الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج0%

الأسرة وقضايا الزواج مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 210

الأسرة وقضايا الزواج

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علي القائمي
تصنيف: الصفحات: 210
المشاهدات: 56196
تحميل: 4915

توضيحات:

الأسرة وقضايا الزواج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 210 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56196 / تحميل: 4915
الحجم الحجم الحجم
الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفصل الثالث

الطلاق

الإنسان كائن اجتماعي بالطبع ، وهو يشعر بالحاجة إلى فرد من نفس نوعه ؛ يبثه همّه ويرافقه في رحلته عبر الحياة ، أو يقف إلى جانبه وقت الشدائد فيحس فيها بالراحة والطمأنينة.وهو بعد كل هذا حاجة طبيعية للتكامل الإنساني ، وبدون ذلك يراوح الإنسان في مكانه أو يتراجع إلى الوراء.

وعلى هذا ، فإنّ حياة المرأة أو الرجل ستكون في غاية الصعوبة بدون الزواج ، فحالة العزوبية هي حالة القلق وعدم الاستقرار ، ولذا فإنّ نداء الزواج نداء ينبعث من أعماق الإنسان وأن الإقدام عليه هو تلبية لحاجة فطرية وطبيعية موجودة في التكوين البشري.

وبالرغم من كل ذلك فإنّ التعايش في الحياة المشتركة للزوجين قد تخلق بعض التصادم وعدم الانسجام ، ولذا فينبغي إرساء العلاقة على أساس من معادلة الحقوق والواجبات المتبادلة ، كما أنّ عقد الزواج يختلف عن غيره من العقود ؛ فهو يمتاز بقدسية خاصة تجعله في منزلة سامية ، حتى أنّ العرش الإلهي ليهتز لدى إلغاء هذا العقد بالطلاق ؛ لما في ذلك من الآثار والأضرار والخسائر المدمّرة ، التي تنجم عنه أو تترتب عليه

مسألة الطلاق:

يؤدي النزاع بين الزوجين في بعض الأحيان إلى التفكير بالإنفصال والطلاق ، وقد يحدث أحياناً أن يكون التفكير في ذلك من جانب الرجل أو المرأة أو باتفاق الاثنين معاً.

١٤١

ولو كانت الحياة المشتركة عقداً غير قابل للفسخ إلى الأبد فإنّ حالة النزاع المستمرة وغياب الانسجام سوف يحوّل الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، وعندها سوف يجد أحد الطرفين نفسه محطماً ، تعصف بآماله وأحلامه رياح الزمن فتبددها هنا وهناك ، وستحيله إلى إنسان خاوٍ خالٍ من العاطفة والإحساس.وقد تتصاعد حدّة الاختلاف والتوتر إلى موت أحد الطرفين عمداً أو خطأ أو بطيئاً ، ممّا يوسع من دائرة الألم لتتعدى محيط الأسرة إلى المعارف والأقرباء ، حيث تبقى آثار ذلك مدّة من الزمن.

هواجس الطلاق:

قد يكون الطلاق في بدايته حلاً جذرياً للعديد من المشاكل الزوجية ، ولكنّ الطلاق ينطوي على شرور ومآس لا يمكن إسقاطها من الحساب.

إنّ اعتبار الطلاق حلاً مثالياً هو خطأ كبير يرتكبه العديد من الأزواج حتى بعد إقدامهم على الزواج مرّة أخرى.وقد أشار مسح ميداني أجري على مئة حالة طلاق ، اعتبر الغالبية فيها الطلاق أكبر خطأ ارتكبوه في حياتهم ، وأكد أكثرهم أيضاً على أنّهم شعروا بالارتياح قد خامرهم في الأيام الأولى من الطلاق ، ولكن سرعان ما تبدد ذلك ليحل محله شعور عميق بالندم ؛ وذلك لأنّ الطلاق لم يحل المشكلة أبداً حتى مع تجدد زواجهم.

وساوس الانفصال:

وبعد أن يتم الطلاق ويفترق الزوجان تبدأ مراجعة النفس ، ويبدأ تأنيب الضمير والتفكير في العوامل التي أدّت إلى انهيار ذلك البناء ، وفي أولئك الذين حوّلوا الأسرة إلى مجرد أنقاض ، وعندها تصبّ اللعنات تلو اللعنات على الذين وسوسوا لهما بذلك وحببوه إليهما.

حتى أولئك الذين اندفعوا لحماية الزوجة أو الزوج ومن نوايا حسنة ، لن يسلموا من تحمل المسؤولية وتحسين الطلاق في ذهن المرأة أو الرجل ، خاصة إذا كانت الحالة في زيجة عمرها شهور فقط ؛ فالشباب مهما بلغوا من النضج ليست لديهم التجربة الكافية ، فلا ينبغي لأيّ كان أن يتدخل في

١٤٢

شؤونهم الخاصّة ويشجعهم على اتخاذ قرار خطير كالطلاق.ومسكينة تلك الفتاة وذلك الشاب عندما تصوِّر الوساوس لهما بأنّ الطلاق فكاك من القيود ، وتتحول كلمات الآخرين المسمومة في خيالهم إلى طريق للحل ، ونافذة للخلاص.

تنطوي الاستهانة بالزواج كرباط مقدس إلى استسهال الطلاق ، ومن ثمّ ضرب كل الاعتبارات الإنسانية عرض الجدار ، ولذا ، فإنّ مثل هؤلاء الافراد لا يرون سوى أنفسهم ومصالحهم دون أدنى اهتمام بالآخرين ، ناهيك عن أن جنوحهم نحو الطلاق سيلحق الضرر بانفسهم هم أيضاً بالرغم من عدم إدراكهم ذلك إلاّ بعد فوات الأوان.

إنّ الإقدام على الطلاق إنطلاق من الأهواء النفسية فقط ، لا يتناقض مع الدين والعقل فحسب بل مع النمو والتكامل الإنساني، وذلك لأنّ الأهواء النفسية لا يمكن أن تكون طريقاً لبناء شخصية الإنسان.

مبغوضية الطلاق:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق ).وبالرغم من حلّية الطلاق إلاّ أنّ الأحاديث والروايات تحذر من الطلاق وتعتبره عملاً شائناً لا ينبغي القيام به حتى لو تم الأمر برضا الزوجين.وإذن ، فإنّ الحسابات الإليهة لا دخل لها برضا الطرفين أو عدمه ، فالطلاق يبقى إجراء لا يحظى برضا الله سبحأنّه أبداً ، وذلك لأنّ الزواج يعني اتحاداً كاملاً بين الرجل والمرأة اتحاداً يصل حد الاندماج والانصهار في بوتقة واحدة.ولذا فإن إجراء أو عملا يفكك من هذا الاتحاد المقدس ويقضي عليه سوف يكون مبغوضاً ومؤلماً.

آثار الطلاق:

قد يبدو الطلاق في نظر الزوجين بابا للخلاص من الجحيم الذي صنعاه بأيديهم ، ولذا نراهما يتنفسان الصعداء عند افتراقهما، ولكن هل يمكن أن تمضي الأمور بهذه السهولة ؟ هل يمكن للزوجين أن ينسيا كل

١٤٣

تلك الذكريات واللحظات الجميلة التي عاشاها معاً والأماكن التي زاراها معاً ؟!

إنّ الحياة الزوجية ليست تجربة عادية ، إنّها تجربة شاملة يعيشها الإنسان بكل جوارحه ومشاعره.وإضافة إلى كل ذلك فإنّ الطلاق لا يمكن اعتباره شأنا شخصياً ، كما هو الزواج الذي تمّ بمباركة وسعي العديد من الأصدقاء والأقرباء ، وإذن فإنّ الطلاق سوف يمسهم جميعاً ولا يمكن ضرب عواطف ومشاعر من يهمهم الأمر عرض الجدار.

إنّ الطلاق يضع المرء أمام المسؤولية وجهاً لوجه ، وعليه أن يقدم جواباً مقنعاً لأبنائه ، وهو الضحية الأولى لقرار كهذا.ولا ننسى - أيضاً - أنّ الطلاق لا يضع خاتمة للمشاكل بل أنّه في أغلب الأحيان بداية سيئة لمشاكل ومتاعب أكثر تعقيداً من ذي قبل.

وصايا في ترك الطلاق:

تزخر الروايات والأحاديث الشريفة بالنهي عن الطلاق ، ويصب أغلبها في نصح الرجل بعدم الإقدام على الطلاق ودعوته إلى مداراة المرأة والإحسان إليها وعدم الإساءة في معاملتها.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّ الله يبغض - أو يلعن - كل ذوّاق من الرجال وكل ذوّاقة من النساء ).ولا يقتصر هذا الحديث ، كما هو واضح ، على الرجال فحسب ، بل ويشمل النساء أيضاً.

إنّ هذا التشديد الذي نلمسه في الإسلام بعدم الطلاق يعود إلى الاعتقاد بقدرة الزوجين على تجاوز خلافاتهما وقلب صفحة الماضي والبدء بحياة جديدة.حياة مفعمة بالحب والتفاهم والإيمان ، إنّ الإسلام يؤمن بقابلية الإنسان وانطوائه على قدرات لا محدودة في حل ما يواجهه من

١٤٤

المشاكل والمتاعب ، فكيف إذا كانت المسألة تخص الأسرة وقد أودع الله في هذا الرباط المقدس نبعاً من المودة والحب ؟!

حلّية الطلاق:

بالرغم من التشديد الذي نلمسه في الشريعة الإسلامية بعدم الطلاق ، إلا أنّها لم تحرّمه أبداً ، وأبقت الباب مفتوحاً إذا تعذرت الحلول وعجزت العلاجات ؛ ذلك لأنّ الإسلام يمنح الآصالة لكرامة الإنسان امرأة كانت أو رجلاً.وإذن ، فإنّ جميع تلك النواهي والتحذيرات تتوقف إذا تعلقت المسألة بالدين لأنّه القيمة العليا في حياة الإنسان ، فإذا كان استمرار الزواج يعني انهياراً اخلاقياً وسقوطاً دينيّاً فإنّ الباب مفتوح للخلاص والنجاة.

وإذن ، فإنّ الطلاق يعني هنا نوعاً من العمليات الجراحية التي لا بدّ من إجرائها وبتر العضو الفاسد من أجل حماية الجسد من سراية المرض.ومهما بلغ الزواج من قدسية فإنّه لا يعني قدراً محتوماً لا يمكن لإنسان الخلاص منه ، فعندما يشعر المرء باستحالة الحياة الزوجية وأنّه لسبب أو لآخر لا يمكنه الاستمرار في ذلك ، فإنّ الله سبحأنّه قد فتح الباب لمن يعيش مثل هكذا حالة ، على أنّ ذلك لا يبرر للرجل أو المرأة ، انتهاج الأساليب الملتوية لحمل الطرف الآخر على طلب الطلاق ، فأمّا إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

وإذن ، فلا يسوغ للرجل أو المرأة أن يؤذي أحدهما الآخر أو محاربته أو التشهير به من أجل حمله على الطلاق.وفي مثل هكذا حالة على المرء أن يتحلى بالشجاعة والشهامة والإنسانية.

المرأة والطلاق:

إذا كانت حلاوة الزواج قابلة للوصف فإنّ مرارة الطلاق أمرٌ لا يمكن إدراكه إلاّ من قبل أولئك الذين خاضوا تلك التجربة المرّة.لقد أصبح الطلاق ظاهرة اجتماعية خطيرة ، تهدد أمن وسعادة المجتمعات اليوم ، ولذا نرى اهتماماً بمعالجة هذه المشكلة من كافّة

١٤٥

المستويات ، فالدول والحكومات تسعى من أجل وضع حدّ لتنامي هذه الظاهرة ؛ لما لها من الآثار السيئة في البناء الاجتماعي ، ذلك لأنّ الأسرة هي حجر الأساس في هذا البناء وعليها تتوقف متانته واستقامته.

فالطلاق هو بداية الانحراف والسقوط في الهاوية المخيفة ، حيث الفساد الأخلاقي ، والأمراض النفسية ، والضياع الشامل للإنسان.وما أكثر أولئك الذين سقطوا وتاهوا في دروب الحياة ، فعاشوا الضياع وبقوا على هامش الحياة إلى أن لفظتهم كما يلفظ البحر الجثث الهامدة.

وإذا كان الجميع خاسرين في الطلاق ، فإنذ المرأة تعتبر الخاسر الأكبر ؛ ذلك أنّها أكثر عاطفة ، فهي مرهفة الإحساس ، عميقة المشاعر ، تحتاج إلى من يمنحها الشعور بالأمن والسلام.ولذا فإنّ على المرأة أن تكون أكثر وعياً لهذه المسألة ، وأن تكون أكثر صبراً ومقاومة وسعياً من أجل استمرار الحياة الزوجية بأي ثمن ، وعليها يتوقف أمن أطفالها وضمان تربيتهم تربية صالحة.

١٤٦

الفصل الرابع

الأطفال

يعتبر الجانب العاطفي من أعظم الجوانب في علاقة الطفل بوالديه ، والطفل لا يمكن اعتباره فرداً عادياً من أفراد المجتمع يمكن التعامل معه بطريقة عادية ، إنّه أمانة إلهية أودعها الله الوالدين.ولذا ، فإنّ من واجبهما قبول هذه الأمانة العظيمة وتحملهما المسؤولية في ذلك.

إنّ الزواج ، ومن ثمّ إنجاب الأطفال ، لا يمكن اعتباره فخراً للمرء ، وإذا كان هناك ما يفتخر به فهو تربية هؤلاء الأطفال تربية حسنة ، وتقديمها إلى المجتمع كافراد صالحين ، لائقين بمقامهم كخلفاء لله في الأرض.

ويعتبر المحيط العائلي أفضل وأعظم مدرسة لتربية النشء حيث يتلقى فيها الأطفال أولى دروس الحياة ، في حين يتحول سلوك الوالدين وتصرفاتهم ومواقفهم إلى نماذج ملهمة لهم ؛ ولذا فإنّ كل يوم يمر عليهم هو في الحقيقة درس لهم ؛ ولذا فإنّ على الوالدين مراعة هذا الجانب والابتعاد عن كل ما يسيء إلى هذا الجو ومراقبته فكرياً وأخلاقيا.

الطفولة والمحيط العائلي:

يعتبر الأطفال الأسرة عالمهم الكبير ودنياهم الواسعة حيث يسبحون في عوالمهم الزاخرة بالأماني والأحلام الوردية ، ولذا فإنّ الأسرة بالنسبة للطفل تعتبر القاعدة الأساسية للانطلاق نحو المستقبل ، وفيها تتحدد توجهاته وترتسم ملامح شخصيته.فإذا حصل اضطراب في محيط الأسرة انعكست آثاره مباشرة في نفس

١٤٧

الطفل وروحه ؛ وما أكثر الاطفال الذين ذهبوا ضحية للنزاعات الزوجية ، ذلك أنّ عدم الاستمرار والاضطراب يدمّر أوّل ما يدمر شعور الاطفال بالأمن ويزرع في قلوبهم الخوف ، الأمر الذي يزلزل شخصيتهم ، وبالتالي يعرضهم إلى الضياع.

إنّ مرحلة الطفولة هي أحلى وأجمل المراحل في حياة الإنسان ، وأنّه مما يدعو إلى الاسف أن يقوم الوالدان ، ومن خلال نزاعاتهما ، بالإساءة إلى أطفالهم والقضاء على تلك البسمات البريئة التي ترتسم على شفاههم ليحلّ محلّها القلق والخوف والضياع.

النموذج السّيء:

يتعلم الأطفال منّا أولى دروس الحياة ، كما تعتبر حياة الأسرة بالنسبة لهم مدرسة يتعلمون فيها كل شيء ، حيث تتراكم في نفوسهم القيم ، والمواقف ، والمشاعر ، والعواطف ، من خلال سلوكنا وتصرفاتنا ؛ ولذا فإننا سنكون نماذج وأمثلة يقتدون بها ويقلدونها ، حتى لو حاولنا منعهم عن ذلك.وفي هذه السن الحرجة فإنّ الأطفال سيكونون أشبه بأجهزة تسجيل دقيقة تضبط كل أقوالنا ومواقفنا ولذا فإننا سنكون نماذج سيئة إذا أسأنا التصرف قولاً وعملاً.

إنّ الحياة الزوجية التي يسودها الاضطراب والنزاع وعدم الاستقرار ستخلق أطفالاً مضطربين ومهزوزين نفسياً ؛ وفي هذه الحالة يتحمل الوالدان مسؤولية ما ينشأ عن ذلك من أضرار في بناء وتكوين شخصية أبنائهم.

آلام الاضطراب:

يعاني الأطفال الذين يترعرعون في محيط مضطرب آلاماً عنيفة ، فتختفي تلك النظرات البريئة والابتسامات المشرقة ليحل محلها إحساس بالحزن الممزوج بالخوف والقلق والدموع ؛ ولهذا يرتفع صوت الأطفال بالبكاء كلما اشتعل النزاع بين الوالدين ؛ إن حركاتهم هي بمثابة استغاثة للخلاص من الخطر المحدق بهم.

١٤٨

إنّ أولى حاجات الصغار في هذه المرحلة الحساسة هي الشعور بالأمن والطمأنينة ، ولهذا فهم يتلمسون خطاهم نحو المحيط الدافىء المفعم بالحنان والحب ، وأنّ ما يثير فزعهم ورعبهم هو رؤيتهم مظاهر العنف ، أو النزاع في المنزل ، الذي ينبغي أن يكون عشاً دافئاً يضمّ قلوبهم الصغيرة ، ويلفها بالعطف والمحبة والصفاء.

إنّ الطفل ليشعر بالألم يعتصر قلبه لدى رؤية والده وهو يصرخ ! أو لدى رؤية أمّه وهي تنتحب ! وكم رأينا بعضهم يشكو ذلك بالرغم من سنّه الصغيرة ، التي قد لا تتجاوز الأربع أو الخمس سنوات ، ومع ذلك فهو يتمتم: ليتني لم أكن موجوداً ! ليتني كنت ابناً لفلان! وغير ذلك.

إنّ النزاع في الحياة الزوجية هو بمثابة خنجر مسموم يطعن قلب الطفل ويسبب له آلاماً مبرحة ، وعندها تنطفىء آماله وتنتهي أحلامه.

مسألة الإنفصال:

قد تصل الأمور في نظر أحد الزوجين أو كلاهما إلى الطريق المسدود ويحدث الطلاق ، وعندما ينفرط عقد الأسرة ويذهب كلّ في طريقه في حين يقف الأطفال في مفترق الطريق لا يعرفون أين ستكون وجهتهم ومع من يذهبون ! عيونهم على الأب وقلوبهم مع الأم ، وفي تلك اللحظة المشؤومة ، لحظة الطلاق ، يحدث ذلك التمزق العاطفي في أعماق الأطفال.

ولا يقتصر الطلاق والانفصال بين الزوجين فقط ، بل إنّ الأمر يتعدى إلى الأطفال أيضاً ، فلا بد أن يعرف الوالدان بأنّ شيئاً قد مسّ العلاقة بينهما وبين أبنائهما ، ولا بد أن يشعر الأب أو الأم بأنّ أطفالهما لم يعودا ملكاً خاصاً بهما ، فلكلٍّ نصيبه في ذلك.أمّا الأطفال فإنّهم ينتظرون لقاءهم مع الوالدين كما لو كانوا في مهمة رسمية ، حيث تتولى المحاكم ترتيب هكذا.

ولا ينبغي أن نعتبر ذلك أمراً طبيعياً لدى الطفل يمر دون أن يحدث آثاره في نفسيته ، بل لا بد وأن تظهر في المستقبل.

١٤٩

الآثار النفسية:

ليس من الإنصاف أن يحترق الأطفال بنار نزاعاتكم ، وليس من العدل أبداً أن يشعروا بالمرارة والحرمان وهم في هذه السنّ المبكّرة حيث كل شيء بالنسبة لهم هو مجرد عالم وردي جميل وأطياف ملوّنة.

إنّ الأطفال الذين ينشأون في أسرة مضطربة قلقة يسودها النزاع لا بد وأن يشبّوا مهزوزين نفسياً ، يطل من عيونهم البريئة إحساس بالرعب وشعور بالحرمان ، حتى لو حاول الوالدان تقديم النصائح لهم فإنّ ذلك سوف يكون عديم الجدوى.

الابتعاد عن الأُم:

ربّما يتحمل الطفل بُعده عن والده ، أمّا أن يجد نفسه بعيداً عن أمّه ، ذلك الحضن الدافىء والصدر الحنون ، فإنّ ذلك سيكون بالنسبة له كارثة لا يمكن تحملها أبداً ؛ ذلك أنّ الطفل يهرع إلى أحضان أمّه لدى أقل إحساس بالخطر وعندها يشعر بالأمن والطمأنينة تغمران قلبه.وعندما يواجه الطفل عدواناً ما ، فإنّه يسرع باللجوء إلى والدته وتقديم شكواه ضد ذلك الظلم الذي حاق به.

إذن ، لا يمكن للطفل أن يتحمل بُعده عن أمّه وافتقاده لحنانها ؛ ولو حصل ذلك جرّاء حادث ما فأنّه سوف يعكس في نفسه آثاراً وتراكمات ومضاعفات تؤثر تأثيراً بالغاً في تكوينه الأخلاقي والروحي.

ولقد أثبتت الدراسات بأنّ أكثر من ٨٠% من الاضطرابات العاطفية والنفسية لدى الاطفال إنّما نشأت بسبب بعدهم أو فقدهم لامهاتهم ، سواء أكان موتاً أو طلاقاً بل وحتى سفراً طويلاً.

نعم ، إنّ المشكلة الكبرى هي الطلاق ، وذلك لأنّها تحرم الطفل من ذلك النبع الفياض بالحب والحنان.وإنّه لنوع من الأنانية أن يسعى كل من الزوجين إلى حل مشكلاتهما عن طريق الطلاق دون أن يحسبا أي حساب للمشاكل المعقدة التي سوف تواجه أطفالهما من جرّاء ذلك.

١٥٠

ولا يمكن للطفل أبداً أن يغفر لوالديه ما سبباه له من بؤس وحرمان.

الضياع:

ينشد الأطفال بطبعهم وفطرتهم المكان الآمن المفعم بالاستقرار لكي ينموا ويكبروا ؛ فهناك إحساس فطري بالخطر ، ولذا فإنهم يجدوا الطمأنينة في أحضان والديهم.

أمّا عندما يحدث الطلاق وينفرط عقد الأسرة فأنّه يغمرهم إحساس بالضياع ، يجتاح تلك القلوب الصغيرة ، وعندها يجد الأطفال أنفسهم بلا معين وتملىء نفوسهم بمشاعر المهانة والاذلال ، ذلك أن أيّاً كان من الناس لا يمكن أن يحل مكان الأم أو الأب في رعايتهم والعطف عليهم وتربيتهم التربية اللائقة.

وإنّه نوع من القسوة ؛ عندما يقدم الزوجان على الطلاق وتدمير ذلك العش الدافىء الذي ينعم به أطفالهم وتشريدهم هنا وهناك ، وتعريضهم إلى خطر الضياع والانحراف.إنّ على المرء أن لا يكون أنانياً في بحثه عن الراحة والاستقرار ، فيحل مشاكله بطريقة مدمرّة تنشأ عنها مشكلات عديدة له ولغيره ، ممن لم يرتكبوا ذنباً في ذلك.

الأُبوّة:

ما الذي حدا بك - أيها الأب المحترم - لكي تفقد صبرك وتحمّلك فتقدم على الطلاق ؟ هل تظن بأنّ مشاكلك قد انتهت أو أنك وجدت الحلّ الجذري والنهائي لكل متاعبك ؟ أما تفكر في المستقبل ؟ وهل أنّ هذه الدنيا تستحق كل ذلك ؟ تستحق التضحية بأطفالك الذين تتركهم يتلقون تلك الصدمة حيارى ينظرون إلى المستقبل بعيون قلقة وقلوب خائفة.

إنّ الرجولة لتتناقض مع هكذا عمل ، كما أنّ الأبوة المخلصة الحقة تتنافى معه.إنّها تفترض العكس ؛ تفترض التضحية والصبر من أجل حماية الصغار وتربيتهم لكي ينشأوا رجالاً صالحين.

١٥١

وأنت أيتها الأُم:

هل تنسجم أمومتك مع تركك أطفالاً هم في أمس الحاجة إليك وإلى عطفك وحبّك.إنّ سمو الأمومة وعلوّ مقام الأم هو أكبر من ذلك ، أكبر من جميع الآلام والمصائب ، من جميع المحن والمتاعب ؛ فالأطفال ينظرون إلى أمهم كحضن دافىء ينشدون فيه كل ما ينشدونه من المحبة والعطف والحنان.

فالأم لا تغذي أطفالها اللبن فقط بل تغذيهم الحب والعاطفة ، وهي مسألة تحتل الأولوية في ذلك.وفي مقابل هذه الأهمية وهذه المسؤولية فإنّ على المرأة أن تنهض بدورها متجاوزة جميع المشاكل والعقبات.وعلى الأم أن يكون همّها الأوّل هو مستقبل أطفالها ، فالأمومة هي المدرسة الأولى والمهمة في تربية الطفل وتعليمه المبادىء والأسس التي ينطلق منها نحو المستقبل المشرق.

حديث أخير:

وحديثنا الأخير هنا هو مع أولئك الذين أدّت ظروف الطلاق إلى أن يحلّوا مكان الأب أو الأم في رعاية الصغار.عليهم ألاّ يعتبروا هؤلاء الضحايا مجرد مزاحمين عليهم ، ألاّ يفرّقوا في معاملتهم أسوة بأبنائهم ، إنّهم في الحقيقة أمانة إلهية في أعناقهم ، إنهم أطفالهم ، فقدوا عشهم فلجأوا إليكم ينشدون ما افتقدوه من الدفء والحنان.

إنّ الله سبحأنّه قد أمرنا بالإحسان إلى أسْرَانا في الحروب فكيف بهؤلاء الأطفال الأبرياء ؟! إنّ ضربهم أو إهانتهم ستكون عميقة الأثر في نفوسهم الغضة وقلوبهم الطرية ، إنّهم أمانة الله في أعناقكم ، وأنتم مسؤولون عنها يوم القيامة ، فأدّوا إليهم حقوقهم في المحبة والعطف والأمان.

١٥٢

القسم الخامس

في طريق تعزيز العلاقات الزوجية

سنتحدث في هذا القسم عن جملة من المسائل التي تؤثر في تمتين العلاقات الزوجية بين المرأة والرجل ، باعتبارهما كائنين عاطفيين ، حيث يمكن لهذه المسائل أو العوامل أن تؤثِّر في تعزيز العلاقات بينهما.

ومنها ما هو فطري ، ومنها ما هو اجتماعي:

فالاهتمام بالمظهر ، ومراعاة العادات والتقاليد الاجتماعية ، والأخلاقية ، والجمال الظاهري ، وكذلك إصلاح الباطن وتربية النفس والتقوى ، وكل ما من شأنه إغناء الجمال الباطني وجعله مرآة صافية.وإلى غير ذلك من المسائل المهمة التي سوف نشير إليها باختصار ، لها آثارٌ عميقة في تعزيز العلاقات بين الزوجين.

١٥٣

١٥٤

الفصل الأوّل

الجَمال الظاهري

بالرغم من كون التفاهم والانسجام الفكري هو الأساس في العلاقات الزوجية ، إلاّ أنّ المظهر الخارجي له تأثيراته التي لا يمكن التغاضي عنها ؛ فالمقولة التي تفيد بأنّ بعض عقول الرجال في عيونهم صحيحة إلى حد ما.

ولذا فإن على الزوجين ، وخاصة المرأة ، الاهتمام بهذا الجانب ، والسعي دائماً للظهور بالمظهر اللائق ؛ وذلك أنّ الحياة فنٌ ، وعلى المرأة أن تحسن - مثلاً - كيفية الاحتفاظ بقلب زوجها ، وتفجير عواطفه تجاهها.وفي هذا البحث إشارة إلى جملة من الأمور المهمة التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار:

أ - إصلاح المظهر:

يظن البعض من الرجال والنساء أنّ الاهتمام بالمظهر يقتصر على الأيام الأولى من الزواج فقط ، أي في الأيام التي ينبغي فيها الظهور بأبهى ما يمكن من الزينة ، أما بعد أن يصبحوا ( أهلاً ) وأحبّة ، فإنّ المرحلة الجديدة تقتضي التصرف على الطبيعي دون تكلف ، وبالتالي الظهور بالمظهر العادي ، أو حتى إهمال هذا الجانب كليّة.

إنّ جمال الحياة ولطافتها تفرض على الزوجين الاستمرار في الظهور بأجمل ما يمكن ، والحديث الشريف الذي يقول: ( إن الله جميل يحبّ الجمال ) له مغزاه ودلالته.فليس من اللائق أن يكون اللقاء بين الزوجين في ملابس العمل ، وثياب المطبخ ، فالاحترام المتقابل يفرض على الزوجين اهتماماً أكثر

١٥٥

بمظهرها الخارجي ومحاولة إدخال الرضا في قلب كل منهما بما يعزز من مكانته لديه.

ضرورة ذلك:

وتتجلى أهمية هذا الجانب اليوم أكثر من أي وقت آخر ، فالعصر الحاضر يموج بكل أسباب الانحراف والضياع ، فالمحيط الاجتماعي المفتوح ، وبكل ما فيه من إيجابيات ، يبعث في قلب المرء شعوراً بالميل إلى بعض المظاهر الخلاّبة.ولذا فإنّ ضعاف الإيمان سرعان ما ينجرفون مع التيار بعيداً.

وعلى المرأة أن تنتبه إلى هذا الجانب والاهتمام بمظهرها ، وبالتالي الإسهام في حماية زوجها من الانحراف ، وهذه المسألة تنسحب أيضاً على الرجل ، إذ ينبغي له الظهور اللائق أمام زوجته بما يجذبها نحوه ويشدّها إليه.

والاهتمام بالمظهر الخارجي لا يعني فقط الثياب النظيفة والعطور الفوّاحة ، بل يشمل أموراً أخرى كالابتسامة المشرقة والحديث الحلو والمعاشرة الطيبة وإشادة كل منهما بذوق الآخر وإلى آخره.

أضرار التطرف:

( لا إفراط ولا تفريط ) تكاد تكون هذه القاعدة شاملة لكل نواحي الحياة ؛ ففي الاهتمام بالجانب الجمالي ينبغي أن يكون الأمر في حدود المعقول ، فلا تفريط بالمظهر الخارجي وإهماله تماماً ، ولا إفراط بهذا الجانب والوصول إلى حدود غير معقولة، بحيث تنفق المرأة - مثلاً - من الميزانية ما يهدد بقية الجوانب ، وبالتالي تفجير كوامن الغضب في قلب الرجل تجاهها.

إنّ أساس الحياة المشتركة هو التفاهم والانسجام الفكري ، ولذا فإنّ مسألة الجمال والزينة هي الأخرى تخضع لهذا القانون ؛ فالنفوذ إلى قلب الرجل أو المرأة لا يقتصر على الزينة الظاهرية فقط ، إنّما يتطلب اهتماماً شاملاً بكل أركان الشخصية ، وبنائها المطلوب ؛ ذلك أنّ الجمال

١٥٦

الظاهري له تأثيراته المؤقتة ، والتي سرعان ما تنتهى ، ليبقى الجمال الحقيقي الذي يمكن في جمال النفس والروح.

ب - الحياة المنسّقة:

النقطة الأخرى التي لها أهميتها في تعزيز العلاقات الزوجية هي الاهتمام بنظام المنزل وترتيب شؤونه بما يدخل الرضا في أعماق من يعيش فيه ؛ وقد يعترض البعض بأنّ ذلك يحتاج إلى المال في توفير وسائل الراحة ، وقد يكون هذا صحيحاً ، إلاّ أنّ الفقر لا يمنع الإنسان من إعمال فكره واستخدام فنّه في مسائل لا تحتاج إلى مال ، بل تحتاج إلى مهارة وذوق فقط.

فالنظام ، والذوق ، والنظافة ، ربّما تجعل من الغرفة البسيطة والمنزل البسيط آية في الجمال ، تغمر القلب بمشاعر الهدوء والسلام ؛ حتى أنّ المرء ليشعر بالروح تنبض في كل زاوية من زوايا المنزل ، وينظر إلى سيدته بعين الاحترام والإجلال.

كسر الرتابة والجمود:

إنّ عمليات التغيير في نظام البيت وتوزيع أثاثه بين فترة وأخرى يكسر في القلب - جدار الملل والرتابة ، ويبعث روحاً جديدة في زواياه.فترتيب ( الديكور ) وتغييره، وانتخاب نوع آخر من الزينة، له آثاره النفسية في تجديد فضاء الحياة المنزلية.

وبالرغم من عدم جوهرية هذه المسائل إلاّ أنّ تأثيرها قد يصل في بعض الأحيان حداً لم يكن يتصوره أبداً ؛ فقد يعود الرجل من عمله متعباً ، وإذا به يجد كل شيء في استقباله ، كل شيء قد لبس حلّة جديدة ، يجد ابتسامة زوجته ، وطعاماً شهيّاً ، ومكاناً جديداً لاستراحته ، وعندها سيشعر بأنّ شريكة حياته تعمل المستحيل من أجل توفير كل ما يشعره بالرضا ، فتنفجر في قلبه مشاعر الحب والمودة ، ويصمّم على ردّ الجميل في أقرب فرصة تسنح له.

١٥٧

ج - الجوانب المادّية:

إنها مجرد مزاعم عندما يدّعي البعض بأنّ النزاع الذي ينشأ في حياتهم الزوجية لا علاقة له بالمسائل المادّية ، كالطعام وتوفير جوّ من الراحة.غير أنّ الحقيقة أن هذه المسائل - وبالرغم من كونها هامشية إلى حدّ ما - قد تكون ذات تأثير بالغ في تفجير النزاع بين الزوجين ؛ وذلك لأنّ الحياة لا تنفكّ عن هذه الأمور أبداً.فالجائع يكون عصبي المزاج ، خاصّة عندما لا يجد مكاناً لاستراحته ، فإنه سرعان ما يثور غاضباً.

ولذا ، فإنّ على المرأة والرجل أن يوليا أهمية لهذه الجانب ؛ لما له من الأهمية في الحياة الزوجية ، فالرجل الذي يعود من عمله متعباً جائعاً ثمّ لا يجد طعاماً يسدّ به رمقه ، ولا يجد مكاناً مناسباً يأوي إليه ويستريح فيه ، لا بدّ وأن يحزّ في نفسه ذلك ويستنتج منه أنّ زوجته لا تقدر تعبه ولا تحترمه ، ممّا يولّد ضعفاً في عواطفه تجاهها ، وقد يثور في وجهها عندما تشتعل شرارة الموقف.

صحيح أنّه ليس من واجبات المرأة تهيئة وإعداد الطعام ، ولكنه من دواعي اللياقة والأدب وحسن المعاشرة أن يكون هناك احترام للزوج ، ينعكس ويتجسد في توفير بعض متطلباته الضرورية.فالمرأة الماهرة يمكنها - وبقليل من المال - أن تهيىء طعاماً متنوعاً يثير شهية زوجها ، ويدفعه إلى إعجابه بزوجته التي تتفنن وتفعل المستحيل من أجله ، وهذا ما ينعكس في قلبه ويفجّر مكامن الحب فيه تجاهها.

توفير الراحة:

لا شك في أنّ الرجل والمرأة يبذلان من طاقاتهما الكثير.هذا خارج المنزل يكدّ ويتعب من أجل توفير العيش الكريم ، وتلك تدور في المنزل هنا هناك تعدّ الطعام تارة ، وتغسل الثياب تارة أخرى ، وترتّب البيت أحياناً ، وتقوم على تربية الأطفال أحياناً أخرى ، وغير ذلك من شؤون المنزل.وقد يتعب الرجل أكثر من زوجته ، فالرجل يهبّ لمساعدة زوجته

١٥٨

ويخفف عنها بعض عناء العمل ، والزوجة تهبّ لمساعدة زوجها في إنجاز بعض شؤونه وتوفير بعض مستلزماته وإشعاره بالدعم والمحبة.

فالتعب والحاجة إلى الاستراحة والتقاط الأنفاس قد يتسبّب في الشعور بالمرارة ، خاصّة إذا كان هناك إهمال من الطرف الآخر.وما أكثر أولئك الذين يتصورون البيت جحيماً لأنهم لا يجدون من يهتم بهم أو يلتفت إليهم. فقد تتصور المرأة أنّها لو بقيت في بيت أبيها لما عانت ما تعانيه من التعب والإرهاق ، ويتصور الرجل لو أنّه يقضي وقته خارج المنزل لوجد له مكاناً يأوي إليه ويستريح فيه.

إنّ توفير جو من الراحة والهدوء هي من واجبات الزوجين تجاه بعضهما البعض ، فالقيام برحلة ممتعة حتى لو كانت قريبة، وتغيير الجو كما يقولون ضروري بين فترة وأخرى.

كما أنّ زيارة الأصدقاء ، والمعارف ، وصلة الأرحام ، له تأثيره الإيجابي في انعاش الحياة الزوجية ورفدها بدماء جديدة.

د - رعاية الأدب والأخلاق:

إن أسمى مقومات الحياة الزوجية إنّما تتجسد في رعاية الزوجين للأدب والخلق الكريم ، وذلك الاحترام العميق ، والعلاقات الصحيحة في علاقة الزوجين بعضهما ببعض ؛ وذلك لأنّ الخيانة ، والحسد ، وبذاءة اللسان ، والأنانية ، والكذب ، هي وقود النزاعات والخلافات في الحياة الزوجية.

إنّ جمال الحياة الزوجية يكمن في تلك الابتسامات المضيئة ، والمعشر الحلو ، والحديث اللطيف الهادىء ، والحب العميق.فالمرأة لا تنسى أبداً كلمات الحب التي يتمتم بها زوجها ، كما أنّ الرجل يشعر بالدفء وبالقوة أيضاً عندما يجد زوجته تقف إلى جواره وجانبه ؛ فالحياة المشتركة هي رحلة يقوم بها الرجل والمرأة معاً ، يداً بيد.

١٥٩

ضرورة ضبط النفس:

إنّ الحياة المشتركة تفرض على المرأة احترام مشاعر زوجها ، وتوجب على الرجل مداراة زوجته وعدم إهانتها أو توجيه كلمة تجرح قلبها ، فقد تفعل الكلمة القاسية ما لا يفعله خنجر مسموم من الألم والمرارة.

إنّ ضبط النفس والحديث الهادىء الذي يفيض حباً ومودة لا بدّ وأن يزرع في قلب الآخر شعوراً بالمحبة والصفاء ، ولذا فإنّ على المرأة مراعاة الحالة النفسية لزوجها ، ومن ثمّ التعامل معه في ضوء ذلك.وعلى الرجل رصد نفسية زوجته ، ومن ثمّ العمل على إدخال الفرحة إلى قلبها.فكلمة حبٍّ دافئة ، وابتسامة مختصرة قد تساوي في نظر المرأة ملء الدنيا ذهباً ؛ كما أنّ الرجل يشعر بالسعادة عندما يرى زوجته تفيض حيوية ونشاطاً ، وبهذا يتعانق قلباهما وتتشابك روحاهما ، وبالتالي تتفجر ينابيع السعادة.

١٦٠