المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام0%

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 312

المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ حسن الصفار
تصنيف: الصفحات: 312
المشاهدات: 107627
تحميل: 5594

توضيحات:

المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 312 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107627 / تحميل: 5594
الحجم الحجم الحجم
المرأة العظيمة  قراءة في حياة السيِّدة زينب  بنت علي عليهما السلام

المرأة العظيمة قراءة في حياة السيِّدة زينب بنت علي عليهما السلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله شهقتْ فاطمة وسقطتْ لوجهها وغُشي عليها، فقال الناس لبلال: أَمْسِك فقد فارقتْ ابنة رسول الله الدنيا. وظنّوا أنّها قد ماتتْ، فلم يتم الأذان. فأفاقتْ فسألتْه إتمامه، فلم يفعل، وقال لها: يا سيّدة النسوان إنّي أخشى عليك ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعتِ صوتي بالأذان. فأعفتْه من ذلك.

وعن علي عليه‌السلام قال : (غسّلتُ النبي في قميصه، فكانت فاطمة تقول: أرني القميص. فإذا شمّته غُشِيَ عليها، فلمّا رأيتُ ذلك غَيَّبْتُه)(٣٣) .

ورأتْ الزهراء عليه‌السلام يوماً أنس بن مالك، فقالت : (يا أنس كيف طابت أنفسكم أنْ تَحْثُوا على النبي التراب؟)(٣٤) .

ولك أنْ تتصوّر حالة السيِّدة زينب وهي طفلة ذات خمس سنوات من العمر، لا بدّ أنّها كانت ملتصقة بأمّها الزهراءعليه‌السلام ، وتعايش معها هذه الصدمة العاطفيّة الكبيرة.

____________________

(٣٣) أعيان الشيعة: السيِّد محسن الأمين: ج ١، ص ٣١٩.

(٣٤) تاريخ الإسلام: الحافظ الذهبي: (السيرة النبويّة): ص ٥٦٢.

٦١

٦٢

المحنة السياسيّة

٦٣

٦٤

حينما تَحلّ بالإنسان مصيبة أو كارثة، فإنّ مِن أهمّ العوامل التي تساعده على التحمّل والصمود في مواجهتها، هو توفّر التعاطف والمؤاساة له من قِبل ذويه وأصحابه وجيرانه وأبناء مجتمعه.

إنّ ما يلقاه المصاب من تعاطف إنساني ومواساة اجتماعيّة يكون بمثابة البلسم لجراحه، والسلوة لنكبته؛ لذلك ورد التشجيع من قبل الإسلام على مواساة المصابين، كما يندفع الناس بفطرتهم للتعاطف مع المصابين على اختلاف أديانهم ومِلَلِهِم.

وعائلة زينب التي نُكبت بفقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بدل أنْ يغمرها المسلمون بتعاطفهم ومواساتهم، خاصةً مع كثرة توصيات الرسول بذرِّيَّته وأهل بيته، بدل ذلك ألمَّتْ بهم محنة سياسيّة رهيبة بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة، ضاعفتْ عليهم المصاب وزادتْ آلامهم ومأساتهم.

وتسجل كتب التاريخ والحديث الكثير من تفاصيل تلك المحنة مع اختلاف المؤرِّخين والمحدِّثين والكُتّاب في تفسير وقائعها، ولَسْنا الآن بصدد مناقشة الآراء

٦٥

والتفسيرات، لكنّنا نعرض بإيجاز ما اتّفق عليه المؤرِّخون والمحدِّثون عن تلك المحنة؛ لتكتمل لنا صورة الأجواء والحياة التي مرّت بها السيِّدة زينب في تلك الفترة.

* فهناك قضيّتان مهمّتان تُعتبران جوهر المحنة في أعقاب وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لدى أهل بيته:

* الأولى: قضيّة خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

فقد كان الإمام علي يرى نفسه الأجدر بمقام الخلافة والإمامة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان بنو هاشم وبعض الصحابة يرَون ذلك؛ إمّا لنصوص سمعوها من الرسول في حقّ علي وأولويَّته في الخلافة، أو لأنّه الأَكْفَأُ والأجدر مِن بين الصحابة.

لكنّ اجتماعاً حصل في سقيفة بني ساعدة لم يحضره علي وبنو هاشم؛ لانشغالهم بتجهيز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ فوجئوا بأنّ ذلك الاجتماع في سقيفة بني ساعدة انتهى بمبايعة أبي بكر بخلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ورأى الإمام عليٌّ وأهلُ بيته فيما حصل اغتاصباً لحقِّهم الشرعي في الخلافة، وانتزاعاً لدور علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ ولذلك لم يقبل علي بنتائج اجتماع السقيفة، وتأخّر لفترة يختلف المؤرّخون في تحديدها حتّى خضع وبايع أبا بكر.

يقول ابن الأثير:

لمّا توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجرّاح،فقال : ما هذا؟

فقالوا : منّا أمير ومنكم أمير..

فقال أبو بكر : منّا الأمراء ومنكم الوزراء..

ثمّ قال أبو بكر : قد رضيتُ لكم أحد هذَين الرجلين عمر وأبا عبيدة أمين هذه الأمّة..

فقال عمر : أيّكم يطيب نفساً أنْ يخلُف قدمَين قدّمهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

٦٦

فبايعه عمر، وبايعه الناس..

فقالت الأنصار أو بعض الأنصار : لا نبايع إلاّ عليّاً..

قال : وتخلّف علي وبنو هاشم والزبير وطلحة عن البيعة..

وقال الزبير : لا أُغمد سيفاً حتّى يُبايع علي..

فقال عمر : خذوا سيفه واضربوا به الحجر..

ثمّ أتاهم عمر فأخذهم للبيعة..

وقيل : لمّا سمع علي بيعة أبي بكر خرج في قميص، ما عليه إزار ولا رداء عَجِلاً حتّى بايعه، ثمّ استدعى إزاره ورداءه فتجلّله(١) .

والصحيح : إنّ أمير المؤمنين ما بايع إلاّ بعد ستّة أشهر، والله أعلم..

ويقول المؤرِّخ المسعودي : ولمّا بويع أبو بكر في يوم السقيفة، وجُدِّدَتْ البيعة له يوم الثلاثاء على العامّة، خرج علي فقال: (أفسدتَ علينا أمورنا ولم تستشر، ولم ترعَ لنا حقاً)..

فقال أبو بكر : بلى، ولكنّي خشيتُ الفتنة..

وكان للمهاجرين والأنصار يوم السقيفة خطبٌ طويل، ومجاذبة في الإمامة، وخرجسعد بن عبادة ولم يبايع، فصار إلى الشام، فقُتل هناك في سنة خمس عشرة، وليس كتابنا هذا موضعاً لخبر مقتله..

ولم يبايعه - أبا بكر - أحدٌ من بني هاشم حتّى ماتت فاطمة (رضي الله عنها)(٢) .

وقال أحمد أمين : تمّت البيعة في هذا المجلس لأبي بكر التيمي القرشي، لم

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ابن الأثير: ج ٢، ص ٣٢٥.

(٢) مروج الذهب: المسعودي: ج ٢، ص ٣٠١.

٦٧

يكن علي حاضراً هذا الاجتماع؛ لاشتغاله هو وأهل بيته في جهاز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذ العدّة لدفنه، فلمّا بلغه خبر البيع لأبي بكر لم يرضَ عنها، وتكوّن أمر ثالث وهو أنْ تكون الخلافة في بيت النبي، وأقرب الناس إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّه العبّاس بن عبد المطّلب وابن عمّه عليّ بن أبي طالب، ولكنّ العبّاس لم يكن من السابقين إلى الإسلام، فقد حضر غزوة بدر مع المشركين، ولم يُسْلِم إلا آخراً، فأولى الناس من قرابة النبي علي بن أبي طالب، وهو من أوّل الناس إسلاماً، وزوج فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجهاده وفضله وعلمه لا يُنكر.

وحجّة أصحاب هذا الرأي : إنّ أقرب الناس إلى النبي أولى أنْ يخلفوه، وإنّ بيت بني هاشم خير من بيت أبي بكر، فالقرب للأوّلين أطوع.

وإنّ المهاجرين احتجّوا على الأنصار : بأنّهم قوم النبي وعشيرته، فآل النبي وأقربهم إليه أولى، كما جاء في (نهج البلاغة) أنّ عليّاً سأل عمّا حدث في سقيفة بني ساعدة، فقال: (فماذا قالت قريش؟)

قالوا : احتجّت بأنّها شجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال علي : (احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة).

يريد أنّ المهاجرين احتجّوا بأنّهم من شجرة النبي، فأولى بالاحتجاج مَن يجمعهم والنبي أنّهم من ثمرة قريش، وهم قرابته، وسواء صحّ هذا القول عن علي أَمْ لَم يصح فهو تعبير صادق عمّا في نفسه. ودعا إلى هذا الرأي عليٌّ، وأيّده بعض بني هاشم، وأيّده الزبير بن العوّام، وعطف عليه بعض الأنصار لمّا كان موقفهم وموقف علي سواء في ضياع الأمر من أيديهم، ولم يبايع عليٌّ أبا بكر إلاّ بعد لأْيٍ(٣) .

هذه بعض المقتطفات ممّا نقله المؤرّخون حول موضوع الخلافة وموقف أهل البيت منها، ولا يخلو كتاب يؤرّخ تلك الفترة أو ينقل الأحاديث عن الخلافة من

____________________

(٣) فجر الإسلام: أحمد أمين: ص ٢٥٣.

٦٨

الإشارة إلى هذا الموضوع.

وما يهمّنا الآن الإشارة إليه التأكيدُ على أنّ أهل البيت كانوا يعتقدون بأحقِّيَّة علي بالخلافة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ ما حصل من بيعة أبي بكر كان أشبه بالانقلاب على عليٍّ.

١ - قال الإمام عليعليه‌السلام في خطبةٍ له بعد انصرافه من صفّين:

(لا يُقاس بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه الأمّة أحد، ولا يسوى بهم مَن جرتْ نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين. إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونُقل إلى منتقله)(٤) .

وقد أثبت هذه الخطبة:

- الشريفُ الرضي في(نهج البلاغة).

- كما ذكرها محمّد بن طلحة الشافعي في الجزء الأوّل من (مطالب السؤل).

- ونقل بعضَ المقاطع من هذه الفقرات الآمدي في (غرر الحكم).

- كما روى الطبري في (المسترشد) قولهعليه‌السلام : (لهم خصائص حق الولاية والوراثة)(٥) .

وواضح من خلال هذه الكلمات تمسّك عليعليه‌السلام في الخلافة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن حيث الأفضليّة لا يعدل أهل البيت أحد، كما أنّ كفاءات الإمْرَة والولاية تتوفّر فيهم فقط، ووصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم وهم ورثتُه، وأخيراً فإنّ عليّاً بعد أنْ بُويع بالخلافة يرى أنّ الحق رجع إلى أهله.

٢ - وفي خطبته المعروفة ب- (الشقشقيّة) يقولعليه‌السلام :

(أَمَا والله لقد تقمّصها ابنُ أبي قحافة، وإنّه لَيَعْلَم أنّ محلِّي منها محلّ القطب مِن الرَحَى، ينحدر عَنّي السَيْل، ولا يَرْقَى إليّ الطير، فَسَدَلْتُ دونها ثوباً،

____________________

(٤) نهج البلاغة: الإمام علي: الخطبة رقم: ٢.

(٥) مصادر نهج البلاغة وأسانيده: عبد الزهرة الخطيب: ج ١، ص ٣٠٢.

٦٩

وطويتُ عنها كشحاً، وطفقتُ أرتئي بين أنْ أصول بِيَدٍ جَذَّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يَهْرَم فيها الكبير، ويَشِيْبُ فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه، فرأيتُ أنّ الصبر على هاتا أَحْجَى، فصبرتُ وفي العَين قَذَى، وفي الحَلْقِ شَجَاً، أرى تراثي نهباً)(٦) .

وهذه الخطبة من خطبه المشهورات، حتّى قال المفيدرحمه‌الله :

هي أشهر من أنْ ندلّ عليها؛ لشهرتها، وقد روتها العامّة والخاصّة، وشرحوها، وضبطوا ألفاظها من دون غمز في متنها ولا طعن في أسانيدها. فهناك أكثر من(١٧) مصدراً معتمداً نَقَل هذه الخطبة غير الشريف الرضي في (نهج البلاغة)، وبعضهم قَبل الشريف الرضي، والآخرون بطرق وأسانيد غير طرقه وأسانيده(٧) .

وهذه الخطبة تحكي بصراحة عن رأي الإمام عليعليه‌السلام وموقفه من الخلافة، فهو الأجدر بها، والذين تولّوا الخلافة يعلمون ذلك، وقد جعلتْه الظروف يعدل عن المواجهة لهم، فصبر مضطرّاً غير راضٍ عمّن نهبوا تراثه.

٣ - وقالعليه‌السلام في خطبة له:

(فوالله، مازلتُ مدفوعاً عن حقِّي، مستأثراً عليّ منذ قبض الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى يؤم الناس هذا)(٨) .

وقد استفاضت هذه الخطبة عنهعليه‌السلام :

- ورواها المؤرّخون.

- واستشهد بها اللغويّون قبل الرضي.

- وبعده كالطبري في (تاريخه).

- وابن سلام في (غريب الحديث).

- والجوهري في (الصحاح)، وغيرهم(٩) .

____________________

(٦) نهج البلاغة: الإمام علي: الخطبة رقم: ٣.

(٧) مصادر نهج البلاغة وأسانيده: عبد الزهراء الخطيب: ج ١، ص ٣٠٩.

(٨) نهج البلاغة: الإمام علي: الخطبة رقم: ٦.

(٩) مصادر نهج البلاغة وأسانيده: عبد الزهرة الخطيب: ج ١، ص ٣٣١.

٧٠

٤ - وفي خطبة أخرى يقولعليه‌السلام :

(حتّى إذا قبض اللهُ رسولَه رجع قومٌ على الأعقاب، وغالتْهم السبل، واتّكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أُمروا بمودّته، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه، فبنَوه في غير موضعه)(١٠) .

وقد روى الطبري فقرات من أواخر هذه الخطبة في (المسترشد)(ص ٧٤)(١١) .

٥ -ومن كلام له عليه‌السلام لبعض أصحابه وقد سأله : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به؟ فَمِمَّا أجابه:

(أما الاستبداد علينا بهذا المقام، ونحن الأعلون نسباً، والأشدون بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نوطاً، فإنّها كانت أثرة شحّت عليها نفوسُ قوم، وسختْ عنها نفوسُ آخرين، والحكم لله والمعوّل إليه يوم القيامة)(١٢) .

هذه بعض النماذج من كلمات الإمام عليعليه‌السلام وغيرها كثير ممّا يؤكّد اعتقاد عليعليه‌السلام بأحقِّيَّته بالخلافة، وأنّها اغْتُصبتْ منه، وقد جمع الدكتور سعيد السامرائي من (نهج البلاغة) ما يؤيّد هذا الموقف ضمن كتابه الجميل (حجج النهج ) وطبع سنة: (١٩٨٧ م) في بيروت في(٤٥٠ صفحة).

- وكذلك كان رأي فاطمة الزهراءعليها‌السلام وقد أعلنتْ موقفها واضحاً أمام الخليفة أبي بكر وأمام نساء المهاجرين والأنصار، ففي خطبتها المشهورة في المسجد، قالتْعليها‌السلام : (وإطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً للفرقة)(١٣) .

____________________

(١٠) نهج البلاغة: الإمام علي، الخطبة رقم: ١٥٠.

(١١) مصادر نهج البلاغة وأسانيده: عبد الزهراء الخطيب: ج ٢، ص ٣٣٧.

(١٢) نهج البلاغة: الإمام علي: الخطبة رقم: ١٦٣.

(١٣) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد: القزويني: ص ٣٨٧.

٧١

- كما تحدّثتْ في خطبتها بإسهاب عن تفسيرها للتطوّرات التي حصلتْ بعد وفاة أبيها، وأنّها انحراف ومؤامرة على حقّ أهل البيت كقولهاعليها‌السلام : (فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق.... فوسمتم غير إبلكم، وأوردتُم غير شِرْبِكم، هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لمّا يندمل، والرسول لمّا يقبر، ابتداراً زعمتُم خوف الفتنة أَلاَ في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين)(١٤) .

- ودافعتْ عن حقّ علي في الخلافة أمام نساء المهاجرين والأنصار، اللاتي جئن لعيادتها وزيارتها، وممّا قالتْه لهنّ:

(أَنَّى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة والدلالة، ومهبط الروح الأمين والطيِّبين بأمور الدنيا والدين؟ أَلاَ ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا منه - والله - نكير سيفه، وقلّة مبالاته بِحَتْفِه، وشدّة وطأته، ونكال وقْعته، وتنمّره في ذات الله عز وجل)(١٥) .

وتشير بعض الروايات إلى أنّ فاطمة برفقة بعلها علي وابنيها الحسنَين كانتْ تدور على بيوت ومجالس المهاجرين والأنصار؛ تدعوهم إلى الالتفات حول قيادة الإمام عليعليه‌السلام ، وقد جاءتْ تلك الروايات في العديد من المصادر.

يقول ابن قتيبة الدينوري المتوفّي سنة (٢٧٦ ه-):

وخرج علي (كرّم الله وجهه) يحمل فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضتْ بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر، ما عدلنا به.

فيقول علي (كرّم الله وجهه) : (أَفَكُنْتُ أَدَع رسولَ الله (صلّى الله عليه و آله

____________________

(١٤) المصدر السابق: ص ٤٣١.

(١٥) المصدر السابق: ص ٥٢٥.

٧٢

وسلّم) في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟

فقالت فاطمة : (ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم)(١٦) .

ولثبوت هذا الأمر وشهرته فقد عيّر به معاويةُ الإمامَ عليعليه‌السلام في إحدى رسائله إليه بقوله: وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار، ويداك في يدي ابنَيك حسن وحسين يوم بويع أبو بكر، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاّ دعوتَهم إلى نفسك، ومشيتَ إليهم بامرأتك، وأدليتَ إليهم بابنَيك...(١٧) .

هذه اللوعة والألم الذي يعتلج في نفس علي وفاطمة حول قضيّة الخلافة لا بدّ وأنّه ينعكس على نفوس أبنائهما، ويحدِّثنا التاريخ أنّ الحسن بن علي على صِغَرِ سِنِّه حيث كان في السابعة من العمر، انطلق إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرأى أبا بكر على منبر رسول الله يخطب الناس فالتاع ووجه إليه لاذع النقد قائلاً له: (انزِل.. انزِل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك).

فأجابه أبو بكر: (صدقت والله، إنّه لمنبر أبيك لا منبر أبي)(١٨) .

بالطبع ليس بحث مسألة الخلافة من مهمّات هذا الكتاب، ولكنّنا أردنا تسليط الأضواء على الأجواء التي عاشتها السيِّدة زينبعليها‌السلام ضمن عائلتها، بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

* القضية الثانية: مصادرة فدك:

وهي: (قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة) كما يقول الحموي في (معجم البلدان).

____________________

(١٦) تاريخ الخلفاء: (الإمامة والسياسة): ابن قتيبة: ص ١٢.

(١٧) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد: القزويني: ص ٥٨١.

(١٨) حياة الإمام الحسن: القرشي: ج ١، ص ١٦٤، ونقلها عن عدّة مصادر.

٧٣

وكان يسكنها اليهود، فاستسلموا بعد واقعة خيبر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دون قتال.

ومقتضى الرواية التي يذكرها الجوهري في (السقيفة وفدك ) أنّها كانت تقدر ب- (١٠٠٠٠٠ مائة ألف درهم )، ويقول الحموي عنها: وفيها عين فوّارة ونخيل كثيرة.

ولأنّها لم يسبقها حرب ولا قتال، فهي فيء وملك خاص لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حسب مفاد الآية الكريمة: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ)(١٩) .

فباتفاق المسلمين هي ملك خاص للنبي، وقد وهبها وأنحلها لابنته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ويبدو أنّها كانت تحت سلطتها كما يقول الإمام علي: (بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء فشحّت ْعليها نفوسُ قومٌ وسختْ عنها نفوسُ قوم آخرين)(٢٠) .

لكنّ الخليفة أبا بكر رأى أنْ يُصادر فدك من فاطمة الزهراءعليها‌السلام ؛ باعتبار أنّ النبي لا يورّث، كما ينقل هو أنّه سمع ذلك من النبي، ولم يقبل قول الزهراء أنّ أباها وَهَبَهَا إيّاها، كما رفض شهادة علي بذلك لفاطمة وشهادة أُمّ أَيْمَن الصحابيّة الجليلية!(٢١) .

وقد جاء انتزاع فدك من فاطمة الزهراءعليها‌السلام في الأيّام الأُولى لمصيبتها بأبيها، ومواكباً لِتَنْحِيَةِ علي عن حقِّه الشرعي في خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأحدث ذلك أثراً كبيراً في نفس فاطمة، دفعها لإعلان معارضتها للخليفة والاحتجاج عليه أمام المسلمين في خطبتها المشهورة، كقولها:

____________________

(١٩) سورة الحشر: الآية: ٦.

(٢٠) نهج البلاغة: الإمام علي: الكتاب رقم: ٤٥.

(٢١) فاطمة الزهراء أُمّ أبيها: فاضل الميلاني: ص ١٤٤.

٧٤

(وأنتم الآن تزعمون أنّ لا إرثَ لنا! أفحكم الجاهليّة يبغون؟ ومَن أحسن مِن الله حكماً لقوم يوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أَنِّي ابنته، أيّها المسلمون! أأغلب على إرثي... يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أنْ ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئتَ شيئاً فريّاً! أَفَعَلَى عمد تركتُم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذْ يقول: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)(٢٢) .

وقال فيما اقتص من خبر زكريّا إذ قال: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ)(٢٣) .

وقال: (وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(٢٤) .

وقال: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ)(٢٥) .

وقال: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)(٢٦) .

وزعمتم أنْ لا حظوة لي ولا إرث من أبي! أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أَمْ تقولون: إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أو لستُ أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ أَمْ أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟ إيها بني قيلة! أأهضم تراث أبي؟ وأنتم بمرأى منّي ومسمع؟)(٢٧) .

وهكذا ظلَّلَتْ بيتَ زينب غيومٌ وهمومٌ ثقيلة سلبتْ من عائلتها حالة السرور

____________________

(٢٢) سورة النمل: الآية: ١٦.

(٢٣) سورة مريم: الآيات: ٥ - ٦.

(٢٤) سورة الأنفال: الآية: ٧٥.

(٢٥) سورة النساء: الآية: ١١.

(٢٦) سورة البقرة: الآية: ١٨٠.

(٢٧) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد: القزويني: ص ٤٤٧.

٧٥

والسعادة والهناء، وجعلتْهم يعيشون أفظع المآسي وأشدّ الآلام، فقد فقدوا زعيمهم وأباهم الحنون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما زُوي عنهم حقّهم السياسي في القيادة والخلافة، وإضافةً إلى ذلك صُودِرتْ أهمّ ممتلكاتهم الماليّة فدك!

٧٦

وافتقدتْ أمّها الزهراء

٧٧

٧٨

بعد حوالي(٧٥ يوماً) عاشتْها فاطمة الزهراء في وضع مأساوي يصعب تصويره، وكانت زينب هي الأقرب لأُمّها، والمشارِكة لها في آلامها وأحزانها، خاصّةً وأنّها تلحظ تدهور صحّة أُمّها الزهراء وازدياد توجّعها.

وفي اليوم الأخير من حياتها تحاملتْ الزهراء على مرضها وقاومتْ أوجاعها لتقوم بخدمة وداعية حانية لأطفالها الذين سيصبحون يتامى بعدها.. فقد قامتْ الزهراء تَتَّكئ على جدار المنزل ودعتْ أطفالها الأربعة الحسن والحسين وزينب وأُمّ كلثوم لتغسل أجسامهم ورؤوسهم بالماء والطين، وهي تملأ عينيها نظراً إلى أجسامهم النحيفة، وتذرف من أعماق قلبها دموع الحزن على فراقهم، وفوجئ عليعليه‌السلام حينما أقبل ورأى فاطمة وقد غادرتْ فراش مرضها، وكاد أنْ يمتلكه الفرح والسرور؛ لأنّ فاطمة استعادت صحّتها وعافيتها، لكنّه رآها كزهرة يكتنفها الذبول ولاحظها تستعين بالجدار لتواصل خطواتها البطيئة، فسألها عن سبب إجهاد نفسها بغسل الأولاد، فأجابته بصوتها الخافت: (لأنّ هذا اليوم آخر يوم من أيّام حياتي، قمتُ لأغسل رؤوس أطفالي وثيابهم

٧٩

لأنّهم سيصبحون يتامى بلا أُمّ)(١) .

وعادتْ الزهراءعليها‌السلام إلى فراشها لتبثّ لبعلها وزوجها الغالي العزيز همومها ووصاياها.

وكان مستقبل أولادها إحدى القضايا التي ركّزتْ عليها في وصيّتها له، حيث قالتْ:

(يا ابن عم: أوصيك أنْ تتزوّج بعدي بابنة أختي أُمامة، فإنّها تكون لِوُلْدي مثلي، فإنّ الرجال لا بدّ لهم من النساء، وإنْ أنت تزوّجتَ امرأة اجْعلْ لها يوماً وليلة واجعل لأولادي يوماً وليلة)(٢) .

وعند اقتراب الأجل أرادتْ الزهراء أنْ تبعد ابنتَيها زينب وأُمّ كلثوم عن مشاهدة تلك اللحظات الأليمة حيث الموت ومفارقة الحياة، فأرسلتْهما إلى بيوت بعض الهاشميّات - كما تشير إحدى الروايات -(٣) بينما كان الحسنان مع أبيهما خارج المنزل.

وما عادتْ زينب وأختها أُمّ كلثوم إلى المنزل إلاّ وقد انطفأ منه ذلك النور، وذبلتْ فيه تلك الزهرة النديّة، وخمدتْ تلك الشعلة المُتَّقِدة بالعاطفة والحنان، لم تَعُد زينب تسمع صوت أُمّها الرقيق، ولا تنعم بابتسامتها المشرقة، إنّها قد التحقتْ روحها بالرفيق الأعلى لترتاح من عناء هذه الدنيا وظلم أهلها، أمّا جسدها النحيف الضعيف فباتّجاه القبلة على الفراش، وقد أَسْبَلَتْ يديها ورجليها وأَغْمَضَتْ عينها.

يا لها من لحظات أليمة مرّتْ على العقيلة زينب وإخوتها.. ولكنّه أمر الله،

____________________

(١) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد: القزويني: ص ٦٠٧.

(٢) المصدر السابق: ص ٦١٠.

(٣) المصدر السابق: ص ٦١٦.

٨٠