كفاية الأصول

كفاية الأصول0%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

كفاية الأصول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد كاظم الخراسانى
تصنيف: الصفحات: 521
المشاهدات: 49539
تحميل: 16005

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49539 / تحميل: 16005
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الثالث : ظاهر لفظ النهي وإن كان هو النهي التحريمي، إلا أن ملاك البحث يعم التنزيهي، ومعه لا وجه لتخصيص العنوان(١) ، واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به، كما لا يخفى.

كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي، فيعم الغيري إذا كان أصلياً، وأما إذا كان تبعياً، فهو وإن كان خارجاً عن محل البحث، لما عرفت أنه في دلالة النهي والتبعي منه من مقولة المعنى، إلا أنه داخل فيما هو ملاكه، فإن دلالته على الفساد على القول به فيما لم يكن للإرشاد إليه، إنما يكون لدلالته على الحرمة، من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك، كما توهمه القمي(٢) قدس‌سره ويؤيد ذلك أنه جعل ثمرة النزاع في أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فساده إذا كان عبادة، فتدبر جيداً.

الرابع : ما يتعلق به النهي، إما أن يكون عبادة أو غيرها، والمراد بالعبادة - هاهنا - ما يكون بنفسه وبعنوانه عبادة له تعالى، موجباً بذاته للتقرب من حضرته لولا حرمته، كالسجود والخضوع والخشوع له وتسبيحه وتقديسه، أو ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمراً عبادياً، لا يكاد يسقط إلا إذا أتى به بنحو قربى، كسائر أمثاله، نحو صوم العيدين والصلاة في أيام العادة، لا ما أمر به

____________________

(١) ذهب اليه الشيخ (قده)، مطارح الأنظار / ١٥٧.

(٢) قوانين الأصول ١ / ١٠٢. في المقدمة السادسة.

هو ابوالقاسم ابن المولى محمد حسن الجيلاني المعروف بالميرزا القمي. تولد سنة ١١٥١ في جابلق، فرغ من تشييد مقدمات الكمال في قم، ثم انتقل إلى خونسار فاشتغل على المحقق الأمير سيد حسين ثم توجه إلى العتبات العاليات، تتلمذ عند العلامة المروّج فاجاز له في الرواية والاجتهاد، له مؤلفات كثيرة منها «القوانين» و«الغنائم» و«المناهج». توفي سنة ١٢٣١ (روضات الجنّات٥ /٣٦٩ رقم٥٤٧).

١٨١

لاجل التعبد به(١) ، ولا ما يتوقف صحته على النية(٢) ، ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء(٣) ، كما عرّف بكل منها العبادة، ضرورة أنها بواحد منها، لا يكاد يمكن أن يتعلق بها النهي، مع ما أورد عليها بالانتقاض طرداً أو عكساً، أو بغيره، كما يظهر من مراجعة المطولات(٤) ، وإن كان الإشكال بذلك فيها في غير محله، لأجل كون مثلها من التعريفات، ليس بحد ولا برسم، بل من قبيل شرح الاسم كما نبهنا عليه غير مرة، فلا وجه لإطالة الكلام بالنقض والإبرام في تعريف العبادة، ولا في تعريف غيرها كما هو العادة.

الخامس : إنه لا يدخل في عنوان النزاع إلا ما كان قابلاً للاتصاف بالصحة والفساد، بأن يكون تارة تاماً يترتب عليه ما يترقب عنه من الأثر، وأخرى لا كذلك، لاختلال بعض ما يعتبر في ترتبه، أما ما لا أثر له شرعاً، أو كان أثره مما لا يكاد ينفك عنه، كبعض أسباب الضمان، فلا يدخل في عنوان النزاع لعدم طروء الفساد عليه كي ينازع في أن النهي عنه يقتضيه أو لا، فالمراد بالشيء في العنوان هو العبادة بالمعنى الذي تقدم، والمعاملة بالمعنى الأعم، مما يتصف بالصحة والفساد، عقداً كان أو إيقاعاً أو غيرهما، فافهم.

السادس : إن الصحة والفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار والأنظار، فربما يكون شيء واحد صحيحاً بحسب أثر أو نظر وفاسداً بحسب آخر، ومن هنا صح أن يقال: إن الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف، بل فيهما بمعنى واحد وهو التمامية، وإنما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار

____________________

(١) اختاره الشيخ (قده) مطارح الأنظار / ١٥٨، في الأمر الثالث.

(٢) مال إليه المحقق القمي، قوانين الأصول ١ / ١٥٤، في المقدمة الاولى.

(٣) هذا التعريف للمحقق القمي أيضاً، المصدر السابق.

(٤) راجع مطارح الأنظار ١٥٨، والفصول / ١٣٩.

١٨٢

التي بالقياس عليها تتصف بالتمامية وعدمها، وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في صحة العبادة، إنما يكون لأجل الاختلاف فيما هو المهم لكل منهما من الأثر، بعد الاتفاق ظاهراً على أنها بمعنى التمامية، كما هي معناها لغة وعرفاً.

فلما كان غرض الفقيه، هو وجوب القضاء، أو الإعادة، أو عدم الوجوب، فسّر صحة العبادة بسقوطهما، وكان غرض المتكلم هو حصول الامتثال الموجب عقلاً لاستحقاق المثوبة، فسرها بما يوافق الأمر تارة، وبما يوافق الشريعة أُخرى.

وحيث أن الأمر في الشريعة يكون على أقسام: من الواقعي الأولى، والثانوي، والظاهري، والأنظار تختلف في أن الأخيرين يفيدان الإجزاء أو لا يفيدان، كان الإتيان بعبادة موافقة لأمر ومخالفة لآخر، أو مسقطاً للقضاء والإعادة بنظر، وغير مسقط لهما بنظر آخر، فالعبادة الموافقة للأمر الظاهري، تكون صحيحة عند المتكلم والفقيه، بناءً على أن الأمر في تفسير الصحة بموافقة الأمر أعم من الظاهري، مع اقتضائه للإجزاء، وعدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته، بناء على عدم الإجزاء، وكونه مراعى بموافقة الأمر الواقعي [و](١) عند المتكلم، بناء على كون الأمر في تفسيرها خصوص الواقعي.

تنبيه : وهو أنه لا شبهة في أن الصحة والفساد عند المتكلم، وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتيّ به مع المأمور به وعدمها، وأما الصحة بمعنى سقوط القضاء والإعادة عند الفقيه، فهي من لوازم الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأولي عقلاً، حيث لا يكاد يعقل ثبوت الإعادة أو القضاء معه جزماً، فالصحة بهذا المعنى فيه، وإن كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف، إلا أنه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهم(٢) ، بل مما يستقل به

____________________

(١) اثبتنا الزيادة من طبعة المشكيني.

(٢) انظر مطارح الأنظار / ١٦٠، في تذنيب الهداية الأولى من القول في اقتضاء النهي للفساد.

١٨٣

العقل، كما يستقل باستحقاق المثوبة به وفي غيره، فالسقوط ربما يكون مجعولاً، وكان الحكم به تخفيفاً ومنةً على العباد، مع ثبوت المقتضي لثبوتهما، كما عرفت في مسألة الإجزاء، كما ربما يحكم بثبوتهما، فيكون الصحة والفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين.

نعم، الصحة والفساد في الموارد الخاصة، لا يكاد يكونان مجعولين، بل إنما هي تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به، هذا في العبادات.

وأما الصحة في المعاملات، فهي تكون مجعولة، حيث كان ترتب الأثر على معاملة إنما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو إمضاءً، ضرورة أنه لولا جعله، لما كان يترتب عليه، لأصالة الفساد.

نعم صحة كل معاملة شخصية وفسادها، ليس إلا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سبباً وعدمه، كما هو الحال في التكليفية من الأحكام، ضرورة أن اتصاف المأتيّ به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما، ليس إلا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام.

السابع : لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعوّل عليه، لو شك في دلالة النهي على الفساد. نعم، كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد، لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة.

وأما العبادة فكذلك، لعدم الأمر بها مع النهي عنها، كما لا يخفى.

الثامن : إن متعلق النهي إمّا أن يكون نفس العبادة، او جزأها، أو شرطها الخارج عنها، أو وصفها الملازم لها كالجهر والإخفات(١) للقراء‌ة، أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة عنها.

____________________

(١) فإن كل واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراء‌ة، وإن كانت هي تنفك عن أحدهما، فالنهي عن أيهما يكون مساوقاً للنهي عنها، كما لا يخفى. (منهقدس‌سره ).

١٨٤

لا ريب في دخول القسم الاول في محل النزاع، وكذا القسم الثاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة، إلا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها، إلا مع الاقتصار عليه، لا مع الإتيان بغيره مما لا نهي عنه، إلا أن يستلزم محذوراً آخر.

وأما القسم الثالث، فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجباً لفساد العبادة، إلا فيما كان عبادة، كي تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.

وبالجملة لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجباً لفساد العبادة المشروطة به، لو لم يكن موجباً لفساده، كما إذا كانت عبادة.

وأما القسم الرابع، فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه، فيكون النهي عن الجهر في القراء‌ة مثلاً مساوقاً للنهي عنها، لاستحالة كون القراء‌ة التي يجهر بها مأموراً بها، مع كون الجهر بها منهياً عنه(١) فعلا، كما لا يخفى.

وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقاً، كما في القسم الخامس، فإن النهي عنه لا يسري إلى الموصوف، إلا فيما إذا اتحد معه وجوداً، بناءً على امتناع الاجتماع، وأما بناءً على الجواز فلا يسري إليه، كما عرفت في المسألة السابقة، هذا حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.

وأما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور، فحاله حال النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق. وبعبارة أخرى: كان النهي عنها بالعرض، وإن كان النهي عنها على نحو الحقيقة، والوصف بحاله، وإن كان بواسطة أحدها، إلا أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض، كان حاله حال النهي في القسم الأول، فلا تغفل.

____________________

(١) في «ب»: عنها.

١٨٥

ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة، يظهر حال الأقسام في المعاملة، فلا يكون بيانها على حدة بمهم، كما أن تفصيل الأقوال في الدلالة على الفساد وعدمها، التي ربما تزيد على العشرة - على ما قيل(١) - كذلك، إنما المهم بيان ما هو الحق في المسألة، ولا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الأقوال، من بسط المقال في مقامين:

الاول في العبادات : فنقول وعلى الله الاتكال: إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها، ولو كانت جزء عبادة بما هو عبادة - كما عرفت - مقتضٍ(٢) لفسادها، لدلالته على حرمتها ذاتاً، ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر أو الشريعة مع الحرمة، وكذا بمعنى سقوط الإعادة، فإنه مترتب على إتيانها بقصد القربة، وكانت مما يصلح لأن يتقرب به(٣) ، ومع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك، ويتأتى قصدها من الملتفت إلى حرمتها، كما لا يخفى.

لا يقال: هذا لو كان النهي عنها دالّاً على الحرمة الذاتية، ولا يكاد يتصف بها العبادة، لعدم الحرمة بدون قصد القربة، وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلا تشريعاً، ومعه تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة، ومعه لا تتصف بحرمة أخرى، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين.

فإنه يقال: لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة - لو كان مأموراً به - بالحرمة الذاتية، مثلاً صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها، بمعنى أنه لو أمر به كان عبادة، لا يسقط الأمر به إلا إذا أتى به بقصد القربة، كصوم سائر الأيام، هذا فيما إذا لم يكن ذاتاً عبادة، كالسجود لله تعالى ونحوه، وإلا كان محرماً مع

____________________

(١) مطارح الأنظار / ١٦٢، في الهداية الثانية من القول في اقتضاء النهي للفساد.

(٢) في «أ و ب»: مقتضى.

(٣) هكذا في «أ و ب»: وفي بعض النسخ المطبوعة «بها».

١٨٦

كونه فعلاً عبادة، مثلاً إذا نهي الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى، كان عبادة محرمة ذاتاً حينئذ، لما فيه من المفسدة والمبغوضية في هذا الحال، مع أنه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية، بناءً على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفاً بالحرمة، بل إنما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب، كما هو الحال في التجري والانقياد، فافهم.

هذا مع أنه لو لم يكن النهي فيها دالّاً على الحرمة، لكان دالّاً على الفساد، لدلالته على الحرمة التشريعية، فإنه لا أقل من دلالته على أنها ليست بمأمور بها، وإن عمها إطلاق دليل الأمر بها أو عمومه، نعم لو لم يكن النهي عنها إلا عرضاً، كما إذا نهى عنها فيما كانت ضد الواجب مثلاً، لا يكون مقتضيا للفساد، بناء على عدم اقتضاء الأمر(١) بالشيء للنهي عن الضد الا كذلك أي عرضا، فيخصص به او يقيد.

المقام الثاني في المعاملات : ونخبة القول، أن النهي الدالّ على حرمتها لا يقتضي الفساد، لعدم الملازمة فيها - لغةً ولا عرفاً - بين حرمتها وفسادها أصلاً، كانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة، أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبب بها إليه، وإن لم يكن السبب ولا المسبب بما هو فعل من الأفعال بحرام، وإنما يقتضي الفساد فيما إذا كان دالّاً على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها، مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن في بيع أو بيع شيء.

نعم لا يبعد دعوى ظهور النهي عن المعاملة في الإرشاد إلى فسادها، كما أن الأمر بها يكون ظاهراً في الإرشاد إلى صحتها من دون دلالته على إيجابها أو استحبابها، كما لايخفى، لكنه في المعاملات بمعنى العقود والإيقاعات، لا المعاملات بالمعنى الأعم المقابل للعبادات، فالمعول هو ملاحظة القرائن في

____________________

(١) في «ب» عدم الأقتضاء للأمر بالشيء..الخ.

١٨٧

خصوص المقامات، ومع عدمها لا محيص عن الأخذ بما هو قضية صيغة النهي من الحرمة، وقد عرفت أنها غير مستتبعة للفساد، لا لغةً ولا عرفاً.

نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعاً، من جهة دلالة غير واحد من الأخبار عليه، منها ما رواه في الكافي والفقيه، عن زرارة، عن الباقرعليه‌السلام (١) : (سأله عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذلك إلى سيده، إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما، قلت: أصلحك الله تعالى، إن الحكم بن عتيبة(٢) وإبراهيم النخعي وأصحابهما، يقولون: إن أصل النكاح فاسد، ولا يحل إجازة السيد له، فقال أبوجعفرعليه‌السلام : إنه لم يعص الله، إنما عصى سيده، فإذا أجاز فهو له جائز) حيث دل بظاهره أنّ النكاح لو كان مما حرمه الله تعالى عليه كان فاسداً، ولا يخفى أن الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية هاهنا، أن النكاح ليس مما لم يمضه الله ولم يشرعه كي يقع فاسداً، ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى للفساد كما لا يخفى، ولا بأس بإطلاق المعصية على عمل لم يمضه الله ولم يأذن به، كما أطلق عليه(٣) بمجرد عدم إذن السيد فيه أنه معصية.

وبالجملة: لو لم يكن ظاهراً في ذلك، لما كان ظاهراً فيما توهم، وهكذا

____________________

(١) الكافي / ٤٧٨، الحديث ٣، باب المملوك يتزوج بغير إذن مولاه، الفقيه ٣ / ٣٥٠ الحديث ٤ باب طلاق العبد - التهذيب ٧ / ٣٥١ الحديث ٦٣ في العقود على الإماء.

(٢) في «أ و ب»: حكم بن عتبة.

(٣) وجه ذلك أن العبودية تقتضي عدم صدور العبد إلا عن أمر سيده وإذنه، حيث أنه كلّ عليه لا يقدر على شيء، فإذا استقل بأمر كان عاصياً حيث أتى بما ينافيه مقام عبوديته، لا سيما مثل التزوج الذي كان خطيراً، وأما وجه أنه لم يعص الله فيه، فلأجل كون التزوج بالنسبة إليه أيضاً كان مشروعاً ماضياً، غايته أنه يعتبر في تحققه إذن سيده ورضاه، وليس كالنكاح في العدة غير مشروع من أصله، فإذا أجاز ما صدر عنه بدون إذنه فقد وجد شرط نفوذه وارتفع محذور عصيانه، فعصيانه لسيده. (منهقدس‌سره ).

١٨٨

حال سائر الأخبار الواردة في هذا الباب(١) ، فراجع وتأمل.

تذنيب : حكي عن أبي حنيفة(٢) والشيباني(٣) دلالة النهي على الصحة، وعن الفخر(٤) أنه وافقهما في ذلك، والتحقيق(٥) انه في المعاملات كذلك إذا كان عن المسبب أو التسبيب، لاعتبار القدرة في متعلق النهي كالأمر، ولا يكاد يقدر عليهما إلا فيما كانت المعاملة مؤثرة صحيحة، وأما إذا كان عن السبب، فلا، لكونه مقدوراً وإن لم يكن صحيحاً، نعم قد عرفت أن النهي عنه لا ينافيها.

وأما العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالسجود والركوع والخشوع والخضوع له تبارك وتعالى، فمع النهي عنه يكون مقدوراً، كما إذا كان ماموراً به، وما كان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فيه لو كان ماموراً به، فلا يكاد يقدر عليه إلا إذا قيل باجتماع الأمر والنهي في شيء ولو بعنوان واحد، وهو محال، وقد عرفت أن النهي في هذا القسم إنما يكون نهياً عن العبادة، بمعنى أنه لو كان مأموراً به، كان الأمر به أمر عبادة لا يسقط إلا بقصد القربة، فافهم.

____________________

(١) راجع وسائل الشيعة ١٤، الباب ٢٣ إلى ٢٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢ و٣) شرح تنقيح الفصول، ١٧٣.

(٤) أي فخر المحققينرحمه‌الله نجل العلامة الحليرحمه‌الله.

(٥) ملخصه أن الكبرى وهي: ان النهي - حقيقة - إذا تعلق بشيء ذي أثر كان دالّاً على صحته وترتب أثره عليه، لاعتبار القدرة فيما تعلق به النهي كذلك وإن كانت مسلمة، إلا أن النهي كذلك لا يكاد يتعلق بالعبادات، ضرورة امتناع تعلق النهي كذلك بما تعلق به الأمر كذلك، وتعلقه بالعبادات بالمعنى الأول وإن كان ممكناً، إلا أن أثر المرغوب منها عقلاً أو شرعاً غير مترتب عليها مطلقا، بل على خصوص ما ليس بحرام منها وهكذا الحال في المعاملات، فإن كان الأثر في معاملة مترتباً عليها ولازماً لوجودها كان النهي عنها دالّاً على ترتبه عليها، لما عرفت. (منهقدس‌سره ).

١٨٩

١٩٠

المقصد الثالث: المفاهيم

١٩١

١٩٢

المقصد الثالث: في المفاهيم

مقدمة

وهي: إن المفهوم - كما يظهر من موارد إطلاقه - هو عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أُريد من اللفظ، بتلك الخصوصية ولو بقرينة الحكمة، وكان يلزمه لذلك، وافقه في الإيجاب والسلب أو خالفه، فمفهوم (إن جاء‌ك زيد فأكرمه) مثلاً - لو قيل به - قضية شرطية سالبة بشرطها وجزائها، لازمة للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية، وتكون لها خصوصية، بتلك الخصوصية كانت مستلزمة لها، فصح أن يقال: إن المفهوم إنما هو حكم غير مذكور، لا أنه حكم لغير مذكور، كما فسّر(١) به، وقد وقع فيه النقض والإبرام بين الأعلام(٢) ، مع أنه لا موقع له كما أشرنا إليه في غير مقام، لأنه من قبيل شرح الاسم، كما في التفسير اللغوي.

ومنه قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام، فلا يهمنا التصدي لذلك، كما لا يهمنا بيان أنه من صفات المدلول أو الدلالة وإن كان بصفات

____________________

(١) كما عن العضدي، راجع شرح العضدي على مختصر المنتهى لابن الحاجب / ٣٠٦، في المنطوق والمفهوم.

(٢) راجع تقريرات الشيخ مطارح الأنظار / ١٦٧ والفصول / ١٤٥ والقوانين ١ / ١٦٧.

١٩٣

المدلول أشبه، وتوصيف الدلالة [به](١) أحياناً كان من باب التوصيف بحال المتعلق.

وقد انقدح من ذلك أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في الحقيقة، إنما يكون في أن القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل تدل بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الأخرى، أم لا؟

فصل

الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء ، كما تدل على الثبوت عند الثبوت بلا كلام، أم لا؟ فيه خلاف بين الأعلام.

لا شبهة في استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام، إنما الإشكال والخلاف في أنه بالوضع أو بقرينة عامة، بحيث لابد من الحمل عليه لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال، فلا بد للقائل بالدلالة من إقامة الدليل على الدلالة، بأحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط، نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة.

وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة، فإن له منع دلالتها على اللزوم، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق، أو منع دلالتها على الترتب، أو على نحو الترتب على العلة، أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية.

لكن منع دلالتها على اللزوم، ودعوى كونها اتفاقية، في غاية السقوط، لانسباق اللزوم منها قطعاً، وأما المنع عن أنه بنحو الترتب على العلة فضلاً عن كونها منحصرة، فله مجال واسع.

ودعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة - مع كثرة

____________________

(١) أثبتناه من «أ».

١٩٤

استعمالها في الترتب على نحو الترتب على الغير المنحصرة منها بل في مطلق اللزوم - بعيدة، عهدتها على مدعيها، كيف؟ ولايرى في استعمالها فيهما(١) عناية، ورعاية علاقة، بل إنما تكون إرادته كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية، كما يظهر على من أمعن النظر وأجال البصر(٢) في موارد الاستعمالات، وفي عدم الإلزام والأخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات، وصحة الجواب بأنه لم يكن لكلامه مفهوم، وعدم صحته لو كان له ظهور فيه معلوم.

وأما دعوى الدلالة، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل افرادها، وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها، ففاسدة جداً، لعدم كون الأكملية موجبة للانصراف إلى الأكمل، لاسيما مع كثرة الاستعمال في غيره، كما لا يكاد يخفى.

هذا مضافاً إلى منع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة، فإن الإنحصار لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لا بد منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى.

إن قلت: نعم، ولكنه قضية الإطلاق بمقدمات الحكمة، كما ان قضية إطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسي.

قلت: أولاً: هذا فيما تمت هناك مقدمات الحكمة، ولا تكاد تتم فيما هو مفاد الحرف كما هاهنا، وإلا لما كان معنى حرفياً، كما يظهر وجهه بالتامل.

وثانياً: تعينه من بين أنحائه بالإطلاق المسوق في مقام البيان بلا معيّن، ومقايسته مع تعين الوجوب النفسي بإطلاق صيغة الأمر مع الفارق، فإن النفسي هو الواجب على كل حال بخلاف الغيري، فإنه واجب على تقدير دون

____________________

(١) في «ب»: فيها.

(٢) في «ب»: البصيرة.

١٩٥

تقدير، فيحتاج بيانه إلى مؤونة التقييد بما إذا وجب الغير، فيكون الإطلاق في الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولاً عليه، وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة، ضرورة أن كل واحد من أنحاء اللزوم والترتب، محتاج في تعينه إلى القرينة مثل الآخر، بلا تفاوت أصلاً، كما لا يخفى.

ثم إنه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط، بتقريب أنه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده، ضرورة أنه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده، وقضية إطلاقه أنه يؤثر كذلك مطلقاً.

وفيه أنه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه كذلك، إلا أنه من المعلوم ندرة تحققه، لو لم نقل بعدم اتفاقه.

فتلخص بما ذكرناه، أنه لم ينهض دليل على وضع مثل (إن) على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء، ولم تقم عليها قرينة عامة، أما قيامها أحياناً كانت مقدمات الحكمة أو غيرها، مما لا يكاد ينكر، فلا يجدي القائل بالمفهوم، انه قضية(١) الاطلاق في مقام من باب الاتفاق.

وأما توهم أنه قضية(٢) إطلاق الشرط، بتقريب أن مقتضاه تعينه، كما أن مقتضى إطلاق الأمر تعين الوجوب.

ففيه: أن التعين ليس في الشرط نحواً يغاير نحوه فيما إذا كان متعدداً، كما كان في الوجوب كذلك، وكان الوجوب في كل منهما متعلقاً بالواجب بنحو آخر، لابد في التخييري منهما من العِدل، وهذا بخلاف الشرط فإنه واحداً كان أو متعدداً، كان نحوه واحداً ودخله في المشروط بنحو واحد، لا تتفاوت الحال فيه ثبوتاً كي تتفاوت عند الإطلاق إثباتاً، وكان الإطلاق مثبتاً لنحو لا يكون له عدل لإحتياج ما له العدل إلى زيادة مؤونة، وهو ذكره بمثل (أو كذا)

____________________

(١ و٢) في «ب»: قضيته.

١٩٦

واحتياج ما إذا كان الشرط متعدداً إلى ذلك إنما يكون لبيان التعدد، لا لبيان نحو الشرطية، فنسبة إطلاق الشرط إليه لا تختلف، كان هناك شرط آخر أم لا، حيث كان مسوقاً لبيان شرطيته بلا إهمال ولا إجمال.

بخلاف إطلاق الامر، فإنه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب التعييني، فلا محالة يكون في مقام الإهمال أو الإجمال، تأمل تعرف. هذا مع أنه لو سلم لا يجدي القائل بالمفهوم، لما عرفت أنه لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الإطلاق من باب الاتفاق.

ثم إنه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه:

أحدها : ما عُزي إلى السيد(١) من أن تاثير الشرط، إنما هو تعليق الحكم به، وليس بممتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه، ولا يخرج عن كونه شرطاً، فإن قوله تعالى:( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ) (٢) يمنع من قبول الشاهد الواحد، حتى ينضم إليه شاهد آخر، فانضمام الثاني إلى الأول شرط في القبول، ثم علمنا أن ضم امرأتين إلى الشاهد الأول شرط في القبول، ثم علمنا أن ضم اليمين يقوم مقامه أيضاً، فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى، مثل الحرارة، فإن انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة، لاحتمال قيام النار مقامها، والأمثلة لذلك كثيرة شرعاً وعقلاً.

والجواب: أنهقدس‌سره إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع، فهو مما لا يكاد ينكر، ضرورة أن الخصم يدّعي عدم وقوعه في مقام الإثبات، ودلالة القضية الشرطيّة عليه، وإن كان بصدد إبداء احتمال وقوعه، فمجرد الاحتمال لا يضره، ما لم يكن

____________________

(١) الذريعة: ١ / ٤٠٦، في جوابه عن ثالث وجوه أدلة القول بثبوت المفهوم.

(٢) البقرة / ٢٨٢.

١٩٧

بحسب القواعد اللفظية راجحاً أو مساوياً، وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك أصلاً، كما لا يخفى.

ثانيها : إنه لو دل لكان بإحدى الدلالات، والملازمة كبطلان التالي ظاهرة، وقد أُجيب عنه بمنع بطلان التالي، وأن الالتزام ثابت، وقد عرفت بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه، فلا تغفل.

ثالثها : قوله تبارك وتعالى(١) :( وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) .

وفيه ما لا يخفى، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له أحياناً وبالقرينة، لا يكاد ينكر، كما في الآية وغيرها، وإنما القائل به إنما يدّعي ظهورها فيما له المفهوم وضعاً أو بقرينة عامة، كما عرفت.

بقى هاهنا أمور:

الأمر الأول : إن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه، لا انتفاء شخصه، ضرورة انتفائه عقلاً بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده، فلا(٢) يتمشى الكلام - في أن للقضية الشرطية مفهوماً أو ليس لها مفهوم - إلا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكناً، وإنما وقع النزاع في أن النزاع في أن لها دلالة على الانتفاء عند الانتفاء، أو لا يكون لها دلالة.

ومن هنا انقدح أنه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والأوقاف والنذور والأيمان، كما توهم(٣) ، بل عن الشهيد

____________________

(١) النور / ٣٣.

(٢) في «ب»: ولا.

(٣) مطارح الأنظار / ١٧٣، الهداية الثالثة من القول في المفهوم والمنطوق.

١٩٨

في تمهيد القواعد(١) ، أنه لا إشكال في دلالتها على المفهوم، وذلك لأن انتفاء‌ها عن غير ما هو المتعلق لها، من الأشخاص التي تكون بألقابها أو بوصف شيء أو بشرطه، مأخوذة في العقد أو مثل العهد ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه، بل لأجل أنه إذا صار شيء وقفاً على أحد أو أوصى به أو نذر له، إلى غير ذلك، لا يقبل أن يصير وقفاً على غيره أو وصية أو نذراً له. وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غير مورد المتعلق، قد عرفت أنه عقلي مطلقاً، ولو قيل بعدم المفهوم في مورد صالح له.

إشكال ودفع : لعلك تقول: كيف يكون المناط في المفهوم هو سنخ الحكم؟ لا نفس شخص الحكم في القضية، وكان الشرط في الشرطية إنما وقع شرطاً بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه دون غيره، فغاية قضيتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه، لا انتفاء سنخه، وهكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة للمفهوم.

ولكنك غفلت عن أن المعلق على الشرط، إنما هو نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة ومعناها، وأما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه، لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه، كما لا يخفى، كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الإخبار به،، من خصوصيات ما أخبر به

____________________

(١) تمهيد القواعد / ١٤، القاعدة ٢٥، عند قوله: ذهب جماعة من الأصوليين إلى أنّ مفهوم الصفة والشرط حجة...الخ.

الشهيد الثاني هوالشيخ الاجل زين الدين بن نور الدين العاملي الجبعي ولد عام ٩١١ ه‍، قرأ على والده جملة من الكتب العربية والفقه، ختم القرآن وعمره تسع سنين. ارتحل إلى بلاد عديدة وقرأ على كثير من العلماء منهم الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، ثم انتقل إلى بلده واشتغل بالتدريس والتصنيف ومصنفاته كثيرة مشهورة أولها «الروض» وآخرها «الروضة» ومن تلامذته ابنه صاحب المعالم وصاحب المدارك ووالد البهائي وغيرهم، استشهد سنة ٩٦٦ ه‍ (الكنى والالقاب ٢/٣٤٤).

١٩٩

واستعمل فيه إخباراً لا إنشاءً.

وبالجملة: كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط خاصاً بالخصوصيات الناشئة من قبل الإخبار به، كذلك المنشأ بالصيغة المعلق عليه، وقد عرفت بما حققناه في معنى الحرف وشبهه، أن ما استعمل فيه الحرف عام كالموضوع له، وأن خصوصية لحاظه بنحو الآلية والحالية لغيره من خصوصية الاستعمال، كما أن خصوصية لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك، فيكون اللحاظ الآلي كالاستقلالي، من خصوصيات الاستعمال لا المستعمل فيه.

وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات(١) في مقام التفصي عن هذا الإشكال، من التفرقة بين الوجوب الإخباري والإنشائي، بأنه كلّي في الأول، وخاص في الثاني، حيث دفع الاشكال بأنه لا يتوجه في الأول، لكون الوجوب كلياً، وعلى الثاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلّية المستفادة من الجملة الشرطية، حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستنداً إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها، فإنه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط كما في اللقب والوصف.

وأورد(٢) على ما تفصي به عن الإشكال بما ربما يرجع إلى ما ذكرناه، بما حاصله: إن التفصي لا يبتني على كلية الوجوب، لما أفاده، وكون الموضوع له في الإنشاء عاماً لم يقم عليه دليل، لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه، حيث أن الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الألفاظ.

وذلك لما عرفت من أن الخصوصيات في الإنشاء‌ات والإخبارات، إنما تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلاً بينهما، ولعمري - لا يكاد ينقضي تعجبي - كيف تجعل خصوصيات الإنشاء من خصوصيات المستعمل

____________________

(١) مطارح الأنظار / ١٧٣، في الهداية الثالثة من القول في المنطوق والمفهوم.

(٢) المصدر المتقدم / ١٧٣ في الهداية الثالثة من القول في المفهوم والمنطوق.

٢٠٠