الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف0%

الاذان بين الاصالة والتحريف مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 470

الاذان بين الاصالة والتحريف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السید علی الشهرستانی
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: الصفحات: 470
المشاهدات: 37766
تحميل: 5871

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37766 / تحميل: 5871
الحجم الحجم الحجم
الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف

مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ثمّ نقلنا بعد ذلك كلمات الإمام عليّ والزهراء والحسن والحسين وعليّ بن الحسين وزينب، المصرّح أو الملوّح فيها ببني أميّة ومن قبلهم ممن كانوا قد تصدوا للخلافة!

ثمّ ركّزنا على خطبة الإمام السجاد في الشام فذكرنا قسماً منها إلى أن أذّن المؤذّن فقال: (أشهد أن محمّداً رسول اللَّه) فالتفت عليّ بن الحسين من أعلى المنبر إلى يزيد وقال: (يا يزيد، محمّدٌ هذا جدي أم جدك، فإن زعمت أنّه جدك فقد كذبت، و إن قلت إنّه جدي فلم قتلت عترته) . ولاحظنا سير محاولة الطمس وامتدادها إلى العصر العباسيّ من جانب الحكومات، وفي مقابلها حرص أئمّة أهل البيت على إتمام النور ورفع الذكر والافتخار باسم محمّد المرفوع في الأذان.

وأخيراً أشرنا إلى مطلبين آخرين:

أحدهما: أنّ الأذان ليس إعلاماً محضاً للصلاة، بل له أكثر من واقع في الحياة الإسلامية، إذ تنطوي ألفاظه على معاني الإسلام وأصول العقيدة من التوحيد والنبوة والإمامة - بنظر الإمامية - ثمّ ذكرنا الأذان وآثاره في الحياة الاجتماعية.

ثانيهما: توقيفية الأذان..! وقد تركنا القارئ دون جواب متكامل هنا، وذلك لأنّ هذا المطلب يحتاج إلى مقدمات ومزيد بيان للملابسات وما زيد في الأذان وما نقص منه، فلابّد من مسايرة البحث للوقوف على الحقيقة. والآن مع أوّل باب من هذه الدراسة:

١٦١

البابُ الأَوَّل:

حيَّ عَلى خَيْرِ العَمَلِ

الشرعية والشعارية

إنّها جزء على عهد رسول اللَّه

تأذين الصحابة وأهل البيت بها

رفع الخليفة الثاني لها

بيان لمعنى الحيعلة وسبب حذفها

تاريخ المسألة والصراعات فيها

١٦٢

١٦٣

ويقع الكلام في هذا الباب في أربعة فصول:

الفصل الأوّل: الكلام في شرعيّة حيَّ على خير العمل، وأنّها كانت جزءاً على عهد رسول اللَّه‏(صلَّى الله عليه وآله).

الفصل الثاني: في تحديد زمن حذف هذه الحَيعَلة، وامتناع بلال عن التأذين.

الفصل الثالث: في بيان معنى "حيّ على خير العمل" ، والأسباب التي دَعَتِ عمر بن الخطاب إلى حَذْفِها من الأذان.

الفصل الرّابع: بيان تاريخ المسألة وكيف صارت شعاراً لنهج التعبّد المحض، وحذفُها شعاراً سياسيّاً لخصومهم في العصور المتأخّرة بعد ثبوت شرعيّتها على عهد رسول اللَّه‏(صلَّى الله عليه وآله).

١٦٤

١٦٥

الفصل الأوّل:

في جزئية حيَّ على خير العمل

١٦٦

١٦٧

ويتلّخص الكلام فيه في ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: بيان اتّفاق الفريقين على أصل شرعيّة " حيَّ على خير العمل " وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوى النَّسخ فيها من بعد.

القسم الثاني: أسماء من أذّن بـ " حيَّ على خير العمل " من الصَّحابة والتّابعين وأهل البيت.

القسم الثالث: إجماع العترة.

١٦٨

١٦٩

القسم الأوّل: اتّفاق الفر يقين على أصل شرعيّتها

من الثابت المسلّم الذي لا يقبل الشكّ هو ثبوت جزئيّة (حيَّ على خير العمل) في الأذان على عهد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّها مضافاً إلى وجودها في روايات الإمامية الاثني عشرية وفي روايات الزيّدية والإسماعيليّة، رواها أهل السنة والجماعة بطرقهم، وأنّ بلالاً كان يؤذّن بها في الصبح خاصّة، بل كان جمّ غفير من الصحابة يؤذّنون بها.

وحكي عن بعض أئمّة المذاهب الأربعة أنّهم قالوا بالتأذين بها، لكنّ عامّتهم ادّعوا أنّ رسول اللَّه أمر بلالاً بحذفها من الأذان ووضع مكانها جملة (الصلاة خير من النوم).

من هذا يتبيّن أنّهم لا ينكرون شرعيّتها في مبدأ الأمر، لكنّهم يقولون بنسخها، فما هو الناسخ إذاً؟ ولِمَ تُنسخُ هذه الجملة بالخُصوص من الأذان؟

للإجابة عن هذا السؤال لابدّ من ملاحظة أنّ أهل السنّة والجماعة انقسموا - في هذه المسألة - إلى فريقين؛ فمنهم من قال إنّ الناسخ هو قول رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) لبلال: (اجعل مكانها: الصلاة خير من النوم) (372) ، في حين لم يَرَ الفريقُ الآخر منهم بُدّاً من

____________________

(372) انظر: مجمع الزوائد 1: 330، (وفيه: (رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبد الرحمن بن عمّار بن سعد وقد ضعّفه ابن معين). والجدير بالذكر أن المتّقي الهندي ذكر رواية الطبراني في كنز العمال

=

١٧٠

السُّكوت عن بيان الناسخ؛ لضعف تلك الأخبار وعدم دلالتها على المقصود، بل لاحتواء تلك الأسانيد على وقفات علميّة؛ سَنَديّة ودلاليّة، يجب بيانها إن اقتضى الحال.

قال السيّد المرتضى في الانتصار : وقد روت العامّة أنّ ذلك [أي (حيّ على خير العمل) ] مما كان يقال في بعض أيام النبيّ، و إنّما ادّعي أن ذلك نُسخ ورُفع، وعلى مَن ادّعى النسخ الدلالة له، وما يجده (373) .

وقال ابن عربي في الفتوحات المكية :... وأمّا من زاد في الأذان حيَّ على خير العمل فإن كان فُعل في زمان رسول اللَّه - كما روي أنّ ذلك دعا به في غزوة الخندق؛ إذ كان الناس يحفرون، فجاء وقت الصلاة وهي خير موضوع كما ورد في الحديث، فنادى المنادي أهل الخندق (حيَّ على خير العمل) - فما أخطأ مَن جعلها في الأذان، بل اقتدى إن صحّ الخبر، أو سنّ سنّة حسنة (374) .

وجاء في الروض النضير عن كتاب السنام ما لفظه: الصحيح أنّ الأذان شرّع بحيّ على خير العمل، لأنّه اتُّفِق على الأذان به يوم الخندق، ولأنّه دعاءٌ إلى الصَّلاة، وقد

____________________

=

342: 8 ح 23174 بعد ذكر إسنادها قال: كان بلال يؤذّن بالصبح فيقول: حيَّ على خير العمل، ولم يذكر فيه: (اجعل مكانها الصلاة خير من النوم).

(373) الانتصار 137، باب (وجوب قول حيّ على خير العمل في الأذان).

(374) الفتوحات المكية 1: 400.

١٧١

قال (صلّى الله عليه وآله) (خير أعمالكم الصلاة) (375) . كما وردت روايات أخرى تفيد أنّ مؤذّني رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) وغيرهم من الصحابة استمرّوا على التأذين بها حتّى ماتوا (376) .

وعليه فالفريقان، شيعةً وسنةً، متّفقان على ثبوت حكمها في الصدر الأوّل وعلى كونها جزء الأذان في بدء التشريع، لكنّ أهل السنة والجماعة انفردوا بدعوى النسخ، وهو كلام قُرِّر في العهود اللاحقة لأسباب تقف عليها لاحقاً.

فهذا الأمر يشير إلى أنّ شرعيتها وجزئيتها كانت ثابتة عند الفريقين من لدن عهد الرسول الأكرم، ويضاف إلى ذلك أنّ الشيعة الإمامية والزيدية والإسماعيلية لهم طرقهم الخاصَّة والصَّحيحة وكُلُّها تُؤكّد ثبوتها على عهد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) وعدم نَسْخها في حياته (صلّى الله عليه وآله)، (وأنّ رسول اللَّه أمَرَ بلالاً أنْ يُؤذّن بها فلم يَزَلْ يُؤَذِّنُ بها حتّى قَبَضَ اللَّهُ رَسولَهُ) (377) .

وهذا نص صريح يدل على عدم نسخ (حَيّ على خير العمل) وعلى كونها جُزء الأذان حتّى قَبَضَ اللَّه رسوله.

و يؤيِّد هذا المروي عندنا عن بلال ما رواه الحافظ العلوي الزيدي (378) مسنداً

____________________

(375) هذا ما حكاه عزّان محقّق كتاب (الأذان بحيّ على خير العمل) 12 عن الروض النضير 1: 542.

(376) المصدر نفسه 50 - 56..

(377) انظر: من لا يحضره الفقيه 1: 284/ ح 872 وعنه في وسائل الشيعة 5: 416، والاستبصار 1: 306 ح 1134، والأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي 91.

(378) وهو أبو عبد اللَّه محمد بن علي بن الحسن العلوي الشجري الكوفي (الإمام المحدّث الثقة العالم الفقيه مسند الكوفة) كما نصّ عليه الذهبي في العبر 3: 212 وسير أعلام النبلاء 17: 636 وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب 3: 274. مات بالكوفة في ربيع الأول سنة 445 هـ، ومولده في رجب سنة 367 هـ.

=

١٧٢

=

قال ابن النرسي: ما رأيت من كان يفهم فقه الحديث مثلَه. وقال: كان حافظاً خرّج عنه الحافظ الصوري وأفاد عنه وكان يفتخر به (سير أعلام النبلاء 17: 636). وفي (طبقات الزيدية 2: 292): الثقة العبد مسند أهل الكوفة، وقد ترجم له الطهراني في طبقات أعلام الشيعة (أعلام القرن الخامس 170 - 172).

له كتاب (فضل الكوفة) و(فضل زيارة الحسين) و(تسمية من روى عن الإمام زيد من التابعين)، و(التاريخ)، و(التعازي) وكتاب (الجامع الكافي) وقد جمعه من بضع وثلاثين كتاباً من كتب الإمام محمد بن المنصور المرادي الزيدي، وهو من أجلّ ما كتب في الفقه ونصوص الأئمّة الزيديّة، وفيه بحث الأذان. وله كتاب على انفراد باسم (الأذان بحيَّ على خير العمل) له طرق متعدّدة عند الزيديّة، وقد أشار محمد يحيى سالم عزّان إلى بعض طرقه إلى هذا الكتاب في مقدّمة تحقيقه ص (32)، وكذا العلّامة السيّد محمّد بن حسين بن عبد اللَّه الجلال، حيث قال في آخر نسخته: يقول الفقير إلى اللَّه المعترف بالذنب والتقصير محمد بن حسين بن عبد اللَّه الجلال:

أروي كتاب (الأذان بحيَّ على خير العمل) من عدّة طرق عن مشايخي رحمهم اللَّه بطر يق الإجازة العامّة، وأرويه عن سيّدي العلّامة قاسم بن حسين أبو طالب بالسماع من فاتحته إلى خاتمته إلّا اليسير منه فبالإجازة العامّة، وهو يرويه عن عدد من مشايخه ذكرتهم في مؤلّفي المسمّى (الأنوار السنيّة في إسناد علوم الأمة المحمديّة)، منهم: شيخه العلّامة عليّ بن حسين المغربي، عن شيخه السيّد العلّامة عبد الكريم بن عبد اللَّه أبو طالب عن شيخه العلّامة بدر الآل... إلى آخر مشايخه - عن المؤلّف أبي عبد اللَّه محمد بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن الحسين بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن ز يد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (رضوان اللَّه عليهم جميعاً).

وقد طبع هذا الكتاب في اليمن في شهر صفر عام 1399 هـ السيّد يحيى عبد الكريم الفضل عن نسخة العلّامة الجلال. قال المحقق في مقدّمته للكتاب: وقد روى التأذين بـ (حي على خير العمل) أكثر من عشرة من الصحابة، وجاءت رواية الأذان من أكثر من مئة طريق، وكلّ منها بإسناد متصل (انظر: المقدمة 5 - 6).

وقد نقل عن هذا الكتاب كثير من الأعلام أمثال الإمام القاسم بن محمّد في كتاب الاعتصام، والشوكاني في نيل الأوطار، وأخرج مسنده في كتابه (إتحاف الأكابر)، ورواه وأخرج مسنده العلّامة عبد الواسع الواسعي في كتابه (درر الأسانيد)، وكذا العلّامة مجد الدين المؤيّد والعلّامة

=

١٧٣

إلى أبي محذورة من أنَّ رسول اللَّه علّمه الأذان، وفيه التَّأذين بحيَّ على خير العمل (379) .

ومن المعلوم أنَّ أبا محذورة تَعَلَّمَ الأذان من رسول اللَّه - حسبما يقولون - في أواخر السَّنَة الثامنة من الهجرة بعد رجوعه من حُنَين (380) ، ومعناه ثبوتُ حيّ على خير العمل وشرعيتُها حتّى ذلك التأريخ، ولم يَأمر رسولُ اللَّه بإبدالها بـ (الصلاة خير من النوم).

و يضاف إلى ذلك أنَّ رواية الحافظ العَلوي عن بلال تنفي الزيادة التي جاء بها الطبراني والبيهقي عنه رضوان اللَّه تعالى عليه؛ لأنَّ الحافظ العَلوي كان قد قال:

حدّثنا عليّ بن محمّد بن إسحاق المقري الخزّاز، أخبرنا أبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي، حدّثنا أبو بكر بن تومردا، أخبرنا مسلم بن الحجّاج، حدّثنا إبراهيم بن محمّد

____________________

=

الجلال وغيرهم.

ومن المؤسف أنّ النسخة المطبوعة التي بأيدينا مغلوطة، ولم تُعرض وتقابَل مع نسخ خطية أخرى للكتاب، وإنْ كتب على المطبوع حقّقه السيّد يحيى عبد الكريم الفضيل. ولأجله استعنت في بعض الأحيان بنسخة أخرى من تحقيق محمّد يحيى سالم عزّان، وفي أحيان أخرى بكتاب الاعتصام بحبل اللَّه المطبوع فيه كتاب الأذان بكامله. وقد أراني المحقّق الحجة السيّد محمد رضا الجلالي نسخة من كتاب (الأذان بحي‏ على خير العمل) بخط العلّامة المحدّث السيّد محمد بن الحسين الجلال مجيزاً له رواية هذا الكتاب، وقد أخبرني بأنه يعزم على تحقيقه وطبعه فسرّني عزمه آملين له التوفيق والسداد.

(379) انظر: (الأذان بحيّ على خير العمل) للحافظ العلوي 26ـ 27، 29. وكذا: تحقيق عزّان 50 - 54.

(380) سبل السلام 1: 120، كتاب المسند للشافعي 31، مسند أحمد 3: 408، سنن النسائي 2: 5.

١٧٤

بن عرعرة، حدّثنا معن بن عيسى، حدّثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذِّن، عن محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر، عن جدّه حفص بن عمر بن سعد، قال: كان بلال يؤذِّن في أذان الصبح بحيَّ على خير العمل (381) .

في حين نرى نفس هذا الحديث قد ورد في الطبراني والبيهقي (382) من طريق يعقوب بن حميد، عن عبد الرحمن بن سعد [المؤذّن]، عن عبد اللَّه بن محمّد وعمر وعمّار ابنَي حفص، عن آبائهم، عن أجدادهم، عن بلال: أنّه كان ينادي بالصبح فيقول: (حيَّ على خير العمل)، إلّا أنّ فيما أخرجه الطبراني والبيهقي زيادة:

فأمره النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن يجعل مكانها (الصلاة خير من النوم) وترك (حيَّ على خير العمل).

والمتأمِّل في رواية معن بن عيسى عن عبد الرحمن بن سعدٍ التي أوردها الحافظ العلوي يراها أوثق من رواية يعقوب بن حميد التي أوردها الطبراني والبيهقي باتفاق الجميع؛ لأنَّ معن بن عيسى ثقة ثبت وكذا غيره من رجال السند.

وممّا يحبذ هنا هو أنّ نقوم بتحقيق بسيط عن رجال الإسنادين وما رَوَوه عن بلال وأبي محذورة، واختلاف النقل عنهما، كي نتعرف على ملابسات مثل هذه الأمور في الشريعة والأحكام:

____________________

(381) الأذان بحيّ على خير العمل 28. وبتحقيق عزّان 56. والاعتصام بحبل اللَّه 1: 290.

(382) المعجم الكبير 1: 353 والنصّ عنه، وفي السنن الكبرى 1: 425 وفيه قال الشيخ: هذه اللفظة لم تثبت عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) فيما علّم بلالاً وأبا محذورة، ونحن نكره الزيادة فيه وباللَّه التوفيق.

١٧٥

وقفه مع الحديثَين (383)

ذكرت كتب الحديث والتاريخ أسماء أربعة من الذين أذّنوا على عهد رسول اللَّه، وهم:

1 - بلال بن رباح الحبشي

2 - أبو محذورة القرشي

3 - عبد اللَّه بن أمّ مكتوم

4 - سعد القرظ

وقد أذّن أبو محذورة بعد السنة الثامنة من الهجرة (384) ، وقيل بعد فتح مكّة (385) ، ونقل عن سعد القرظ أنّه كان يؤذّن بِقُبا (386) .

وربّما تكون روايات الأذان عند المذاهب الأربعة والاختلافات في فصوله وأعداده، راجعة إلى اختلاف عمل هؤلاء الصحابة في الأذان أو اختلاف النقل عنهم، مضافاً إلى ما جاء عن عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه

____________________

(383) أحدهما: الذي رواه الطبراني والبيهقي بإسنادهما عن عبد الرحمن بن سعد القرظ، وفيه: كان بلال يؤذّن في أذان الصبح بحيّ على خير العمل، وأنّ رسول اللَّه أمره أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم، وهو يخالف ما رواه الحافظ العلوي من طريق مسلم بن الحجّاج والذي يخلو من هذه الزيادة.

الثانية: حديث أبي محذورة المختلف فيه، والذي رواه رجال الصحاح والسنن ليس فيه (حيّ على خير العمل). أمّا الحافظ العلوي وأحمد بن محمّد بن السري، فقد رَوَياه وفيه التأذين بحيّ على خير العمل، وهو الذي يتّفق مع مرويّات أهل البيت، وعليه إجماع العترة حسبما ستعرف بعد قليل.

(384) سبل السلام 1: 120، كتاب المسند للشافعي 31، مسند أحمد 3: 408، سنن النسائي 2: 5.

(385) الطبقات الكبرى لابن سعد 5: 450.

(386) تلخيص الحبير 3: 199، تهذيب الأسماء للنووي 1: 55.

١٧٦

فيه.

فالاختلاف أمر ملحوظ في الأحاديث، وقد يُنقَل عن الصحابي الواحد نقلان متخالفان؛ فالتكبيرتان والأربع في أوّل الأذان مثلاً ورد كلّ منهما عن عبد اللَّه بن زيد، والتثويب وعدمه جاءا عن أبي محذورة، واختص خبر الترجيع (387) بأبي محذورة دون غيره من المؤذنين، فما سبب كلّ هذا الاختلاف والكل ينسب فعله إلى الصحابة؟

(فمالك والشافعي ذهبا إلى أنّ الأذان مثنى مثنى والإقامة مرّة مرّة، إلّا أنّ الشافعيّ يقول في أوّل الأذان (اللَّه أكبر) أربع مرات و يرويها محفوظاً عن عبد الله بن زيد وأبي محذورة، وهي زيادة مقبولة والعمل بها في مكّة ومن تبعهم من أهل الحجاز.

لكن مالكاً وأصحابه ذهبا إلى تثنية التكبير، وقد رووا ذلك من وجوهٍ صحاحٍ من أذان أبي محذورة ومن أذان عبد اللَّه بن زيد وعليه عمل أهل المدينة من آل سعد القرظ) (388) .

واتفق مالك (389) والشافعي (390) على الترجيع في الأذان، لكن الحنابلة (391) والأحناف (392) قالوا: لا ترجيع في الأذان، وكلٌ استند فيما ذهب إليه إلى نقله عن بعض الصحابة!!

____________________

(387) الترجيع في الأذان هو تكرير الشهادتين جهراً، هكذا فسّره الصاغاني، انظر: تاج العروس 5: 351.

(388) انظر: فتح المالك 1: 7. وفتح الباري لابن رجب الحنبلي 3: 413.

(389) فتح المالك 1: 8.

(390) المجموع للنووي 3: 90.

(391) المغني لابن قدامة 1: 416. فتح الباري لابن رجب 3: 414.

(392) المبسوط للسرخسي 1: 128، الهداية شرح البداية 1: 41 باب الأذان.

١٧٧

قال الأثرم: سمعت أبا عبد اللَّه [يعني أحمد بن حنبل] يُسأَلُ: إلى أيّ الأذان يذهب؟ قال: إلى أذان بلال...

قيل لأبي عبد اللَّه: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد اللَّه بن زيد؛ لأنّ حديث أبي محذورة بعد فتح مكّة؟

فقال: أليس قد رجع النبيّ إلى المدينة فأقرّ بلالاً على أذان عبد اللَّه بن زيد (393) .

بلى، إنّ فِعل الصحابي كان هو الحجة رغم الاختلافات، لكن لنا أنّ نتساءل عن هذا الاختلاف هل أنّه حصل بالفعل في زمن الصحابي، أم أنّه من صنع المتأخرين، وما هي ملابسات هذه الأحاديث المختلفة؟ بل ما هي قيمة رجال إسنادها؟!

ونحن إيماناً بضرورة دراسة مثل هذه الأمور سلّطنا بعض الضوء على رجال خبري بلال وأبي محذورة.

فقد ادّعي في طريق الطبراني والبيهقي أنّ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) قال لبلال: (اجعل مكانها: الصلاة خير من النوم)، مع أنّ هذه الزيادة غير موجودة في طريق الحافظ العلوي.

وفي رواية أبي محذورة (فاجعل في آخرها: الصلاة خير من النوم)، وهي أيضاً غير موجودة في طريق الحافظ العلوي.

فأيّ النقلين هو الصواب إذن؟!

____________________

(393) المغني لابن قدامة 1: 416 - 417.

١٧٨

مع ما رواه الطبراني والبيهقي عن بلال

قد مر عليك قبل قليل (394) ما رواه الطبراني عن شيخه محمّد بن عليّ الصائغ، والبيهقي بإسناده عن أبي الشيخ الإصفهانيّ - في كتاب الأذان - عن محمّد بن عبد اللَّه بن رسته، كلاهما عن يعقوب بن حميد بن كاسب:

حدّثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمّار بن سعد القرظ، عن عبد اللَّه بن محمّد، وعمر وعمّار ابنَي حفص، عن آبائهم، عن أجدادهم، عن بلال...

وفي هذا الإسناد: يعقوب بن حميد بن كاسب، فهو أبو يوسف، مدنيّ الأصل، مكيّ الدار؛ هذا ما قاله ابن أبي حاتم الرازي، ثمّ قال: سألت يحيى بن معين عن يعقوب بن كاسب، فقال: ليس بشي‏ء.

وقال أبو بكر بن خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول وذكر ابن كاسب، فقال: ليس بثقه، قلت: من أين قلت ذلك؟ قال: لأنّه محدود (395) .

قلت: أليس في سماعه ثقة؟ قال: بلى.

أخبرنا عبد الرحمن، قال: سمعت أبي يقول: ضعيف الحديث.

أخبرنا عبد الرحمن قال: سألت أبا زرعة عن يعقوب بن كاسب، فحرّك رأسه، قلت: كان صدوقاً في الحديث، قال: لهذا شروط. وقال في حديث رواه يعقوب: قلبي لا يسكن إلى ابن كاسب (396) .

____________________

(394) مرّ في صفحة: 186.

(395) المحدود: من أقيم عليه الحدّ.

(396) الجرح والتعديل 9: 206.

١٧٩

وقال أبو بكر: سمعت يحيى بن معين وذكر ابن كاسب يقول: ليس بثقة، فقلت له: من أين قلت ذاك؟ قال: لأنّه محدود، قلت: أليس هو في سماعه ثقة؟ فقال: بلى، فقلت له: أنا أعطيك رجلاً تزعم أنّه وجب عليه حدٌّ وتزعم أنّه ثقة، قال: من هو؟ قلت: خلف بن سالم، قال: ذلك إنما شتم بنت حاتم مرّة واحدة، وما به بأس لولا أنّه سفيه.

قلت لمصعب الزبيري: إنّ يحيى بن معين يقول في ابن كاسب: إنّ حديثه لا يجوز لأنّه محدود، فقال: ليس ما قال، إنما حدّه الطالبيّون في التحامل وليس حدود الطالبيين عندنا بشي‏ء لجورهم، وابن كاسب ثقة مأمون صاحب حديث، أبوه مولى للخيزران، وكان من أمناء القضاة زماناً (397) .

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ : تفرّد بأشياء وله مناكير، حدّث عنه البخاري وابن ماجة وعبد اللَّه بن أحمد و إسماعيل القاضي، وأبو بكر بن أبي عاصم وطائفة، ذكره البخاري فقال: لم نرَ إلّا خيراً، وقال أبو حاتم: ضعيف (398) .

وفي ميزان الاعتدال : قال البخاري: لم نرَ إلّا خيراً، هو في الأصل صدوق وشذّ مضر بن محمّد الأسدي فروى عن ابن معين: ثقة، وروى عبّاس عن يحيى: ليس بثقة (399) ، فقلت: لم؟

قال: لأنّه محدود...

والنسائي: ليس بشي‏ء.

وأبو حاتم: ضعيف.

قال الذهبي: كان من علماء الحديث لكن له مناكير وغرائب، وحديثه في

____________________

(397) التعديل والتجريح للباجي 3: 1425.

(398) تذكرة الحفّاظ 2: 466.

(399) في تهذيب الكمال 32: 322 عن عباس الدوري عن ابن معين: ليس بشي‏ء.

١٨٠