المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام0%

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 312

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ حسن الصفار
تصنيف: الصفحات: 312
المشاهدات: 107549
تحميل: 5591

توضيحات:

المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 312 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107549 / تحميل: 5591
الحجم الحجم الحجم
المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام

المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فلمّا سمعتْ السيّدة زينب هذه الأبيات أحسّتْ أنّ شقيقها عازم على الموت ومصمِّم على الشهادة، فأعولتْ قائلة:

(واثكلاه! واحزناه! ليت الموت أعدمني الحياة، يا حسيناه، يا سيّداه، يا بقيّة أهل بيتاه، استسلمتُ ويئستُ من الحياة، اليوم مات جدّي رسول الله، وأمّي فاطمة الزهراء، وأبي علي، وأخي الحسن، يا بقيّة الماضين، وثمال الباقين ).

فقال لها الإمام : (يا أخيّه لا يذهبنّ بِحِلْمِكِ الشيطان).

فأجابتْه بِأَسَى والْتِيَاع: (أتغتصب نفسك اغتصاباً، فذاك أطول لحزني، وأشجى لقلبي )(٣٦) .

وقد أرادت السيّدة زينب في هذا الموقف أنْ تبيّن خطورة الجريمة التي عزم الجيش الأموي على ارتكابها، إنّها تستهدف رسول الله وابنتَه الزهراء وأخاه عليّاً وسِبْطَه الحسن عبر قَتْل مَن يمثّلهم ويجسّدهم جميعاً آنذاك، وهو الإمام الحسينعليه‌السلام .

* عند مصرع العبّاس:

لم يكن العبّاس بن علي جنديّاً عاديّاً في معسكر الإمام الحسين، بل كان قائد القوات العسكريّة الحسينيّة، وصاحب اللواء، وكان ذا شخصيّة عظيمة، وللسيّدة زينب به علاقة حميمة، وقد احتفظ به الإمام الحسين إلى جانبه، فلم يأذن له بالنزول إلى ساحة المعركة إلاّ بعد قَتْل كلّ رجاله وأنصاره، فكان آخر بطل يُقاتل بين يَدَي الحسين؛ لذلك كان مقتله إيذاناً بانهيار المعسكر الحسيني، كما صرّح بذلك الإمام الحسين، حيث وقف على مصرع أخيه العبّاس قائلاً: (الآن انْكَسَرَ ظَهْرِي، وقلّتْ حِيْلَتِي).

وحينما علمتْ السيّدة زينب بمقتل أخيها العبّاس، أظلمّتْ الدنيا في عَيْنها، فاندفعتْ صارخة: (واأخاه، واعبّاساه، واضَيْعَتنا بعدك )(٣٧) .

____________________

(٣٦) المصدر السابق: ص ١٧٢.

(٣٧) المصدر السابق: ص ٢٦٩.

١٨١

* أمام الفاجعة الكبرى:

لا يمكن أنْ تمرّ على إنسان لحظة أقسى وأصعب من تلك اللحظات الأليمة التي مرّتْ على السيّدة زينب، حينما وقع أخوها الحسين شهيداً، ووقفتْ على مصرعه.

إنّها تعرف قيمة الحسين ومكانته عند الله سبحانه، وعند جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي البيت العلوي.. وهي تُدرك عظمة الحسين من خلال صفاته الفريدة ومميّزاته الخاصّة.. وهي تَعِي موقعيّة الحسين كامتداد للنبوّة ومجسّد للإمامة وحجّة لله على الخلق، وتَعلم السيّدة زينب أنّ قتْل الحسين يمثّل انتهاك أعظم حرمة، وارتكاب أكبر جريمة، وإنّ ذلك يعني الوصول إلى قمّة الارتداد عن الدين والتنكّر للرسالة.

ثمّ إنّ قتْل الحسين يعني اغتيال أعزّ شيء على قلبها وأقرب شيء إلى نفسها في هذه الحياة.. والحسين هو الولي لها المحامي لخدرها، وبقتله تصبح تحت رحمة الأعداء الظَلَمَة الجُفَاة.. فَمَنْ سيحمي خِدْرها، ويصون عِزَّها، ويدافع عمّنْ معها من نساء وأطفال؟

والحسين لم يُقْتَل بالشكل المتداول في معارك القتال، بل:

- أمعن القوم في تمزيق جِسْمه بمختلف أدوات الحرب.

- فقد أصاب سهمٌ فَمَهُ الطاهر فتفجّر دَمُهُ الشريف.

- وأصاب سهم جبهته الشريفة المشرقة بنور الإمامة.

- ورماه رِجس بسهم محدّد له ثلاث شُعَب، فاستقرّ في قلبه الشريف، وأخرج الإمام السهم مِن قفاه فانبعث دَمُهُ كالميزاب، فأخذ الإمام من دَمِهِ الطاهر ولطّخ به وجهه ولحيته، وهو يقول: (هكذا أكون حتّى ألقى الله وجدّي رسول الله، وأنا مُخَضّب بِدَمِي).

- وهجمتْ على ريحانة رسول الله تلك العصابة المجرمة مِن كلّ جانب، وهم يُوْسِعُونَهُ ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح، فضربه أحدُهم بالسيف على كفّه اليُسرى، وضربة آخر على عاتقه، وكان مِن أحقد أعدائه عليه الخبيث (سنان بن

١٨٢

أنس )، فقد أخذ يضربه تارةً بالسيف وأخرى طعنةً بالرمح!!

يقول بعض المؤرّخين : إنّه لم يُضرب أحدٌ في الإسلام كما ضُرب الحسين، فقد وُجد فيه مائة وعشرون جراحة ما بين ضربة سيف وطعنة رمح، ورمية سهم(٣٨) .

أمّا كيف ومتى علمتْ السيّدة زينب بمقتل أخيها الحسين؟ فإنّ المصادر التاريخيّة تُشير إلى أنّ فرس الحسين - بعد أنْ وقع الحسين من على ظهره إلى الأرض، ومزّقتْه سيوفُ القوم ورماحُهم - صبغ ناصيتَه بدم الإمام الشهيد وركض مسرعاً نحو خيمة الحسين، كأنّه يريد إعلام النساء بمقتل الإمام.. وبالفعل كان رجوع فرس الإمام من دون الإمام نذير سوء لِمَنْ في الخيام بأنّهم قد فقدوا عِزَّهم وزعيمهم.

وهنا خرجتْ العقيلة زينب مهرولة نحو مصرع أخيها الحسين. فَمَنْ يا تُرى يستطيع وصْف تلك اللحظات القاسية والموقف الصعب؟ لقد وجدتْ العقيلة نفسها أمام لحظة تاريخيّة حسّاسة خطيرة، وأمام موقف عظيم، لا بدّ وأنْ تُسَجِّل شهادتها عليه للتاريخ، فصاحت هاتفةً من أعماق قلبها:

(وامحمداه! واأبتاه! واعلياه! واجعفراه! واحمزتاه! هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء! ليت السماء أطبقتْ على الأرض! وليتَ الجبال تَدَكْدَكَتْ على السهل!! ).

وانتهتْ نحو الحسين وقد دنا منه عمر بن سعد قائد الجيش الأموي في جماعة من أصحابه، والحسين يجود بنفسه! فصاحتْ السيّدة زينب: (أي عمر أَيُقْتَلُ أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ ).

فصرف وجهه عنها، ودموعه تسيل على لحيته!!

____________________

(٣٨) المصدر السابق: ص ٢٨٤ - ٢٨٩.

١٨٣

والتفتتْ السيّدة زينب إلى حشود الجيش الأموي صارخةً بهم: (ويحكم، أَمَا فيكم مسلم؟. ) فلم يجبْها أحد(٣٩) .

إنّ هول المصيبة وعظم الفاجعة وقسوة الحدث، لم يشغل كلّ ذلك العقيلةَ زينب عن أداء دورها الرسالي الخطير في إعلان الظلامة وتأجيج العواطف وإلهاب المشاعر، حتّى في نفوس الأعداء الظالمين.

* نظرة وداع:

بعد ظهر اليوم (الحادي عشر من المحرّم ) عزم الجيش الأموي على مغادرة أرض كربلاء، وقد حملوا معهم نساءَ الحسين وأهلَ بيته وصِبْيَتَهُم، ومرّوا بقافلة الأرامل المثكولات والأيتام المفجوعين على أرض المعركة، وحيث تُشرق على ساحتها جثث الشهداء وأجسام القتلى من أهل البيت، وكان منظراً مذهلاً للنساء والأطفال: فالأجساد بلا رؤوس.. والأشلاء موزّعة.. والدماء تصبغ البسيطة.

ويبدو أنّ قيادة الجيش الأموي أرادتْ أنْ تُدخِل الرعب والفزع إلى نفوس العائلة الحسينيّة، وأنْ تُحْدِث الهزيمة والانهيار التام في نفوس أفرادها؛ حتّى يدخلوا الكوفة وهم في منتهى الإذلال والهوان.

وتأمّلتْ العقيلة زينب ذلك الموقف الرهيب، حيث ترى أرض الشهادة ترتسم على ربوعها أفظع مأساة، وتنظر إلى النساء والأطفال وقد عَلَتْهنّ الكآبة والدهشة.. ومن جانب آخر ترى الجيش الأموي يبالغ في إظهار نشوة انتصاره الزائف، ويستعرض قوّته وقدرته الغاشمة.

فمزّقتْ العقيلة زينب أجواء الرهبة والألم، واندفعتْ تُشْهِر سلاح المظلوميّة لتصوّبه تِجَاه المتغطرسين المغرورين، ولتثبّت لهم أنّهم ضعفاء مهزومون وإنْ توهّموا النصر.. فأطلقتْ صوتَها الشجاع المدوي قائلة: (يا محمّداه هذا حسينٌ بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتُك سبايا، وذرِّيَّتُك مقتّلة ).

____________________

(٣٩) مقتل الحسين: السيّد عبد الرزّاق المقرّم: ص ٢٨٤.

١٨٤

يقول الرواة : فأبكتْ كلّ عدوٍّ وصديق، حتّى جَرَتْ دموع الخيل على حوافرها(٤٠) .

* في مجلس يزيد:

لقد فضح الأمويّون أنفسُهم - حينما دفعهم حقدهم على أهل البيت - حماقتَهم إلى تسيير نساء الحسين وعيالاته سبايا بتلك الحالة الفظيعة.. فموكب السبايا كان تظاهرة إعلاميّة تؤجّج المشاعر وتُلْهِب العواطف ضدّ السلطة الظالمة، والعقيلة زينب لم تترك فرصة ولا مُنَاسَبَة أثناء رحلتها الشاقّة المؤلِمة - إلى الكوفة ومنها إلى الشام مروراً بسائر البلدان والمناطق - إلاّ واستثمرتْها في إعلان مظلوميّتهم، وتبيين عمق المأساة التي حلّتْ بهم.

وحتّى في مجلس يزيد بن معاوية، والذي قد خطّط ليكون دخول السبايا إلى مجلسه مهرجاناً يحتفل فيه بانتصاره على الحسين، فأحضر كبار قادة جيشه وزعماء الشام، وأحاط نفسه بأجواء من الهيبة المصطنَعة.

لكنّ العقيلة زينب أفسدتْ عليه كلّ ما صنع، وأفشلتْ مهرجانه الضخم حين نظرتْ إلى رأس أخيها الحسين بين يدي يزيد، فانتصبتْ قائمة وأجهشتْ بالبكاء، وأهوتْ إلى جيبها فشقّتْهُ، ونادتْ بصوت حزين يُقرح القلوب: (يا حسيناه، يا حبيب رسول الله، يا ابن مكّة ومنى، يا ابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء، يا ابن بنت المصطفى ).

قال الراوي : فأبكتْ والله كلَّ مَن كان في المجلس، ويزيد ساكت(٤١) .

وجميل ما قالتْه الأديبة بنت الشاطئ حول هذا الدور الزينبي، حيث كتبتْ تقول : لم تمضِ زينب إلاّ بعد أنْ أفسدتْ على ابن زياد، ويزيد، وبني أميّة، لذّةَ النصر، وسكبتْ قطرات من السمّ الزعاف في كؤوس الظافرين!

فكانت فرحة لم تطل وكان نصراً مؤقّتاً، لم يلبث أنْ أفضى إلى هزيمة قضتْ

____________________

(٤٠) المصدر السابق: ص ٣٠٧.

(٤١) زينب الكبرى: النقدي: ص ١١٤.

١٨٥

آخر الأمر على دولة بني أميّة.

فلم تكد زينب تخرج من عند يزيد حتّى أحسّ أنّ سروره بمقتل الحسين قد شابه كَدَرٌ خَفِي، ظلّ يزداد حتّى استحال إلى ندم، كدر صفو الأعوام الثلاثة الأخيرة من حياته(٤٢) .

* أشعلت ثورة المدينة:

وانتهتْ بها رحلة الألم والعناء إلى المدينة المنوّرة مسقط رأسها وربوع صباها ودار أهلها.. بعد فراق وغياب جاوز (السبعة أشهر )، حيث خرجتْ من المدينة مع أخيها الحسين (أواخر شهر رجب، وعادات بعد انتهاء شهر صفر ).

وفرق كبير بين موكب خروجها المهيب من المدينة يحيط بها إخوتها وأبناؤها وأبناء إخوتها ورجالات عشيرتها.. وبين قافلة الأسر التي عادتْ ضمنها تلوذ بها الأرملات المثكولات والصبايا اليتيمات المفجوعات.

لقد هرعتْ عند دخولها المدينة إلى مسجد جدّها رسول الله - حيث مثواه الأقدس - وأخذتْ بعضادتَي باب المسجد منادية: (يا جدّاه إنّي ناعية إليك أخي الحسين )(٤٣) .

وأصبح برنامجها اليومي والدائم في المدينة المنوّرة تذكير جماهير الأمّة بمظلوميّة الحسين وأهل بيته، وتخليد المأساة العظيمة في كربلاء، لتؤجّج بذلك العواطف وتُلْهِب المشاعر، وتحرّض الناس على الحكم الفاسد الظالم.

ويذكر السيّد الشريف يحيى بن الحسن، من أحفاد الإمام زين العابدين علي بن الحسين، وهو المعروف بالعبيدلي النسّابة (٢١٤ ه- - ٢٧٧ ه- / ٨٢٩ م - ٨٩٠ م ) في رسالته المشهورة (أخبار الزينبيّات )، يذكر فيها أنّ السيّدة زينب وهي بالمدينة كانت تؤلّب الناس على القيام بأخذ ثار الحسين، فكتب والي المدينة (عمرو بن سعيد الأشدق ) إلى يزيد يعلمه بالخبر.. فكتب إليه يزيد: أنْ

____________________

(٤٢) السيّدة زينب: عائشة عبد الرحمان بنت الشاطئ: ص ١٥٨.

(٤٣) مقتل الحسين: المقرّم: ص ٣٧٦.

١٨٦

فرّق بينها وبين الناس.. فأمرها الوالي بالخروج من المدينة(٤٤) .

لقد أشعلتْ السيّدة زينب الثورة وفجّرتها في المدينة ضدّ الحكم الأموي، فكان لها دور المحرّك للثورة التي عمّتْ المدينة المنوّرة سنة (٦٣ ه- )، حيث تمرّد أهل المدينة على الحكم الأموي وطردوا واليه وجميع بني أُمَيَّة، وبايعوا (عبد الله بن حنظلة ) غسيل الملائكة، فبعث يزيد إلى المدينة جيشاً ضخماً يبلغ (١٢ ألفاً ) بقيادة (مسلم بن عقبة )، فقضى على التمرّد وسيطر على المدينة، وأباح مسلم المدينة ثلاثاً لجيشه، يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال.. ودعا مسلم الناس إلى البيعة ليزيد على أنّهم خول - أي عبيد - له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهلهم مَن شاء، فَمَنْ امتنع مِن ذلك قَتَلَهُ.

عرفت الواقعة باسم (واقعة الحرّة )، والتي حصلت (لليلتين بقيتا من ذي الحجّة )، وعرف مسلم بن عقبة بعد الواقعة باسم مسرف (٤٥) .

____________________

(٤٤) أخبار الزينبيّات: العبيدلي: مطبوع ضمن مجلّة (الموسم)، العدد: ٤.

(٤٥) الكامل في التاريخ: ابن الأثير: ج ٤، ص ١٢٠.

١٨٧

١٨٨

* واستشهد ولدها عون:

شاء الله سبحانه وتعالى أنْ تجتمع على قلب السيّدة زينب يوم كربلاء ألوان المصائب والفجائع، وأنْ تكون المَثَل والقدوة في تقديم الضحايا والقرابين على مذبح العدل والحرِّيَّة في سبيل الله.

فقد رُزئت بقتل ستّة من إخوتها، في طليعتهم عماد عزّها الحسين بن علي، وقمر بني هاشم العبّاس بن علي، وتشير بعض المصادر إلى أنّ من استشهد من إخوة زينب يوم كربلاء عشرة،

أمّا الستّة الذين تتّفق اغلب المصادر على شهادتهم في كربلاء فهم ما يلي :

١ - الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب.

٢ - العبّاس بن علي بن أبي طالب.

٣ - جعفر بن علي بن أبي طالب.

٤ - عبد الله بن علي بن أبي طالب.

٥ - عثمان بن علي بن أبي طالب.

٦ - محمّد الأصغر بن علي بن أبي طالب.

١٨٩

وهناك أسماء أخرى تضيفها بعض المصادر كإخوة للسيّدة زينب نالوا شرف الشهادة أيضاً في كربلاء، هي كما يلي:

٧ - أبو بكر بن علي بن أبي طالب.

٨ - عبد الله بن علي بن أبي طالب - غير المذكور سابقاً -.

٩ - عمر بن علي بن أبي طالب.

١٠ - إبراهيم بن علي أبي طالب(٤٦) .

كما فُجعت بمقتل مجموعة من أبناء إخوتها، تُجمِع المصادر على خمسة، منهم ثلاثة من أولاد أخيها الحسن، وهم:

١ - أبو بكر بن الحسن بن علي.

٢ - عبد الله بن الحسن بن علي.

٣ - القاسم بن الحسن بن علي.

واثنان من أولاد أخيها الحسين هم:

٤ - علي بن الحسين الأكبر.

٥ - عبد الله بن الحسين(٤٧) .

إضافة إلى سائر رجالات أسرتها من الهاشميّين، والذين يتراوح عددهم جميعاً بين السبعة عشر والسبعة والعشرين بطلاً حسب اختلاف المصادر والروايات التاريخيّة(٤٨) .

ومع ما لمصرع هؤلاء الأعزّة من تأثير فظيع على النفس، إلاّ أنّ لِفَقْدِ الولد لوعة خاصّة لم يسلم منها قلب السيّدة زينب، فقد فُجعت بمقتل ولدها وفلذة كبدها

____________________

(٤٦) أنصار الحسين: محمّد مهدي شمس الدين: ص ١٣١ - ١٣٧.

(٤٧) المصدر السابق.

(٤٨) المصدر السابق.

١٩٠

عون بن عبد الله بن جعفر، حيث قدّمته شهيداً بين يدي خاله الإمام الحسين.

وبرز عون إلى ساحة المعركة يقاتل الأعداء، وهو يرتجز:

إنْ تنكروني فأنا ابنُ جَعْفَر

شَهِيْد صِدْقٍ فِي الجِنَانِ أَزْهَر

يَطِيْرُ فِيْهَا بِجَنَاحٍ أَخْضَر

كفَى بِهَذَا شَرَفَاً مِنْ مَعْشَر

فحمل عليه عبد الله بن قطنة الطائي فقتله، وقد رثاه سليمان بن قتة بقوله:

واندبي إنْ بكيت عوناً أخاه

ليس فيما ينوبهم بخذول

فلعمري لقد أصبت ذوي القمر

بي فبكي على المصاب الطويل(٤٩)

ونقل أبو الفرج الأصفهاني أنّ قاتِل عون هو عبد الله بن قطنة التيهاني(٥٠) .

وفي بعض المصادر : جاءت الفقرة الأخيرة من رجز عون:

...................................

كفى بهذا شرفاً في المحشر

وإنّه قتل من الأعداء ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً، وعن الاسفرائيني أنّه قَتَلَ ستّة وعشرين فارساً(٥١) .

ولم تقل كتب السِيَر والمقاتل عن العقيلة زينب أنّها أعولتْ على مقتل ولدها أو أشارتْ إليه في ندبتها ومأتمها.

قال السيّد عبد العزيز سيّد الأهل : لم يسمع لها بُكاءً حين قُتل ولدها عون بمثل ما بكتْ به أخاها وأولاد أخيها(٥٢) .

____________________

(٤٩) حياة الإمام الحسين: القرشي: ج ٣، ص ٢٥٨.

(٥٠) مقاتل الطالبيّين: الأصفهاني: ص ٩١.

(٥١) وسيلة الدارَين: الزنجاني: ص ٢٤١.

(٥٢) زينب عقيلة بني هاشم: سيّد الأهل: ص ٨.

١٩١

ويبدو أنّ لعبد الله بن جعفر ولداً آخر اسمه عون الأصغر وأمّه (جمانة بنت المسيّب بن نجبة الفزاري )، من هنا حصل خلط في كلام الرواة والمؤرّخين بين عون الذي أُمّه زينب وهو الشهيد في كربلاء، وبين أخيه عون الذي أُمّه جمانة، ولم يتأكّد استشهاده في كربلاء(٥٣) ، كما استشهد لعبد الله بن جعفر ولد آخر في كربلاء هو محمّد بن عبد الله بن جعفر، لكنّ أُمّه (الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف من بكر بن وائل )، وليستْ السيّدة زينب كما توهّم بعض الكُتّاب، وأيضاً ذكرتْ بعض المصادر شهيداً آخر من وُلد عبد الله بن جعفر في كربلاء وهو عبيد الله بن عبد الله بن جعفر، إلاّ أنّ ذلك غير مؤكّد، وأُمّه ليستْ زينب أيضاً بل الخوصاء السابق ذكرها(٥٤) .

____________________

(٥٣) نَفَسُ المَهْمُوم: الشيخ عبّاس القمّي: ص ٣١٧.

(٥٤) أنصار الحسين: شمس الدين: ص ١٣٣ - ١٣٥.

١٩٢

رعاية القافلة

كان لا بدّ وأنْ يفكّر الإمام الحسين في مصير عائلته ومستقبلهم بعد شهادته، فهو كأبٍ غيور عطوف يهمّه أنْ تتوفّر لعائلته بعده أنسب الظروف الممكنة، كما أنّه يعرف طبيعة أعدائه القساة الظالمين والذين سوف يصبّون جام غضبهم وحقدهم على عائلته المنكوبة، والأهمّ من كلّ ذلك فهو يريد من هذه العائلة أنْ تؤدّي دوراً جهاديّاً في خدمة نهضته المقدّسة؛ ولذلك اصطحبهم معه، وقال لِمَنْ أشار عليه بتركهم في المدينة: (قد شاء الله أنْ يراهنّ سبايا)(٥٥) .

كلّ ذلك يستلزم وجود رعاية لهذه القافلة من الأرامل والأيتام، وقيادة تواصل إدارة المعركة مع الأعداء الظالمين.

وتشير بعض المصادر إلى أنّ عدد النساء اللاتي كنّ مع الإمام الحسين في كربلاء يتجاوز الأربعين امرأة كما ذكر أسماءهنّ وتفاصيل حالاتهن الشيخُ المازندراني(٥٦) عدا الصبايا الصغيرات في السن، والأطفال الذكور.

بالطبع فإنّ الإمام زين العابدين هو الوارث الشرعي والوصي لأبيه، لكن ما

____________________

(٥٥) حياة الإمام الحسين: القرشي: ج ٣، ص ٣٢.

(٥٦) معالي السبطين: محمّد مهدي المازندراني: ج ٢، ص ١٤١.

١٩٣

يعانيه من المرض يحول بينه وبين التصدّي لرعاية القافلة، إضافة إلى تربّص العسكر بحياته، وطلبهم أدنى مبرّر للقضاء عليه.

فبقيتْ السيّدة زينب هي المرشّح الوحيد والكفوء للقيام بهذا الدور؛ لذلك أوصاها الإمام برعاية القافلة، ونهضتْ بهذه المسؤوليّة على أفضل وجه، فكانت مرجع النساء والأطفال، يلوذون بها في حوائجهم وشؤونهم وتتحمّل هي مسؤوليّة رعايتهم والدفاع عنهم.

وفيما يلي نلتقط بعض الصور لدور الرعاية الزينبية:

* تَمْنَع عبد الله بن الحسن:

وهو غلام في الحادية عشر من عمره، وابن للإمام الحسن بن علي، لَمّا رأى عمّه الحسين وحيداً وسط المعركة وقد أحاط به الأعداء، لم تسمح له نفسه بالتفرّج على ما يجري في ساحة المعركة، ودفعتْه أريحيّته وشهامته ليركض نحو المعركة ويفدي عمّه الحسين بنفسه.

ولمّا لمحه الحسين مهرولاً باتجاهه نادى بأخته زينب أنْ تمارس دورها في حماية ورعاية الأطفال، وأنْ تمنعه من الخروج إلى المعركة قائلاً: (احبسيه ).

فسارعتْ العقيلة زينب للحيلولة بينه وبين التوجّه إلى المعركة، لكنّ الغلام امتنع عليها وأفلتَ منها واشتدّ نحو عمّه الحسين حيث لَقِيَ مصرعَه في حِجْر عَمِّه الحسين(٥٧) .

* ليلة الحادي عشر:

لا شكّ أنّها كانت ليلة موحشة عصيبة على عيالات الحسين، حيث وَطْأَة الفاجعة شديدة على نفوسهم، وقد فقدوا كلّ الولاة الحُمَاة، وحُرِقَتْ خيامهم وأَخْبِيَتُهم، وأصبحنَ النساء والأطفال يلوذون ببعضهم البعض في تلك الفلاة

____________________

(٥٧) تاريخ الأمم والملوك: الطبري: ج ٦، ص ٢٥٩.

١٩٤

الموحشة، التي خيّم عليها ظلام الليل، مع ما نالهم من اعتداءات العسكر ضرباً وسلباً وشتماً.

ومن تلك الليلة بدأت العقيلة زينب ممارسة دورها الشاق العظيم في رعاية الركب الحسيني.

يقول الشيخ القرشي:

أمّا حفيدة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وشقيقة الحسين العقيلة زينب فإنّها ما هنت ولا استكانتْ أمام تلك الأهوال القاصمة، فقد أسرعتْ تلتقط الأطفال الذين هاموا على وجوههم في البيداء، وتجمع العيال في تلك البيداء الموحشة، وهي تسلّيهم وتصبّرهم على تلك الرزايا، وقد أنفقت تلك الليلة ساهرة على حراستهم(٥٨) .

* تُسَلِّي الإمامَ زين العابدين:

حينما غادرتْ قافلةُ السبايا أرضَ كربلاء مرّوا بالنساء والأطفال على ساحة المعركة فكان المنظر مهيباً مفزعاً، حيث شاهدتْ العائلة أجسام الأحبّة مضرّجة بالدماء، مقطّعة الأشلاء، فانفجر الركب عويلاً وبكاءً، وأخذ الجزع والألم مِن نفس الإمام زين العابدين مأخذاً شديداً؛ لِمَا يراه من حال جثث أبيه وأعمامه وأخواته ورجال وأشبال أسرته وأنصارهم الكرام، ولِمَا يلاحظه من افْتِجَاع النساء والعيال والأطفال.

وهنا كان دور زينب القائدة التي تتسامى على الآلام، وتسيطر على مشاعرها بصورة مذهلة، حيث احتفظتْ برباطة جأشها، وكظمتْ كلّ ما يعتمل في نفسها من الحزن والألم، واتّجهت نحو ابن أخيها الإمام زين العابدين تسلّيه وتصبّره وتطمّنه بالمستقبل المشرق لثورة أبيه الحسين، وحدّثتْه بحديث طويل جاء فيه:

(مالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي، فوالله إنّ هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض

____________________

(٥٨) حياة الإمام الحسين: القرشي: ج ٣، ص ٣٠٨.

١٩٥

وهم معروفون في أهل السماوات، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والجسوم المضرّجة فيوارونها وينصبون بهذا الطف عَلَمَاً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يُدرس أثره ولا يُمحى رسمه على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلال في مَحْوه وطَمْسه فلا يُزداد أثره إلاّ علوّاً )(٥٩) .

* تَمْنَع الأطفال مِن تناول الصدقة:

حينما دخلتْ قافلةُ السبايا إلى الكوفة كان أثر الإجهاد والعناء والإرهاق واضحاً على الأطفال والصِبْيَة في القافلة، كما كانوا يعانون من الجوع... ولاحظتْ ذلك بعض نساء أهل الكوفة، فصرنَ يقدّمن التمر والخبز إلى الأطفال والصبايا، فتناول منه بعضهم، لكنّ السيّدة زينب رفضتْ ذلك ومنعتْ الأطفال عن تناول صدقات الناس قائلة: (إنّ الصدقة حرام علينا أهل البيت ).

ولمّا سمعتْ الصِبْيَة مقالةَ العقيلة، رَمَى كلُّ واحد منهم ما في يده أو فمه من الطعام. وراح يقول لصاحبه: إنّ عمّتي تقول: (إنّ الصدقة حرام علينا أهل البيت )(٦٠) .

* ترفض استقبال الشامتات:

في الكوفة أمر ابن زياد بحبس السبايا في دار إلى جنب المسجد الأعظم، وازدحمْنَ نساء أهل الكوفة للدخول على السيّدة زينب والسبايا في سجنهنّ، فرفضتْ السيّدة زينب أنْ تدخل عليهنّ غير المملوكات ومَن كُنّ مسبيّات في الماضي؛ لتمنع بذلك دخول النساء الشامتات والمتفرّجات على مأساة أهل البيت، حيث صاحتْ السيّدة زينب بالناس: (لا تَدخل علينا إلاّ مملوكة أو أُمّ وَلد، فإنّهنّ سُبِيْنَ كما سُبِيْنَا )(٦١) .

____________________

(٥٩) مقتل الحسين: المقرّم: ص ٣٠٨.

(٦٠) حياة الإمام الحسين: القرشي: ج ٣، ص ٣٣٤. و مقتل الحسين: المقرّم: ص ٣١٠.

(٦١) مقتل الحسين: المقرّم: ص ٣٢٦.

١٩٦

* ملاذ العيال:

حينما يواجه أحد من عيالات الحسين أيّ مشكلة، فإنّ الملجأ والملاذ هي العقيلة زينب، ففاطمة بنت الحسين لمّا سمعتْ الرجل الشامي يطلبها من يزيد قائلاً:هب لي هذه الجارية لتكون خادمة عندي.

فإنّها لاذتْ بعمّتها زينب، محتميةً بها، لاجئة إليها، فتصدّت العقيلة زينب للموقف متحدِّية سلطان يزيد وبطشه.

* مكافأة الحرس:

بعدما لاحظ يزيد أنّ الحالة المأساويّة لسبايا أهل البيت أثارتْ عليه النقمة والغضب وردّات الفعل العنيفة من قِبل الناس، عَمَدَ أخيراً إلى تحسين أوضاع العائلة الحسينيّة واستجاب لرغبتهم في الرجوع إلى المدينة، وأمر (النعمان بن بشير ) أنْ يجهّزهم بما يُصلحهم، ويسيّر معهم رجلاً أميناً من الشام ومعه خيل يَسِيْر بهم إلى المدينة.

وخلافاً للمعاملة الخشنة التي عانتْ معها قافلة السبايا في مسيرهم إلى الشام، فقد كان هذا المكلَّف بِرَكْبِهِم في عودتهم إلى المدينة لَبِقَاً في التعامل، لَيِّنَاً في أخلاقه معهم، فكان يسايرهم ليلاً فيكونون أمامه بحيث لا يفوتون طرفه، فإذا نزلوا تنحّى عنهم هو وأصحابه، فكانوا حولهم كهيئة الحرس، وكان يسألهم عن حاجتهم ويلطف بهم.

فلمّا وصلوا إلى المدينة أرادتْ العقيلة زينب مكافأته على حسن تعامله وجميل صنعه، ولم يكن لديها مال تقدّمه إليه، لكنّها عَمَدَتْ إلى بعض ما تبقّى من حُلِيّ لدى أختها فاطمة وقدّمتْه إليه معتذرةً قائلة: (هذا جزاؤك بصحبتك إيّانا بالحسن من الفعل ).

فتأثّر الرجل من مبادرة السيّدة زينب واعتذر عن قبولها قائلاً:لو كان الذي صنعتُ إنّما هو للدنيا كان في حُلِيْكُنَّ هذا ما يرضيني دونه ،

١٩٧

ولكن والله ما فعلتُه إلاّ لله ولقرابتكم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦٢) .

تجدر الإشارة إلى أنّ النعمان بن بشير هو الذي رافق موكب العائلة إلى المدينة، وهو أنصاري مدني يَكُنّ مشاعر الاحترام لأهل البيت، وهو كان والياً على الكوفة حينما دخلها سفير الحسين مسلم بن عقيل، ولم يتّخذ ضدّ مسلم إجراءات قمعيّة كما كان يرغب الأمويّون، فعزله يزيد عن ولاية الكوفة وولي عبيد الله بن زياد مكانه، وحينما سمع النعمان مقالة الأمويّين عنه أنّه ضعيف أو متضعّف، قال: لأنْ أكون ضعيفاً وأنا في طاعة الله أحبُّ إليّ من أنْ أكون قويّاً في معصيته(٦٣) .

____________________

(٦٢) تاريخ الأمم والملوك: الطبري: ج ٦، ص ٢٦٦.

(٦٣) زينب عقيلة بني هاشم: عبد العزيز سيّد الأهل: ص ١٠٠.

١٩٨

حماية الإمام

مع أنّ الإمام علي بن الحسين زين العابدين كان حاضراً في واقعة كربلاء، وكان في عزّ عمره وشبابه في (الثانية والعشرين ) من العمر. ومع أنّ الشباب الهاشميّين حتّى الأصغر منه سِنَّاً كانوا يتسابقون إلى المعركة، وكان الجيش الأموي لا يتوقّف عن إطلاق النار على أيّ هاشمي مهما كان عمره وسنّه ولو كان طفلاً رضيعاً.. مع كلّ ذلك فقد شاءتْ حكمة الله سبحانه حِفْظ حياة الإمام زين العابدين، عبر إصابته بالعلّة والمرض، فأصبح ملازماً للخيمة على فراش المرض، حيث أقعده المرض عن حَمْل السلاح والنزول إلى ساحة المعركة؛ ليكون هو الخَلَف والبقيّة، ولتستمرّ به الإمامة والزعامة الدينيّة في ذرِّيَّة الحسين.

وحينما استشهد الإمام الحسين وهجم الجيش الأموي على خيامه وعياله، وأصبحوا أُسارى في أيدي الظالمين كانت حياة الإمام زين العابدين معرّضة للخطر في كلّ لحظة من اللحظات، لكنّ السيّدة زينب قامتْ بدور الحماية والدفاع عن الإمام في تلك الظروف القاسية الصعبة، وأنقذ الله تعالى حياة الإمام بمبادرتها ومواقفها الشجاعة أكثر من مرّة.

١٩٩

* عند استغاثة الحسين:

تلك كانت ساعة حرجة حسّاسة، حيث بقي الحسين وحيداً فريداً في ساحة المعركة، بعد أنْ تهاوى كلّ أصحابه وأهل بيته شهداء مضرّجين بدمائهم، ويَرى خلفه النساء والأطفال تتعالى صيحاتهم وبكاؤهم، وأمامه الأعداء يشرعون سيوفهم للانقضاض عليه.

وهنا رفع الحسين صوتَه مستغيثاً يطلب مَن ينصره ويعينه في ذلك الموقف الصعب الأليم قائلاً: (هل من ذابٍّ يذبّ عن حَرَمِ رسول الله؟ هل مِن موحّدٍ يخاف الله فينا؟ هل مِن مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟ ).

واخترق نداء الحسين أستار خيام عيالاته ونسائه، فاستشعروا المصيبة والفاجعة، وارتفع بكاؤهم ونحيبهم، وكان لنداء الاستغاثة وقْع كبير على قلب الإمام زين العابدين، فقد آلمه وأحزنه أنْ يكون مريضاً مقعداً لا يقدر على حمْل السيف وقتال الأعداء، لكنّه مع ذلك تحامل على مرضه، ووثب من فراشه، ومشى خطوات يتوكّأ على عصا ويجرّ سيفه، فرمقه الحسين وتأثر لمنظره وهيئته، ونادى بأخته أُمّ كلثوم: (خذيه واحبسيه؛ لِئَلاّ تخلو الأرض مِن نَسْل آل محمّد).

وأرجعتْه إلى الخيمة، وهو يقول: (ياعمّتاه ذريني أُقاتل بين يدي ابن رسول الله )(٦٤) . ويؤكّد السيّد المقرّم أنّ أُمّ كلثوم هذه هي السيّدة زينب(٦٥) .

* عند هجوم العسكر على الخيام:

هل كان متوقّعاً أنْ يحصل لأهل البيت ما حصل لهم في كربلاء من المآسي، وعلى أيدي أناس يدّعون الإسلام، ويمثّلون السلطة الرسميّة لحكم المسلمين؟ ولمّا يمضي على وفاة الرسول أكثر من نصف قرن من الزمن، وهو الذي طالما أوصى

____________________

(٦٤) بحار الأنوار: المجلسي: ج ٤٥، ص ٤٦. و مقتل الحسين: المقرّم: ص ٢٧١.

(٦٥) مقتل الحسين: المقرّم: ص ٣١٦.

٢٠٠