الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف0%

الاذان بين الاصالة والتحريف مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 470

الاذان بين الاصالة والتحريف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السید علی الشهرستانی
الناشر: لسان الصدق
تصنيف: الصفحات: 470
المشاهدات: 37770
تحميل: 5871

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37770 / تحميل: 5871
الحجم الحجم الحجم
الاذان بين الاصالة والتحريف

الاذان بين الاصالة والتحريف

مؤلف:
الناشر: لسان الصدق
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

صحيح البخاري في موضعين: في الصلح، وفيمن شهد بدراً...

قال الحلواني: رأيت أبا داود السجستاني قد جعل حديث يعقوب بن كاسب وقايات على ظهور كتبه، فسألته عنه، فقال: رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول فدافعنا، ثمّ أخرجها بَعدُ فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيَّرة بخطِّ طَرِيّ؛ كانت مراسيل فأسنَدَها وزادَ فيه (400) .

وفي سير أعلام النبلاء :

(... وكان من أئمّة الأثر على كثرة مناكير له - إلى أنّ يقول -: وقال ابن عدي: لا بأس به وبرواياته، هو كثير الحديث، كثير الغرائب، كتبت مسنده عن القاسم بن عبد اللَّه عنه، صَنّفه على الأبواب، وفيه من الغرائب والنسخ والأحاديث العزيزة، وشيوخ أهل المدينة ممّن لا يروي عنهم غيره...) (401) .

وقال ابن حبّان في الثقات: مات سنة أربعين أو أحد وأربعين ومائتين، كان ممّن يحفظ وممّن جمع وصنّف، واعتمد على حفظه فربّما أخطأ في الشي‏ء بعد الشي‏ء، وليس خطأ الإنسان في شي‏ء يَهِمُ فيه ما لم يفحش ذلك منه بمُخْرِجِهِ عن الثقات إذا تقدّمت عدالته (402) .

قلت: كيف يقول ابن حبّان هذا وهو يعلم بأن الخدشة فيه جاءت لكونه محدوداً لا من جهة حفظه؛ لأنّ الثابت عدم قبول شهادة الفاسق وخصوصاً لو أفحش في التحامل على أهل البيت، وخصوصاً الإمام عليّ بن أبي طالب، وهذا يشير إلى نصبه بلا أدنى شك؛ لأنّ الطالبيين حدّوه لنصبه، وقد وقفت على سرّ الحد لقول الزبيري: (إنّما حده الطالبيون في التحامل). وقول ابن معين في خلف بن سالم: (... إنّما

____________________

(400) ميزان الاعتدال 7: 276 - 277. وانظر: الضعفاء الكبير للعقيلي 4: 446.

(401) سير أعلام النبلاء 11: 158 وانظر: كلام ابن عدي في الكامل 7: 151.

(402) الثقات لابن حبّان 9: 285.

١٨١

شتم بنت حاتم مرّة واحدة وما به بأس)، وهما يرشدان إلى أنّ الخدشة جاءت فيه من هذه الجهة، وهي فسق بلا شك، لا من جهة نسيانه، وكيف لا يكون فاسقاً غير معتمد الرواية وهو يغير الأصول و يسند المراسيل؟! أضف إلى كلّ ذلك أنّه كان (أبوه مولى للخيزران وكان من أمناء القضاة زماناً)؟

وأما عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذّن.

فقد قال ابن أبي حاتم عنه: سئل يحيى بن معين عن عبد الرحمن المؤذّن، فقال: مديني ضعيف؛ روى عن أبي الزناد (403) .

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: ضعيف من السابعة (404) .

وقال الشوكاني في نيل الأوطار : وعبد الرحمن ضعيف (405) .

وقال ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: ضعيف (406) .

وقال البخاري في تاريخه الكبير: عبد الرحمن بن سعد فيه نظر، مولى بني مخزوم (407) .

وقال المارديني الشهير بابن التركماني في الجوهر النقي: منكر الحديث (408) .

وضعّفه ابن أبي حاتم، وقال ابن القطان: هو وأبوه وجدّه مجهولو الحال (409) .

وقال الألباني في إرواء الغليل : عبد الرحمن بن سعد ضعيف وأبوه وجده

____________________

(403) الجرح والتعديل 5: 238.

(404) تحرير تقريب التهذيب 2: 321.

(405) نيل الأوطار 3: 346.

(406) الآحاد والمثاني 1: 65.

(407) تاريخ البخاري الكبير 5 287.

(408) الجوهر النقي 3: 286.

(409) الجوهر النقي 1: 394.

١٨٢

لا يعرف حالهم (410) .

وأما عبد اللَّه بن محمد فقد ضعفه ابن معين (411) .

وسئل يحيى بن معين عن عبد اللَّه بن محمّد وعمّار وعمر ابني حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم كيف حال هؤلاء؟ قال: ليسوا بشي‏ء (412) .

وأما عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ.

فقد قال ابن معين: ليس بشي‏ء (413) .

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب : عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن فيه لين، من السابعة (414) .

وأما عمار بن حفص بن عمر بن سعد القرظ، فهو أخو عمر، وهو والد محمّد، روى عنه عبد الرحمن بن سعد (415) .

قال البخاري: لم يصحّ حديثه (416) .

وقال يحيى بن معين: ليس بشي‏ء (417) .

وأما حفص بن عمر بن سعد القرظ، فلم يسمع من جدّه ولا غيره من

____________________

(410) إرواء الغليل 3: 120.

(411) الجوهر النقي 3: 287، 1: 394.

(412) انظر: تاريخ ابن معين (الدارمي) 169، الكامل في الضعفاء 5: 73، الضعفاء للعقيلي 2: 300 - 301، والجرح والتعديل 6: 103.

(413) الجوهر النقي 3: 287 الجرح والتعديل 6: 102، المغني في الضعفاء 2: 464، تهذيب الكمال 21: 302، تهذيب التهذيب 6: 183.

(414) تحرير تقريب التهذيب 3: 68.

(415) التاريخ الكبير 5: 287.

(416) ميزان الاعتدال 5: 211.

(417) لسان الميزان 4: 271، الجرح والتعديل 6: 392.

١٨٣

الصحابة، وربما نسب إلى جدّه فيتوهّمه الواهم أنّه تابعي (418) .

وقد علّق ابن التركماني على أحد أحاديث حفص بن عمر في كتاب صلاة العيدين بقوله: إنّ حفصاً والد عمر المذكور في هذا السند إن كان حفص بن عمر المذكور في السند الأوّل فقد اضطربت روايته لهذا الحديث، رواه ها هنا عن سعد القرظ، وفي ذلك السند رواه عن أبيه وعمومته عن سعد القرظ، فظهر من هذا أنّ الأحاديث التي ذكرها البيهقي في هذا الباب لا تسلم من الضعف. وكذا سائر الأحاديث الواردة في هذا الباب.. (419) .

وحكى الزيلعي عن (الإمام): وأهل حفص غير مُسمَّين، فهم مجهولون (420) .

كان هذا حال رجال هذا الإسناد.

مع ما رواه الحافظ العلوي عن بلال

أ مّا طريق الحافظ العلوي فهو أحسن من هذا بكثير، و إن كان فيه بعض الملابسات؛ لأنّ الحافظ خرّج حديثه من طريق مسلم بن الحجّاج، و إن لم يكن في صحيحه:

حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة، حدّثنا معن بن عيسى، حدّثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذّن، عن محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر.

وهم خير من أولئك

____________________

(418) معرفة علوم الحديث: 70 النوع الخامس عشر.

(419) الجوهر النقي 3: 287.

(420) نصب الراية 1: 265.

١٨٤

فـ مسلم بن الحجّاج، صاحب الصحيح، فهو إمام عند القوم.

وأما إبراهيم بن محمّد بن عرعرة بن البرند بن النعمان أبو إسحاق البصري فقال عنه ابن أبي حاتم الرازي: سئل أبي عن إبراهيم بن أبي عرعره فقال: صدوق (421) .

وحكى عن عليّ بن الحسين بن حبّان أنّه قال: وجدت في كتاب أبي بخطّ يده قلت له - يعني يحيى بن معين -: أبو عرعرة؟

فقال: ثقه معروف الحديث، كان يحيى بن سعيد يكرمه، مشهور بالطلب، كيّس الكتاب؛ ولكنه يفسد نفسه، يدخل في كلّ شي‏ء (422) . وجاء فيه بعض التليين.

وأما م عن بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي مولاهم القزّاز أبو يحيى المدني؛ فهو في طبقة يعقوب بن حميد بن كاسب، فقد ترجم له المزّي في التهذيب (423) ، قال أبو حاتم: أثبتُ أصحاب مالك وأوثقهُم معن بن عيسى، وهو أحب إليّ من عبد اللَّه بن نافع الصائغ ومن ابن وهب (424) .

أ مّا عبد الرحمن بن سعد المؤذن فضعيف حسبما عرفت.

وأما محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر ، فهو أبو عبد اللَّه المدني مؤذّن مسجد الرسول، ويقال له: كشاكش، وهو مولى الأنصار ويقال: مولى عمّار بن ياسر (425) .

قال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ما أرى به بأس (426) ، وقال الدوري عن

____________________

(421) الجرح والتعديل 2: 130.

(422) تاريخ بغداد 6: 149 - 151 وفيه: سكن بغداد وحدّث بها عن يحيى بن سعيد القطّان وعبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر ومحمد بن بكر البرساني ومعن بن عيسى...

(423) تهذيب الكمال 28: 336.

(424) الجرح والتعديل 8: 277 - 278 الترجمة 1271.

(425) تهذيب الكمال 26: 163، تهذيب التهذيب 9: 358، التاريخ الصغير 2: 183.

(426) العلل لأحمد 2: 485، بحر الدم فيمن مدحه أحمد وذمّ 141.

١٨٥

يحيى بن معين: لم يكن به باس (427) .

وقال عليّ بن المديني: ثقة (428) .

قال أبو حاتم: شيخ ليس به بأس، يُكتب حديثه (429) .

وقال ابن حجر: لا بأس به، من السابعة (430) .

وحفص بن عمر بن سعد القرظ قد عرفت حاله وهو مُتكلَّم فيه، والخبر موقوف عليه وليس بحجة.

ومع كلّ هذه الملابسات نرى هذا الإسناد أنظف ممّا رواه الطبراني في الكبير والبيهقي عن أبي الشيخ الإصفهاني عن محمّد بن عبد اللَّه بن رُسته في السنن.

مع ما رواه السري عن أبي محذورة

ويعضد ثبوت الحيعلة الثالثة عن رسول اللَّه ما رواه الحافظ العلوي بطرق متعددة - سيأتيك ذكرها تحت عنوان (تأذين الصحابة وأهل البيت) - عن أبي محذورة وأنها اتفقت جميعاً على ثبوتها.

وأما رواية الحافظ العلوي بإسناده الذي فيه أحمد بن محمّد بن السري فإليك نصّها:

حدّثنا أبو القاسم عليّ بن الحسين العرزمي إملاءً من حفظه، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن السري التميمي،

____________________

(427) تاريخ بن معين برواية الدوري 1: 147.

(428) لسان الميزان 7: 369 - 370، تهذيب الكمال 26: 163.

(429) الجرح والتعديل 8: 43.

(430) تحرير تقريب التهذيب 3: 295.

١٨٦

حدّثنا أبو عمران موسى بن هارون بن عبد اللَّه الجمال، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، حدّثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي محذورة، قال: كنتُ غلاماً صيّتاً، فأذّنت بين يدي رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) لصلاة الفجر، فلما انتهيت إلى (حيَّ على الفلاح) قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ألحق فيها: حيَّ على خير العمل) (431) .

وهذا النص - كما تراه - واضح لا مغمز في لفظه ولا معناه، لكنّ المتأخّر ين من علماء العامّة حرفوا النص عن وجهته فنقلوا الرواية بشكل آخر، قالوا:

زعم أحمد بن محمد بن السري أنّه سمع موسى بن هارون عن الحماني عن أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي محذورة، قال: كنت غلاماً فقال النبيّ: اجعل في آخر أذانك (حيّ على خير العمل) (432) .

وبناء على هذا التلاعب قال الحافظ ابن حجر في خبر السري:

(وهذا حدثنا به جماعة عن الحضرمي عن يحيى الحماني و إنما هو: اجعل في آخر أذانك: الصلاة خير من النوم) (433) .

لكن كلامه باطل من عدة جهات:

الأولى: أنّ مكان (حيّ على خير العمل) عند من يقول بها هي وسط الأذان لا في آخره، وأنها من أصل الأذان لا زيادة فيه كالصلاة خير من النوم، و إنّما سوغ لهم هذا التلاعب تحريفهم نص السري عن وجهته، حيث جعلوا الحيعلة الثالثة في

____________________

(431) الأذان بحيّ على خير العمل 15 - 16.

(432) ميزان الاعتدال 1: 283 - 284.

(433) لسان الميزان 1: 268.

١٨٧

آخر الأذان، ليتسنى لهم ادعاء أنّ الرواية وردت بجعل (الصلاة خير من النوم) في آخره لا الحيعلة الثالثة.

الثانية: أنّ زيادة (الصلاة خير من النوم) جاءت متأخّرة، وقد قال مالك عنها أنها ضلال (434) ، ورجع الشافعي عن القول بها في الجديد (435) ؛ لعدم ثبوت ذلك عن أبي محذورة، وهو مؤشّر على عدم شرعيّتها في أصل الأذان، فلو كان الأمر كذلك فالزيادة مشكوك فيها ولا يمكن الأخذ بها، وقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة عن الأسود بن يزيد قوله وقد سمع المؤذّن يقول (الصلاة خير من النوم) فقال: لا يزيدون في الأذان ما ليس سنّة (436) .

الثالثة: إنّ ما زعمه ابن حجر من وضع حديث: نار تلتقط مبغضي آل محمّد، واتّهم به أحمد بن محمّد بن السريّ، فباطل.

إذ لا شاهد له على ذلك إلّا استعظامه واستكباره أن يرد مثل هذا الحديث في فضل آل محمّد، ولو أنصف لعلم أنّ مبغضي آل محمّد في النار وأنّه لا استكبار ولا استعظام. وهناك روايات كثيرة تشير إلى هذا المعنى، فقد يكون أحمد بن محمّد بن السري نقل الحديث بالمعنى، وهو جائز عند الفريقين، ومحض الانفراد - لو صحّ - لا يدلّ على الوضع، خصوصاً مع أنّ لحديثه هذا شواهد ومتابعات كثيرة، وأحمد هذا ثقة بإجماعهم، ولم يعيبوا عليه إلّا شيئاً لا يصح به قدح.

____________________

(434) انظر: مواهب الجليل 2: 83 كتاب الصلاة، فضل الأذان والإقامة، حيث صرّح بأن التثويب ضلال، فتمحّل بعضهم وقالوا إن المراد بالتثويب (حيّ على خير العمل) وقال آخر المراد هو التثويب الثاني وهو خنق للحقيقة، خصوصاً وقد حكي عن مالك تجويزه الحيعلة الثالثة كما سيأتي في آخر القسم الثالث من هذا الفصل (جزئية حي على خير العمل)، والباب الثاني من هذه الدراسة (الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة).

(435) الأمّ 1: 85.

(436) مصنّف ابن أبي شيبة 1: 189.

١٨٨

فأحمد بن محمّد بن السري المعروف بابن أبي دارم (المتوفّى 351 هـ) قال عنه الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي، بعد أنّ أرّخ وفاته: كان مستقيم الأمر عامّة دهره، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يُقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن.

وفي خبر آخر في قوله تعالى: ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ ) عمر: ( وَمَنْ قَبْلَهُ ) أبو بكر ( وَالْمُؤْتَفِكَاتُ ) عائشة وحفصة، فوافقته على ذلك؛ ثمّ إنّه حين أذَّن الناس بهذا الأذان الُمحدَث وضع حديثاً متنه: تخرج نار من عدن (437) .

وعليه فالخدشة في ابن أبي دارم جاءت لروايته المثالب لا لسوء حفظه واختلاطه بأخَرَة و..، بل لروايته أشياء لا ترضي الآخرين: من القول برفس فاطمة، وشرعيّة حيّ على خير العمل، وأنّ النار تلتقط مبغضي آل محمّد وغيرها.

وقد تلخص مما سبق: إمكان الخدش في خبرَي أبي محذورة وبلال المُدَّعِيَيْنِ لنسخ الحيعلة الثالثة، والمُعَارَضَيْنِ بما رواه العلوي. ونلفت نظر القارئ‏ الكريم إلى أنّ هذين الخبرين بمجردهما قد لا يصلحان لإثبات شرعية حيّ على خير العمل، بل إن ثبوتها عندنا يرجع إلى ما عندنا من طرق صحيحة في ذلك، ويؤيده تأذين أهل البيت والصحابة بذلك، وهو ما ستعرفه بعد قليل، الأمر الذي يتفق مع سيرة بلال وحياته الفكرية التي ستقف عليها في الفصل الثاني (حذف الحيعلة وامتناع بلال عن التأذين) من هذا الباب.

مشيرين إلى أنّ الملابسات العلمية التي تعرضنا لها آنفاً ينبغي أن تحدّ من إسراف من يدّعي النسخ ويلهج بوجود الناسخ بلا دليل مُرْضٍ، وهذا هو الذي

____________________

(437) لسان الميزان 1: 268. ودعوى ابن حجر وغيره أن هذا من مختلقات السري لا يثبت أمام الحقيقة العلمية؛ إذ روى هذا التأويل كثير من المحدثين ومن كتبوا في المثالب.

١٨٩

أشار إليه الشريف المرتضى (ت 436 هـ) بقوله: وقد روت العامة أنّ ذلك مما كان يقال من بعض أيّام النبيّ وإنّما ادُّعي أنّ ذلك نُسِخَ ورُفِعَ، وعلى من ادّعى النسخ الدلالة له وما يجدها.

وممّا يضحك الثكلى أنّ البعض أسرف للغاية؛ حيث رفض جزئية حيّ على خير العمل، مدّعياً أنّ الشيعة هم الذين أوجدوها وحشروها في كتب أهل السنة والجماعة لأنّ بقيّة الفرق الإسلاميّة لا تقول بذلك، كما أنَّ صحاحهم ومسانيدهم قد خلت من (حيّ على خير العمل).

وأمام احتمال طرح مثل هذه الشبهة، نقول: إنَّ هذه القضيّة لم تختصّ بالطالبيّين دون غيرهم على ما ضبطته لنا صفحات تاريخ السنّة والسيرة، بل أقرّها عدد من الصحابة وعملوا بها، ويكفينا أن نذكر هنا اسم ابن عمر فقط لأنّه الصحابي الذي كان مورد اعتماد أهل السنة والجماعة في فترات متعاقبة من التاريخ، حتّى إنَّ المنصور العبّاسيّ قد وجّه مالكاً حين تدوين كتاب (الموطّأ) بقوله: هل أخذت بأحاديث ابن عمر؟

قال: نعم.

قال المنصور: خذ بقوله وإن خالف عليّاً وابن عباس (438) .

وعلى ضوء هذا الأمر الحكومي يمكننا القول: إنّ الدولة العبّاسيّة قد اعتبرت فقه ابن عمر معياراً ومقياساً شاخصاً لتدوين السنّة؛ لأنّه لم يكن شخصاً عاديّاً، بل كانت شخصيته ذات أبعاد مبطّنة، وفي هذا المجال رأيناه يضفي على حياته هالة من القدسيّة في اقتفاء آثار النبيّ ومتابعته.

____________________

(438) الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 147.

١٩٠

ويتلخص إشكال أهل السنة والجماعة في ثلاث نقاط:

إشكالهم الأوّل: ادّعاء أنَّ مصادرهم الحديثيّة المعتبرة قد خلت من الروايات التي تؤكّد ثبوت (حيّ على خير العمل) في الأذان، وأنّ السنن الكبرى للبيهقيّ، ومصنّف ابن أبي شيبة - اللَّذين ضمّا بين طيّاتهما مثل تلك الروايات - ليسا من الكتب الرئيسيّة التسعة، إذ هما من المصادر الثانويّة، لذا فهم لا يقولون بشرعيّة (حيّ على خير العمل) لأنّ صحيحي البخاريّ ومسلم لم يذكرا روايات تؤيّد ذلك!

إشكالهم الثاني: ادعاء أنّ رواة تلك الروايات المثبِتة لـ (حيّ على خير العمل) هم من الضعفاء، فتكون الروايات غير معتبرة من ناحية السند.

إشكالهم الثالث: إمكان القول بأنَّ عمل رسول اللَّه هو الحجّة علينا لا عمل الصحابة، فلا حجّيّة في التزام ابن عمر الإتيانَ بـ (حيّ على خير العمل) في أذانه، لأنّ المسلم مكلّف باتّباع رسول اللَّه لا غيره!

هذه هي جملة إشكالاتهم

أمّا ما يخصّ إشكالهم الأوّل - من أنّ صحاحهم وسننهم المعتبرة لم تذكر روايات تؤيّد شرعيّة (حيّ على خير العمل) وعلى الأخصّ فيما تمّ تدوينه في كتابي الشيخين البخاريّ ومسلم - فقد أجاب أحد الزيديّة عليه إجابة نقضيّة بقوله:

(وقالوا: إن صحّت في الأذان الأوّل فهي منسوخة بالأذان الثاني، لعدم ذكره فيها.

وردّ هذا: بأنّه لا يلزم من عدم ذكره في الصحيحين عدم صحّته، وليس كلّ السنّة الصحيحة في الصحيحين، وبأنّه لو كان منسوخاً لما خفي على عليّ بن أبي طالب وأولاده كما

١٩١

في مسنداتهم، وهم السفينة الناجية بقول جدّهم سيّد البريّة: (أهل بيتي فيكم كسفينة نوح: مَن رَكبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى). وما ذكره في كتاب (الأذان بحيّ على خير العمل) أنّها كانت ثابتة في الأذان أيّام النبيّ، وفي خلافة أبي بكر، وفي صدر من خلافة عمر ثمّ نهى عنها) (439) .

وبعد ذكر جواب هذا الزيديّ على الإشكال الأوّل، نقول: إنّ من الثابت المعلوم أَنْ ليس باستطاعة كتبهم التسعة أن تضمّ جميع الأحاديث والروايات المرويّة على مرّ التاريخ، بل ولم يدَّعِ أصحاب تلك الكتب أنفسهم الإلمام بكلِّ ما رُوِي أو جمْعهم لكل ما صح عن رسول اللَّه.

بلى، إنّهم ادعوا أنّ أحاديثهم منتقاةٌ من الأحاديث الصحيحة، وبهذا المعنى صرح كلٌّ من النسائيّ والبخاريّ وابن ماجة وغيرهم، فهذا يقول: إنَّه انتقى صحيحه من ستمئة ألف حديث صحيح، وذاك يقول: إنّه أخذها من ثلاثمئة ألف حديث صحيح.. وهكذا.

وصحيح أنَّهم يصفون الأحاديث التي انتقوها بأنّها صحيحة، ولكنّهم بذات الوقت لا ينكرون صحّة بقيّة الأحاديث المتروكة عندهم - التي لم يشملها تدوينهم - فهم والحال هذه لا ينفون وجود أحاديث صحيحة عند الآخرين.

فلو لاحظت أحاديث عبد الله بن زيد الأنصاري المعتمدة عندهم في تشريع الأذان فلا تجدها في صحيحي البخاري ومسلم، ولم يأتِ بهما الحاكم في مستدركه،

____________________

(439) انظر: هامش مسند زيد بن علي: 84 عن الأذان بحيّ على خير العمل: 63 بتحقيق عزّان. والنص عن طبعة دار الحياة لمسند الإمام زيد.

١٩٢

فما يعني هذا إذاً؟

ونحن قد بيّنّا أنّ ثمّة اتفاقاً بين الفريقين على ثبوت (حيّ على خير العمل) في عهد رسول اللَّه واستمرّ ذلك إلى أن جاء المنع من قبل عمر بن الخطاب، وبهذا تتأكّد شرعيّة وثبوت (حيَّ على خير العمل) إلى أنّ حكم عمر بن الخطّاب بعدم شرعيّتها، وعلى هذا الأساس فإنّ (حيّ على خير العمل) هي السنّة الحقّة وما خالفها ليس من سنّة الرسول المصطفى (صلّى الله عليه وآله).

أمّا الإجابة على إشكالهم الثاني ، فهي غير مبتورة عن الإجابة على الإشكال الأوّل؛ إذ أنّ امتداد الإجابة بمثابة الردّ الفاصل على إشكالهم الثاني، لأنّهم يقولون بأنّ الروايات التي وردت فيها الحيعلة الثالثة (حيّ على خير العمل) ضعيفة السند، لأنّ أغلب رواتها من الضعاف... وهنا لابدّ لنا من الخوض في بحث منهجي مبنائيّ معهم ليكون حديثنا أكثر علميّة وأدقّ توجيهاً، فنقول:

هل ضوابط الجرح والتعديل المتّبعة في توثيق وتضعيف الرجال هي ضوابط قرآنيّة، أو هي مبنيّة على الهوى والهوس، أو تتحكّم بها الطائفيّة، كأن يكون للشافعيّة ضوابطهم الخاصّة بهم، وكذا للمالكيّة والحنفية وغيرهم؟

فقد خدش ابن معين وأحمد بن صالح في الإمام الشافعيّ (440) .

وذكر الخطيب البغداديّ أسماء الذين ردّوا على الإمام أبي حنيفة (441) .

وقال الرازي في رسالة ترجيح مذهب الشافعيّ ما يظهر منه أنّ البخاري عدّ أبا حنيفة من الضعفاء في حين لم يذكر الشافعيّ (442) .

____________________

(440) انظر: هامش تهذيب الكمال 24: 380.

(441) تاريخ بغداد 13: 370 وفيه اسم 35 رجلاً تكلّموا في الإمام أبي حنيفة.

(442) طبقات الشافعية 2: 118.

١٩٣

وحكي عن أبي عليّ الكرابيسيّ أنّه كان يتكلم في الإمام أحمد، وكذا قدح العراقيّ شيخ ابن حجر في ابن حنبل ومسنده (443) .

وذكر الخطيب في تاريخه أسماء عدّة قد خدشوا في الإمام مالك (444) .

وقد خدشوا في الإمام البخاري والنسائي وغيرهما.

فما المعتبر في الجرح والتعديل اذاً؟

في سياق جوابنا على إشكالهم الثاني، نقول أيضاً: لو سلّمنا فرضاً بضعف تلك الروايات، فإنّ كثرتها وتعدّد طرقها تجعلها معتبرة، ويمكن الأخذ بها بناءً على قاعدة: (الحديث الضعيف يقوّي بعضه بعضاً) (445) . وأنّهم كثيراً ما أخذوا بروايات رجالها ضعفاء، فمثلاً أنّهم عملوا بقوله (صلّى الله عليه وآله) (على اليد ما أخذت حتّى تؤديه) (446) على رغم ضعف سندها وانحصارها بسمرة بن جندب.

هذا كلّه بصرف النظر عن أنّ هناك جمّاً غفيراً من علماء المسلمين - من طوائف الاثني عشرية والإسماعيلية والزيدية - رووا بطرق صحاح وحسان ثبوت الحيعلة الثالثة في زمن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) وعدم نسخها، وحينئذٍ فنحن نرى انجبار الروايات الضعيفة بهذه الطرق الصحيحة والحسنة.

ويتأكد لك سبب ندرة الروايات الدالّة على الحيعلة الثالثة في مدرسة الخلفاء أو

____________________

(443) انظر: فيض القدير 1: 26.

(444) تاريخ بغداد 1: 224، وتهذيب الكمال 24: 415.

(445) نصب الراية 1: 93 عن البيهقي أنّه قال: والآثار الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة فيما اجتمعت فيه من الحكم.

(446) مسند أحمد 5: 8، 12، 13، سنن الدارمي 2: 264 باب في العارية موداة، ابن ماجة 2: 802 باب العارية، سنن أبي داود 2: 115 باب في الرقبى، سنن الترمذي 2: 368 باب ما جاء في العارية موداة، مستدرك الحاكم 2: 47، السنن الكبرى للبيهقي 6: 90، 95، 100، السنن الكبرى للنسائي 3: 411.

١٩٤

تضعيفهم لرواتها لو سايرت البحث معنا حتّى الفصل الرابع (حيّ على خير العمل: تاريخها السياسي والعقائدي) إذ هناك ستقف على الأسباب السياسية الكامنة وراء هكذا أمور في الشريعة.

أمّا فيما يتعلّق بالإشكال الثالث من أنَّ عمل النبيّ الأكرم هو الحجّة وليس عمل الصحابة في المورد المشار إليه، فليس لنا إشكال في أصل هذا الكلام والمبنى، لكن فيه على أهل السنّة إيرادان: نقضيّ وحلّي؛ إذ أنك ترى أهل السنّة يتّبعون عمل الصحابة ويجعلونه معياراً لهم في الأحكام الفقهيّة، ولكنّهم اتّخذوا موقفاً مضادّاً لمنهجيّتهم الفقهيّة في مسألة (حيّ على خير العمل) على الرغم من دعم عمل الصحابة فيها بالنصوص الكثيرة الصريحة والشواهد التاريخيّة المؤيّدة لها.

فعلى الرغم من التزام الصحابة بـ (حيّ على خير العمل) في أذانهم، وعلى رغم كثرة الروايات التي تؤكّد شرعيّتها، ترى بعضهم يستثنون حكم هذه المسألة على ضوء طريقتهم فيقولون: الحجّة - في هذه المسألة بالذات - عمل النبيّ الأعظم وليس عمل الصحابة، مع أنّ مِن بينهم مَن يقول بأنَّ (فعل الصحابيّ يخصّص القرآن) (447) .. وهذا تناقض واضح وصريح من جانبهم!

بينما تراهم في حين آخر يقولون بأنّ فعل الصحابيّ هو علامة أو انعكاس لفعل النبيّ الأكرم، ولمّا كان ثمّة خلاف بين فقه عليّ (عليه السلام) وفقه عمر، وبين ابن عمر وعمر نفسه، وبين الصحابة الآخرين فيما بينهم أيضاً، فإنّ هذا مؤشر يدلّ دلالة واضحة على وجود مذهبين مختلفين: أحدهما يتبع رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) والنصوص الواردة، والآخر يعطي لنفسه الاجتهاد، ويتعبد بسيرة الشيخين و إن خالفت سنة رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله).

____________________

(447) المذاهب الإسلاميّة لأبي زُهرة.

١٩٥

ولو نقّبت في الكتب وتتبّعت أقوال المؤرخين في ابن عمر لوقفت على أنّ المشهور عندهم أنّه كان يتحرّى آثار النبيّ الأكرم، وقد سُطِّرَتْ في كتاب (منع تدوين الحديث) ثمان وثلاثون حالة اختلف فيها عبد اللَّه بن عمر مع أبيه.

إذ كان ابن عمر في أغلبها يحاول اتّباع سنّة رسول اللَّه، لكنّ عمر لم يأبه بكلام ابنه، ملتزماً برأيه، عاملاً بالقياس أو الاستحسان وما شابه ذلك..

فبماذا يُفَسَّر إذاً خلاف ابن عمر مع أبيه؟ نحن لا نريد بكلامنا هذا القول بأنّ ابن عمر كان من اتباع نهج التعبد المحض، أو أنّه لا يجتهد مقابل النص، لكن الصبغة الغالبة عليه هي شهرته بتحري أثار رسول اللَّه واتّباع سننه لا الاجتهاد والرأي.

ولمّا كان عمر هو الذي أمر بـ (الصلاة خير من النوم)، وهو الذي نهى عن (حيّ على خير العمل)، كان فعل الصحابة في هذا المورد هو الحاكم وهو الحجّة عندهم بخلاف ما يدّعون من أنَّ فعل النبيّ الأكرم هو الحجة لا غير.

وبهذا، فقد عرفنا شرعية الأذان بحيّ على خير العمل، وأنه لم ينسخ من قِبَلِ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) كما يقولون، وما ذُكِر من إشكالات كلّها كانت واهية لا تناهض الأدلة، بل وقفتَ - عزيزي القارئ الكريم - على بعض تحريفات الأمويين ومن اتبعوهم من المتزلفين وكيف حرّفوا قول أبي محذورة (فلما انتهيت إلى حيّ على الفلاح قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ألحِق فيها حيّ على خير العمل)، وأبدلوها بـ (اجعل في آخر أذانك حيّ على خير العمل) فإن هذا الكلام باطل وتحريف صريح للنصوص. لأنّ (ألحِق فيها حيّ على خير العمل) يؤكد على أن مكان الحيعلة الثالثة هو بعد الحيعلتين لا كما تقول الرواية المفتعلة بأنّها في آخر الأذان، فـ (الصلاة خير من النوم) تتفق مع كونها آخر الأذان لتأخر تشريعها، أما الحيعلة الثالثة فهي بعد

١٩٦

الحيعلتين، إلّا أن يقولوا بأن الحيعلة الثالثة أو الصلاة خير من النوم - كما في الرواية الأخرى - هو آخر الأذان، مسقطين بذلك التكبير والتهليل عن آخر الأذان وهذا ما لا يقوله أحد.

وعليه فيكون الصحيح الذي يتفق مع فصول الأذان هو ما رواه الحافظ العلوي بإسناده عن أبي محذورة لا ما حرّفه الذهبي وابن حجر، فتدبر.

١٩٧

القسم الثاني: تأذين الصحابة وأهل البيت.

إنّ المطالع في كتب السير والتاريخ والحديث عند المذاهب الإسلاميّة يقف على أسماء عدة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وأهل بيت رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) كانوا يؤذّنون بـ (حيّ على خير العمل) وإن كانت بعض تلك النصوص تشير إلى تأذينهم بها في الفجر خاصة، لكنّ هناك نصوصاً أخرى تدل على شموليتها لجميع الأوقات.

و إليك الآن أسماء بعض مَن أذّن بها للرسول الأكرم، وأسماء بعض كبار الصحابة وأهل بيت النبوة، جئنا بها من طرق الشيعة الإمامية الاثني عشرية وطرق الزيدية والإسماعيلية، وأهل السنة والجماعة، اعتقاداً منا بضرورة الوقوف على جميع الطرق عند جميع المذاهب الإسلامية، كي لا تكون رؤيتنا ضيقة منحصرة بمذهب دون آخر، بل لتكون شموليّة موسّعة تكشف عن وجهات نظر الجميع.

1 - بلال بن رباح الحبشي (ت 20 هـ).

أخرج الطبراني في الكبير والبيهقي في سننه، بسندهما عن عمّار وعمر ابنَي حفص بن عمر، عن آبائهم، عن أجدادهم، عن بلال أنّه كان يؤذّن بالصبح فيقول: (حيَّ على خير العمل)، فأمر النبيُّ أن يجعل مكانها (الصلاة خير من النوم) وترك

١٩٨

(حيَّ على خير العمل) (448) .

وقد مرّ عليك قبل قليل كلام الحافظ العلوي وتحقيقنا في هذه الرواية، وأن جملة (فأمره النبيّ...) لم تكن في الإسناد الأصلي، و يؤيّد صحة كلام الحافظ العلوي وروايته ما روي - عندنا - عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام) أنه قال: (إنّ بلالاً كان عبداً صالحاً فقال: لا أؤذّن لأحد بعد رسول اللَّه، فتُرِكَ يومئذٍ: حيَّ على خير العمل) (449) .

وعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنه قال: (سمعت رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) يقول: إنّ خير أعمالكم الصلاة. وأمر بلالاً أن يوذّن بحيّ على خير العمل) حكاه في الشفاء (450) .

وفي كنز العمّال: كان بلال يؤذن بالصبح فيقول: (حيّ على خير العمل) (451) .

2 - علي بن أبي طالب (ت 40 هـ).

روى الإمام المؤيد باللَّه الزيدي في كتابه شرح التجريد ، من طريق عبد بن يعقوب، عن عيسى بن عبد اللَّه، عن آبائه، عن عليّ (عليه السلام) أنه قال: (سمعت رسول اللَّه يقول: إن خير أعمالكم الصلاة. وأمر بلالاً أن يؤذّن بحيّ على خير العمل) (452) .

وروى الحافظ العلوي بسنده عن عيسى بن عبد اللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جده، قال: كان أبي عليّ (عليه السلام) إذا خرج إلى

____________________

(448) المعجم الكبير 1: 352، السنن الكبرى للبيهقي 1: 425 مجمع الزوائد 1: 330 كنز العمال 8: 345/ 23188.

(449) من لا يحضره الفقيه 1: 284، وسائل الشيعة 5: 418، ولنا تحقيق عن بلال في الفصل الثاني من هذا الباب فراجع.

(450) البحر الزخار 2: 191، وانظر: الشفاء 1: 260.

(451) كنز العمّال 8: 342، ح 23174.

(452) جواهر الأخبار والآثار 2: 191، الاعتصام بحبل اللَّه المتين 1: 309.

١٩٩

سفر لا يَكِل الأذان إلى غيره ولا الإقامة، وكان لا يَدَع أن يقول في أذانه: (حيَّ على خير العمل) (453) .

وقد أخرج الحافظ العلوي ذلك بعدّة طرق عن الإمام عليّ، منها:

حدّثنا محمّد بن الحسين التيملي قراءة، حدّثنا (454) عليّ بن العبّاس البجلي، حدّثنا بكّار بن أحمد، حدّثنا حسن بن حسين، عن عمرو بن ثابت، عن محمّد بن عبد الرحمن، قال: كان ابن النباح يجي‏ء إلى عليّ (عليه السلام) حين يطلع الفجر فيقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيّ على خير العمل، فيقول عليّ (عليه السلام): (مرحباً بالقائلين عدلاً، وبالصلاة مرحباً وأهلاً، يا ابن النباح: أقم).

حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، أخبرنا محمّد بن محمّد بن الحسين (455) في لقائه (456) ، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زكريا، حدّثنا عبد بن يعقوب، أخبرنا عمرو بن ثابت، عن ابن أبي ليلى: بنحوه.

حدّثنا محمّد، أخبرنا محمّد بن عمّار العجلي، حدّثنا عليّ بن محمّد بن حنينة (457) ، حدّثنا عبد بن يعقوب، أخبرنا عمرو، عن ابن أبي ليلى: بنحوه.

حدّثنا أحمد بن زيد بن بشّار، وعليّ بن محمّد [ بن بنان ] الشيباني، قالا: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد الرفّاء المقري، حدّثنا محمّد بن الحسن بن محسن الطريفي،

____________________

(453) الأذان بحيّ على خير العمل: 94 الحديث 74.

(454) في الاعتصام 1: 291: نبأنا.

(455) في تحقيق عزّان: بن كنانة وليس فيها (في لقائه).

(456) في الاعتصام: في كتابه.

(457) أثبت عزّان في المتن: نُجية، وقال في الهامش: في ج: حنية، وفي ط: علي بن محمد بن حتينة، والصواب ما أثبته، انظر: ترجمته في المعجم [ الذي أعدّه في آخر الكتاب ]. أما في الاعتصام: حبية.

٢٠٠