الإمام جعفر الصادق عليه السلام الجزء ١

الإمام جعفر الصادق عليه السلام0%

الإمام جعفر الصادق عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 228

الإمام جعفر الصادق عليه السلام

مؤلف: العلامة الجليل الشيخ محمد الحسين المظفر
تصنيف:

الصفحات: 228
المشاهدات: 70791
تحميل: 5216


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 228 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70791 / تحميل: 5216
الحجم الحجم الحجم
الإمام جعفر الصادق عليه السلام

الإمام جعفر الصادق عليه السلام الجزء 1

مؤلف:
العربية

المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتّى ؟ ومن أين جاء الموت إِن كان الشيء الذي اُنشئت منه الأشياء حيّاً ؟ أو من أين جاءت الحياة إِن كان ذلك الشيء ميّتاً ؟ ولا يجوز أن يكون من حيّ وميّت قديمين لم يزالا، لأن الحيّ لا يجيء منه ميّت وهو لم يزل حيّاً، ولا يجوز أيضاً أن يكون الميّت قديماً لم يزل لما هو به من الموت، لأن الميّت لا قدرة به ولا بقاء.

أقول: إِن هذا الأمر على دقّته قد أوضحه الامام بأحسن بيان وردّده بين اُمور لا يجد العقل سلواها عند الترديد، وحقّاً إِن كان الشيء الذي خلقت الأشياء منه قديماً لزم أن يكون مع اللّه تعالى شيء قديم غير مخلوق له، ولو فرض أنه مخلوق له عاد الكلام الأول أنه من أيّ شيء كان مخلوقاً، هذا غير أن القديم لا يكون حادثاً، والميّت لا يكون منه الحيّ، والحيّ لا يكون منه الميّت، والحياة والممات لا يتركّبان، ولو تركّبا عاد الكلام السابق، فإن الموت لا يصلح أن يكون في الأشياء الحيّة، ولا بقاء ولا دوام ليكون باقياً إِلى أن خلق اللّه منه الأشياء الحيّة، فلا بدّ إِذن من أن يكون تعالى قد خلق الأشياء من لا شيء.

ثمّ قال: من أين قالوا إِن الأشياء أزليّة ؟ قالعليه‌السلام : هذه مقالة قوم جحدوا مدبّر الأشياء فكذّبوا الرسل ومقالتهم، والأنبياء وما أنبأوا عنه، وسمّوا كتبهم أساطير، ووضعوا لأنفسهم ديناً بآرائهم واستحسانهم، وإِن الأشياء تدلّ على حدوثها من دوران الفلك بما فيه وهي سبعة أفلاك، وتحرّك الأرض ومن عليها، وانقلاب الأزمنة، واختلاف الحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان، وموت وبلى، واضطرار الأنفس الى الإقرار بأن لها صانعاً ومدبّراً، ألا ترى الحلو يصير حامضاً، والعذاب مرّاً، والجديد بالياً، وكلّ الى تغيّر وفناء(١) .

أقول: إِن الاستدلال بانقلاب الأزمنة ودوران الفلك من أدقّ الأدلّة العلميّة على حدوث العالم، الذي قصرت عنه أفهام كثير من الفلاسفة العظام كما أنه جعل الفلك الدائر فلكاً واحداً ثمّ تفسيره بالأفلاك السبعة لا ينطبق إِلا على نظرية الهيئة الحديثة إِذ يراد به النظام الشمسي، ومثله تصريحه بحركة الأرض التي لم يكن يحلم بها أحد من السابقين، وهي من مكتشفات العلم الحديث.

وللصادقعليه‌السلام مناظرات جمّة مع ابن أبي العوجاء، وكان بعضها في التوحيد، وكان ابن أبي العوجاء واسمه عبد الكريم من الملاحدة المشهورين

____________________

(١) الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ٣٣٦ - ٣٤٥.

١٦١

واعترف بدسّه الأحاديث الكاذبة في أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكفى في معرفة حاله هذه المناظرات، وقد قُتِل على الإلحاد كما قُتِل صاحبه ابن المقفّع(١) .

فمن تلك المناظرات أنه كان يوماً هو وعبد اللّه بن المقفّع في المسجد الحرام فقال ابن المقفّع: ترون هذا الخلق - وأومأ بيده الى موضع الطواف - ما منهم أحد أوجب له إِسم الانسانيّة إِلا ذلك الشيخ الجالس - يعني أبا عبد اللّه جعفر بن محمدعليهما‌السلام - وأما الباقون فرعاع وبهائم، فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء، فقال: لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم، فقال ابن أبي العوجاء: لا بدّ من اختبار ما قلت فيه منه، فقال له ابن المقفّع: لا تفعل فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك، فقال: ليس ذا رأيك لكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إِحلالك إِيّاه هذا المحلّ الذي وصفت، فقال ابن المقفّع: أمّا اذا توسّمت عليّ فقم اليه وتحفّظ من الزلل ولا تثن عنانك الى استرسال فيسلمك الى عقال، وسمة ما لك وعليك، فقام ابن أبي العوجاء فلمّا رجع قال: ويلك يا ابن المقفّع ما هذا ببشر وإِن كان في الدنيا روحاني يتجسّد اذا شاء ظاهراً ويتروّح اذا شاء باطناً فهو هذا، فقال له: كيف ذلك ؟ فقال: جلست اليه فلمّا لم يبق عنده أحد غيري ابتدأني فقال: إِن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون - يعني أهل الطواف - فقد سلموا وعطبتم، وإِن يكن الأمر كما تقولون، وليس كما تقولون، فقد استويتم

____________________

(١) قتل محمّد بن سليمان عامل الكوفة من قبل المنصور ابن أبي العوجاء وكان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري، فانحرف عن التوحيد واعتزل حوزة الحسن البصري، وأمّا ابن المقفّع فقد كان مجوسيّاً وأسلم ظاهراً، غير أن أعماله وأقواله لا تدلّ على إسلامه، وكان فارسيّاً ماهراً في صنعة الإنشاء والأدب، وهو الذي عرّب كتاب كليلة ودمنة، وقتله سفيان المهلبي أمير البصرة عام ١٤٣ بأمر المنصور.

١٦٢

وهم، فقلت: يرحمك اللّه وأيّ شيء نقول وأيّ شيء يقولون،ما قولي وقولهم إِلا واحد، فقال: وكيف يكون قولك وقولهم واحداً، وهم يقولون إِن لهم معاداً وثواباً وعقاباً، ويدينون بأن للسماء إِلهاً وأنها عمران، وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد، قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إِن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه يدعوهم الى عبادته حتّى لا يختلف فيه اثنان ؟ لِمَ احتجب عنهم وأرسل اليهم الرسل ؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب الى الإيمان به، فقال لي: ويلك كيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك ؟ نشوَّك(١) ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوَّتك بعد ضعفك، وضعفك بعد قوَّتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك، وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك، وحبّك بعد بغضك وبغضك بعد حبّك، وعزمك بعد إِنابتك(٢) ، وإِنابتك بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك، وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك، ويأسك بعد رجائك، وخاطرك لما لم يكن في وهمك، وغروب(٣) ما أنت معتقده عن ذهنك وما زال يعدّ(٤) عليّ قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها، حتّى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه(٥) .

ودخل على الصادقعليه‌السلام يوماً فقال: أليس تزعم أن اللّه تعالى خالق كلّ شيء ؟ فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : بلى، فقال: أنا أخلق، فقال له: كيف تخلق ؟ فقال: أحدث في الموضع ثمّ ألبث عنه فيصير دواباً فكنت انا الذي خلقتها، فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : أليس خالق الشيء يعرف كم خلقه ؟ قال: بلى، قالعليه‌السلام : فتعرف الذكر من الانثى وتعرف عمرها ؟ فسكت.

____________________

(١) نشأك في نسخة.

(٢) الإنابة: الرجوع، وفي نسخة: إِبائك، وفي نسخة اُخرى: إِناءتك وهي الإبطاء.

(٣) وفي نسخة عزوب.

(٤) وفي نسخة يعدّد.

(٥) الكافي: كتاب التوحيد منه، باب حدوث العالم وإثبات المحدث.

١٦٣

وللصادقعليه‌السلام نظير ذلك مع الجعد بن درهم، وكان من أهل الضلال والبدع، وقتله والي الكوفة يوم النحر لذلك، قال ابن شهراشوب: قيل إِن الجعد بن درهم جعل في قارورة ماءً وتراباً فاستحال دوداً وهواماً فقال لأصحابه: أنا خلقت ذلك لأني كنت سبب كونه، فبلغ ذلك جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، فقال: ليقل كم هي ؟ وكم الذكران منه والاناث إِن كان خلقه، وكم وزن كلّ واحدة منهنّ، وليأمر الذي سعى الى هذا الوجه أن يرجع الى غيره، فانقطع وهرب.

ثمّ أن ابن أبي العوجاء عاد اليه في اليوم الثاني فجلس وهو ساكت لا ينطق فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : كأنك جئت تعيد بعض ما كنّا فيه، فقال: أردت ذلك يا ابن رسول اللّه، فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : ما أعجب هذا تنكر اللّه وتشهد أني ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فقال: العادة تحملني على ذلك، فقال له الصادقعليه‌السلام : فما يمنعك من الكلام، قال: إِجلال لك ومهابة، ما ينطق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلّمين فما تداخلني هيبة قط مثلما تداخلني من هيبتك، قالعليه‌السلام : يكون ذلك، ولكن أفتح عليك سؤالاً، وأقبل عليه فقال له: أمصنوع أنت أم غير مصنوع ؟ فقال له ابن أبي العوجاء: أنا غير مصنوع، فقال له الصادقعليه‌السلام : فصف لي لو كنت مصنوعاً كيف كنت تكون ؟ فبقي عبد الكريم مليّاً لا يحير جواباً وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول: طويل عريض عميق قصير متحرّك ساكن كلّ ذلك من صفة خلقه، فقال له الصادقعليه‌السلام فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة من غيرها فاجعل نفسك مصنوعاً لما تجد في نفسك ممّا يحدث من هذه الاُمور، فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسألني أحد عنها قبلك، ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها، فقال له أبو عبد اللّه: هبك علمت أنك لم تُسأل فيما مضى فما علمك إِنك لم تُسأل فيما بعد ؟ على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك، لأنك تزعم أن الأشياء من الأوّل سواء فكيف قدّمت وأخّرت ؟ ثم قال: يا عبد الكريم: أنزيدك وضوحاً ؟ أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر، فقال لك قائل: هل في الكيس دينار فنفيت كون الدينار في الكيس، فقال لك قائل: صف لي الدينار ؟ وكنت غير عالم بصفة، هل لك أن تنفي كون الدينار في الكيس وأنت لا تعلم ؟ قال: لا، فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : فالعالَم اكبر وأطول وأعرض من الكيس، فلعلّ في العالَم صنعة من حيث لا تعلم، لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة، فانقطع عبد الكريم، وأجاب إِلى الإِسلام بعض أصحابه وبقي معه بعض.

١٦٤

فعاد في اليوم الثالث فقال: أقلب السؤال، فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام سل عمّا شئت فقال: ما الدليل على حدوث الأجسام ؟ فقال: إِني ما وجدت صغيراً ولا كبيراً إِلا واذا ضمّ اليه مثله صار اكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الاُولى، ولو كان قديماً ما زال ولا حال، لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يجود ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، وفي كونه في الاُولى دخوله في العدم، ولن يجتمع صفة الأزل والعدم في شيء واحد.

فقال عبد الكريم: هبك علمت في جري الحالين والزمانين على ما ذكرت واستدللت على حدوثها، فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدلّ على حدوثها ؟ فقال الصادقعليه‌السلام : إِنما نتكلّم على هذا العالَم الموضوع فلو رفعناه ووضعنا عالماً آخر كان لا شيء أدلّ على الحدث من رفعنا إِيّاه ووضعنا غيره، ولكن أجبت من حيث قدرت إِنك تلزمنا وتقول: إِن الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ما ضمّ شيء منه الى مثله كان اكبر، وفي جواز التغيّر عليه خروجه من القدم كما بان في تغيير دخوله في الحدث، ليس وراءه شيء يا عبد الكريم، فانقطع وخزي.

أقول: إِن خلاصة كلام الصادقعليه‌السلام : أن هذا العالَم إِذا ضمّ شيء منه إِلى شيء آخر حدث شيء اكبر، وفي ذلك زوال عن الحالة الاُولى وانتقال الى حال اُخرى، والقديم لا تطرأ عليه هذه التحوّلات، ولو كان ذلك التأليف بالفرض والوهم، كما لو كانت الأشياء حسب فرض ابن أبي العوجاء باقية على صغرها لا تكبر، لأنه من الاُمور البديهيّة بل أبده البديهيّات أنه بضمّ شيء إِلى شيء تحصل زيادة على كلّ من الشيئين، وهذه إِحدى بديهيّات أربع هي أساس العلوم الرياضيّة كلّها، فقد أرجع الإمام الدليل على حدوث العالَم الى أوضح بديهيّة في العقول التي لا يختلف فيها اثنان، على أنهعليه‌السلام مع ذلك أجاب على تقدير هذا الفرض المحال وهو أن الأشياء تبقى على ما هي عليه بضمّ بعضها الى بعض أجاب بأن هذا الفرض نفسه هو فرض جواز التغيير عليه وخروجه من القِدم ودخوله في الحدث، لأن المفروض أن العالَم تقبل الأشياء فيه الزيادة بضمّ بعضها الى بعض، فلو فرضناه عالماً آخر لا يقبل ذلك فقد فرضنا رفع هذا العالَم وتغييره، فيتحقّق فيه الاستدلال على المطلوب. ما أدقّ هذا الدليل وأبدعه، ولذلك انقطع به ابن أبي العوجاء وخزي.

١٦٥

ولمّا كان في العام القابل التقى معه في الحرم، فقال له بعض شيعته: إِن ابن أبي العوجاء قد أسلم، فقال الصادقعليه‌السلام : هو أعمى من ذلك لا يسلم، فلمّا بصر بالصادقعليه‌السلام قال: سيّدي ومولاي، فقال له: ما جاء بك الى هذا الموضع ؟ فقال: عادة الجسد وسنّة البلد ولنبصر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة، فقال له الصادقعليه‌السلام : أنت بعدُ على عتوّك وضلالك يا عبد الكريم، فذهب يتكلّم، فقال له: لا جدال في الحجّ ونفض رداءه من يده، وقال: إِن يكن الأمر كما تقول وليس كما تقول نجونا ونجوت، وإِن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول نجونا وهلكت(١) .

وناظر الصادقعليه‌السلام يوماً في تبديل الجلود في النار، فقال: ما تقول في هذه الآية( كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ) (٢) هب هذه الجلود عصت فعذّبت فما بال الغير يعذّب ؟ قال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : ويحَك هي هي وهي غيرها، قال: اعقلني هذا القول، فقال له: أرأيت لو أن رجلاً عهد الى لبنة فكسرها ثم صبّ عليها الماء وجبلها(٣) ثم ردّها الى هيئتها الأولى، ألم تكن هي هي وهي غيرها ؟ فقال: بلى أمتع اللّه بك(٤) .

أقول: هذا ما توصّل اليه عظماء الفلاسفة بعد جهد وبحوث طويلة في تحليل صحّة عذاب الانسان المجرم، مع أن ذرّات جسمه الذي وقع منه الجرم تتبدّل وتتحوّل دائماً( بل هم في لبس من خلق جديد ) (٥) . وبهذا البيان الدقيق يجاب عن شبهة الآكل والمأكول المعروفة، فمن أين تعلم هذه الفلسفة الدقيقة في تلك العصور التي ما شمّت رائحتها ؟ إِنه الامام، وكفى.

____________________

(١) توحيد الصدوق طاب ثراه، باب حدوث العالم.

(٢) النساء: ٥٦.

(٣) طبعها وليّنها.

(٤) الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ٣٥٤.

(٥) الدخان: ٥٣.

١٦٦

وكان لأبي شاكر الديصاني - أحد ملاحدة العرب - مع الصادقعليه‌السلام مناظرات وأسئلة، واُخرى بينه وبين هشام بن الحكم ويفزع هشام بها الى إِمامه الصادقعليه‌السلام ، قال يوماً لهشام: إِن في القرآن آية هي من قولنا، قال هشام: وما هي ؟ فقال:

( وهو الذي في السماء إِله وفي الأرض إِله ) (١) قال هشام: فلم أدر بمَ اجيبه، فحججت فخبّرت أبا عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: هذا كلام زنديق خبيث، اذا رجعت اليه فقل له ما اسمك بالكوفة ؟ فإنه يقول لك فلان فقل له: ما اسمك بالبصرة ؟ فإنه يقول فلان، فقل له: كذلك ربّنا في السماء إِله، وفي الأرض إِله، وفي البحار إِله، وفي القفار إِله، وفي كلّ مكان إِله، قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته، فقال: هذه نقلت من الحجاز(٢) .

وسأل أبو شاكر هشام بن الحكم يوماً فقال: ألك رب ؟ فقال: بلى، فقال: أقادر هو ؟ قال: نعم قادر، قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا ؟ قال هشام: النظرة، فقال له: قد أنظرتك حولاً، ثمّ خرج عنه، فركب هشام الى أبي عبد اللّهعليه‌السلام فاستأذن عليه فأذن له، فقال له يا ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني عبد اللّه الديصاني بمسألة ليس المعوّل فيها إِلا على اللّه وعليك، فقال له أبو عبد اللّهعليه‌السلام : يا هشام كم حواسّك ؟ قال: خمس، قال: أيّها أصغر ؟ قال: الناظر، قال: وكم قدر الناظر ؟ قال: مثل العدسة أو أقلّ منها، فقال له: يا هشام فانظر أمامك وفوقك واخبرني بما ترى، فقال: أرى سماءً وأرضاً ودوراً وقصوراً وبراري وجبالاً وأنهاراً، فقال له أبو عبد اللّه: إِن الذي قدرَ أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقلّ منها قادر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة، فأكبّ هشام عليه يقبّل يديه ورأسه ورجليه، وقال: حسبي يا ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانصرف الى منزله.

____________________

(١) الزخرف: ٨٤.

(٢) الكافي: باب الحركة والانتقال.

١٦٧

أقول: إِن هذا الجواب صدر عن الإمامعليه‌السلام على سبيل الإسكات والإقناع، والجواب البرهاني أن يقال: إِن اللّه تعالى لا يقدر على مثل ذلك لأنه محال والمحال غير مقدور له، كما أنه لا يقدر على إِيجاد شريك له وعلى الجمع بين النقيضين والضدّين، وهذا ليس من النقص في القدرة بل للنقص في المقدور، لأن القدرة تحتاج الى أن يكون متعلّقها ممكناً في ذاته، والفرق واضح بين النقص في القدرة والنقص في المقدور، ولعلّ الديصاني لو اُجيب بمثل هذا لما اقتنع به أو لما عقله.

وروي أن أمير المؤمنينعليه‌السلام سئل عن مثل ذلك، فأجاب بأن اللّه لا يُنسب الى العجز، والذي سألتني لا يكون، وهذا هو الجواب الحقيقي، ومفاده ما أوضحناه.

ثمّ إِن الديصاني غدا على هشام، فقال له هشام: إِن كنت جئت متقاضياً فهاك الجواب، فقال له: إِني جئتك مسلّماً ولم أجئك متقاضياً للجواب، فخرج الديصاني عنه حتّى أتى باب أبي عبد اللّهعليه‌السلام فاستأذن عليه فأذن له، فلمّا قعد قال له: يا جعفر بن محمّد دلّني على معبودي، فقال له أبو عبد اللّه: ما اسمك ؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه، فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك ؟ قال: لو كنت قلت له عبد اللّه كان يقول من الذي أنت له عبد ؟ فقالوا: عُد اليه وقل له يدلّك على معبودك ولا يسألك عن اسمك، فرجع اليه وقال: يا جعفر بن محمّد دلّني على معبودي ولا تسألني عن اسمي، فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : اجلس، واذا غلام له صغير في كفّه بيضة يلعب بها فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة، ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها، ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدرى للذكر خلقت أم للاُنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لهذا مدبّراً ؟ قال: فأطرق مليّاً، ثمّ قال: أشهد أن لا إِله إِلا اللّه وحده لا شريك له، وأن محمّداً عبده ورسوله، وأنك إِمام وحجّة من اللّه على خلقه، وأنا تائب ممّا كنت فيه(١) .

مناظرته مع طبيب

حضر أبو عبد اللّهعليه‌السلام مجلس المنصور يوماً وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطبّ فجعل أبو عبد اللّه الصادقعليه‌السلام ينصت لقراءته، فلما فرغ الهندي قال له: يا أبا عبد اللّه أتريد ممّا معي شيئاً ؟ قال: لا، فإن معي ما هو خير ممّا معك، قال: وما هو ؟ قال: اداوي الحار بالبارد والبارد

____________________

(١) الكافي: كتاب التوحيد منه، باب حدوث العالم وإِثبات المحدث.

١٦٨

بالحار، والرطب باليابس واليابس بالرطب، وأردّ الأمر كلّه الى اللّه عزّ وجل، وأستعمل ممّا قاله رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واعلم أن المعدة بيت الداء وأن الحميّة هي الدواء، واعوّد البدن ما اعتاد، فقال الهندي: وهل الطبّ إِلا هذا ؟ فقال الصادق: أفتراني عن كتب الطبّ أخذت، قال: نعم، قال: لا واللّه ما أخذت إِلا عن اللّه سبحانه، فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت ؟ فقال الهندي: لا بل أنا، فقال الصادقعليه‌السلام : فأسألك شيئاً، قال: سل.

قال: أخبرني يا هندي لِمَ كان في الرأس شؤن ؟(١) قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل الشعر عليه من فوقه ؟ قال: لا أعلم.

قال: فلِمَ خلت الجبهة من الشعر ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كان لها تخطيط وأسارير ؟(٢) قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كان الحاجبان من فوق العينين ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل العينان كاللوزتين ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل الأنف فيما بينهما ؟ قال: لا أعلم، قال: فَلِمَ كان ثقب الأنف في أسفله ؟ قال: لا أعلم، قال: فَلِمَ جعلت الشفّة والشارب من فوق الفم ؟ قال: لا أعلم، قال: فَلِمَ احتدَّ السنّ وعرض الضرس(٣) وطال الناب ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعلت اللحية للرجال ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ خلت الكفّان من الشعر ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ خلا الظفر والشعر من الحياة ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كان القلب كحبّ الصنوبر(٤) قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كانت الرئة قطعتين، وجعل حركتها في موضعها ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كانت الكبد حدباء ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كانت الكلية كحبّ اللوبياء ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل طيّ الركبتين الى خلف ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ تخصّرت القدم ؟(٥) قال: لا أعلم، فقال الصادقعليه‌السلام : لكنّي أعلم، قال: فأجب.

____________________

(١) روى في البحار في شرح هذه المناظرة عن ابن سينا في التشريح أن الجمجمة مركّبّة من سبعة أعظم أربعة كالجدران وواحد كالقاعدة والباقيان يتألّف منها العجف وبعضها موصول الى بعض بدروز يقال لها الشؤن. أقول: لعلّه يريد بالعجف: العظام الفصار.

(٢) الأسارير: الخطوط.

(٣) يراد منه الطواحن خاصّة.

(٤) الصنوبر شجر لا يزال مخضراً وهو رفيع الورق وحبّه مستدير طويل.

(٥) مخصر القدم: من تمسّ قدمه الأرض من مقدمها وعقبها ويخوى أخمصها مع دقّة فيه.

١٦٩

قال الصادقعليه‌السلام : كان في الرأس شؤن لأن المجوّف إِذا كان بلا فصل أسرع اليه الصداع، فاذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد وجعل الشعر من فوقه لتوصل بوصوله الأدهان الى الدماغ ويخرج بأطرافه البخار منه، ويردّ الحرّ والبرد عليه، وخلت الجبهة من الشعر لأنها مصبّ النور الى العينين(١) وجعل فيها التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس الى العين قدر ما يميطه الانسان عن نفسه وهو كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه، وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردّا(٢) عليهما من النور قدر الكفاية، ألا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليردّ عليهما قدر كفايتهما منه، وجعل الأنف فيما بينهما ليقسم النور قسمين الى كل عين سواء، وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء ولو كانت مربّعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل وما وصل اليها دواء ولا خرج منها داء، وجعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المتحدّرة من الدماغ ويصعد فيه الأراييح الى المشام، ولو كان في أعلاه لما نزل منه داء ولا وجد رائحة، وجعل الشارب والشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ الى الفم لئلا يتنغّص على الانسان طعامه وشرابه فيميطه عن نفسه، وجُعلت اللحية للرجال ليستغنى بها عن الكشف(٣) في المنظر ويعلم بها الذكر من الاُنثى، وجعل السنّ حادّاً لأنه به يقع العض، وجعل الضرس عريضاً لأنه به يقع الطحن والمضغ، وكان الناب طويلاً ليسند(٤) الأضراس والأسنان كالاسطوانة في البناء، وخلا الكفّان من الشعر لأن بهما يقع

____________________

(١) فلو كان في الجبهة لحال دون النور.

(٢) ليورد في نسخة.

(٣) أي كشف العورة.

(٤) وفي نسخة ليشدّ. والمعنى عليهما معاً لا يختلف.

١٧٠

اللمس، فلو كان فيهما شعر ما درى الانسان ما يقابله ويلمسه، وخلا الشعر والظفر من الحياة لأن طولهما سمج يقبح وقصّهما حسن فلو كانت فيهما حياة لألم الانسان قصّهما، وكان القلب كحبّ الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرئة فيتروّح عنه ببردها لئلا يشيط الدماغ بحرّه(١) ، وجُعلت الرئة قطعتين ليدخل(٢) بين مضاغطها(٣) فيتروّح عنه بحركتها، وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة ويقع جميعها عليها فيعصرها ليخرج(٤) ما فيها من البخار، وجعلت الكلية كحبّ اللوبياء لأن عليها مصبّ المني نقطة بعد نقطة، فلو كانت مربّعة أو مدوّرة احتبست النقطة الاُولى الى الثانية فلا يلتذّ بخروجها الحي، إِذ المني ينزل من فقار الظهر الى الكلية، فهي كالدودة تنقبض وتنبسط ترميه أوّلاً فأوّلاً الى المثانة كالبندقة من القوس، وجعل طيّ الركبة الى خلف لأن الانسان يمشي الى ما بين يديه فتعتدل الحركتان(٥) ولولا ذلك لسقط في المشي، وجُعلت القدم مخصّرة(٦) لأن المشي اذا وقع على الأرض جميعه ثَقل ثُقل حجر الرحى، فإذا كان على طرقه(٧) دفعه الصبي، واذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل.

فقال له الهندي: من أين لك هذا العلم ؟ فقالعليه‌السلام : أخذته عن آبائيعليهم‌السلام عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن ربّ العالمين جلّ جلاله الذي خلق الأبدان والأرواح، فقال

____________________

(١) لاتصال ما بين القلب والدماغ بالشرايين فاذا احترّ القلب احترّ الدماغ.

(٢) أي القلب.

(٣) وفي نسخة مساقطها.

(٤) وفي نسخة فيخرج.

(٥) وفي نسخة الحركات.

(٦) متخصّرة في نسخة.

(٧) وفي نسخة حرفه.

١٧١

الهندي: صدقت وأنا أشهد أن لا إِله إِلا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه وعبده وأنك أعلم أهل زمانه(١) .

تفضيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال أبو خنيس الكوفي: حضرت مجلس الصادقعليه‌السلام وعنده جماعة من النصارى، فقالوا: فضل موسى وعيسى ومحمّد سواء، لأنهمعليهم‌السلام أصحاب الشرائع والكتب، فقالعليه‌السلام : محمّد أفضل منهماعليهما‌السلام وأعلم، ولقد أعطاه اللّه تبارك وتعالى من العلم ما لم يعطِ غيره، فقالوا: آية من كتاب اللّه تعالى نزلت في هذا ؟ قالعليه‌السلام : نعم قوله تعالى( وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء ) (٢) وقوله تعالى لعيسى:( وليبيّننّ لكم بعض الذي تختلفون فيه ) (٣) وقوله تعالى للسّيد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( جئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزَّلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء ) (٤) وقوله تعالى:( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم وأحاط بما لديهم وأحصى كلّ شيء عدداً ) (٥) فهو واللّه أعلم منهما، ولو حضر موسى وعيسى محضرتي وسألاني لأجبتهما، وسألتهما ما أجابا(٦) .

أقول: إِذا كان أمير المؤمنين باب مدينة علم الرسول وأولاده ورثة علمه فهم إِذن أعلم الناس كلّهم، الأنبياء وغيرهم.

____________________

(١) بحار الأنوار: ١٠/٢٠٧.

(٢) الأعراف: ١٤٥.

(٣) الزخرف: ٦٣.

(٤) النحل: ٨٩.

(٥) الجن: ٢٨.

(٦) بحار الأنوار: ١٠/٢١٥/١٥.

١٧٢

العدل بين النساء

سأل رجل من الزنادقة أبا جعفر الأحول(١) فقال: أخبرني عن قول اللّه تعالى:( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) (٢) وقال تعالى في آخر السورة( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كلّ الميل ) (٣) فبين القولين فرق ؟ فقال أبو جعفر الأحول: فلم يكن عندي جواب فقدمت المدينة فدخلت على أبي عبد اللّهعليه‌السلام فسألته عن الآيتين، فقال: أمّا قوله «فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة» فإنما عنى في النفقة، وقوله «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم» فإنما عنى في المودّة، فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودّة، فرجع أبو جعفر الى الرجل فأخبره، فقال: هذا حملته من الحجاز(٤) .

أقول: حاول هذا الزنديق أن يناقض بين الآيتين لأن الثانية جعلت العدل غير مستطاع، ولكن هذا التناقض إِنما يصحّ اذا كان متعلّق الآيتين واحداً، وأمّا اذا كان متعلّق الاُولى النفقة والثانية المودّة فلا تناقض بين العدلين.

____________________

(١) مؤمن الطاق وسنشير اليه في ثقات رواته.

(٢) النساء: ٣.

(٣) النساء: ١٢٩.

(٤) بحار الأنوار: ١٠/٢٠٢/٦.

١٧٣

رؤساء المعتزلة في البيعة لمحمّد

دخل عليه اُناس من المعتزلة، وفيهم عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء وحفص بن سالم(١) واُناس من رؤساء المعتزلة، وذلك حين قتل الوليد واختلف أهل الشام بينهم، فتكلّموا وأكثروا، وخطبوا فأطالوا، فقال لهم الصادقعليه‌السلام : إِنكم قد أكثرتم عليّ فأطلتم فأسندوا أمركم الى رجل منكم، فليتكلّم بحجّتكم وليوجز، فأسندوا أمرهم الى عمرو بن عبيد فأبلغ وأطال، فكان فيما قال:

قتَل أهلُ الشام خليفتهم، وضرب اللّه بعضهم ببعض وتشتّت أمرهم، فنظرنا فوجدنا رجلاً له دين وعقل ومروّة ومعدن للخلافة، وهو محمّد بن عبد اللّه بن الحسن، فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه ثمّ نظهر أمرنا معه، وندعو الناس اليه، فمن بايعه كنّا معه وكان معنا، ومن اعتزلنا كففنا عنه، ومن نصب لنا جاهدناه، ونصبنا له على بغيه، ونردّه الى الحقّ وأهله، وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فإنه لا غناء لنا عن مثلك، لفضلك وكثرة شيعتك.

فلما فرغ قال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : أكلكم على مثل ما قال عمرو ؟ قالوا: نعم، فحمد اللّه وأثنى عليه، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال: إِنّما نسخط اذا عُصي اللّه فاذا اُطيع اللّه رضينا، أخبرني يا عمرو لو أن الاُمّة قلّدتك أمرها فملكته بغير قتال ولا مؤونة فقيل لك: ولّها من شئت، مَن تولّي ؟ قال: كنت أجعلها شورى بين المسلمين، قال: بين كلّهم ؟ قال: نعم، قال: بين فقهائهم وخيارهم ؟ قال: نعم، قال: قريش وغيرهم ؟ قال: العَرب والعجم، قال: يا عمرو أتتولّى أبا بكر وعمر أو تتبرّأ منهما ؟ قال: أتولاهما، قال: يا عمرو إِن كنت رجلاً تتبرّأ منهما فإنه يجوز لك الخلاف عليهما، وإِن كنت تتولاهما فقد خالفتهما، قد عهد عمر الى أبي بكر فبايعه ولم يشاور أحداً، ثمّ ردّها أبو بكر عليه ولم يشاور أحداً، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستة، فأخرج منها الأنصار غير اولئك الستة من قريش، ثمّ

____________________

(١) أمّا عمرو بن عبيد فهو بصري من تلامذة الحسن البصري، وشهرته تغني عن تعريفه، وهو ممّن لقي الصادق وروى عنه، وسأله عن الكبائر فأجابهعليه‌السلام عنها مفصّلاً، وكانت ولادته عام ٨٠ ووفاته ١٤٤.

وأما واصل فشهرته أيضاً تغني عن بيان حاله، وكان بليغاً فصيحاً وهو من رؤساء المعتزلة، وكان يلتغ بالراء ويتجنّبها في كلامه، ولد عام ٨٠ ومات ١٣١.

وأمّا حفص فلم أظفر بترجمته غير أن في ميزان الاعتدال ذكر حفص بن سلم أبا مقاتل السمرقندي وقد طعن فيه.

قال أبو الفرج في المقاتل: كان اجتماعهم في دار عثمان بن عبد الرحمن المحزومي للمذاكرة في أمر من يقوم بالناس فرجّحوا محمداً قبل أن يغدوا على الصادقعليه‌السلام .

١٧٤

أوصى الناس فيهم بشيء ما أراك ترضى به أنت ولا أصحابك، قال: وما صنع ؟ قال: أمر صهيباً أن يصلّي بالناس ثلاثة أيام، وأن يتشاور اولئك الستة ليس فيهم أحد سواهم إِلا ابن عمر يشاورونه وليس له من الأمر شيء، وأوصى مَن بحضرته من المهاجرين والأنصار إِن مضت الثلاثة أيام ولم يفرغوا ويبايعوا أن يضرب أعناق الستة جميعاً، وإِن اجتمع أربعة قبل أن يمضي ثلاثة أيام وخالف اثنان، أن يضرب أعناق الاثنين، أفترضون بذا فيما تجعلون من الشورى في المسلمين ؟ قالوا: لا، قال: يا عمرو دع ذا، أرأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو إِليه، ثمّ اجتمعت لكم الاُمّة ولم يختلف عليكم منهم رجلان، فأفضيتم الى المشركين ؟ قالوا: نعم، قال: فتصنعون ماذا ؟ قال: ندعوهم الى الاسلام فإن أبوا دعوناهم الى الجزية، قال: فإن كانوا مجوساً وعبدة النار والبهائم وليسوا بأهل كتاب ؟ قال: سواء. قالعليه‌السلام : فأخبرني عن القرآن أتقرأونه ؟ قال: نعم، قال: اقرأ:( قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الذين اوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) (١) . قال: فاستثنى عزّ وجل واشترط من الذين اوتوا الكتاب فيهم والذين لم يؤمنوا سواء، قالعليه‌السلام : عمّن أخذت هذا ؟ قال: سمعت الناس يقولونه. قال: فدع ذا فإنهم إِن أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم، كيف تصنع بالغنيمة ؟ قال: اخرج الخمس واقسم أربعة أخماس بين مَن قاتل عليها، قال: تقسمه بين جميع من قاتل عليها ؟ قال: نعم، قالعليه‌السلام : فقد خالفت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فعله وسيرته، وبيني وبينك فقهاء المدينة ومشيختهم فسلهم فإنهم لا يختلفون ولا يتنازعون في أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إِنما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم وألا يهاجروا على أنه إِن دهمه من عدوّه دهم فسيتنفرهم فيقاتل بهم وليس لهم من الغنيمة نصيب وأنت تقول بين جميعهم، فقد خالفت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سيرته في المشركين.

دع ذا، ما تقول في الصدقة ؟ قال: فقرأ الآية:( إِنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ) (٢) الى آخرها، قال: نعم فكيف تقسّم بينهم ؟ قال: اقسّمها على ثمانية أجزاء، فاعطي كل جزءٍ من الثمانية جزءاً، فقالعليه‌السلام إِن كان صنف منهم عشرة آلاف، وصنف رجلاً واحداً أو رجلين أو ثلاثة جعلت لهذا الواحد مثلما جعلت لعشرة آلاف ؟ قال: نعم، قال: وتصنع بين صدقات

____________________

(١) التوبة: ٢٩.

(٢) التوبة: ٦٠.

١٧٥

أهل الحضر والبوادي فتجعلهم سواء ؟ قال: نعم، قال: فخالفت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ ما به قلت في سيرته، كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم صدقة البوادي في أهل البوادي، وصدقة الحضر في أهل الحضر، ولا يقسّمها بينهم بالسويّة، إِنما يقسّمها قدر ما يحضره منهم، وعلى ما يرى وعلى ما يحضره، فإن كان في نفسك شيء ممّا قلت فإن فقهاء أهل المدينة ومشيختهم كلّهم لا يختلفون في أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا كان يصنع.

ثمّ أقبل على عمرو وقال: اتّقِ اللّه يا عمرو وأنتم أيها الرهط فاتّقوا اللّه فإن أبي حدّثني وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب اللّه وسنّة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم الى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف(١) .

أقول: قد يخال الناظر عند أوّل نظرة أن أسئلة الامام بعيدة عن القصد أجنبيّة عن شأن البيعة لمحمّد، ولكن بعد الرويّة يعرف أن القصد منها جليّ والمناسبة بارزة، وذلك لأنه يريد أن يفهمهم أنهم جهلاء بالشريعة وأحكامها وأن إِمامهم الذي يدعون له مثلهم في الجهل بقواعد الدين، وكيف يتولّى الجاهل اُمور الاُمّة وفيهم الأعلم الأفضل.

مناظرته في الزهد

دخل سفيان الثوري على الصادقعليه‌السلام فرأى ثيابه بيضاً كأنها غرقى البيض(٢) فقال له: إِن هذا اللباس ليس من لباسك، فقال له: اسمع مني ما أقول لك، فإنه خير لك عاجلاً وآجلاً، إِن أنت مُتّ على السنّة والحقّ ولم تمت على البدعة.

اخبرك أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في زمان مقفر جدب فأمّا إِذا أقبلت الدنيا فأحقّ أهلها بها أبرارها لا فجّارها، ومؤمنوها لا منافقوها، ومسلموها لا كفّارها، فما أنكرت يا ثوري، فواللّه أنني لَمَع ما ترى عليّ منذ عقلت ما مرَّ صباح ولا مساء وللّه في مالي حقّ أمرني أن أضعه موضعاً إِلا وضعته.

____________________

(١) احتجاج الطبرسي: ٢/٣٦٤.

(٢) كزبرج: القشرة الملتزقة ببياض البيض، والتشبيه بها إِمّا لشدّة البياض أو للرقة أو لهما معاً.

١٧٦

وأتاه قوم ممّن يظهر التزهّد ويدعو الناس أن يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشّف، فقالوا له: إِن صاحبنا حصر عن كلامك ولم تحضره حججه، فقال لهم: فهاتوا حججكم، فقالوا له: حجّتنا من كتاب اللّه، فقال لهم: فادلوا بها، فإنها أحقّ ما اتبع وعمل به، فقالوا: يقول اللّه تبارك وتعالى مخبراً عن قوم من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (١) ومن يوق شحّ نفسه فاولئك هم المفلحون ) (٢) فمدح فعلهم، وقال في موضع آخر:( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) (٣) فنحن نكتفي بهذا.

فقال رجل من الجلساء: إِنّا رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيّبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتّى تمتعوا أنتم بها، فقال لهم أبو عبد اللّه: دعوا عنكم ما لا ينتفع به، أخبروني أيّها النفر، ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه، ومحكمه عن متشابهه، الذي في مثله ضلَّ من ضَلَّ وهلك من هَلك من هذه الاُمّة ؟ فقالوا له: أو بعضه فأمّا كلّه فلا، فقالعليه‌السلام لهم: فمن ههنا أتيتم، وكذلك أحاديث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمّا ما ذكرتم من إخبار اللّه إِيّانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم فقد كان مباحاً جائزاً ولم يكونوا نهوا عنه، وثوابهم منه على اللّه عزّ وجل، وذلك أن اللّه جلّ وتقدّس أمر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخاً لفعلهم وكان نهى تبارك وتعالى رحمة منه للمؤمنين، ونظراً لكي لا يضرّوا بأنفسهم وعيالاتهم، منهم الضعفة الصغار والوالدان والشيخ الفاني والعجوزة الكبيرة الذين لا يصبرون على الجوع، فان تصدَّقُت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعاً، فمن ثمّ قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خمس تمرات أو خمسة قرص أو دنانير أو دراهم يملكها الانسان وهو يريد أن يمضيها، فأفضلها ما أنفقه الانسان على والديه، ثمّ الثانية على نفسه وعياله، ثمّ الثالثة على قرابته من الفقراء، ثمّ الرابعة على جيرانه الفقراء، ثمّ الخامسة في سبيل اللّه وهو أفضلها أجراً.

____________________

(١) بالفتح الفقر.

(٢) الحشر: ٩.

(٣) الدهر: ٨.

١٧٧

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأنصاري حين أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق ولم يملك غيرهم وله أولاد صغار: لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنونه مع المسلمين، يترك صبيانه يتكفّفون الناس(١) .

ثمّ قال: حدّثني أبي أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ابدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى.

ثمّ قالعليه‌السلام : هذا ما نطق به الكتاب ردّاً لقولكم ونهياً عنه مفروضاً من اللّه العزيز الحكيم قال:( والذين إِذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ) (٢) أفلا ترون أن اللّه تبارك وتعالى قال غير ما أراكم تدعون اليه من

____________________

(١) تكفّف الناس: مدّ كفّه اليهم يستعطي.

(٢) الفرقان: ٦٧.

١٧٨

الاثرة على أنفسكم وسمّى من فعل ما تدعون اليه مسرفاً، وفي غير آية من كتاب اللّه يقول:( إِنه لا يحبّ المسرفين ) (١) فنهاهم عن الإسراف ونهاهم عن التقتير لكن أمر بين أمرين، لا يعطي جميع ما عنده ثمّ يدعو اللّه أن يرزقه فلا يستجيب له، للحديث الذي جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن أصنافاً من اُمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم، رجل يدعو على والديه، ورجل يدعو على غريم ذهبَ له بمال فلم يكتب عليه ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل اللّه عزّ وجل تخلية سبيلها بيده، ورجل يقعد في بيته ويقول ربّ ارزقني ولا يخرج ولا يطلب الرزق، فيقول اللّه عزّ وجل له: عبدي ألم أجعل لك السبيل الى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة فتكون قد اعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ولكي لا تكون كّلاً على أهلك، فإن شئتُ رزقتك وإِن شئتُ قتّرت عليك، وأنت معذور عندي.

ورجل رزقه اللّه مالاً كثيراً فأنفقه ثمّ أقبل يدعو يا ربّ ارزقني، فيقول اللّه عزّ وجل: ألم أرزقك رزقاً واسعاً فهّلا اقتصدت فيه كما أمرتك، ولم تسرف فيه وقد نهيتك عن الإسراف.

ورجل يدعو في قطيعة رحم، ثمّ علّم اللّه جلّ اسمه نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف ينفق، وذلك أنه كان عنده اوقية من الذهب فكره أن تبيت عنده فتصدَّق بها، فأصبح وليس عنده شيء، وجاء من يسأله ولم يكن عنده ما يعطيه فلامَه السائل، واغتمّ هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيماً رقيقاً فأدَّب اللّه عزّ وجل نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمره فقال:( ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوماً محسوراً ) (٢) يقول: إِن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك، فاذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال.

____________________

(١) الأنعام: ١٤١.

(٢) بني إسرائيل: ٢٩، والحسر: الانكشاف، ويراد به ههنا العراء من المال.

١٧٩

فهذه أحاديث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصدّقها الكتاب، والكتاب يصدّقه أهله من المؤمنين، ثمّ من علمتم من بعده في فضله وزهده سلمان رضي اللّه عنه وأبو ذر رضي اللّه عنه فأمّا سلمان فكان اذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنة، حتّى يحضر عطاؤه من قابل، فقيل له: يا أبا عبد اللّه أنت في زهدك تصنع هذا وأنت لا تدري لعلّك تموت اليوم أو غداً، فكان جوابه أن قال: ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليَّ الفناء، أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث(١) على صاحبها اذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فاذا أحرزت معيشتها اطمأنت.

وأمّا أبو ذر رحمه اللّه فكانت له نويقات وشوبهات يحلبها ويذبح منها اذا اشتهى اللحم أو نزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة، نحر لهم الجزور أو من الشاة على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم(٢) فيقسّمه بينهم ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضّل عليهم، ومَن أزهد من هؤلاء ؟ وقد قال فيهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال، ولم يبلغ من أمرهما أن صار لا يملكان شيئاً البتّة، كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون على أنفسهم وعيالاتهم.

واعلموا أيّها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائهعليهم‌السلام أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوماً: ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن انه اذا قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيراً له، وإِن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له، وكلّ ما يصنع به فهو خير له، فليت شعري هل يحقّ فيكم ما قد شرحت لكم منذ اليوم أم أزيدكم ؟

____________________

(١) تختلط.

(٢) القرم - محرّكة - شدّة شهوة اللحم.

١٨٠