بن هَرْثَمةَ مولى أَمير المؤمنين ومن معه من الجُنْدِ يَرْتَحِلونَ برَحيلكَ ويَسيرونَ بسَيْرك فالأمرُ في ذلك إِليك، وقد تَقَدَّمْنا إِليه بطاعَتِك، فاسْتَخرِ اللهَ حتى تُوافيَ أميرَ المؤمنين، فما أَحَدٌ من إِخوته وولدِه وأَهلِ بيته وخاصّتهِ أَلْطَفَ منه مَنْزِلةً، ولا أحْمدَ لَه أثَرة، ولا هو لهم أَنْظَرَ، وعليهم أشْفَقَ، وبهم أبَرَّ، وإليهم أَسْكَنَ، منه إِليك. والسلامُ عليك ورحمة الله وبركاته.

وكَتَبَ إِبراهيم بن العباس في شهر كذا من سنة ثلاث وأَربعين ومائتين(٢) .

فلمّا وَصَلَ الكتابُ إِلى أَبي الحسنعليه‌السلام تَجَهَّزَ للرحيل،

__________________

(١)قرفك: اتهمك «الصحاح - قرف - ٤: ١٤١٥ ».

(٢) الكافي ١: ٤١٩ / ٧، عن محمد بن يحيى، عن بعض اصحابنا قال: اخذت نسخة كتاب المتوكل الى ابي الحسن الثالثعليه‌السلام من يحيى بن هرثمة في سنة ثلاث واربعين ومائتين

٣١٠

وَخَرَجَ معه يحيى بن هرثمة حتى وَصَلَ إلى سُرَّ من رأى، فلمّا وَصَلَ إليها تَقَدَّمَ المتوكّلُ بأَن يُحْجَبَ عنه في يومه، فنَزَلَ في خانٍ يُعْرَفُ بخانِ الصَعاليك وأَقامَ فيه يومَه، ثم تَقَدَّمَ المتوكّلُ بإِفرادِ دارٍ له فانْتًقَلَ إِليها.

أَخْبَرَني جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن أحمدَ بن محمد بن عبدالله، عن محمد بن يحيى، عن صالح بن سعيد قالَ: دَخَلْتُ على أَبي الحسنعليه‌السلام يومَ وُروده فقلت له: جُعِلْت فداك، في كلِّ الأمور أرادوا إِطْفاءَ نورك والتقصيرَ بك، حتى أَنْزَلوكَ هذا الخانَ الأشْنعَ خانَ الصَعاليك. فقالَ: «هاهنا أَنْتَ يا بْنَ سعيد!» ثم أَوْمَأَ بيده فإِذا بَرْوضاتٍ أُنُفاتٍ(١) ، وأَنهارٍ جارياتٍ، وجِنانٍ فيها خيراتٌ عَطِراتٌ، ووِلْدانٌ كاَنَّهُنَّ اللؤلؤُ المكنونُ، فحارَ بَصَري وكثُرَ تَعَجُّبي، فقالَ لي: «حيثُ كُنّا فهذا لنا - يا ابن سعيد - لَسْنا في خانِ الصعاليك »(٢) .

وأقامَ أبو الحسنعليه‌السلام مُدّةَ مقامه بسُرّ مَنْ رأى مُكْرَماً في ظاهرحاله، يَجْتَهِدُ المتوكّل في إِيقاعِ حيلةٍ به فلا يَتَمَكَّنُ من ذلك. وله معه أحاديثٌ يَطولُ بذكرها الكتابُ، فيها آياتٌ له وبيّناتٌ، إِنْ قَصَدْنا لإيراد ذلك خَرَجْنا عن الغرض فيما نحوناه.

وتُوُفِّي أبو الحسنعليه‌السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودُفِنَ في داره بسُرَّمَنْ رأَى، وخَلَّفَ من الولد أَبا محمد الحسنَ ابنَه وهو

__________________

(١) في هامش «ش»: أنيقات.

الروض الأنُف: هو الروض الذي لم يَرْعَه أحد. «الصحاح - انف - ٤: ١٣٣٢ ».

(٢) الكافي ١: ٤١٧ / ٢، اعلام الورى: ٣٤٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٠٢.

٣١١

الإمام من بَعْدِه، والحسينَ، ومحمّداً، وجعفراً، وابنَته عائشة.

وكان مُقامه بسُرَّ مَنْ رَأى إلى أنْ قُبِضَ عَشْرَ سنين وأشهراً. وتوفِّيَ وسِنُّه يومئذٍ على ما قَدَّمناه إحدى وأربعون سنة.

* * *

٣١٢

باب ذِكْرِ الإمام القائمِ بَعْدَ أبي الحسن عليِّ ابن محمد عليهماَ السلامُ

وتاريخِ مَوْلِدِه، ودلائِلإمامتِه،

والنصِّ عليه من أبيهِ، ومَبْلَغِ سنَه ومُدَّةِ خلافتِه،

وذِكْرِ وفاتِه ومَوْضِعِ قَبْرِه، وطَرَفٍ من أخْبارِه

وكانَ الأمامُ بعد أَبي الحسن عليِ بن محمدعليهما‌السلام ابْنَه أَبا محمد الحسن بن عليّ لاجْتماعِ خِلالِ الفَضْلِ فيه، وتَقَدُّمِه على كافّةِ أَهلِ عَصْرِه فيما يُوجِبُ له الإمامةَ ويَقْتَضي له الرئاسةَ، من العلمِ والزهدِ وكمالِ العقلِ والعِصْمَةِ والشُجاعةِ والكَرَمِ وكَثْرَةِ الأعْمالِ المُقَربَة إلى اللهِ، ثمَّ لِنَصِّ أَبيهعليه‌السلام عليه وإشارته بالخلافةِ إِليه.

وكانَ مَوْلدُه بالمدينة في شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.

وقُبِضَعليه‌السلام يَوْمَ الجمعةِ لثمانِ ليالٍ خَلَوْنَ من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، وله يومئذٍ ثمان وعشرون سنة، ودُفِنَ في دارِه بسُرَّمَنْ رأى في البيت الذي دُفِنَ فيه أَبوعليه‌السلام .

وأُمُّه أُمُّ ولدٍ يُقالُ لها: حَدِيث.

وكانت مدَّةُ خلافتِه ستَّ سنين.

* * *

٣١٣

باب ذِكْرِ طَرَفٍ من الخبرِ الواردِ بالنصِّ عليه من أبيه عليهما السلامُ

والإشارةِ إِليه بالإمامةِ من بَعْدِه

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ ابن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن (يحيى بن يسار الَعنبري )(١) قالَ: أَوْصى أَبو الحسن عليُّ بن محمّد إِلى ابنه الحسنعليهما‌السلام قَبْلَ مُضيِّه بأَربعة أشهر، وأَشارَ إِليه بالأمْرِ من بعده، وأَشْهَدَني على ذلك وجماعةً من الموالي(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ ابن محمد، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن (يسار بن أحمد البصري )(٣) ، عن عليِّ بن عمرو(٤) النوفلي قالَ: كُنْت مع أَبي الحسنعليه‌السلام في صحن داره فَمرَّ بنا محمّدُ ابنُه فقُلْتُ: جُعِلْتُ فداك، هذا صاحِبُنا

__________________

(١) في مطبوعة الكافي واعلام الورى: القنبري، لكن في عدة من النسخ المعتبرة من الكافي: العنبري، وكذا في نسخ الارشاد، وفي غيبة الطوسي: بشار بدل يسار.

(٢) الكافي ١: ٢٦١ / ١، غيبة الطوسي: ٢٠٠ / ١٦٦، اعلام الورى: ٣٥١، الفصول المهمة: ٢٨٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٦ / ٢١.

(٣) في الكافي واعلام الورى هنا وفي السند الآتي: بشار، لكن في بعض النسخ المعتبرة من الكافي في السند الآتي: يسار، وفي غيبة الطوسي: سيار بن محمد البصري.

(٤) في مطبوعة الكافي: عمر، وفي بعض نسخه: عمرو كما هنا.

٣١٤

بَعْدَك؟ فقالَ: «لا، صاحِبُكم بعدي الحسنُ »(١) .

وبهذا الاسنادِ عن يسار بن أحمد، عن عبدالله بن محمد الأصبهاني قالَ: قالَ أَبو الحسنعليه‌السلام : «صاحِبُكم بعدي الذي يُصَلِّي عَلَيَّ » قالَ: ولم نكُنْ نَعْرِفُ أَبا محمّد قَبْلَ ذلك، قالَ: فَخَرَجَ أَبو محمّد بَعْدَ وفاتِه فصَلَّى عليهِ(٢) .

وبهذا الإسنادِ عن (يسار بن أَحمد )(٣) ، عن موسى بن جعفر بن وهب، عن عليِّ بن جعفر قالَ: كُنْتُ حاضراً أبا الحسنعليه‌السلام لَمّا تُوُفِّيَ ابْنُه محمّدُ فقالَ للحسن: «يا بني، أَحْدِثْ للهِ شُكراً فقد أحْدَثَ فيك أمْراً»(٤) .

__________________

(١) الكافي ١: ٢٦٢ / ٢، وعنه اعلام الورى: ٣٥٠، غيبة الطوسي: ١٩٨ / ١٦٣، ونقله ١٣ / العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٣٤٣ / ١٣.

(٢) الكافي ١: ٢٦٢ / ٣، وعنه اعلام الورى: ٣٥٠، مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٢٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ١٤ / ٢٤٣.

(٣) أورد الخبرمع الخبرين المتقدمين في الكافي ١: ٢٦٢ / ٢ و ٣ و ٤، ونص سند الحديث ٢: علي ابن محمد عن جعفر بن محمد الكوفي عن بشار بن أحمد البصري وسند الحديث ٣: عنه، عن بشار (يسارخ ل) بن أحمد عن عبدالله بن محمد الاصفهاني وسند الحديث ٤: عنه، عن موسى بن جعفر بن وهب وكان المصنف (قده) أرجع الضميرالى يساربن أحمد، والى مثله ذهب الطبرسي في اعلام الورى، لكن الظاهر وحدة مرجع الضمير في السندين ٣ و ٤، وأنّه جعفر بن محمد الكوفي.

وقد وقع نظيرالسند في الكافي ١: ٣٤١ / ٢٢ وصورته: علي بن محمد عن جعفر بن محمد عن موسى بن جعفر البغدادي، وروى جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن موسى بن جعفر ابن وهب في غيبة النعماني: ٢٥٢.

(٤) الكافي ١: ٢٦٢ / ٤، اعلام الورى: ٣٥٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٤ / ١٥، ونحوه في الغيبة للشيخ الطوسي: ٢٠٣ / ١٧٠.

٣١٥

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن أحمدَ بن محمد بن عبدالله بن مروان الأنباري قالَ: كُنْتُ حاضراً عند مُضِيِّ أَبي جعفر محمّد بن عليّعليه‌السلام ، فجاءَ أَبوالحسنعليه‌السلام فوُضِعَ له كُرْسِيٌّ فجَلَسَ عليه، وحَوْله أَهلُ بيته وأَبومحمّد ابنُه قائمٌ في ناحية، فلمّا فَرَغَ من أَمْرِ أَبي جعفر الْتَفَتَ إِلى أَبي محمدعليه‌السلام فقالَ: «يا بُنَيّ، أحْدِثْ للهِ شُكْراً، فقد أحْدَثَ فيك أَمْراً»(١) .

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ ابن محمد، عن محمد بن أحمد القلانسي، عن عليّ بن الحسين بن عمرو، عن عليّ بن مهزيار، قالَ: قُلْتُ لأبي الحسنعليه‌السلام : إِن كانَ كَوْنٌ - وأَعُوذُ بالله - فإِلى مَنْ؟ قالَ: «عَهْدي إِلى الأكْبَرِ من ولدي» يعني الحسنعليه‌السلام (٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ بن محمد الأسترابادي(٣) ، عن عليّ بن عمرو العطّار، قالَ: دَخَلْتُ على أَبي الحسنعليه‌السلام وابْنُه أَبوجعفر يُحيّا وأَنا أَظُنُّ أَنّه هو الخَلَفُ من بَعْدِه، فقُلْتُ له: جُعِلْتُ فداك، مَنْ أَخُصًّ من ولدك؟ فقالَ: «لا تَخُصُّوا أحَداً حتى يَخْرجَ إليكم أمْري » قال: فكَتَبْتُ إليه بَعْدُ: في مَنْ يكُونُ

__________________

(١) بصائر الدرجات: ٤٩٢ / ١٣، الكافي ١: ٢٦٢ / ٥، اعلام الورى: ٣٥٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤١ / ٦.

(٢) الكافي ١: ٢٦٢ / ٦، اعلام الدين: ٣٥٠، ونقله العلامه المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٤ / ١٦.

(٣) كذا في نسخة الكتاب، وفي المطبوعة السابقة واعلام الورى: عن علي بن محمد عن أبي محمد الاسترآبادي، وكذا حكاه العلامة المجلسي (قده) عن الارشاد.

٣١٦

هذا الأمرُ؟ قالَ: فكَتَبَ إِلَيَّ: « في الأكْبَرِمن ولدي » قالَ: وكان أَبو محمدعليه‌السلام أكبرمن جعفر(١) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، وغيره، عن سعد بن عبدالله، عن جماعة من بني هاشم منهم (الحسن بن الحسين الأفطس )(٢) : أَنَهم حَضَرُوا يَوْمَ تُوُفَيَ محمّدُ بن عليّ بن محمّد دارَ

__________________

(١) الكافي ١: ٢٦٢ / ٧، اعلام الورى: ٣٥٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٤ / ١٧.

(٢) في الكافي: الحسن بن الحسن الافطس، والأفطس هو الحسن بن علي بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب على المشهور في كتب الانساب، لكن البخاري قال: وبعض الناس يقول: إنّ الأفطس هو الحسين بن الحسن بن علي لا الحسن بن علي والحسن الافطس أراد قتل الصادقعليه‌السلام ، وقد جزّاهعليه‌السلام بإِيصاء شيء له صلة للرحم، وله أولاد:

منهم الحسين المعروف بابن الافطس: ظهر بمكة أيام أبي السرايا وأخذ مال الكعبة (المجدي: ٢١٣، عمدة الطالب: ٣٣٧، مروج الذهب ٣: ٤٤٠ )

ومنهم الحسن المكفوف: غلب على مكة أيام ابي السرايا وأخرجه من مكة الى الكوفة ورقاء ابن يزيد، كذا ذكره في المجدي: ٢١٥، وعمدة الطالب: ٣٣٨، لكن خروج أبي السرايا في سنة ١٩٩ وقتله في سنة ٢٠٠، ويبعد في النظر ظهور كلا الأخوين في هذه المدة القصيرة في مكة، ويحتمل وقوع خلط هنا، فليحقق.

وكيف كان، يبعد بقاء هذين الأخوين الى ان يروي عن احدهما سعد بن عبدالله (المتوفى في حدود سنة ٣٠٠ ) ولا يبعد كون الصواب الحسين بن الحسن الافطس وقد وقع في نسبه اختصار، وهو أبو الفضل الحسين بن الحسن بن الحسين بن الحسن الافطس، وقد ذكر في ترجمة تاريخ قم: ٢٢٨: أن أبا الفضل الحسين جاء من الحجاز الى قم وتوفي بها وكان من الفقهاء الذين رووا عن الحسن بن عليعليه‌السلام .

فيناسب رواية سعد بن عبدالله القمي عنه وهو قد هنّأ الامام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام بولادة ابنه المهدي عجل الله تعالى فرجه كما في تاريخ قم: ٢٠٥، وغيبة الشيخ: ٢٣٠ وفيه: أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي، وص ٢٥١ وفي نسبه سقط. اكمال الدين باب ٤٣ وفيه: أبو الفضل الحسن بن الحسين العلوي، وهوتصحيف، وقد ذكره في المنتقلة: ٢٥٥ وأخوه علي الدينوري ذكره في عمدة الطالب: ٣٣٨ وقال: كان أبوجعفر محمد الجواد قد

٣١٧

أبي الحسنعليه‌السلام وقد بُسِطَ له في صَحْنِ دارِه، والناسُ جُلوسٌ حَوْلَه، فقالُوا: قَدٌرْنا أَنْ يَكُونَ حَوْلَه من آل أَبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مَواليه وسائرِ الناسِ، إِذْ نَظَرَ إِلى الحسن بن عليّعليهما‌السلام وقد جاءَ مشقوقَ الجَيْب حتى قامَ عن يمينه ونَحْنُ لا نَعْرِفُه، فَنَظَرَ إِليه أَبو الحسنعليه‌السلام بَعْدَ ساعةٍ من قيامِهِ، ثمَّ قالَ له: «يا بُنَيَّ، أَحْدِثْ للهِ شُكْراً، فقد أَحْدَثَ فيك أَمرْاً» فبَكَى الحسنُعليه‌السلام واسْتَرْجَعَ فقالَ: « الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وإيّاه أَسأَلُ تمامَ نِعَمه علينا، إنا لله وإنّا إليه راجعونَ ».

فسَألْنا عنه، فقيلَ لنا: هذا الحسنُ ابنُه، فقَدَّرْنا له في ذلك الوقتِ عشرين سنة ونَحْوها، فيَوْمئِذٍ عَرَفْناه وعَلِمْنا أَنّه قد أَشارَ إِليه بالإمامةِ وأَقامَه مقامَه(١) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى قالَ: دَخَلْتُ على أَبي الحسنعليه‌السلام بعد مُضِيِّ أَبي جعفر - ابْنِه - فعَزَّيْتُه عنه، وأَبو محمّد جالسٌ، فبَكى أَبو محمّد، فأَقْبَلَ عليه أَبو الحسنعليه‌السلام فقالَ: « إِنَ الله تعالى قد جَعلَ فيك خَلَفاً منه فاحْمدِ اللهَ عزَّ وجل»(٢) .

أَخْبَرَني أَبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد، عن إِسحاق بن محمد، عن أَبي هاشم الجعفري قالَ: كُنْتُ عند أَبي الحسن

__________________

أمره ان يحلّ بالدينور، ففعل.

(١) الكافي ١: ٢٦٢ / ٨، اعلام الورى: ٣٥١، ونقله العلامة المجلسي في البحار٥٠: ٢٤٥ / ١٨.

(٢) الكافي ١: ٢٦٣ / ٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٦ / ٢٠.

٣١٨

عليه‌السلام بعدما مَضى ابْنُه أَبوجعفر، وانّي لاُفكّرُ في نفسي أُريدُ أَنْ أَقولَ: كأنّهما - أعني أَبا جعفر وأَبا محمد - في هذا الوقتِ كأَبي الحسن موسى وِاسماعيل ابنَيْ جعفرِ بن محمّدعليهما‌السلام وِانَّ قِصَّتَهما كقِصَّتِهما، فاَقْبَلَ عَلَيَّ أَبو الحسن قَبْلَ أَنْ أنْطِقَ فقالَ: «نعَمْ - يا أبا هاشم - بدا للهِ في أَبي محمّد بعد أَبي جعفر ما لم يَكنْ يُعْرَفُ له، كما بَدا له في موسى بعد مُضِيِّ إِسماعيل ما كُشِفَ به عن حالِه، وهوكما حَدَّثَتْكَ نَفْسُك وِانْ كَرِهَ المُبْطِلونَ؛ أَبومحمّد - ابني - الخَلَف من بعدي، عنده عِلْمُ ما يُحْتاجُ إِليه، ومعه آلةُ الإمامةِ»(١) .

وبهذا الإسنادِ عن إِسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى بن رئاب(٢) ، عن أَبي بكرٍ الفَهْفَكي قالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أبو الحسنعليه‌السلام : «أَبو محمّد ابني أَصحُّ آلِ محمد غريزةً، وأَوْثَقُهُمْ حجّةً، وهو الأكبرُ من ولدي وهو الخَلَفُ، وِاليه تنْتهي عُرَى الإمامةِ وأحكامُها، فما كنْتَ سائِلي عنه فاسْأَلْه عنه، فعِنْدَه ما تَحتْاجُ إِليه »(٣) .

وبهذا الإسناد عن إِسحاق بن محمد، عن شاهوية(٤) بن عبدالله

__________________

(١) الكافي ١: ٢٦٣ / ١٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤١ / ٧، وذكره باختلاف الشيخ الطوسي في غيبته: ٢٠٠ / ١٦٧.

(٢) هكذا في النسخ، وفي الكافي هنا وفي الحديث الاسبق محمد بن يحيى بن درياب وبه ذكره الشيخ في رجاله في باب أصحاب الامام الهاديعليه‌السلام : ٤٢٤ / ٣٠.

(٣) الكافي ١: ٢٦٣ / ١١، اعلام الورى: ٣٥١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٥ / ١٩.

(٤) قد وضعت نقطتان على الهاء في النسخ الثلاث بوضوح، لكن الموجود في الكافي والمعهود من امثال هذا التركيب كسيبويه ونفطويه وقولويه هو الهاء لا التاء.

٣١٩

قالَ: كَتَبَ إِلَيَ أَبو الحسنعليه‌السلام في كتاب: «أَرَدْتَ أنْ تَسْأَلَ عن الخَلَفِ بَعْدَ أَبي جعفر وقَلِقْتَ لذِلك، فلا تَقْلَقْ فإِنَّ اللهَ لا يُضِلُّ قوماً بَعْدَ إِذْ هَداهمْ حتّى يُبَيِّنَ لهم ما يَتَّقونَ، صاحِبك أَبي محمّد ابني، وعِنْدَه ما تَحتاجُونَ إِليه، يقدِّمُ اللهُ ما يشاء ويؤخرُ مايشاء و( مَانَنْسَخْ مِنْ ايَةٍ اوننْسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْمِثْلِهَا ) (١) »(٢) .

وفي هذا بيانٌ وِاقْناع لذي عَقْلٍ يَقْظان.

أخْبَرَني أَبو القاسم جعفرُ بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليِّ ابن محمد، عن رجل ذَكَرَه، عن محمد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري قالَ: سَمِعْتُ أَبا الحسنعليه‌السلام يَقُولُ: «الخَلَفُ من بعدي الحسنُ، فكيف لكم بالخَلَفِ من بَعْدِ الخَلَفِ!» فقُلْتُ: ولم؟ جَعَلَني الله فداك!؟ فقالَ: «إِنّكم لا تَرَوْنَ شَخْصَه، ولا يَحِلُّ لكم ذِكْرُه باسْمِه » فقلْتُ: فكيف نَذْكُرُه؟ فقالَ: «قولوا الحجَّةُ من الِ محمّدعليه‌السلام وعليهم »(٣) .

والأخْبارُ في هذا الباب كثيرةٌ يَطولُ بها الكتابُ.

* * *

__________________

(١) البقرة ٢: ١٠٦.

(٢) الكافي ١: ٢٦٣ / ١٢، غيبة الطوسي: ٢٠٠ / ١٦٨، ومختصراً فِى اعلام الورى: ٣٥١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٣.

(٣) الكافي ١: ٢٦٤ / ١٣، إكمال الدين: ٣٨١ / ٥ و ٦٤٨ / ٤، علل الشرائع: ٢٤٥ / ٥، اثبات الوصية: ٢٢٤، كفاية الأثر: ٢٨٨، غيبة الطوسي: ٢٠٢ / ١٦٩، اعلام الورى: ٣٥١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٥٠: ٢٤٠ / ٥. إلأ أنّه في العلل واثبات الوصية وكفاية الأثر وإكمال الدين: والخلف من بعدي «ابني» الحسن.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563