دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري0%

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 357

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

مؤلف: هاشم معروف الحسني
تصنيف:

الصفحات: 357
المشاهدات: 55552
تحميل: 5808

توضيحات:

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55552 / تحميل: 5808
الحجم الحجم الحجم
دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري

مؤلف:
العربية

من اصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى، فهم محمد بن يحيى، وعلي بن موسى الكمنداني، وداود بن كورة، واحمد بن ادريس، وعلي بن ابراهيم(١) .

وفي بعض ابواب الكافي يصرح هو بالمراد من العدة، فقد جاء في الباب التاسع من العتق. عدة من اصحابنا، علي بن ابراهيم ومحمد بن جعفر، ومحمد بن يحيى، وعلي بن محمد بن عبد الله القمي، واحمد بن عبد الله، وعلي بن الحسين جميعاً عن احمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى.

والروايات المصدرة بلفظ العدة في الكافي اكثرها عن احمد بن محمد بن عيسى، وعن سهل بن زياد، وعن احمد بن محمد بن خالد البرقي، وقد نص الكليني نفسه على ان الذي تعنيه كلمة العدة هؤلاء الثلاثة باستثناء ثلاثة عشر رواية مصدرة بلفظ العدة كما أحصاها جماعة من المحدثين قد أهمل المعنيين فيها ولم ينص على اسمائهم.

قال في المستدرك: واما القسم الثاني وهم العدة الذين لم يتعرض لهم هو وغيره، فلا بد من الفحص عنهم والنظر في احوالهم، فاذا تبين للباحث حسن حالهم اخذ بمروياتهم، والا يتعين التوقف بشأنها.

ومجمل القول انه قد يبدو لغير المتتبع ان الكليني يختصر السند احياناً اعتماداً على ثقته وعلمه بحال بعض الرواة كما هو الشأن بالروايات التي يصدرها بلفظ العدة ونحوه، ولكنه في الواقع قد اعتمد لفظ العدة بدلاً من التنصيص عليهم بأسمائهم في كل رواية من باب الاختصار وتهرباً من التطويل وبين بعد ذلك المعنيين من هذا اللفظ بأسمائهم واشخاصهم دفعاً للالتباس عدا ثلاثة عشر مورداً كما احصاها في الفائدة

____________________

(١) انظر الخلاصة في الرجال للعلامة ص ١٣٣.

١٤١

الرابعة من مستدرك الوسائل لم ينبه هو وغيره عن المعنيين من لفظ العدة فيها، واكد ذلك المامقاني في خاتمة كتابه تنقيح المقال. على ان اكثر المتقدمين لم يفرقوا بين العدة التي نبه على الاشخاص المعنيين منها، وبين التي أهمل المراد منها بل وحتى بين مروياته التي اختصر السند في أولها، وبين التي ذكر فيها السند بكامله، لانه لا يروي الا عن الثقة على حد تعبيرهم، ونص بعضهم على ان الكليني لا يروي عن مجهول، واضاف الى ذلك. وناهيك بحسن حال اولئك الرواة رواية الكليني عنهم، وما اشبه هذا النص بالنص الذي نقلناه عن بعض محدثي السنة بشأن من روى عنهم البخاري «كل من روى عنه في الصحيح فقد جاز القنطرة» الا ان هذه الكلمة تعكس رأي الجمهور واظهر في المغالاة والمبالغة من الكلمة الاولى التي لا تعكس الا رأي قائلها بعض المقلدة من الاخباريين.

وكما يصدر السند احياناً بلفظ العدة، يصدره ايضاً بلفظ الجماعة، وقد اكثر منه في كتاب الصلاة عن احمد بن محمد، وفي بعضها بزيادة ابن عيسى، ورجح جماعة من المؤلفين في علمي الرجال والدراية ان الذي يعنيه من الجماعة هو عين ما يعنيه من العدة، وعلى ذلك فاذا ورد بعد لفظ الجماعة احد الثلاثة الذين ذكرهم بعد لفظ العدة، تكون الرواية كغيرها من الروايات التي صدرها بلفظ العدة عن احد الثلاثة، وان لم يرد بعد لفظ الجماعة احد الثلاثة، فلا بد من الفحص عن الجماعة وعن احوالهم، ونص بعض المؤلفين في الرجال على قبول الرواية المصدرة بلفظ الجماعة على كل حال. قال المامقاني في الفائدة الثانية من ملحقات رجاله: لكن لا يبعد قبول الرواية ان لم يكن فيها عيب من وجه آخر، لوضوح بعد اتفاق الجماعة المذكورين على الكذب، سيما بعد كونهم ممن يروي عنهم ثقة الاسلام(١) .

____________________

(١) انظر الفائدة الثانية من ملحقات كتابه في الرجال ص ٨٤.

١٤٢

الكليني يروي عن الاماميين وغيرهم

لقد ذكرنا فيما تقدم ان الحديث الذي يوصف بالصحة عند المتقدمين لا يختص بما يرويه الامامي العادل عن مثله حتى ينتهي الى النبي والامام (ع) بل يتسع وصف الصحة له ولغيره مما كان محاطاً ببعض القرائن المرجحة لصدوره عن المعصوم (ع) ولما هو موجود في الكتب التي عرضت على الامام فأقرها، او في الاصول الاربعمائة، او في الكتب التي شاع بين الطبقة الاولى العمل بها والاعتماد عليها ككتاب الصلوة لحريز بن عبد الله السجستاني، وكتاب حفص بن غياث القاضي، وكتب بني سعيد، وعلي بن مهزيار وغيرها من الكتب التي اعتمد عليها محدثو الشيعة ودنوا مروياتها في مجاميعهم كالكافي وغيره، وعدوها من صحاح الاحاديث مع العلم بأن مؤلفي تلك الكتب، ورواة احاديثها يختلفون في مذاهبهم اشد الاختلاف، فهم بين من هو عامي المذهب كحفص بن غياث القاضي الذي تولى القضاء للرشيد، كما جاء في خلاصة اخبار الرجال للعلامة الحلي وبين من هو من الفطحية كبني فضال، الذين قال الامام (ع) فيهم: خذوا ما رووا وذروا ما رأوا، او من الواقفية وغير ذلك من المذاهب المختلفة، وذكرنا سابقاً ان التصنيف الذي احدثه العلامة واستاذه للحديث قد تخطى الحدود التي اصطلح عليها المتقدمون، واصبح الموثق المقابل للصحيح والحسن، الذي يرويه غير الامامي الموثوق به من الاصناف المعتبرة المعمول بها بين الفقهاء، ويقدم على الحسن، مع ان رواته من الاماميين، سواء كان الرواة للحديث

١٤٣

المعروف في عرف المحدثين بالموثق ممن يدينون بالتشيع كالفطحية والواقفية، او من السنيين الموثوق بهم، هذا الصنف من الحديث يأتي بعد الصحيح مباشرة، وذكرنا ان بين احاديث الكافي من هذا الصنف الفي حديث ومائة وثمانية عشر حديثاً، وفي ذلك دلالة على ان الشيعة لم يبلغ بهم التعصب الى عدم جواز الاخذ بكل ما يرويه المخالفون لهم في العقيدة، كما يدعي السنة، حتى ولو كان الراوي عن المعصوم معروفاً بالاستقامة في دينه، والضبط لاسانيد الروايات ومتونها.

ويؤكد ذلك ان الكليني نفسه روى عن جماعة من العامة كحفص بن غياث القاضي الذي تولى القضاء للرشيد، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، وطلحة بن زيد، وعباد بن يعقوب الرواجني، والنوفلي والسكوني، وعن الزهري ووهب بن وهب ابي البختري، وجاء في بعض كتب الرجال انه كان من قضاة العباسيين، وعن عبد الله بن محمد بن ابي الدنيا، وغيرهم ممن ورد ذكرهم في اسانيد الكافي. واذا كان الاكثر من الشيعة يتشددون في رواية غير الامامي او يعتبرون كون الراوي امامياً، فذلك لا يعني انه من ضرورات مذهبهم في الحديث، وانما هو من الاجتهاد الذي تختلف فيه الانظار والآراء، وكما ذكرنا ان اعتمادهم على مرويات الفطحية وغيرهم، وتدوينها في مجاميعهم، مع العلم بأنهم كانوا يسمونهم (بالكلاب الممطووة) مما يؤكد ان جماعة منهم يكتفون بعدالة الراوي في مذهبه، وان الاختلاف في العقيدة لا يمنع من الاعتماد على ما يرويه، اذا كان صادقاً ومأموناً في النقل، والذي يؤيد هذا المبدأ ويؤكده قول الامام العسكري (ع) في جواب من سأله عن مرويات بني فضال باعتبارهم من المنحرفين عن المخطط الاثني عشري: خذوا ما رووا وذروا ما رأوا هذا الحديث يرشد الى ان فساد العقيدة لا يسري الى فساد القول، فاذا قال المخالف لك حقاً وصدقاً فخذ بقوله واعتمد عليه اذا كنت تثق بصدقه واستقامته، واترك رأيه ما دمت تعتقد بفساده.

١٤٤

موقف السنة من مرويات المخالفين لهم

ثم ان القائلين من الشيعة بعدم جواز الاعتماد على رواية غير الامامي، هؤلاء على قلتهم لا يفرقون بين اصناف المخالفين لهم، ولا يفضلون مخالفاً على غيره، كما فعل السنة مع المخالفين لهم، فانهم عدوا الشيعة من المبتدعة المخالفين كالخوارج وغيرهم من الفرق، ولكنهم فضلوا عليهم الخوارج واخذوا بمروياتهم بحجة انهم لا يستحلون الكذب، والشيعة يستحلونه على حد زعمهم.

قال السباعي في كتابه السنة ومكانتها من التشريع الاسلامي: والذين يظهر لي انهم يرفضون رواية المبتدع اذا روى ما يوافق بدعته كالشيعة او كان من طائفة عرفت باباحة الكذب، ووضع الحديث في سبيل اهوائها، ولهذا رفضوا رواية الرافضة، وقبلوا رواية بعض الشيعة الذين عرفوا بالصدق والامانة، كما قبلوا رواية المبتدع، اذا كان هو وجماعته لا يستحلون الكذب كعمران بن حطان وبعض الخوارج.

وجاء في منهاج السنة: نكتب عن كل صاحب بدعة اذا لم يكن داعية الا الرافضة فانهم يكذبون(١) .

ويقصد السباعي ببعض الشيعة الذين عرفوا بالصدق والامانة الزيدية كما يدل على ذلك قوله في ص ١٤٩ وهؤلاء، أي الزيدية يعدون

____________________

(١) انظر السنة ومكانتها من التشريع الاسلامي للسباعي ص ١١٠ ومنهاج السنة ج / ١ ص ١٣.

١٤٥

اكثر طوائف الشيعة اعتدالاً، وفقههم قريب من فقه أهل السنة، اما الرافضة ويعني بهم من يفضلون علياً ويقولون بأنه هو صاحب الحق بعد رسول الله فهؤلاء لا يشفع لهم شيء عند السباعي وامثاله.

وجاء في الكتاب المذكور في خلال حديثه عن الفرق السياسية: ان الرافضة اكثر الفرق كذباً، وان مالكاً سئل عنهم فقال: لا تكلمهم ولا تروي عنهم فانهم يكذبون، وان شريك بن عبد الله القاضي وغيره قالوا عنهم: احمل عن كل من لقيت الا الرافضة فانهم يضعون الحديث ويتخذونه ديناً، وانهم وضعوا الحديث في ذم معاوية وابن العاص، كما وضعوا في فضائل علي واهل بيته ثلاثمائة الف حديث، وقد اطال السباعي الحديث عمن اسماهم بالرافضة، وحشد مجموعة من الاراجيف والاباطيل حولهم، وحاول ان يصورهم بألد اعداء الاسلام الذين لم يكن يهمهم الا تحطيمه وتقويض دعائمه، كما نص على ذلك في ص ٩٥ من كتابه.

ونحن لا نريد ان نخوض معه ومع امثاله ممن استخوذ عليهم النصب والتعصب، واعمى قلوبهم الحقد على اهل البيت وشيعتهم، فقد سبقه الى هذه الافتراءات سلفه الصالح من اتباع الامويين وعملائهم الذين كان معاوية والامويون من بعده يشترون ضمائرهم بالاموال لكي يضعوا الاحاديث في فضله وفضل اتباعه، وفي التشنيع على الشيعة والتوهين لأمرهم وانتقاص علي وابنائه (ع)، ورد عليهم الشيعة قديماً وحديثاً وفندوا جميع مفترياتهم، ودسائسهم، ومع كل ذلك فالسباعي والجبهاني والسفياني وغيرهم، من المأجورين والمفرقين لا يعنيهم الا تفريق الصفوف وتمزيق وحدة المسلمين، وبث الاحقاد في النفوس لقاء أجر معلوم من أسيادهم أعداء الاسلام، هؤلاء وغيرهم يجترون أقوال المتقدمين حنقاً وحقداً على الشيعة، وعداوة لأهل البيت الذين أذهب

١٤٦

الله عنهم الرجس وطهرهم من البدع على رغم انف الحاقدين والمفترين، كالسباعي والجبهاني وابن تيمية وامثالهم المأجورين.

لقد رفض السنة رواية الشيعي لأنه مبتدع كذاب، وقبلوا رواية الخوارج لانهم وان كانوا من أهل البدع كالشيعة على حد تعبيرهم، الا انهم صادقون متدينون لا يستحلون الكذب ولا الفسق، وكانوا من التقوى على جانب عظيم كما جاء في كتابه ص ٩٦.

ويعود في ص ٩٧ ليؤكد هذه الحقيقة فيقول: لقد حاولت ان اعثر على دليل علمي يؤيد نسبة الوضع الى الخوارج، فرأيت الادلة العلمية على العكس، تنفي عنهم هذه التهمة، فقد كانوا يكفرون مرتكب الكبيرة من الذنوب او مرتكب الذنوب مطلقاً والكذب من الكبائر، فكيف اذا كان على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومضى في حديثه ينتحل لهم اسباب الزهد والصدق والعبادة الخالصة، ويصف الرافضة (اي الشيعة) بالكذب ووضع الاحاديث، محتجاً لتزكية الخوارج بقول أي داود: ليس في أهل الاهواء أصح حديثاً من الخوارج، ويقول ابن تيمية، ليس في أهل الاهواء أصح حديثاً واصدق واعدل من الخوارج، الى غير ذلك من الهراء الذي لا يرتكز على العلم والمنطق والدين.

وكنت أتمنى لنفسي ان لا تضطرني مطالعاتي حول الموضوع الذي يبدي الى الخوض مع هؤلاء الدساسين المأجورين في مثل هذه المواضيع وكان بالامكان ان اتغاضى واتجاهل بعض التهم والاراجيف التي يلصقها الحاقدون بالشيعة، لولا (ان الساكت عن اظهار الحق شيطان اخرس) ولولا ان الحقيقة تفرض نفسها على الباحث المجرد، وتأبى عليه ان يمر بمثل هذه الآراء من غير ان يكشفها على واقعها لتكون سلاحاً بيد الباحث البريء الذي لا يعنيه الا الحق من أي مصدر كان.

١٤٧

لقد اتفق اكثر السنة على ان مرويات الشيعة لا يجوز الاعتماد عليها لانهم في طليعة المبتدعة المتسترين بالاسلام ومن الدعاة الى بدعتهم، لانهم يدعون بأن الرسول نص على علي (ع) بالخلافة في غدير خم وغيره من المواقف، ووضعوا على حد تعبيرهم آلاف الاحاديث في فضله وفضل السيدة فاطمة وولديها الحسن والحسين (ع)، لذلك فهم من المبتدعة الكذابين، والخوارج من المبتدعة الصادقين. ونحن لا نريد ان نناقش ونجادل في المرويات حول استخلاف علي وفضائل اهل البيت، لا نريد ذلك، لان الحديث حول هذه المواضيع يتصل بتاريخ الاسلام، وقد تكلم فيه الشيعة والسنة في عشرات المناسبات وكتبوا حوله عشرات الكتب، ولكن الذي اريد ان اقوله لمن يحتج في رفض مروياتهم، بأنهم من المبتدعة الداعين الى بدعتهم، كيف سوغ هؤلاء لانفسهم قبول مرويات مروان ومعاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص، وطلحة والزبير والنعمان بن بشير الانصاري، وامثال هؤلاء ممن أراقوا الدماء واستباحوا الحرمات، واعلنوها حرباً شعواء لا هوادة فيها على الامام الشرعي الذي اختاره المهاجرون والانصار، والمسلمون من جميع البلدان والاقطار.

أليس خروج عائشة ام المؤمنين وزوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تقود جيشاً الى حرب علي (ع) يقتل الابرياء وينهب الاموال ويروع الآمنين، والقرآن يناديها ويؤكد عليها وعلى غيرها من امهات المؤمنين، بأن يقرن في بيوتهن ولا يتبرجن تبرج الجاهلية الاولى، أليس ذلك فساداً في الارض، وبدعة في دين الله لا تقل أخطاره عن أخطار فكرة الخوارج وغيرهم من المبتدعة وهل البدعة الا ادخال ما ليس من الدين في الدين، وارتكاب ما يتنافى مع اصول الاسلام وقواعده، وهل تتفق سيرة معاوية واتباعه ممن قبل المحدثون احاديثهم، هل تتفق سيرتهم مع اصول الاسلام وفروعه وقواعده ونحن لا نريد ان نجادلهم فيما ينسبونه الى الشيعة من الوضع

١٤٨

والكذب، ونفترض ذلك امراً واقعاً، ولكن هل يستطيع باحث مجرد ان ينزه اخصام علي كمعاوية واتباعه ومن يحمل روحه ومبادئه عن الوضع والكذب وبذل الاموال لهذه الغاية. مع ان التاريخ مشحون بالشواهد على انه قد اصدر امراً وزعه على جميع عماله في مختلف العواصم وامرهم بوضع الاحاديث في فضل الخلفاء وبخاصة قريبه عثمان، ووضع الاحاديث التي تسيء الى علي وبنيه.

أصحيح ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من اراد ان ينظر الى رجلين من اهل النار فلينظر الى هذين، فنظرت السيدة عائشة واذا بعلي والعباس قد اقبلا نحو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما روى ذلك جماعة من المحدثين عنها، أصحيح ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ان علياً يموت على غير ديني، كما روى عروة بن الزبير عن خالته عائشة اوليست بعض المرويات المدونة في الصحاح عن جماعة من الصحابة كأبي هريرة وامثاله اضر على الاسلام واكبر خطراً مما يسميه السباعي واسلافه بالبدع كما سنشير اليها خلال الفصول الآتية، اوليس معاوية اول من ادخل البدع في دين الله ودعا اليها وعاقب على تركها وفرض مسبة علي وبنيه على الخطباء وائمة المساجد، واستمر الامر على ذلك قرناً كاملاً من الزمن وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة ومن سن سنة حسنة كان له اجرها واجر من عمل بها.

اولم يقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمار: يا عمار تقتلك الفئة الباغية وهل ينكر احد من المحدثين، قتل معاوية واتباعه لعمار بن ياسر ومن على شاكلته من صحابة النبي الميامين.

افلا يكفي معاوية ان يكون في عداد المبتدعة تسليط ولده الفاجر المستهتر في دين الله على المسلمين، مع العلم بانه قد خالف بذلك سيرة

١٤٩

الشيخين الجليلين ابي بكر وعمر اللذين لم يجعلا لأولادهما نصيباً فيها. وفي ولدهما من هو أبر واصلح واتقى من معاوية واولاده بعشرات المرات ولو اردنا ان نستقصي البدع والمنكرات التي احدثها جماعة من الصحابة وماتوا وهم مصرون عليها لخرجنا من ذلك بمجلد أضخم من كتاب السباعي (السنة ومكانتها من التشريع) وكنت اتمنى ان لا ادخل في هذا الموضوع، ولكني كما ذكرت اولاً قد رأيت نفسي مضطراً لتقديم هذه الامثلة التي تؤكد ان الذين يرفضون مرويات الشيعة يتسترون بتلك الاسباب التي يدعونها، والواقع ان السبب الاول والاخير الذي لا يمكن التكفير عنه، ولا يدخله عنصر الاجتهاد الذي دخل على تصرفات معاوية واتباعه وعلى من وصفهم القرآن بالمنافقين، السبب الاول والاخير هو موالاة الشيعة لعلي واهل بيته (ع) والرجوع اليهم في امور الدين والتكفير عن هذه البدع لا يمكن ان يكون الا بالرجوع عن موالاتهم والتمرغ على اعتاب بعض الصحابة بما فيهم معاوية واتباعه، وما داموا مصرين على ذلك فهم مبتدعة كذابون، والخوارج قوم صلحاء لا يجاملون ولا يستعملون التقية كما يصنع الشيعة، ولم يكن وسطهم بالوسط الذي يقبل الدسائس والزندقة والشعوبيين، كما هو الحال بالنسبة الى الرافضة على حد تعبير السباعي وغيره(١) .

ونحن إذ نبارك له ولاسلافه من العلماء والمحدثين، فكرة الرجوع الى الخوارج واخذ الدين عنهم، نريد ان نلفت نظر القراء الى ان اهل السنة يشترطون العدالة في الراوي بالاضافة الى الاسلام، ويفسرون العدالة بفعل الواجبات واجتناب المحرمات، مع العلم بان الخوارج يكفرون جميع المسلمين، لانهم لم يشتركوا معهم في جهاد الامويين، ويكفرون علياً واتباعه، وعثمان وحزبه، ويستحلون دماء واموال جميع

____________________

(١) انظر ص ٩٥ من الكتاب المذكور.

١٥٠

من لم يساندهم ويدين بآرائهم، هذا بالاضافة الى تشريعاتهم المنافية لاصول الاسلام ومبادئه، لان فيهم من جوز نكاح بنات الاولاد وبنات اولاد الاخوة(١) .

وادعى يزيد بن انيسه احد قادتهم ان الله سيبعث نبياً من العجم بكتاب ينسخ شريعة محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وفيهم من ادعى بان سورة يوسف ليست من القرآن، الى غير ذلك من الآراء المنافية لضرورات الاسلام والتي تجعلهم في عداد الكفار والملحدين(٢) ، ومع ذلك فالخوارج صادقون لا يستحلون الكذب، والشيعة مبتدعة كذابون.

وجاء عن بعض المحدثين من السنة انه سمع شيخاً منهم بعد ما تاب يقول: ان هذه الاحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فانا كنا اذا هوينا امراً صيرناه حديثاً.

وبهذه المناسبة يقول الحافظ ابن حجر: هذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمراسيل، اذ بدعة الخوارج كانت في مبدأ الاسلام، والصحابة متوافرون، ثم في عصر التابعين فمن بعدهم، وهؤلاء اذا استحسنوا امراً جعلوه حديثاً واشاعوه، فربما سمع الرجل الشيء فحدث به، ولم يذكر من حدثه به فيحمله منه غيره، ويجيء الذي يحتج بالمنقطعات فيحتج به مع كون اصله ما ذكرنا(٣) .

على ان السباعي يرسل اقواله جزافاً وينسبها الى اهل السنة ليؤيد بها ادعاءه ويركز على اساسها حملاته المسعورة على الشيعة.

____________________

(١) وهم العجاردة اتباع ميمون العجردي احد أمرائهم.

(٢) انظر مقالات الاسلاميين للاشعري، والتبصير في الدين للاسفرائيني، وكتابنا الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة ص٥٦ وما قبلها.

(٣) انظر ص ٩٨ من شيخ المضيرة عن توجيه النظر ص ٢٤٥.

١٥١

والواقع ان الباحث المتتبع يمكن ان ينتزع من آرائهم ونصوصهم حول هذه المواضيع ان الاكثرية الغالبة ترفض رواية الشيعي بقول مطلق بنحو يصح نسبه الى جمهور اهل السنة واحسب ان هذا هو اول ما يهتدي اليه الباحث بعد استقصاء آرائهم وتمحيصها لانهم متفقون على انهم من اهل البدع والاهواء وبدعتهم ليست كغيرها من البدع التي يمكن ان يجد لها الانسان تفسيراً مقبولاً على حد زعمهم، ومع ذلك فلا يصح نسبته الى الجميع.

وجاء في الباعث الحثيث للشيخ احمد محمد شاكر ما يؤيد ذلك، حيث قال: اهل البدع والاهواء اذ كانت بدعتهم مما يحكم بكفر القائلين بها لا تقبل روايتهم بالاتفاق كما نص على ذلك النووي، واضاف الى ذلك ان السيوطي انكر الاتفاق الذي يدعيه النووي، لوجود القائل بقبول روايتهم مطلقاً، ووجود من يقول بقبولها اذا اعتقد الراوي حرمة الكذب.

واما من كانت بدعته لا توجب الكفر، فان بعضهم لهم يقبل روايته مطلقاً، وبعضهم قبلها اذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه، وروى ذلك عن الشافعي، حيث قال: ما رأيت في اهل الاهواء والبدع اشهد بالزور من الرافضة.

وقال بعضهم: تقبل رواية المبتدع اذا لم يكن داعية الى بدعته ولا تقبل اذا كان داعية اليها، وفي رأي النووي ان الاكثر يذهبون الى ذلك(١) .

ومن مجموع ذلك تبين انهم لم يتفقوا على رأي واحد في هذه المسألة، وان بينهم من يرجح قبول رواية المبتدع في الاحوال كلها، وان

____________________

(١) انظر الباعث الحثيث ص ١٠٠.

١٥٢

كان الاكثر يشترط ان لا يكون داعية اليها كما نص على ذلك النووي وقال الحافظ الذهبي في المجلد الاول من الميزان في ترجمة ابان بن تغلب: ان الشيعي اذا لم يكفر الشيخين أبا بكر وعمر ولم يتبرأ منهما تقبل روايته، ثم قال في وصف ابان: انه شيعي جلد، لكنه صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته، واضاف الى ذلك. فلقائل ان يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع؟ وحد الثقة العدالة والاتقان، فكيف يكون عدلاً وهو صاحب بدعة، وجوابه ان البدعة على ضربين صغرى كالتشيع بلا غلو، وغلو التشيع، وهذه كثيرة في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة، ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل، والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر، والدعاء الى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، ولا استحضر من هذا النوع رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله، حاشا وكلا فالغالي في زمان السلف وعرفهم، هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً (ع) وتعرض لسبهم، والغالي في زماننا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين ايضاً، فهذا ضال مفتر كذاب ونقل عن الحافظ ابن حجر ما هو قريب من هذا النص(١) .

وهذا النص من الذهبي يكاد ان يكون صريحاً في ان صدق الراوي ووثاقته لا بد من مراعاتهما في الراوي اياً كانت صفته، والشيعي مع انه على جميع حالاته مبتدع، ولكن اذا لم يبلغ الحال به الى تكفير من حارب علياً (ع) والبراءة من الشيخين لا ترد روايته اذا كان صدوقاً وضابطاً للحديث، وهو وان لم يعبر عن رأي الجمهور في هذه المسألة، الا ان الكثير منهم على ذلك، كما يبدو من نصوصهم وتصريحاتهم.

____________________

(١) المصدر السابق ص ١٠١.

١٥٣

قال ابن حجر في هدى الساري في تحديد المبتدع الذي لا تقبل مروياته: ان الموصوف بالبدعة، اما ان يكون ممن يكفر بها او يفسق فالمكفر بها لا بد وان يكون التكفير متفقاً عليه من قواعد جميع الائمة، كما في غلاة الرافضة المدعين حلول الالوهية في علي (ع) وغيره، والايمان برجوعه الى الدنيا قبل يوم القيمة او غير ذلك، وليس في الصحيح من حديث هؤلاء شيء.

والبدعة الموجبة للفسق كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغالون ذلك اللغو، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لاصول السنة خلافاً ظاهراً والمستندين في خلافهم الى تأويل ظاهر سائغ، فقد اختلف اهل السنة في قبول حديث من هذا سبيله، اذا كان معروفاً بالتحرز من الكذب مشهوراً بالسلامة من خوارم المروءة، موصوفاً بالديانة والعبادة، فقيل يقبل حديثه مطلقاً، وقيل يرد مطلقاً، وفصل آخرون بين ان يكون داعية لبدعته، او غير داعية لها فقبلوا حديث غير الداعية، وردوا حديث الداعية لها. واضاف الى ذلك. ان هذا المذهب هو الاعدل وصارت اليه طوائف من الائمة، وادعى ابن حيان اجماع اهل النقل عليه. وفصل بعضهم في رواية المبتدع الذي لا يدعو لبدعته، بما حاصله ان غير الداعي الى بدعته اذا اشتملت روايته ولو من بعيد على ما يؤيد بدعته، او يحسنها في ظاهر الحال فلا يصح التعويل على حديثه، وان لم يشتمل حديثه على شيء من ذلك يصح الاعتماد عليه الى غير ذلك من الاقوال الكثيرة التي اوردها العسقلاني في مقدمة فتح الباري(١) . وكما ذكرنا لا يستطيع الباحث ان ينتزع مبدأ عاماً صريحاً في عدم قبول مرويات الشيعة بقول مطلق يعبر عن رأي الجميع ويصح اعتباره مذهباً لهم والذي يمكن نسبته الى الاكثرية ان الشيعي اذا لم يعلن البرائة ممن تقدم على علي (ع) في الخلافة ولم

____________________

(١) انظر ص ١٤٤ و ١٤٥ من المجلد الثاني من هدى الساري.

١٥٤

يكن داعياً الى تشيعه ولا متحمساً له يصح الاعتماد على حديثه اذا كان معروفاً بالصدق ومتحرراً من منافيات الوثاقة والمروءة على حد تعبير بعضهم، اما اذا كان ممن يتبرأ من اخصام علي (ع) ويدعو الى بدعته التي هي التشيع في اصطلاحهم، او يروي ما يؤيدها فلا يكون مقبول الحديث، ومن هنا يصح ان يقال ان الشيعي الاثني عشري لا يصح الاعتماد على مروياته عند الاكثرية الغالبة، لعدم توفر الشروط التي يشترطونها لقبول روايته مع التشيع بهذا المعنى.

ويجد الباحث هنا وهناك في خلال احاديثهم من يرجح الاخذ برواية الشيعي اذا لم يكن مغالياً، وهؤلاء على قلتهم قد فصل بعضهم بين ما اذا وردت رواية الشيعي من طريق السنة ايضاً، وبين ما اذا تفرد بها الشيعي، ففي الاول ترد روايته اطفاء لناره واخماداً لبدعته على حد تعبيرهم وفي الحالة الثانية يصح الاخذ بها والاعتماد عليها اذا كان معروفاً بالصدق ولم يكن لروايته صلة ببدعته، تقديماً لمصلحة انتشار الحديث على مصلحة اهانة المبتدع، لان من مصلحة الحديث نشره واظهاره. وفي مقابل هذه المصلحة رد حديث المبتدع المستلزم لاهانته والتشهير بكذبه حتى لا تتسرب دسائسه الى النفوس، ولكن مصلحة انتشار الحديث المترتبة على الاخذ برواية المبتدع الصادق اولى بالمراعاة من تلك المصلحة(١) .

وقد وقف الغزالي من هذه المسألة موقفاً معتدلاً بالنسبة الى غيره من شيوخ السنة، يرجع حاصله الى ان اشتراط العدالة في الراوي اذا كان من جهة تحصيل الاطمئنان والوثوق بحديثه والعادل يتجنب الكذب

____________________

(١) المصدر السابق، وهذا التفصيل يصور لنا مدى الحقد والتعصب ضد الشيعة الذي امتزج بدماء هؤلاء وتحكم في تفكيرهم ومداركهم واعماهم عن ادراك ابسط الحقائق واقربها الى النفوس البريئة التي لا ترى للحق بديلاً.

١٥٥

ويتحرز الاخذ من غير الموثوقين، فالمبتدع بناء على ذلك مهما كانت بدعته اذا كان صدوقاً يتجنب الكذب ويتحرى الصواب، ويبتعد عن غير الموثوقين، ينبغي ان تؤخذ روايته بعين الاعتبار، واذا كان اشتراط العدالة راجعاً الى ان الفسق بذاته يمنع من قبول الشهادة والرواية، من حيث كونه نقصاً يسلب المتصف به اهلية الاعتماد عليه كالكفر مثلاً، فالمبتدع من حيث كونه فاسقاً يفقد اهلية تحمل الشهادة والرواية.

وقد رجح مانعية الفسق من الاعتماد على الرواية لا من حيث ذاته بل من حيث ان الفاسق متهم في حديثه، ولا يكون محلاً للوثوق والاطمئنان في الغالب، وانتهى من هذه المقدمة الى ان المبتدع مهما كانت بدعته، اذا كان ورعاً صدوقاً متمسكاً في دينه لا يستحل الكذب، يصح الاخذ بمروياته والاعتماد عليه في الحديث وغيره، واذا لم يكن بهذه الصفات لا يعتمد عليه في شيء من امور الدين(١) .

وهذا التفصيل من الغزالي اقرب الى المنطق والصق بالواقع من جميع ما قيل حول المبتدع ومروياته وتؤيده الآية الكريمة:

(ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) حيث ان الظاهر من الآية الكريمة ان الفاسق انما وجب التبين في حديثه والفحص عن صحته والوقوف عنده حتى ينكشف الحال من حيث احتمال كذبه، وعدم صدقه فيما اخبر به لا من حيث مانعية الفسق بذاتها. ولعل البخاري لا ينظر الى المبتدعة من الزاوية التي نظر منها الغزالي فلم يرو عمن ثبت تشيعه الا عن عدد لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة ولم يرد ذكر لاحد منهم في اكثر من رواية او روايتين، ولعل ذلك من حيث ان الروايات التي وردت عن طريقهم رواها غيرهم من السنة

____________________

(١) انظر المستصفى ص ١٠٢ من الجزء الاول.

١٥٦

كما اعتذر بعض المحدثين عنه بالنسبة لروايته عن حمران بن اعين، وروى عن بعض المتهمين بالتشيع، وعلى قلة تلك المرويات فقد ضعفها جماعة من محدثي السنة لمجرد هذه التهمة، كما روى عن عدد كبير من الخوارج، والنواصب، والقدرية والمرجئة وغيرهم ممن وصفهم علماء السنة ومحدثوهم بالمبتدعة ولكن بدعتهم لا تمنع من صدقهم على حد تعبيرهم.

وقد فرق العسقلاني في مقدمة فتح الباري بين التشيع والرفض، والغلو في الرفض بما حاصله ان التشيع هو محبة علي (ع) وتفضيله على الصحابة فمن قدمه على ابي بكر وعمر فهو رافضي غال في التشيع، ومن لم يقدمه عليهما فهو شيعي، فاذا ذكر الشيعي سبب التقدم على الشيخين، او صرح ببغضهما فهو غال في الرفض، ومن كان يعتقد بالرجعة فاشد غلواً(١) .

وبنتيجة هذه الفروق التي ذكرها ابن حجر لمراتب التشيع، يتبين ان الذين روى عنهم من الشيعة ممن يقدمون علياً (ع) على الخليفتين ابي بكر وعمر لا يتجاوزون اصابع اليد الواحدة، كما تؤيد ذلك الاحصاءات التي اجراها النقاد لاحاديث البخاري، وجميع المتهمين بالتشيع بين رجاله كما يظهر من كتب اهل السنة المؤلفة في التراجم واحوال الرواة لا يتجاوزون خمسة عشر تقريباً، ويتسع التشيع عندهم لكل من يجب علياً او ينتقد اخصامه. فاذا وجدوا شخصاً معتدلاً في تقديره للحوادث ومنصفاً في عرضها، او وجدوه ينتقد سيرة بعض الخلفاء والحكام الامويين، اتهموه بالتشيع، ووقفوا موقف المتحفظ من مروياته، وقد يتهم الراوي بالتشيع لمجرد أنه يروي فضيلة لعلي او حديثاً حسناً فيه. ويؤيد ذلك ما جاء في المجلد الثالث من الميزان للذهبي في اثناء حديثه عن محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة ٢١٠، فقد قال في وصفه:

____________________

(١) انظر هدى الساري ص ٣٣٣.

١٥٧

انه ثقة صادق فيه تشيع يسير وموالاة لا تضر ولازم ذلك ان الموالاة التي تبلغ اعطاء علي صفة الافضلية على غيره تمنع من قبول مروياته.

وقال فيه احمد بن علي السليماني الحافظ: انه كان يضع للروافض(١) وقد ضعف المؤلفون في الحديث واحوال الرواة اسماعيل بن سليمان بن المغيرة الازرق التميمي الكوفي لانه ممن روى حديث الطائر المشوي.

وقال فيه ابو حاتم سمعت ابن نمير يقول: كان اسماعيل بن الازرق من غلاة الشيعة، ولا مصدر لمن اعطاه هذه الصفة الا روايته للحديث المذكور، وليس في كتب الرجال مما يشير الى تشيعه فضلاً عن غلوه في التشيع. ومما يؤيد انهم كانوا لا يتحملون من الراوي ما يرويه في فضائل علي (ع) ان الحافظ عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي المتوفى سنة ٣٧٣ احد الاعلام في عصره، كان يدرس عدداً من تلاميذه، فاتفق له انه املى عليهم حديث الطائر المشوي، فلم يتحملوا منه ذلك، بل وثبوا عليه فاقاموه من مكانه وغسلوا موضعه، فلزم بيته ولم يحدث احداً بعد ذلك، ولذا قل حديثه عند الواسطيين كما نص على ذلك في تذكرة الحفاظ(٢) ومن الشواهد على ذلك ان عباد بن يعقوب ابا سعيد الكوفي المتوفى سنة ٢٥٠ ممن روى عنه البخاري حديثاً واحداً، ورواه غيره من محدثي السنة، وورد لعباد بن يعقوب ذكر في بعض اسانيد البخاري وتعرض للنقد والطعن عليه، لروايته عنه، بحجة انه كان داعية الى الرفض، مع اعترافهم بانه كان صدوقاً في حديثه. كما يؤيد ذلك ابن العماد الحنبلي، والحافظ الذهبي، وكان ابن خزيمة اذا حدث عنه يقول حدثنا الثقة في روايته المتهم في رأيه، ولا مصدر لهم في تشيعه وغلوه في

____________________

(١) انظر ص ٥٩٩ من المجلد ٣ من ميزان الاعتدال.

(٢) انظر الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج ٦ ص ٣١٠.

١٥٨

الرفض الا انه كان يقول: ان الله اعدل من ان يدخل الجنة طلحة والزبير، لانهما بايعا علياً ثم نكثا بيعته وقاتلاه.

وروى عن جماعة ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: اذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه، والف كتاباً في احوال الصحابة لم يتحيز فيه وروى ما يتعلق بفضل علي (ع) مع العلم بأن كتب التراجم الشيعية لا تنص على تشيعه، بل ينص اكثرها انه كان عامي المذهب، وممن نص على ذلك المرزا محمد في اتقان المقال، والطوسي في كتابه الفهرست(١) ومهما كان الحال فالباحث بعد التمحيص لاحوالهم وآرائهم حول هذا الموضوع يطمئن الى ان الرأي الشائع عندهم الذي يصح نسبته اليهم هو عدم قبول مرويات الشيعة الامامية الذين يفضلون علياً على غيره من الخلفاء ويرونه وابناءه (ع) احق بالخلافة بعد الرسول ممن تولاها على التعاقب ومن الجائز القريب ان يكون هذا الموقف السلبي من مرويات الشيعة في مختلف العصور هو من نتائج الحظر الشامل الذي وضعه معاوية وولاته على مرويات الشيعة وحتى على شهاداتهم، ولقد اكد هذا الحظر في وثيقته التاريخية التي وزعها في مختلف الاقطار الاسلامية واقتدى به غيره من الامويين طيلة حكمهم الذي استمر نحواً من ثمانين عاماً فكان من نتيجة ذلك ان اصبح من المرتكزات في اذهانهم يرثها الخلف عن سلفه في مختلف العصور / انظر ج / ٣ النهج.

____________________

(١) انظر شذرات الذهب ج ٣ ص ١٢١ وتهذيب التهذيب ص ١٠٩ و ١٠٠ وهدى الساري ٤١١ ومنهج المقال في علم الرجال للمزرا محمد.

الفصل الخامس : من رجال البخاري

١٥٩

١٦٠