الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج0%

الأسرة وقضايا الزواج مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 210

الأسرة وقضايا الزواج

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور علي القائمي
تصنيف: الصفحات: 210
المشاهدات: 56896
تحميل: 5019

توضيحات:

الأسرة وقضايا الزواج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 210 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56896 / تحميل: 5019
الحجم الحجم الحجم
الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٤ - الطموح والاختبار:

نصادف أحياناً نوعاً من المشاكل التي تظهر جراء الاختبار ومحاولة أحد الزوجين امتحان الآخر ووضعه على المحك ، ومعرفة مدى الأهمية التي يضمرها له.وفي هذه الحالة فإنّ عدم تحقيق واحدة من تلك الطموحات سيضرب القاعدة والأساس في الصميم ، وبالتالي يعرّض مصير الأسرة للخطر.وينبغي في مثل هذه الحالات أن يتصرف الطرف الآخر بلباقة إذا لم يمكنه تحقيق طموح شريك حياته.

٥ - الإرهاق الناشئ عن العمل:

تنشأ بعض الإختلافات بسبب شعور أحد الزوجين بأنّ شريكه لا يقدر مدى ما يعانيه من تعب وإرهاق في سبيل تحصيل لقمة العيش ، فهو يشعر على الأقل بأنّه وحيد دون سند ، أو حتى تشجيع ، وفي هذه الحالة تتراكم في أعماقه المشاعر الدفينة والعُقد التي سرعان ما تنفجر لسبب أو آخر على صورة نزاع أو خلاف حاد ، كفرصة للانتقام.

٦ - عدم التحمل:

لقد سبق وأن أشرنا إلى هذه النقطة ، حيث يوجد الكثير من الأفراد ، بسبب التربية الخاطئة ، لا طاقة لهم على التحمل والصبر ، فهم يطمحون إلى العيش في دلال دائم يتطلب من الطرف الآخر المراقبة المستمرة وتنفيذ كل رغباته ، وهو أمر لا يمكن توفره دائماً لدى الطرف الآخر ، أو ربما يتوفر لبعض الوقت ثم يفتر أو ينعدم ، وفي هذه الحالة يثور الطرف المدلّل مطالباً بحقه.

٧ - عدم تفهم الطرفين بعضهما:

وأخيراً ، فإنّ أحد بواعث النزاع ، الذي يعصف بالحياة الزوجية هو غياب التفاهم وعدم إدراك الزوجين بعضهما البعض.وقد تنشأ هذه الظاهرة من جراء الاختلاف الكبير في العمر ، أو المستوى الثقافي ، الأمر الذي يضع كلاً منهما في واد بعيد عن الآخر ، فهذا ينشد السفر والمرح ، وذاك ينشد التحقيق

٤١

والبحث.وهذا ( التناقض ) - إذا صح التعبير - سيدقّ إسفينه في الحياة الزوجية.

وفي هذه العجالة يمكن إضافة بواعث أخرى لدى الطرفين ، كوجود حالة من الطفولة ، الخوف من الحياة ، الهروب من المسؤولية ، الممارسات الفظّة إلخ.

عوامل تضاعف من حالات الطموح:

ما أكثر العوامل التي تنفخ في بالون الطموح وتبعده عن أرض الواقع ، فمثلاً التطلع إلى حياة الآخرين خاصة أولئك الذين يعيشون في بحبوحة من العيش ، إضافة إلى ما تُشيعه بعض أجهزة الإعلام بمختلف وسائل التعبير من ثقافة منحرفة ، عن دنيا الخيال وعالم العناد ، الذي يبعد الإنسان ويجعله يعيش في دوامة من الخيال التي تحرفه عن الطريق.

بحث في الطموحات:

إن الطموحات التي تنشأ في ظل الزواج أمر لا يعترض عليه أحد ، بل إنّ الحياة الزوجية الخاوية من الطموح لا معنى لها. ولكن ، الحديث هنا عن حدود الطموح ومدى منطقيته ، ذلك أن بعض الطموحات التي تخرج عن دائرة المعقول لها آثار سلبية تهدد نفس الحياة الزوجية بالدمار.

أن تطمح المرأة مثلاً لأن يُجسِّد زوجها دور العاشق دائماً ، أو أن يطمح الرجل في رؤية زوجته تلعب دور الأم في تدليله على الدوام ، إنّ مثل هذه الطموحات هي حالة طفولية بعيدة عن التفكير الناضج.صحيح أنّ الزوجين بحاجة إلى قدر من الأمومة والأبوة في التعامل ، شرط أن لا تتعدى الحدود المعقولة.

ضرورة كبح جماح الرغبات:

تحتاج الحياة الزوجية إلى قدر من القناعة وضبط النفس أمام الكثير من الرغبات التي لا يمكن تحقيقها ، وهذه الحالة مطلوبة من المرأة في كثير

٤٢

من الأحيان ، خاصة إذا كان زوجها محدود الإمكانات ؛ حيث سيساعد ذلك على حل الكثير من المشكلات وتذليل العديد من العقبات التي قد تعترض طريق الحياة الزوجية.

إن التمتع بالحياة الزوجية لا ينشأ في ظل الطموحات العريضة والملوّنة ، بل إنّ الطموحات التي تخرج عن حدّها قد تصدّع الحياة المشتركة وتصيبها بالشلل ، إنّ الحياة المشتركة تتطلب من الإنسان أن يكون واقعياً في طموحه ، صبوراً في تحقيق ما يصبو إليه ، وتتطلب منه السعي المتواصل دون كلل أو ملل.

٤٣

الفصل الثالث

الشكوك وسوء الظن

الزواج ، في حقيقته ، نوع من الاتصال والاتحاد بين عالمين مختلفين ، وحياتين لهما خصائص مختلفة.والزواج لا يعني إلغاء خصائص الزوجين ، بل يعني التمتع بالحياة سوية ، والشعور بالاستقرار والطمأنينة في ظلال من الحياة المشتركة.

ولذا ، فإن مثل هكذا حياة ينبغي أن تنهض على أساس من الحب المتبادل ، والصفاء والتفاؤل ، وإلاّ فلا يمكن لها الاستمرار بسلام.

من المشاكل التي تعترض الحياة المشتركة هو التشاؤم ، وسوء الظن ، الذي يهدد السلام العائلي بالخطر ؛ ذلك أنّه ينسف في بدايته عُرى التفاهم ، وبالتالي يفجِّر الصراع.

صور من سوء الظن:

ينجم عن سوء الظن بروز حالة النزاع الزوجي في الأسرة من خلال بعض العلل والأسباب ؛ فمرّة يظهر سوء الظن في الجانب الاقتصادي ، حيث يشعر أحد الطرفين بأنّ الآخر يخفي هذا الجانب دونه ، فقد تظن المرأة - مثلاً - بأنّ زوجها يتقاضى مرتباً أكثر بكثير مما يعلن عنه ، وأنّه ربما يدَّخره أو يصرفه في موارد لا علم لها بها.

ومرّة يظهر الشك في جانب آخر يرتبط بالعفّة وطهارة الثوب ، في حين ليس هناك سوى الشك فقط ، الذي ينجم عادة عن الغيرة.

ومرّة يبرز سوء الظن عن الإحساس بالتآمر حيث يشكّك أحد الطرفين

٤٤

ويظن بأنّ الآخر يتآمر عليه ، وأنّه قد يستهدف القضاء عليه.وعندما نتعمق في داخلها لا نجد سوى الحب الذي يضيع خلف ركام من عدم التفاهم وعدم إبراز هذه العواطف المتبادلة والودِّ المشترك.

الآثار المدمرّة:

للتشاؤم في جميع صوره آثاره المدمِّرة في الحياة الزوجية ، وقد يجرّ في بعض الأحيان إلى الطلاق وانهيار الأسرة ، أو قد يعصف بسمعة أحد الطرفين ، الذي يجد نفسه في موقف صعب لا يمكنه فيه من رد الاعتبار إلى كرامته المهدورة.

إنّ سوء الظن ينسف ، أوّل ما ينسف ، أساس الاتحاد بين الزوجين ويفقدهما القابلية على الاستمرار ، إذ يتجلى ذلك من خلال الأحاديث الخاملة، والتعبير عن الاحتقار، ورؤية الحياة من خلال منظار مظلم ، وأنّها مليئة بالآلام التي لا يمكن علاجها.

من الأخطار الأخرى التي قد تنجم عن سوء الظن هو زوال الإحساس بالعزة والكرامة ، ممّا يجعل حياة الزوجين في معرض خطر داهم ، إذ إنّ الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين حماية الطرف الآخر ، وحالة سوء الظن تعني زوال هذا الجانب وانكشاف الواقع إذا صح التعبير.

بواعث الشك:

من الضروري الإشارة إلى الأسباب والبواعث التي تمكن وراء الشكوك وإساءة الظن ؛ وعلى أساس البحث - من خلال رسائل الشباب - وبعض وجهات النظر يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - التسيّب:

قد يبدو الزوجان من خلال المعاشرة مع الآخرين في حالة من التحلل وعدم الالتزام ، خاصة لدى حضورهما معاً في المحافل العامة ، وخاصة في أحاديثهما أو إطلاق الضحكات التي تجعلهم محلاً للإنتقاد ، وقد يبدو أنّهما متساهلان في ذلك ، ولكن التراكمات تتجمع في الأعماق مما تولّد الحقد الذي يظهر في أوّل فرصة مناسبة.

٤٥

٢ - الغيرة:

وهي أحد عوامل سوء الظن والشك ، إذ إنّهما تُضخِّم الرؤية لدى أحد الطرفين ، وتجعله يرى الأشياء في غير ما هي عليه ، ممّا تدفعه إلى تعنيف الطرف الآخر بشدة متّهماً إياه بالعمل على تدمير الحياة الزوجية.

٣ - الأنانية والمغامرة:

يعاني بعض الشباب من استمرار حالة الطفولة ، ولذا فإنّهم يتصرفون كما لو كانوا أولاداً طائشين ، فبمجرد ما تصوِّر لهم أوهامهم شيئاً تتأجّج في أعماقهم روح المغامرة ، ومن ثمّ يبدأ النزاع الذي يحاول البعض - ومع الأسف - تصعيده إطلاقاً من لؤمهم وانحطاط نفوسهم.

٤ - السرية في العمل:

قد يشعر الرجل أو المرأة بوجود أعمال في الخفاء ، الأمر الذي يثير الشكوك لديهما.وعندما تتجذر حالة الشك في النفس تتحول إلى سوء ظن مزمن يفسر الأمور على غير حقيقتها ، وبالتالي يفجّر حالة الصراع.

٥ - الأمراض:

المراد من الأمراض هنا الأمراض النفسية بصورها المتعددة ، فهناك حالة الوسوسة التي قد يعاني منها الرجل أو المرأة ، فيجرّ حياتهما المشتركة إلى الشقاء ، وهناك الضعف العصبي ، أو بعض العُقد القديمة التي تعود إلى أيام الطفولة ، وكل ما يجعل الروح تعيش في حالة من الضيق بالآخرين والتشكيك بهم.

٦ - الحرمان:

قد ينشأ سوء الظن كنتيجة لحرمانٍ تعرض له أحد الزوجين في فترة سابقة وتولّد لديه إحساس بالمرارة ، وهزّ جميع الثوابت في أعماقه ، فإذا به يشكك في كل شيء ، وإذا به يحاسب زوجه حساباً عسيراً من أجل شيء تافه.

٤٦

٧ - وضع القيود:

يحاول البعض وضع القيود في أيادي أزواجهم ، بحيث يشلّهم عن الحركة ، بل وحتى التنفس في جوّ صحي ، ممّا يدفع بالطرف المقابل إلى الشعور باستحالة استمرار الحياة الزوجية بهذه الوتيرة ، ومن ثم التمرد ومحاولة التخلص من الوضع المهين والمذلّ.

وأخيراً وليس آخراً ، ينشأ سوء الظن بسبب تدخل بعض العوامل الخارجية من قبيل تحريض بعض الأعداء المتلبسين بثوب الصداقة ، ومع الأسف فإنّ مجتمعنا يعجُّ ببعض الأفراد الذين لا يمكنهم تحمّل رؤية سعادة واستقرار الآخرين ، فيحاولون توجيه ضرباتهم المسمومة للإطاحة بالأسر السعيدة.ولو كان هناك أقل يقظة من جانب الزوجين لمَا أمكن لهؤلاء المنحطّين أنّ ينجحوا في تآمرهم الدنيء هذا.

وهناك أسباب أخرى تنشأ عن رتابة الحياة ، التدخل في الشؤون الخاصة ، المراقبة المستمرة ، الإهمال ، الإهانة ، والتعنيف الدائم ، وغير ذلك.

نشوب النزاع:

يبدأ النزاع بسبب بعض التفاصيل الصغيرة ، وسرعان ما تتجذر هذه الحالة لتتخذ شكلاً أوسع في المستقبل ، يصعب علاجها حينئذ.فالشقاء يبدأ مع المحاسبة المستمرة حتى لو كانت حول بعض التفاصيل ، ولكنّها في النهاية تعكّر من صفاء الأجواء في الأسرة ، في حين يمكن حل الكثير من المسائل في جو من التفاهم وفي ظلال من الاحترام.

هناك بعض المسائل التي تواجه صمتاً من جانب ، وإهمالاً من جانب آخر ، غير أنّها تتجذر في الأعماق وتنمو لتشكل فيما بعد تهديداً خطيراً للكيان الأسري.ولذا ينبغي أن يتمتع كل طرف بقدر من ضبط النفس تجاه تجاوزات الطرف الآخر ، وأن يقابل الإساءة بالإحسان ؛ وإلا فإنّ التصادم سوف يحطم الاثنين معاً ، ويقودهما إلى هاوية الطلاق.

٤٧

ضرورة التخلص من سوء الظن:

يعتبر الإسلام في طليعة المذاهب التي تندّد بسوء الظن وتدعو إلى اجتثاثه من النفوس ، خاصة في الحياة الزوجية ، ويدعو الزوجين إلى الاستمرار في الحياة المشتركة في ظلال من الطمأنينة والثقة المتبادلة.

إنّها حالة صبيانية ؛ أن يعجز شخصان عن التفاهم فيما بينهما حول المسائل ذات الهم المشترك.إنّني أخاطبكم أيّها الشباب ، باعتباركم مسؤولين عن تربية الجيل القادم.إنّ هذه المسؤولية تتطلب منكم شعوراً يسمو بكم عن توافه الأمور.وإنّ عجزكم عن التفاهم يعبّر عن عدم أهلّيتكم لاحتضان الجيل وتربيته.

وهل كان الهدف من ارتباطكم المقدس هذا هو صنع هذا الجحيم من الحياة ؟! وهل - حقاً - لا توجد سبل لحل الخلاف الزوجي ؟! إنّ الزواج يعبّر عن تخطّيكم الكامل لحياة الطفولة ، ودخولكم عالم المسؤوليات بكل تشعباتها ، التي تحتاج إلى تفاهمكم وتعاضدكم ، وحل جميع المشاكل في جو من الهدوء لكي تكونوا أفراداً صالحين ونافعين في مجتمعكم وبلادكم.

طريق الخلاص:

وفي محاولة للتخلص من حالات الشك وسوء الظن يمكن الإشارة إلى بعض السبل ، وهي كما يلي:

١ - الالتزام بحدود الإنسانية:

إنّ الحياة الزوجية تعني ، في أقل التقادير ، تعاقد إنسانين على الحياة معاً وتحت سقف واحد ؛ وهذه الحياة المشتركة تتطلب التزاماً ببعض العهود ، منها ما يحدده الدين والعرف ، ومنها ما يحددها الإنسان بنفسه.وعليه ، فإنّ أقل ما يمكن رعايته من جانب الزوجين هو احترام الأعراف في ما يخصّ العلاقات الزوجية.

٢ - رعاية العفّة:

وهي في الواقع الحجر الأساس في البناء الأسري ، إذ إنّ الزوجين ،

٤٨

على السواء ، ملزمان أمام الشريعة باحترام هذا الجانب الحساس في الحياة وعلى جميع الأصعدة ، فالعفّة تشمل الحديث والمعاشرة وطهارة الثوب وغير ذلك من الأمور.

وعليه ، يتوجب على كلا الزوجين الابتعاد عن كل ما من شأنه المساس بهذا الجانب ، من قبيل الافتراء ، والبهتان ، وظن السوء ، وأنّ عليهما الاهتمام ببعضهما وتقاسم حلاوة الحياة ومرارتها.

٣ - التثبت في الأمور:

ما أكثر الأفراد الذين يصغون إلى أحاديث الإفك فيتأثرون بشدّة ، وتنشأ في نفوسهم حالة من سوء الظن والشك ، الذي قد يترتب عليه المواقف الخطيرة ، وقد كان من الممكن تفاديها بقليل من التثبت والرويّة.

إنّ أي قرار متسرع دون بحث وتفحص لا بدّ وأن ينتهي إلى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها ، وهو إن دلّ على شيء فإنّما يدل على ضعف في الشخصية وإحساس بالمهانة.

٤ - تدبر الأمور:

لا توجد مسألة أو مشكلة لا يمكن حلّها من خلال التدبر ، والمطلوب هنا هو تحكيم العقل وإقصاء العاطفة جانباً ، والتأمل في المشكلة بكل موضوعية بعيداً عن الأنانية وسوء الظن ، وفي هكذا شروط سوف تظهر الحقيقة واضحة جلية.

٥ - بناء النفس:

يتحول الفرد أحياناً ، بسبب خطأ أو انحراف أو حتى مجرد الإحساس بذلك ، إلى إنسان يسيء الظن خاصّة عندما يجد تأييداً لدى الآخرين.إنّ الحياة الزوجية تتطلب من الإنسان أن يعتبر نفسه ناقصاً وبحاجة إلى التكامل.وهذا التصور يجنّب الإنسان الخطأ الناجم عن الشعور بصحة تصرفاته ، لأنّه إذا ما شعر الإنسان بأنّه غير كامل وأنّه يعاني من نقص مستمر ، توقع احتمال الخطأ من نفسه ، وبالتالي يصون هذا الشعورُ الإنسانَ من العناد واللجاجة في الرأي ، ويدفعه إلى نُشدان الحق والبحث عن الحقيقة.

٤٩

٦ - حسن النية:

من ضرورات الحياة المشتركة أن يتمتع الزوجان بحسن النية دائماً في مشاعرهما وممارساتها ، فإذا كان هناك خلل ما في توفر بعض مستلزمات الحياة في المنزل فيجب أن لا يفسّر هذا على أنّه نوع من إلحاق الأذى ، وإذا حدث وضحك أحدهما في غير مناسبة فعلى الآخر أن لا يتصور بأنّها موجهة ضده.

إنّ الحياة الزوجية ، خاصة لدى الشباب ، تحتاج إلى حسن في النوايا وتعاضد في الأعمال ، وإلاّ فإنّ روحيهما ( أي الزوجين ) ستكونان نهباً للقلق ، وحياتهما عرضة للتزلزل.

٧ - استعراض الحقائق معاً:

في الحياة المشتركة ينبغي أن يكون حصة العقل أوفر حظاً من حصة القلب ، حيث يمكن ، ومن خلال مناقشة بعض الحقائق معاً ، تلافي احتمالات الإخلال بالصفاء الزوجي ، ويتطلب هذا الأمر إصغاء الطرفين لبعضهما مع الأخذ بنظر الاعتبار بعض الضوابط الفكرية ، وإلاّ فإنّهما سيضطران إلى اعتماد أساليب بعيدة عن المنطق في حديث لا يمتّ إلى أرض الواقع بصلة أو جذر ، ممّا يؤدي إلى توتر العلاقات في الحياة الزوجية.

٨ - تقبل القيود:

إنكم لم تعودوا أطفالاً أحراراً كما كنتم بالأمس.إنّ الحياة الزوجية هي شكل من أشكال الحرية المقيدة والمشروطة ، يتقبلها الزوجان كأساس للحياة المشتركة ، وهي علاوة على كونها شرطاً في الحياة الزوجية فإنّها تعمل على تهذيب الإنسان وتشذيب أخلاقه في المعاشرة والصحبة من خلال بعض الضوابط والقواعد التي تصبّ في النهاية في مصلحة الزوجين بما يعزز من أمن واستقرار الأسرة.

٥٠

الفصل الرابع

الرغبات

الحياة هي المحاولات والسعي المتواصل ومجموع الأحلام والطموح لتحقيق الأهداف. يمرّ عهد الطفولة وتنقضي أيامه الزاخرة باللهو واللعب ، والخيالات الجميلة ، التي تنشأ من خلالها استعدادات الإنسان في المستقبل وتوجهاته ولكن البعض يتصرف في حياته وكأنّه ذلك الطفل الذي يسعى من خلال خيالاته أن ينال القمر.

إنّنا لا نطرح خطاً صارماً للحياة ، إذ من الممكن الخروج هنا أو هناك عن المسير المعين للحياة، ولكن المفروض هنا هو ذلك الجنوح في الخيال بعيداً ، لأنّه يضاعف من أخطار السقوط.

الحياة المشتركة والرغبات:

ما أكثر الرغبات التي تقود إلى المصائد وتجعل طعم الحياة مراً ، وهذه المسألة تكاد تكون عامّة تشمل كل نواحي الحياة إلاّ أنّها تتجلى واضحة جلية في الحياة الزوجية.

إنّ الوقوع في أسر الرغبات واتباع الشهوات واللهاث وراءها وتجاوز الحدود القانوية التي رسمها العقل والشرع من أجل سعادة الإنسان واستقراره ، إن تجاوز هذه الحدود - سيتسبب في اضمحلال الحياة الزوجية وانهيارها.

وما أكثر الخلافات والحساسيات ، وبعبارة أكثر صراحة ما أكثر

٥١

الانحرافات التي تطبع حياة البعض من الرجال أو النساء ، والتي تؤدي إلى انهيار الحياة المشتركة عن حسن نية.نعم ، نحن نؤمن بأن بعض المراحل من عمر الإنسان تقتضي التظاهر ومحاولة إلفات نظر الآخرين ، ولكن - وبعد أن يخطو الخطوة الأولى في دنيا الحياة المشتركة - عليهما الالتزام بالضوابط الإلهية ، وتوظيف هذه الموهبة الإلهية في دائرة الشرعية التي يحددها الدين.

مسألة الهدى:

أن تكون الحياة زاخرة بالأحلام الملوّنة والأماني الجميلة أمر لا يعترض عليه أحد ، ولا يدعي أحد كذلك بأنّ على الإنسان إذا ما وصل إلى سن البلوغ أن يقضي وقته بالعبادة والدعاء ، بالرغم من أنّ دائرة العبادة من وجهة نظر الإسلام تسع جميع الأنشطة الإنسانية التي تحظى برضا الله سبحانه ، حيث تعتبر بعض الأفعال كالأكل والنوم وحتى الممارسة الجنسية في حالات معينة عبادة يثاب عليها الإنسان.

إنّ ما يرفضه الدين هو الانقياد إلى الهوى واتباع الشهوات والوقوع في أسر الرغبات.بعبارة أخرى سقوط الإرادة ووقوع الإنسان في أسر الأهواء النفسية.فالذي لا يملك سلطاناً على عينيه ولسانه وأذنيه ، والذي لا يمكنه ضبط نفسه من الرغبات ، لا يمكنه أن يتمتع بشخصية متماسكة متينة ، وبالتالي يعرّض سمعته وطهارة ثوبه إلى الخطر.

الأخطار:

متعددة هي الأخطار التي تنجم عن الوقوع في أسر الشهوة والانقياد إلى الهوى ، فمنها:

١ - المعاشرة والانحراف:

تخضع المعاشرة من ناحية إسلامية لضوابط محددة ، فالإنسان المسلم

٥٢

مقيد بحدود معينة تنظم علاقاته مع الآخرين ، فهناك مسألة المحارم مثلاً كأبرز ضابطة شرعية تنظم علاقات الرجل والمرأة ، إذ ليس من حقنا أن نمزح مع أي كان أو نجالس أيّا كان أو نتحدث مع من نشاء.

إنّ بعض النزاعات التي تعكر من صفو الحياة الزوجية إنّما تنشأ بسبب إهمال هذه الضوابط ، إذ إنّنا نجد البعض - رجلاً أو امرأة - يقيم علاقات محرَّمة مع بعض الأفراد ، في نفس الوقت الذي يقوم فيه بتقطيع كل الأواصر مع زوجه ، ولا تستمر الحال هكذا إذ سرعان ما تتحطم حياة كل منهما وتذهب أدراج الريّاح.

٢ - الاشتراك في الحرام:

عادة ما تقود الشهوات إلى الوقوع في الحرام ، وبالطبع تكون البداية حضور الحفلات المحرمة التي تلوّث الإنسان تدريجياً ثم سرعان ما يجد المرء نفسه في أحضان الرذيلة ، وبمرور الأيام يزيّن رفاق السوء له هذه الحياة فيفضّلها على حياة الزواج والجو العائلي ، وعندها يولّي ظهره لزوجته ولأبنائه ويتضاعف الخطر عندما يدمن ذلك الإنسان على القمار أو الشراب أو تعاطي المخدرات إذ لا يكون همّه سوى الحصول على المال عن أي طريق ، وعندها تتهاوى الأسرة وتتحول إلى مجرد أنقاض آدمية.

٣ - التجمل والزينة:

يحث الإسلام على أن يتزين الزوجان لبعضهما ويظهرا بالمظهر اللائق ، وفي مقابل ذلك وضع الإسلام حدوداً لذلك تمنع من الإفراط الذي يقود إلى السقوط الأخلاقي ، وذلك عندما يتحول الرجل أو المرأة إلى أُلعوبة أو دمية تقلّبها عيون الناظرين. فالإسلام يمنع لباس الشهرة ، أو أن تتزين المرأة ثم تخرج من دارها.والإسلام يمنع المرأة من التبرج لغير زوجها أو أن تتعطر ثمّ تخرج في الشوارع، كل هذا من أجل صيانة الإنسان أخلاقياً ، وحمايته من السقوط أو الوقوع في شباك الشبهات.

٥٣

إن رعاية هذه الضوابط ضرورية في حياة المجتمع لكي يبدو أكثر طهراً و صفاءً.إنّ المهم في حياة الإنسان ليس جماله الظاهري بل نقاء الباطن وصفاؤه وسلامة الفكر والروح.

٤ - حب حتى العبادة:

يعيش بعض الشباب هاجس الطفولة بالرغم من تخطيهم ذلك السن وعبورهم تلك المرحلة ، فهم ينشدون من أزواجهم - مثلاً - حباً عنيفاً يصل درجة العبادة ! وأيَّ ( تقصير ) أو إهمال قليل في تلك ( الطقوس ) يجعلهم يشعرون بالمرارة والحزن والألم ، الذي سرعان ما يفجّر حالة من العدوانية والتنازع.وينبغي على من يعاني من هذه الحالة أن يخلو إلى نفسه قليلاً في محاولة لاستكشاف الباطن وتصفيته من تلك الميول اللامعقولة.

بواعث تلك الرغبات:

هناك من الأسباب والبواعث ما لا يمكن حصرها إلا أننا نذكر أهمّها وهي كما يلي:

- غياب النضج الكافي واعتماد العواطف.

- انعدام التجارب الحياتية وغياب الرؤية الصحيحة.

- الإحساس بالرتابة المملة والرغبة في خوض تجربة جديدة.

- استمرار حالة الطفولة.

- اللامبالاة وعدم الالتفات إلى المسائل العميقة للحياة.

- تناسي الهدف من وراء الحياة.

وأخيراً الوقوع في أسر الحياة العابثة واللهاث وراءها.

الرغبات والحساسيات:

إنّ السقوط في أسر الأهواء له آثاره المدمرة التي تطال الزوج وشريك حياته.

٥٤

إنّ أكثر الممارسات التي تنبعث عن الحساسية تضاعف من الآلام ، ذلك أنّ الرجال الذين يغارون على زوجاتهم ، وكذلك النساء الغيورات ، لا يمكنهم السكوت تجاه أزواجهم حتى لو اقتصر الأمر على مجرد ابتسامة لشخص ليس من المحارم.ومن وجهة نظر شرعية ، فإنّ حدود علاقاتنا مع الآخرين واضحة تماماً.

وفي ما يخص الزي الذي نرتديه فمسألة قد يدخل العرف في تحديدها ، وفي حدود يرسمها الشرع أيضاً ، وإنّ كل أمر يؤدي إلى إثارة الظنون أو الشبهات أو يعتبر مقدمة للإنحراف والسقوط هو حرام ، ذلك أنّ مقدمة الحرام حرام أيضاً ، كما تقرر ذلك القواعد الشرعية.

ضرورة مراجعة النفس:

ربما يغفر الله ما ارتكبناه من ذنوب في حياتنا الماضية شرط أن نعود إلى أنفسنا ونفكر فيما ينبغي أن نفعله مستقبلاً.فإنّ العودة إلى النفس ضرورية لأسباب ، منها:

- تحقيق حالة من الطمأنينة من خلال السعي إلى التكامل الروحي.

- أنّ أبناءنا بحاجة ماسة إلى آباء وأمهات في مستوى المسؤولية.

- أنّ الأفراد في المجتمع الإنساني مسؤولون أمام بعضهم البعض ، كل حسب موقعه ، لتحقيق حالة من الاستقرار والسعادة.

إذن ، فنحن في حالة من الحركة ينبغي علينا خلالها الالتفات إلى أنفسنا والانتباه إلى ممارساتنا وأعمالنا والسعي الدائم لتجنب السلوكيات المنحرفة والضارة ، نصلح ما اعوجّ منها ونعتبر بما يواجهنا من خطر.

إنّ التهافت على الشهوات والرغبات سيمنعنا من الوصول إلى نبع السعادة ، ولذا فإنّ علينا أن نعزز من سلطة العقل ، وأن نحدد ما استطعنا من نفوذ العاطفة ، ذلك أنّ الحياة تحتاج في إدارتها العقل لا العواطف والأحاسيس.

٥٥

المراقبة:

الزواج هو عهد المسؤولية وزمن الحساب ، فلقد ولّت حياة الضياع ، ودخل الزوجان عالماً جديداً ودنيا جديدة يتحمل فيها الطرفان الأعباء سوية ، ويتقاسمان فيها المسؤوليات كلّ حسب إمكاناته وقابلياته التي أودعها الله فيه.

ولذا فإنّ تواجدنا في المنزل في ساعة معينة لا يعتبر منقصة لنا ، وكذلك فإنّ خروج المرأة من المنزل ينبغي أن يتم بموافقة زوجها حفظاً لها ، وصوناً لعفّتها وسمعتها.فالرجل يعتبر زوجته رمزاً لكرامته ، وهو المسؤول الأوّل عنها.لذا فقد ورد في الأحاديث أنّ الملائكة ما تزال تلعن المرأة التي تخرج دون إذن زوجها حتى تعود.

احترام الحقوق ورعايتها:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها )(١) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما زال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها )(٢) .

من بواعث النزاع في الحياة الزوجية هو انعدام تلك العلاقة الصميمية والمودّة بين الزوجين ، في نفس الوقت الذي ينفتحان فيه على الآخرين بعلاقات غير صحيحة مما يؤثر سلباً في نفسيهما ويضاعف لديهما العقد.

التعفف:

تعتبر المحافظة على العفّة واحدة من أنجع الوسائل والسبل في منع وقوع النزاع بين الزوجين.إنّ صيانة النفس عن الانحراف والوقوع في الحرام هو من خصال العفّة وطهارة الثوب ، فالزينة والتجمل مطلوب على أن ينحصر ذلك بين الزوجين فقط.

____________________

(١) كنز العمال.

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٠٣ ، ص ٢٥٣.

٥٦

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أيّما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا منها ريحها هي زانية)(١) .

ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين علاقة صداقة وحب ، كما أنّ هدف كل منهما أن يكون صاحبه مُلكاً خالصاً له لا يفكر بغيره ولا ينظر إلى سواه ، وفي هذه الحالة فإنّ التجمل والزينة والمعاشرة الحرّة مع الآخرين سيُلقي - شئنا أم أبينا - ظلاله السوداء في القلوب ، ويكون باعثاً على سوء الظن ممّا يؤدي بالتالي إلى إضعاف واضمحلال العلاقة الزوجية.

إنّ العفّة والتعفف ، وإضافة إلى ما ذكرنا ، حُصن حصين ، يحمي الإنسان من الوقوع في شباك الماكرين المنحرفين الذين لا همّ لهم سوى استغلال بعض الثغرات ، والولوج إلى حرم الحياة الزوجية وتلويثها ، وبالتالي تدميرها ، وعندها لا ينفع ندم النادمين.

التعاليم الإسلامية:

من مزايا الإسلام الحنيف أنّه يعيش مع الإنسان جميع لحظاته وسكناته ، وهو كالبوصلة التي تشير دائماً إلى الاتجاه السليم ، حيث يبدأ عملها منذ اللحظة الأولى للقيام بعمل ما - أعني منذ انعقاد النية - ولذا نشاهد أنّ الإسلام ، مثلاً ، لا يجيز لنا القيام بعمل من شأنه أن يضعنا في موضع الشبهات ، ويثير سوء الظن حولنا.

وفي هذا المضمار تؤكد وصايا الإسلام اجتناب كل الأعمال التي تؤدي إلى تفجر النزاع في الحياة المشتركة وضياع كل الجهود في مهب الرياح.

علينا أن نفكر وأن نضع أنفسنا مكان أزواجنا عندما نريد القيام بعمل ما ، فإنّنا وإن تمكنّا من استغفال أزواجنا في ذلك ، فإنّ الله سبحانه هو شاهد على جميع أعمالنا.

____________________

(١) ابن ماجة ، ج ٨ ، ص ١٥٣.

٥٧

الفصل الخامس

عقدة التفوق

يطمح كل إنسان ، إلى حدٍّ ما ، لأن يرى نفسه متفوقاً حتى لو استدعى الأمر أن يعيش في عالم الخيال الجميل ، ومن خلال ذلك يخامره شعور بالعظمة التي تبعث في نفسه الفرحة والأمل بالحياة.

ولكن ما يبعث على الأسف أنّ البعض من الناس يتجاوز الحد إلى فرض هذه الرؤية على الآخرين.وفي استقرائنا للعلل والأسباب التي تؤدي إلى نشوب النزاع في بعض الأسر ، واجهنا بعض النماذج من الناس ، الذين يحاولون حتى في إطار الأسرة إثبات تفوقهم المستمر بطريقة أو بأخرى ، فهناك - مثلاً - التدليل بالثراء ، أو المستوى العلمي ، أو حتى بالمناصب والوجاهات لبعض أقاربهم ، وزَجّهم في هذه المسألة لإثبات تفوّقهم أمام أزواجهم !.

وربّما يصل الأمر حداً ، ومن خلال الإيحاء المستمر إلى شعور البعض بأنّهم قد خسروا الكثير في زواجهم ، وأنّ شأنهم ومنزلتهم لا يتناسب والحياة مع هكذا أزواج.ولذا ، ومن خلال هذه التصورات ، يشعر بالحسرة على نفسه ، وفي أحسن الأحوال يتغير شعوره تجاه زوجته ؛ فإذا هو ينظر إليها على أنّها مجرد سكرتيرة أو خادمة.وقد نرى هذه الحالة المرضيّة لدى المرأة أيضاً ؛ إذ تخلط في تعاملها مع زوجها كما لو كان خادماً لديها !.

الأزواج المعقّدون:

تنشأ هذه الحالة بسبب بعض العقد النفسية ، التي هي في واقعها وليدة

٥٨

لمرض معين ، أو تربية خاطئة ، تسبب في تعكير صفو حياتهم وحياة الآخرين ، وهؤلاء لا يعيشون سوى تلك الهموم التي تجعلهم ينظرون بتشاؤم إلى الآخرين ، فهم يشعرون بالأسف لجهل الآخرين منزلتهم وبقاء شخصيتهم في الظل ، ولذا فهم يشعرون بالوحدة والشقاء ، الذي تتضاعف حدّته يوماً بعد آخر.

فهم لا يملّون الحديث عن إنجازاتهم ، وعن ذكائهم الخارق ، أو عن درجاتهم العلمية ، أو ثرائهم ، ويودّون أن يتحدث الناس عن مناقبهم لكي يَرْوُوا ظمأهم من الزهو بأنفسهم.وقد يصل الحدُّ بهم إلى أن يذيقوا أزواجهم المرارة والعذاب ممّا يؤدي في النهاية إلى تقويض أركان الأسرة.

وفي التعامل الزوجي:

عادة ما يرى أولئك الأشخاص أنفسهم أكبر من حجمهم ، ولذا فهم يعرضون أنفسهم على أنّهم أعلى منزلة من الآخرين ، وبمرور الزمن تتحول أفكارهم تلك إلى نوع من التكبر والغرور ، فيحاولون من خلال ذلك تحديد علاقاتهم وحصرها في ( عالم الكبار ) - إذا صح التعبير - فترى أحاديثهم ( بالونية ) الحجم والمحتوى.وإذا كانت لديهم إيجابية في صِفة أو عمل فإنّهم يضعونها تحت المجهر ويسهبون في الحديث عنها ويطنبون.

وقد يتعذر عليهم ذلك خارج الأسرة ، فيحاولون إفراغ هذه الشُحنة ، وتعويض هذا النقص ، داخل أسرهم ، مع أزواجهم وأبنائهم ، ويتحدثون عن شأنهم وعلوّ منزلتهم ، فإذا لم يجدوا ما يتحدثون به عن أنفسهم ، فتحوا دفاتر الأقرباء يقرؤون ويشرحون ، وإذا تطلب الأمر بادروا إلى السحب من أرصدتهم ( المصرفية ) وتوقيع الصكوك تلو الصكوك.

وهذه الحالة من الزهو التي قد تنشأ في الايام الأوّلى من الزواج في محاولة استعراضية ، تجد الزوجة فيها نوعاً من الحديث العذب ، تتسبب في إثارة الصداع لديها إذا ما تكررت وأصبحت عادة متجذرة ، وقد تفسّرها على أنّها نوع من الإهانة الموجهة إليها وإلى كرامتها ، ليجرها بالتالي إلى البحث عن العيوب والمثالب في محاولة للرد بالمثل إذا صح التعبير.

٥٩

البواعث:

ومن أجل البحث في بواعث هذه الحالة ومعرفة الأسباب التي تكمن وراءها في محاولة للحدِّ منها ، أو التخفيف من آثارها على الطرف الآخر ، لا بد من الإشارة إلى ما يلي:

١ - الغرور الفارغ:

ربما تدفعنا بعض المجالات الخاصة إلى الإحساس بالغرور الفارغ ، فربّما نحصل على ثروة من ( إرث ) الآباء أو الأجداد ، أو عن طريق آخر ، كالرشوة أو الاختلاس باسم الحق ، ثمّ نظن أنّ هذه الثروة تجعل لنا حقاً استثنائياً في استرقاق الآخرين ؛ أو نحصل على شهادة علمية ، ربما جاءت في بعض الأحيان عن طريق الغش أو ترديد بعض المعلومات المدرسية ، ثمّ نرقتي بسبب ذلك منصباً معيناً فنتصور الآخرين أقلّ فهماً وإدراكاً منّا ، وأنّ عليهم أن يكونوا تابعين لنا ، في آرائنا ، وأفكارنا ، وخططنا ، دون أن نفكر بأنّ أزواجنا وأولادنا لا ذنب لهم لكي يكونوا - دائماً - عبيداً تابعين.

٢ - حب السيطرة:

من العادات الخاطئة التي تترسب في نفوسنا منذ أيام الطفولة ، وقد ترافقنا إلى نهاية العمر ، هو الدلال الذي اعتدنا عليه في أيام الصغر ، والذي قد يصور لنا الآخرين مجرد خدم لا شغل لهم سوى تلبية طلباتنا.

ومما يزيد الطين بلّة ، هو استمرارها حتى بعد الزواج إذ نتصور الطرف الآخر خادماً لنا ينبغي عليه أن يلبّي كل ما نطلبه منه ، غافلين عن كونه إنساناً له كرامته وشخصيته التي تأبى عليه أن يكون عبداً لا أهمية له.

وهذه الظاهرة في حقيقتها مرض أخلاقي أو نفسي ينبغي علاجه ، لأنذ استمرارها ستكون له آثاره المدمرة ، خاصة في الحياة الزوجية.

٣ - النرجسية والأنانية:

من دواعي الأسف أنّ الكثير منّا ما يزال أسيراً لهوى نفسه يلهث وراء رغباتها ولا يرى شيئاً ولا أحداً سوى نفسه فقط.

٦٠