روائع الأمالي في فرع العلم الإجمالي

مؤلف: الشيخ ضياء الدين العراقي
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 108
مؤلف: الشيخ ضياء الدين العراقي
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 108
روائع الامالي في فرع العلم الاجمالي
الشيخ ضياء الدين العراقي
هذا الكتاب
نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف
شبكة الإمامين الحسنينعليهمالسلام للتراث والفكر الإسلامي
بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.
«وبعد» فاني حين اشتغالي بمباحث خلل الصلوة ظفرت على فروع جيدة تعرض جملة منها سيد الاساطين ورئيس الملة والدين في عروته فاحببت ان اتعرض لها موضحاً لمداركها راجيا لان يكون ذلك وسيلة لمعادي انشاء الله فاقول مستمداً به ومستعيناً بفضله:
(١) اذا شك ان ما بيده ظهر او عصر فان كان قد صلى الظهر بطل ما بيده لانه لايعلم من حين شروعه فيه كونه بعنوان العصر فلم يحرز في مثله قصد العصرية الذي هو من شرايطها بشهادة اخبار العدول والتعبير بقولهم يجعله ظهراً ام عصراً فان مثل هذه شاهد كون ظهرية الاربعة او عصريتها تحت اختياره ولايكون ذلك الا بدخل القصد المزبور في حقيقته وذلك ايضا لا بمعنى كون القصد المزبور بضميمة العمل الخارجي من محققاتها نظير التعظيم والتوهين كي يلزمه كون المامور به من العناوين البسيطة كي يشكل حينئذ جريان البراءة في دخل شيء في محققاتها كيف وهو خلاف ظاهر الادلة المقتضية لكون الصلوة نفس الاركان الخارجية بل بمعنى كون القصد المزبور من شرايطها واجزائها فمع الشك في نشو الفعل عن مثل هذا القصد لايبقى مجال الحكم بصحته.وتوهم جريان قاعدة التجاوز فيه الحاكم بوجوده في محله مدفوع جداً اذ جهة نشو الافعال عن القصد من لوازم وجوده عقلا والتعبد به لا يقتضي هذه الجهة، كما ان اصالة الصحة لايكاد يجدي في احراز عنوان العصرية ومع الشك في اصل هذا العنوان لايكاد يجري الاصل المزبور كما لايخفى وحينئذ اصالة الاشتغال بالصلوة تقتضي استينافه جديداً ومثل هذا الاصل موجب لحل العلم الاجمالي بحرمة قطه او وجوب اعادته فلا باًس بعده لجريان البرائة عن حرمة قطعه من جهة الشك في بطلانه من الاول وذلك هو الشاًن في كلية موارد العلم الاجمالي الجاري في احد طرفيه اصل مثبت للتكليف وفي الطرف الاخر اصل ناف(١) .
____________________
(١) هذا ما كتبته سابقاً والان اقول: ان قاعدة الاشتغال انما تجري في ظرف الشك المشروط بعدم القطع ففي هذا الظرف لامجال لجريان البرائة لانه انما تجري في ظرف يصلح لان يصير منشأ لمخالفة التكليف الواقعي وهذا المعنى انما يتحقق في ظرف عدم اتصاف قطع الصلوة بالمعدومية والالا معنى لحرمته والفرض ان جريانه في المقام مبني على حل العلم بقاعدة الاشتغال الجاري في ظرف الشك المبني على معدومية قطع الصلوة وحينئذ ففي ظرف حل العلم لا معنى للبرائة وفي ظرف لها معنى لم تجر قاعدة الاشتغال كي ينحل العلم فلا محيص من الاحتياط بضم ركعتين واتمامه عصراً بناء على جواز الصلوة في الصلوة من غير جهة السلام الذي هو كلام الادمي والا فلابد من الاتمام والتمام فتدبر (منه).
وان شك في انه صلى الظهر فضلا عما لو علم عدمها لابأس بالعدول اليه رجاء بل بمقتضى حرمة قطع مايصلح للصحة يجب العدول الى الظهر فيتم ما بقي بعنوان الظهرية والاصل في ذلك ماورد من النصوص في باب العدول من اللاحق الى السابقة ومن الفريضة الى النافلة الكاشفة عن كفاية قصد العنوان ولو اتماماً في الموارد المخصوصة والافقضية قوله «الصلوة على ما افتيحت» الظاهر في ان الصلوة لابد وان يقع على عنوان قصدي حين افتتاحها كون الصلوة تمامها قصديا ولايكفي فيه قصد اتمامها وبهذه الجهة نلتزم بان العدول على خلاف الاصل الا ماخرج بالدليل ولذا يقتصر على العدول حين العمل واما بعده وان كان بعض النصوص دالة على جوازه ولكنه من جهة اعراض الاصحاب عنه غير موثوق به.
نعم لولا الاطلاق السابق بضميمة اطلاق كلمات الاصحاب في قصدية الصلوات بتمامها لكان الاصل وافيا لاثبات كفاية مجرد قصد عنوانها ولو اتماماً ومقتضاه كون الاصل على جواز العدول الا ماخرج ولكن لايكاد انتهاء النوبة الى هذا الاصل كما هو ظاهر.
ومن التاًمل فيما ذكرنا ظهر حال مالو شك في ان ما بيده مغرب ام عشاء قبل الدخول في الركن من الرابعة فانه حينئذ لامجال للعدول ايضا بلا مصحح لمثل هذا العمل اصلا.
(٢) اذا علم بعد الصلوة انه ترك سجدتين من ركعتين فان كانتا من الاوليين فقد جاوز محلهما الذكرى فلا اشكال في صحة صلوته ووجوب قضاء السجدتين وسجدتي السهو مرتين لانهما لكل زيادة ونقصان على مافي النص.
وان كانتا في الاخيرتين فتارة يكون تذكرة للفوت بعد الدخول في المنافي عمديا وسهويا واخرى قبله فعلى الاول فلابد من بطلان صلوته لان فوت محل السجدة الاخيرة انما هو بالدخول في المنافي المزبور ولاجرم يكون هذا الفوت في رتبة متأخرة عن وجود المبطل ففي هذه المرتبة لم تسقط جزئيتها فوقع المنافي المزبور في صلوته فتبطل وعلى الاخير فيجب تدارك ماامكن تداركه من السجدة الاخيرة لوقوع السلام بمقتضى دليل الترتيب في غير محله فلا يصلح لان يكون سلامه هذا فراغاً عن صلوته.
وتوهم ان قوله يستقبل حتى يضع كل شيء في محله منصرف الى المتذكر حين الصلوة ومع عدمه فلا ترتيب في البين ولازمه حينئذ وقوع السلام في محله مدفوع بمنع الانصراف غاية الامر
نقول بان من قبل اطلاقه يستكشف كونه في الصلوة وانه بالمنافي خرج منها حينئذ فالروية بمثل هذا اللسان في مقام اثبات الترتيب ولزوم حفظه بين الاجزاء واقعاً ولولا عموم لاتعاد لنقول ببطلان فاقده مطلقاً.
وحينئذ فما في العروة من الحكم بقضاء السجدتين مطلقا حتى مالوكان من الاخيرتين بل والتزامه في مقام آخر ببطلان الصلوة عند تذكر فوت السجدتين ولو من الركعة الاخيرة بعد السلام ولو قبل صدور المنافي منظور فيه اذ هو مبني على مفرغية مثل هذا السلام ولقد عرفت مافيه.
واعجب منه مافي نجات العباد من التفصيل بين تذكر فوت السجدتين قبل المنافي سهويا ام بعده حيث حكم ببطلان الصلوة في الاخير دون الاول ومع ذلك ايضا التزم بقضاء فوت سجدة واحدة بعد السلام ولو قبل المنافي اذا السلام ان كان فراغا فيقتضي المصير الى بطلان الصلوة بفوت السجدتين من الركعة الاخيرة ولو تذكر قبل المنافي بعد السلام كما افاده سيد الاساطين والا فلا وجه لصيرورة السجدة الواحدة بعد السلام قضاء بل يجب حينئذ تداركه في محله وضم مابعده كما هو ظاه(١)
____________________
(١) هذا ما كتبته سابقاً والان اقول: الاقوى التفصيل بين تذكر الفوت قبل المنافي سهويا ام بعده بالصحة ولزوم اعادة السجود وما بعده مطلقا في الاول وبالبطلان في السجدتين والصحة في الواحدة مع قضائها في الثاني لان دليل «يستقبل» لما كان في مقام تصحيح الصلوة لايكاد يجرى في المقام كما لايجرى عند الدخول في الركن لانه يلزم من تطبيقه افساد الصلوة فلا جرم لابد وان يصدق عليه الفوت في المحل فيكشف ذلك عن سقوط الجزء عن الجزئية ولازمه وقوع الركن والسالم في محله فلايجب ح الا الاقتضاء وهذا بخلاف التذكر قبل المنافي سهويا فانه لاقصور في شمول العام للمورد ويستكشف منه وقوع السلام في غير محله فيعيد السجود ومابعده كما لا يخفى فتدبر. منهقدسسره .
ولو شك انهما من الاوليين او الاخيرتين فلابد بمقتضى المبنى السابق من التفصيل بين صدور مايبطل ولو سهويا وعدمه فعلى الاول فلا شبهة في ان قاعدة التجاوز في الاخيرتين جارية بلا معارض للجزم بعدم وقوع السجدتين في الاوليين على وفق امرهما لانه بينما لم يؤت بهما وبينما اتى بهما المستلزم لفوت الاخيرتين المستتبع لوقوع المنافي في الصلوة فتبطل من الاول وعلى الثاني فلا شبهة في تعارض قاعدة التجاوز في الطرفين فيتساقطان فيجب بمقتضى(٢)
____________________
(٢) فيه ان الاستصحاب انما يجرى على تقدير ترتب الاثر على الترك في الصلوة الصحيحة او على الترك المقيد بعدم كونه عمديا بناء على جريان الاستصحاب في الاعدام الازلية والا فلو ترتب الاثر على الترك المقيد بكونه سهويا فلا مجال للاصتصحاب المزبور وح فمبتقضى ما ذكرنا وجوب القضاء لهما بلا احتياج الى الاستصحاب نعم لو كان قبل المنافي سهويا تجرى قاعدة الاشتغال ويثبت بها وجوب اعادة السجدة وتجري البرائة عما زاد من السجدة الواحدة في قضائه فيقضي سجدة واحدة ويعيد الاخرى في محلها.
ولو شك ان المتروك عمدي او سهوي فيعلم اجمالا بوجوب او القضاء او الاعادة فقد يتوهم ان اصالة الصحة تجري بالنسبة الى ما مضى من الركعة فيتم ويقضي لو كان في مادخل في ركنه وفيه ان اصالة الصحة لاتثبت ملزومه وهو الترك الخاص وح فلو كان القضاء من آثار الترك الخاص فلا يفيد فيه اصالة الصحة بل تجري فيه اصالة البرائة فيتساقطان وينتهي الى قاعدة الاشتغال باعادة الصلوة والبرائة عن القضاء في السجدة.
نعم لو احتمل فوت الاخيرة قبل المنافي سهويا فتجري في السجدة ايضاً قاعدة الاشتغال وح فان بنينا على صحة الصلوة في الصلوة من غير جهة سلامه فلا باًس باتيان صلوة مستقلة ويتم في السجدة الاخيرة بقصد مافي الذمة وان بنينا على عدم جواز الصلوة في الصلوة ولو من جهة زيادة السجدة بناء على التعدي في العلة الواردة في العزائم فلا محيص من الاتمام والتمام. وان كان التذكر بعد صدور المنافي سهويا فيجري فيه ماذكرنا في الاوليين فتدبر والله العالم (منهقدسسره ).
الاستصحاب تدارك السجدة الاخيرة في محله وقضاء السجدتين مع سجدات السهو لهما ولمافات فيهما.
وتوهم ان مقتضى الاستصحاب قضاء الثلث الباقية غير السجدة الاخيرة مدفوع بان الاصول التعبدية غير جارية بالنسبة الى الاثار الجزمية العدم او الوجود اذ النظر فيها الى التعبد بآثارها في ظرف الشك فيها ومع الجزم بعدم الاثر لامجال للتعبد المزبور. ومجرد الشك في اضافة الاثر المشكوك اليه ام لا، لايجدي في صحة التعبد به لهذه الجهة لعدم كونه اثراً عمليا وانما الاثر العملي هو وجوب نفس القضاء بلا ملاحـظة اضافته الى أي واحد ومن المعلوم ان مثل هذا المعنى بالنسبة الى الزائد عن الاثنتين معلوم العدم فلايصلح للجريان من الاصول الثلاثة الا اثنان منهما كمالايخفى. ولتكن هذه القاعدة في ذكرك في كل مورد يرد عليك من الاصول الموضوعية مع العلم التفصيلي بعدم ترتب ازيد من اثر واحد او اثنين على المشكوكات الزائدة عن مقدار الاثر المعلوم.
ولو ضم على الشك السابق احتمال ثالث من كون الفائت سجدة من الاوليين وسجدة من الاخيرتين ايضا فان كان ذلك قبل صدور المنافي ولو سهويا فالكلام فيه ما تقدم واما ان كان بعد صدور المنافي ولو سهويا ففي مثله وان احتمل وقوع الاوليين على وفق امرهما الا انه مالم تجر قاعدة التجاوز في الاخيرة لايقطع بشمول دليل التعبد في البقية من جهة احتمال بطلان الصلوة وفي هذه الصورة تجري قاعدة التجاوز في الاخيرة وبه يتحقق موضوع التعبد من الصلوة الصحيحة في البقية، وفي جريان اصالة التجاوز فيها ايضا كي ينتهي امر الجمع الى التساقط والحكم ببطلان الصلوة اشكال اذ من المعلوم ان وجود جريان الاصل في البقية مستلزم لعدمه وهو محال وذلك المقدار يكفي مرجحا لجريان الاولى بل وفي واحد آخر من البقية ايضا بنحو الاجمال ويسقط الاصل عن غيره فيحكم بقضائهما ايضا وسجدات السهو كما هو ظاهر.
(٣) ولو تذكربعد الصلوة بكون لباسه غير مذكى ولو كان حين الصلوة آتيابها من جهة وجود امارات التذكية من مثل السوق واليد ولو بضم معاملة ذي اليد معه معاملة المذكي او كان مما صنع في ارض الاسلام ولو من جهة وجود اثر فيه حاك عن جريان يد مسلم عليه بناء على التحقيق من كون مثل هذه امارات التذكية وان ما هو شرط في الصلوة هو التذكية لا ان المانع خصوص عنوان الميتة محضا جمعا بين مجموع الاخبار المختلفة في الباب كما لايخفى على من لاحظها.
ففي الاجتزاء بالماتي به من الصلوة اشكال لظهور قوله إلا ما ذكيتم في شرطية التذكية واقعا وبه يحمل قوله في رواية ابن بكير «الا ما علمتم انه ذكى» على كون العلم في القضية اخذ غاية للحكم الظاهري كان بالنسبة الى الوظيفة الواقعية طريقا محضا كما هو الشأن في قوله «حتى يتبين لكم الخيط» و«حتى تعرف انه حرام» ولذا اقيمت ساير الامارات المستفادة من بقية الاخبار طريقا اليها وقائمة مقام العلم المزبور ولازم هذه الجهات عدم الاجتزاء بالماتي به وان لم تكن ميتة نجسة بان يكون مما ليس لها نفس سائلة او كانت بخسة ولم يعلم وجودها من الاول اذا المعذورية من جهة النجاسة لايقتضي المعذورية عن حيثية المذكى.
هذا كله لولا شمول عموم لاتعاد لغير مورد النسيان من الجهل بالموضوع بل الحكم ايضا في ظرف قيام الامارة الامرة بالمعاملة معه معاملة المذكي اذ مثل هذا الامر بملاحظة استناده بالاخرة الى الغفلة كان موجبا لالحاق مورده بها كما هو الشأن فيما لو بنى على الوجود بقاعدة التجاوز او العدم بقاعدة الشك في المحل في فرض مخالفتهما للواقع. نعم لولا مثل هذه الامارات اشكل التمسك بعموم لاتعاد بمحض الشك وذلك لا للمناقضة مع دليل الجزئية او الشرطية كيف ويمكن ان يكون من باب تمت صلوته بل من جهة اختصاص العموم بقرينة ذيله بصورة السهو او مايلحق به ولقد حققنا بيانه في مباحث الخلل في الصلوة فراجع.
(٤) ولو جهل ان اللباس مما يؤكل لحمه ام لا يؤكل فان علم اخذه من وبر حيوان معين شك في حلية لحمه او حرمته حكميا كان او موضعيا فلا شبهة في ان عموم الحلية للمشتبه يقتضي الحاقه بالمأكول بناء على حمل العموم على بيان التعبد بالحلية الواقعية عند الشك في الحرمة كما هو الشأن في عموم كل شيء طاهر بقرينة ذيله والا فمجرد الترخيص على الارتكاب ظاهرا لايقتضي الحكم بصحة الصلوة بناء على ظهور الدليل في شرطية الحلية الواقعية للحم الشيء او مانعية الغير المأكول كذلك.
وتوهم ان موضوع الكبرى اعم من الحلية الواقعية او الظاهرية مدفوع بانه خلاف الظاهر وخلاف مافهمه الاصحاب من امثال هذه الكبريات في ساير المقامات.
ونظير هذا التوهم توهم كون المراد من الحلية بمعناه اللغوي من النفوذ والامضاء كي يكون مفاد مثل هذا العام ضرب قاعدة في كل ماشك في صحته وفساده كيف ولازمه كون الاصل في العبادات والمعاملات هو الصحة حتى مع عدم العموميات بل وفي الشبهات الموضوعية في الشرايط ولايظن التزامه من احد.
واشكل من الجميع التمسك بالعموم المزبور في صورة العلم بالفرد المأكول وغيره والشك في ان الوبر مأخوذ من ايهما اذ في مثل تلك الصورة لايكون الشك متعلقا بعنوان متعلق الحلية والحرمة وانما تعلق بعنوان مااخذ منه الوبر وهو ليس بموضوع للاثر اصلا وموضوع القاعدة هو صورة تعلق الشك بالعنوان المزبور(١)
____________________
(١) اللهم ان يدعي اختصاص الراوية بقرينة ذيلها بخصوص مشكوك الحرمة ولوغيريا الملازم مع مشكوك المانعية فانه ح يختص الرواية بخصوص مشكوك المانعية ولاتشمل الشرطية كما لاتشمل المعاملات التي يكون المانع فيها من موانع اصل التكليف بالوفاء بمضمونها الغير الموجب لحرمته غيرياً فانه ح لابأس بالتمسك بمثل هذه الراوية في امثال المقام (منهقدسسره ).
وعليه فلا محيص من المصير الى ساير الاصول فنقول ان من المعلوم اختلاف مقتضيات الاصول على شرطية المأكول او مانعية الغير المأكول اذ على الاول لابد من تحصيل المفرغ عما اشتغلت الذمة يقينا ومع الشك المزبور يشك في الفراغ مع عدم اصل موضوعي يثبت المأكولية وهذا بخلافه على المانعية اذ مرجع
الشك فيها الى الشك في توجه الامر باجتنابه زائدا عما علم وجوبه فالبرائة عقليها ونقليها خصوصاً مثل حديث الرفع يكفي في نفي العقوبة عن قبله نعم لو كانت المانعية مشروطة كالشرطية بكون شخص الملبوس حيوانيا يشكل جريان البرائة عن مثله اذ في فرض الحيوانية نقطع بتنجز وجوب الاجتناب عن غير المأكولية في شخص هذا اللباس ولايتصور لمثله فردان معلوم الفردية ومشكوكها وح يجب احراز عدم كون صلوته هذه في غير المأكول ولايجدي ح حديث الرفع عن المشكوك لعدم الشك في اصل توجه النهي ح فحال مثل هذا النهي حال الامر به على الشرطية في عدم انحلاله الى الاقل والاكثر و ح فلو كا مورد السؤال في راوية ابن بكير صورة لبس الحيواني لامجال للاخذ باطلاق نهيه عن غير المأكول والحكم بالمانعية المطلقة كما انه لا معنى لشرطية المأكولية مطلقا وعليه فلا محيص عن المصير الى غير حديث ابن بكير او غير حديث الرفع من سائر الاطلاقات الناهية او الاصول الموضوعية.
وح لاباس بدعوى جريان اصالة عدم اتصاف اللباس بكونه مما حرم الله اكله بنحو السلب المحصل كاصالة عدم القرشية وبذلك يحرز موضوع الصحة من وقوع الصلوة فيما لم يتصف بكونه غير مأكول واحسن منه مالو كان الموضوع صلوة لم تقع فيما هو محرم الاكل كما هو الظاهر من النهي عن الصلوة فيه بان اصالة عدم وقوع الصلوة فيه تثبت الموضوع المزبور.
ومن التأمل فيما قلت يظهر النظر فيما افاده جملة من الاعلام في هذا المقام بلا احتياج الى ذكر انظارهم في هذا المختصر.
ثم انه لو ظهر خلاف المأكولية بعد صلوته فان كانت صلوته فيه مستندة الى غفلته عنه مع فرض طهارته فلا شبهة في انها مشمولة عموم لاتعاد كما هو الشأن في جميع الاجزاء والشرائط المنسية الغير الركنية وان كانت مستندة الى اصل موضوعي في ظرف الجهل بموضوعه فمقتضى القاعدة كما عرفت عدم الاجزء الا ان مقتضى بعض النصوص عدم اعادة الصلوة في عذرة الكلب والسنور عند عدم العلم بها وظاهر جعل الروث والبول في عداد ساير اجزائه في راوية ابن بكير تسوية الحكم في الجميع ويتعدى ح من الروث الى ساير اجزائه، فيحكم ح بالاجزاء في
خصوصه. بل ومن تلازم الجهتين في الحكم الفعلي يستكشف العفو عن نجاسته مطلقا، لولا دعوى انصرافها الى صورة عدم العلم به من الاول فلا يشمل ح صورة النسيان المسبوق بالعلم به، كما ان عموم لاتعاد ايضاً قاصر المشول لجهة نجاسته اما تخصيصا او تخصصا، فحينئذ يشكل الصحة في صورة النسيان كما هو الشأن في الصلوة في ساير النجاسات والمتنجسات خلافا للمحكي عن الشيخ مستند الى جملة من الاخبار البالغة حد الاستفاضة الحاكمة بعدم البأس في حال النسيان والمانع عن الاخذ بمضمونها اعراض المشهور والا فيمكن الجمع بينها وبين مادل على وجوب الاعادة مثل المضمرة المعروفة في باب الاستصحاب واخبار النسيان عن الاستنجاء بضميمة الحاق غيره بعدم القول بالفصل، على الاستحباب لدرك المزية الفائتة.
(٥) اذا جهر في موضع الاخفات وبالعكس فان كان ذلك عمداً فعليه الاعادة والا فلا شيء عليه والاصل في ذكل ما في صحيحة زرارة «في رجل جهر بالقرائة فيما لاينبغي ان يجهر او اخفى فيما لاينبغي الاخفاء فيه فقال أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلوته وعليه الاعادة فان فعل ذلك ناسيا او ساهيا اولا يدري فلاشيء عليه وقد تمت صلوته» واطلاقه يشمل الجاهل بالحكم قصوراً ام تقصيراً.
بل مجرد الحكم بتمامية الصلوة ايضا لاينافي مع بقاء الامر بوظيفته الواقعية على حاله غاية الامر لما لايتمكن عن تحصيل المبرئية الزائدة الفائتة بعمله استحق للعقوبة على تفويتها بتقصيره ومع ذلك تمت صلوته في اسقاط قضائه.
كما ان الظاهر مما لاينبغي الجهر به مالاينبغي من اجل صلوته ولو لخصوصية كونه جماعة واماما لاينبغي به الجهر من اجل جهة اخرى مثل سماع اجنبي صوتها ففي شمؤول الراوية لمثله اشكال. وايضا مقتضى اطلاق الرواية شموله لصورة بقاء المحل وعدم الدخول في الركن ولازمه استكشاف كون الجهر بالقرائة من شرائط نفس الصلوة لا القراءة اذ ح كانت القراءة الشخصية فاقدة للجهر مع كونه جزءا واقعا في محله ولازمه كون تركه عمداً مخلا بالصلوة وبغير العمد غير مخل بها بمقتضى النص المزبور ولايبقى ح مجال احتمال تكرار القرائة لكونه زيادة عمدية بل وعلى فرض عدم صدق الزيادة عليه لايبقى مجال تكراره ايضا بعد وقوع المأتى به على صفة الجزئية اذ ح لايبقى محل لتدارك الجهر لان المأتى به ثانيا ليس بجزء كي يكون جهره شرطا فيه.
ومن هذا البيان امكن دعوى اطلاق الراية حتى صورة التذكر في اثناء القرائة ايضا اذ دليل
الزيادة وان لا يشمل تكرار بعض القرائة لانه منصرف بصورة زيادة ما اعتبر في الصلوة جزء او بعض القرائة ما اعتبر كذلك ولذا لو تكرر عمدا ايضا لابأس به ولكن مع ذلك نقول ان وجود جزء القرائة لووقع على صفة الجزئية لها فقد فات فيه محل الجهر والاخفات فلايبقى بعد مجال لتداركها كما لايخفى هذا.
ومن هذا البيان ايضا ظهر حال فقد بعض الشرائط المعتبرة في اصل الصلوة ولكن كان محلها بعض اجزائها كالطمأنينة في افعاله وذكر السجود والركوع وامثالهما فيهما فانه عند فوت محالها لايبقى مجال لتداركها ولو لم يدخل في ركن اخر.
وعمدة النكتة فيه هي ان الافعال التي هي محال هذه الامور بعدما وقعت باطلاقها على صفة الجزئية لايبقى محل لتدارك الشرايط او الاجزاء المزبورة ولان شئت توضيحه نقول بان محلها هو شخص هذا الفعل المأتى به والمفروض ان في شخصه قد نسى الامر الكذائي من الطمأنينة ام غيرها وبمقتضى لاتعاد سقطت شرطيتها المستلزم لوقوع الجزء المزبور على صفة الجزئية ولازمه عدم بقاء محل بعد لتدارك الشرايط المزبورة كما لايخفى.
(٦) لو كان في الركعة الرابعة وشك في ان شكه السابق الذي كان بين الاثنين والثلاث كما قبل اكمال السجتدين ام بعدهما بنى على الثاني لا من جهة اصالة تأخر الحادث، اذ ليس له مأخذ الاعلى مثبتية الاصل بل من جهة ان مقتضى عموم ابن على الاكثر البناء عليه في جميع الركعات غاية الامر خرج عن مثله الشك في الاوليين ولو من جهة مانعية الشك عن وقوع الافعال في حال وجوده على صفته الجزئية على مايأتي بيانه انشاء الله.
فاصالة عدم كون شكه هذا شكاً حادثاً في الاوليين يثبت موضوع البناء على الاكثر لانه كل شك لم يحدث في الاوليين فبعضه محرز بالوجدان وبعضه بالاصل كما لايخفى.
(٧) ولو حدث الشك بعد السلام في انه صلى اربعاً ام ثلاثاً يبني على تمامية صلوته لعموم قوله كلما مضى من صلوتك وطهورك فامضه كما هو ولاشيء عليه وادلة البناء على الاكثر غير شاملة لهذه الصورة لان موردها هو الشك الحادث حين الصلوة وقبل السلام المفرغ وما نحن فيه لم يعلم انه منه فالمرجع ح هو قاعدة البناء على وجود ما احتمل فوته من صلوته لقاعدة الفراغ وبهذه الجهة نقول بعدم الاعتبار بالشك الحادث بعد السلام.
ولوشك في ان حدوث هذا الشك قبل السلام ام بعده فقاعدة البناء على وجود الركعة غير جارية في المقام لانه لايحرز كون سلامه هذا بل وتشهده وقع في الرابعة الموجودة ولاتجري هذه
القاعدة في نفس التشهد والسلام ايضا لعدم الشك في وجودهما ولا قاعدة الفراغ لعدم احراز حدوث الشك بعد الفراغ عنها لاحتمال كونه في محلهما فتأمل وبه يمتاز هذا الفرع عنها عن الفرض عنها لاحتمال كونه في محلهما فتأمل وبه يمتاز هذا الفرع عن الفرض السابق وتوهم ان في المقام شكين احدهما متعلق بالاخر وان الثاني حادث بعد العمل ومن هذه الجهة يشمله عموم فامضه كما هو مدفوع بان العموم المزبور متكفل لرفع النقص المتعلق للشك الحادث بعد العمل وفي المقام نقص الصلوة من جهة الركعة المتصلة لم يكن متعلق الشك الحادث بعد العمل فهذا النقص لابد من سد بابه وعليه فمقتضى الاشتغال بهذه الصلوة تحصيل المفرغ ولايحصل الا بالاتيان بركعة احتياطية للعلم الاجمالي بانطباق احدى القاعدتين على المورد وعلى فرض اتيانه بركعة الاحتياط يقطع اجمالا بحصول المفرغ عن النقص الواقعي ولو ظاهراً عن صلوته وهذا بخلاف مالو لم يأت به اذ لايحرز الفراغ عن الصلوة من حيث احتمال النقص الواقعي بعموم امضه كما هو كما انه لايحرز ايضا بقاعدة البناء على وجود الركعة كون سلامه في محله من كونه في الرابعة المبني على ثبوت رابعية الموجودة الغير الصالح القاعدة المزبورة من اثباتها.
وبهذه النكتة ايضا نقول بان الاصل في الشكوك الغير المنصوصة في الركعات هو البطلان وذلك لان السلام اذا كان وجوبه مشروطا بكونه في الركعة المحكومة بالرابعية بنحو مفاد كان الناقصة فاصالة عدم الاتيان بالرابعة لاتثبت رابعية الموجودة اذ الاصل المزبور يرفع الشك في وجوده بنحو مفاد كان التامة ولايثبت بمثله ان الموجود رابعة ووجوب التشهد والسلام وجزئيتهما مبنية على اثبات هذه الجهة كما هو ظاهر على من راجع كبريات الباب فكان المقام من هذه الجهة نظير استصحاب وجود الكر الغير المثبت لكرية الموجود ونظيره اصالة عدم الخامسة والسادسة وهكذا.
ومن هذا البيان اتضح فساد توهم ان الصلوة عبارة عن اربع ركعات لم تزد عليها ركعة اخرى ومثل هذا الموضوع يحرز بالوجدان بضم اصالة عدم الزيادة اذ ذلك صحيح في فرض كون جزئية التشهد والسلام من تبعات وجود الرابعة ولم تزد عليه الركعة او ركن آخر وام لو كان من آثار رابعية الموجود فاصلة عدم الزيادة لاتثبت هذه الجهة فيشك ح في ان سلامه الواقع منه في هذ الركعة واقع على صفة الجزئية.
نعم لولا كون السلام من كلام الادميين المبطل وجوده في غير محله عمداً امكن تصحيح مثل هذه الصلوة باتيان تشهد فيها رجاء ولكن مثل هذه الطريقة لاتصلح امر السلام الذي هو كلام
آدمي مبطل للصلوة التعمد به ولو رجاء ومن هنا نقول بانه لاتصلح الصلوة عند الشك في الثانية والثالثة ايضا باصالة الاقل واتيان التشهد فيه اذ غاية ما في الباب تصحيح الركعة الثانية بتبعاتها واما بعد انتهاء النوبة من قبل هذا الشك في رابعية الموجود بعدها يستشكل الامر في السلام لان امره دائر بين المحذورين من الجزئية والمانعية بذاته لابعنوان كونه زيادة في صلوته كي يصلحه مجرد اتيانه برجاء الواقع لابقصد الجزئية كما هو ظاهر وليكن مثل هذه القاعدة في ذكرك كي لاينتهي الامر في مورد سقوط اصالة البناء على الاكثر بالمعارضة الى اصالة الاقل فضلا عن الرجوع اليها في الموارد الغير المنصوصة رأسا وبمثل هذا البيان ينبغي فهم مدرك بناء الاصحاب على اصالة البطلان في الشك في الركعات الا في المنصوص منها.
وتوهم ان الشبهة السابقة جارية في المنصوصة من الشكوك مدفوع جدا اذ مفاد النصوص الخاصة طرأ على البناء على اكثرية الموجود او اقليته من الرابعة ام غيرها لامجرد البناء على وجود الاكثر والشاهد على ماذكرنا ان طرفي الشك في هذه الروايات طرأ هو الثالثة والرابعة وامثالهما ولايمكن ذلك الا بكون الشك المأخوذ فيها هو الشك في مفاد كان الناقصة والا فلو كان متعلق الشك مفاد كان التامة فلا تكن الثالثة عند الشك في الثلاث والاربع مثلا طرف الشك بل الثلاث مقطوع الوجود والشك متعلق بطرفي وجود الرابعة وعندمها ومثل هذه النكتة دعانا على حمل النصوص الخاصة على بيان ضرب القاعدة في الشك في اكثرية الموجود وبمثلها تثبت ح جزئية السلام الواقع فيها كمالايخفى فتأمل في المقام فانه من مزال الاقدام.
(٨) ولو شك في العشاء بين الثلاث الاربع وعلم بانه سهى عن المغرب لاشبهة في انه لامجال ح للعدول الى المغرب حتى لو كان شكه حال القيام بعد هدمه لان الشك المزبور مبطل لها فلا يبقى مجال تصحيح المعدول اليه ح واما اتمامه فان كان الشك المزبور قبل سلامه فلا شبهة في عدم امكان تصحيحه لشرطية الترتيب المفقود في المقام. وتوهم ان ذلك صحيح على فرض كون مدرك اعتبار الترتيب عموم قوله «الا ان هذه قبل هذه» الواردة في اخبار الاشتراك ولكن مثلها معرض عنها لدى المشهور وعمدة الدليل على الترتيب هو اخبار العدول المنصرفة الى صورة امكانه ومع عدمه فلا ترتيب في البين فتصح ح صلوته عشاء، مدفوع بان بناء الاصحاب ليس على طرح الاخبار المزبورة سندا وانما نظرهم الى طرحها دلالة جمعا بينها وبين رواية داود الفرقد بحمل دخول الوقتين على التعاقب وح فلا قصور في دلالتها على اعتبار الترتيب مطلقا نعم لوتذكر بعد السلام فمقتضى عموم لاتعاد سقوط الترتيب ولكن ذلك ايضا على فرض كون
مقتضى البناء على الاكثر اتمام هذه الصلوة وكون الركعة الاحتياطية غير محكومة بحكم الجزئية والا فبناء على اجراء احكام الجزئية عليها من مثل قاطعية الحدث بين الصلوتين وامثالها فيشكل ايضا حكم الشك الاوقع بعد السلام المزبور كما لا يخفى هذا ومن التأمل فميا ذكرنا كله يظهر وجه احتياط سيد الاساطين في عروته باتمام هذه الصلوة عشاء واعادتهما والله العالم باحكامه.
(٩) اذا تذكر في اثناء العصر انه ترك ركعة من الظهر فلامانع من رفع اليد عنها واتمام الظهر لعدم قصور في اتمام ظهوره بعد الجزم بعدم كون المأتى به من صلوته ماحيا لصورة صلوته وغاية مافي الباب اضراره بموالاتها الغير المضر في فرض نسيانه بعموم لاتعاد.
ويحتمل العدول قبل الدخول في ركوع الركعة الثانية الى صلوة الظهر بجعل مافي يده ظهرا من جهة بعض النصوص الخاصة فان تم فهو والا فللنظر فيه مجال لعدم جريان قواعد العدول في المقام اذا الظاهر منها جعل تمام المأتي به ظهرا وهذا المعنى في المقام يقتضي زيادة تكبيرة الاحرام الواقع فيه فيه المضر بها ولو سهوا كما لايخفى نعم لو فرغنا عن فساد المأتى به اولا من الظهر كان للعدول ح وجه ولكن انى لنا باثباته.
(١٠) لوصلى صلوتين وعلم بنقصان ركعة من احديهما فان كان بعد المنافي ولو سهوا فيجب اتيان اربع ركعات بقصد مافي الذمة للعلم الاجمالي بفساد احديهما الكافي في المتجانسين، وفي المتخلفين لابد من تكرارها تحصيلا للجزم بالفراغ. واما ان كان قبل المنافي كذلك فلاباًس باتيان ركعة بقصد مافي الذمة مطلقا بعد الجزم بعدم افساد الصلوة في الصلوة في صورة السهو الموجب لرفع مانعية السلام الذي هو كلام آدمي وكذلك شرطية الموالات على فرض حصول فقدها لها كما هو ظاهر وح يظهر مما ذكرنا وجه التأمل فيما في العروة الوثقفى في هذا المقام وان التزم بما ذكرنا في مقام آخر فراجع كلماته.
وعلى أي حال لا مجال للعدول في المقام ولو رجاء الا على فض تصحيحه حتى بعد تمام الصلوة ولاا ففي فرض كونه حال الاشتغال بالثانية يجزم بتمامية المعدول الايه فلا عدول ح جزما اما لخروج محل العدول بتمام الثانية او وقوع المعدول اليه تماماً بنقص الثانية وذلك ظاهر هذا.
وان كان التذكر المزبور قبل سلام الثانية يبني على وجود الركعة في الاولى لقاعدة الفراغ ويأتي بالركعة المشكوكة فيما بيده من الصلوة للجزم بعدم اتيانه على وفق امره من جهة ضم احتمال فقد الترتيب باحتمال عدم اتيانه فيه رأسا غاية الامر يحتمل عدم وجوبه من جهة احتمال فقد الترتيب وهذا الاحتمال مدفوع بقاعدة التجاوز بالنسبة الى الاولى.
ولو كان التذكر المزبور بعد سلام الثانية وقبلسلام الاولى فحكمه الاكتفاء بركعة واحدة بنية الاولى لكون شكه هذا فيها ولا تجري معه قاعدة الفراغ فيها وقاعدة التجاوز ايضا غير جارية في الركعة كما سنشير فتبقى قاعدة الفراغ في الخيرة بلا معارض نعم بينهما فرق من جهة عدم لزوم سجدتي السهو في المقام لاحتمال عدم زيادة شيء بخلافه في الفرع السابق اذ يعلم اجمالا بزيادة سلام سهوا فتجب سجدتي السهو له كما هو ظاهر.
(١١) اذا شك بين الثلاث والاربع وشك ان مابيده من الركعة آخر صلوته او اول صلوة الاحتياط يرجع شكه الى الشك في اتيان بقية اجزاء صلوته في محلها مع عدم احراز الدخول في غيرها ففي هذه الصورة يبنى على عدم الاتيان بقاعدة الاشتغال بل ومفهوم قاعدة التجاوز بعد اصالة عدم الدخول في غيره المحرز لموضوعه.
وتوهم ان مثل هذه القواعد لايثبت رابعية الموجود فيشكل امر سلامه مدفوع في خصوص المقام المعلوم وجود السلام في محله على فرض عدم كون الركعة المأتية رابعة كما هو ظاهر. وحكم في العروة ـ الوثقى بالاحتياط باعادة الصلوة ايضا ولعله لمراعات احتمال زيادة التكبيرة بناء على كونه جزء صلوته او محكوما بحكم الجزء وهو في غاية الضعف.
(١٢) اذا شك ان مابيده رابعة المغرب او انه سلم على الثلاث وهذه اولى العشاء فان كان بعد دخوله في ركوع هذه الركعة فلا مجال ح لجريان قاعدة الفراغ عن المغرب للشك في فراغه عنه ولم يحرز ايضا كون قيامه هذا قيام عشاء مرتب على مغربه كي تجري قاعدة التجاوز في سلام مغربه فح فلا محيص من قطع صلوته هذه لعدم طريق الى تصحيحها حتى بالعدول كما هو ظاهر.
واما لو كان شكه قبل الدخول في ركوع هذه الركعة فيهدم القيام ويتم الصلوة مغربا كما في العروة ووجهه ظاهر من جهة قاعدة الاشتغال واصالة عدم الدخول في الغير المحرز لموضوع قاعدة التجاوز، بل واستصحاب عدم الاتيان بالرابعة مع عدم اضرار الشك في رابعية الموجود في تحصيل الجزم بالفراغ بسلامه للقطع بان سلامه وقع في محله على أي حال كما تقدم نظيره، وفي وجوب سجدتي السهو لقيامه المهدوم في المقام اشكال لعدم احراز سهويته في صلوته بمقتضى الاصول السابقة والاصل البرائة عنه.
ونظير الفرع السابق حال لو شك في ان ما بيده اخر ظهوره او اولى من صلوة عصره فانه يتم صلوته ظهراً لقاعدة الاشتغال وغيرها من القواعد السابقة ولا فرق في الاتمام المزبور في المغرب ايضا
بين صور جزمه بعدم ركوعه او شكه فيه اذ على أي حال يشك في اتيان التشهد والسلام في المغرب بعد هدم قيامه.
وتوهم انه بعد الهدم بان هذا الجلوس جلوس في صلوة المغرب ام جلوس في عشائه وفي مثله لم يحرز محل التشهد والسلام كما ان استصحاب عدم اتيان التشهد ايضا لايثبت كون ذلك جلوس مغرب يجب فيه التشهد والسلام مدفوع بان مجرد عدم احرازه تفصيلا لايضر بالجزم بالمفرغية للعلم الاجمالي بوجود المفرغ منه اما سابقا او بهذا التشهد والسلام وذلك ظاهر.
ونظيره في اتمام الظهر في الفرع الثاني مالو علم اجمالا بانه على فرض كون ما بيده ظهرا كان قيامه هذا قياما قبل ركوعه وعلى فض كونه عصرا كام قياما بعد ركوعه اذ ح يجب اتمام هذه الصلوة ظهرا بركوعه للشك في ركوع هذه الركعة وتوهم ان قاعدة الاشتغال بل وساير القواعد لايقتضي كون قيامه هذا قيام حال ذكره وقرائته كي يجب الركوع عنه مدفوع بان محل الركوع واقعا الذي امر به هو مطلق كينونته عن قيام بعد ذكره وقرائته لاخصوص القيام المتصل بقيام حال ذكره وقرائته والشاهد على ذلك مالونسى عن ركوعه الى ان جلس للسجدة فانه مع تذكره يجب العود الى القيام فيركع عن قيام وح يكفي لاحراز محل الركوع مجرد احراز كونه قبل الدخول في السجدة الاولى على المشهور او الثانية على المختار وذلك واضح.
(١٣) ولو شك في الدخول في السورة ولكن يعلم انه على فرض الدخول في السورة اتى بالحمد وهكذا في الشك في كل فعل متأخر مع العلم بانه على فرض الدخول قد اتى بسابقه ومع عدمه لم يأت به جزما ففي هذه الصورة كان المرجع في مشكوكه قاعدة الاشتغال واستصحاب عدمهما. واما مفهوم قاعدة التجاوز ولو بضميمة اصالة عدم الدخول في الغير غير جارة لان في ظرف عدم الدخول في الغير واقعا لاشك في عدم اتيانه فلايبقى مجال تطبيق مفهوم القاعدة على المورد ولو بضم الاصل الموضوعي للعلم بعدم الشك في ظرف عدم الدخول كي يترتب هذا الامرعلى الاصل المزبور وذلك ظاهر وعليه فانما يحتاج الى هذا الاصل في فرض الشك في الوجود حتى في ظرف عدم الدخول في غيره كما لايخفى هذا.
(١٤) ولو تذكر بعد الدخول في السجدة الاولى او بعد رفع الرأس منها وقبل الدخول في الثانية انه لم يركع فعن المشهور الحكم ببطلان الصلوة تمسكاً بظواهر مادل على بطلانها بفوت الركوع ونسيانه ولكن يمكن دعوى منع صدق الفوت بمجرد الدخول في السجدة االولى لان تداركه لايوجب الازيادة سجدة وادحة ولاتعاد الصلوة من سجدة وتعاد من ركعة وذلك المقدار لا اشكال فيه ظاهر.
وانما الكلام في امثال المقام في جهة اخرى لاباس بالتعرض لها وجوابها وهو ان الزيادة اللازمة على فرض التدارك حفظا للترتيب على أي واحد تنبق فهل هو منطبق على اول الموجودين او ثانيهما او على احدهما بلا عنوان فان انطبق على اول الوجودين نظرا الى كونه في غير محله فلازمه في فرض الدخول في الركن اللاحق بطلان الصلوة ولو كان الفائت غير ركن لصدق زيادة الركن في صلوته ولو سهوا ولامجال ح ايضا لاستناد بطلانها الى فوت الركن ابدا لان فوت محله بالدخول في الركن بعده فلو كان مثل هذا المدخول زيادة فلا جرم يكون وجودها في رتبة سابقة عن فوت الركن فيكون بطلان الصلوة مستنداً الى اسبق العلتين وهو كما ترى بل خلاف ظاهر رواية ابي بصير حيث رتب اعادة الصلوة على فوت الركوع ونسيانه.
وان انطبق على ثانيهما يلزم صدق الزيادة العمدية على مايتدارك عند فوت سابقه كما لو تذكر بعد اتيان التشهد بفوت سجدة واحدة فانه يجب اتيان السجدة وما بعدها من التشهد ليضع كل شيء في محله مع انه ليس كذلك جزما بل خلاف قوله ليضع كل شيء في محله فان ظاهرة كون الوجودات الماتية ثانية واقعة على صفة الجزئية بلا صدق الزيادة عليها وهو موجب لكون الزيادة هو الماتي به اولا ولقد تقدم مافيه ايضا وان كانت الزيادة احدهما بلا عنوان فلازمه عدم صدق التعمد به الا بالالتفات الى تكرر الوجود من اول الاتيان بهما والافلو اتى بالحمد مثلا بانيا على الاقتصار عليه ثم بداله اتيانه ثانيا يلزم ان لاتصدق الزيادة العمدية لعدم التفاته الى تكرر الوجودين من حين الشرع وهو كما ترى.
وحل الاشكال بان يقال ان من المعلوم ان الترتيب بعدما كان شرط اصل الصلوة قبال جزئية ذوات الافعال منها نقول من المعلوم ان عنوان الزيادة انما تنطبق على كل فعل وقع في غير محله ومن المعلوم ان وقوعه في غير المحل فرع كونه فاقدا للترتيب وفقدانه للترتيب فرع بقاء الفاقد علي امكان تداركه ببدله اذ ح مقتضى الامر بتحصيل الترتيب اتيانه ثانيا فلازمه ح انطباق الزيادة على اول الوجودين. نعم لو لم يمكن تحصيل الترتيب المامور به من جهة استلزامه زيادة الركن فيستحيل ح وجوب تحصيل الترتيب في هذه الصورة اذ يلزم من الامر به عدمه فلازمه عدم القدرة على تحصيل الجزء السابق فيستكشف اناً بحكم لاتعاد خروجه عن الجزئية فيلزمه كون اول وجود الركوع في محله، نعم مع فوت الركن يستند البطلان الى فوت الركن لعدم سقوطه عن الجزئية بحكم لاتعاد.
فان قلت ان الترتيب نظير الطمأنينة وامثالها من واجبات الصلوة في واجب اخر فمجرد اتيان جزء ولو غير ركني فاقدا للترتيب يستحيل تحصيل الترتيب في شخص هذا الجزء كاستحالة تحصيل
الطمأنينة في شخص القيام المأتى به وامثاله فيسقط ح شرطية ترتيبه ولازه وقوعه في محله وبمثله يفوت الجزء الاخر ايما كان اذ بتداركه تلزم الزيادة العمدية في فعل ما اتى به ثانيا.
قلت مجرد اتيان الثاني قبل الاول انما يقع جزء على فرض سقوط الفائت عن الجزئية والا فمجرد استحالة الترتيب في شخصه لايوجب الا سقوط اعتبار ترتبه على غيره لانفي اعتبار وجود الغير رأسا فالوجود الاخر ح باق على جزئيته فيجب ح اتيانه مرتبا المستلزم لكون الاول زائدا او واقعاً في غير محله ومن هذه الجهة كم فرق بين الطمأنينة والتريب اذ فوت الطمأنينة في غير محله ومن هه الجهة كم فرق بين الطمأنينة والترتيب اذ فتو الطمأنينة في فعل لايقتضي فوت فعل اخر والمفروض ان طمأنينة شخص هذا غير معتبر لنسيانها فيقع الفعل الفاقد لها في محله وهذا بخلاف مانحن فيه اذ فوت الترتيب مستلزم لفوت جزء اخر ويجب مراعات الترتيب في الجزء الفائت لا الجزء المأتى به فمهما امكن مراعاته فيه فيجب تكراره المستلزم لوقوع الاول زيادة ومهما لايمكن مراعاته في الفاقد ايضا ولو من جهة استلزام وجوده بطلان الصلوة فيفوت الجزء السابق ترتيبه من جهة استحالة تحققه وح ان كان الفائت ركنا فتبطل الصلوة والا فيسقط الفائت عن الجزئية وتصح الصلوة كما اشرنا اليه.
ومن هذا البيان ايضا ظهر وجه انطباق الزيادة في بعض الاحيان على الوجود الثاني اذ هو في كل مورد اتى الجزء في محله واجدا لترتيبه اذ ح يكون الثاني غير معتبر في صلوته فيكون زيادة مبطلة على فرض عمديته والله العالم.
(١٥) اذا شك بين الاثنين والثلث بعد اكمال السجدتين وعلم بعدم اتيان التشهد في هذه الصلوة فان قلنا ان مقتضى البناء على الاكثر بالملازمة التنزيلية الحكم بمضي محل التشهد فلا بأس بتصحيح صلوته وقضاء التشهد وسجدتي السهو ايضا والافتقع المعارضة بين اصالة وجوب التشهد مع البناء على الاكثر للعلم بلزوم زيادة تشهد او نقص ركعة وفي مثله لايبقى مجال المصير الى قاعدة الاشتغال بالتشهد واستصحاب عدم الثالثة وذلك ايضا لامن جهة عدم اثباته ثانوية الموجود بلحاظ اثبات وجوب التشهد فيه اذ التشهد المأتى بقاعدة الاشتغال يؤتى رجاء وبمثله بضميمة قضائه بعد الصلوة يحصل الفراغ القطعي عن قبله، بل من جهة انتهاء امر هذا الشك بالاخر الى رابعية المأتى به بعده فيشكل ح امر سلامه لكونه كلام ادمي يدور امره بين المحذورين كما لايخفى هذا.
ومن هذا الباب كل مورد شك بين الاقل والاكثر واحتمل فوت شيء على فرض كونه اقل مع
بقاء محلها الذكرى فان اصالة وجوب اتيانه في محله تعارض مع قاعدة البناء على الاكثر فلايبقى مصحح ح لصلوته بعد سقوط اصالة الاقل عن الاعتبار في كلية الشك في عدد الركعات بمقتضى البيان السابق هذا.
ولكن هذه القاعدة انما تتم في العلم الاجمالي بزيادة الركن ونقص الركعة وفي مثله ايضا لاتجري قاعدة البناءعلى الاكثر لعدم احراز الصحة من غير جها نقص الرعة والقاعدة المزبورة مختصة بهذه الصورة وذلك ايضا على فرض اتيان الركن بقصد الجزئية والا فلايوجب مثله بطلان صلوته واما في غير الركن فالظاهر عدم البأس باتيانه بقصد الجزئية فضلا عن اتيانه بقصد مافي الذمة ولايضر العلم بالزيادة او النقيصة في المقام من جهة ان الزيادة المأتية بملزم شرعي ام عقلي محكومة بالزيادة السهوية وح لايضر به العلم الاجمالي المزبور كما لايخفى ولكن يلزم في البين علم اجمالي آخر بوجوب سجدتي السهو اونقص الركعة فاصالة الاكثر والبرائة عن السجدتين متعارضتان فلا مجال ح لتصحيح الصلوة بعد سقوط الاصول في الركعات واليه اشرنا في حاشية العروة في الفرع الحادي عشر فراجع.
(١٦) اذا شك في حال القيام في انه قبل الركوع من الرابعة او بعد الركوع من الثالثة، ففي العروة الوثقى: يبنى على الاربع ويبنى ايضاً على عدم اتيان الركوع للشك فيه وهو في محله.
ولو كان الامر بالعكس بان يكون شاكا في كونه قبل الركوع من الثالثة او بعد الركوع من الرابعة فيحتمل البناء على الاربع بلا ركوع لانه ظرف شكه المحكوم بالبناء عليه ويحتمل عدم اقتضاء البناء على الاكثر وجود الركوع فيقع ح التعارض بين اصالة وجوب الركوع المشكوك في محله مع قاعدة البناء على الاكثر هذا ملخص ما افاد.
اقول: لايخفى ان الحكم بالبطلان في الفرض الاخر مبني على ما اشرنا سابقا من عدم تمامية البناء على الاقل والا فلا مانع بعد تساقط الاصلين من الرجوع الى قاعدة الاشتغال بالركوع باتيانه رجاء ثم البناء على عدم الاتيان بالمشكوك. اما ما افاد من البناء على الاكثر الذي ظرف شكه بجميع محتملاته فهو على فرض تسليمه انما يتم في صورة عدم استلزامه الفساد من غير جهة فوت الركعة على فرض النقص كي يصلح الاحتياط لجبره والافعلى فرض استلزام نقص الصلوة فوت الركن او زيادة مبطلة ولو سهواً فادلة جبر الناقص بالاحتياط غير شاملة لمثله ولازمه انصراف قاعدة البناء على الاكثر كلية عن مثل هذه الموارد.
ومن هذه الجهة نقول بعدم المجال للمصير الى البناء على الاكثر مع الاتيان بالركوع المشكوك
الأمّة تجربة ، وأكبر منك سنا ، فأنت أحق أن تجيبني الى هذه المنزلة التي سألتني ، فادخل في طاعتي ، ولك الأمر من بعدي ، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما بلغ ، تحمله الى حيث أحببت ، ولك خراج أي كور العراق شئت معونة لك على نفقتك يجبيها أمينك ويحملها لك في كل سنة ، ولك أن لا يستولى عليك بالإساءة ، ولا تقضى دونك الأمور ، ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله ، أعاننا الله وإياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء والسلام »(1) .
واشتملت هذه الرسالة ـ بكلتا الروايتين ـ على دجل معاوية ومراوغته ، وأغاليطه كما يقول الدكتور « أحمد رفاعي »(2) ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر فى محتوياتها وهي :
1 ـ جاء فيها « أن هذه الأمّة لما اختلفت بينها لم تجهل فضلكم ، ولا سابقتكم للإسلام ، ولا قرابتكم من نبيكم. الخ » إن من تتبع الأحداث التي وقعت بعد وفاة النبي (ص) عرف زيف هذا الكلام ومجافته للواقع ، فان العترة الطاهرة واجهت بعد النبي (ص) أشق المحن والخطوب ، فان الجرح لما يندمل والرسول لما يقبر استبد القوم بالأمر ، وعقدوا سقيفتهم متهالكين على الحكم ، وتغافلوا عترة نبيهم فلم يأخذوا رأيهم ولم يعتنوا بهم ولما تم انتخاب أبي بكر خفوا مسرعين الى بيت بضعته وريحانته وهم يحملون مشاعل النار لإحراقه ، وسحبوا أخا النبي ووصيه أمير المؤمنين مقادا بحمائل سيفه ليبايع قسرا ، وهو يستجير فلا يجار ، وخلد بعد ذلك الى العزلة يسامر همومه وشجونه ، وتتابعت عليهم منذ ذلك اليوم المصائب والخطوب فلم يمض على انتقال النبي (ص) الى دار الخلد خمسون عاما وإذا بالمسلمين
__________________
(1) شرح ابن أبي الحديد 4 / 13.
(2) عصر المأمون 1 / 17.
في موكب جهير يجوب البيداء من بلد الى بلد وهم يحملون رءوس أبنائه على أطراف الرماح ، وبناته سبايا « يتصفح وجوههن القريب والبعيد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ». وبعد هذه المحن التي ألمّت بهم هل أدت الأمّة حقهم وعرفت مكانتهم ولم تجهل فضلهم.
2 ـ ومن محتوياتها : « ورأى صالحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم أن يولوا الأمر من قريش الخ ». إن صالحاء المسلمين وخيارهم كانوا مع أمير المؤمنين ولم يرتضوا بيعة أبي بكر ، وأقاموا على ذلك سيلا من الاحتجاج والإنكار ذكرناه بالتفصيل فى الجزء الأول من هذا الكتاب.
لقد كانت مغبة اختيار قريش أن يحكم رقاب المسلمين معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم من أئمة الظلم والجور الذين أغرقوا البلاد في الماسي والشجون وأمعنوا فى إذلال المسلمين وإرهاقهم حتى بايعوا في عهد يزيد انهم خول وعبيد له هذا ما رآه صالحاء الناس من قريش في صرف الأمر عن عترة نبيهم كما قال معاوية وقد وفقت فى اختيارها ـ كما يقولون ـ فانا لله وإنا إليه راجعون.
3 ـ ومن غريب هذه الرسالة قوله : « فلو علمت أنك أضبط للرعية مني وأحوط على هذه الأمّة ، وأحسن سياسة. الخ » نعم تجلت حيطته على الإسلام وحسن سياسته حينما تم له الأمر ، وصفا له الملك ، فانه أخذ يتتبع صالحاء المسلمين وأبرارهم فيمعن في قتلهم ومطاردتهم وزجهم في السجون. ومن حيطته على الإسلام استلحاقه لزياد بن أبيه ، وسبه لأمير المؤمنين على المنابر ، وفي قنوت الصلاة ، ونصبه ليزيد حاكما على المسلمين وأمثال هذه الموبقات والجرائم التي سودت وجه التاريخ.
وأرسل معاوية الى الإمام مذكرة يحذره فيها من الخلاف عليه ، ويمنيه بالخلافة من بعده إن تنازل له عن الأمر وهذا نصها :
« أما بعد : فان الله يفعل في عباده ما يشاء لا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ، فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس وأيس من أن تجد فينا غميزة ، وإن أنت أعرضت عما أنت فيه ، وبايعتني وفيت لك بما وعدت ، وأجريت لك ما شرطت وأكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
وإن أحد أسدى إليك أمانة |
فأوف بها تدعى إذا مت وافيا |
|
ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى |
ولا تجفه إن كان في المال فانيا |
ثم الخلافة لك من بعدي ، فأنت أولى الناس بها والسلام ».
وأكبر الظن ان هذه الرسالة المشتملة على مثل هذا اللون من التهديد والتوعيد إنما بعثها معاوية الى الإمام بعد ما اتصل اتصالا وثيقا بزعماء الجيش العراقي وقادته فضمنوا له تنفيذ مخططاته ، فانه لم يكتب ذلك إلا بعد الاتصال بزعماء العراق وانقطاع أمله من إجابة الحسن له.
ولم يعتن الإمام بتهديد معاوية ، وأجابه بجواب يلمس فيه الحزم والإصرار منه على الحرب وهذا نصه :
« أما بعد : فقد وصل إليّ كتابك ، تذكر فيه ما ذكرت ، وتركت جوابك خشية البغي عليك ، وبالله أعوذ من ذلك ، فاتبع الحق تعلم أني
من أهله ، وعليّ أثم أن أقول فأكذب والسلام ».
وكانت هذه الرسالة هي آخر الرسائل التي دارت بين الإمام ومعاوية وعلى أثرها علم معاوية أنه لا يجديه خداعه وأباطيله ، ولا تنفع مغالطاته السياسية ، وعرف أن الإمام مصمم على حربه فاتجه بعد ذلك الى الحرب وتهيئة أسبابه ومقتضياته.
اعلان الحرب
وبعد ما فشلت أغاليط معاوية ومخططاته السياسية رأى أن خير وسيلة له للتغلب على الأحداث أن يبادر الى اعلان الحرب لئلا يتبلور الموقف ، وتفوت الفرصة وأكبر الظن ـ انه بالإضافة الى ذلك ـ إنما استعجل الحرب لأمور وهي :
1 ـ إنه اتصل اتصالا وثيقا بزعماء العراق ، وقادة الجيش ، ورؤساء القبائل فاشترى ضمائرهم الرخيصة بالأموال ومنّاهم بالوظائف ، فأجابوه سرا الى خيانة الإمام وتنفيذ أغراضه ، ويدل على ذلك مذكرته التي بعثها الى عماله وولاته يطلب منهم النجدة والالتحاق به فانه أعرب فيها عن اتصالهم به.
2 ـ علمه بتفكك الجيش العراقي وتفلله وعدم طاعته للإمام وذلك مسبب عن أمور نذكرها مشفوعة بالتفصيل عند عرض علل الصلح وأسبابه
3 ـ علمه بوجود الخطر الداخلي الذي مني به العراق ، وسلمت منه الشام ، وهي فكرة الخوارج التي انتشرت مبادئها بين الأوساط العراقية ومن أوليات مبادئهم اعلان التمرد والعصيان على الحكم القائم ، ونشر الفوضى في البلاد ليتسنى لهم الإطاحة به واستلام قيادة الأمّة.
4 ـ مقتل الإمام أمير المؤمنين (ع) الذي فقد به العراق قائدا وموجها وخطيبا ، يحملهم على الحق ويثيبهم الى الصواب ، وقد أصبح العراقيون بعد فقده يسيرون فى ظلام قاتم ، ويتخبطون خبط عشواء قد فقدوا الرائد والدليل.
هذه الأمور ـ فيما نعلم ـ هي التي حفزت معاوية الى اعلان الحرب واستعجاله ، فان العراق لو لم يمن بمثل هذه الكوارث والفتن لما وجد معاوية الى الحرب سبيلا ، ولبذل جميع طاقاته في تأخير الحرب ، وعقد
الهدنة المؤقتة ـ كما فعل ذلك مع ملك الروم ـ حتى يتبين له الأمر فانا لا ننسى كلماته التي تنم عن خوفه وفزعه من العراقيين حينما كانوا صفا واحدا غير مبتلين بالتفكك والانحلال فقد قال : « ما ذكرت عيونهم تحت المغافر(1) بصفين إلا لبس على عقلي » ووصف اتحادهم بقوله : « إن قلوبهم كقلب رجل واحد » فلولا اختلافهم وتشتتهم لما بادر معاوية الى اعلان الحرب واستعجاله.
ورفع معاوية مذكرة ذات مضمون واحد الى جميع عماله وولاته ، يحثهم فيها على الخروج الى حرب الإمام ويأمرهم بالالتحاق به سريعا بأحسن هيئة ، وأتم استعداد وهذا نصها :
« من عبد الله معاوية أمير المؤمنين ، الى فلان ابن فلان ، ومن قبله من المسلمين ، سلام عليكم ، فاني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد : فالحمد لله الذي كفاكم مئونة عدوكم ، وقتلة خليفتكم ، إن الله بلطفه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين ، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم ، فأقبلوا الي حين يأتيكم كتابي هذا بجاهدكم وجندكم ، وحسن عدتكم ، فقد أصبتم بحمد الله الثأر ، وبلغتم الأمل ، وأهلك الله أهل البغي والعدوان ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته »(2) .
__________________
(1) المغافر : جمع ، مفرده : مغفر ومغفرة ، وهو زرد يلبسه المحارب تحت القلنسوة.
(2) شرح ابن أبي الحديد 4 / 13.
ولما وصلت هذه الرسالة الى عماله وولاته قاموا بتحريض الناس وحثهم على الخروج والاستعداد لحرب ريحانة رسول الله وسبطه وفي أقرب وقت التحقت به قوى هائلة منظمة لا ينقصها شيء من حيث الكراع والسلاح ، والعدد والعدة.
ولما توفرت له القوة الهائلة من الجند والعسكر وأصحاب المطامع الذين لا يقدسون سوى المادة زحف بهم نحو العراق وتولى بنفسه القيادة العامة للجيش ، وأناب عنه في عاصمته الضحاك بن قيس الفهري ، وقد كان عدد الجيش الذي نزح معه ستين ألفا ، وقيل أكثر من ذلك ، ومهما كان عدده فقد كان مطيعا لقوله ، ممتثلا لأمره ، منفذا لرغباته ، مذعنا له لا يخالفه ولا يعصيه.
وطوى معاوية البيداء بجيشه الجرار فلما انتهى الى جسر منبج(1) .
__________________
(1) جسر منبج : بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء بلد قديم ، المسافة بينه وبين حلب يومان ، أول من بناه كسرى ، وقد أنجب جماعة من الشعراء يعد فى طليعتهم البحتري ، وقد عناها المتنبي بقوله :
قيل بمنبج مثواه ونائله |
فى الأفق يسأل عمن غيره سألا |
ولها يتشوق ابراهيم بن المدبر ، وكان يهوى جارية بها في قوله :
وليلة عين المرج زار خياله |
فهيّج لي شوقا وجدد أحزاني |
|
فأشرقت أعلى الدير أنظر طامحا |
بألمح آماقي وأنظر انساني |
|
لعلي أرى أبيات منبج رؤية |
تسكن من وجدي وتكشف أشجاني |
جاء ذلك في معجم البلدان 8 / 169.
وحينما أذيع خبر توجهه وبلوغه الى هذا المحل عم العراقيين الذعر والخوف ، ولما علم الإمام بتوجهه أمر بعض أصحابه أن ينادى فى العاصمة « الصلاة جامعة » ويقصد بذلك جمع الناس فى جامع البلد ، فنودي بذلك وما هي إلا فترة يسيرة من الزمن حتى اكتظ الجامع بالجماهير الحاشدة فخرج (ع) فاعتلى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
« أما بعد : فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها ، ثم قال لأهل الجهاد : اصبروا إن الله مع الصابرين ، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون ، انه بلغنى أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك ، اخرجوا رحمكم الله الى معسكركم في النخيلة(1) حتى ننظر وتنظرون ، ونرى وترون »(2) .
ولما أنهى (ع) خطابه وجم الحاضرون ، وأخرست ألسنتهم ، واصفرّت ألوانهم كأنهم قد سيقوا الى الموت ، فلم يجب الإمام أحد منهم كل ذلك لخوفهم من أهل الشام ، وحبهم للسلم ، وإيثارهم للعافية ، وكان هذا التخاذل في بداية الدعوة الى جهاد العدو ينذر بالخطر ويدعو الى التشاؤم واليأس من صلاحهم.
__________________
(1) النخيلة : تصغير نخلة موضع قريب من الكوفة على سمت الشام وبه قتل معاوية الخوارج لما ورد الى الكوفة وفيهم يقول ابن الأصم راثيا :
إني أدين بما دان الشراة به |
يوم النخيلة عند الجوسق الحرب |
جاء ذلك فى معجم البلدان 8 / 276.
(2) شرح النهج ابن أبي الحديد 4 / 13.
ولما رأى الصحابي العظيم والحازم اليقظ عدي بن حاتم(1) سكوت الجماهير وعدم اجابتهم للإمام غاظه ذلك والتاع أشد اللوعة ، فانبرى إليهم
__________________
(1) عدي بن حاتم الطائي كان أبوه حاتم مضرب المثل في الجود والسخاء ، يكنى عدي بأبي طريف ، وفد على النبي (ص) فى السنة التاسعة من الهجرة وكان نصرانيا فاسلم ، ولإسلامه حديث طريف طويل ، ذكره ابن الأثير في أسد الغابة ، روى عن النبي (ص) أحاديث كثيرة ، كان جوادا شريفا في قومه عظيما عندهم ، وعند غيرهم ، وكان حاظر الجواب ، ومن أهل الدين والتقى ، وهو القائل : ما دخل عليّ وقت الصلاة إلا وأنا مشتاق إليها ، ودخل يوما على عمر بن الخطاب فرأى منه تكبرا واستخفافا بحقه ، فالتفت إليه قائلا : أتعرفني؟ فأجابه عمر ، بلى والله أعرفك ، أكرمك الله بأحسن المعرفة ، أعرفك والله أسلمت إذ كفروا ، وعرفت إذ أنكروا ، ووفيت إذ غدروا ، وأقبلت إذ أدبروا فقال عدي : حسبي حسبي. شهد فتوح العراق ، ووقعة القادسية ، ووقعة النهروان ، ويوم الجسر مع أبي عبيدة وغير ذلك ، ومن كرمه ونبله أن الأشعث ابن قيس أرسل إليه شخصا يستعير منه قدور حاتم ، فملأها عدي طعاما وحملها إليه فأرسل إليه الأشعث إنما أردناها فارغة ، فأجابه عدي ، إنا لا نعيرها فارغة ، وكان يفت الخبز للنمل ويقول : إنهن جارات ولهن حق ، كان من المنحرفين عن عثمان ، وشهد مع الامام وقعة الجمل ففقئت عينه بها ، وله ولدان ، قتل أحدهما مع الامام علي ، والآخر مع الخوارج ، وشهد صفين أيضا وكان له بها مواقف مشهورة توفي سنة سبع وستين من الهجرة ، وقيل غير ذلك ، كان له من العمر مائة وعشرون سنة ، قيل توفى بالكوفة ، وقيل بقرقيسيا والأول أصح ، جاء ذلك فى أسد الغابة 3 / 392 ، وقريب منه جاء فى كل من الاصابة والاستيعاب وتهذيب التهذيب.
منكرا سكوتهم وتخاذلهم المفضوح قائلا بنبرات تقطر حماسا وعزما :
« أنا عدي بن حاتم ، سبحان الله ما أقبح هذا المقام!!! ألا تجيبون إمامكم ، وابن بنت نبيكم؟ أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة ، فاذا جد الجد راوغوا كالثعالب ، أما تخافون مقت الله ، ولا عيبها وعارها ».
ثم التفت الى الإمام مظهرا له الطاعة والامتثال قائلا :
« أصاب الله بك المراشد ، وجنبك المكاره ، ووفقك لما يحمد ورده وصدره ، قد سمعنا مقالتك ، وانتهينا الى أمرك ، وسمعنا لك ، وأطعنا فيما قلت ورأيت ».
ثم أظهر الى المجتمع عزمه على الخروج لحرب معاوية فورا قائلا :
« وهذا وجهي الى معسكرنا ، فمن أحب أن يوافي فليواف ».
ثم خرج من المسجد وكانت دابته بالباب فركبها وخرج وحده من دون أن يلتحق به أحد وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه ، فانتهى الى النخيلة فعسكر بها وحده(1) .
وهكذا اضطرب غيظا وموجدة كل من الزعيم قيس بن سعد بن عبادة ، ومعقل بن قيس الرياحي(2) ، وزياد بن صعصعة التميمي لما رأوا
__________________
(1) شرح النهج ابن أبي الحديد 4 / 14.
(2) معقل بن قيس الرياحي : أدرك النبي (ص) ، قال ابن عساكر : أوفد عمار معقلا على عمر يخبره بفتح تستر ، كما وجهه الى بني ناجية حين ارتدوا وكان من امراء الإمام علي (ع) يوم الجمل ومدير شرطته ، وذكر خليفة بن الخياط أن المستورد بن علقمة اليربوعي الخارجي بارزه لما خرج بعد علي فقتل كل منهما الآخر وكان ذلك سنة 42 هجرية في خلافة معاوية وقيل سنة 39 في خلافة علي جاء ذلك في الاصابة 3 / 475 ،
سكوت الجماهير وعدم إجابتهم بشيء ، فلاموهم على هذا التخاذل وبعثوا فيهم روح النشاط الى حرب عدوهم ومناجزته ثم التفتوا الى الامام وكلموه بمثل كلام عدي فى الانقياد والطاعة والامتثال لأمره فشكرهم الامام على موقفهم المشرف ، وأثنى على شعورهم الطيب قائلا :
« ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والنصيحة فجزاكم الله خيرا ».
وخرج الامام (ع) من فوره لرد العدوان الأموي ، واستخلف فى عاصمته المغيرة بن نوفل بن الحرث(1) وأمره بحثّ الناس الى الجهاد واشخاصهم إليه فى النخيلة ، وطوى (ع) البيداء بجيشه الجرار المتخاذل ـ وسيأتي وصفه بعد قليل ـ حتى انتهى الى النخيلة فاستقام فيها فنظم جيشه(2) ثم ارتحل عنها وسار حتى انتهى الى ( دير عبد الرحمن ) فأقام
__________________
(1) المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي ولد على عهد الرسول (ص) بمكة قبل الهجرة ، وقيل لم يدرك من حياة رسول الله (ص) إلا ست سنين يكنى بأبي يحيى تزوج بامامة بنت أبي العاص بن الربيع ، وكانت امامة زوجا للإمام علي ، فلما قتل أوصى (ع) أن يتزوجها المغيرة من بعده ، فلما مات (ع) تزوج بها المغيرة. وهو ممن شهد مع الامام صفين ، وكان في أيام عثمان قاضيا ، وقد روى عن النبي (ص) حديثا واحدا وهو قوله (ص) : « من لم يحمد عدلا ولم يذم جورا ، فقد بات لله بالمحاربة » جاء ذلك في أسد الغابة 4 / 407.
(2) جاء في الخرائج والجرائح ص 228 أنه نزح مع الامام من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوا وبما وعدوا ، وغرّوه كما غرّوا الامام عليا من قبل وعسكر (ع) في النخيلة عشرة أيام فلم يحضر معه إلا أربعة آلاف فرجع الى الكوفة ليستنفر الناس وخطب خطبته التي يقول فيها : « قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي ».
به ثلاثة أيام ليلتحق به المتخلفون من جنده ، وعنّ له أن يرسل مقدمة جيشه للاستطلاع على حال العدو وإيقافه فى محله لا يتجاوزه الى آخر ، واختار الى مقدمته خلّص أصحابه من الباسلين والماهرين ، وكان عددهم اثنى عشر الفا ، واعطى القيادة العامة الى ابن عمه عبيد الله بن العباس ، وقبل أن تتحرك هذه الفصيلة من الجيش دعا الامام قائدها العام عبيد الله فزوده بهذه الوصية القيّمة وهي :
« يا ابن العم! إني باعث معك اثنى عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر ، الرجل منهم يزيد الكتيبة ، فسر بهم ، وألن لهم جانبك ، وابسط لهم وجهك ، وافرش لهم جناحك ، وادنهم من مجلسك ، فانهم بقية ثقات أمير المؤمنين ، وسر بهم على شط الفرات ، ثم امضي حتى تستقبل بهم معاوية ، فان أنت لقيته فاحتبسه حتى آتيك ، فاني على أثرك وشيكا ، وليكن خبرك عندي كل يوم ، وشاور هذين ـ قيس بن سعد وسعيد بن قيس ـ وإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فان فعل فقاتله ، وإن أصبت ، فقيس بن سعد على الناس ، فان اصيب ، فسعيد بن قيس على الناس ». وحفلت هذه الوصية بما يلي :
1 ـ إنها دلت على اطلاعه الوافر في تدبير شئون الدولة ، فان التوصية بالجيش بهذا اللون المشتمل على العطف والحنان ، والاطراء عليه بمثل هذا الثناء ، من أنهم بقية ثقات أمير المؤمنين ، والزام القيادة العامة باللين والبسط مما يزيد الجيش اخلاصا وإيمانا بدولته ، ومن الطبيعى ان الجيش إذا أخلص لحكومته ، وآمن بسياستها ثبتت قواعدها ، وظفرت بسياج حصين يمنع عنها العدوان الخارجي ، ويقيها من الشر والفتن الداخلية ، ويوجب لها المزيد من الهدوء والاستقرار.
2 ـ وأما أمره أن لا يعتدي عبيد الله على معاوية ، ولا يناجزه الحرب حتى يكون هو المبتدي فليس ذلك لأن معاوية من مصاديق قوله تعالى : « وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين »(1) فان معاوية لم يبق وليجة للاعتداء إلا سلكها ، فقد اعتدى في تخلفه عن بيعة أمير المؤمنين ، ومحاربته له في صفين ، وفي بعثه السفاح بسر بن أبي أرطاة وفعله بأمره ما فعل من المنكرات ، ولم يزل معتديا وخارجا على الاسلام الى حين وفاة أمير المؤمنين ، ولكن إنما أمر الحسن (ع) أن لا يبتدي عبيد الله بحربه لسد مراوغاته حتى لا يستطيع أن يدعي أنه ما جاء للحرب وإنما جاء للتداول في اصلاح أمر المسلمين.
3 ـ ونصت وصية الامام على الزام عبيد الله بمشاورة قيس بن سعد وسعيد بن قيس وترشيحهما للقيادة من بعده ، وفي ذلك الفات منه الى الجيش ان أمره المتبع هو المقرون بمشاورة الرجلين ، كما فيه توثيق لهما ، والحق انه لم يكن في جيش الامام من يضارعهما في نزعاتهما الخيرة وفي ولائهما لأهل البيت (ع) ، وأعظم بهما شأنا أنهما نالا ثقة الامام واهتمامه.
وقبل أن نطوي الحديث على هذا الموضوع نعرض بعض الجهات التي ترتبط فيه وهي :
ويتساءل الكثير عن الحكمة التي رشح الامام من أجلها عبيد الله لقيادة مقدمة جيشه مع أنه كان في ذلك الجيش من هو أصلب منه إيمانا وأقوى عقيدة ، وأعظم اخلاصا كالزعيم قيس بن سعد ، وسعيد بن قيس
__________________
(1) سورة البقرة آية 189.
واضرابهما من الثقات والمؤمنين. « والجواب عن ذلك » ـ أولا ـ ان الامام (ع) أراد بذلك تشجيعه واخلاصه باسناد القيادة العامة إليه ـ وثانيا ـ ان له من الكفاءة والقدرة والحزم ما يجعله أهلا لهذا المنصب الرفيع ، فهو قد تربى فى مدرسة الامام أمير المؤمنين (ع) ولكفاءته وقدرته نصبه الامام (ع) واليا على اليمن. ـ وثالثا ـ إنه حري بأن يخلص ويبذل قصارى جهوده في المعركة لأنه موتور من قبل معاوية ، فلقد قتل ولديه بسر بن ارطاة. ـ ورابعا ـ ان الامام (ع) لم يجعل القيادة العامة بيده بل جعلها ثلاثية بينه وبين قيس بن سعد ، وسعيد بن قيس ، وقد أوفى المسألة حقها من جميع الوجوه سماحة المغفور له آل ياسين(1) .
واضطربت كلمة المؤرخين في تحديد الجيش الذي نزح مع الامام الى مظلم ساباط ، فابن أبي الحديد ذكر أنه نزح مع الامام جيش عظيم ولم يحدده إلا أنه حدد المقدمة التي تولى قيادتها عبيد الله فقال : « إن عددها كان اثنى عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر(2) . وذكر الطبري وغيره انه كان اربعين ألفا(3) ، ويستفاد من مطاوي بعض الأحاديث التي دارت بين الامام وبعض أصحابه في أمر الصلح أن عدد الجيش كان مائة ألف كقول سليمان بن صرد للامام (ع) وهو في مقام التقريع له
__________________
(1) صلح الحسن ص 96.
(2) شرح ابن أبي الحديد 4 / 14.
(3) تأريخ الطبري 6 / 94.
على امضائه وقبوله الصلح « أما بعد : فان تعجبنا لا ينقضي من بيعتك معاوية ومعك مائة ألف مقاتل من أهل العراق »(1) ، كما يستفاد أيضا أنه كان تسعين ألفا(2) ، وقيل أنه سبعون ألفا(3) الى غير ذلك ، والذي نذهب إليه أن عدد الجيش كان يربو على أربعين ألفا ، ويدل على ذلك ما حدث به نوف البكالي(4) قال : لما عزم الامام على العودة الى حرب معاوية قبيل وفاته باسبوع عقد للحسين على عشرة آلاف ، ولأبي أيوب على عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد على عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد أخر
__________________
(1) الإمامة والسياسة 1 / 151.
(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 194 ذكر ذلك في جواب زياد الى معاوية حينما هدده وذلك قبل أن يستلحقه به ، فقال زياد : إن ابن آكلة الأكباد ، وكهف النفاق ، وبقية الأحزاب ، كتب يتوعدني ويتهددني وبيني وبينه ابنا رسول الله فى تسعين ألفا.
(3) البداية والنهاية 8 / 42 وجاء فيه أن رجلا دخل على الحسن بن علي وبيده صحيفة فقال له الرجل : ما هذه؟ فأجابه الامام ان معاوية يعدنيها ويتوعد ، فقال الرجل : قد كنت على النصف منه ، فأجابه الامام : إني خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفا أو ثمانون أو أكثر أو أقل تنضح أوداجهم دما كلهم يستعدي الله فيم اهريق دمه ، وقريب من هذا ذكره ابن أبي الحديد فى شرح النهج 4 / 7.
(4) نوف البكالي : بفتح الباء وتخفيف الكاف ، كان من أصحاب أمير المؤمنين (ع) ، ونقل عن تغلب انه منسوب الى بكال قبيلة من همدان ، ويقال : بكيل وهو أكثر ، وقال ابن أبي الحديد : انه بكال بكسر الباء وهي قبيلة من حمير منهم هذا الشخص وهو نوف بن فضالة صاحب الامام علي (ع) جاء ذلك في التعليقات ص 354.
وهو يريد الرجعة الى صفين ، فما دارت عليه الجمعة حتى ضربه ابن ملجم بالسيف(1) ، فهذا القول يروي لنا جيشا مسلحا كان متهيئا للحرب قد عدّ اسماء جماعة من قادته لهم السلطة على ثلاثين ألف جندي مسلح ولم يذكر لنا أسماء القادة الآخر الذين نصبهم الإمام على كتائب جيشه ولا كمية عدد الجيش الآخر ولا شك بأنهم كانوا يربون على عشرة آلاف ، هؤلاء جميعا قد بايعوا الحسن ونفروا معه الى حرب عدوه ، ويدل على ذلك ما رواه ( أبو الفداء ) ان الحسن تجهز الى حرب معاوية بالجيش الذي بايع أباه(2) ويؤيده أيضا ما ذكره ( ابن الأثير ) قال :
« كان أمير المؤمنين علي قد بايعه أربعون ألفا من عسكره على الموت لما ظهر ما كان يخبرهم به عن أهل الشام ، فبينما هو يتجهز للمسير قتلعليهالسلام ، وإذا أراد الله أمرا فلا مرد له ، فلما قتل وبايع الناس ولده الحسن بلغه مسير معاوية في أهل الشام إليه فتجهز هو والجيش الذين كانوا بايعوا عليا وسار عن الكوفة الى لقاء معاوية »(3) .
ويؤكد ذلك حديث المسيب بن نجبة مع الامام في أمر الصلح قال له « ما ينقضي عجبي منك صالحت معاوية ومعك أربعون ألفا »(4) .
فعدد الجيش على هذه الروايات المتوافرة كان أربعين الفا ، وهو الذي يذهب إليه ، وقد ناقش سماحة الحجة المغفور له آل ياسين الروايات
__________________
(1) شرح النهج محمد عبده 2 / 132.
(2) تاريخ أبي الفداء 1 / 193.
(3) الكامل 3 / 61.
(4) شرح ابن أبي الحديد 4 / 6.
المتقدمة واختار بعد التصفية والمناقشة ان عدده كان عشرين ألفا أو يزيد قليلا(1) .
ومهما كان الأمر فان الاختلاف في عدده ليس بذي خطر لأن الجيش مهما كان عدده كثيرا وخطيرا إذا كان مختلف الأهواء والنزعات لا بد وأن ينخذل ولا يحرز فتحا ونصرا ، لأن الاعتبار في النصر والظفر دائما إنما هو بالإخلاص والإيمان والعقيدة ووحدة الكلمة ، لا بالكثرة وضخامة العدد فكم فئة قليلة تضامنت فيما بينها ، واتحدت وتعاونت ، قد حازت النصر وفتحت فتحا مبينا ، وسحقت القوى المقابلة لها وإن كانت أكثر منها عدة وأعظم استعدادا أوفر قوة ، والجيش العراقي مهما بلغ عدده وبولغ في كثرته فانه مصاب بالاختلاف والتفكك والانحلال ومع ذلك فكيف يظفر بالنجاح وما ذا تفيده الكثرة؟ وضخامة العدد؟.
لا شك أن الجيش هو العماد الذي يقوم عليه عرش الدولة ، ويبتنى عليه كيانها ، وهو السياج الواقي للحكومة والشعب من الاعتداء ، وعليه المعول فى حفظ النظام وسيادة الأمن ، لكن فيما إذا كان مخلصا فى دفاعه ومؤمنا بحكومته ، وأما إذا كان خائنا أو لا ينظر لدولته إلا بنظر العداء والانتقام ويترقب الفرص للفتك بها وتمكين العدو منها ، فانها حتما لا تنجح في أي ميدان من ميادين الصراع الداخلي والخارجي ولا تفوز بالنجاح حينما يتلبد جوّها السياسى بالغيوم القاتمة والأخطار الفاتكة ، وكان الجيش العراقي الذي زحف مع الإمام لمحاربة معاوية قد ركس فى الفتنة وماج في الشقاء
__________________
(1) صلح الحسن ص 106.
فكان خطره على الدولة أعظم من خطر معاوية ، وقد وصفه الشيخ المفيدرحمهالله وقسمه الى عناصر وقد أجاد فى وصفه وأبدع في تقسيمه ، قال طيب الله مثواه :
« واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ، ثم خفوا وخف معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه ، وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة ، وبعضهم أصحاب فتن وطمع بالغنائم ، وبعضهم شكاك ، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون الى دين »(1) .
وأعرب الشيخ المفيد نضّر الله مثواه في كلامه ـ أولا ـ عن كراهة الجيش للحرب ، وإيثاره للعافية ، ورغبته في السلم ، وأفاد ـ ثانيا ـ في تقسيمه ان الجيش ينقسم الى عناصر متباينة فى أفكارها ، مختلفة في عقائدها وهي كما يلي :
وهؤلاء فيما يظهر عدد قليل في الجيش العراقي ولو كانوا عددا كثيرا فيه ، لما أجبر أمير المؤمنين (ع) على التحكيم في صفين ولما صالح الحسن معاوية وهذا العنصر يخالف بقية العناصر في تفكيره وشعوره وإيمانه فهو يرى أن الخلافة من حقوق أهل البيت وانهم أوصياء النبي وحضنة الإسلام وحماته ، وطاعتهم مفروضة على جميع المسلمين.
__________________
(1) الارشاد ص 169 ، وذكر هذا المعنى بعينه علي بن محمد الشهير بابن الصباغ في الفصول المهمة ص 143 ، والأربلي فى كشف الغمة ص 161 ، والمجلسي في البحار 10 / 110.