كفاية الأصول

كفاية الأصول0%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

كفاية الأصول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد كاظم الخراسانى
تصنيف: الصفحات: 521
المشاهدات: 49665
تحميل: 16032

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49665 / تحميل: 16032
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فيه؟ مع أنها كخصوصيات الإخبار، تكون ناشئة من الاستعمال، ولا يكاد يمكن أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال، كما هو واضح لمن تأمل.

الأمر الثاني : إنه إذا تعدد الشرط، مثل (إذا خفي الأذان فقصر، وإذا خفي الجدران فقصر)، فبناء على ظهور الجملة الشرطية في المفهوم، لابد من التصرف ورفع اليد عن الظهور.

إما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر، فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين.

وإما برفع اليد عن المفهوم فيهما، فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شيء آخر في الجزاء، بخلاف الوجه الأول، فإن فيهما الدلالة على ذلك.

وإما بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر، فيكون الشرط هو خفاء الأذان والجدران معاً، فإذا خفيا وجب القصر، ولا يجب عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما.

وإما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما، بأن يكون تعدد الشرط قرينة على أن الشرط في كل منهما ليس بعنوانه الخاص، بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان.

ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه، بملاحظة أن الأمور المتعددة بما هي مختلفة، لا يمكن أن يكون كل منها مؤثراً في واحد، فإنه لا بد من الربط الخاص بين العلة والمعلول، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطاً بالاثنين بما هما اثنان، ولذلك أيضاً لا يصدر من الواحد إلا الواحد، فلا بد من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد، وهو المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم، وبقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله، وإن كان بناء العرف والأذهان العامية

٢٠١

على تعدد الشرط وتأثير كل شرط بعنوانه الخاص، فافهم.

الأمر الثالث : إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء، فلا إشكال على الوجه الثالث، وأما على سائر الوجوه، فهل اللازم لزوم الإتيان بالجزاء متعدداً، حسب تعدد الشروط؟ أو يتداخل، ويكتفى بإتيانه دفعة واحدة؟

فيه أقوال: والمشهور عدم التداخل، وعن جماعة - منهم المحقق الخوانساري(١) - التداخل، وعن الحلي(٢) التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده.

والتحقيق: إنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه، أو بكشفه عن سببه، وكان قضيته تعدد الجزاء عند تعدد الشرط، كان الأخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجوداً محالاً، ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة - مثل الوضوء - بما هي واحدة، في مثل (إذا بلت فتوضأ، وإذا نمت فتوضأ)، أو فيما إذا بال مكرراً، أو(٣) نام كذلك، محكوماً بحكمين متماثلين، وهو واضح الاستحالة كالمتضادين.

فلابد على القول بالتداخل من التصرف فيه: إما بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث، بل على مجرد الثبوت، أو الالتزام بكون متعلق الجزاء وإن كان واحداً صورة، إلا أنه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط، متصادقة على واحد، فالذمة وإن اشتغلت بتكاليف متعددة، حسب

____________________

(١) مشارق الشموس ٦١، كتاب الطهارة في تداخل الأغسال الواجبة، قال: لأن تداخل الأسباب لا يوجب تعدد المسببات.

(٢) السرائر / ٥٥، في باب أحكام السهو والشك في الصلاة.

هو محمد بن احمد بن ادريس الحلّي، فاضل فقيه ومحقق نبيه، فخر الاجلة وشيخ فقهاء الحلة صاحب كتاب «السرائر» و «مختصر تبيان الشيخ» توفي سنة ٥٩٨ وهو ابن خمس وخمسين (الكنى والالقاب ١ / ٢٠١).

(٣) في «ب»: و.

٢٠٢

تعدد الشروط، إلا أن الاجتزاء بواحد لكونه مجمعاً لها، كما في (أكرم هاشمياً وأضف عالماً)، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة، ضرورة أنه بضيافته بداعي الأمرين، يصدق أنه امتثلهما، ولا محالة يسقط الأمر بامتثاله وموافقته، وإن كان له امتثال كل منهما على حدة، كما إذا أكرم الهاشمي بغير الضيافة، وأضاف العالم الغير الهاشمي.

إن قلت: كيف يمكن ذلك - أي الامتثال بماتصادق(١) عليه العنوانان - مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه؟

قلت: انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له، مع أنه - على القول بجواز الاجتماع - لا محذور في اتصافه بهما، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد، فافهم.

أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كل شرط، إلا أنه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأول، وتأكد وجوبه عند الآخر.

ولا يخفى أنه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها، فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه، مع ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد، وإن كان صورة واحداً سمي(٢) باسم واحد، كالغسل، وإلى إثبات أن الحادث بغير الشرط الأول تؤكد ما حدث بالأول، ومجرد الاحتمال لا يجدي، ما لم يكن في البين ما يثبته.

إن قلت: وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية، لعدم امكان الأخذ بظهورها، حيث أن قضيته اجتماع الحكمين في الوضوء في

____________________

(١) في «أ و ب»: تصادقا.

(٢) في «أ» مسمى.

٢٠٣

المثال، كما مرت الإشارة إليه.

قلت: نعم، إذا لم يكن المراد بالجملة - فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال - هو وجوب وضوء مثلاً بكل شرط غير ما وجب بالآخر، ولا ضير في كون فرد محكوماً بحكم فرد آخر أصلاً، كما لا يخفى.

إن قلت: نعم، لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الإطلاق.

قلت: نعم، لو لم يكن ظهور الجملة [الشرطية](١) في كون الشرط سبباً أو كاشفاً عن السبب، مقتضياً لذلك أي لتعدد الفرد، و(٢) بياناً لما هو المراد من الإطلاق.

وبالجملة: لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الإطلاق ضرورة أن ظهور الإطلاق يكون معلقاً على عدم البيان، وظهورها في ذلك صالح لأن يكون بياناً، فلا ظهور له مع ظهورها، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلاً، بخلاف القول بالتداخل كما لا يخفى(٣) .

فتلخص بذلك، أن قضية ظاهر الجملة الشرطية، هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط.

وقد انقدح مما ذكرناه، أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه

____________________

(١) أثبتناها من «ب».

(٢) في «أ»: والّا كان بياناً. ولكن شطب عليه المصنف في «ب».

(٣) هذا واضح بناء على ما يظهر من شيخنا العلامة من كون ظهور الإطلاق معلقاً على عدم البيان مطلقاً، ولو كان منفصلاً، وأما بناءً على ما اخترناه في غير مقام، من أنه إنما يكون معلقاً على عدم البيان في مقام التخاطب لا مطلقاً، فالدوران حقيقة بين الظهورين حينئذ وإن كان، إلا أنه لا دوران بينهما حكماً، لأن العرف لا يكاد يشك بعد الاطلاع على تعدد القضية الشرطية أن قضيته تعدد الجزاء، وأنه في كل قضية وجوب فرد غير ما وجب في الأخرى، كما إذا اتصلت القضايا وكانت في كلام واحد، فافهم (منهقدس‌سره ).

٢٠٤

التي ذكرناها، لامجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات، فلا وجه لما عن الفخر(١) وغيره، من ابتناء المسألة على أنها معرفات أو مؤثرات(٢) ، مع أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها، في كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى، ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي في الجمل(٣) الشرطية، ربما يكون مما له دخل في ترتب الحكم، بحيث لولاه لما وجدت له علة، كما أنه في الحكم الغير الشرعي، قد يكون أمارة على حدوثه بسببه، وإن كان ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما، كما لا يخفى.

نعم، لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الأحكام التي هي في الحقيقة علل لها، وإن كان لها دخل في تحقق موضوعاتها، بخلاف الأسباب الغير الشرعية، فهو وإن كان له وجه، إلا أنه مما لا يكاد يتوهم أنه يجدي فيما همّ وأراد.

ثم إنه لا وجه للتفصيل(٤) بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس وعدمه، واختيار عدم التداخل في الأول، والتداخل في الثاني، إلا توهم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في الثاني، لأنه من أسماء الأجناس، فمع تعدد أفراد شرط واحد لم يوجد إلا السبب الواحد، بخلاف الأول، لكون كل منها سبباً، فلا وجه لتداخلها، وهو فاسد.

____________________

(١) فخر المحققين ابوطالب محمد بن جمال الدين حسن بن يوسف المطهر الحلي، ولد سنة ٦٨٢، فاز بدرجة الاجتهاد في السنة العاشرة من عمره الشريف كان والده العلامة يعظمه ويثني عليه، له كتب منها «غاية السؤل» و «شرح مبادئ الاصول». توفي سنة ٧٧١ ه‍.

(روضات الجنات ٦ / ٢٣٠ رقم ٥٩١).

(٢) حكى الشيخ الأعظمرحمه‌الله نسبته إلى فخر المحققينرحمه‌الله واحتمل تبعة النراقيرحمه‌الله له في العوائد/مطارح الأنظار/١٧٥ في الهداية ٦ من القول في المفهوم والمنطوق.

(٣) في «ب»: الجملة.

(٤) المفصل هو ابن إدريس في السرائر / ٥٥، عند قوله (قده): فإن سها المصلي في صلاته بما يوجب سجدتي السهو مرات كثيرة...الخ.

٢٠٥

فإن قضية اطلاق الشرط في مثل (إذا بلتَ فتوضأ) هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرّات، وإلا فالأجناس المختلفة لابد من رجوعها إلى واحد، فيما جعلت شروطاً وأسباباً لواحد، لما مرت إليه الإشارة، من أن الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسباباً لواحد، هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلاً للتعدد.

وأما ما لا يكون قابلاً لذلك، فلابد من تداخل الأسباب، فيما لا يتأكد المسبب، ومن التداخل فيه فيما يتأكد.

فصل

الظاهر أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقاً، لعدم ثبوت الوضع، وعدم لزوم اللغوية بدونه، لعدم انحصار الفائدة به، وعدم قرينة أخرى ملازمة له، وعلّيته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له، كما لا يخفى، ومع كونها بنحو الانحصار وإن كانت مقتضية له، إلا أنه لم يكن من مفهوم الوصف، ضرورة أنه قضية العلة الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام، وهو مما لا إشكال فيه ولا كلام، فلا وجه لجعله تفصيلاً في محل النزاع، ومورداً للنقض والإبرام.

ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازياً، لأن الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد، فلا فرق أن يقال: جئني بإنسان أو بحيوان ناطق، كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد، فيما وجد شرائطه إلا ذلك، من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم، فإنه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد، وكأنه لا يكون في البين غيره، بل ربما قيل(١) :

____________________

(١) مطارح الأنظار / ١٨٣.

٢٠٦

إنه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم، فإن ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الإطلاق، كي يحمل عليه، لو لم نقل بأنه الأقوى، لكونه بالمنطوق، كما لا يخفى.

وأما الاستدلال على ذلك - أي عدم الدلالة على المفهوم - بآية( وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم ) (١) ففيه أن الاستعمال في غيره أحياناً مع القرينة مما لا يكاد ينكر، كما في الآية قطعاً، مع أنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة، أن لا يكون وارداً مورد الغالب كما في الآية، ووجه الاعتبار واضح، لعدم دلالته معه على الاختصاص، وبدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم، فافهم.

تذنيب : لا يخفى أنه لا شبهة في جريان النزاع، فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه، في مورد الافتراق من جانب الموصوف، وأما في غيره، ففي جريانه إشكال أظهره عدم جريانه، وإن كان يظهر مما عن بعض الشافعية(٢) ، حيث قال: (قولنا في الغنم السائمة زكاة، يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل) جريانه فيه، ولعل وجهه استفادة العلية المنحصرة منه.

وعليه فيجري فيما كان الوصف مساوياً أو أعم مطلقاً أيضاً، فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه، فلا وجه في التفصيل بينهما وبين ما إذا كان أخص من وجه(٣) ، فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف، بأنه لا وجه للنزاع فيهما، معللاً بعدم الموضوع، واستظهار جريانه من بعض الشافعية فيه، كما لا يخفى، فتأمل جيداً.

____________________

(١) النساء / ٢٣.

(٢) راجع المنخول للغزالي / ٢٢٢، في مسائل المفهوم، عند قوله: (كقوله: في عوامل الابل زكاة...الخ).

(٣) التفصيل للشيخ، مطارح الأنظار ١٨٢، عند قوله قده: ثم إن الوصف قد يكون مساوياً...الخ.

٢٠٧

فصل

هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية، بناء على دخول الغاية في المغيّى، أو عنها وبعدها، بناء على خروجها، أو لا؟

فيه خلاف، وقد نسب(١) إلى المشهور الدلالة على الارتفاع، وإلى جماعة منهم السيد(٢) والشيخ(٣) ، عدم الدلالة عليه.

والتحقيق: إنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيداً للحكم، كما في قوله: (كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام)(٤) ، و (كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر)(٥) ، كانت دالة على ارتفاعه عند حصولها، لانسباق ذلك منها، كما لا يخفى، وكونه قضية تقييده بها، وإلا لما كان ما جعل غاية له بغاية، وهو واضح إلى النهاية.

وأما إذا كانت بحسبها قيداً للموضوع، مثل (سر من البصرة إلى

____________________

(١) كما في مطارح الأنظار / ١٨٦، في مفهوم الغاية، المقام الثاني.

(٢) الذريعة ١ / ٤٠٧، في عدم الفرق بين الوصف والغاية.

(٣) راجع عدة الاصول ٢ / ٢٤، تعليق الحكم بالغاية.

هو ابوجعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، ولد سنة ٣٨٥، قدم العراق سنة ٤٠٨ ه‍، تلمذ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابي الحسين علي بن احمد بن محمد بن ابي الجيد القمي، ثم هاجر إلى مشهد امير المؤمنينعليه‌السلام خوفاً من الفتنة التي تجددت ببغداد واحرقت كتبه وكرسي درسه، بقي في النجف إلى ان توفي سنة ٤٦٠ ه‍ له مصنفات كثيرة منها: «التبيان» و «التهذيب» و «الاستبصار» و «المبسوط» و «الخلاف» و «العدة» في الاصول.

(الكنى والالقاب ٢ / ٣٥٧).

(٤) الكافي: ٥ / ٣١٣. الحديث ٤٠ من باب النوادر، كتاب المعيشة. باختلاف يسير.

(٥) التهذيب: ١ / ٢٨٤. الحديث ١١٩. باختلاف يسير.

٢٠٨

الكوفة)، فحالها حال الوصف في عدم الدلالة، وإن كان تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به، وقضيته ليس إلا عدم الحكم فيها إلا بالمغيّى، من دون دلالة لها أصلاً على انتفاء سنخه عن غيره، لعدم ثبوت وضع لذلك، وعدم قرينة ملازمة لها ولو غالباً، دلت على اختصاص الحكم به، وفائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد، غير منحصرة بإفادته كما مر في الوصف.

ثم إنه في الغاية خلاف آخر، كما أشرنا إليه، وهو أنها هل هي داخلة في المغيّى بحسب الحكم؟ أو خارجة عنه؟ والأظهر خروجها، لكونها من حدوده، فلا تكون محكومة بحكمه، ودخوله فيه في بعض الموارد إنما يكون بالقرينة، وعليه تكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول، كما أنه على القول الآخر تكون محكومة بالحكم منطوقاً، ثم لا يخفى أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريانه فيما إذا كان قيداً للحكم، فلا تغفل(١) .

فصل

لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم - سلباً أو إيجاباً - بالمستثنى منه ولا يعم المستثنى ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتاً، ومن الإثبات نفياً، وذلك للانسباق عند الإطلاق قطعاً، فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة(٢) من عدم الإفادة، محتجاً بمثل (لا صلاة إلا بطهور) ضرورة ضعف احتجاجه:

____________________

(١) حيث أن المغيّى حينئذ هو نفس الحكم، لا المحكوم به ليصح أن ينازع في دخول الغاية في حكم المغيّى، أو خارج عنه، كما لا يخفى، نعم يعقل أن ينازع في أن الظاهر هل هو انقطاع الحكم المغيّى بحصول غايته [في] الاصطلاح، اي مدخول إلى أو حتى. أو استمراره في تلك الحال، ولكن الاظهر هو انقطاعه، فافهم واستقم، (منهقدس‌سره ).

(٢) راجع شرح مختصر الأصول للعضدي / ٢٦٥، والتقرير والتحبير ١ / ٣١٣. =

٢٠٩

أولاً: يكون المراد من مثله(١) أنه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لأجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة، إلا إذا كانت واجدة للطهارة، وبدونها لا تكون صلاة على وجه، وصلاة تامة مأموراً بها على آخر.

وثانياً: بأن الاستعمال مع القرينة، كما في مثل التركيب، مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدعاه أصلاً، كما لا يخفى.

ومنه قد انقدح(٢) أنه لا موقع للاستدلال على المدّعى، بقبول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إسلام من قال كلمة التوحيد، لإمكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال.

والإشكال في دلالتها عليه - بأن خبر (لا) إما يقدّر (ممكن) أو (موجود) وعلى كل تقدير لا دلالة لها عليه، أما على الاول: فإنه(٣) حينئذ لا دلالة لها إلا على إثبات إمكان وجوده تبارك وتعالى، لا وجوده، وأما على الثاني: فلأنها وإن دلت على وجوده تعالى، إلا أنه لا دلالة لها على عدم إمكان إله آخر - مندفع، بأن المراد من الإله هو واجب الوجود، ونفي ثبوته ووجوده في الخارج، وإثبات فرد منه فيه - وهو الله - يدل بالملازمة البينة على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك وتعالى، ضرورة أنه لو لم يكن ممتنعاً لوجد، لكونه من أفراد الواجب.

____________________

= أبوحنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي ولد عام ٨٠ ه‍ امام الحنفية - احد الأئمة الاربعة عند اهل السنة، قيل اصله من ابناء فارس، ولد ونشأ بالكوفة، وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ثم انقطع للتدريس والافتاء، توفي ببغداد عام ١٥٠ ه‍ (الكنى والالقاب ١ / ٥٠)

(١) بل المراد من مثله في المستثنى منه نفي الإمكان، وأنه لا يكاد يكون بدون المستثنى، قضيته ليس إلا إمكان ثبوته معه لا ثبوته فعلاً، لما هو واضح لمن راجع أمثاله من القضايا العرفية (منهقدس‌سره ).

(٢) ردّ على صاحب الفصول والشيخقدس‌سره أنظر الفصول / ١٩٥، مطارح الأنظار / ١٨٧.

(٣) في «ب» فلأنه.

٢١٠

ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم، وأنه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه التي دلت عليها الجملة الاستثنائية، نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة، كانت بالمنطوق، كما هو ليس ببعيد، وإن كان تعيين ذلك لا يكاد يفيد.

ومما يدل على الحصر والاختصاص (إنما) وذلك لتصريح أهل اللغة بذلك، وتبادره منها قطعاً عند أهل العرف والمحاورة.

ودعوى - أن الإنصاف(١) أنه لا سبيل لنا إلى ذلك، فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة، ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا، حتى يستكشف منها(٢) ما هو المتبادر منها - غير مسموعة، فإن السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا، فإن الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضاً سبيل.

وربما يعد مما دل على الحصر، كلمة (بل) الإضرابية، والتحقيق أن الإضراب على أنحاء:

منها: ماكان لأجل أن المضرب عنه، إنما أتى به غفلة أو سبقه به لسانه، فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيانه، فلا دلالة له على الحصر أصلاً، فكأنه أتى بالمضرب إليه ابتداءً، كما لا يخفى.

ومنها: ما كان لأجل التاكيد، فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه، فلا دلالة له عليه أيضاً.

ومنها: ما كان في مقام الردع، وإبطال ما أثبت أولاً، فيدل عليه(٣) وهو

____________________

(١) المدّعي هو الشيخ (قدس) مطارح الأنظار / ١٨٨.

(٢) في «ب»: منه.

(٣) إذا كان بصدد الردع عنه ثبوتاً، وأمّا إذا كان بصدده إثباتاً، كما إذا كان مثلاً بصدد بيان أنه إنما أثبته أولاً بوجه لايصح معه الاثبات اشتباهاً، فلا دلالة له على الحصر أيضاً، فتأمل جيداً (منهقدس‌سره ).

٢١١

واضح.

ومما يفيد الحصر - على ما قيل - تعريف المسند إليه باللام، والتحقيق أنه لا يفيده إلا فيما اقتضاه المقام، لأن الأصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس، كما أن الأصل في الحمل في القضايا المتعارفة، هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود، فإنه الشائع فيها، لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم، كما لا يخفى، وحمل شيء على جنس وماهية كذلك، لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به وحصرها عليه، نعم، لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق، أو أن مدخوله أخذ بنحو الإرسال والإطلاق، أو على أن الحمل عليه كان ذاتياً لأفيد حصر مدخوله على محموله واختصاصه به.

وقد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الأعلام في المقام، وما وقع منهم من النقض والإبرام، ولا نطيل بذكرها فإنه بلا طائل، كما يظهر للمتأمل، فتأمل جيداً.

فصل

لا دلالة للّقب ولا للعدد على المفهوم وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما أصلاً، وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم، كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقاً عدم جواز الاقتصار على ما دونه، لأنه ليس بذاك الخاص والمقيد، وأما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به للتحديد بالإضافة إلى كلا طرفيه، نعم لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه الأقل لما كان في الزيادة ضير أصلاً، بل ربما كان فيها فضيلة وزيادة، كما لا يخفى، وكيف كان، فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم، بل إنما يكون لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق، كما هو معلوم.

٢١٢

المقصد الرابع

العام والخاصّ

٢١٣

٢١٤

المقصد الرابع: في العام و الخاص

فصل

قد عرف(١) العام بتعاريف، وقد وقع من الأعلام فيها النقض بعدم الاطراد تارة والانعكاس أخرى بما لا يليق بالمقام، فإنها تعاريف لفظية، تقع في جواب السؤال عنه ب‍ (ما)(٢) الشارحة، لا واقعة في جواب السؤال عنه ب‍(ما)(٣) الحقيقية، كيف؟ وكان المعنى المركوز منه في الأذهان أوضح مما عرف به مفهوماً ومصداقاً، ولذا يجعل صدق ذاك المعنى على فرد وعدم صدقه، المقياس في الإشكال عليها بعدم الاطراد أو الانعكاس بلا ريب فيه ولا شبهة تعتريه من أحد، والتعريف لابد أن يكون بالأجلى، كما هو أوضح من أن يخفى.

فالظاهر أن الغرض من تعريفه، إنما هو بيان ما يكون بمفهومه جامعاً بين ما لا شبهة في أنها أفراد العام، ليشار به إليه في مقام إثبات ما له من الأحكام، لا بيان ما هو حقيقته(٤) وماهيته، لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محل الكلام بحسب الأحكام من أفراده ومصاديقه، حيث لا يكون بمفهومه العام محلاً لحكم من الأحكام.

____________________

(١) راجع معارج الاصول / ٨١، وزبدة الاصول / ٩٥، والمستصفى ٢ / ٣٢.

(٢ و ٣) في «أ»: بالما، وفي «ب»: بالماء.

(٤) في «ب» حقيقة.

٢١٥

ثم الظاهر أن ما ذكر له من الأقسام: من الاستغراقي(١) والمجموعي والبدلي إنما هو باختلاف كيفية تعلق الأحكام به، وإلا فالعموم في الجميع بمعنى واحد، وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه، غاية الأمر أن تعلق الحكم به تارة بنحو يكون كل فرد موضوعاً على حدة للحكم، وأخرى بنحو يكون الجميع موضوعاً واحداً، بحيث لو أخل بإكرام واحد في (أكرم كل فقيه) مثلاً، لما امتثل أصلاً، بخلاف الصورة الأولى، فإنه أطاع وعصى، وثالثة بنحو يكون كل واحد موضوعاً على البدل، بحيث لو أكرم واحداً منهم، لقد أطاع وامتثل، كما يظهر لمن أمعن النظر وتأمل.

وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم، لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد منها، فافهم.

فصل

لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه - لغة وشرعاً - كالخصوص كما يكون ما يشترك بينهما ويعمهما ضرورة أن مثل لفظ (كل) وما يرادفه في أي لغة كان تخصه، ولا يخص الخصوص ولا يعمه، ولا ينافي اختصاصه به استعماله في الخصوص عناية، بادعاء أنه العموم، أو بعلاقة العموم والخصوص.

ومعه لا يصغى إلى أن إرادة الخصوص متيقنة، ولو في ضمنه بخلافه، وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى، ولا إلى أن التخصيص قد اشتهر وشاع، حتى قيل: (ما من عام إلا وقد خص)، والظاهر يقتضي كونه حقيقة، لما هو الغالب تقليلاً للمجاز، مع أن تيقن إرادته لا يوجب اختصاص الوضع به، مع

____________________

(١) إن قلت: كيف ذلك؟ ولكل واحد منها لفظ غير ما للآخر، مثل (أيّ رجل) للبدلي، و (كل رجل) للاستغراقي.

قلت: نعم، ولكنه لا يقتضي أن تكون هذه الأقسام له بملاحظة إختلاف كيفية تعلق الأحكام، لعدم إمكان تطرق هذه الأقسام إلا بهذه الملاحظة، فتأمل جيداً (منهقدس‌سره ).

٢١٦

كون العموم كثيراً ما يراد، واشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز، لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازية، كما يأتي توضيحه، ولو سلم فلا محذور فيه أصلاً إذا كان بالقرينة، كما لا يخفى.

فصل

ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي أو النهي، ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلاً، لضرورة أنه لا يكاد يكون طبيعة معدومة، إلا إذا لم يكن فرد منها بموجود، وإلا كانت موجودة، لكن لا يخفى أنها تفيده إذا أخذت مرسلة(١) لا مبهمة قابلة للتقيد، وإلا فسلبها لا يقتضي إلا استيعاب السلب، لما أريد منها يقيناً، لا استيعاب ما يصلح انطباقها عليه من أفرادها، وهذا لا ينافي كون دلالتها عليه عقلية، فإنها بالإضافة إلى أفراد ما يراد منها، لا الأفراد التي يصلح لانطباقها عليها، كما لا ينافي دلالة مثل لفظ (كل) على العموم وضعاً كون عمومه بحسب مايراد من مدخوله، ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة.

نعم لا يبعد أن يكون ظاهراً عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها، وهذا هو الحال في المحلى باللام جمعاً كان أو مفرداً - بناءً على إفادته للعموم - ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره، وإطلاق التخصيص على تقييده، ليس إلا من قبيل (ضيّق فم الركية)، لكن دلالته على العموم وضعاً محل منع، بل إنما يفيده فيما إذا اقتضته الحكمة أو قرينة أخرى، وذلك لعدم اقتضائه وضع اللام ولا مدخوله ولا وضع آخر للمركب منهما، كما لا يخفى، وربما يأتي في المطلق والمقيد بعض الكلام مما يناسب المقام.

____________________

(١) وإحراز الإرسال فيما اضيفت [إليه] إنما هو بمقدمات الحكمة، فلولاها كانت مهملة، وهي ليست إلا بحكم الجزئية، فلا تفيد إلا نفي هذه الطبيعة في الجملة ولو في ضمن صنف منها، فافهم فإنه لا يخلو من دقة (منهقدس‌سره ).

٢١٧

فصل

لا شبهة في أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقى فيما علم عدم دخوله في المخصص مطلقاً ولو كان متصلاً، وما احتمل دخوله فيه أيضاً إذا كان منفصلاً، كما هو المشهور(١) بين الأصحاب، بل لا ينسب الخلاف إلا إلى بعض(٢) أهل الخلاف.

وربما فصل(٣) بين المخصص المتصل فقيل بحجيته فيه، وبين المنفصل فقيل بعدم حجيته، واحتج النافي بالاجمال، لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصيات، وتعيين(٤) الباقي من بينها بلا معيّن ترجيح بلا مرجّح.

والتحقيق في الجواب أن يقال: إنه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازاً، أما في التخصيص بالمتصل، فلما عرفت من أنه لا تخصيص أصلاً، وإن أدوات العموم قد استعملت فيه، وإن كان دائرته سعة وضيقاً تختلف باختلاف ذوي الأدوات، فلفظة (كل) في مثل (كل رجل) و (كل رجل عالم) قد استعملت في العموم، وإن كان أفراد أحدهما بالإضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلة.

وأمّا في المنفصل، فلأن إرادة الخصوص واقعاً لا تستلزم استعماله فيه وكون الخاص قرينة عليه، بل من الممكن قطعاً استعماله معه في العموم قاعدة، وكون الخاص مانعاً عن حجية ظهوره تحكيماً للنص، أو الأظهر على الظاهر، لامصادماً لأصل ظهوره، ومعه لا مجال للمصير إلى أنه قد استعمل فيه مجازاً، كي يلزم الإجمال.

____________________

(١) أنظر مطارح الأنظار / ١٩٢.

(٢) كأبي ثور وعيسى بن أبان، راجع الإحكام في أصول الأحكام، الجزء الثاني / ٤٤٣.

(٣) كالبلخي، راجع المصدر المتقدم / ٤٤٤.

(٤) في «ب» تعيّن.

٢١٨

لا يقال: هذا مجرد احتمال، ولا يرتفع به الإجمال، لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه.

فإنه يقال: مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم، والثابت من مزاحمته بالخاص أنما هو بحسب الحجية تحكيماً لما هو الأقوى، كما أشرنا إليه آنفا.

وبالجملة: الفرق بين المتصل والمنفصل، وإن كان بعدم انعقاد الظهور في الأوّل إلا في الخصوص، وفي الثاني إلا في العموم، إلا أنه لا وجه لتوهّم استعماله مجازاً في واحد منهما أصلاً، وإنما اللازم الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الأوّل، وعدم حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاص حجة فيه في الثاني، فتفطن.

وقد أجيب عن الاحتجاج(١) ، بأن الباقي أقرب المجازات.

وفيه: [إنّه] لا اعتبار في الأقربية بحسب المقدار، وإنما المدار على الأقربية بحسب زيادة الأنس الناشئة من كثرة الاستعمال، وفي تقريرات بحث شيخنا الأستاذ(٢) قدس‌سره في مقام الجواب عن الاحتجاج، ما هذا لفظه: (والأولى أن يجاب بعد تسليم مجازية الباقي، بأن دلالة العام على كل فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده، ولو كانت دلالة مجازية، إذ هي بواسطة عدم شموله للأفراد المخصوصة، لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله، فالمقتضي للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود، لأن المانع في مثل المقام إنما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصص بغيره، فلو شك فالأصل عدمه) انتهى موضع الحاجة.

____________________

(١) الجواب للمحقق القمي والمحقق الحائري، القوانين ١ / ٢٦٦ الفصول / ٢٠٠.

(٢) مطارح الأنظار / ١٩٢، في العموم والخصوص.

٢١٩

قلت: لا يخفى أن دلالته على كل فرد إنما كانت لأجل دلالته على العموم والشمول، فإذا لم يستعمل فيه واستعمل في الخصوص - كما هو المفروض - مجازاً، وكان إرادة كل واحد من مراتب الخصوصيات مما جاز انتهاء التخصيص إليه، واستعمال العام فيه مجازاً ممكناً، كان تعين(١) بعضها بلا معين ترجيحاً بلا مرجح، ولا مقتضي لظهوره فيه، ضرورة أن الظهور إمّا بالوضع وإمّا بالقرينة، والمفروض أنه ليس بموضوع له، ولم يكن هناك قرينة، وليس له موجب آخر، ودلالته على كل فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته على العموم، لا يوجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم، إذا لم تكن هناك قرينة على تعيينه، فالمانع عنه وإن كان مدفوعاً بالأصل، إلا أنه لا مقتضي له بعد رفع اليد عن الوضع، نعم إنما يجدي إذا لم يكن مستعملاً إلا في العموم، كما فيما حققناه في الجواب، فتأمل جيداً.

فصل

إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملاً، بأن كان دائراً بين الأقل والأكثر وكان منفصلاً، فلا يسري إجماله إلى العام، لا حقيقة ولا حكماً، بل كان العام متبعاً فيما لا يتبع فيه الخاص، لوضوح أنه حجة فيه بلا مزاحم أصلاً، ضرورة أن الخاص إنما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه، تحكيماً للنص أو الاظهر على الظاهر، لا فيما لا يكون كذلك، كما لا يخفى.

وإن لم يكن كذلك بأن كان دائراً بين المتباينين مطلقاً، أو بين الأقلّ والأكثر فيما كان متصلاً، فيسري إجماله إليه حكماً في المنفصل المردّد بين المتباينين، وحقيقة في غيره:

____________________

(١) في «أ»: تعيين.

٢٢٠