كفاية الأصول

كفاية الأصول0%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

كفاية الأصول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد كاظم الخراسانى
تصنيف: الصفحات: 521
المشاهدات: 49638
تحميل: 16028

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49638 / تحميل: 16028
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه.

فإنه يقال: حيث أن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده، كان التكليف المتعلق به مطلقاً، فإذا اشتغلت الذمة به، كان قضية الاشتغال به يقيناً الفراغ عنه كذلك، وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه، فإنه من حدود التكليف به وقيوده، ولا يكون الاشتغال به من الأول إلا مقيداً بعدم عروضه، فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد، فلا يجب رعايته فيما بعده، ولا يكون إلا من باب الاحتياط في الشبهة البدوية، فافهم وتأمل فإنه دقيق جدّاً.

الثاني : إنه لما كان(١) النهي عن الشيء إنما هو لأجل أن يصير داعياً للمكلف نحو تركه، لو لم يكن له داع آخر - ولا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به، وأما ما لا ابتلاء به بحسبها، فليس للنهي عنه موقع أصلاً، ضرورة أنه بلا فائدة ولا طائل، بل يكون من قبيل طلب الحاصل - كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لابد منه في تأثير العلم، فإنه بدونه لا علم بتكليف فعليّ، لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء به.

ومنه قد انقدح أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلاً، هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال، ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراء‌ة، لعدم القطع بالاشتغال، لا إطلاق الخطاب(٢) ، ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشيء بعد الفراغ عن صحة الإطلاق بدونه، لا فيما شك في اعتباره في صحته(٣) ، تأمل(٤) لعلك تعرف إن شاء الله تعالى.

____________________

(١) كما أنه إذا كان فعل الشيء الذي كان متعلقاً لغرض المولى مما لا يكاد عادة أن يتركه العبد، وأن لا يكون له داع إليه، لم يكن للأمر به والبعث إليه موقع أصلاً، كما لا يخفى (منهقدس‌سره ).

(٢) تعريض بما قد يظهر من الشيخ، فرائد الأصول / ٢٥٢.

(٣) هكذا صححه المصنف في «ب»، وفي «أ»: به.

(٤) نعم لوكان الإطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء - لو لم يكن هناك ابتلاء مصحح للتكليف =

٣٦١

الثالث : إنه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم، لا تفاوت بين أن تكون أطرافه محصورة وأن تكون غير محصورة.

نعم ربما تكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر موافقته القطعية باجتناب كلها أو ارتكابه، أو ضرر فيها أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف فعليّاً بعثاً أو زجراً فعلاً، وليس بموجبة لذلك في غيره، كما أن نفسها ربما يكون موجبة لذلك ولو كانت قليلة في مورد آخر، فلابد من ملاحظة ذاك الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالإجمال أنه يكون أو لا يكون في هذا المورد، أو يكون مع كثرة أطرافه وملاحظة أنه مع أية مرتبة من كثرتها كما لا يخفى.

ولو شك في عروض الموجب، فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان، وإلا فالبراء‌ة لأجل الشك في التكليف الفعليّ، هذا هو حقّ القول في المقام، وما قيل(١) في ضبط المحصور وغيره لا يخلو من الجزاف.

الرابع : إنه إنما يجب عقلاً رعاية الاحتياط في خصوص الأطراف، مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم بإتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها، وإن كان حاله حال بعضها في كونه محكوماً بحكمه واقعاً.

ومنه ينقدح الحال في المسألة ملاقاة شيء مع أحد أطراف النجس المعلوم بالإجمال، وأنه تارة يجب الاجتناب عن الملاقى دون ملاقيه، فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالاً بالنجس بينها، فإنه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعاً، ولو لم يجتنب عما يلاقيه، فإنه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فرداً آخر من النجس، قد شك في وجوده، كشيء آخر شك في نجاسته بسبب آخر.

____________________

= كان الإطلاق وعدم بيان التقييد دالّاً على فعليته، ووجود الابتلاء المصحح لهما، كما لا يخفى، فافهم (منهقدس‌سره ).

(١) راجع فرائد الأصول / ٢٦٠ - ٢٦٢.

٣٦٢

ومنه ظهر أنه لا مجال لتوهم(١) أن قضية الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أيضاً، ضرورة أن العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه، لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل.

وأخرى يجب الاجتناب عما لاقاه دونه، فيما لو علم إجمالاً نجاسته أو نجاسة شيء آخر، ثم حدث [العلم بـ](٢) الملاقاة والعلم بنجاسة الملاقى أو ذاك الشيء أيضاً، فإن حال(٣) الملاقى في هذه الصورة بعينها حال مالاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفاً للعلم الإجمالي، وأنه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعاً غير معلوم النجاسة أصلاً، لا إجمالاً ولا تفصيلاً، وكذا لو علم بالملاقاة ثم حدث العلم الإجمالي، ولكن كان الملاقى خارجاً عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلى به بعده.

وثالثة يجب الاجتناب عنهما، فيما لو حصل العلم الإجمالي بعد العلم بالملاقاة؛ ضرورة أنه حينئذ نعلم إجمالاً: إما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى، فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين، وهو الواحد أو الإثنان(٤) .

المقام الثاني : (في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين).

والحق أن العلم الإجمالي بثبوت التكليف بينهما - أيضاً - يوجب الاحتياط عقلاً بإتيان الأكثر، لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلاً.

____________________

(١) جعل الشيخ هذا التوهم أحد الاحتمالين في المسألة، مستشهداً له بكلام السيد أبي المكارم في الغنية ولم نعثر عليه في الغنية، نعم استدل أبوالمكارم بايتي تحريم الخبائت وتحريم الميتة، ولكن يظهر ما ذكره الشيخ من كلام السيد المرتضى في الناصريات، للمزيد راجع فرائد الأصول ٢٥٢ والغنية (الجوامع الفقهية ٤٨٩) والناصريات (الجوامع الفقهية ٢١٤).

(٢) أثبتناها من «ب».

(٣) وإن لم يكن احتمال نجاسة ما لاقاه إلّا من ملاقاته، (منهقدس‌سره ).

(٤) في نسختي «أ و ب» الاثنين.

٣٦٣

وتوهم(١) انحلاله إلى العلم بوجوب الأقل تفصيلاً والشك في وجوب الأكثر بدواً - ضرورة لزوم الإتيان بالأقل لنفسه شرعاً، أو لغيره كذلك أو عقلاً، ومعه لا يوجب تنجزه لو كان متعلقاً بالأكثر - فاسد قطعاً، لاستلزام الانحلال المحال، بداهة توقف لزوم الأقل فعلاً إما لنفسه أو لغيره على تنجز التكليف مطلقاً، ولو كان متعلقاً بالأكثر، فلو كان لزومه كذلك مستلزماً لعدم تنجزه إلا إذا كان متعلقاً بالأقل كان خلفاً، مع أنه يلزم من وجوده عدمه؛ لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل حال المستلزم لعدم لزوم الأقل مطلقاً، المستلزم لعدم الانحلال، وما يلزم من وجوده عدمه محال.

نعم إنما ينحل إذا كان الأقل ذا مصلحة ملزمة، فإن وجوبه حينئذ يكون معلوماً له، وإنما كان الترديد لاحتمال أن يكون الأكثر ذا مصلحتين، أو مصلحة أقوى من مصلحة الأقل، فالعقل في مثله وإن استقل بالبراء‌ة بلا كلام، إلا أنه خارج عما هو محل النقض والإبرام في المقام.

هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلا بالأكثر، بناءً على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد في المأمور به والمنهي عنه، وكون الواجبات الشرعية ألطافاً في الواجبات العقلية، وقد مرّ(٢) اعتبار موافقة الغرض وحصوله عقلاً في إطاعة الأمر وسقوطه، فلابد من إحرازه في إحرازها، كما لا يخفى.

ولا وجه للتفصي عنه(٣) : تارة بعدم ابتناء مسألة البراء‌ة والاحتياط على ما ذهب إليه مشهور العدلية، وجريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك، أو

____________________

(١) تعريض بالشيخقدس‌سره ، راجع فرائد الأصول / ٢٧٤.

(٢) في المبحث الخامس من الفصل الثاني من المقصد الأول في الأوامر حيث قال: وإن لم يكد يسقط بذلك فلا يكاد له وجه إلّا عدم حصول غرضه.. إلخ.

(٣) ردّ على الشيخ، أنظر فرائد الأصول / ٢٧٣.

٣٦٤

بعض العدلية المكتفين بكون المصلحة في نفس الأمر دون المأمور به.

وأخرى بأن حصول المصلحة واللطف في العبادات لا يكاد يكون إلا بإتيانها على وجه الامتثال، وحينئذ كان لاحتمال اعتبار معرفة أجزائها تفصيلاً - ليؤتى بها مع قصد الوجه - مجال، ومعه لا يكاد يقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعية إلى الأمر، فلم يبق إلا التخلص عن تبعة مخالفته بإتيان ما علم تعلقه به، فإنه واجب عقلاً وإن لم يكن في المأمور به مصلحة ولطف رأساً، لتنجزه بالعلم به إجمالاً.

وأما الزائد عليه لو كان فلا تبعة على مخالفته من جهته، فإن العقوبة عليه بلا بيان.

وذلك ضرورة أن حكم العقل بالبراء‌ة - على مذهب الأشعري - لا يجدي من ذهب إلى ما عليه المشهور من العدلية، بل من ذهب إلى ما عليه غير المشهور؛ لاحتمال أن يكون الداعي إلى الأمر ومصلحته - على هذا المذهب أيضاً - هو ما في الواجبات من المصلحة وكونها ألطافاً، فافهم.

وحصول اللطف والمصلحة في العبادة، وإن كان يتوقف على الإتيان بها على وجه الامتثال، إلا أنه لا مجال لاحتمال اعتبار معرفة الأجزاء وإتيانها على وجهها، كيف؟ ولا إشكال في إمكان الاحتياط هاهنا كما في المتباينين، ولا يكاد يمكن مع اعتباره. هذا مع وضوح بطلان احتمال اعتبار قصد الوجه كذلك، والمراد بالوجه في كلام من صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه ووجوب اقترانه به، هو وجه نفسه من وجوبه النفسي، لا وجه أجزائه من وجوبها الغيري أو وجوبها العرضي، وإتيان الواجب مقترناً بوجهه غاية ووصفاً بإتيان الأكثر بمكان من الإمكان؛ لانطباق الواجب عليه ولو كان هو الأقل، فيتأتّى من المكلف معه قصد الوجه، واحتمال اشتماله على ما ليس من أجزائه ليس بضائر، إذا قصد وجوب المأتي على إجماله، بلا تمييز ماله دخل في الواجب من أجزائه، لاسيما إذا دار الزائد بين كونه جزء‌اً لماهيته وجزء‌اً لفرده، حيث ينطبق الواجب على المأتي حينئذ بتمامه وكماله، لأن الطبيعي

٣٦٥

يصدق على الفرد بمشخصاته.

نعم، لو دار بين كونه جزء‌اً أو مقارناً لما كان منطبقاً عليه بتمامه لو لم يكن جزء‌اً، لكنه غير ضائر لانطباقه عليه أيضاً فيما لم يكن ذاك الزائد جزءاً غايته، لا بتمامه بل بسائر أجزائه.

هذا مضافاً إلى أن اعتبار قصد الوجه من رأس مما يقطع بخلافه، مع أن الكلام في هذه المسألة لا يختص بما لابد أن يؤتى به على وجه الامتثال من العبادات، مع أنه لو قيل باعتبار قصد الوجه في الامتثال فيها على وجه ينافيه التردد والاحتمال، فلا وجه معه للزوم مراعاة الأمر المعلوم أصلاً، ولو بإتيان الأقل لو لم يحصل الغرض، وللزم الاحتياط بإتيان الأكثر مع حصوله، ليحصل القطع بالفراغ بعد القطع بالاشتغال، لاحتمال بقائه مع الأقل بسبب بقاء غرضه، فافهم.

هذا بحسب حكم العقل.

وأما النقل(١) فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع قاضٍ برفع جزئية ما شك في جزئيته، فبمثله يرتفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر، ويعينه في الأول.

لا يقال(٢) : إن جزئية السورة المجهولة(٣) - مثلاً - ليست بمجعولة وليس لها أثر مجعول، والمرفوع بحديث رافع إنما هو المجعول بنفسه أو أثره، ووجوب الإعادة

____________________

(١) لكنه لا يخفى أنه لا مجال للنقل فيما هو مورد حكم العقل بالاحتياط، وهو ما إذا علم إجمالاً بالتكليف الفعلي، ضرورة أنه ينافيه دفع الجزئية المجهولة، وإنما يكون مورده ما إذا لم يعلم به كذلك، بل علم مجرد ثبوته واقعاً، وبالجملة الشك في الجزئية والشرطية وإن كان جامعاً بين الموردين، إلا أن مورد حكم العقل مع القطع بالفعلية، ومورد النقل هو مجرد الخطاب بالإيجاب، فافهم (منهقدس‌سره ).

(٢) القائل هو الشيخ الأنصاريقدس‌سره ، فرائد الأصول / ٢٧٨.

(٣) هكذا صححه في «ب» وفي «أ»: المنسية.

٣٦٦

إنما هو أثر بقاء الأمر الأول بعد العلم(١) مع أنه عقلي، وليس إلا من باب وجوب الإطاعة عقلاً.

لأنه يقال: إن الجزئية وإن كانت غير مجعولة بنفسها، إلا أنها مجعولة بمنشأ انتزاعها، وهذا كاف في صحة رفعها.

لا يقال: إنما يكون ارتفاع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه، وهو الأمر الأول، ولا دليل آخر على أمر آخر بالخالي عنه.

لأنه يقال: نعم، وإن كان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه، إلا أن نسبة حديث الرفع - الناظر إلى الأدلة الدالة على بيان الأجزاء - إليها نسبة الاستثناء، وهو معها يكون دالة على جزئيتها إلا مع [الجهل بها](٢) ، كما لا يخفى، فتدبر جيّداً.

وينبغي التنبيه على أمور:

الأول : إنه ظهر مما مرّ حال دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه، وبين الخاص كالإنسان وعامّه كالحيوان، وأنه لا مجال ها هنا للبراء‌ة عقلاً، بل كان الأمر فيهما أظهر، فإن الانحلال المتوهم في الأقل والأكثر لا يكاد يتوهم هاهنا، بداهة أن الأجزاء التحليلية لا يكاد يتصف باللزوم من باب المقدمة عقلاً، فالصلاة - مثلاً - في ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصة موجودة بعين وجودها، وفي ضمن صلاة أخرى فاقدة لشرطها وخصوصيتها تكون متبائنة للمأمور بها، كما لا يخفى.

نعم لا بأس بجريان البراء‌ة النقلية في خصوص دوران الأمر بين المشروط وغيره، دون دوران الأمر(٣) بين الخاص وغيره، لدلالة مثل حديث الرفع على عدم شرطية ما شك في شرطيته، وليس كذلك خصوصية الخاص، فإنها إنما تكون منتزعة عن نفس الخاص، فيكون الدوران بينه و [بين] غيره من قبيل الدوران بين

____________________

(١) في «أ»: التذكر.

(٢) في «أ»: نسيانها.

(٣) في «أ»: دون الدوران بين... إلخ.

٣٦٧

المتباينين، فتأمل جيّداً.

الثاني : إنه لا يخفى أن الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته في حال نسيانه عقلاً ونقلاً، ما ذكر في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية، فلولا مثل حديث الرفع(١) مطلقاً ولا تعاد(٢) في الصلاة لحكم(٣) عقلاً بلزوم إعادة ما أخل بجزئه أو شرطه نسياناً، كما هو الحال فيما ثبت شرعاً جزئيته أو شرطيته مطلقاً نصاً أو إجماعاً.

ثم لا يذهب عليك أنه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في هذا الحال بمثل حديث الرفع، كذلك يمكن تخصيصهما(٤) بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية، كما إذا وجه الخطاب على نحو يعم الذاكر والناسي بالخالي عما شك في دخله مطلقاً، وقد دل دليل آخر على دخله في حق الذاكر، أو وجّه إلى الناسي خطاب يخصه بوجوب الخالي بعنوان آخر عام أو خاص، لا بعنوان الناسي كي يلزم استحالة إيجاب ذلك عليه بهذا العنوان؛ لخروجه عنه بتوجيه الخطاب إليه لا محالة، كما توهم(٥) لذلك استحالة تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر وإيجاب العمل الخالي عن المنسي على الناسي، فلا تغفل.

الثالث : إنه ظهر - ممّا مر - حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطاً أو شطراً في الواجب - مع عدم اعتباره في جزئيته، وإلا لم يكن من زيادته بل من نقصانه - وذلك لاندراجه في الشك في دخل شيء فيه جزء‌اً أو شرطاً، فيصح لو أتى به مع الزيادة عمداً تشريعاً أو جهلاً قصوراً أو تقصيراً أو سهواً، وإن استقل العقل

____________________

(١) الخصال ٢ / ٤١٧، الحديث ٩ والفقيه ١ / ٣٦ الحديث ٤.

(٢) الفقيه ١ / ٢٢٥، أحكام السهو الحديث ٨، الفقيه ١ / ١٨١، في القبلة / الحديث ١٧، والتهذيب ٢ / ٥٢، ب ٩ / الحديث ٥٥.

(٣) في «ب»: يحكم.

(٤) في «ب»: تخصيصها.

(٥) المتوهم هو الشيخقدس‌سره ، فرائد الأصول / ٢٨٦.

٣٦٨

لولا النقل بلزوم الاحتياط؛ لقاعدة الاشتغال.

نعم لو كان عبادة وأتى به كذلك، على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه، لكان باطلاً مطلقاً أو في صورة عدم دخله فيه، لعدم قصد الامتثال في هذه الصورة، مع استقلال العقل بلزوم الإعادة مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال.

وأما لو أتى به على نحو يدعوه إليه على أي حال كان صحيحاً، ولو كان مشرّعاً في دخله الزائد فيه بنحو، مع عدم علمه بدخله، فإن تشريعه في تطبيق المأتي مع المأمور به، وهو لا ينافي قصده الامتثال والتقرب به على كل حال.

ثم إنه ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة، وهو لا يخلو من كلام ونقض وإبرام خارج عما هو المهم في المقام، ويأتي(١) تحقيقه في مبحث الاستصحاب، إن شاء الله تعالى.

الرابع : إنه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة، ودار [الأمر] بين أن يكون جزء‌اً أو شرطاً مطلقاً ولو في حال العجز عنه، وبين أن يكون جزء‌اً أو شرطاً في خصوص حال التمكن منه، فيسقط الأمر بالعجز عنه على الأول، لعدم القدرة حينئذ على المأمور به، لا على الثاني فيبقى متعلقاً بالباقي، ولم يكن هناك ما يعين أحد الأمرين، من إطلاق دليل اعتباره جزء‌اً أو شرطاً، أو إطلاق دليل المأمور به مع إجمال دليل اعتباره أو إهماله، لاستقل العقل بالبراء‌ة عن الباقي، فإن العقاب على تركه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان.

لا يقال: نعم ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية إلا في حال التمكن منه.

فإنه يقال: إنه لا مجال ها هنا لمثله، بداهة أنه ورد في مقام الامتنان،

____________________

(١) الظاهر انهقدس‌سره لم يف بوعده، وللمزيد راجع نهاية الدراية ٢ / ٢٨٨.

٣٦٩

فيختص بما يوجب نفي التكليف لا إثباته.

نعم ربما يقال(١) : بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضاً.

ولكنه لا يكاد يصح إلا بناءً على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلّي، أو على المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب، وكان ما تعذر مما يسامح به عرفاً، بحيث يصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقي، وارتفاعه لو قيل بعدم وجوبه، ويأتي تحقيق الكلام فيه في غير المقام(٢) .

كما أن وجوب الباقي في الجملة ربما قيل(٣) بكونه مقتضى ما يستفاد من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)(٤) وقوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور)(٥) وقوله: (ما لا يدرك كله لا يترك كله)(٦) ودلالة الأول مبنية على كون كلمة (من) تبعيضية، لا بيانية، ولا بمعنى الباء، وظهورها في التبعيض وإن كان مما لا يكاد يخفى، إلا أن كونه بحسب الأجزاء غير واضح، لاحتمال أن يكون بلحاظ الأفراد، ولو سلم فلا محيص عن أنه - هاهنا - بهذا اللحاظ يراد، حديث ورد جواباً عن السؤال عن تكرار الحج بعد أمره به، فقد روي أنه خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) ، فقال: (إن الله كتب

____________________

(١) راجع فرائد الأصول / ٢٩٤.

(٢) سيأتي في مبحث الاستصحاب / ٤٢٥.

(٣) راجع فرائد الأصول / ٢٩٤.

(٤) عوالي اللآلي ٤ / ٥٨، مع اختلاف يسير.

(٥) عوالي اللآلي ٤ / ٥٨، باختلاف يسير.

(٦) عوالي اللآلي ٤ / ٥٨، باختلاف يسير.

(٧) راجع مجمع البيان ٢: ٢٥٠، في ذيل الآية ١٠١ من سورة المائدة والتفسير الكبير للفخر الرازي ١٢: ١٠٦ وأنوار التنزيل للبيضاوي ١: ٢٩٤، وفي الأخير فقام سراقة بن مالك.

٣٧٠

عليكم الحج، فقام عكاشة(١) - ويروى سراقة بن مالك(٢) - فقال: في كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثاً، فقال: ويحك، وما يؤمنك أن أقول: نعم، والله لو قلت: نعم، لوجب، ولو وجب ما استطعتم، ولو تركتم لكفرتم، فاتركوني ما تُركتم، وإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم إلى أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه).

ومن ذلك ظهر الإشكال في دلالة الثاني أيضاً، حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها، لاحتمال إرادة عدم سقوط الميسور من أفراى العام بالمعسور منها.

هذا مضافاً إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوماً، لعدم اختصاصه بالواجب، ولا مجال لتوهم دلالته على أنه بنحو اللزوم، إلا أن يكون المراد عدم سقوطه بماله من الحكم وجوباً كان أو ندباً، بسبب سقوطه عن المعسور، بأن يكون قضية الميسور كناية عن عدم سقوطه بحكمه، حيث إن الظاهر من مثله هو ذلك، كما أن الظاهر من مثل (لا ضرر ولا ضرار)(٣) هو نفي ماله من تكليف أو وضع، لأنها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدة المكلف كي لا يكون له دلالة

____________________

(١) عكاشة بن محصن بن حُرثان، شهد بدراً مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم لم يزل عنده يشهد المشاهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قتل في قتال أهل الردة، كان عمره عند وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعاً وأربعين سنة. (تهذيب الأسماء ١: ٣٨.رقم ٤١٨).

(٢) سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي، كنيته أبوسفيان، له صحبة، كان يسكن قديد، مات بعد عثمان، روى عنه سعيد بن المسيّب وأبورشدين و عبدالرحمن بن مالك.(الجرح والتعديل ٤: ٣٠٨ رقم ١٣٤٢).

(٣) الكافي ٥ / ٢٩٣، كتاب المعيشة باب الضرار، الحديث ٦.

و: الكافي ٥ / ٢٨٠، كتاب المعيشة باب الشفعة، الحديث ٤.

و: التهذيب ٧ / ١٦٤، باب الشفعة، الحديث ٤.

٣٧١

على جريان القاعدة في المستحبات على وجه، أو لا يكون له دلالة على وجوب الميسور في الواجبات على آخر، فافهم.

وأما الثالث، فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي لا الأفرادي، لا دلالة له إلا على رجحان الإتيان بباقي الفعل المأمور به - واجباً كان أو مستحباً - عند تعذر بعض أجزائه؛ لظهور الموصول فيما يعمهما، وليس ظهور (لا يترك) في الوجوب - لو سلم - موجباً لتخصيصه بالواجب، لو لم يكن ظهوره في الأعم قرينة على إرادة خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية من النفي، وكيف كان فليس ظاهراً في اللزوم هاهنا، ولو قيل بظهوره فيه في غير المقام.

ثم إنه حيث كان الملاك في قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقي عرفاً، كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط أيضاً؛ لصدقه حقيقة عليه مع تعذره عرفاً، كصدقه عليه كذلك مع تعذر الجزء في الجملة، وإن كان فاقد الشرط مبايناً للواجد عقلاً، ولأجل ذلك ربما لا يكون الباقي - الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها - مورداً لها فيما إذا لم يصدق عليه الميسور عرفاً، وإن كان غير مباين للواجد عقلاً.

نعم ربما يلحق به شرعاً مالا يعد بميسور عرفاً بتخطئة للعرف، وإن عدم العد كان لعدم الاطلاع على ما هو عليه الفاقد، من قيامه في هذا الحال بتمام ما قام عليه الواجد، أو بمعظمه في غير الحال، وإلا عدّ أنه ميسوره، كما ربما يقوم الدليل على سقوط ميسور عرفي لذلك - أي للتخطئة - وأنه لا يقوم بشيء من ذلك.

وبالجملة: مالم يكن دليل على الإخراج أو الإلحاق كان المرجع هو الإطلاق، ويستكشف منه أن الباقي قائم بما يكون الامور به قائماً بتمامه، أو بمقدار يوجب إيجابه في الواجب واستحبابه في المستحب، وإذا قام دليل على أحدهما فيخرج أو يدرج تخطئة أو تخصيصاً في الأول، وتشريكاً في الحكم، من دون الاندراج في الموضوع في الثاني، فافهم.

تذنيب : لا يخفى أنه إذا دار الأمر بين جزئية شيء أو شرطيته، وبين مانعيته

٣٧٢

أو قاطعيته، لكان من قبيل المتباينين، ولا يكاد يكون من الدوران بين المحذورين، لإمكان الاحتياط بإتيان العمل مرتين، مع ذاك الشيء مرة وبدونه أخرى، كما هو أوضح من أن يخفى.

٣٧٣

خاتمة: في شرائط الأصول

أما الاحتياط : فلا يعتبر في حسنه شيء أصلاً، بل يحسن على كل حال، إلا إذا كان موجباً لاختلال النظام، ولا تفاوت فيه بين المعاملات والعبادات مطلقاً ولو كان موجباً للتكرار فيها، وتوهم(١) كون التكرار عبثاً ولعباً بأمر المولى - وهو ينافي قصد الامتثال المعتبر في العبادة - فاسد؛ لوضوح أن التكرار ربما يكون بداعٍ صحيح عقلائي، مع أنه لو لم يكن بهذا الداعي وكان أصل إتيانه بداعي أمر مولاه بلا داعٍ له سواه لما ينافي قصد الامتثال، وإن كان لاغياً في كيفية امتثاله، فافهم.

بل يحسن أيضاً فيما قامت الحجة على البراء‌ة عن التكليف لئلا يقع فيما كان في مخالفته على تقدير ثبوته، من المفسدة وفوت المصلحة.

وأما البراء‌ة العقلية : فلا يجوز إجراؤها إلا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف، لما مرت(٢) الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها إلا بعدهما.

وأما البراء‌ة النقلية : فقضية إطلاق أدلتها وإن كان هو عدم اعتبار

____________________

(١) المتوهم هو الشيخ (قده) راجع فرائد الأصول، ص ٢٩٩.

(٢) في الاستدلال على البراء‌ة بالدليل القطعي، ص ٣٤٣.

٣٧٤

الفحص في جريانها، كما هو حالها في الشبهات الموضوعية، إلا أنه استدل(١) على اعتباره بالإجماع وبالعقل، فإنه لا مجال لها بدونه، حيث يعلم إجمالاً بثبوت التكليف بين موارد الشبهات، بحيث لو تفحص عنه لظفر به.

ولا يخفى أن الإجماع هاهنا غير حاصل، ونقله لوهنه بلا طائل، فإن تحصيله في مثل هذه المسألة مما للعقل إليه سبيل صعب لو لم يكن عادة بمستحيل، لقوة احتمال أن يكون المستند للجل - لولا الكل - هو ما ذكر من حكم العقل، وأن الكلام في البراء‌ة فيما لم يكن هناك علم موجب للتنجز، إما لانحلال العلم الإجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال، أو لعدم الابتلاء إلا بما لا يكون بينها علم بالتكليف من موارد الشبهات، ولو لعدم الالتفات إليها.

فالأولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات(٢) والأخبار(٣) على وجوب التفقة والتعلم، والمؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم، بقوله تعالى كما في الخبر(٤) : (هلا تعلمت) فيقيد بها أخبار البراء‌ة، لقوة ظهورها في أن المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلم فيما لم يعلم، لا بترك العمل فيما علم وجوبه ولو إجمالاً، فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الأخبار على ما إذا علم إجمالاً، فافهم.

ولا يخفى اعتبار الفحص في التخيير العقلي أيضاً بعين ما ذكر في البراء‌ة، فلا تغفل.

ولا بأس بصرف الكلام في بيان بعض ما للعمل بالبراء‌ة قبل الفحص من

____________________

(١) راجع فرائد الأصول / ٣٠٠ و ٣٠١.

(٢) التوبة: ١٢٢ والنحل: ٤٣.

(٣) الفقيه ٦ / ٢٧٧، الباب ١٧٦ ذيل الحديث ١٠ - الكافي ١ / كتاب ٢ / احاديث الباب ١.

(٤) الأمالي للشيخ / ٩ - الصافي / ٥٥٥.

٣٧٥

التبعة والأحكام.

أما التبعة، فلا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة فيما إذا كان ترك التعلم والفحص مؤدياً إليها، فإنها وإن كانت مغفولة حينها وبلا اختيار، إلا أنها منتهية إلى الاختيار، وهو كافٍ في صحة العقوبة، بل مجرد تركهما كاف في صحتها، وإن لم يكن مؤدياً إلى المخالفة، مع احتماله، لأجل التجري وعدم المبالاة بها.

نعم يشكل في الواجب المشروط والمؤقت، لو أدى تركهما قبل الشرط والوقت إلى المخالفة بعدهما، فضلاً عما إذا لم يؤد إليها، حيث لا يكون حينئذ تكليف فعلي أصلاً، لا قبلهما وهو واضح، ولا بعدهما وهو كذلك، لعدم(١) التمكن منه بسبب الغفلة، ولذا التجأ المحقق الأردبيلي(٢) وصاحب المدارك(٣) (قدس‌سرهما) إلى الالتزام بوجوب التفقه والتعلم نفسياً تهيئياً، فتكون العقوبة على ترك التعلم نفسه لا على ما أدى اليه من المخالفة.

فلا إشكال حينئذ في المشروط والمؤقت، ويسهل بذلك الأمر في غيرهما لو صعب على أحد، ولم تصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقوبة على ما كان فعلاً مغفولاً عنه وليس بالاختيار، ولا يخفى أنه لا يكاد ينحل هذا الإشكال إلا بذلك، أو الالتزام بكون المشروط أو المؤقت مطلقاً معلقاً، لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية عقلاً بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم،

____________________

(١) إلا أن يقال بصحة المؤاخذة على ترك المشروط أو الموقت عند العقلاء إذا تمكن منهما في الجملة، ولو بأن تعلّم وتفحّص إذا التفت، وعدم لزوم التمكن منهما بعد حصول الشرط ودخول الوقت مطلقاً، كما يظهر ذلك من مراجعة العقلاء ومؤاخذتهم العبيد على ترك الواجبات المشروطة أو المؤقتة، بترك تعلمها قبل الشرط أو الوقت المؤدي إلى تركها بعد حصوله أو دخوله، فتأمل (منهقدس‌سره ).

(٢) راجع كلامهقدس‌سره في مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان ٢ / ١١٠، عند قوله: واعلم أيضاً أنّ سبب بطلان الصلاة... الخ.

(٣) راجع مدارك الأحكام / ١٢٣، في مسألة إخلال المصلي بإزالة النجاسة عن بدنه أو ثوبه.

٣٧٦

فيكون الإيجاب حاليّاً، وإن كان الواجب استقبالياً قد أُخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه، ولا غير التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته.

وأما لو قيل بعدم الإيجاب إلا بعد الشرط والوقت، كما هو ظاهر الأدلة وفتاوى المشهور، فلا محيص عن الالتزام يكون وجوب التعلم نفسيّاً، لتكون العقوبة - لو قيل بها - على تركه لا على ما أدى إليه من المخالفة، ولا بأس به كما لا يخفى، ولا ينافيه مايظهر من الأخبار من كون وجوب التعلم إنما هو لغيره لا لنفسه، حيث أن وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجباً غيرياً يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدميّاً، بل للتهيّؤ لإيجابه، فافهم.

وأما الأحكام، فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة، بل في صورة الموافقة أيضاً في العبادة، فيما لا يتأتّى منه قصد القربة وذلك لعدم الإتيان بالمأمور به مع عدم دليل على الصحة والإجزاء، إلّا في الإتمام في موضع القصر أو الاجهار أو الاخفات في موضع الآخر، فورد في الصحيح(١) - وقد أفتى به المشهور - صحة الصلاة وتماميتها في الموضعين مع الجهل مطلقاً، ولو كان عن تقصير موجب لاستحقاق العقوبة على ترك الصلاة المأمور بها؛ لأن ما أتى بها وإن صحت وتمت إلا أنها ليست بمأمور بها.

إن قلت: كيف يحكم بصحتها مع عدم الأمر بها؟ وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التي أمر بها، حتى فيما إذا تمكن مما أمر بها؟ كما هو ظاهر إطلاقاتهم، بأن علم بوجوب القصر أو الجهر بعد الإتمام والإخفات وقد بقي من الوقت مقدار إعادتها قصراً أو جهراً، ضرورة أنه لا تقصير هاهنا يوجب

____________________

(١) التهذيب ٣ / ٢٢٦، الباب ٢٣ الصلاة في السفر، الحديث / ٨٠، وسائل الشيعة ٥ / ٥٣١ الباب: ١٧ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٤.

التهذيب ٢ / ١٦٢ الباب ٩ تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون، الحديث ٩٣.

ووسائل الشيعة ٤ / ٧٦٦ الباب ٢٦ من أبواب القراء‌ة في الصلاة، الحديث ١.

٣٧٧

استحقاق العقوبة، وبالجملة كيف يحكم بالصحة بدون الأمر؟ وكيف يحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الإعادة؟ لولا الحكم شرعاً بسقوطها وصحة ما أتى بها.

قلت: إنما حكم بالصحة لأجل اشتمالها على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء في نفسها مهمة في حد ذاتها، وإن كانت دون مصلحة الجهر والقصر، وإنما لم يؤمر بها لأجل أنه أمر بما كانت واجدة لتلك المصلحة على النحو الأكمل والأتم.

وأما الحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الإعادة فإنها بلا فائدة، إذ مع استيفاء تلك المصلحة لا يبقى مجال لاستيفاء المصلحة التي كانت في المأمور بها، ولذا لو أتى بها في موضع الآخر جهلاً - مع تمكنه من التعلم - فقد قصر، ولو علم بعده وقد وسع الوقت.

فانقدح أنه لا يتمكن من صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة الاتمام، ولا من الجهر كذلك بعد فعل صلاة الإخفات، وإن كان الوقت باقياً.

إن قلت: على هذا يكون كل منهما في موضع الآخر سبباً لتفويت الواجب فعلاً، وما هو سبب لتفويت الواجب كذلك حرام، وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام.

قلت: ليس سبباً لذلك، غايته أنه يكون مضاداً له، وقد حققنا في محله(١) أن الضد وعدم ضده متلازمان ليس بينهما توقف أصلاً.

لا يقال: على هذا فلو صلى تماماً أو صلى إخفاتاً - في موضع القصر والجهر مع العلم بوجوبهما في موضعهما - لكانت صلاته صحيحة، وإن عوقب على مخالفة الأمر بالقصر أو الجهر.

فإنه يقال: لا بأس بالقول به لو دل دليل على أنها تكون مشتملة على المصلحة

____________________

(١) مبحث الضد، في الأمر الثاني، عند دفع توهم المقدمية بين الضدين ص ١٣٠.

٣٧٨

ولو مع العلم، لاحتمال اختصاص أن يكون كذلك في صورة الجهل، ولا بعد أصلاً في اختلاف الحال فيها باختلاف حالتي العلم بوجوب شيء والجهل به، كما لا يخفى. وقد صار بعض الفحول(١) بصدد بيان إمكان كون المأتي به في غير موضعه مأموراً به بنحو الترتب، وقد حققناه في محبث الضد امتناع الأمر بالضدين مطلقاً، ولو بنحو الترتب، بما لا مزيد عليه فلا نعيد.

ثم إنه ذكر(٢) لأصل البراء‌ة شرطان آخران:

أحدهما : أن لا يكون موجباً لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى.

ثانيهما : أن لا يكون موجباً للضرر على آخر.

ولا يخفى أن أصالة البراء‌ة عقلاً ونقلاً في الشبهة البدوية بعد الفحص لا محالة تكون جارية، وعدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراء‌ة العقلية والإباحة أو رفع التكليف الثابت بالبراء‌ة النقلية، لو كان موضوعاً لحكم شرعي أو ملازماً له فلا محيص عن ترتبه عليه بعد إحرازه، فإن لم يكن مترتباً عليه بل على نفي التكليف واقعاً، فهي وإن كانت جارية إلا أن ذاك الحكم لا يترتب، لعدم ثبوت ما يترتب عليه بها، وهذا ليس بالاشتراط.

وأما اعتبار أن لا يكون موجباً للضرر، فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر وإن لم يكن مجال فيه لأصالة البراء‌ة، كما هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية، إلا أنه حقيقةً لا يبقى لها مورد، بداهة أن الدليل الاجتهادي يكون بياناً وموجباً للعلم بالتكليف ولو ظاهراً، فإن كان المراد من الاشتراط ذلك، فلابد من اشتراط أن لا يكون على خلافها دليل اجتهادي، لا خصوص قاعدة الضرر، فتدبر، والحمد لله على كل حال.

____________________

(١) وهو كاشف الغطاءقدس‌سره كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء / ٢٧ في البحث الثامن عشر.

(٢) ذكرهما الفاضل التوني (قده) في الوافية / ٧٩، في شروط التمسّك بأصالة البراء‌ة.

٣٧٩

ثم إنه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر والضرار على نحو الاقتصار، وتوضيح مدركها وشرح مفادها، وإيضاح نسبتها مع الأدلة المثبتة للأحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الأوّلية أو الثانوية، وإن كانت اجنبية عن مقاصد الرسالة، إجابةً لالتماس بعض الأحبّة، فأقول وبه أستعين:

إنه قد استدل عليها بأخبار كثيرة:

منها: موثقة زرارة(١) ، عن أبي جعفرعليه‌السلام : (إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار، وكان منزل الأنصاري بباب البستان، وكان سمرة يمرّ إلى نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة، فجاء الأنصاري إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فشكى إليه، فأخبر بالخبر، فأرسل رسول الله وأخبره بقول الأنصاري وما شكاه، فقال: إذا أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلما أبى فساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله، فأبى أن يبيعه، فقال: لك بها عذق في الجنة، فأبى أن يقبل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنه لا ضرر ولا ضرار).

وفي رواية الحذّاء(٢) عن أبي جعفرعليه‌السلام مثل ذلك، ألا أنه فيها بعد الإباء (ما أراك يا سمرة إلا مضاراً، إذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه) إلى غير ذلك من الروايات الواردة في قصة سمرة وغيرها(٣) . وهي كثيرة وقد ادّعي(٤) تواترها، مع اختلافها لفظاً ومورداً، فليكن المراد به تواترها إجمالاً، بمعنى

____________________

(١) التهذيب ٧: ١٤٦، الحديث ٣٦ من باب بيع الماء، مع اختلاف لا يخل بالمقصود.

الكافي ٥: ٢٩٢، الحديث ٢ من باب الضرار.

الفقيه ٣: ١٤٧ الحديث ١٨ من باب المضاربة.

(٢) الفقيه ٣: ٥٩ الحديث ٩ الباب ٤٤ حكم الحريم.

(٣) الفقيه ٣: ٤٥ الحديث ٢ الباب ٣٦ الشفعة.

الكافي ٥: ٢٨٠ الحديث ٤ باب الشفعة.

التهذيب ٧: ١٦٤، ٧٢٧.

(٤) إيضاح الفوائد: فخر المحققين ٢: ٤٨ كتاب الدين، فصل التنازع.

٣٨٠